العظة على فيس بوك اضغط هنا
لسماع العظة على الساوند كلاود أضغط هنا
لمشاهدة العظة على اليوتيوب
(العظة مكتوبة)
كيف تطلق القوة تجاه الأحداث والظروف – الجزء 2
▪ ليس نارًا أو ريحًا.
▪︎ تواصل يفوق الرؤى والأحلام!
▪︎ معرفة الأزمنة والأوقات.
▪︎ إطلاق القوة والسلوك بالروح.
▪︎ خواص هذه القوة.
▪︎ المحبة أحد محتويات روحك.
توجد قوة وراء كل شيء، هناك قوة وراء إحداث أي تغيير في أي موقف، لذلك نحن نحتاج أن نفهم كيف نُحرِّك هذه القوة، وكيف ندفعها للعمل في حياتنا.
▪ ليس نارًا أو ريحًا:
“١ وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ٢ وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، ٣ وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. ٤ وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا.” (أعمال الرسل ٢: ١-٤).
“٢ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ”؛ هو لم يَكُن ريحًا حرفيةً بل هذا تشبيه، مثلما قال الكتاب إن الرب يسوع رأى الناس وكأنهم غنمٌ لا راعي لها، فليس معنى ذلك أنه رأى غنمًا حرفيًا، لكن هذا تشبيهٌ يصف أنهم مثل الغنم المتروك بلا راعي، ومن هنا نُدرِك أن الروح القدس ليس ريحًا بل شخصًا.
“وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ».” (لوقا ٣: ٢٢).
أيضًا حينما تتعامل معه كشخص وليس كمادة تزداد وتنقُص، وقتها سيحدُث اختلافٌ في حياتك، لأنه شخصٌ له رأس ويدان وقدمان، فليس هو غير معروف الهوية ولا هلامي، لكنه شخصٌ، وقد رآه يوحنا المعمدان نازلًا بهيئة جسمية (أي أن الروح القدس له هيئة وكيان وشكل form) كالحمامة، وهو هنا كان يتكلَّم عن طريقة نزوله وهي هادئة كالحمامة ولا يقصد أن الروح القدس عبارة عن حمامة، ولكن يوحنا قد رأى جسم له شكلform وله كيان.
“صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ”؛ هل لاحظت هذا؟ يقول “وملأ الصوت البيت”، هذا أمرٌ روحيٌّ في الأساس ولكن الكاتب يحاول التعبير عنه بألفاظ مُستساغة الفَهْم، فلا يُعني هذا الشاهد أن الروح القدس ريحٌ، بل ذكرَ هنا “صوت كريح” فهذا تشبيهٌ. جاء أقنوم الروح القدس إلى الأرض وصار مُستمِرًا إلى هذه اللحظة، وكان التلاميذ مضبوطين في وضعية استقبال له، لذلك استقبلوه.
“وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ”؛ شكل الألسنة “مُنقَسِمة”، لكنها لم تُقَسَّم عليهم، فشخص الروح القدس هو كامل في كل لسان.
“كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ”؛ لاحظ هذا، هي ليست نار، لكنه هنا يُعبِّر عن أقصى شيء رآه (مثل نيزك دخل الأرض فبدأ يشتعل). فبدأ الروح القدس يظهر في عالم العيان بهذه الصورة، وهي الصورة التي استطاعوا أن يستقبلوها حتى لا يرتعبوا حينما يمتلئوا فجأةً بالروح القدس، فكان من الضروري أن تَحدُث مُقدِّمات لأنه لم يَكُن هناك أحدٌ يُصلي من أجلهم لكي يستقبلوا، فتعامل معهم الروح القدس بصورة تمهيدية حتى يستطيعوا أن يستقبلوه.
“اسْتَقَرَّتْ”؛ لاحظْ إنه لم يَقُل “قُسِّمَتْ”، فبسبب الاعتقاد الذي ينُص على أنّ هذه الألسنة كانت للكرازة، اُعتُقِدَ أنَّ كل واحدٍ قد أخذَ لسانًا بلُغةٍ ليُكرِز لفئة مُعيَّنة، ولكن ليس هذا هو المعنى الحقيقي!
لابد أن نفهم أمرًا هامًا بخصوص هذه الألسنة التي كأنها من نار لأن هؤلاء الناس كانوا يهودًا، وكان مفهوم النار لديهم مُرتبِطًا بحضور الله (مثلما حدث مع موسى في العليقة). فبالتالي هذه الألسنة التي ظهرت لهم (التي هي كأنها من نار) ليست هي الألسنة التي تكلَّموها بعدها.
بل هذه الألسنة التي كأنها من نار كانت استعلانًا وإظهارًا لشخص الروح القدس (كما كان يظهر بهذه الصورة في العهد القديم) الذي ليس هو نارًا ولا لسانًا، ثم بعدها امتلأوا بالروح القدس فهو مثل شرار مُنتشِر في الجو، واستقر على كل واحد منهم، لاحظ إنه لم يُقسَّم عليهم.
“وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا”؛ امتلئوا بالروح، وهذا هو ما يجزم الأمر وليست الألسنة، فما ظهر لهم ليست الألسنة التي تكلَّموا بها. إنها ألسنة؛ قد تُطلَق على ألسنة نار (رمزٌ لاستعلان الروح القدس)، وتُطلَق أيضًا على ألسنة يتمّ التكلُّم بها. هنا ظهر شخص الروح القدس في صورة ألسنة مُنقسِمة كأنها من نار، ولكن ما تمَّ التَكلُّم به هو قدرةٌ أعطاهم الروح أن ينطقوا بها، وليست الألسنة التي ظهرت.
▪︎ تواصل يفوق الرؤى والأحلام!
“١٤ فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْيَهُودُ وَالسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ، لِيَكُنْ هذَا مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ وَأَصْغُوا إِلَى كَلاَمِي، ١٥ لأَنَّ هؤُلاَءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ، لأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ. ١٦ بَلْ هذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ (لم يتكلم يوئيل عن الألسنة). ١٧ يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا. ١٨ وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضًا وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ.” (أعمال الرسل ٢: ١٤-١٨).
“١ وَتَكَلَّمَتْ مَرْيَمُ وَهَارُونُ عَلَى مُوسَى بِسَبَبِ الْمَرْأَةِ الْكُوشِيَّةِ الَّتِي اتَّخَذَهَا، لأَنَّهُ كَانَ قَدِ اتَّخَذَ امْرَأَةً كُوشِيَّةً. ٢ فَقَالاَ: «هَلْ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَحْدَهُ؟ أَلَمْ يُكَلِّمْنَا نَحْنُ أَيْضًا؟» فَسَمِعَ الرَّبُّ. ٣ وَأَمَّا الرَّجُلُ مُوسَى فَكَانَ حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. ٤ فَقَالَ الرَّبُّ حَالاً لِمُوسَى وَهَارُونَ وَمَرْيَمَ: «اخْرُجُوا أَنْتُمُ الثَّلاَثَةُ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ». فَخَرَجُوا هُمُ الثَّلاَثَةُ. ٥ فَنَزَلَ الرَّبُّ فِي عَمُودِ سَحَابٍ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ، وَدَعَا هَارُونَ وَمَرْيَمَ فَخَرَجَا كِلاَهُمَا. ٦ فَقَالَ: «اسْمَعَا كَلاَمِي. إِنْ كَانَ مِنْكُمْ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ، فَبِالرُّؤْيَا أَسْتَعْلِنُ لَهُ. فِي الْحُلْمِ أُكَلِّمُهُ. ٧ وَأَمَّا عَبْدِي مُوسَى فَلَيْسَ هكَذَا، بَلْ هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي. ٨ فَمًا إِلَى فَمٍ وَعَيَانًا أَتَكَلَّمُ مَعَهُ، لاَ بِالأَلْغَازِ. وَشِبْهَ الرَّبِّ يُعَايِنُ. فَلِمَاذَا لاَ تَخْشَيَانِ أَنْ تَتَكَلَّمَا عَلَى عَبْدِي مُوسَى؟».” (العدد ١٢: ١-٨).
“٢ هَلْ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَحْدَهُ؟ أَلَمْ يُكَلِّمْنَا نَحْنُ أَيْضًا؟” هذا هو حال الكثير من المؤمنين، فتسمعهم يقولون إن الرب موجودٌ في كل مكان، وهو يُكلِّم جميع المؤمنين وليس فقط الراعي. نعم يتكلَّم الرب إلينا جميعًا، لكن الروح القدس يضع أشخاصًا ليكونوا قادة في الكنائس، وهنا نرى مريم وهارون وقد بدآ يتعاملان باستخفاف واعتيادية مع موسى قائلين إن الرب يتكلَّم ليس فقط إلى موسى لكن إلينا أيضًا.
” ٢ فَسَمِعَ الرَّبّ”؛ نرى هنا أن هذا الأمر كان يخصّ الرب وليس موسى، واو! يا له من مستوى نضوج وصلِ إليه موسى واهتمام من الرب لِما يَخُص موسى في ذات الوقت.
“٨ فَمًا إِلَى فَمٍ وَعَيَانًا أَتَكَلَّمُ مَعَهُ”؛ هناك مستوى أعلى -في التواصل مع الله- من الرؤى والأحلام، وهنا وضعَ الرب مقارنةً قائلًا: إن كنت أتعامل معكم أنتم بالرؤى والأحلام (فهو لم ينفِ سماعهم لصوته) لكن يوجد مستوى أعلى وهو سماع صوت الله مباشرةً، وهذا ما كان يختبره موسى.
اقتبس بطرس من يوئيل في سِفْر الأعمال عندما قال: “وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا” (الرؤيا تكون تفصيلية، ويراها الشخص في صحوة أو نوم، لكن الحلم يُرَى في المنام أو قد يُؤخذ الشخص في عالم الروح، وهو ليس تفصيليًا). لكن ليس المقصود أن يتكلَّم الرب مع شعبه بالرُؤى والأحلام، لأنه يوجد مستوى أعلى من ذلك وهو التَعامُل المُباشِر بين الرب وروح الإنسان.
يُوضِّح الله لمريم وهارون أنه إن كنت أتكلَّم إليكم بالرؤى والأحلام، فإني أتكلَّم لموسى وجهًا لوجه لا بالألغاز.
“١٧ يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا. ١٨ وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضًا وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ.” (أعمال الرسل ٢: ١٧، ١٨).
لم يَحدُث هذا التنبؤ الذي يضع له البعض شكلًا مُعينًا، ألّا وهو أن يتكلم الشخص كالمَدفع الرشاش كلامًا عن المستقبل، أو كلام يختَّص بأشخاص أو بلاد، وهذا سببه تعليم عن التنبؤ بصورة غير دقيقة، فالتنبؤ أوسع من هذا، فهو تطبيق قيادة الروح القدس للشعب، فالرؤى والإعلانات في العهد الجديد أقل من العهد القديم (سترى ذلك في سفر الأعمال والرسائل).
يقود الروح القدس شعبه دائمًا بأن يتكلَّم لأرواحنا مباشرة الآن؛ “اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ.” (رومية ٨: ١٦). وهذا يُعنِي إنه يتكلَّم إلينا فمًا إلى فم.
لذلك فليست قيادة الروح القدس المُستمِرة لنا الآن بأن يرى الناس رؤى، ففي بعض اجتماعات الصلاة، حينما يمتلئ الشخص من الروح القدس نجد القادة يلزمونه أن يتنبأ وأن يرى رؤى، اعتقادًا منهم أن هذا تطبيق الآية الوارِدة في (أعمال ١٨:٢)، لكن هذا خاطئٌ.
قد يتكلَّم الروح القدس أحيانًا بهذه الطريقة لأن الناس غير فاهِمين، لكن ليس هذا تطبيق الآية المذكورة في (أعمال ١٨:٢) والدليل عندما وقفَ بطرس وقال: “هذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ..”، فلم يَكُن ما رأوه هو رؤى أو إعلانات أو تنبؤات مُستقبلية، لكن كانوا أُناسًا يتكلَّمون بألسنة عن عظائم الله.
إن دَرَسَ الشخص الكلمة بهذه الطريقة، هذا يجعله يشكّ في مفهومه للتنبؤ، فالتنبؤ هو التَكلُّم تحت المسحة، وهو أن يُعلَن شيءٌ روحيٌّ، ليس شرطًا أن يكون شيئًا مستقبليًا، بل مِن الممكن أن يكون ماضيًا أو حاضرًا أو مستقبليًا أو يكون أمرًا روحيًا.
يوجد جوعٌ لدى البشر وهو أن يعرفوا القادم في حياتهم والقادم في الأرض، وتوجد دوافع غير نقية عند بعض الذين يدرسون الأخرويات، فيكون لديهم حُب استطلاع لمعرفة ما سيَحدُث. ليس خطأ أن تعرف ما سيَحدُث، ولكن يكون هذا لكي تعرف فِكْر الله، وليس عن حب استطلاع.
عندما وُلِد التلاميذ ميلادًا ثانيًا امتلأوا من الروح القدس في نفس اللحظة، وهذا أمر روحي له مشاهد علنيَّة، وهذا نفس ما حدثَ في قصة كرنيليوس في سِفْر الأعمال (الأعمال ١٠) فقد حدثَ الاختباران (اختباري الخلاص والملء بالروح) في ذات الوقت، لكن نرى في سِفْر الأعمال الإصحاحين الثامن والتاسع أنهما اختباران مُتباعدان.
حيث نرى هذا في (أعمال ٩)، عندما جاء حنانيا ليُصلي لشاول لكي يمتلئ من الروح القدس بعدما وُلِدَ ميلادًا ثانيًا حينما ظهرَ له الرب يسوع وقَبِلَه. نرى أيضا بولس يقول لأهل أفسس: «هَلْ قَبِلْتُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟» (أعمال الرسل ١٩: ٢). وهذا يُعني أنهم آمنوا وقبلوا يسوع (الاختبار الأول)، ثم بعد ذلك قبلوا الروح القدس (الاختبار الثاني)، فهُمَا اختباران مُختلِفان.
يُعني الملء بالروح القدس أن يصير ذراعا الروح القدس في ذراعيك، وساقاه في ساقيك، ورأسه في رأسك، هللويا أنت لديك ذهن وعقلية المسيح. وهذه اللغة لم تكُن موجودة في العهد القديم.
“«لأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ فَيُعَلِّمَهُ؟» وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ.” (١ كورنثوس ٢: ١٦). يقتبس الرسول بولس هنا من النبي إشعياء في الإصحاح الأربعين حيث قال؛ “١٣ مَنْ قَاسَ رُوحَ الرَّبِّ، وَمَنْ مُشِيرُهُ يُعَلِّمُهُ؟ ١٤ مَنِ اسْتَشَارَهُ فَأَفْهَمَهُ وَعَلَّمَهُ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ، وَعَلَّمَهُ مَعْرِفَةً وَعَرَّفَهُ سَبِيلَ الْفَهْمِ؟” (إشعياء ٤٠: ١٣، ١٤).
العهد الجديد ليس أقل من القديم بل أعلى منه، فنحن الآن في عهد أفضل. ففي العهد القديم ابتدأت العلاقة بين الله والإنسان في معاهدة بين الله وإبراهيم، فكان إبراهيم يطلب من الله إثباتات لهذا العهد، فبدأ الله يعطيه تلك الإثباتات عبْر الدم لأن اليهود يهتمون جدًا بوضع علامات، وهذا هو نظام العهد القديم؛ النظام الحسّي الملموس، لذلك وُضِعَتْ علامة الختان، وهذا ما يحدث مع كثير من الأشخاص الذين يفهمون أشياء لكنهم لا يعيشونها عبر حق كتابي يحتاجون أن يفهموه.
كان الناس في العهد القديم يعيشون في شكوك، لكن الآن صار فِكْر الله متاحًا للإنسان عبر الروح القدس شخصيًا، فليس فقط أن الرب يتكلم إلى الإنسان، بل قد صار بداخل الإنسان قدرةً على فَهْم أي شيء؛ فهو أصبح يفهم نفسه، ويفهم الحياة، ويفهم التواصل مع عالم الروح، أيضًا يفهم لماذا يحدث هذا وذاك. وهذا هو التنبؤ، فالتنبؤ ليس مقصورًا على المستقبليات، لكنه يُعني الإعلان.
كان النبي يرى في العهد القديم، لذلك كان موسى يتميَّز بأن الرب كان يتكلَّم معه فمًا لفمٍ، ونحن في مستوى علاقة أكثر من مستوى الرؤى والأحلام، وكلما تنضج روحيًا، يقلّ معدل الرؤى والأحلام (إذا كنت من مُدمِني الرؤى والأحلام) فالروح القدس ينزل إلى مستواك ليتكلَّم معك، لكن هناك مستوى آخر وهو أن يتكلَّم مباشرة إلى روحك، ويقودك الله من خلال روحه القدوس.
ما هو مفهوم الرؤى والإعلانات والأحلام؟ هو حالة يكون فيها الشخص لا يستطيع أن يستمع للصوت الداخلي، فيضطر الرب أن ينتقي الوقت (هذا إن كان الحُلم أو الرؤية من الرب، لأن هناك أحلامًا ورؤى من إبليس) فينتقي الرب الوقت الذي يجد فيه ذهن الإنسان مُنطفئًا فيتكلَّم إليه، وهذه ليست مؤشرات جيدة، لأن يوجد من هو جائِعٌ لهذا الأمر. ولكن هناك بعض الحالات التي يقصد فيها الرب أن يتواصل مع شخص مُعين بهذه الطريقة.
نجد في سِفْر أعمال الرسل بعض الحالات التي حدثت فيها رؤى أو أحلام، وهي حالات حرجة جدًا، لكن لم تكُن هذه هي الحالة الطبيعية لقيادة الروح القدس على مَرّ سفر الأعمال. ربما يتضايق البعض من هذا الكلام، لأنه يوجد من تعثَّرَ وتحطَّمتْ حياته من الأحلام والرؤى، ومن أخذ تنبؤات غير كتابية وغير صحيحة من بعض الأشخاص.
كم من أخطار حدثت حيث اتَّخذ البعض قرارات مثل الهجرة والزواج والعمل بناء على نبوات أو أحلام أو رؤى ليست من الرب أساسًا، فحيثما لا يوجد حقٌّ كتابيٌّ بداخل الشخص، فهو إذًا مُعَرَّضٌ أن يسمع لِما هو خطأٌ. كان بولس الرسول واضحًا مع مَن يعلِّمهم ويتلمذهم، فقال لهم: “وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»!” (غلاطية ١: ٨). فأعطاهم بولس تعليمًا أن يتعصَّبوا للكلمة.
أيضًا عندما كان بولس في أفسس ووضع يديه على بعض التلاميذ ليقبلوا الروح القدس، يقول الكتاب: “وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ، فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ.” (أعمال الرسل ١٩: ٦).
ما معنى التنبؤ في هذه اللحظة؟ ما حدثَ معهم هو نفسه الذي حدث مع بطرس بعد امتلائه بالروح القدس فصار يتكلَّم بفَهم في الكلمة بصورة مُدهِشة، حيث صارت عيناه مُستنيرتين وصار فاهمًا تطبيق النبوات في أشياء لم تُشرَح لديهم، لكن صار هناك إعلانٌ داخليٌّ وفَهْمٌ ودرايةٌ روحية، وهذا هو عمل الروح القدس الأساسي.
عندما يكون الشخص جائِعًا لإرشاد الروح القدس في اتّخاذ قراراته، فوقتها يريد الرب أولًا أن يضع الكلمة بداخله ليفهمها. إنه هدف لدى إبليس أن يضع بداخل المُؤمِنين استخفافًا بالكلمة وبمبادئها، لأن الكلمة هي يسوع، فعندما نقول يجب أن تنحاز للكلمة، فهذا معناه أن تُفكِّر كما يُفكِّر يسوع وتتكلَّم كما يتكلَّم هو، هكذا يكون هو ربًا وسيدًا على حياتك.
لكن إن ابتعدت عن مفاهيمه واخترت مفاهيمك الشخصية، فأنت في وضع ارتداد للهلاك! فبالبعض يقع في خطر عدم فهمهم لعمل الروح القدس في حياتهم، واعتمادهم على التنبؤات، لذلك فالملء بالروح القدس يُعطيك قوةً لفَهْم الحياة، وفهم نفسك، وفهم لماذا شعرت بمضايقة الآن، فهو يتعامل مع كيانك أنت.
“أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَنْ يَقْتَنِيَ إِنَاءَهُ (يدير جسده) بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ.” (١ تسالونيكي ٤: ٤)؛ أنت من تُدير جسمك، إنها مسئوليتك، أنت من تجعله يفعل أو لا يفعل الشيء، فليس هناك ما يُطلَق عليه أنّ الأمر خارج عن إرادتك، فهذا سينتهي من حياتك تمامًا حينما تسلك بالكلمة. يسعى إبليس أن يهدم مبدأ أن الشخص قادِرٌ على تغيير واقعه وأفكاره.
حيث إنه يزرع فيك أنك لا تستطيع التَحكُّم في أفكارك أو في جسدك أو في ردود أفعالك أو في مزاجك، وبدأت عبارة “الأمر خارج عن إرادتي” تصبح مُقنَّنة، فيتعامل الشخص مع الحياة وكأنها أمرٌ واقعٌ مفروضٌ عليه، ولكن الحقيقة هي أنك أنت مَن تفرض الواقع، وتفرض المَزاج على حياتك، وتفرض الشيء الذي تريده أن يَحدُث، وليس هو ما يفرض نفسه عليك.
يبدأ الروح القدس في بناء ما هُدِمَ على مرّ السنين عبر مفهوم أنك “أنت من يتحكَّم في حياتك” فأنت أُعطيت القدرة والتصرُّف والإدارة والتحكُّم في مزاجك. يوجد أشخاص لم يحتاجوا إلى علاج للاكتئاب بعد اكتشافهم للحق الكتابي، فالأمر لم يَعُدْ يتعلق بكيمياء المخ ولا بمواد تنقص أو تزيد، بل أن هناك قوة روحية بداخلنا تسيطر على أجسادنا.
ربما يكون هذا الكلام جديدًا للبعض، لكنه موجود منذ القِدم في الكتاب المقدس، لذلك يجب أن يعرف كل شخص أن يدير جسده وأن يتحكَّم في إرادته. يعتقد البعض أن هذا الأمر صعبٌ لأنهم خُدِعوا لوقتٍ طويلٍ، لكن الكتاب يُوضِّح أن لديك القدرة على التحكُّم لأنك صرت مُمتلِئًا بالروح القدس.
▪︎ معرفة الأزمنة والأوقات:
يُعطينا لفظ “ملء” انطباعًا بالتفريغ والامتلاء، لكن يُعنِي هذا اللفظ لدى اليهود ازدياد الإدراك، فعندما أخذوا شخص الروح القدس دخل وملأ كيانهم ولُبِسوا قوةً (مثلما نقول إن فلان “ملبوس” أي يوجد من يُغلِّفه ويتحكَّم فيه).
هذا ما قاله الرب يسوع للتلاميذ: “وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي.” (لوقا ٢٤: ٤٩). وهذا ما حدث في يوم الخمسين واختبر التلاميذ الملء بالروح القدس، وهنا لم تظهر هذه القوة على هيئة آيات وعجائب، بل عبر اكتشاف الله بصورة أكثر دِقةً مما سبق.
“٦ أَمَّا هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «يَارَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟» ٧ فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ لَكُمْ (الآن) أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ، ٨ لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ».” (أعمال الرسل ١: ٦-٨).
لاحظ إنه لم ينفِ الرب معرفة الأزمنة والأوقات، بل لم يَكُن هذا وقتها الآن (أُعني وقت سؤال التلاميذ للرب)، بل هذا سيَحدُث فيما بعد عندما يُلبَسوا قوة من الأعالي، بدليل قول بولس الرسول: “وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا.” (١ تسالونيكي ٥: ١)، لأنهم كانوا عارفين الأزمنة والأوقات، فهو لم يَكُن يُضاد يسوع.
“لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً”؛ هناك ارتباطٌ بين هذه القوة وبين الردّ على سؤال التلاميذ للرب: “هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟” فعندما سألَ التلاميذ الرب، لم يَقُل لهم إن هذا السؤال خطأ، فهو كان يتكلَّم عن المُلك الألفي، وهذا ما لم يفهمه اليهود لأنهم كانوا يعتقدون أن الرب سيأتي ليَملُك مباشرةً دون أن يملك على القلوب ودون أن يُفتَح الباب للأمم.
لذلك فَهُم إلى الآن يحسبون الأوقات ما بين الأسبوع التاسع والستين والأسبوع السبعين وهم لا يعرفون أن هناك ألفيّ عامٍ وهي الفترة ما بين قول يسوع: “هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا! وَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتٌ تَقُولُونَ فِيهِ: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!” (لوقا ١٣: ٣٥)، إلى أن يأتي ثانيةً، وهذا الأمر مُثبَتٌ في النبوات لكنهم للأسف لم يفهموا هذا الأمر، لذلك عبرَ يسوع أمامهم ولم يدركوه لأنهم كانوا ينتظرونه بشكل مُعيَّن.
مِن الخطر أن يضبط الشخص ذهنه بطريقة مُعيَّنة غير كتابية وهو في انتظار معجزة يعلم أنها أكيدة، للأسف قد تفوته المعجزة! وهذا هو ما حدثَ مع اليهود الذين فاتهم أن الرب يسوع سيَملك على القلوب ويسكن بداخل الإنسان، وبهذه السُكنى يصير لديك قوة إلهية للتعامُل مع مواقف الحياة كنبي.
أيضًا كما أوضحنا، النبي ليس المُتنبِئ بالمستقبليات فقط، بل هو شخصٌ يفهم فِكْر الله ويعرف مشيئته، ويعرف لماذا…؟ وكيف…؟ أي لديه إجابات من الكلمة على الأمور الحياتية ويعرف كيف يُحدِث تغييرًا، ففي العهد القديم كان النبي هو الشخص الذي كانوا يلجئون إليه لإحداث تغيير في المواقف، ولكي ينتصروا في الحروب.
انتبه! النبي ليس مثل العرَّاف، بل هو الذي يكتشف فِكْر الله ويتكلَّم ويُحدِث تغييرات، فهو يُعتَبَر وكيل الله على الأرض، لذلك لفظ “نبي” هو أعلى تعبير اُستُخدِم في العهد القديم، لذلك قال بطرس في الإصحاح الثاني من سِفْر الأعمال إن ما ترونه الآن هو تحقيق ما جاء بيوئيل عن سُكنى الروح بداخل الإنسان. فالهدف ليس في التنبؤ والأحلام، لكن الآن صار الإنسان شريكَ الطبيعة الإلهية؛ “لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ.” (٢ بطرس ١: ٤).
“١ اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ. فِي وَسْطِ الآلِهَةِ يَقْضِي: ٢ «حَتَّى مَتَى تَقْضُونَ جَوْرًا وَتَرْفَعُونَ وُجُوهَ الأَشْرَارِ؟ سِلاَهْ. ٣ اِقْضُوا لِلذَّلِيلِ وَلِلْيَتِيمِ. أَنْصِفُوا الْمَِسْكِينَ وَالْبَائِسَ. ٤ نَجُّوا الْمَِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ. مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ أَنْقِذُوا. ٥ «لاَ يَعْلَمُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ. فِي الظُّلْمَةِ يَتَمَشَّوْنَ. تَتَزَعْزَعُ كُلُّ أُسُسِ الأَرْضِ. ٦ أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ. ٧ لكِنْ مِثْلَ النَّاسِ تَمُوتُونَ وَكَأَحَدِ الرُّؤَسَاءِ تَسْقُطُونَ».” (المزامير ٨٢: ١-٧).
“٣٠ أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ. ٣١ فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. ٣٢ أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟» ٣٣ أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا» ٣٤ أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ ٣٥ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ.” (يوحنا ١٠: ٣٠-٣٥).
عندما قال يسوع لليهود: “أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ”، أرادوا أن يرجموه، فوضَّحَ لهم مِمَّا هو مكتوب في ناموسهم؛ (مزامير ٨٢) “أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ”، أي أنّ الله عندما شارك فِكْره مع البشر، صاروا شركاء مع هذا الإله، فصاروا في خامة مختلفة، وهذا لا يُعني أن الإنسان صار إلهًا يُعبَد، بل إنه صار في شريحة فيها يفهم فِكْر الله، وصار في مكانة أعلى من باقي البشر.
يأخذك الروح القدس لهذه المنطقة إن سِرت معه، ليس فقط أن تمتلئ بحماسة اختبار الملء في يوم ما، لكنه يأخذك ويتمشَّى معك في الماضي والحاضر والمستقبل ويكشف لك؛ ماذا حدث.. ولماذا حدث هذا.. وكيف تُحدِث تغييرًا.
هذا هو استعلان لعمل النبي، فالقوة لإحداث التغيير التي أُعطِيت لنا كأولاد الله، هي عبر أن تمتلئ بالروح القدس، وهذا هو أول شيء، وهذا الملء له بداية لكنه مُستمِرٌ، فالكتاب يوضح لنا أن الملء هو شيءٌ مُتكرّرٌ يَحدُث باستمرار.
▪︎ إطلاق القوة والسلوك بالروح:
“١٦ وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا (فمُؤكدًا لن تكملوا) شَهْوَةَ الْجَسَدِ. ١٧ لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ. ١٨ وَلكِنْ إِذَا انْقَدْتُمْ بِالرُّوحِ فَلَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ.” (غلاطية ٥: ١٦-١٨).
يهدف بولس من هذا المقطع في الرسالة إلى أن ينقاد المُؤمِنون بالروح، وهو هنا لا يتكلَّم عن الروح القدس بل الروح الإنسانية. الفرق بين الروح الإنسانية والروح القدس؛ أن الروح الإنسانية هي التي تَخرُج حينما يُفارِق الإنسان الحياة، وهذه الروح هي أساس الإنسان، فالإنسان أساسًا كائنٌ روحيٌّ.
بينما يسكن الروح القدس في روح الإنسان حينما يمتلئ الشخص بالروح القدس، وهذه الروح الإنسانية صار فيها قوة بسبب أنها وُلِدَتْ من الله، لذلك فأنت تستطيع أن تتحكَّم في إرادتك وردود أفعالك من الداخل للخارج، لأن الإنسان كائنٌ روحيٌّ يمتلك نفسًا (الفِكْر والعاطفة والإرادة) ويسكن في جسد.
صار لديك مركزية إلهية في داخلك، فالقوة صارت بداخلك وليس فقط في السماء، وهذا هو ما يُميِّزك عن أي شخص غير مولود ميلادًا ثانيًا. هذا هو ما رأيناه في أعمال الرسل من كمّ السرعة والإنجاز في الكنيسة والذي يختلف عمَّا كان يَحدُث في العهد القديم. هذا هو ما يُعطي قدرةً للإنسان للتعامل مع المواقف.
“لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ.” (غلاطية ٥: ١٧).
“حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ”؛ تأتي هذه العبارة في ترجمات أخرى كالآتي: “حتى لا تفعلون ما تريدون” أي إنه بداخلك إرادة رائعة لا تستطيع أن تُكملها. إذًا أنت بداخلك صلاح وروعة يتبقى فقط أن تُخرِجها.
إن كان لفظ “الرُّوحِ” عائِدًا على الروح القُدس، فهذا معناه أن الروح القدس يُهزَم من الجسد، لكن هذا مستحيلٌ، لكنه هنا يتكلَّم عن الروح الإنسانية التي لديها قدرة للتعامُل مع الموقف، والدليل هو ما أوضحه الرب يسوع لنا أثناء تعليمه، دعونا نُلقي نظرة.
“أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا.” (يوحنا ١٥: ٥).
هل لاحظت هذا؟ الغصن هو الذي يأتي بثمر وليس الجذع، وأنت هو الغصن، إذًا أنت مَن تُثمِر، أي أن الثمر يأتي من روحك. لذلك يجب ألَّا تُفرَض عليك ظروف في عملك أو أسرتك أو أي ظروف في العيان وغير مرسوم لك أن تراها على إنها قد فُرِضَت عليك، فهذه النغمة التي كُنت مُعتادًا عليها، الآن يقول لك الروح القدس أن تنسَها وتمحوها من حياتك، لأن لديك قدرة لتغيير الواقع، ولا يوجد مستحيلات عبْر السلوك بالروح.
“لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ.” (غلاطية ٥: ١٧)؛ هذا يَحدُث في حالة عدم سلوكك بالروح، لأننا إن سلكنا بالروح نكون في حالة انتصار مُؤكَّد. السلوك بالروح هو أن تكون أنت المُتحكِّم، وهذا يحتاج إلى طاقة روحية، وهذه الطاقة تحتاج أن تُفَعَّل وتُمَكَّن.
“وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ.” (أفسس ١: ١٩)؛ يُصلي بولس لكي نكتشف القوة والقدرة الشديدة التي عملها الله تجاهنا المُساوية لِما عمله مع المسيح. لقد تمَّ إنهاء عمل الرب على حياتك، أقصد إنها صارت مُتاحة.
يبقى أنْ تستفيد أنت من هذه القوة. توجد قوة ويوجد عمل لتلك القوة؛ أي القوة التي في وضع التنفيذ، إذًا استخراج القوة يختلف عن القوة نفسها، وهذا ما تحتاجه إن كنت تريد حلاً لمشكلتك، لتُفَعِّلْ هذه القوة في حياتك إن كنت تريد الاستفادة منها.
“الَّذِي صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهُ حَسَبَ مَوْهِبَةِ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي حَسَبَ فِعْلِ قُوَّتِهِ (حسب قوته المُفَعَّلة)” (أفسس ٧:٣). الكل لديه هذه القوة، لكن ليس شرطًا أن تكون مُفَعَّلةً ومُستخدَمةً، وهذا هو ما ينقُص الشخص، فبدلًا من انتظار أن يعطيك الله قوةً، يوجد تفعيل للقوة.
“الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، حَسَبَ عَمَل، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ.” (أفسس ٤: ١٦). عندما يقوم كل مُؤمن بدوره ويعمل عمله حينما يكون في كنيسة حيَّة ويُخرِج القوة التي لديه، فحسب العمل (حسب تفعيل القوة) الذي يقوم به كل شخص، ينمو هذا الجسد. حقًا إنه أمرٌ هامٌ أن نقوم بهذا!
“الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ.” (فيلبي ٣: ٢١).
أنت لن تحتمل هذه القوة إن صارت في جسدك طوال الوقت، فهي مُصَمَّمة أن تعمل في روحك ونفسك بطاقتها، لكنها لا يمكن أن تعمل في جسدك طوال الوقت لأنه لا يحتملها، لكنها تظهر بصورة متقطِّعة في الجسد لكي يحتمل هذه القوة. تذكَّرْ عندما ظهرَ الرب يسوع ليوحنا بهذه القوة مُستعلَنة على جسده، لم يستطِع يوحنا أن يحتملها، فقد لمسه الرب لكي يستطيع أن يُكمِل الحوار معه فأمدَّه بالقوة في جسده.
هذه القوة صارت الآن موجودة في أرواحنا، هي ليست في السماء فقط بل أيضا في أرواحنا، فقد وُضِعَ لديك أقنوم الروح القدس بكامله وليس جزء منه، حيث امتلأ التلاميذ بالروح القدس وليس بجزء منه، فهو لا يمكن أن يتجزأ لأنه شخصٌ.
أول ملء بالروح القدس يساوي سُكنَى الروح بداخلنا، لكن عندما يَذْكُر الكتاب عن بطرس عندما تكلَّمَ إنه امتلأ بالروح القدس، فهذا يُعنِي أنه صار تحت سيطرة الروح، وليس معناه أن الروح القدس يُفارق ويأتي.
يُمكِن للروح القدس أن يكون فعّالاً في حياة شخص ما، وغير فعَّالٍ في حياة آخر. أنت من يتحمَّل مسئولية هذا الأمر، كفاك اعتمادًا على أشخاص يُصلُّون من أجلك ويساعدونك، الآن ينتظرك الرب أن تُفَعِّل أنت هذه القوة، فإن لم تَكُنْ مُمتلِئًا بالروح القدس، هلم وامتلئ به، لكن يبقى أن تُفَعِّل هذه القوة.
“الأَمْرُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضًا مُجَاهِدًا، بِحَسَبِ عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ.” (كولوسي ١: ٢٩)؛ يوضِّح بولس هنا أن هذه القوة تعمل فيه، إذًا يوجد من لديه القوة لكنها غير مُفَعَّلة.
▪︎ خواص هذه القوة:
- هذه القوة يُمكِن أن تَخرُج من داخلك إلى خارجك:
“فَلِلْوَقْتِ الْتَفَتَ يَسُوعُ بَيْنَ الْجَمْعِ شَاعِرًا فِي نَفْسِهِ بِالْقُوَّةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ، وَقَالَ: «مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي؟»” (مرقس ٥: ٣٠).
“١٧ وَنَزَلَ مَعَهُمْ وَوَقَفَ فِي مَوْضِعٍ سَهْل، هُوَ وَجَمْعٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، مِنْ جَمِيعِ الْيَهُودِيَّةِ وَأُورُشَلِيمَ وَسَاحِلِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، الَّذِينَ جَاءُوا لِيَسْمَعُوهُ وَيُشْفَوْا مِنْ أَمْرَاضِهِمْ، ١٨ وَالْمُعَذَّبُونَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ. وَكَانُوا يَبْرَأُونَ. ١٩ وَكُلُّ الْجَمْعِ طَلَبُوا أَنْ يَلْمِسُوهُ، لأَنَّ قُوَّةً كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْهُ وَتَشْفِي الْجَمِيعَ.” (لوقا ٦: ١٧-١٩).
إذًا يُمكِن استخراج هذه القوة من داخلنا، ولا تَقُلْ هذا يسوع وليس نحن، لكن انظرْ ما يقوله يوحنا: “بِهذَا تَكَمَّلَتِ الْمَحَبَّةُ فِينَا: أَنْ يَكُونَ لَنَا ثِقَةٌ فِي يَوْمِ الدِّينِ، لأَنَّهُ كَمَا هُوَ فِي هذَا الْعَالَمِ، هكَذَا نَحْنُ أَيْضًا.” (١ يوحنا ٤: ١٧).
ينتظر البعض من الله أن يُرسِل قوةً من السماء للموقف، ومن هنا جاءت لغة الاستعطاف في الصلاة مِثْل: “تدخَّلْ يارب وقُلْ كلمة فأنت تقدر”. وصلوات مثل هذه كثيرة تُطالِب الرب بأن يتحرّك ويفعل دور الإنسان، بينما ينتظر الرب من شعبه أن يفعل شيئًا تجاه الموقف، وهذا هو سبب عدم حدوث المعجزة لفترة من الزمن في حياتك، لأنك أنت غير مُدير لجسدك ولحياتك، لأن لديك اعتمادية خاطئة.
“فَإِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ نَحْنُ مَدْيُونُونَ لَيْسَ لِلْجَسَدِ لِنَعِيشَ حَسَبَ الْجَسَدِ.” (رومية ٨: ١٢).
أي إننا لسنا مُلزَمين أن نعيش حسب الجسد، فأنت غير مُلزَم بما يأتي عليك من أفكار أو مشاعر وتقوم بفرض نفسها عليك، ولا يمكن لشيءٍ أن يستعبدك سواء خطية أو عادة أو أي شيء آخر عندما تسلك بالروح، أنت غير مُلزَم أن تخضع لهذا الجسد، بل مرسوم لك أن تقوده.
كم من المرات التي قيل لنا فيها: “إننا طالما نحن في الجسد، يجب أن نعاني!” جُمل تبدو مستقيمة ولكنها ليست كتابية في الأساس. نعم توجد معاناة الاضطهاد لأجل الإنجيل وهي الوحيدة المسموح بها، وهذا الاضطهاد وتلك الافتراءات تكون بسبب يسوع وليس نتيجة لأخطائك وتقصيرك، فهذا لا يُسَمَّى اضطهادًا، لكن إن كانت آلام بسبب يسوع، فهذه هي شركة الآلام معه التي وُضِع لنا أن نتألَّم بها.
ماذا عن ما يُسمِّيه الناس: “إننا تحت ضعف الجسد؟” إن أردت رأي الكتاب فهو يقول: “إننا لم نَعُد تحت سيطرة الجسد ولا الحواس التي نشعر بها، أو أي أمور سيكولوجية”. إن كان بولس يقول كلامًا مُبالَغًا فيه، فيُمكنك إذًا أن تعتبر الكثير من كلمات الكتاب المقدس على إنها مُبالَغٌ فيها، لكن عليك أن تُؤمِن لأن الكتاب حقٌّ.
“لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ (بالروح الإنسانية) تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ.” (رومية ٨: ١٣).
الخلاصة هي أن سلوكك بالجسد يقودك للموت، أما إن سلكت بروحك فحينئذ تُميت أعمال الجسد وستكون في دائرة الحياة. إذًا توجد قدرة في روحك الإنسانية للسيطرة على كل ما يخص دائرتك الشخصية. توجد أمورٌ تكون شأنًا عامًا تحتاج أن تصلي من أجله مثلما حدث في أعمال الرسل حينما قُتِلَ يعقوب، بينما أُنقِذَ بطرس من الموت بسبب صلاة الكنيسة، وقد حدث هذا لأنه أمرٌ عامٌ يخص الكنيسة، وكان يجب أن تتّحد مع أخوتك في الصلاة من أجله.
إليك مثالٌ لتوضيح هذا؛ إن أراد شخصٌ تركيب الغاز الطبيعي لشقته، فهو يحتاج أن يشترك جميع سُكان المبنى ليصل الغاز إليهم، فهو أمر عام يجب أن يشتركوا فيه. هذا هو ما حدث حينما احتاجوا تكاتُف الكنيسة في الصلاة.
بالمِثل أيضًا هناك من سيُعاني بسبب عدم تكاتُف الكل معه، وهذا هو السبب وراء صلاتنا لأجل الذين في منصب؛ “١ فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، ٢ لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ.” (١ تيموثاوس ٢: ١، ٢).
“١٣ لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ. ١٤ لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. ١٥ إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا الآبُ». ١٦ اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ.” (رومية ٨: ١٣-١٦).
نلاحظ هنا الرسول بولس في العدد الرابع عشر يتحدَّث عن القيادة بالروح القدس، بينما في العدد السابق له كان يتكلَّم عن الروح الإنسانية وما لديها من إمكانيات. لدينا قدرة للتسلُّط على أجسادنا وأن نتعامل معها كآلة، ومن هنا يبدأ إحداث التغيير في المواقف، فأنت تستطيع أن تتحكَّم في ذهنك ومشاعرك، وهذا بدوره يُؤدي إلى أن تتحكَّم في جسدك ألّا يدخله مرضٌ، كما تسود أيضًا في ظروفك.
- يُمكِن لهذه القوة أن تنتقل عبر وضع الأيدي أو مآزر ومناديل:
“وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلاَ قُوَّةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَرْضَى قَلِيلِينَ فَشَفَاهُمْ.” (مرقس ٦: ٥).
“١١ وَكَانَ اللهُ يَصْنَعُ عَلَى يَدَيْ بُولُسَ قُوَّاتٍ غَيْرَ الْمُعْتَادَةِ، ١٢ حَتَّى كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى الْمَرْضَى، فَتَزُولُ عَنْهُمُ الأَمْرَاضُ، وَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ.” (أعمال الرسل ١٩: ١١، ١٢).
رغم أنّ المناديل أشياء غير عاقلة، إلا إنه كان يُؤتَى بها عن جسد بولس، فكانت تتعامل مع أي احتياج بدون أن يكون هذا الاحتياج مشروحًا؛ سواء كان مرض أو أرواح شريرة.
هناك اعتقاد خاطئ يعتنقه البعض وهو كون الرب قادِرًا على كل شيء، إذًا فهو يُمكِنه مَنْع أي شيءٍ، ولكن الكتاب يُوضِّح لنا أنّ يهوذا دَخَله الشيطان وهو كان يغمس اللقمة مع يسوع، فهو لم يستمع لأي تحذير له من يسوع، وإلى آخِر وقت كان الرب يُصحِّحه وهو رافِضٌ أي تصحيح. لا يمكن مَنْع الأرواح الشريرة طالما يفتح الشخص الأبواب لها.
هناك الكثير مِن المُؤمنين الذين يطلبون الصلاة من أجلهم من كل الخدام والقنوات، ومع ذلك تصير حياتهم إلى أردأ لأنهم لم يُغلِقوا الباب، وهم لا يعرفون حقًا كتابيًا، ولا يريدون أن يفهموا بل يقفوا عند التواكل والقدريَّة وترك الأمر بين يدي الله، اعتقادًا منهم أن هذا هو التسليم، وحينما يرى الآخرون حالتهم فإنهم يعتقدون أن المؤمنين ضعفاء، لقد تركوا انطباعًا سيئًا عن الحياة مع يسوع!
إنها حياة الصلابة والثبات وحرب الإيمان العنيدة، ليست هي حياة استرخاء. إن اكتشفت كمّ التنقية التي تقوم بها الكلمة في حياتك، سيشتعل قلبك وتترك الكسل جانبًا. إنها حياة التزام وليست حياة رخاوة وتكاسُل، لذلك كلما تسير مع الروح القدس، ستجد أن الخارق للطبيعي صار طبيعيًا بالنسبة لك.
لم يأتِ يسوع فقط ليضمن لنا الأبدية، فإن فتَّشتْ في صفحات الكتاب بطريقة صحيحة باستنارة الروح القدس، ستكتشف إنه توجد انتصارات، وهذه القوة الآن موجودة في كل ما يَخصُك بسببك لأنها صارت بداخلك، فأنت لا تحتاج أن تعمل أمرًا زائدًا. كان الناس يضعون المناديل فقط على جسد بولس دون أن يُصلي عليه، وهذا يُعنِي أنه توجد عدوى روحية أنت تنقلها لكل ما يَخصُك، وهذا الأمر يَحدُث بصورة تلقائية.
“وَفِيمَا كَانُوا يَدْفِنُونَ رَجُلاً إِذَا بِهِمْ قَدْ رَأَوْا الْغُزَاةَ، فَطَرَحُوا الرَّجُلَ فِي قَبْرِ أَلِيشَعَ، فَلَمَّا نَزَلَ الرَّجُلُ وَمَسَّ عِظَامَ أَلِيشَعَ عَاشَ وَقَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ.” (الملوك الثاني ١٣: ٢١).
هذا يُعنِي إنه توجد قوة ليست بإرادة الشخص أن يشحنها، لكن توجد مسحة، أي مادة الروح القدس، فهذه القوة كانت موجودة في جسده برغم أنه كان ميتًا، وهذا يعني أن هذه القوة موجودة الآن فيما يخصك.
بالتالي سيجعلك ذلك تقلِّل من كلمات لا داعي لها في صلاتك، فلا تُصلي من أجل الحماية، فقد سبق الرب يسوع وصلَّى من أجل حمايتنا؛ “لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ.” (يوحنا ١٧: ١٥). شرحْتُ هذا باستفاضة في سلسلة عظات “الحماية الإلهية“.
“أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ.” (١ بطرس ١: ٥).
هذا معناه أنك لا تحتاج أن تُصلي من أجل الحماية، لكن في الوقت نفسه ليس خطأً أن تمنع إبليس من فِعْل شيءٍ ما مُتكلِّمًا الكلمة له وأنت تحت قيادة من الروح القدس. هذه القوة الآن مُتشعِّبة في حياتك بشرط أن تجعلها فعَّالة في حياتك، فهي مخزونة بداخلك، لكن من الممكن ألَّا تعمل، فهناك فرقٌ بين القوة وعملها، أي أن تُفَعِّلها.
▪︎ المحبة أحد محتويات روحك:
“لِذلِكَ أَطْلُبُ أَنْ تُمَكِّنُوا لَهُ الْمَحَبَّةَ.” (٢ كورنثوس ٢: ٨)؛ أي أن تفعِّلوا له المحبة، ومعنى ذلك أن المحبة بداخلك، فقط عليك أن تفعِّلها، فالمحبة هي أحد محتويات روحك، وهي قدرة انسكبَتْ في قلبك؛ “لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.” (رومية ٥: ٥).
“تُمَكِّنُوا لَهُ الْمَحَبَّةَ”؛ لم يَقُل بولس صلوا لكي تحبوا فلان، ولكن فقط أن تفعِّلوا المحبة له، وأن تجعلوها في وضعية العمل، بمعنى أن تطلق روحك تجاه هذا الشخص بمحبة. الروح القدس ليس مجرد قوة بل هو شخصٌ يسكن في داخلك ويحمل لك الحضور الإلهي، وبه تنال القوة.
لكن تفعيل القوة له طريقة وهي ليست بالتسبيح أو عبادة الرب فقط، فهذه إحدى طُرق الانسكاب والتَلذُّذ بالرب وليست الطريقة إلى تفعيل القوة. الطريقة هي أن تكتشف الكلمة وتعرفها وتسلك بها، وأن تصلي بألسنة بكثرة.
“أَنْ تُمَكِّنُوا لَهُ الْمَحَبَّةَ”، أي أن تُمكنوا له قوة المحبة، وتفعِّلوها تجاه هذا الموقف، فإن لم تفعلوا ذلك ستعانون في حياتكم.
“٩ لأَنِّي لِهذَا كَتَبْتُ لِكَيْ أَعْرِفَ تَزْكِيَتَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ طَائِعُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ؟ ١٠ وَالَّذِي تُسَامِحُونَهُ بِشَيْءٍ فَأَنَا أَيْضًا. لأَنِّي أَنَا مَا سَامَحْتُ بِهِ إِنْ كُنْتُ قَدْ سَامَحْتُ بِشَيْءٍ فَمِنْ أَجْلِكُمْ بِحَضْرَةِ الْمَسِيحِ، ١١ لِئَلاَّ يَطْمَعَ فِينَا الشَّيْطَانُ، لأَنَّنَا لاَ نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ.” (٢ كورنثوس ٢: ٩-١١).
عدم السلوك بالمحبة -الساكنة بداخلك- وتمكينها، يُدخِل إبليس. قِسْ على هذا؛ عدم تمكين القوة تجاه الموقف، يُدخِل إبليس. الروح القدس قوي جدًا، لكنه لا يُجادل ولا يُكثِر المحاولات، فهو يحترم إرادتك أما عن إبليس فهو شخصٌ مُقتحِمٌ ولا يحترم إرادة الإنسان. سيرى إبليس الشخص الخامل والصامت الذي لا يُمَكِّن ويفعِّل القوة في حياته فيدخل، فقد تكون ضمنيًا تُدخِل إبليس إلى حياتك عَبْر عدم سلوكك بالكلمة.
هل أنت تعيش بالمواصفات الإلهية أم كما يروق لك؟! أتحيا طبقًا لِما تعتقد إنه صحيحٌ أم وفقًا لرأي الرب؟ لهذا السبب دِقَّة الحق الكتابي هامة لهذا الزمن، فأقل انحراف في تأسيس حياتك سيؤدي إلى انحراف في المبنى كله! لذلك لتعمل على فَهْم الروح القدس.
دعونا نصلي بطريقة صحيحة، ولتستخدمْ القوة للتحكُّم في إرادتك، ومن الطبيعي أن تأتيك شكوك ومشاعر خوف، لكن ماذا تفعل أنت تجاهها؟ قد تأتي إليك تخيُّلات أو تصوُّرات سلبية أو عيان مضاد، ماذا فعلت تجاهه؟ هل اكتشفت هذه القوة واستخدمتها حيال ذلك؟
مِن المُؤسِف أن بعض الناس تأتيهم هذه المعلومات متأخرة، فيبدأ الشخص في بناء معلومات وهو مُتعجِّلٌ وللأسف يكون الموقف مُلِحًّا، فيبدأ أن يُجرِّب الأمر ولا يجد نتائج. هل كنت تسلُّك بهذا سابقًا، هل أنت مُتمرِّسٌ فيه أم لا؟ هذا يحتاج إلى حياة، هكذا يكون الشخص مسيحيًا، أي صار يسير كما يريد يسوع.
يوجد من بدأ يرتدّ وهو اسميًا من مُرتادي الكنائس والاجتماعات وقارئي الكتب الروحية والكتاب المقدس ومُمتلئ بالروح ويصلي بألسنة، لكنه قلبيًا بدأ يترك الرب، لأنه لا يسلك بالمواصفات الإلهية.
كيف تُطلِق القوة تجاه المواقف والأحداث؟ بأن تكتشفها، فالروح القدس لا يُريدك ضعيفًا كئيبًا حزينًا، تُفرَض عليك الظروف والأحداث والأعراض، لكن أن تُحكِم سيطرتك عليها.
ــــــــــــــــــــ
من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الإقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.
Written، collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations is forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.