القائمة إغلاق

التمييز بين التسلُّط والسيطرة والامتلاك Obsession Opression & Possesion

 إن الطريقة الأساسية التي يحاول إبليس من خلالها أن يجد مدخلاً إلى البشر هي عن طريق أذهانهم وأجسادهم. وبقدر ما يخضع الشخص لإبليس في هاتين الزاويتين، بقدر ما يتمكن إبليس من السيطرة عليه. وحيث أن الإنسان روح يمتلك نفسًا ويسكن في جسد، فإن الأرواح الشريرة يمكنها أن تؤثر على جسد الإنسان ونفسه (والتي تشمل ذهنه ومشاعره وإرادته)، حتى على الرغم من عدم تواجدها في روحه.

كي ندرك حقًا كيف تؤثر الأرواح الشريرة على البشر فمن الضروري أن نفهم الفرق بين التسلط والسيطرة والامتلاك. كثيرون يستخدمون هذه المصطلحات بالتبادل، غير مدركين أنها تشير إلى ثلاث درجات مختلفة من التأثير الشيطاني.

تسلُّط أرواح الشر على الإنسان

بإمكان أرواح الشر أن يكون لهم بعض التأثير، وذلك فيما يسعون لقمع الجنس البشري والضغط عليه. فبإمكانهم أن يضغطوا على أي شخص –حتى لو كان مؤمنًا إن سمح لهم بذلك– سواء من داخل جسده ونفسه، أو من خارجهما.

بالطبع تحظى الأرواح الشريرة بأوسع مجال من التأثير إن تمكنوا من سكنى جسد الإنسان؛ لأنهم بذلك يصبحون قادرين على التعبير عن أنفسهم في العالم الطبيعي. لكن إن لم تستطع الأرواح الشريرة أن تسكن في البشر، فإنهم يسعون للتأثير في محيط هؤلاء الأشخاص في العالم الروحي. ففي أحيان كثيرة يمكن للأرواح الشريرة أن تضغط من الخارج على المؤمنين.. حتى الممتلئين منهم بالروح القدس. وإبليس يسعى دائمًا للتسلط علينا من خلال وضع شتى أنواع الضغوط علينا، حتى ندرك أخيرًا وطأة هذه الضغوط.

ينبغي أن نعرف أيضًا أنه توجد درجات لتسلُّط الأرواح الشريرة على البشر. بمعنى آخر، إن هذه الأرواح الشريرة تتسلط بدرجات متفاوتة من شخص لآخر. لعلنا جميعًا من حين إلى آخر قد واجهنا ضغوطًا من أرواح شريرة بدرجة كبيرة أو صغيرة. على سبيل المثال، ربما يأتي هذا التسلط على صورة مزاج رديء يحاول أن يسيطر علينا. يحتمل أن يكون ذلك نتيجة تسلط مباشر لإبليس. لقد طُلب مني كثيرًا: “صل لأجلي لأني أشعر وكأن سحابة سوداء ضخمة تحيط برأسي“.

هذا مثال لتسلط شيطاني. وعادة ما يكون البشر عرضة لتسلط الأرواح في أوقات معينة بالأكثر. لكن عندما ننتهر هذا التسلط في اسم يسوع ونقف بثبات ضده ونقاومه، فسيهرب إبليس دائمًا منا (متى 18: 18؛ لوقا10: 19؛ فيلبي 2: 9-11؛ يعقوب 4: 7). إذ لا يوجد ما يدعو المؤمنين أن يعيشوا تحت ضغوط وتسلط العدو. كثيرًا ما يشعر المرء وكأن حملاً قد رُفع من على كتفيه عندما يتخلص من هذا التسلط.

يُعتبر الخوف أيضًا صورة من صور التسلط التي تمارسها أرواح الشر ضد المؤمنين وتقيدهم فيتعثرون مرة بعد الأخرى. فالخوف يمكن أن يسيطر على أذهان المؤمنين فيعيق أرواحهم عن أن تعمل كما ينبغي، ويمنعها من ممارسة سيادتها على أذهانهم وأجسادهم.

يستطيع الخوف أيضًا أن يسيطر على جسد المؤمن ويجعل معدته تنقبض كما لو أن قوة ما تسيطر عليها. وهذا قد يفتح الباب للكآبة واليأس. لكن الكتاب المقدس يخبرنا أن الله لم يعطينا روح الخوف (2 تيموثاوس 1: 7). هذا يعنى أن لنا سلطانًا على الخوف، ولنا الحق في التصدي له وانتهاره.

تعلَّم كيف تتقوى في قدرة الله وتستخدم مجده وقوته التي في كلمته لتحارب العدو. لم يخبرنا الله أبدًا أنه علينا أن نصارع أو نحارب العدو (2 أخبار 20: 17)، لكن علينا أن نحارب حرب الإيمان الحسنة ونثبت ضد العدو في الإيمان بكلمة الله (1 تيموثاوس 6: 12). وعندما تتصدى للعدو بكلمة الله، سيتركك الخوف ويرحل.

إن الخوف ليس صديقًا، إنما عدوًا.. لذا لا يجب أن تقبله وتغذيه أو حتى تتعايش معه. بل تتصدى له وتتجنبه كما تتجنب المرض أو السقم. تكلم بكلمة الله إلى الخوف ومارس سلطانك عليه في اسم يسوع، ولابد أن يرحل.

يمكن للأرواح الشريرة أن تتسلَّط على جسد أي إنسان –حتى وإن كان مؤمنًا– سواء من الخارج أو من الداخل. دعني أقدم لك توضيحًا لتسلط الأرواح الشريرة على جسد الإنسان. فالمعاناة الجسدية يمكن أن تكون نتيجة مباشرة لمهاجمة أحد الأرواح الشريرة لجسد الإنسان.

كنت أخدم في كنيسة ذات مرة عندما تقدم أحد المؤمنين في صف الشفاء لأجل الصلاة. قال لي: “لقد أخبرني الأطباء أن لديَّ مجموعة من القرح في معدتي في حجم عش دبور”. كان الأطباء قلقين من أن تسوء حالته، لكن هذا الشخص رفض أن يجروا له عملية جراحية.

قلت لهذا الرجل: “يقول إنجيل متى 8: 17، ‘هُوَ أَخَذَ اعتِلاَلاَتِنَا، وَحَمَلَ أَمرَاضَنَا’” ثم وضعت يديَّ عليه وصليت. بمجرد أن وضعت يديَّ عليه كان هناك إظهار لموهبة كلمة العلم –واحدة من إظهارات الروح القدس الخارقة للطبيعة (1 كورنثوس 12: 8). علمت أن روحًا شريرًا كان يتسلَّط على جسده، وأدركت أنه ينبغي عليَّ أن أطرد هذا الروح الشرير من جسده قبل أن يمكنه التحرر من مشاكل معدته.

لكني عرفت أنه لو لم أوضح للحضور ما سأفعله، فربما يأتي هذا بضرر أكثر من نفع. فإن حدث وأخرجت روحًا شريرًا من مؤمن دون أن توضح للحضور، ستجدهم يفكرون: “لقد خلُص هذا الشخص وامتلأ بالروح القدس، وهو عضو في الكنيسة. إن كان به روح شرير، فربما يوجد بي روح شرير أيضًا”. وإن بدأ الناس يفكرون ويتكلمون بهذه الطريقة، فسيفتحون عن جهل بابًا لإبليس، فتتسلط عليهم أرواح شريرة. لهذا السبب يحتاج الخدام أن يسلكوا بحكمة عندما يخدمون أمام العامة.

قبل أن أخدم لهذا الشخص وضحت للجموع قائلاً: “إن إبليس –وليس الله– هو مصدر كل مرض وعلة. فهو يسبب بطريقة غير مباشرة كل خطية وسقم ومرض. في بعض الأحيان، يكون هناك وجود حرفي للشيطان في جسد الإنسان يعزز من وجود الأمراض والأسقام. وعندما يكون هذا هو الوضع، فلابد أن نتعامل مع هذه الأرواح بقوة الروح القدس. “في حالة هذا الرجل، يوجد روح شرير يتسلَّط على جسده مسببًا له هذه القروح. والآن سوف أخرج هذا الروح الشرير من جسده.. وليس من نفسه أو روحه.

ثم أكملت: “إن كنت تعيش في منزل قديم به حشرات، فهذا لا يعني أنه يوجد بك حشرات. بالمثل أيضًا، إن جسدك هو المنزل الذي تعيش فيه، لكنه ليس هو كيانك الحقيقي. إنما روحك الإنسانية التي في الداخل هي كيانك الحقيقي. وإن كنت مولودًا ثانية، فروحك لا يمكن أن يوجد بها شيطان. لكن جسدك –المنزل الذي تعيش فيه روحك– يمكن أن يتسلَّط عليه روح شرير“.

بعدما فسَّرت ذلك للحضور، وضعت يديَّ على هذا الرجل مرة أخرى. عندما فعلت ذلك، كشف لي الروح القدس شيئًا آخر عن طريق كلمة العلم. من خلال هذه الموهبة علمت بإعلان داخلي كيف سمح هذا الرجل لروح شرير أن يدخل جسده.. لقد فتح بابًا لإبليس.

رأيت ما أدعوه “رؤيا مصغَّرة”. وعلمت أن ما رأيته في الروح كان قد حدث لذلك الرجل قبلها بليلتين. رأيت ذلك الرجل مستلقيًا على فراش في حجرة النوم الأمامية لمنزله. كان الوقت عندئذ منتصف الليل، لكنه لم يتمكن من النوم. ثم رأيته ينهض ويتمشى في منزله. كان يوجد فراش في جزء مغطى بالحديقة الخلفية. رأيته يتقلب على هذا الفراش من جنب إلى جنب وهو يمسك بمعدته لأنها كانت تحترق مثل النيران. ثم علمت أيضًا عن طريق الروح القدس أن هناك شيئًا آخر يزعجه، وقد علمت بالتحديد ما هو. عرفت كل هذا في لحظة من الوقت من خلال موهبة كلمة العلم.

قلتُ لذلك الرجل: “منذ ليلتين وفي منتصف الليل كنتَ في الحجرة الأمامية لمنزلك لا تستطيع النوم. فنهضتَ ورحتَ تتمشى في المنزل. ثم توجهتَ إلى الحديقة الخلفية واستلقيتَ على فراش هناك وأنت تتقلب وتتأوه من الوجع. كنتَ ممسكًا بمعدتك لأنها كانت تحترق مثل النيران.

“لكن كان هناك شيء آخر يزعجك. لقد كان ضميرك يؤنبك. الآن لا أريد أن أورطك في أي متاعب. لكن على الرغم من أنك خلصت وامتلأت بالروح القدس وصرت عضوًا في هذه الكنيسة منذ سنوات عديدة، إلا أن الرب أراني أنك لم تدفع عشورك قط، سواء في الوقت الماضي أو حاليًا”.

أجاب: “إني لم أدفع عشوري بالفعل”.

فقـلت: “كـان هـذا الأمـر يـزعجـك. فلـم تكـن مـعدتـك تحتـرق مثـل الـنيـران وحسـب، لـكن

ضميرك أيضًا كان يؤلمك. لذلك لن أتمكن من الصلاة لك ما لم تصفِّ هذا الأمر مع الرب. ماذا ستفعل بخصوص دفع العشور؟ هل ستطيع الرب أم تعصيه؟”

أجاب: “سوف أطيع الرب وأدفع عشوري”.

هكذا ترى كيف يمكن للبعض أن يفتحوا بابًا لإبليس من خلال العصيان. بمجرد ما أن تاب هذا الرجل وفعل ما يريده الله، استطعت أن أخدم له. فوضعت يدي عليه وطردت الروح الشرير الذي كان متسلطًا على جسده ومسببًا له القرح.

بعدما أخرجت الروح الشرير منه قلت له: “في طريق عودتك اليوم من الاجتماع، ابتع لنفسك شرائح من اللحم وتناولها في البيت”. لم يكن هذا الرجل يأكل سوى طعام الأطفال لمدة سنتين، ولم يستطع أن يعمل طوال تلك الفترة. ففعل ما أخبرته به، وعندما رجع إلى الأطباء أجروا له أشعة على معدته فوجدوا أن القرح قد اختفت تمامًا. فعاد إلى عمله في الأسبوع التالي.

والآن سأقدم لك مثالاً لتسلط الأرواح الشريرة على ذهن الإنسان. كنت أخدم في اجتماع ذات مرة عندما تقدم رجل إلى الصلاة. كان يعاني من اضطراب عصبي ولم يستطع النوم. فوضعت يدي عليه وصليت لأجله ثم عاد إلى مقعده، وأكملت الصلاة لأجل الآخرين.

ثم حدث أني ألتفت بغير قصد إلى موضع هذا الرجل. كانت عيني مفتوحتين عندما أعطاني الرب موهبة تمييز الأرواح، فرأيت في عالم الروح. رأيت ما يشبه روحًا صغيرًا جالسًا على كتف هذا الرجل. كان يشبه قردًا صغيرًا، لكن له وجه مختلف.

كانت يدا هذا المخلوق الصغير تلتفان حول رأس هذا الرجل مثل طوق. لم أكن أعلم وقتها أنه قد تقرر بالفعل إيداع هذا الرجل في مصحة عقلية. كان في انتظار السلطات أن تأتي وتسلمه إلى هناك.

قلت له: “تقدم من فضلك يا أخي”، فتقدم إلى الأمام. تكلمت إلى الروح الشرير المتسلِّط على ذهنه. (في مثل هذا الموقف عليك أن تتعامل مع الروح الشرير وليس الشخص.) لم أخبر أحد بما رأيته لأنه لم يكن من الحكمة أن أفعل ذلك في اجتماع عام. إنما قلت لهذا الروح الشرير: “آمرك أيها الروح الأحمق يا مَن تتسلَّط على هذا الرجل وتقيده، آمرك بأن تطلقه في اسم يسوع. ارفع يدك من على ذهنه في اسم يسوع”.

عندما قلت ذلك، أرخى هذا المخلوق الذي يشبه القرد قبضته حول رأس الرجل، وسقط من على كتفه، ووقع عند قدميه يرتعد. ثم تكلم هذا المخلوق الصغير وقال: “بالتأكيد لا أريد أن أفعل ذلك، لكني أعلم أنه ينبغي عليَّ أن أرحل ما دمتَ قد أمرتني بذلك“.

أجبته: “لا تتركه وحسب، إنما غادر هذا المجمع بأسم يسوع”. فقفز هذا المخلوق الضئيل وخرج من الباب. ورفع الرجل يديه وبدأ يسبح الله. ثم قال لي: “يبدو وكأن نيرًا من حديد قد كُسر من حول رأسي”. كان هناك شيطان متسلطًا على ذهنه، لكنه تحرر بالكامل.

على الرغم من أن روحًا شريرًا قد تسبب في الاضطراب العصبي الذي عانى منه هذا الرجل، إلا أن هذا لا يعني أن كل حالة اضطراب عصبي سببها روح شرير. لذا تحتاج أن تعتمد على الروح القدس لتعرف إن كان هناك وجود حقيقي لروح شرير يسبب المرض. فلن يمكنك أن تدرك هذا بالمعرفة أو الحكمة البشرية. لكن في مثل هذه الحالة، علمت عن طريق الروح القدس أن ما يعاني منه هذا الرجل هو نتيجة مباشرة لوجود روح شرير.

لم يذهب هذا الرجل إلى مصحة عقلية. في الواقع، ظل على خير ما يرام بعد مرور سنوات. شكرًا لله لأجل قدرته ولأجل إظهارات الروح القدس الخارقة للطبيعة. فبدون كلمة الله وقيادة الروح القدس نحن عاجزون لا عون لنا.

هل يمكن للمؤمنين أن يخضعوا للأرواح الشريرة؟

لقد رأينا كيف يمكن لروح شرير أن يتسلط على جسد أو ذهن إنسان –مؤمن أو خاطئ على حد سواء. كذلك من الممكن بعدما يتسلط روح شرير على مؤمن أن يخضع له المؤمن ويمنحه مكانًا.

تثبت الشواهد الكتابية حقيقة أن المؤمن يمكن أن يخضع لله ثم يتحول بعد ذلك ويخضع للشيطان. هذا ما حدث مع بطرس. فبطرس لم يكن مولودًا من جديد في ذلك الوقت، لأن يسوع لم يكن قد مضى إلى الصليب ليدفع ثمن فدائنا، وقد استخدمه الله لينطق بإعلان عن الروح القدس. لكنه بعد ذلك مباشرة خضع للشيطان (متى 16: 20- 23).

لكن يوجد فرق كبير بين أن يتسلَّط روح شرير على إنسان وبين أن يمتلكه. فأحيانًا يخضع الفرد بصورة جزئية للأرواح الشريرة. لكن كلما خضع لهم الفرد بدرجة أكبر، كلما ازداد تأثير تلك الأرواح وسعيها للسيطرة عليه (رومية 6: 16). لكن هناك خبر سار.. لا داعي للمؤمنين أن يخضعوا للشيطان أو للجسد. بإمكانهم أن يتعلموا كيف يخضعوا للروح القدس.

رومية 6: 16

16 أَلاَ تَعرِفُونَ أَنَّكُمْ حِينَ تَضَعُونَ أَنفُسَكُمْ تَحتَ تَصَرُّفِ شَخصٍ لِتُطِيعُوهُ، فَإنَّكُمْ تَكُونُونَ عَبِيدًا لِمَنْ تُطِيعُونَ؟ فَالعُبُودِيَّةُ لِلخَطِيَّةِ تُؤَدِّي إلَى المَوتِ، وَالعُبُودِيَّةُ لِطَاعَةِ اللهِ تُؤَدِّي إلَى البِرِّ.

يعلِّمنا الكتاب المقدس أنه عندما تُخضِع وتسلِّم نفسك لشخص ما، فأنك تصبح في النهاية عبدًا له. في بعض الأحيان يكون خضوعنا للروح القدس خضوعًا جزئيًا، وفى أحيان أخرى نخضع له بصورة كلية. لا أعرف شخصًا خضع للروح القدس بصورة كاملة كل حياته عدا يسوع. جميعنا نسعى إلى ذلك، لكننا لم نبلغه بعد.

ما يسري على الجانب الايجابي ينطبق أيضًا على الجانب السلبي. فكما أنه بإمكان الشخص أن يخضع بصورة جزئية للروح القدس، كذلك بإمكانه أن يخضع بصورة جزئية أو كلية للأرواح الشريرة. وكلما ازداد خضوع الإنسان للأرواح الشريرة، كلما احتلت مساحة أكبر فيه محاولةً أن تمتلكه في النهاية.

دعني أقدم مثالاً لمؤمن خضع للشيطان. أحيانًا ما أحكي عن زوج ابنتي “بادي هاريسون” الذي عانى في وقت ما من مشكلة بسبب خضوعه لأرواح شريرة. الآن هاريسون هو الراعي المؤسس لجمعية الإيمان المسيحي في تلسا بأوكلاهوما، كما أنه رئيس دار هاريسون للنشر. لكنه في عام 1963 كان يعاني من بعض المشاكل.

لم يكن “بادي” في ذلك الوقت قادرًا على الالتزام بأي شيء لفترة من الوقت. لم يكن قادرًا على الاحتفاظ بوظيفة، فكان دائمًا يستقيل ويرحل. لم يكن قادرًا على المكوث في الكنيسة. في بعض الأوقات كنا نراه يقود كورال الكنيسة وكل شيء يسير على ما يرام. ثم في وقت آخر نراه مبتعدًا عن الكنيسة. كان يأتي في بعض الأحيان وينفخ دخان السيجار في وجهي. لم أقل له أي شيء إطلاقًا، إنما كنت أسلك بمحبة نحوه وحسب. كنت أعلم أن في مثل حالته يكون روح شرير مؤثرًا عليه. فلم يكن مجرد جسده يسود عليه. كان مؤمنًا متذبذبًا “يو يو” حينًا في الصعود وحينًا في الهبوط.

كنت أصلي ذات مرة في عصر أحد الأيام لخدمة المساء، حينما تكلم إليَّ روح الله فجأة بخصوص بادي. قال لي: “توجد ثلاثة أرواح شريرة تحيط ببادي”. وفى الحال رأيت “رؤيا روحية مصغرة”. رأيت بادي وهو يسير بجانب الطريق، ورأيت تلك الأرواح وهي تتبعه مثل كلاب صغيرة. لم تكن هيئتهم تشبه الكلاب بالضبط، بل مثل القردة. كان أحدهم يسير على جانب الطريق الأيمن، والآخر على الجانب الأيسر، والثالث في منتصف الطريق يتبع بادي.

قال لي روح الله: “هذه الأرواح الثلاثة تتبع بادي. سيتحول بادي إلى جانب اليمين ويخضع للشيطان الذي عن يمينه لوقت. ثم يرجع مرة أخرى ويستقيم ويسلك بصورة صحيحة. ثم يتحول ويخضع للشيطان الذي عن يساره لوقت. ثم يرجع مرة أخرى ويسلك باستقامة كابن لله. ثم يخضع بعد ذلك للشيطان الذي خلفه لبعض الوقت”.

ثم أكمل قائلاً: “في أوقات معينة يخضع بادي لهذه الأرواح الشريرة. ومع ذلك، ففي أوقات أخرى يخضع للروح القدس. لهذا السبب كان يبدو أحيانًا وكأن لديه انفصام في الشخصية”. كان بادي يتصرف وفقًا للروح الشرير الذي يخضع له. كان الأقارب يعلِّقون قائلين: “نحن لا نفهم بادي، هل لديه انفصام في الشخصية؟” كان بادي وقتها مؤمنًا مولودًا ثانية وممتلئًا بالروح القدس. لكن كون الشخص ممتلئًا بالروح القدس لا يعني أنه محصن ضد الخضوع لإبليس. إذ يظل لدى المؤمنين حرية الإرادة والقدرة على الاختيار.

عندما أراني الرب هذه الأرواح الشريرة وهى تحيط ببادي مثل الكلاب الصغيرة قلت للرب: “ماذا تريدني أن أفعل بشأن ذلك؟ هل تريدني أن أصلي لأجله؟”

قال لي: “لا تصلي لأجله”.

فقلت: “حسن، ماذا تريدني أن أفعل إذًا؟”

قال لي: “تكلم إلى تلك الأرواح الشريرة وآمرهم بأسمي –بأسم يسوع– أن يتوقفوا عن مؤامراتهم ضد بادي”.

فقلت: “لكني في ولاية أوكلاهوما، وبادي في ولاية تكساس”.

قال لي: “لا توجد مسافات في عالم الروح. تستطيع وأنت في مكانك أن تتكلم إلى أرواح تـعمل ضـد شخص في مكان آخر وتأمرهم أن يطيعوك في اسمي. لا تحتاج أن تتواجد

هناك”.

قلت له: “أخبرني كيف أفعل ذلك”.

قال لي: “تستطيع ببساطة أن تقول: ‘بأسم الرب يسوع المسيح، آمركم أيتها الأرواح الحمقاء يا مَن تتبعون بادي أن تتوقفوا عن مؤامراتكم ضد بادي’”.

تكلمت بهذه الكلمات ببساطة. ثم رأيت في عالم الروح أن تلك الأرواح الشريرة قد اختفت. ثم جاءت إلى كلمة الله قائلة: “سيلتحق بادي بوظيفة في غضون عشرة أيام. وسيبقى فيها إلى أن يفعل شيئًا آخر أحتفظ به لأجله”. فكتبت ذلك على قطعة من الورق وكتبت تاريخ ذلك اليوم، ثم وضعتها في حافظتي.

في المرة التالية التي رأيت فيها بادي قال لي: “أبي، لقد حصلت على عمل”.

قلت له: “أعلم ذلك”. ثم أخرجت الورقة من محفظتي وأعطيتها له فقال: “بالضبط. لقد حصلت على الوظيفة في اليوم العاشر من ذلك التاريخ”. استمر في ذلك العمل ونجح فيه حتى جعله صاحب العمل نائبًا للمدير. وفيما بعد دعاه الله إلى التفرغ الكامل للخدمة. ولا يزال يسير مع الله منذ ذلك الحين.

إبليس والجسد والعالم

يمكن للمؤمنين أن يخضعوا لإبليس ومكائده، ويسمحوا له أن يسود عليهم متى شاءوا. كما يمكنهم أن يخضعوا للجسد بشهواته وملذاته، ويسمحوا له أن يسود عليهم. كذلك أيضًا بإمكانهم أن يخضعوا للعالم، ويسمحوا له أن يسود عليهم.

على الرغم من ذلك، تجد كثيرين يحاولون أن يخرجوا شيطانًا من أحد المؤمنين، في حين أنه يخضع للعالم أو للجسد أو لإبليس. لكن الكتاب يعلِّمنا أنه على المؤمنين أن يتعاملوا مع العالم والجسد وإبليس بأنفسهم، وأنهم لن يتحرروا من تأثير تلك العناصر الثلاثة إلا عندما يمضوا ليكونوا مع يسوع في السماء (1 يوحنا 4: 3 و4، 1 يوحنا 2: 15- 17). لكن خضوع بعض المؤمنين للعالم أو للجسد أو لإبليس لا يعني أن روحًا شريرًا قد دخل فيهم أو امتلكهم.

شكرًا لله لأن الكتـاب يـعلِّمنا أنه لا ينبغي للمؤمن أن يخضع للعالم أو لإبليس أو للجسد.

فهو يخبرنا أننا لو وُلدنا من جديد، فنحن قد غلبنا العالم من خلال يسوع (1 يوحنا 5: 4 و5؛ يوحنا 16: 33؛ 1 يوحنا 4: 4). ولأننا صرنا في المسيح ويسوع قد غلب العالم لأجلنا، فلا ينبغي علينا أن نخضع لتأثير العالم أو حتى لشهوات واشتياقات طبيعتنا الجسدية. ولا داعي لنا أن نُهزم أمام إبليس؛ لأن نصرة يسوع على الشيطان صارت نصرتنا.

إن فَتَح المؤمن الباب لإبليس، فسوف يدخل منه.. وفي نهاية الأمر قد يمتلك جسده أو نفسه إن مُنح حرية الدخول إليهما لفترة من الوقت. مع ذلك، ففي حالة الشخص المؤمن، لا يمكن لإبليس أن يسكن في روحه.. إلا إذا توفرت في المؤمن الشروط المذكورة في عبرانيين 10: 26 و27 وعبرانيين 6: 4- 6. سوف أتكلم عن تلك الشواهد بالتفصيل لاحقًا.

لكني أريد أن أوضح ببساطة أن معظم المؤمنين لم يبلغوا بعد مستوى النضوج الروحي الذي يؤهلهم لارتكاب تلك الخطية التي تؤدي إلى الموت الأبدي. فالمؤمن الناضج روحيًا وحده هو الذي يمكنه أن يرتكب الخطية التي تؤدي للموت، وذلك بإنكاره للمسيح عن قصد (1 يوحنا 5: 16).

لذلك لا داعي أن ينشغل المؤمنون ويتساءلوا ما إذا كان روح شرير قد تملك أرواحهم أم لا. فطالما كانوا قلقين بشأن وقوعهم في تلك الخطية، فهذه علامة أكيدة أنهم لم يرتكبوها. على الرغم من ذلك يمكن للمؤمنين أن يفتحوا بابًا لإبليس في زوايا أخرى في حياتهم.

سأوضح بمثال كيف يمكن لمؤمن أن يفتح بابًا لإبليس عن طريق الجهل. قرأت منذ سنوات عديدة عن الدكتورة ليليان يومانس التي كانت طبيبة بإحدى المستشفيات الكبرى بنيويورك. صارت تلك الطبيبة مدمنة للمخدرات لدرجة عجز معها الطب عن فعل شيء لأجلها. لكن أحدهم أخبرها عن الشفاء الإلهي، فخلُصت وشُفيت بقوة الله وقضت بقية حياتها تعلِّم عن الشفاء الإلهي.

ثم حدث قرب نهاية الحرب العالمية الثانية أنها مرضت بشدة وشارفت على الموت، على الرغم من أنها علَّمت وخدمت عن الشفاء الإلهي لأكثر من أربعين عامًا. كان عمرها في ذلك الوقت قرابة الثمانين عامًا.

فيما بعد قرأتُ أن الدكتورة ليليان شُفيتْ. وقد أوضحتْ في مقالة كتبتْها كيف مرضتْ عنـدما فـتحتْ بـابًا لإبلـيس عـن جـهل. حـدث أثـناء الـحـرب العـالمية الثانية أنها بدأت تقلق

بشأن أحد أقاربها والذي كان في إحدى المدن التي يسيطر عليها هتلر.

قالت ليليان أن القلق على قريبها بدأ يملأ فكرها، وفتح الخوف والاهتمام بابًا للعدو. حتى مرضت بشدة في النهاية. أصيبت بحمى شديدة، وفقدت كل شعرها، وأصبحت على مشارف الموت. لكنها تابت وطلبت من الرب أن يغفر لها خطية القلق. وقالت لاحقًا: “لم يُعِد الرب لي صحتي وحسب، بل أعاد لي شعر رأسي أيضًا. لكن شعري لم ينمو أشيبًا كالأول، بل صار أسود داكنًا”.

مرضت الدكتورة ليليان عندما فتحت بابًا للعدو من خلال الخوف والقلق. لا يهم طول السنين التي قضاها المؤمن مع الرب، أو عدد السنوات التي ظل يكرز ويعلِّم بالكلمة خلالها. إذ يحتاج المؤمنون الناضجون أن يغلقوا الباب أمام إبليس تمامًا مثل الأطفال روحيًا.

في حالة الدكتورة ليليان، ظلت تسير في ما دعته بأنه “صحة إلهية” لأكثر من أربعين عامًا ولم تمرض أبدًا. كانت مؤمنة قوية تدرك عهد الله بالشفاء. لكن من الواضح أنه لا يهم مقدار قوتك الروحية أو عدد السنوات التي ظللت تكرز فيها بكلمة الله.. فإبليس لن يدعك وشأنك أبدًا. وإن خضعت له، فسوف تفتح بهذا الباب أمامه.

هل يمكن لروح شرير أن يمتلك ذهن المؤمن؟

سوف أدخل إلى بعض التفاصيل المتعلقة بخادمة ممتلئة بالروح سيطر الخوف والقلق على ذهنها، حتى سمحت في النهاية لإبليس أن يمتلك ذهنها، فجنت كلية. كان الشيطان في بادئ الأمر يتسلط عليها بأفكار. وعندما خضعت لأفكار إبليس من الخوف والقلق، سيطرت الهواجس على ذهنها، حتى فتحت في النهاية بابًا للعدو وسمحت لروح شرير أن يمتلك ذهنها.

أخبرتنا أخت تلك الخادمة بالقصة التالية. عندما وصلت تلك السيدة الخادمة إلى سن اليأس بدأ القلق يتسلط عليها. فبدأت تكتئب وتتضايق نفسيًا، وازداد اضطرابها. وخضعت –سواء بإدراكها أو بعدم إدراكها– لروح شرير في ذهنها ومشاعرها.

ولأن تلك الخادمة لم تثبِّت تفكيرها في كلمة الله، لذا سيطر عليها القلق. وسمحت لروح شرير أن يمتلك أرضًا تلو الأرض في ذهنها، حتى سيطر روح شرير تمامًا على فكرها. وفى النهاية فقدت عقلها بالكامل، وأمتلك روح شرير ذهنها، وأصبحت مجنونة بدرجة عنيفة. إذ حاولت أن تقتل نفسها وآخرين.

أودعوها في مصحة عقلية وقضت أكثر من سنتين في حجرة مُبطَّنة لحمايتها، لأنها كانت عنيفة. كانت تحاول قتل نفسها بأن تخبط رأسها في الحائط. كانت تأكل بأصبعها مثل الحيوانات، لأنها حاولت من قبل أن تقتل نفسها بشوكة وسكين.

طلبت أخت تلك السيدة أن أذهب مع زوجتي لنخدم تلك الخادمة –على الرغم من أنه لم يكن مسموحًا لأحد بأن يزورها في حجرتها. فأخبرتها أني سوف أسلِّم الأمر لجماعة الصلاة التابعة لنا حتى يُصَلوا لتلك السيدة. كان لدينا مجموعة من السيدات في كنيسة فارمرسفيل التي كنت أرعاها في ذلك الوقت. وكانت تلك السيدات مقتدرات للغاية في صلاتهن.

بعد عشرة أيام من بدء الصلاة، أعلنت السلطات أن تلك السيدة تستطيع أن تعود للمنزل. أرسلوا خطابًا لعائلتها يقولون فيه أنها لم تعد عنيفة، لكنها ستظل دومًا في حاجة إلى رعاية صحية خاصة. لكن مع ذلك، تدهورت صحتها العامة. وشعر المسؤلون أنه لو لم ينفعها تغيير الوسط المحيط، فأغلب الظن أنها لن تعيش طويلاً.

لك أن تتخيل كيف وصل الحال بسيدة خادمة للإنجيل أن تجن. كان الناس يقولون: “يا إلهي، لقد حدث شيء ما لتلك السيدة المسكينة، لكننا لا نعلم ما هو”. لكننا نحتاج أن ندرك ما يمكن أن يحدث للناس، وكيف يمكن للمؤمنين أن يفتحوا بابًا لإبليس معطين له مدخلاً إلى أذهانهم وأجسادهم.

لهذا السبب يحتاج المؤمنون أن يدركوا أهمية تجديد أذهانهم بكلمة الله والتفكير في أفكار الله، بدلاً من التفكير في أفكار العدو من خوف وقلق. فالتفكير في أفكار خاطئة يمكن أن يفتح الباب لإبليس عن جهل. لكن المؤمنين ليسوا خاضعين لإبليس، بل لديهم السلطان عليه  بأسم يسوع. وبإمكانهم أن يقاوموه لأنهم ليسوا تحت سيادته بأي حال.. ما لم يسمحوا له بأن يسود عليهم.

كذلك لم تكن تلك الخادمة تحت سلطان إبليس. ولم تكن مضطرة لمنح إبليس مكانًا في تفكيرها. لو كانت قد تصدت لأفكار الضغط والقلق وجددت ذهنها بكلمة الله، لما استطاع إبليس أن يجد مدخلاً إلى ذهنها. ولو كانت قد انتهرت تسلط إبليس عليها وقاومته، لكان قد هرب منها (متى 18: 18؛ يعقوب 4: 7).

في أول يوم سبت في شهر مايو عام 1943 جاءت تلك الخادمة بصحبة أختها إلى منزل الرعوية. لم نكن، زوجتي وأنا، نعرف بمجيئهما مسبقًا. لكن حدث شيء أريدك أن تراه.

في صباح ذلك اليوم وبعد الإفطار، بدأت مع زوجتي في القيام بالأعمال اليومية المعتادة. كنت دائمًا أغسل الأطباق وأنظف المطبخ.. كانت هذه عادة بالنسبة لي. لأن زوجتي كانت تساعدني في الخدمة، لذلك كان حق عليَّ أن أساعدها في المنزل. كنت في ذلك الوقت أنظف المطبخ وأنا أصلي بألسنة في هدوء. كان بداخلي ما يحثني أو يقودني لهذا.

ثم ذهبت إلى الكنيسة بالجوار لأتأكد أن كل شيء مُعد لاجتماع الغد. كنت أفعل ذلك بينما أنا مستمر في الصلاة بألسنة. كنت أشعر بأن الله يحثني لأصلي بألسنة. والآن لا تسيء فهمي، فالروح القدس لم يجبرني على الصلاة؛ لأنه رقيق. إنه لا يجبرنا أبدًا على فعل أي شيء، إنما يقودنا بلطف. إبليس يدفع ويسيطر، لكن الروح القدس يحث ويقود بلطف.

ذهبت لأباشر عملي لبقية الصباح، لكني خضعت لذلك الحث في داخلي لأصلي بألسنة. عندما كنت أتواجد وسط الناس، كنت أصلي في سري بهدوء إلى نفسي وإلى الرب. توجهت بعد ذلك إلى صندوق البريد لأحصل على المراسلات، لأنهم في تلك الأيام لم يوصلوا الخطابات إلى المنازل.

أتبعت طوال ذلك الوقت هذا الحث الداخلي للصلاة بألسنة. كانت روحي تتواصل مع الله (1 كورنثوس 14: 2 و14). منذ الثامنة صباحًا إلى الثانية بعد الظهر قضيت معظم الوقت مصليًا بألسنة، بينما كنت أنتهي من أعمالي اليومية. كنت أفكر من حين للآخر: “لابد أن الرب يجهزني لخدمة الغد. ستكون خدمة رائعة”.

كما ترى، يقول الكتاب المقدس: “فَإِنْ صَلَّيْتُ بِلُغَةٍ مَجْهُولَةٍ، فَرُوحِي تُصَلِّي، وَلَكِنَّ عَقْلِي عَدِيمُ الثَّمَرِ” (1 كورنثوس 14: 14). وفي رسالة يهوذا 20 يقول: “وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، وَصَلُّوا دَائِمًا فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ”. لذلك كنت أعلم أن الرب يجهزني ويعدني لأجل شيء ما، لكني ظننت أنه لخدمة الأحد. ثم نحو الساعة الثانية ظهرًا جاءت تلك السيدة المجنونة بصحبة أختها إلى منزل الرعوية. كانت تتصرف مثل الإنسان الآلي. كانت مُحدقة إلى الأمام وكأنها في عالم آخر.. عدا أن فمها كان يتحرك باستمرار بحركة لا إرادية.

عندما ذكرت أختها أمامها أنني خادم، بدأت في الحال تلك الخادمة تستشهد بآيات كتابية. كانت الكلمات تتدفق من فمها مثل صنبور المياه. وكان بعينيها بريق طوال الوقت. لم تكن تلك الآيات الكتابية نابعة من ذهنها، لأنها لم تكن صحيحة عقليًا. إنما كانت تنبع من روحها المخلوقة ثانية.

لم يكن قد سبق لي رؤية شخص مثلها من قبل، فلم أعلم ما ينبغي عمله. لكني قلت: “أي شخص يستطيع أن يستشهد بمثل هذه الآيات لابد أنه يعرف الرب معرفة حقيقية”. عندما قلت ذلك بدت عيناها مثل لهيب نار. كنت واقفًا أمامها ورأيت عينيها ملتهبتين. وأمسكت بشعرها وبدأت تشده وهي تصرخ: “لا، لا، لا، لا يمكن أن أعرف الرب. لقد ارتكبت الخطية التي لا تُغفر. لا، لا”.  وكانت أختها تمسكها، محاولة أن تهدئ من روعها.

استطاعت أختها في النهاية أن تجلسها على كرسي، لكنها جلست وهى تحدق إلى الأمام وكأنها في عالم آخر. ظللت أراقبها، لكنها لم تطرف جفن. كانت عيناها مفتوحتين وواسعتين وكأنها في غيبة. وظلت جالسة هناك لم تحرك عضلة أو تطرف جفن، بغض النظر عما كان يجرى حولها.

قالت لي أختها: “سألت مدير المؤسسة العلاجية: ‘هل حالتها غريبة؟ هل من الغريب أنها تعتقد أنها ارتكبت الخطية التي لا تُغتفر؟’ فقال: ‘لا، حوالي تسعين بالمائة من الأشخاص المُحتجزين في المصحة يعتقدون أنهم ارتكبوا الخطية التي لا تُغتفر’”. هكذا ترى كيف يتدخل إبليس ليعذب الناس في هذه الزاوية، مخبرًا إياهم أنهم ارتكبوا الخطية التي لا تُغفر.. الخطية التي تؤدي إلى الموت الأبدي. وفي هذه الحالة، سمحت تلك السيدة لروح شرير بأن يدخل إلى نفسها ويقنعها أنها قد ارتكبت الخطية التي تؤدي للموت الأبدي. كما ترى، لو اعتل تفكيرك بسبب أفكار خاطئة، فهذا يفتح الباب أمام إبليس. فالشياطين والأرواح الشريرة على صلة بهذا الأمر أكثر مما نتصور.

علمت أن تلك السيدة يمكن أن تكون مريضة في ذهنها، تمامًا مثلما يمكن لأي شخص أن يكون مريضًا في جسده. إن مرض أحد في معدته، فهذا يعنى أن معدته لا تعمل جيدًا. وإن مرض أحد في ذهنه، فهذا يعنى أن ذهنه لا يعمل جيدًا. لذا علمت أن ذهن تلك السيدة يمكن أن يكون مريضًا وحسب. لكني استنتجت أيضًا أنه على الأغلب دخل روح شرير إلى ذهنها، وسيطر على فكرها مسببًا لها الجنون.  لم يمتلك الشيطان روح تلك السيدة، إنما امتلك فكرها وحسب؛ لأنها فتحت بابًا له عن طريق القلق والخوف.

لا يمكن لإبليس أن يتقدم ويشغل ذهن مؤمن أو جسده ما لم يسمح له الفرد بذلك، من خلال باب مفتوح إما عن طريق الجهل أو العصيان. عندما يمتلك إبليس شخصًا بالكامل، يسكن شيطان في روح هذا الإنسان ونفسه وجسده. لكن تلك السيدة كانت مؤمنة، لذا لم يقدر إبليس أن يمتلك روحها ما لم تنكر المسيح عن عمد.. وهي لم تفعل هذا.

كيف يمكنك أن تتعامل مع شخص في مثل هذه الحالة، وبالأخص عندما لا تقدر أن تتعامل مع ذهنه؟ لم أعلم في ذلك الوقت كيف يمكنني هذا. فلم أتعامل مع أي شخص بهذه الحالة من قبل. لذلك قلت لزوجتي: “دعينا نذهب ونأتي بالأخت سيلفيا”.

كانت الأخت سيلفيا سيدة علمانية في كنيستنا، لكنها كانت مقتدرة للغاية في صلواتها. بينما كنا منتظرين في السيارة حتى تستعد الأخت سيلفيا، بدأتُ أتحدث مع الرب عما حدث. كنت أعلم أنه لو كانت تلك السيدة مريضة في ذهنها وحسب، لاستطعت أن أصلي لها وأدهنها بزيت وأضع يدي عليها فتبرأ. لكني علمت أنه لو كان روح شرير هو المتسبب في جنونها، فلابد أن أتعامل معه تحت قوة وقيادة الروح القدس. طلبت من الرب أن يساعدني؛ لأني لم أكن أعلم ماذا أفعل. فقضيت ذلك الوقت أصلي هكذا حتى استعدت الأخت سيلفيا ورجعنا كلنا إلى منزل الرعوية. بدأنا نصلي جميعًا بالروح، وظللنا نصلي لأكثر من ساعتين طالبين من الله قيادة. لم نكن نصلي ضد إبليس، أو نصارع مع أرواح شريرة. لكننا كنا نطلب من الرب قيادة وإرشاد عن الطريقة التي نخدم بها لتلك السيدة.

هناك شيء آخر تحتاج أن تدركه.. إن صلاة الإيمان لا تنفع في كل المواقف. ففي مثل هذه الحالة لم تكن صلاة الإيمان ستعمل؛ لأن تلك السيدة لم تكن في وضع عقلي يؤهلها أن تتفق معنا وتمارس إيمانها.

والآن لا تسيء فهمي: ستعمل صلاة الإيمان في المواقف التي تنطبق عليها. لكن عندما يتعلق الأمر بإرادة إنسان آخر، فلن يمكنك دائمًا أن تستخدم صلاة الإيمان ما لم يتفق معك الطرف الآخر (متى 18: 19). قبل أن أصلي صلاة الإيمان لهذه السيدة، كنت أحتاج لمشاركتها وموافقتها. لكنها لم تستطع أن تفعل ذلك بسبب حالتها الذهنية. لذلك لا يمكن لها أن تنال التحرير من خلال ممارستها لإيمانها.

لقد حاول البعض أن يجعلوا صلاة الإيمان تعمل في أي موقف وفى كل حالة. لكن في بعض المواقف يبدو الأمر وكأنك تحاول أن تضع سدادة مربعة في فتحة مستديرة- لن ينجح هذا. بعبارة أخرى، هناك أنواع مختلفة للصلاة، ولكل واحدة منها قواعدها الخاصة حتى تعمل بنجاح. لذلك كنا نطلب الله لأجل قيادته وإرشاده. لم نكن نصرخ فى ابليس أو نحاول أن نخرج شيطانًا. كنا نحتاج إلى قيادة الروح القدس حتى نعرف كيف نتعامل مع تلك السيدة المجنونة.

نحتاج أن نتكل على الروح القدس في مواقف مثل هذه. كثيرًا ما نقرأ الشاهد: “لاَ بِالْقُوَّةِ وَلاَ بِالْقُدْرَةِ، وَلَكِنْ بِرُوحِيَ يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ” (زكريا 4: 6)، ومع ذلك نمضى محاولين أن نفعل شيئًا بقدرتنا وقوتنا.. ثم لا يحدث شيء. كلا، ينبغي أن نتعلم كيف نتكل على كلمة الله وقوته وقدرته وروحه القدوس حتى نكون ناجحين في الحياة. وفي الحقيقة، عندما نتكل على قدرتنا وقونا تكون النتيجة أننا نتعب ونتعب ولا ننجز سوى القليل. لكن إن تركنا الإله الأعظم الساكن في داخلنا يعمل لأجلنا، فسوف ينهض معطيًا استنارة لأذهاننا وقيادة لأرواحنا بطريقة لا يمكن أن نحصل عليها من أي مصدر آخر. فالروح القدس دائمًا ما يقودنا في توافق مع كلمته المقدسة المكتوبة.

وبينما كنا جميعًا نطلب قيادة من الله، كنت أصلي: “أرني يا رب كيف أخدم تلك السيدة”. عندما قلت ذلك، حلَّت مسحة الروح القدس عليَّ وتكلم إليَّ الروح قائلاً: “قم قف أمامها وقل: ‘أخرج منها أيها الروح النجس بأسم يسوع’”. ترددت في فعل هذا، إذ لم يسبق لي أن مررت بموقف مشابه لذلك أبدًا. وعندما لم أطع الله، فارقتني المسحة، وعندئذٍ لم يعد هناك ما يمكنني عمله. كما ترى، إن إخراج شيطان في موقف كهذا لابد أن يحدث تحت مسحة وقوة الروح القدس.

حينئذٍ وبخني الروح القدس لأجل العصيان. فقلتُ للرب: “دع تلك المسحة تأتي عليَّ ثانية وسوف أكون مطيعًا”. كنت أعلم أنه لا فائدة من وقوفي هناك قائلاً: “أخرج” دون مسحة الروح القدس. فإن حاولت بجسدي وحسب أن أخرج الشيطان، فلم يكن شيء ليحدث. لكن مسحة الروح القدس حلَّت عليَّ مرة ثانية، فأطعت الرب وقلت لذلك الروح الشرير: “أخرج منها أيها الروح النجس بأسم يسوع”.

لم يظهر أي اختلاف على هذه السيدة. كانت تبدو وتسلك مثلما سبق.. بجنون. لم يحدث شيء يمكن للمرء تمييزه. فعاونتها أختها على النهوض وأخذتها للمنزل. على الرغم من أنه لم يكن هناك أي تغيير ملحوظ عليها ولم يقدر أحد أن يلاحظ إختلافًا، إلا أني علمت أنها تحررت. لم يكن بوسع أحد إقناعي بغير ذلك.

هذه هي النقطة التي نفشل في إدراكها أحيانًا. كنت أعلم أني نطقت بكلمات إيمان تحت قيادة ومسحة الروح القدس، وأن تلك السيدة قد تحررت. وعندما تعمل موهبة الإيمان، فإن الروح القدس يمنحك إيمانًا لتفعل كل ما يخبرك به وسوف ينجح دائمًا.

عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع أرواح شريرة في حياة آخرين –مثل موقف تلك السيدة التي لم تكن قادرة على التعبير عن موافقتها أو تعاونها– فلابد أن تنقاد بالروح القدس في كل ما تفعله. إن لم يخبرك الروح القدس أن تفعل شيئًا وفعلته من نفسك، فسوف تفشل. مع ذلك، فإن طلب منك الآخرين المساعدة وأعطوك تصريحًا، فبإمكانك أن تمارس سلطانًا على الأرواح الشريرة التي في حياتهم بأسم يسوع (مرقس 16: 17).

بمجرد أن يتحرر الشخص، تحتاج أن تعلِّمه كيف يتصدى لإبليس بنفسه. بالطبع، عندما تتعامل مع إبليس في حياتك الشخصية، فلست بحاجة لشخص آخر لكي ينتهر إبليس بدلاً عنك. إن خضعت لله، فسيكون لديك السلطان على إبليس لتقاومه وتقف في مواجهته وتنتهره إلى أن يهرب منك حتمًا (لوقا 9: 1؛ أفسس 6: 13؛ يعقوب 4: 7).

لقد تحررت تلك السيدة بكلمة الإيمان التي نطقت بها يوم السبت. في عصر يوم الاثنين رجعت أخت تلك الخادمة تقول لنا: “صلوا لأختي، إنها تعاني من نوبة عنيفة مثل النوبات التي مرت بها في البداية عندما جنت”. فقلت: “وماذا في هذا؟” لقد دُهشت تمامًا من السلام الذي كنت فيه. لكني كنت أعلم بالضبط ما يحدث. لقد أمرت ذلك الشيطان في ظهر يوم السبت أن يغادر، وهو يعلم حتمية تنفيذ ذلك. فما كان يفعله هو أنه كان يمزق تلك السيدة بينما كان يغادر.

وضحت هذا للأخت وأريتها مرقس 9: 22 حيث أنتهر يسوع الروح الشرير من الصبي، وقبل أن يخرج الشيطان مزقه وصرعه بشدة. قلت لتلك الأخت: “إن إبليس يعلم أنه سوف يخرج، لذلك فهو يمزقها بينما يغادر. ستكون بخير بعدما تنتهي تلك النوبة“.

وهذا ما حدث بالفعل. بعدما انتهت تلك النوبة، رجع ذهن تلك السيدة صحيحًا تمامًا. كما ترى، عندما تنطق بكلمات إيمان تحت مسحة وقوة الروح القدس، فليس من الضروري أن تأتي بنتائج فورية، لكنها سوف تأتي بنتائج دائمًا.

في اللحظة التي رجع فيها عقل تلك السيدة، صارت تلك الإنسانة التي كانت عليها دائمًا وعادت لمسيرتها الروحية مع الرب كما كانت من قبل تمامًا. لم تعلم أنها كانت جنت لمدة سنتين ونصف، ولم تتذكر محاولاتها لقتل نفسها وآخرين. كان كل ذلك مجرد جزء خاوى في ذاكرتها. أُعلن بعد وقت قصير أن صحتها جيدة، وأنها خرجت من المصحة العقلية.

لقد سيطر روح شرير على ذهنها وعمل من خلال جسدها، لكن لم يكن هناك سكنى للشيطان في روحها. في فترة من الوقت، كانت غير مستقرة وعصبية، فخضعت لروح شرير حتى سيطر على أفكارها بالهواجس. وسمحت لذلك الشيطان أن يمتلك مساحة متزايدة في تفكيرها. وإذ استمرت خاضعة هكذا، تمكن الروح الشرير في النهاية من امتلاك نفسها بالكامل: ذهنًا ومشاعر وإرادة.

سألنا عنها بعد مرور تسعة عشر عامًا من تحريرها. قالت لنا أختها: “إن ذهنها قوى. قد التحقت بعمل جيد، وهي تعلِّم في مدارس الأحد”.

الامتلاك الكامل للإنسان: روحًا ونفسًا وجسدًا

كما رأينا سابقًا، يمكن لروح شرير أن يتسلط أو يسيطر على نفس الإنسان –محيط ذهنه ومشاعره– حتى على الرغم من كون الشخص مؤمنًا. لكن على الرغم من إمكانية تسلط روح شرير على جسد المؤمن من الداخل أو الخارج، إلا أن هذا يختلف تمامًا عن امتلاك روح شرير له.

تذكر أن الامتلاك الكامل (سكنى الأرواح الشريرة) يعني سيطرة روح شرير على روح ونفس وجسد الإنسان. لذلك يعد قولنا أن من الممكن لروح شرير أن يمتلك مؤمنًا، قولاً خاطئًا وغير كتابي. حتمًا لا يمكن لشيطان أن يسكن في روح المؤمن، وإلا لما استطعنا أن ندعوه مؤمنًا على الإطلاق. نحتاج أن نكون حريصين بشأن المصطلحات التي نستخدمها ونعرِّف بالتحديد ما نقصده بالتعبيرات المختلفة.

كذلك لابد أن ندرك جيدًا أنه يوجد فرق كبير بين تسلط الأرواح الشريرة وتأثيرها على الإنسان وخضوعه لهم، وبين سيطرتهم على تفكيره من خلال الهواجس، وبين امتلاكهم بالكامل له. ففي الامتلاك الكامل يُخضِع الشخص كل كيانه للأرواح شريرة، فيمتلكوه ويسكنوا فيه. ولأن الإنسان بطبيعته ثلاثي التكوين، فهو كائن روحي لديه نفس ويسكن في جسد، لذلك لا يحدث امتلاك كامل ما لم تمتلك الأرواح الشريرة روحه ونفسه وجسده.

إن الأصل اليوناني للعبارة المُترجمة “مجنون، به شيطان” يحمل معنى وقوع الشخص تحت قوى وتأثير شيطاني. كما يبدو أن الاستخدام الكتابي لكلمتي “مجنون، به شيطان” يتضمن نطاقًا واسعًا، إذ يشمل ابتلاء المرء بسكنى الأرواح الشريرة وحتى مجرد التأثر بهم. لذلك عندما يُقال عن أحد أنه “مجنون” أو “به شيطان” فهذا لا يعني بالضرورة امتلاك روح شرير للإنسان، بل قد يعني تسلط أو سيطرة روح شرير على الإنسان، كما قد يتضمن أيضًا أي نشاط شيطاني يؤثر على الجنس البشري.

لا يزال يوجد تشويش تجاه هذه الأمور لأن المصطلحات والتعبيرات التي نستخدمها ليست واضحة. على سبيل المثال، قد يتساءل أحدهم: “هل يمكن لمؤمن أن يسكنه روح شرير؟” في حين أنه يعني حقًا: “هل يمكن للمؤمن أن يقع تحت تأثير شيطاني؟” بمعنى آخر: “هل يمكن لمؤمن أن يقع تحت تسلط أو سيطرة أو تأثير أرواح شريرة؟”

إن كان هذا هو المقصود، فالإجابة “نعم”. يمكن للمؤمن أن يقع تحت تأثير شيطاني. لكن لا يمكن أبدًا لروح شرير أن يمتلك مؤمنًا بالكامل: روحًا ونفسًا وجسدًا. لا شك أن باستطاعة إبليس أن يمتلك أي جزء من كيان شخص يخضع له باستمرار معطيًا إياه مساحة متزايدة. سوف أوضح لاحقًا كيف ينطبق ذلك على المؤمن.

أحيانًا عندما يمتلك روح شرير إنسانًا بالكامل، تكون هناك درجات لهذا الامتلاك. بمعنى أن الروح الشرير يتحكم في الإنسان بصورة أكبر أو أقل. والشيطان يمتلك الإنسان بصورة جزئية عندما يمتلك ذهنه أو نفسه وحسب. وحتى في حالات الامتلاك الجزئي لنفس أو جسد الإنسان، تظل هناك درجات للامتلاك. فالشيطان يمكن أن يتحكم في الإنسان بصورة أكبر أو أقل. بمعنى أن الفرد يظل قادرًا على التحكم بملكاته بدرجة أكبر أو أقل.

والآن دعنا ننظر إلى حادثة كتابية عن شخص امتلكه بالكامل روح شرير. كان مجنون كورة الجدريين يسكن به شيطان، امتلكه روحًا ونفسًا وجسدًا. عندما ظهر لي يسوع في رؤيا عام 1952 تحدث إليَّ باستفاضة عن تلك الحادثة التي مر بها عندما كان على الأرض.

مرقس 5: 1-2و 6- 16

1 وَجَاءُوا إلَى مِنطَقَةِ الجَدَرِيِّينَ عَلَىْ الشَاطئِ الآخَرِ مِنَ البُحَيرَةِ.

2 وَحَالَمَا خَرَجَ يَسُوعُ مِنَ القَارِبِ، جَاءَ إلَيهِ مِنْ بَينِ القُبُورِ رَجُلٌ فِيهِ رُوحٌ نَجِسٌ.

6 وَلَكِنْ عِندَمَا رَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ، رَكَضَ نَحوَهُ وَسَجَدَ أَمَامَهُ

7 وَصَرَخَ بِصَوتٍ عَالٍ وَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُ مِنِّي يَا يَسُوعُ يَا ابنَ اللهِ العَلِيِّ؟ أُنَاشِدُكَ بِاللهِ أَلاَّ تُعَذِّبَنِي

8 قَالَ هَذَا لأِنَّ يَسُوعَ كَانَ قَدْ أَمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ بِأَنْ يَخرُجَ.

9 فَسَأَلَهُ يَسُوعُ: مَا اسْمُكَ؟ فَأَجَابَهُ: اسمِي لَجِئُونُ لأِنَّ عَدَدَنَا كَبِيرٌ.

10 وَتَوَسَّلَ إلَيهِ بِإلحَاحٍ كَي لاَ يُرسِلَهُمْ خَارِجَ المِنطَقَةِ.

11 وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الخَنَازِيرِ يَرعَى قُرْبَ حَافَّةِ الجَبَلِ فِي تِلْكَ المِنطَقَةِ.

12 فَتَوَسَّلَتِ الأَروَاحُ الشِّرِّيرَةُ إلَيهِ وَقَالَتْ: أَرسِلْنَا إلَى هَذِهِ الخَنَازِيرِ لِنَدخُلَ فِيهَا.

13 فَسَمَحَ لَهُمْ بَذَلِكَ، فَخَرَجَتِ الأَروَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الخَنَازِيرِ. فَاندَفَعَ القَطِيعُ مِنْ حَافَّةِ الجَبَلِ إلَى البُحَيرَةِ وَغَرِقَ فِيهَا، وَكَانَ عَدَدُ الخَنَازيرِ نَحوَ أَلفَينِ.

15 فَأَتُوا إلَى يَسُوعَ وَرَأُوا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَسكُونَاً بِالأَروَاحِ النَّجِسَةِ جَالِسَاً وَهوَ لابِسٌ وَفِي كَامِلِ عَقلِهِ، فَخَافُوا.

16 وَأَخبَرَهُمُ الَّذِينَ رَأَوا عَنْ مَا حَدَثَ مَعَ الرَّجُلِ المَسكُونِ بِالأَروَاحِ الشِّرِّيرَةِ، وَعَنِ الخَنَازِيرِ.

يوجد الكثير نتعلمه من هذه القصة، وهناك أمور مُشوقة عديدة لنا أن نلاحظها بشأن مجنون الجدريين. لكن لابد أن ندرك جيدًا أن هذاالرجل لم يكن مؤمنًا ولم يكن مولودًا ميلادًا جديدًا؛ لأن يسوع لم يكن قد ذهب للصليب ليدفع ثمن فداء الجنس البشري بعد.

كما نحتاج أيضًا أن ندرك الفرق بين حالة هذا المجنون الذي أراد أن يتحرر كما هو واضح، وبين الشخص الذي يخضع بإرادته لإبليس مرة تلو الأخرى ولا يرغب في التحرر. يوجد فرق كبير بين شخص يجتهد ليتحرر من قوى شيطانية، وبين شخص يُخضِع نفسه لإبليس بإرادته مرة بعد الأخرى ولا يرغب في التحرر من سيادة إبليس.

أعلم بالاختبار أنه يسهل نسبيًا أن يتحرر أولئك الذين يريدون ويشتاقون للتحرير. لكن من النادر جدًا أن تتمكن من مساعدة مَنْ يخضعون باستمرار بإرادتهم لقوة شيطانية ولا يريدون أن يتحرروا.

لقد قابل الرب مجنون كورة الجدريين برحمة عظيمة (ع 19). وبكلمة منه حرر يسوع ذلك الرجل (ع 13). وفى الحال تبدَّل مظهر هذا الرجل بالكامل. كان من قبل، رجلاً مجنونًا وحشيًا يمزق ثيابه ويقطع نفسه بالحجارة. لكن بعد الكلمة التي أمر بها يسوع، عاد هذا الرجل لطبيعته. “فَأَتُوا إلَى يَسُوعَ وَرَأُوا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَسكُونَاً بِالأَروَاحِ النَّجِسَةِ جَالِسَاً وَهوَ لابِسٌ وَفِي كَامِلِ عَقلِهِ، فَخَافُوا…” (ع 15).

بعدما تحرر هذا الرجل تعلَّق بيسوع الذي أعطاه الحرية وأراد أن يذهب معه (ع 18). لكن يسوع أرسله في الحال ليخبر أصدقائه بما فعله الرب معه (ع 19). كان يسوع يعرف جيدًا أنه من مصلحة هذا الرجل أن يبدأ بخدمة الرب. كان يعلم احتياجه إلى التدرب على الاعتراف والشهادة بما فعله الرب معه لكي ينمو في إيمانه المُؤسس حديثًا. هكذا أرسله يسوع ليبشر في بلدته ببشارة الإنجيل: “اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ” (ع 19). كان يـسوع يعـلم أن كـل مـا سيصنعه هذا الرجل من تقدم في مسيرته نحو النور سوف يقوى ويؤكد علاقته الحديثة مع الرب .

.

ينبغي أن نثق في أولئك المتجددين حديثًا ليقوموا بأكثر الخدمات جرأة وصعوبة. فهذه الأمور تقوِّي اختبارهم المسيحي وتشدد إيمانهم. بالطبع لا أقصد أن نضع أولئك المتجددين حديثًا في مواضع قيادة. لكن مع ذلك، يحتاج المؤمنون الجدد أن ينخرطوا في الحال في الخدمة والشهادة بجرأة عما فعله الرب معهم.

ينبغي على كل مَن تحرر من مرض أو تأثير شيطاني أو أي قيد شيطاني آخر أن يتذكر هذا المبدأ، وخصوصًا كل مَن تحرر من قيد شيطاني. فمن المهم للغاية أن يتدرب على الفور على الاعتراف والشهادة والخدمة، فلا شيء سيشدده مثل التكلم بجرأة عن قوة الله المُحررة.

كان يسوع يعلم أنه لن يمض وقت طويل قبل أن تنهض منطقة المدن العشر بسبب شهادة ذلك الرجل، حتى أن شهادته ستُعِّد طريقًا ليزور لتلك المنطقة: “فَمَضَى وَابْتَدَأَ يُنَادِي فِي الْعَشْرِ الْمُدُنِ كَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ. فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ” (ع 20).

من الواضح أن حالات الاختلال العقلي اليوم لا زالت تماثل في طبيعتها وأسبابها الحالات التي كانت في أيام يسوع. ففي أيامه، كانت حالات الاختلال العقلي نتيجة تأثير نشاط شيطاني، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وفي حالة ذلك الرجل على وجه الخصوص كان التواجد الحرفي لشيطان هو السبب المباشر لجنونه. والآن دعنا نرجع ونلاحظ بالتفصيل أجزاء مفتاحية عديدة مذكورة في مرقس 5. يذكر العدد الثالث عشر عن الأرواح الشريرة أنها أرواح نجسة: “فَخَرَجَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ…”.

لا يوجد روح شرير “طاهر”. فجميعهم أرواح نجسة باعتبارهم مخلوقات ساقطة. لذلك فأن عبارة “روح نجس” تشير بصورة عامة إلى طبيعة الروح الشرير على أنه مخلوق ساقط أبدي. وبصورة خاصة، تشير عبارة “روح نجس” إلى نوع الروح كما كان الحال مع مجنون كورة الجدريين.  كما نلاحظ مفتاح آخر في تلك الفقرة المذكورة في مرقس 5.. عندما لم تعد تلك الأرواح الشريرة قادرة على التأثير على ذلك الرجل أو السكن فيه وامتلاكه بعد أن أمرهم يسوع بالخروج، طلبوا كبديل ثانٍ أن يسكنوا مع الحيوانات. إذ طلبت تلك الشياطين تصريحًا من يسوع ليدخلوا في الخنازير (ع 12).

باعتبارهم مخلوقات أبدية شريرة لهم شخصيات، فعندما يسكنون في إنسان، يجعلونه مثلهم تمامًا. بمعنى آخر، سيتطبع الإنسان بشخصية وطبيعة نوع الروح الشرير الذي يؤثر عليه.

كما قلت سابقًا، يشير مصطلح “روح نجس” بصورة عامة إلى الأرواح الساقطة. لكن في استخدامها بصورة خاصة في مرقس 5، فإن مصطلح “روح نجس” يشير إلى صنف ونوع الروح الشرير. فعندما أشار يسوع إلى نوعه قال: “اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِسُ” (ع 8). نعلم أن ذلك لم يكن اسم الروح الشرير؛ لأن يسوع سأله: “مَا اسْمُكَ؟”، فأجاب: “اسْمِي لَجِئُونُ…” (ع 9). من الواضح أن ذلك الإنسان تطَّبع بشخصية ذلك الروح النجس. إذ جعله الروح النجس يُقطِّع ملابسه ويجول عاريًا ويقطِّع نفسه بالحجارة (مرقس 5: 5؛ لوقا 8: 27).

أغلب الظن أن هناك ارتباطًا بين استعلان ذلك الروح الشرير من خلال الرجل وبين الرغبة الجنسية لدى هذا الرجل. فعلى الأرجح كان هذا الرجل “ماسوشيًا”، أي يستمد لذَّة جنسية من خلال الألم الجسدي.

كما نرى أيضًا أن ذلك الروح الشرير جعل مجنون كورة الجدريين بالصورة التي كان عليها. لأنه حالما تحرر ورجع إلى عقله، لبس ثيابه: “فَأَتُوا إلَى يَسُوعَ وَرَأُوا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَسكُونَاً بِالأَروَاحِ النَّجِسَةِ جَالِسَاً وَهوَ لابِسٌ وَفِي كَامِلِ عَقلِهِ، فَخَافُوا….” (مرقس 5: 15).

وعندما استعاد ذلك الرجل عقله، بدأ يجلس عند قدمي يسوع ليتعلم منه. إن أولئك الذين يتحررون من إبليس والخطية ويرجعون إلى عقولهم، يبدأون في الجلوس عند قدمي يسوع ليتعلموا منه.

كذلك نجد مفتاحًا هامًا آخر في مرقس 5: 2، وهو أن شيطانًا واحدًا هو الذي امتلك المجنون. نلاحظ أن الكتاب المقدس يقول: “وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ اسْتَقْبَلَهُ مِنَ الْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ”. تأتي كلمة روح هنا بصيغة المفرد. وهذا هو الإثبات الأول الذي لدينا في أن روحًا واحدًا هو الذي امتلكه.

بـعد وقـت قلـيل مـن مقـابلة يسـوع لذلك الإنسان، أمر يسوع الروح النجس أن يخرج من الإنسان(ع8)اخرج من الإنسان ياأيها الروح النجس)وعندما لم يخرج الروح ،سأله يسوع ما إسمك؟(ع8)”فأجاب إسمى لجئون لأن عددنا كبير“.

هذا يوضح أن روحًا واحدًا امتلك ذلك الإنسان، وكان اسم هذا الروح النجس هو “لجئون”. في تلك الحالة لم يكن الاسم “لجئون” يشير إلى اسم الروح النجس وحسب، بل إلى عدده أيضًا. كان اسم الروح النجس الشرير “لجئون”، ومن اسمه نكتشف أنه اصطحب معه أرواحًا شريرة كثيرة لتسكن ذلك الإنسان.

هل يوجد دليل آخر نعرف به أن روحًا واحدًا كان يسكن ذلك الإنسان؟ يقول إنجيل مرقس 5: 15، “وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَنَظَرُوا الْمَجْنُونَ الَّذِي كَانَ فِيهِ اللَّجِئُونُ…”. بمعنى آخر، لم يكن لجئون جميعهم يمتلكون المجنون، على الرغم من أنهم كانوا متواجدين فيه. ما أريد أن أوضحه هو أن شيطانًا واحدًا هو الذي امتلك الإنسان وأحضر معه لجئون من شياطين أخرى. هذا أمر منطقي، لأنه لا يمكن لشياطين كثيرة أن يمتلكوا إنسانًا.

قال لي يسوع: “عادة ما يمتلك واحد من حكام ظلمة هذا العالم المرء، كما كان الحال مع ذلك الرجل المجنون. يعتقد البعض أن ألفي شيطان قد امتلكوا هذا المجنون، لكنه أمر غير صحيح. ثم أكمل وقال لي: “اقرأ تلك الفقرة مرة ثانية، وستجد أن روحًا واحدًا فقط هو الذي امتلك المجنون.. وهذا هو الحال دومًا. وبعد أن يمتلك أحدهم إنسانًا، يسمح لأرواح أخرى أن تأتي معه. لكن واحد منهم وحسب هو الذي يمتلك الإنسان”.

مقتطفات كتابية عن الأرواح الشريرة

يعطينا إنجيل متى 12 نظرة أعمق على الأرواح الشريرة وطريقة عملها.

متى 12: 43- 45

43 إِذَا خَرَجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإِنْسَانِ يَجْتَازُ فِي أَمَاكِنَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ، يَطْلُبُ رَاحَةً وَلاَ يَجِدُ.

44 ثُمَّ يَقُولُ: أَرْجعُ إِلَى بَيْتِي الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ. فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ فَارِغًا مَكْنُوسًا وَمُرَتَّبَاً.

45 حينَئِذٍ يَذهَبُ وَيُحضِرُ مَعَهُ سَبعَةَ أَروَاحٍ أُخَرَ تَفُوقُهُ شَرَّاً، فَتَدخُلُ وَتَسكُنُ هُنَاكَ….

قبـل كـل شـيء، لاحـظ مـا قـاله الروح النجس في عدد 44: “ثُمَّ يَقُولُ: أَرْجعُ إِلَى بَيْتِي الَّذِي

خَرَجْتُ مِنْهُ. فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ فَارِغًا مَكْنُوسًا وَمُرَتَّبَاً”. على الرغم من أننا لا نعرف بالتحديد منشأ الأرواح الشريرة، إلا أننا نعلم أنهم كائنات أبدية ساقطة، أو كائنات شريرة ذوي شخصية.

باعتبارهم كائنات ذوي شخصية:

1.  بإمكان الشياطين أن يتكلموا: “ثُمَّ يَقُولُ (الروح النجس)..” (ع 44). قال لي يسوع: “عندما يمتلك شيطان إنسانًا بالكامل، فإنه يستطيع أن يتكلم من خلال ذلك الإنسان”.

2.  بإمكان الشياطين أن يفكروا ولديهم حرية إرادة: “أَرْجعُ إِلَى بَيْتِي…” (ع 44). لقد قرر الروح الشرير أن يعود لموضع سكناه الأول.

3.  بإمكان الشياطين أن يتواصلوا مع أرواح شريرة أخرى: “يَذهَبُ وَيُحضِرُ مَعَهُ سَبعَةَ أَروَاحٍ أُخَرَ تَفُوقُهُ شَرَّاً…” (ع 45).

عندما عاد الروح الشرير لما يُدعى “مسكنه” –الإنسان الذي خرج منه في البداية– وجده فارغًا ومكنوسًا ومزينًا. فمضى وأحضر معه سبعة أرواح أخرى لتسكن معه في ذلك الإنسان. مشيراً إلى مقدار من الذكاء بين صفوف الأرواح الشريرة. فالقائمة المذكورة في رسالة أفسس 6: 12 تُظهر مدى تنظيم إبليس في عمله؛ لأننا نرى صفوفًا ورتبًا في مملكته.

كما يظهر لنا إنجيل متى 12 أن إبليس مثابر في هجماته. فهو لا يكف عن مهاجمتنا: “ثُمَّ يَقُولُ (الروح النجس): أَرْجعُ إِلَى بَيْتِي الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ.ُ..” (متى 12: 44). بل يحاول دائمًا أن يعود للإنسان بعدما يخرج منه. وسوف يجتهد لكي يرجع إلى بيته الذي تركه، وسوف يستمر في هجومه، لكي يغوي الشخص على فعل الخطأ أو ليضع عليه المرض أو السقم مرة أخرى.

نرى تنفيذ هذا المخطط في حياة الأشخاص الغير مخلَّصين. فعندما يخلُص أحدهم، يسعى إبليس دائمًا ليعيده إلى حياته الأولى. كما يحاول أن يُسقِط الأطفال روحيًا في الأخطاء التي اعتادوا على فعلها قبلما يخلُصوا. ويحاول دائمًا أن يؤثر عليهم ليعيدهم إلى أسلوب حياتهم القديم. ولهذا ينبغي على المتجددين حديثًا أن يتأصلوا ويترسخوا جيدًا في كلمة الله حتى يستطيعوا أن يتصدوا لمكايد إبليس.

نستطيع أن نرى أيضًا المبدأ المذكور في متى 12: 43- 45، في حياة الشخص الذي تحرر من مرض. إذ يدعو الكتاب المقدس الأمراض والأسقام على أنها تسلَّط شيطاني (أعمال 10: 38). في أحيان كثيرة يحاول إبليس أن يضع ذات المرض أو السقم مرة أخرى على الشخص الذي نال الشفاء

: “حينَئِذٍ يَذهَبُ وَيُحضِرُ مَعَهُ سَبعَةَ أَروَاحٍ أُخَرَ تَفُوقُهُ شَرَّاً، فَتَدخُلُ وَتَسكُنُ هُنَاكَ…” (متى 12: 45).

بالطبع، ليست كل حالة مرض أو سقم هي نتيجة تأثير مباشر لوجود روح شرير. لكن في بعض الأحيان تكون الأمراض والأسقام نتيجة مباشرة لوجود روح شرير يتسبب في ذلك البلاء. لهذا لا يكفي أن يُطرد الروح الشرير من الشخص المُصاب بمرض أو سقم، إن كان هذا المرض هو نتيجة مباشرة لوجود روح شرير. بل يجب أن يتعلم الشخص كلمة الله حتى يستطيع أن يتصدى لإبليس بنفسه، لأن الشيطان سيحاول دائمًا أن يعود بذات المرض أو السقم أو الخطية. لذلك لا ينبغي أن يتعلم المؤمن كيف ينال التحرير بكلمة الله وحسب، بل ينبغي أن يتعلم كيف يحافظ على هذا التحرير بتفعيل الكلمة لنفسه. فكلمة الله هي حمايتنا ضد مكايد وخطط إبليس.

لهذا السبب يصبح من الهام جدًا في التعامل مع أفعال الشيطان في حياة المؤمنين أن تكون حريصًا جدًا على غرس الكلمة فيهم. إذ يحتاج المؤمنون إلى معرفة مَن هم في المسيح والسلطان الذي يمتلكونه في اسمه (يوحنا 14: 13 و14؛ فيلبي 2: 9 و10). وإلا فأننا نظلمهم بمحاولتنا طرد روح شرير من أجسادهم أو أذهانهم، لأن الكتاب المقدس يقول أنه سينتهي بهم الحال أسوأ سبع مرات مما كانوا من قبل.

يحتاج المؤمنون أن يقفوا في موضع السلطان الذي لهم في المسيح. ليس على المؤمنين أن يظلوا دومًا خائفين من إبليس أو مقيدين ذهنيًا أو جسديًا. فسلطان المؤمن في المسيح هو موضع نصرة وغلبة فوق كل رياسة وسلطان.

نحن، كمؤمنين، جالسون في السماويات في المسيح. ومن هناك ننظر إلى أسفل على إبليس وجنوده.. من موضع نصرة، لا من موضع هزيمة وخوف (أفسس 1: 3؛ 2: 5 و6). وإن كنا نريد أن نتعامل كتابيًا مع مملكة الظلمة، نحتاج أن نظل دومًا مدركين لموضع نصرتنا كورثة مع المسيح، فوق إبليس وكل أعماله وهجماته ضدنا.

نشرت بإذن من كنيسة ريما Rhema بولاية تولسا – أوكلاهوما – الولايات المتحدة الأمريكية  www.rhema.org .
جميع الحقوق محفوظة. ولموقع الحق المغير للحياة الحق في نشر هذه المقالات باللغة العربية من خدمات كينيث هيجين.

Taken by permission from RHEMA Bible Church , aka Kenneth Hagin Ministries  ,Tulsa ,OK ,USA. www.rhema.org.
All rights reserved to Life Changing Truth.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$