القائمة إغلاق

الروح: البعد الأول للإنسان The Spirit: First Dimension of the Human

إن الإنسان هو روحٌ، يمتلك نفسًا ويحيا في جسد. وروح الإنسان هو ذلك الجزء منه الذي يعرف الله. فهو في ذات المرتبة مع الله؛ لأن الله روحٌ وقد خلق الله الإنسان ليكون في شركة معه. لقد صنع الله الإنسان من أجل لذته. والإنسان ليس حيوانًا. وكي يكون في شركة مع الله، فلابد أن يكون الإنسان في ذات المرتبة مع الله. لذلك، كما أن الله روحٌ، فالإنسان هو أيضًا روحٌ.

دعني أسألك على سبيل التوضيح، هل حاولت من قبل أن تحيا في شركة مع بقرة عجوز؟ بالطبع لا يمكننا أن نحيا في شركة مع البقر لأنهم في مملكة مختلفة وطبقة مختلفة عنا. لكننا نستطيع أن نحيا في شركة مع بعضنا البعض، ونستطيع أن نحيا في شركة مع الله؛ لأن لنا نفس الكيان.

لقد قال يسوع للمرأة عند بئر السامرة: “اللهُ رُوْحٌ، وَالَّذِيْنَ يَعْبُدُوْنَهُ يَنبَغِي أَنْ يَعْبُدُوْهُ بِالرُّوْحِ وَالحَقِّ”. (يوحنا 4: 24). لا يمكننا أن نعرف الله أو نلمسه ماديًا. فهو ليس إنسانًا.. إنما هو روحٌ. ﻻ يمكننا أن نتواصل مع الله فكريًا، ﻷنه روحٌ. لكننا نستطيع أن نصل إليه بأرواحنا، ومن خلال أرواحنا وحسب نأتي لنعرف الله.

لذا نعلم أن الله روح. ومع ذلك، فالله الذي هو روحٌ، اتخذ لنفسه جسد إنسان. فيسوع كان هو الله الظاهر في الجسد.فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ… وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا” (يوحنا 1: 1- 3 و14).

عندما أخذ الله لنفسه صورة إنسان، لم يصر إلهًا بدرجة أقل من التي كان عليها قبل أن يتجسد. كذلك أيضًا الإنسان عند الموت الجسدي، يترك جسده. ومع ذلك، فهو لا يصبح إنسانًا بدرجة أقل من التي كان عليها عندما كان لديه جسد. نرى ذلك في رواية المسيح عن لعازر والرجل الغني بعد موتهما (لوقا 16: 19- 31).

وفي رسالة بولس إلي الكنيسة في تسالونيكي نرى لمحة عن طبيعة الإنسان الثلاثية. “وَإِلهُ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ”. (1 تسالونيكي 5: 23 فان دايك). ينبغي أن يُحفظ الإنسان بجوانبه الثلاث كاملاً بلا لوم عند مجيء الرب. كم سيكون ذلك يومًا عظيمًا لأنه عندما يأتي، فهذا الإنسان بأكمله –روحًا ونفسًا وجسدًا– سيكون محفوظًا كاملاً.

إن لنا روحًا جديدة الآن، لأن أرواحنا قد وُلدت من الله. لكن سيكون لدينا جسد جديد “عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ”. لدينا حياة جديدة الآن، لكن سيكون لدينا جسد جديد عندئذٍ.

لقد تنبأ أكثر من واحد من أنبياء العهد القديم بخصوص إسرائيل بأن الله سيقيم عهدًا جديدًا مع بيت إسرائيل. هذا العهد هو العهد الجديد الذي نعرفه الآن. قال الله من خلال النبي حزقيال: “وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَجْعَلُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي، وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا” (حزقيال 36: 26 و27 فان دايك).

كان حزقيال يتنبأ بخصوص الميلاد الجديد. عندما يُولد الإنسان ثانيةً، فروحه (التي هي إنسانه الحقيقي) تُولد ثانيةً.. وأما الإنسان العتيق فسيمضي ويصير خليقة جديدة. كما قال بولس في كورنثوس الثانية 5: 17 “إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا”.

لقد تم استخدام كلمتي “روح” و”قلب” بالتبادل في الآيات الكتابية. إن قلبك هو روحك.. وعندما يتكلم الكتاب عن قلب الإنسان، فهو يتكلم عن روح الإنسان. لاحظ أن العدد الذي اقتبسناه من تسالونيكي الأولى 5: 23 لا يقول: “لتُحفظ قلوبكم كاملة” وحسب، لكنه يقول: “لْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً….”.

وفى إشارة إلى روح الإنسان، تحدث بطرس عن “إنسان القلب الخفي”. فأخبرنا ألا نهتم بالزينة الخارجية وحسب: “وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَلاَّ تَعْتَمِدَ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ لإِظْهَارِ جَمَالِهَا، بِضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ. وَإِنَّمَا لِتَعْتَمِدِ الزِّينَةَ الدَّاخِلِيَّةَ، لِيَكُونَ قَلْبُهَا مُتَزَيِّنًا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ وَالْهُدُوءِ. هَذِهِ هِيَ الزِّينَةُ الَّتِي لاَ تَفْنَى، وَهِيَ غَالِيَةُ الثَّمَنِ فِي نَظَرِ اللهِ!” (1 بطرس 3: 4). هذا هو الإنسان الحقيقي. وليس الإنسان الخارجي –إنسان اللحم والعظم– إنما الإنسان الداخلي هو الإنسان الحقيقي.

لقد أشار بولس إلى “إنسان القلب الخفي” –الذي هو روح الإنسان– على أنه الإنسان الداخلي. “… بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى (تقول ترجمة أخرى يتحلل)، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا” (2 كورنثوس 4: 16 فان دايك). إن الإنسان الخارجي، أو الجسد، يتقدم في العمر ويتحلل..  تمامًا كما أن المنزل الذي تعيش فيه يُستهلك ويحتاج إلى صيانة وتجديد باستمرار. لكن شخصك الحقيقي لا يشيخ، لأن بولس قال: “فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا”.

أنا لن أصير أكبر مما أنا عليه الآن. ولستُ الآن أكبر مما كنتُ عليه منذ عدة سنوات. أعلم الآن أكثر مما كنت أعلم وقتئذٍ، لكني لستُ أكبر مما كنت عليه قبلاً. ربما شاب شعري وزادت بعض التجاعيد، لكن كياني الحقيقي لن يشيخ أبدًا. لأن الإنسان الداخلي يتجدد يومًا بعد يوم.

لقد مضى بولس ليقول: “لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا. وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ” (ع 17 و18 فان دايك).

لعلك تمر الآن ببعض المحن التي تجعل حياتك بائسة من وجهة النظر الطبيعية. لكن تذكر، أنها للحظة وحسب. لأننا ننتظر بترقب شيئًا أعظم بكثير بما لا يُقاس وسيبقى.. لا إلى لحظة، بل إلى الأبد.

“وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى….”. الإنسان الخارجي يُرى، لكن الإنسان الداخلي هو ذلك الإنسان الخفي الذي لا يُرى. كثيرون جدًا مهزومون في الحياة لأنهم ينظرون إلى الأشياء الخاطئة. كل ما يرونه دائمًا هو العيان المادي. قال سميث ويجلزورث ذات مرة: “أنا لا أتأثر بما أراه. ولا أتأثر بما أشعر به. إني أتأثر بما أؤمن به وحسب”. الطريقة الوحيدة التي يمكننا أن ننظر بها إلى ما لا يُرى هي بالإيمان.

والعدد الأول من الإصحاح التالي هو تكملة لما كان بولس يقوله هنا. عندما كتب بولس هذه الرسالة كانت كلها خطابًا واحدًا طويلاً إلى الكنيسة التي في كورنثوس. وفيما بعد تم تقسيمها إلى إصحاحات لتسهيل الرجوع إليها. قال بولس في الحديث عن الأمور التي لا تُرى والإنسان الداخلي: “لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ” (2 كورنثوس 5: 1).  

إن الخيمة الأرضية التي تكلم عنها بولس هنا هي بالطبع الجسد المادي. فهو يقول أنه إن هُدم جسدنا إن مات ووُضع في القبر وتحلل ورجع إلى التراب– فهذه ليست النهاية؛ لأن “لَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ”. لنا بناءٌ من الله ليس مصنوعٍ بيد؛ أبديٌ في السماء. وهو بهذا يشير إلى روح الإنسان، الإنسان الداخلي، الذي هو أبديُّ.

يُكمل بولس أكثر عن هذا الموضوع في نفس الإصحاح. “فَإِذًا نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ فِي الْجَسَدِ، فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ الرَّبِّ. لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعِيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ” (2 كورنثوس 5: 6- 8). قال بولس في عدد 6 “نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ”؛ ثم في عدد 8 قال أيضًا: “فَنَثِقُ”. كان بولس يعلم عما يتكلم. كان متيقنًا أنه بينما “نحن –أي الإنسان الداخلي– مستوطنون في الجسد، فنحن متغربون عن الرب. لكن عندما نكون (الإنسان الداخلي، الإنسان الحقيقي) متغربون عن الجسد، فنحن نستوطن عند الرب”. 

بمعيشتنا في العالم الطبيعي المادي، يصبح من الصعب أن ندرك أن العالم الروحي أكثر حقيقة جدًا من هذا العالم الطبيعي. فنعتبر أن وجود الأشخاص هو في أجسادهم المادية وحسب.. وعندما يموتون، كأنهم لا يعودوا موجودين بعد! لكن على الرغم من ذلك، فالشواهد الكتابية تخبرنا أن الإنسان الحقيقي هو الإنسان الداخلي، إنسان القلب الخفي، وهو كائن أبدي. وسوف يحيا إلى الأبد بعدما يرجع بيت خيمته الأرضي للتراب.

نشرت بإذن من كنيسة ريما Rhema بولاية تولسا – أوكلاهوما – الولايات المتحدة الأمريكية www.rhema.org .
جميع الحقوق محفوظة. ولموقع الحق المغير للحياة الحق في نشر هذه المقالات باللغة العربية من خدمات كينيث هيجين.

Taken by permission from RHEMA Bible Church , aka Kenneth Hagin Ministries ,Tulsa ,OK ,USA. www.rhema.org.
All rights reserved to Life Changing Truth.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$