القائمة إغلاق

الروح القدس في الإنسان الباطن The Holy Spirit in in your Inner Man

إن روح الإنسان هي جانب من طبيعته الثلاثية يتصل من خلاله بالله. وهذا هو الإنسان الحقيقي أو كما قال بولس “الإنسان الباطن” أو إنسان القلب الخفي. إنها روح الإنسان التي تنال حياة أبدية. سيكون لنا جسد جديد ذات يوم، لكن لنا الحياة الجديدة هنا والآن.

عندما يُولد الإنسان ثانيةً، تُعطى حياة أبدية إلى روحه.. إلى إنسانه الباطن. “لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ” (رومية 6: 23).

إن الحياة الأبدية هي حياة وطبيعة الله. إنها ذات نوع حياة الله. ذكر يسوع تلك العبارة: “لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ” (يوحنا 5: 26). كان يسوع يقول هنا أنه، أي الابن، له ذات نوع الحياة التي لله الآب. ثم نقرأ في الإصحاح العاشر لإنجيل يوحنا حيث قال يسوع: “… أَمَّا أَنَا فَقَدْ جِئْتُ لِكَيْ تَكُوْنَ لِلنَّاسِ حَيَاةٌ، وَتَكُوْنَ لَهُمْ هَذِهِ الحَيَاةُ بِكُلِّ فَيْضِهَا” (يوحنا 10: 10).

 هكذا نرى أن حياة الله هذه التي تأتي إلى أرواحنا هي حياة وطبيعة الله التي تخلق أرواحنا من جديد وتجعلنا خليقة جديدة في المسيح يسوع.

إن طبيعة الله هي المحبة. لذا إن كان الإنسان مولودًا من جديد، فسيكون ممتلئًا بمحبة الله. “أَظهِرُوا مَحَبَّةً بَعضُكُمْ لِبَعضٍ. فَبِهَذَا سَيَعرِفُ الجَمِيْعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيِّذِي” (يوحنا 13: 35). “إنَّنَا نَعلَمُ أَنَّنَا اِجتَزنَا مِنَ المَوتِ إلَى الحَيَاةِ، لأَِنَّنَا نُحِبُّ إخوَتَنَا، وَمَنْ لاَ يُحِبُّ يَبقَى فِي المَوتِ. مَنْ يُبغِضُ أَخَاهُ هُوَ قَاتِلٌ! وَأَنتُمْ تَعلَمُونَ أَنَّ مَنْ يَقتُلُ، لَيسَتْ لَهُ حَيَاةٌ أَبَديَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ” (1 يوحنا 3: 14 و15) كان يوحنا يقول هنا أنه إن كان الإنسان قد عبر من الحياة القديمة –بموتها الروحي– إلى حياة الفيض الجديدة الأبدية، فسيكون ممتلئًا بالمحبة. إن كانت لديه هذه الحياة الأبدية فيه، فلن توجد فيه كراهية.. بل محبة.

إن الروح القدس هو مَن يهب هذه الحياة الأبدية لنا من خلال الكلمة.. التي من خلالها أيضًا يقودنا التبكيت إلى المسيح. عندئذٍ، تكون لدينا شهادة الروح في قلوبنا أننا أولاد الله (رومية 8: 16).

مع أن الروح القدس يلعب دورًا هامًا في تجديدنا، إلا أن دوره لا ينتهي عند ذلك. إذ بعدها يأتي الروح القدس ليحل فينا كمعزي ومعين ومرشد. أخبرتني سيدة مؤخرًا أنها كانت قد تعلمت أنه إذا كان الشخص قد نال الخلاص، فهو لديه الروح القدس، ولكن هذه هي النهاية. فلن ينال أبدًا أي مزيد من الروح القدس أكثر مما ناله وقت التجديد.

من الصحيح، كما قلنا، أن أولاد الله هم مولودون من الروح القدس ولديهم شهادة الروح. لكن عندما ننظر إلي سفر الأعمال نرى في تعليم الرسل أن هناك المزيد. فعندما ذهب فيلبس إلى مدينة السامرة، كرز بالمسيح وآمن أهل السامرة برسالة فيلبس المتعلقة بيسوع وملكوت الله واعتمدوا بالماء.

ثم نقرأ بعد ذلك: “لَمَّا سَمِعَ الرُّسُلُ المَوجُودُونَ فِي القُدسِ بِأَنَّ أَهلَ السَّامِرَةِ قَبِلُوا رِسَالَةَ اللهِ، أَرسَلُوا بُطرُسَ وَيُوحَنَّا إلَيهِمْ. وَعِندَ وُصُولِهِمَا، صَلَّيَا مِنْ أَجلِ المُؤمِنِينَ السَّامِرِيِّيْنَ لِكَي يَقْبَلُوا الرُّوحَ القُدُس” (أعمال 8: 14- 16).

لم يصلِّ بطرس ويوحنا لأهل السامرة كي يُولدوا ثانيةً. ﻷنهم كانوا قد قبلوا المسيح كمخلص لهم بالفعل، ووفقًا لرسالة بطرس الأولى، فهم “قَدْ وُلِدْواْ وِلاَدَةً ثَانِيَةً لاَ مِنْ زَرْعٍ بَشَرِيٍّ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى: بِكَلِمَةِ اللهِ الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ” (1 بطرس 1: 23).

ثم نقرأ بعد ذلك أن بطرس ويوحنا وضعا الأيادي على هؤلاء المؤمنين الجدَّد “وصَلَّيَا لِكَي يَقْبَلُوا الرُّوحَ القُدُسَ” (أعمال 8: 17). لذا نرى هنا أن قبول الروح القدس هو اختبار يتبع الخلاص.

عندما يأتي الروح القدس ليحل فينا، لا يأتي ليسكن في رؤوسنا، بل في قلوبنا. وعقولنا هي ما تعيقنا في أغلب الأحيان عن قبول هذا الاختبار، لأن العقل قد سيطر علي اللسان جدًا حتى أن الذهن لا يريد يُخضع اللسان للروح القدس. وهذا هو السبب في كون البعض يجاهدون ويجاهدون، محاولين أن يقبلوا الروح القدس.

إن السبب الوحيد في أن تصبح أجسادنا هيكلاً للروح القدس هو ﻷنها هياكل أو منازل لأرواحنا. ولهذا نقول أن الروح القدس يسكن في أجسادنا. مع ذلك، فالروح القدس لا يحل في أجسادنا بهذه الصورة.. لكنه يحل في أرواحنا. “… لأَِنَّ اللهَ الَّذي فِيكُمْ أَعظَمُ مِنْ الَّذِي فِي العَالَم” (1 يوحنا 4: 4). قال سميث وجلزورث: “أنا أكبر آلاف المرات في الداخل مما أنا عليه في الخارج”.

“وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا” (أعمال 2: 4). في هذا الانسكاب الأولي للروح القدس، يقول الكتاب: “وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى”. لقد تكلموا “كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا”. إن الإنسان الحقيقي هو الإنسان الباطن.. وعندما نتكلم بألسنة، فنحن نتكلم من قلوبنا، من أرواحنا، من إنساننا الباطن. ليس الجسد هو الذي يتكلم، حتى وإن كنا نستخدم أحبالنا الصوتية.. ولا نتكلم أيضًا من عقولنا. فقد قال بولس: “إِنْ كُنْتُ أُصَلِّي بِلِسَانٍ، فَرُوحِي تُصَلِّي…” (1 كورنثوس 14: 14).

عندما تكلم يسوع مع تلاميذه عن روح الموعد القدوس قال: “إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ (تقول ترجمة أخرى: من أعماق كيانه الداخلي) أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ. قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ”. (يوحنا 7: 37- 39 فان دايك). كان يسوع يُخبر تلاميذه أن الروح القدس سيحل في “أعماق كيانهم الداخلي”.. في أرواحهم.

 لذاك نري أن الروح القدس لا يحيا في رؤوسنا أو أذهاننا.. إنما يحل في قلوبنا.

ربما يقول أحدهم: “لكني لا أشعر به. ربما يكون قد رحل”.

إن أتى الروح القدس ذات مرة، فهو يظل هناك؛ لأن يسوع قال: “سأَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ” (يوحنا 14: 16). لا يذكر هذا الوعد أي شيء عن مكوثه لأسبوعين أو شهر. إنما يقول: “إِلَى الأَبَد”. لا يأتي الروح القدس ويغادر. بمجرد أن قبلناه،صار ماكثًا معنا “إِلَى الأَبَدِ”.

“لكن إن أخطأت، أفلن يتركني؟” كلا، هو لن يتركك. سيظل متواجدًا ومحاولاً أن يساعدك. بعدما أخطأ داود بارتكابه الزنا والقتل، تاب وصلى قائلاً: “لاَ تَطْرُدْنِي مِنْ حَضْرَتِكَ، وَلاَ تَنْزِعْ مِنِّي رُوحَكَ القُدُّوسَ” (مز 51: 11). حتى ذلك الوقت لم يكن الروح القدس قد ترك داود. ولم يفعل ذلك إطلاقًا. ربما نُحزن الروح القدس، لكنه سيظل ماكثًا معنا “إِلَى الأَبَدِ”.

ولأن الروح القدس ليس في عقولنا، فهو لا يتواصل مباشرة مع عقولنا. إنما هو في أرواحنا ويتواصل معنا من خلال أرواحنا. وبالطبع، تؤثر أرواحنا على  تفكيرنا الداخلي.

عندما تكلم يسوع عن روح الموعد القدوس قال: “حِيْنَ يَأْتِي رُوحُ الحَقِّ… لَنْ يَتَكَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ سَيَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ” (يوحنا 16: 13). كان يسوع قد سبق أن صرَّح بالفعل: “وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ”. ثم مضى يسوع بالقول: “… لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ” (ع 16 و17). 

قال يسوع أن ذلك الروح القدس الذي يمكث فينا”لَنْ يَتَكَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ سَيَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ” (يوحنا16: 13). قال يسوع أن الروح القدس يتكلم. هذا ليس حديث عن الألسنة. فنحن نتكلم بألسنة كما يعطينا الروح أن ننطق. لكن يسوع قال أنه عندما يتكلم الروح القدس: “سَيُعلِنُ لَكُمْ مَا هُوَ آتٍ” (ع 13) كيف سيفعل ذلك؟ سيتكلم في أرواحنا حيث يوجد هناك. وتستقبل أرواحنا المعرفة من الروح القدس.

إن أعظم الأمور التي حدثت لي على الإطلاق كانت قد بدأت في الداخل، هناك حيث يبدأ الله يعمل. عندما ننال الخلاص يبدأ الروح القدس يتحرك في أرواحنا ونشعر في داخلنا بالتبكيت. نشعر بإلحاح أن نتجاوب مع الله. يحدث شيء ما في الداخل فنتعَّرف على  الروح القدس بينما يتكلم إلى أرواحنا.

كنت على فراش المرض عندما تعلمت لأول مرة أن أصغي للشهادة الداخلية. لم أكن أعرف كيف.. لم يُعلِّمني أحد، إنما كان عليَّ أن أتعلم بنفسي. إن كنت قد بدأت أصغي قبل ذلك، لما كنت مضطرًا أن أمكث مطروحًا على ظهري لستة أشهر. لكنني لم أصغي. هذا الشخص الذي ﻻ يُرى كان يحاول أن يعلن كلمة الله ليَّ، محاولاً أن يجعلني أطبّق تلك الكلمة، لكني لم أرد أن أفعل ذلك لأن عقلي الطبيعي لم يسمح لي بذلك. لم يدعني أسلك بالإيمان.

كنت أصلي وأشعر بالبركة، لأن الرب سيباركنا عندما نصلى. لكن لا يعني ذلك بالضرورة أن لدينا الاستجابة لصلواتنا. كثيرون جدًا بنوا إيمانهم على المشاعر وخُدعوا، في حين كان يجب عليهم أن يبنوا إيمانهم على كلمة الله.

كنت أختبر نبض قلبي لأرى إن كنت قد شُفيت. وكنت أنظر إلى أطرافي اليابسة، التي كانت بلا نفع، لأرى إن كنت أستطيع السير. وبرؤيتي أني لم أتحسن على الإطلاق، كنت أصرخ إلى الرب: “لماذا؟”

ثم أتى الوقت عندما جعلني الروح القدس أصغي أخيرًا إلى الكلمة. سيقودنا روح الله دائمًا في توافق مع الكلمة. إذ أنه هو مصدر الكلمة المكتوبة. كان مرقس 11: 24 هو الشاهد الذي أخرجني من فراش  المرض: “كُلُّ مَا تَطلُبُونَهُ وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ، آمِنوا بِأَنَّهُ لَكُمْ، فَيَكونَ لَكُمْ.

تكلم الروح القدس إلى قلبي كي يلفت انتباهي إلى آخر فقرة في هذا الشاهد: “فَيَكونَ لَكُم” وأن أسلك كما لو أنها كانت حقيقة. ربما تقول: “كيف سمعت الرب؟” لم أسمع أي صوت في الوسط الطبيعي. لم أسمع أي شيء بأذنيَّ الجسدية. إنما سمعته في الداخل. سمعته يتكلم إلى روحي بصوت لا يُنسى.

إنه بالقلب، أي بالروح، يؤمن الإنسان. إنه بذلك الإنسان الباطن نقف على وعود كلمة الله، وليس برؤوسنا أو عقولنا. ربما توجد كل أنواع الشكوك في ذهنك، لكنك تؤمن في قلبك. كانت لديَّ كل أنواع الشكوك في رأسي، لكنها لم تعيقني أبدًا. وهي لن تعيقك أنت أيضًا ما لم تسمح لها بذلك. كان عندما أطعت ذلك الصوت الداخلي، وتمسكت بالوعد في كلمة الله، وأعلنت شفائي كحقيقة تامة بغض النظر عن البرهان المادي المضاد، أن الرب حررني من تشخيص الطبيب بالموت.

يستطيع الروح القدس أن يساعدنا، يستطيع أن يُعلِّمنا ويستطيع أن يعمل من خلالنا إن كنا سنتعلم وحسب أن نكون أكثر تجاوبًا له. لن نتعلم ذلك بين ليلة وضحاها، ولا يجب أن نكون محبطين إن كنا غير ذلك. فأنت لم تذهب إلى لمدرسة ليوم واحد وحسب، ثم تركتها قائلاً: “حسنًا، لقد تعلمت كل شيء الآن”. لا، بل استمررت في الذهاب والتعلم. كذلك الأمور الروحية تأتي بذات الطريقة أيضًا. فنحن لن نتعلم دون أن نرتكب بعض الأخطاء في الطريق. أنت لم تكف عن محاولة تعلم قيادة السيارات لأنك في أول مرة قدت فيها صعدت بالسيارة على الرصيف. لكنك استمررت حتى استطعت القيادة. كذلك نحن أيضًا لابد أن نثابر في سلوكنا بالروح. “اقتَرِبُوا مِنَ اللهِ، فَيَقتَرِبَ مِنكُمْ” (يعقوب 4: 8).

لقد كان ذات الصوت الداخلي هو الذي قادني إلى معمودية الروح القدس. عندما سمعت لأول مرة شخص ما يعظ عن هذا الاختبار، أغلقت أذنيَّ عن الرسالة لأني اعتقدت أنهم مخطئون. لكن الروح القدس أخيرًا –ذلك الصوت في داخلي– تكلم إلى روحي قائلاً: “لماذا لا ترى ما يقوله الكتاب؟” فقادني إلى فقرات من المكتوب تتناول الموضوع، فقبلتها.. عندئذٍ سرت في النور الذي سكبه الروح القدس في روحي وقبلت معمودية الروح القدس.

يقول سفر الأمثال 20: 27، ” نَفْسُ الإِنْسَانِ سِرَاجُ الرَّبِّ، يُفَتِّشُ كُلَّ مَخَادِعِ الْبَطْنِ” (فان دايك). وفي ترجمة KJV الإنجليزية، نجد كلمة “روح” بدلاً من “نفس”. هذا يشير إلى أن الله يستخدم أرواحنا لينيرنا، ويرشدنا ويقودنا. فهو يتكلم إلى أرواحنا بالشهادة الداخلية. “لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ” (رومية 8: 14).

إن لأرواحنا صوتًا أيضًا. وعادة ما نُطلق عليه الضمير أو المرشد أو البديهة. في بعض الأحيان يسميه العالم الحس الباطني. لكن هذه هي أرواحنا تتكلم إلينا. سواء كان الشخص نال الخلاص أو لا، فهو لا يزال كيانًا روحيًا ويستطيع أن يعرف أمورًا في روحه. وهذا الصوت الداخلي يسعى ليعطي القيادة لأذهاننا. 

إن كنا قد تبعنا ذلك الصوت الداخلي في كثير من المرات لكنا استطعنا أن نفدي أنفسنا من أحزان كثيرة. إن كنا قد تبعنا تلك الشهادة الداخلية لما كنا قد قمنا ببعض الاستثمارات التي خسرنا بسببها الأموال. إن كنا قد أصغينا لذلك الصوت الداخلي لما كنا قد صنعنا بعض الصفقات والمشروعات التي فعلناها. لما كنا قد اخترنا بعض الأصدقاء الذين اخترناهم. قد رأيت شبابًا رائعين ممَن دخلوا في رفقة خاطئة، واختاروا الرفاق الخطأ، وانقادوا بعيدًا عن الله. هناك الكثير من الأخطاء التي لم نكن لنفعلها إن كنا قد أصغينا لروح الله.

منذ عدة سنوات مضت قبلت دعوة أحد الرعاة لأقيم نهضة في كنيسته. ولم أشعر بقيادة في اتجاه محدد، سواء لقبول أو رفض الدعوة. فافترضت أنه لا بأس في أن أذهب هناك. وأثناء الإعداد لأجل النهضة في تلك الكنيسة قبل موعد الاجتماعات، كنت أصلي لأجل خدمات المساء. وأثناء الصلاة، راودني إحساس داخلي أني لا يجب أن أذهب إلى هذه الكنيسة المجاورة. كان أكثر من مجرد شعور. حاولت أن أتجاهله مخبرًا نفسي أنه سيزول. وعندما خرجت من الصلاة، تلاشى هذا الشعور.

في اليوم التالي وأثناء الصلاة أيضًا، كان هذا الصوت الداخلي يحثني مرة أخري ألا أذهب إلى تلك الكنيسة. لم أقدر أن أفهم لماذا. كنت قد وعدت الراعي أني سأذهب إلى كنيسته. وأعطيته كلمتي، وكانت الإعلانات موضوعة خارج الكنيسة، لذا كان ﻻ بد لي أن أذهب. وعلاوة على ذلك، كان ذلك هو الاجتماع الوحيد الذي رتبت له. ففكرت قائلاً: “هذا هو الباب الوحيد المفتوح لي حاليًا، لذا سأستمر وحسب”. وعندما نهضت من موضع الصلاة، فارقني هذا الإحساس الداخلي مرة ثانية، ولم أعط له أي انتباه مجددًا. وفي اليوم التالي أثناء الصلاة حثني الروح القدس ثانيةً ألا اذهب إلى تلك الكنيسة. لكن مرة أخرى وضعت ذلك الإحساس جانبًا.

عندما ذهبت إلى تلك الكنيسة رأيت أن الراعي كان في مشكلة. وشعرت بالأسى من أجل الحضور لعدة أسباب. لكني أخبرت الراعي أني سأستمر وأعظ لأجله لمدة أسبوع، ﻷني كنت أعلم أنه ستُثار تساؤلات إن غادرت بعد أيام قليلة وحسب. 

على الرغم من وجود العديد من الفنادق المريحة في المدينة، وعلى الرغم من أن الراعي نفسه كان يعيش في منزل جميل جدًا.. إلا أنه أخذنا إلى مبيت الخدام خلف منزله، وذلك كان أفضل قليلاً من عش دجاج. ثم قال: ” أحتاج أن أجمع مقدارًا بسيطًا من المال في هذا الاجتماع. فإن تبقي لدينا أي فائض، سنعطيكم إياه. أتمنى أن نتمكن من إعطائكم 25 أو 50 دولارًا هذا الأسبوع”. وقتها أدركت أنه خطط لهذه النهضة، لا لكي يخلُص الناس، بل ليجمع المال.

كنت قد اصطحبت فريق التبشير معي، وكانوا قد سافروا مسافة 1200 ميل ليصلوا إلي هناك. لذا كان عليَّ أن أدفع تكاليف سفرهم بالإضافة إلى تكاليفي. ودفعت لوجبات وإقامة جميعنا في فندق مريح. وفي نهاية هذا الأسبوع قبلت تقدمة 40 دولار. فكان عليَّ أن أذهب واقترض من البنك مبلغ 300 دولار كي أغادر المدينة وأصل إلى اجتماعاتي المقبلة. غنيٌ عن القول أن الفشل في إطاعة إصرار ذلك الصوت الداخلي كان مكلفًا. لكنه كان درسًا جيدًا لي.

لا بد أن نتعلم أن ندع أرواحنا تسود على أذهاننا إن كنا سنصير مؤمنين ناجحين. فالسلوك بالإيمان يعني أن نسلك بالكلمة وندع قلوبنا وإنساننا الداخلي يحكمنا.

وبعد مرور ثلاثة أشهر كنت أعقد اجتماعًا وقد باركه الرب جدًا. كانت الأحوال المادية جيدة جدًا، لكن بدأت الفواتير تلاحقني. كان لديّ عدد من الدعوات لعقد نهضات تلي مباشرة تلك النهضة. لكن بدا أني لم أقدر أن أحصل على شهادة داخلية إلى أين يريدني الرب أن أذهب. لم أكن أصغي إلى صوتٍ، لكني كنت منتظرًا لإشارة وحسب في داخلي لأية دعوة أقبل. مع ذلك، بدا أني لم استطع أن أحصل على سماح للذهاب إلى أي منهم.

كان الوقت يضيق بينما كنت في الأسبوع الأخير للاجتماع الجاري وقتها، وكنت أعلم أنه سيكون من الصعب بدء اجتماع آخر دون الإعلان قبله بوقتٍ كافٍ. إذ هناك تنبيهات لا بد أن ينوَّه عنها، وإعلانات لتُوضع في الجريدة المحلية، الخ. فقلتُ لزوجتي: “حسنًا، لا بد أن أفعل شيئًا. أقترح أن أتصل بالأخ فلان حيث أنه سألني مرارًا عديدة أن أذهب إلى مدينته وأعقد اجتماعًا. اليوم الأربعاء.. إن اتصلت به الليلة سيتمكن من وضع إعلان في جريدة الغد، ونستطيع أن نبدأ اجتماعنا مساء الاثنين القادم”.

ذهبت إلى حجرة أخرى والتقطت سماعة الهاتف لأتصل به. وبينما أفعل ذلك، أفزعني صوت بداخلي (لم تكن شهادة)، فقفزت. قال الصوت: “لا تفعل ذلك.. لا تفعل ذلك”. كنت قد رفعت السماعة بالفعل، لكني لم أكن قد أجريت الإتصال، فوضعت السماعة في مكانها. وتساءلت: “يا رب، ماذا ينبغي عليَّ أن أفعله الآن؟ لم أرتب لأي اجتماع حتى يوليو، ولديَّ التزامات لا بد من الوفاء بها. ماذا ينبغي أنا أفعل؟”

لم أسمع هذه المرة أي صوت كما حدث من قبل، لكن كان هناك بداخلي شيئًا بدا أنه يطفو من كياني الداخلي ويقول: “انتظر وحسب”. لم يكن سهلاً أن أفعل ذلك، لكني كنت أعلم أني قد سمعته من الرب، فرجعت إلى حجرتي.

 سألتني زوجتي: “ماذا قال الراعي؟”

أجبتها: “لم أتصل به”.                                                                               

“لم تتصل به؟ لماذا؟”

فقلت: “أخبرني الرب ألا أفعل ذلك”، فاقتنعت.

في الليلة التالية، ناقشنا مرة أخرى خططًا للنهضة التالية. فقلت: “لا مفر.. لا بد أن أفعل شيئًا. لقد انتظرت بما يكفي. لا بد أن أفعل شيئًا. لديّ فواتير لأسددها”. كان متأخرًا جدًا أن أبدأ الاجتماع الذي فكرت فيه بالليلة السابقة، إذ مضى آخر موعد لوضع الإعلانات في الجريدة. لكني تذكرت راعٍ آخر يبعد عنا مئتي ميل، وكان قد طلب مني أن أذهب إلى كنيسته في أي وقت أستطيعه، حتى إن أبلغته قبلها بيوم واحد.

نهضت لأتصل به.. لكن بمجرد ما أن أمسكت بالتليفون وبدأت اتصل، قال صوت بداخلي مرة أخرى: “لا تفعل ذلك”.

 فجادلت قائلاً: “لكن يا رب، ماذا ينبغي علي أن أفعل؟ لا بد أن أعيش. لديَّ مصاريف منزلية يجب أن أدفعها، وأولاد أُطعمهم، وفواتير أسددها. وليس لدي أي دخل مُتوقع من بعد تقدمة مساء هذا الأحد القادم. بالتأكيد لديك مكان ما تريدني أن أذهب إليه، شيء ما تريدني أن أفعله”.

لكن الله أجاب فقط: “انتظر”.

في اتكالي على الروح القدس لأجل القيادة، أثق فيما لا يخبرني به تمامًا مثلما أثق فيما يخبرني به. ففي مثل تلك الأوقات نحتاج بحق أن نتعلَّم كيف نثق في الله، ونطمئن على مواعيده، ونتكل بالكامل عليه.

بدا أن الروح القدس كان يحثني أن أبقى حيثما كنت لأن لديه شيئًا جيدًا لي.. وإن غادرت، سأفقده. ثم فاجأتني معرفة.. لا أستطيع أن أخبرك كيف نلتها أو كيف أتت. لكني علمت في داخلي أن راعي الكنيسة كان سيسألني في الصباح التالي إن كنت أستطيع أن أبقى لأسبوع آخر، ليصبح ذلك الأسبوع الرابع لهذا الاجتماع.

عندما رجعت إلى الغرفة حيث كانت زوجتي، سألتني: “ماذا قال؟”

قلت: “لم أتصل به. أخبرني الرب ألا أفعل”، ففهمت.

وفي الصباح التالي قال لي الراعي: “لدي شيء أريد أن أسألك عنه”. ثم دمدم وتلعثم قليلاً.

قلت: “أعلم ما هو والإجابة نعم”.

فسأل: “هل تستطيع المكوث؟”

أخبرته: “نعم، أستطيع البقاء لأسبوع آخر”. ويا له من اجتماع مجيد كان ذلك الأسبوع الرابع! كان المبنى ممتلئًا كل ليلة، ونفوس خلُصت، ومؤمنين امتلئوا بالروح القدس.

في عصر أحد الأيام قرب نهاية الأسبوع رن جرس الهاتف، والسيدة التي كانت تطلبني قالت: “أخ هيجن، ربما لا تتذكرني”، ثم أخبرتني عن اسمها. “لقد قبلت معمودية الروح القدس في اجتماعك. وقد أخبرني الرب أن أعطيك ألف دولار”.

هذا ما كنت سأفقده لو لم أكن قد أصغيت لقيادة الروح القدس. كان صعبًا أن أنتظر دون أن أرى أي شيء، لأن العقل البشري يريد أن يسلك بالعيان. لكن الله يريدنا أن نسلك بالإيمان. الإيمان هو من القلب. وأرواحنا لن تُدرب على السير في طريق الإيمان هذا بين ليلة وضحاها. سنفعل بعض الأخطاء على طوال الطريق ونخطئ سماع الله. لكن طالما نستمر في طلبه، فسنقدر أن ندرب أرواحنا لتنقاد بذلك الصوت الداخلي.

نشرت بإذن من كنيسة ريما Rhema بولاية تولسا – أوكلاهوما – الولايات المتحدة الأمريكية www.rhema.org .
جميع الحقوق محفوظة. ولموقع الحق المغير للحياة الحق في نشر هذه المقالات باللغة العربية من خدمات كينيث هيجين.

Taken by permission from RHEMA Bible Church , aka Kenneth Hagin Ministries ,Tulsa ,OK ,USA. www.rhema.org.
All rights reserved to Life Changing Truth.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$