القائمة إغلاق

التألم في الخدمة Suffering in Ministry

ظللت أكرز لسنوات أن الله يريد لجميع أولاده –ليس للبعض وحسب، إنما لجميع أولاده– أن يتمتعوا بالشفاء والصحة. يريدنا أن نعيش أعمارنا بالكامل على هذه الأرض دون مرض أو سقم.. وهذه هي مشيئته الكاملة. ربما لم يبلغها كل فرد، لكنها متاحة للجميع على أي حال. إلا أن هذا التعليم سوف يجلب عليك الكثير من النقد.

لقد وعظت عن الشفاء لسنوات في كنائس الإنجيل الكامل، وكان رعاة الكنائس الذين أعظ عندهم ينتقدوني. كان يقولون لي: “لا يُعتبر الشفاء أمرًا شديد الأهمية”. قال أحدهم: “كان الشفاء يمثل موضوعًا جانبيًا لدى يسوع والرسل” على الرغم من أنه كان راعيًا في طائفة “الإنجيل الكامل”. لكنني ظللت أكرز عن الشفاء كل ليلة حتى ترسخ هذا الموضوع. فتعليقات هذا الراعي لم تزعجني ولم أسمح لها أن تؤثر عليَّ ولو بقدر ضئيل.

أريد أن أخبركم يا أعزائي أن هذه هي الأمور التي تبني الشخصية. كنت أواجه عواصف من كل جانب، لكن الرب كان يذكرني أن الروح القدس يقودني.

دعاني أحد الرعاة لأعظ في كنيسته، لكني لم أعلم ما الذي دعاه إلى ذلك، فهو يعرف الأمور التي أعظ عنها. لقد سبق ووقف في وسط المؤتمرات لينتقد ما أعظ عنه. والآن يطلب مني أن أذهب وأعقد اجتماعًا عنده. فقلت للرب: “لا أريد أن أذهب”. يوجد ألم يصاحب تلبية مثل هذه الدعوات. لا تعتقد أنها مليئة بمجد وفرح لا يُنطق به.

أتذكر أني بدأت أكرز عن أشياء نستطيع أن نؤمن بها جميعًا. لم أحاول أن أكون من مثيري الجدل، لكن أحد الرعاة قال لي: “أنت تعظ عن شواهد كتابية لم أسمع من قبل أي شخص يعظ عنها”. هذا هو أنا وحسب، ولست أحاول أن أكون شخصًا آخر. على سبيل المثال، لم أعظ في حياتي أبدًا عن الابن الضال. إنها قصة رائعة وهى مذكورة في الكتاب، لكني كنت دائمًا أعظ عن شيء آخر. كان كل ما وعظت عنه مثيرًا الجدل. لم أحاول أن أكون مثيرًا للجدل، لكنها عادة فيَّ وحسب. إنها كلمة الله التي تثير الجدل، لكن الناس لم يدركوا ذلك.

بدأت بمسايرة الناس لكي أجذب انتباههم. فالإنسان يحتاج أن يكون حكيمًا كالحيات ووديعًا كالحمام. عندما نجحت في جذب انتباههم، بدأت أطعمهم الإيمان تدريجيًا. كنت أقدمه لهم قدرًا ضئيلاً من حين إلى آخر، لأن البعض لا يقدر أن يتحمل الجرعات الكبيرة ويتعثرون. عندما كنت أجدهم لا يستوعبون ما أقوله كنت أعود إلى العظات المعمدانية القديمة مثل “الاحتفال بعشاء الرب” و”المجيء الثاني للمسيح”. فكنت اجتذبهم إليَّ مرة أخرى، ثم أطعمهم قدرًا آخر من الإيمان.

أعلنت في النهاية أني سوف أتكلم عن موضوع معين وأخبرتهم عن ذلك مسبقًا بليلتين أو ثلاثة. حاولت أؤجل من الأمر على قدر ما استطعت لكن الرب قال لي: “افعل ذلك. لا تتردد”.

فقلت: “لماذا أرسلتني يا رب إلى هذا المكان من الأساس؟” لم أكن أعلم أن الفرد يمكن أن يتألم في نواحي عديدة جدًا ويظل في مشيئة الله. فمثل هذه الأمور تكمِّل الفرد وتقوِّمه إلى حد ما. هذه هو المقصود بقوله أن الروح القدس يقودك إلى البرية لتُجرب وتُمتحن من إبليس.

أتذكر شيء ما حدث معي في آخر كنيسة كنت أرعاها. كنت اخطط أن اذهب إلي مؤتمر للكتاب المقدس في أواخر السنة. قد وعظت في ليلة الأحد وكنت قد رتبت أن أغادر مع زوجتي إلي المؤتمر في صباح الثلاثاء. توجهت إلي مكتبي في الكنيسة يوم الاثنين، وقبلما أخطو إلى الداخل قال لي روح الله: “صُم في الأيام القليلة المقبلة لأنهم سيطلبون منك أن تصلى لأجل المرضى في المؤتمر”.

خطوت بداخل الكنيسة وقلت: “حسن يا رب، إن فعلوا ذلك فسوف يكون أمرًا لم يفعلوه من قبل أبدًا. فهم لم يسألونني أن أصلي من قبل إطلاقًا. بالإضافة إلى ذلك فهناك مئات من الخدام هناك”. وصلت مع زوجتي إلى المؤتمر يوم الثلاثاء وجلسنا في المؤخرة لأن المبنى كان ممتلئًا. كانت فقرة المتكلم الرئيسي ستبدأ بعد وقت قليل، وبينما كان أحد الأخوة يقدم المتكلم قال: “لقد رأيت الأخ هيجن يدخل منذ وقت قليل، وكان الرب يتعامل معي منذ اليومين الماضيين لنقدمه لكي يخدم للمرضى الليلة ويعقد اجتماعًا للشفاء”. ثم أضاف أنه هناك خادم آخر سيكون هو المتكلم الأساسي لخدمة المساء. فسألني إن كنت أفضِّل أن أقيم خدمة الشفاء قبل أو بعد العظة. يخبرنا الكتاب أن نفضل أخوتنا عن أنفسنا، لذا أخبرته أني سأبدأ لاحقًا.. وقد أخطأت بفعلي ذلك.

لقد تضايق المتكلم لأنه اعتقد أني سأفسد خدمته، ولم تعجبه فكرة أن نقيم اجتماعًا للشفاء. حقًا قد اختار نصًا كتابيًا عن الشفاء، وهو قصة المرأة نازفة الدم. واستمر جيدًا لوقت قليل. فقد تكلم عن المعجزات التي رآها في أيام الحركة الخمسينية الأولى. لكنه قال بعد ذلك: “أعتقد أننا لا يجب أن نتوقع أشياء كهذا الآن. فكل حركة تكون في أوج قوتها في بدايتها ثم تبدأ تضمحل بعد ذلك”.

بدأ يقود الناس في البداية إلى الإيمان، لكنه انتهى بهم في الظلمة والشك، ثم سلمني الاجتماع بعد ذلك. وجدت نفسي أجتاز مضيقًا عميقًا من عدم الإيمان. كنت مثل مَن يسبح في بحر عميق محاولاً أن أبقي رأسي فوق الماء. كان جو الاجتماع مشحونًا بعدم إيمان، حتى لم يعد متوقعًا أن يفعل الله ما يريده. كان بإمكان جميع الخدام على المنبر أن يستنشقوا رائحة عدم الإيمان الكريهة تلك.

إلا أن هذا الموقف منحني صلابة، وقد كمِّلت من خلاله. كان ذلك نوعًا من الألم ومن الأمثلة التي يقودك فيها الروح القدس إلي البرية لتُجرب من إبليس.

جاءت أشد التجارب التي واجهتها كنتيجة لرعايتي للكنائس. فأضخم التحديات التي يواجهها الخادم تأتي في طريق إتمامه لدعوة الله على حياته. إذ أن إبليس سيلقي بكل عقبة ممكنة في طريقه. وإن لم يكن لديك الصلابة وقوة الشخصية لتواجه الاضطهادات والضيقات، فلن تنجح في الأمر وستُطرح بجانب الطريق.

أتذكر ذات مرة أني كنت أعقد سلسلة من الاجتماعات عند أحد أصدقائي من الخدام. كان هذا الشخص وأخاه، الذي كان خادمًا أيضًا، من كنيسة معينة في شرق تكساس. كنت قد رتبت أن أذهب إلى تلك الكنيسة وأعقد اجتماعًا في الأسبوع التالي. كانت تلك الكنيسة تبحث عن راعٍ. وكان من نظامها أن أعضائها يصوِّتون لصالح الشخص الذي يريدونه. كنت قد أخبرت لجنة الخدام أنني سآتي وأعظ عندهم.

كنت أعقد اجتماعات مسائية في كنيسة صديقي الخادم. وفى عصر كل يوم كان يأتي هو وأخاه إلى الكنيسة لنصلي. كانا يسألاني دائمًا إن كنت قد صليت بشأن الكنيسة التي في شرق تكساس. كنت أجيبهم: “إطلاقًا.. لم أفكر حتى بشأنها أو أصلى لأجلها. إني لا أهتم بشأن الغد”. يقول الكتاب: “لاَ تَقلَقُوا بِشأَنِ الغَدِ، فَلِكُلِّ يَومٍ مَا يَكفِيهِ مِنَ الهُمُومِ”.

ثم أكملت وقلت: “لن أتأذى إن ذهبت إلى هناك لأعظ. لا أعلم إن كانت مشيئة الله لي أن أخذ رعوية هذه الكنيسة أم لا. ولا يهمني حاليًا إن كانت هذه هي مشيئته أم لا. إني مهتم بهذا الاجتماع الذي نحن فيه الآن وحسب”. إنني لا انشغل بشأن أمور الحياة كما يفعل الكثيرون.

كنا في عصر أحد الأيام نصلى في الكنيسة وتلقى الراعي هاتفًا لكي يذهب إلي المستشفى ليزور شخص ما، فذهب أخاه معه. كنت أتمشى في ممرات الكنيسة مصليًا بخصوص اجتماع المساء. توقفت عند مؤخرة القاعة واتكأت على مقعد. قلت بصراحة تامة للرب: “أعتقد أنه ينبغي أن أبدأ في التفكير بشأن الكنيسة التي في شرق تكساس. إنني لست قلقًا بشأنها، وسوف أوافق على كل ما تريد”.

جاءني صوت الرب قائلاً: “ستكون الراعي التالي لتلك الكنيسة، وسوف تكون هذه هي أخر كنيسة سترعاها”. كان صوته واضحًا جدًا حتى أني ألتفت حولي وقلت: “مَن قال هذا؟”

كان بإمكاني أن أترك إبليس يتدخل فيما قاله الرب، وأظن أنني سوف أموت. أو أنني سوف أظل راعيًا هناك حتى أصبح شيخًا فوق المائة عام ثم أتقاعد بعد ذلك. لم أفهم معنى العبارة ولم آخذ وقتًا لأكتشف ذلك. إنما استنتجت أني سأكتشف المعنى عندما أصل إلى هناك.

أتى هذان الخادمان نحو هذا الوقت وسألاني: “هل صليت بشأن الكنيسة التي في شرق تكساس؟”

فقلت: “أنتما تنظران إلى الراعي التالي لهذه الكنيسة”.

قالا: “أنت لا تعرف تلك الكنيسة كما نعرفها نحن. إنها منشقة من الوسط؛ يريد نصفهم أن يبقى الراعي، ويريد النصف الآخر أن يرحل. في حين أن الراعي لا يستطيع البقاء ما لم يحصل على ثلثي الأصوات، حتى الآن لم يحصل سوى على نصف واحد وحسب. نصف الشعب الذين يريدونه حانقون على النصف الآخر الذين يريدونه أن يرحل. نصفهم يجلس في أحد جانبي الكنيسة، والنصف الثاني يجلس على الجانب الآخر. لا يمكنهما أن يتفقا على أي شيء. أنت لا تعرف هذه الكنيسة مثلنا”.

أجبتهما: “صحيح أني لا أعرف هذه الكنيسة، لكنى أعرف الرب يسوع والروح القدس. وهو قد أخبرني أنني سوف أكون الراعي القادم لهذه الكنيسة”.

أخذت العائلة بأكملها معي في الأسبوع التالي لتلك المدينة وذهبنا إلى منزل أحد الخدام الذي قال لنا: “سنكون سعداء بمكوثكم معنا طوال فترة تواجدكم هنا. لكن إن حدث ذلك فربما يعتقد البعض أنني في صفكما فيصوتون ضدكما. لذا فمن الأفضل أن تذهبوا إلى مكان آخر في مساء الغد”. فمكثنا في الليلة التالية عند واحد من أعضاء لجنة الكنيسة الذي أخبرنا هو أيضًا: “سأكون سعيدًا بمكوثك معنا يا أخ هيجن، لكن إن مكثتم معنا أكثر من ليلة فربما يعتقد البعض أننا في صفك فيصوتون ضدك. فمن الأفضل أن تغادر إلى مكان آخر”.

هكذا مكثنا في أماكن مختلفة. همست إلى زوجتي ذات ليلة: “هل تعلمي ما كنت سأفعله إن كنت لا اعرف أن الله هو الذي جاء بي إلي هنا؟ لكنت نهضت في منتصف الليل وغادرنا دون أن نخبر أحد أننا راحلون”. لكن لأني كنت أعلم أن الله قادني إلي هناك صمدت. لقد كمِّلت من خلال ما تألمت به.

نحتاج أن نتعلم يا أصدقائي طريق الروح. فهو لا يقودنا دائمًا إلى بستان زهور أو حيثما تسير الأمور على ما يرام ويكون الإبحار يسيرًا دون مقاومة أو اضطهاد. لكن إن صمدت فسترتفع إلي القمة.

هل تعلم ما هو سبب استقراري وثباتي؟ إن هذا يرجع إلى كوني تألمت بعض الوقت. سوف تحمد الله لأجل الاختبارات والامتحانات عندما تتعلم طريقها. فكل واحدة منهم ستكون فرصة لتختبر فيها الله.

عندما كنت أعظ في تلك الكنيسة في شرق تكساس كنا نقيم عند أعضاء مختلفين في كل ليلة. اضطجعنا على الأرض مرتين. بدأت أعظ هناك من ليلة أربعاء. إن كنت تتحدث عن الألم في الخدمة فانظر ما حدث معي. إنني أشكر الله لأجل ما تعلمته في الكنيسة المعمدانية. لقد تعلمت فيها أن أعظ من خلال مفكرة موضوعة أمامي. كانت وسيلة جيدة، بدونها لنسيت كل ما أعرفه!

بدأت أعظ هناك من خلال هذه المفكرة مرورًا بالنقطة الأولى ثم الثانية والثالثة.. لكن كل كلمة قلتها ارتدت في وجهي. عندما وصلت إلى النقطة الأخيرة شعرت وكأن أحدهم قد لطمني على وجهي. قالت زوجتي بعد اجتماعات قليلة: “اشعر وكأن أحدهم يلكمني بقبضته”.

لابد أن تتألم من أمور شبيهة بتلك. تذكر أن يسوع قد كمِّل من خلال ما تألم به. الأصل اليوناني الذي يُترجم “كمال” يعنى أيضا “نضوج”. لقد نضج يسوع وبلغ الكمال من خلال ما تألم به. وسواء رغبت في ذلك أم لا، فهذه هي الأمور التي تجعلنا ناضجين. نحتاج أن نتعلم طريق الروح، فهو سوف يقودك في أمور مثل هذه. مع أن يسوع كان ممتلئًا بروح الله، إلا أن الروح القدس قاده إلي البرية ليُجرَّب ويُمتحَن من إبليس.

كنت أعتقد أنني سوف أعظ في تلك الكنيسة ليلة الأربعاء وحسب، لكن لجنة الكنيسة أخبروني أنهم يريدونني أن أعظ كل ليلة حتى يوم الأحد. ثم قالوا: “سنقيم الانتخابات بعد ليلة الأحد”.

كنت أعلم أن الرب قال: “سوف تكون الراعي التالي لتلك الكنيسة”. لكني فكرت: “كنت أتمنى لو لم يقل ذلك. لكان بإمكاني أن أغادر”. كنت سعيدًا لأني تعلمت الوعظ من خلال مفكرات. كنت أشعر بالمسحة، لكن في اللحظة التي كنت أدخل فيها من باب الكنيسة كان يبدو وكأن أحدهم قد سكب عليَّ دلو ماء بارد. قلت لزوجتي في النهاية: “سوف أترك هذا المكان ونرجع للمنزل”. لم يكن أمامي حل سوى هذا.

بقينا حتى ليلة الأحد وقالت لي لجنة الخدام: “ما رأيك في الأمر؟” قلت: “حسنًا، امضوا واجروا الانتخابات”.

لم أخبرهم أبدًا أن الله قد أرسلني إلى هنا لأني لم أرد أن يعرفوا أن الله قادني إلى تلك الورطة. فقلت: “لتطبق الكنيسة نظامها بشأن الانتخاب”.

اجروا الانتخابات وحصلت على جميع الأصوات ماعدا صوتين. قال الجميع: “إنها معجزة أن تتفق اللجنة على شخص”.

هكذا بدأت أرعى تلك الكنيسة. لكم تألمت خلال الستة عشر شهر الأولى. طوال تلك المدة لم أقل شيئًا أبدًا أمام ولدينا حتى اعتقدا أن كل شيء رائع. لكن في الواقع عندما كنت أؤوى إلى الفراش في كل ليلة أحد كنت أهمس لزوجتي: “لو لم أكن متيقنًا أن هذه هي إرادة الله، هل تعلمين ماذا كنت سأفعل؟ لكنت استأجرت سيارة نقل وأحضرتها إلى منزل الرعوية في الرابعة صباحًا وشحنت فيها كل أمتعتنا وغادرنا. لما كنت سأخبر أحد، وكان الناس سيأتون إلي منزل الرعوية في اليوم التالي ويجدونه فارغًا فيتساءلون: ’أين ذهب القس هيجن؟‘ كانوا سيعرفون أن الاختطاف لم يحدث لأن الأمتعة قد أُخذت أيضًا”.

كان هذا ما كنت سأفعله في الواقع، لكني بقيت وتألمت لأن الرب قادني إلي ذلك. وعظت برسالة الإيمان عندما لم تكن مألوفة في ذلك الوقت. وهي غير مألوفة في بعض الأماكن حتى اليوم، لكنى وعظت بها على الرغم من ذلك.

وعظت بأن الله يريدنا أن نزدهر. كان في ذلك الحين لديَّ حذاء واحد به ثقوب، وكان بحوزتي قرش في أحد الجيوب وثقب في الجيب الآخر. كانت الإطارات الأربعة للسيارة التي أقودها متآكلة، ولم يكن بها إطار احتياطي. خربت السيارة في آخر الأمر وبعتها خردة. وتنقلت على قدمي، لكني رغم ذلك ظللت أكرز عن الازدهار.

بالطبع لن يختار الفرد طريقة كهذه لينمو بها في النعمة، لكن الله يرى بطريقة مختلفة عنا.

عندما يواجه الكثيرون امتحانات وتجارب يقولون: “لا أعلم ما سوف يحدث لي. الله يعلم أنني فعلت ما بوسعي”. لكن عندما يعرفون كلمة الله فسوف يواجهون الامتحانات والتجارب بشجاعة ويقولون: “مجدًا لله.. هاليلويا.. ها هي فرصة أخري لأعيش بالإيمان واختبر أمانة الله. إنها مناسبة ثانية لأختبر صدق الكتاب”. 

قال سميث ويجلزورث: “ينتج الإيمان العظيم من الاختبارات العظيمة”. نقرأ في رومية 10: 17، “إِذًا الإِيمَانُ نَتِيجَةُ السَّمَاعِ، وَالسَّمَاعُ هُوَ مِنَ التَّبْشِيرِ بِكَلِمَةِ الْمَسِيحِ!” بالطبع تستطيع أن تؤمن بمواعيد كلمة الله. لكن الإيمان العظيم لن يأتي من التأمل في كلمة الله أو سماع شرائط كاسيت وحسب. ربما تأتي القدرة للوصول إلى إيمان عظيم بسماع الكلمة، لكن الإيمان العظيم في ذاته لا يأتي إلا عندما تطبق ما سمعته.

كما تعرف أن الإيمان هو قوة. كي تبني عضلة الإيمان تحتاج أن تمارس إيمانك في مواجهة شيء ما. لا يمكنك أن تبني عضلات جسدك بمجرد قراءة كتب عن بناء العضلات. بل عندما تطبق ما قرأته وتبدأ برفع أثقال، فحينئذٍ تبدأ عضلاتك تبرز وتكبر. قد قرأ البعض كتبي بأكملها لكن ليست لديهم عضلات بعد. واستمعوا لكل شرائطي.. لكن إن مارسوا كل إيمانهم فلن يكفي ليحرك شعرة. عليك أن تمارس قوة إيمانك في مواجهه الاختبار.

لهذا السبب تبدأ تشكر الله لأجل الاختبارات بعدما تنمو قليلاً. لأن الإيمان العظيم ينتج من اختبارات عظيمة. وكما قال سميث أيضًا فالانتصارات العظيمة تأتي من معارك عظيمة. أعلم أن يسوع حقق لنا نصرة عظيمة على إبليس، لكن لا يزال يا أصدقائي الأعزاء لديكم معارك تخوضوها. فلا يوجد جيش قد حقق انتصارًا عظيمًا دون أن يخوض معركة. ولا يوجد ملاكم قد صار بطل العالم في الوزن الثقيل دون أن يصارع أحد أو يجتاز مصارعة عظيمة.

عندما تتعلم أن الانتصارات العظيمة تأتي من المعارك العظيمة، فسوف تشكر الرب في وسط الاختبارات. إذ تعرف النهاية بالفعل.. تعرف أنك ستنتصر. الإيمان الغالب هو شيء يخصنا وملكًا لنا.

نحتاج أن نتعلَّم طريق الروح لأنه في بعض الأحيان سوف يقودك في طرق يرفضها عقلك الطبيعي. لم أرع كنيسة طوال سنوات الرعوية الاثني عشر وأنا أرغب في رعايتها.

عندما قبلت معمودية الروح القدس وأنا خادم معمداني طُردت من وسط المعمدانيين وانضممت بعد ذلك إلى الخمسينيين. عقدت اجتماع ذات مرة في إحدى الكنائس الخمسينية وبدأ الرب يتعامل معي لكي أرعاها. كانت كنيسة مليئة بالمشاكل مثل الكنيسة الأخيرة التي رعيتها. لكن الروح القدس قادني إلى ذلك.

كتب لي راعي تلك الكنيسة خطابًا يقول لي: “سوف أترك هذه الكنيسة يا أخ هيجن. لقد طلبت مني لجنة الكنيسة أن أكتب إليك وأسألك أن تنظر في أمر رعوية هذه الكنيسة. لقد وعظت هنا لشهر بأكمله، فإن قررت أن ترعى هذه الكنيسة فسوف يعلنون عن اسمك للتصويت”.

أجبت على خطابه قائلاً: “حسن”. لم أخبره أن الرب قد تعامل معي بالفعل بشأن هذه الكنيسة، لكني قلت أني سأفكر في رعايتها.

ذهبت هناك لأكون راعيًا لتلك الكنيسة ولن تصدق الورطة التي وقعت فيها. لقد كان الأمر مؤلمًا، لكن الرب قادني إلي البرية لأجرَّب من إبليس.

كنت في ذلك الوقت في الواحدة والعشرين من عمري. كانت الكنيسة لها ثلاثة وعشرين عامًا وكان بعض أعضائها قد امتلئوا بالروح القدس منذ ذلك الوقت. وطوال تلك السنوات لم يعضدوا الراعي قط. فكان عليه أن يعمل لأجل العيش. لكني كنت أول راعي يعضدونه. علمت لاحقًا أن تلك الكنيسة كانت ممتلئة بالمشاكل، ولم يرد أحد أن يأخذها، لكن روح الله قادني كي أرعاها.

سأصدقك القول.. لقد كانت رعايتي لتلك الكنيسة الأولى في جماعة الخمسينيين لها دور كبير في خدمتي اليوم عن أي شيء آخر. لقد كمِّلت من خلال ما تألمت به. عندما كنت أحاول أن أدعو كارزًا لكي يأتي ويعقد اجتماعًا، لم يكن أحد يقبل. قال لي أحد الأصدقاء في آخر الأمر: “ليباركك الرب يا أخ هيجن. ربما لا تعلم ذلك، لكني عقدت هناك نهضة لثلاثة أسابيع وأعطوني في النهاية قرشًا واحدًا”. قرش واحد.. أي عشرة ملاليم. ثم انتشرت هذه الحادثة  وسط كل الكارزين، فكانوا يقولون: “لا تذهب إلى هناك. ستفقد قميصك ورباط العنق وكل شيء”.

فاضطررت أن أخبر بعضهم في النهاية: “إني أضمن لكم هذا المبلغ”. لم أخبرهم أني سوف أدفع المبلغ من جيبي لو اقتضى الأمر.

أخيرًا أقنعت بعضهم بالمجيء (لا تقدر أن تلومهم لأجل التردد). ومع مرور الوقت نمونا وباركنا الله. عندما تركت تلك الكنيسة تقدم أكثر من أربعين خادم ليضطلعوا برعايتها. أرادوا أن يأخذوها في ذلك الحين وحسب، لكنهم رفضوا تلك الورطة من قبل.

كنت أعقد اجتماعًا ذات مرة في إحدى كنائس الإنجيل الكامل، ودعاني الراعي لأحضر لقاء مع أحد المرسلين بعد انتهاء اجتماعاتي. أخبرنا المرسل عن رحلته إلى إحدى الدول. طوال سبعة سنوات قاد شخصين وحسب ليقبلا يسوع ربًا ومخلِّصًا لهما. فعاد إلى موطنه مُحبطًا، لكن الرب أخبره أن يرجع ثانيًا. فذهب مرة أخرى وفى خلال سنة واحدة خلص 240 ألف شخص، واعتمد 70 ألف منهم بالروح القدس، كما زرع خمسين كنيسة هناك. ألم يكن هذا شيئًا رائعًا!

كان كل ما شهد به رائعًا، ثم أرانا بعد ذلك بعض الصور من نهضاته. أعلن في النهاية عن فقرة لطرح الأسئلة. قالت زوجة أحد الخدام: “لقد لاحظت يا أخي أنك تتحدث دومًا عن الأمور الجيدة، في حين أن باقي المرسلين يتحدثون عن الاضطهاد والطرح في السجون. ألم تُضطهَد هناك؟ ألم يحدث لك شيء كهذا؟”

أتذكر كيف نظر إليَّ وابتسم قائلاً: “إنني أسلك كما يفعل الأخ هيجن. لقد تألمنا بالطبع من أمور كهذه، لكننا لا نُضخم منها. فنحن نخبر عن الجانب الجيد وحسب”.

أعتقد أن هذا ما نفعله مع رسالة الإيمان؛ نتكلم عن الأمور الجيدة فلا يدرك الناس أنه توجد أمورًا أخرى.

قال هذا المرسل: “لقد ألقى في وجهي بيض فاسد بينما كنت أعظ. ضُربت في وجهي بطماطم فاسدة. وقبض عليَّ وهددوني بالسجن. كان معي أحد العاملين يعمل مشرفًا في بلدنا. ولأننا كنا مؤمنين فلم نكن نقامر، لكننا فعلنا شيئًا مشابهًا. كنا نحزم أمتعتنا ويقوا كل منا للآخر: ’سأدخل السجن لأجل الكرازة بالإنجيل قبلك‘”.

لقد وُضع بولس في السجن. لكن أين كان سينتهي به الأمر إن ظل يتذمر ويشكو؟ كان ليظل في السجن. لكن لأنه كان ممتلئًا بالإيمان بدأ هو وسيلا يسبحان الله في منتصف الليل، فخرجا. لم يمرض بولس أبدًا، لكنه عانى من اضطهادات.

نحتاج أن نعظ عن كلا الجانبين. لكن لابد أن نتذكر أنه توجد نصرة في يسوع، وندرك أن بعض من أصعب اختباراتنا هي طريق الله الذي يقودنا فيه إلى عمق أكبر في شخصه.

كانت تلك الكنيسة الأولى التي رعيتها ممتلئة بالمشاكل. أدركت مؤخرًا أن كل الكنائس التي رعيتها كانت ممتلئة بالمشاكل. قلت للرب ذات يوم: “لماذا تقودني دائمًا إلى هذه المواضع؟” أعتقد أنه كان يعلم أنه بإمكاني التحمل، وكان يرى أني في احتياج إلى الخبرة.

لن تكن خدمتي لتكون بالصورة التي هي عليها اليوم إن لم أرعى تلك الكنيسة الأولى، ولو لم أقبل رعوية الكنيسة الأخيرة. لقد جاءت أصعب الاختبارات التي اجتزتها خلال تلك الخمسين عامًا لأني كنت منقادًا بروح الله. فالله كان يعلم بقدوم الاختبار.. وهذه هي الطريقة التي علمني بها الله.

لا يمكنك أن تتعلم بعض الأمور بمجرد قراءتها في كلمة الله وحسب. لكن عندما تطبق الكلمة فعندئذٍ تصير حقيقة بالنسبة لك.

تستطيع أن تجلس اليوم كله صارخًا: “إلهي يسدد احتياجاتي كلها”. وتموت من الجوع وأنت تصرخ. رأيت أشخاص يصيحون اليوم كله: “قد أخذ أسقامي وحمل أمراضي”. شكرًا لله لأنه فعل ذلك. لكن عندما تطبق كلمة الله وتمارسها وتتمتع بنتائجها فعندئذٍ سوف تدرك ما تتكلم عنه.

نشرت بإذن من كنيسة ريما Rhema بولاية تولسا – أوكلاهوما – الولايات المتحدة الأمريكية www.rhema.org .
جميع الحقوق محفوظة. ولموقع الحق المغير للحياة الحق في نشر هذه المقالات باللغة العربية من خدمات كينيث هيجين.

Taken by permission from RHEMA Bible Church , aka Kenneth Hagin Ministries ,Tulsa ,OK ,USA. www.rhema.org.
All rights reserved to Life Changing Truth.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$