لمشاهدة العظة علي الفيس بوك أضغط هنا
لسماع العظة علي الساوند كلاود أضغط هنا
لمشاهدة العظة علي اليوتيوب
الإيمان العامل – الجزء 5
▪︎ اسألْ ماذا بدلاً مِن لماذا!
▪︎ مراجعة ما سبق.
▪︎ تابع أعمدة أساسية لتفعيل الإيمان:
- اهتم بدوافع قلبك وقِيمه.
- لا تنفتح على روح العالم بل على الروح القدس.
- اجعل الكلمة هي مُدرِّبك ومصدرك الوحيد للمعلومات.
- كن مُتَّضِعًا بأن تُصدِّق الرب لا الواقع.
- اعرفْ حقيقة رصيدك وحقيقة رصيد إبليس.
- قابلون ملكوتًا لا يتزعزع.
- يُسيِطر العالَم الروحي على عالم العيان ويُؤثِّر فيه.
- مارسْ سُلطانك ولا تدعْ إبليس يتجبَّر عليك.
▪︎ اسألْ ماذا بدلاً مِن لماذا!
“لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ.” (غلاطية ٥: ٦).
الإيمان العامِل بالمحبة هو الإيمان الذي يأخذ طاقته من المحبة وحين يعمل الإيمان تَحدُّث نتائج ويحصد الشخص ما قد زُرِعَ فيه. لقد جعل الرب الإيمان لمواجهة الظروف الصعبة، يتساءل البعض قائلين: “لماذا تَحدُّث معنا أمورٌ صعبة إذًا؟!” حدوث الظروف الصعبة هو أمرٌ طبيعيٌّ جدًا، السؤال الهام ليس هو هل واجهت في حياتك ظروفًا صعبة أم لا، لكن الأكثر أهمية هو (كيف تتعامل أنت مع تلك الظروف!).
وَضَعَ الرب طريقة كتابية للتعامُّل مع تلك الظروف وهي أن يتعامل الشخص بإيمان تجاهها، فأي شخص يواجه ظروف الحياة وهو مُحبَّطٌ وخائِفٌ هو شخص غير مُتدِّرب على مواجهة ظروف الحياة. فبدلاً من أن تسأل: لماذا حدثت تلك الظروف معي من الأفضل أن تسأل: ماذا أفعل تجاهها؟
بالتأكيد هناك أسباب لحدوث تلك الأشياء فلا يوجد شيءٌ يَحدُّث بدون سبب، لهذا السبب نحن نعمل على أعمدة تجعل الإيمان يعمل بشكل صحيح. كثيرون حاولوا أن يمارسوا الإيمان ولم يحصلوا على نتائج وآخرون كفوا عن محاولة ممارسة إيمانهم بسبب سماعهم عن محاولات آخرين ممارسة الإيمان لكن لم يحصلوا أيضًا على نتائج.
▪︎ مراجعة ما سبق:
تكلَّمتُ العظة السابقة عن أعمدة تجعل الإيمان يعمل، من هذه الأعمدة الآتي:
- اختلاف الواقع عن الحقيقة.
- التَمسُّك بالأشياء يجعلها تطير بعيدًا عنك، لكن التعامل الصحيح هو أن ترى الموقف بعينيّ الرب.
- تدريب إيمانك في الأمور الصغيرة قبل أن تحاول ممارسة إيمانك في الأمور الكبيرة.
- ما هي قيمة الشيء الذي تريد الحصول عليه؟
▪︎ تابع أعمدة أساسية لتفعيل إيمانك:
- اهتمْ بدوافع قلبك وقِيمه:
يحاول كثيرون ممارسة إيمانهم في بعض الأمور بدوافع غير نقيّة ويُدِخلونها في سبيكة المعجزة فيصير الموضوع كسبيكة الذهب الثمينة التي تفقد الكثير من قيمتها لاحتوائها على شوائب تجعل الذهب غير نقي أو تخيَّلْ معي طعامًا غير نظيف أو مياه غير مُطهَّرة!
هذا يَحدُّث في حياة كثيرين إذ يبتدئون في وَضْع أقدامهم في طريق المعجزة ولديهم بعض الدوافع غير السليمة. مثال لهذا؛ قد يقول شخصٌ ما: “أنا شخصٌ لا يُمكِن خداعه أو الاستهزاء به”، هذا في حدّ ذاته دافعٌ خاطئٌ لابد من تصحيحه.
أحيانًا حين يتعلَّم المؤمِن أن له حقوقًا في المسيح نجده يتعامل بدافع غير نقي بخصوص ما لديه من حقوق في يسوع، فنجده يتصرَّف في المواقف بدوافع انتقامية حتى وإن بدا في الظاهر أنه ينتقم من إبليس لكن دافعه من الداخل هو ألّا يتم استغلاله والتقليل من شأنه، وهذا وحده كفيل بإفشال المعجزة التي ينتظرها، فيُواجه التحدي بشكل شخصي ولسان حاله: “كيف يخدعني إبليس بهذا الشكل ويستخف بي؟!”
بلا شك يُعلِّمنا الكتاب كيف نواجه إبليس بكل جرأة لكن هناك ثورة داخلية صحيحة ضد إبليس وأخرى غير سليمة.
إن كان الشخص يواجه الموقف بدافع: “لست أنا من يتمّ خداعه بهذه الطريقة!”، فهذا يَنُم عن وجود دافع غير نقي من الإحساس بالكرامة الشخصية التي لابد أن يدع كلمة الرب تتعامل مع تلك المسألة في قلبه من حساسية مُفرِطة لكرامته ولإحساسه بالخسارة، إن ملكوت الله لا توجد فيه خسائر حتى وإن بدا أن هناك بعض الخسائر الظاهرية.
ربما تجد شخصًا لديه بعض الضيق الذي يدَّعي أنه من إبليس بينما مع بعض التدقيق نجده مُتضايقًا من أشخاص مُعينين خدعوه وليس من إبليس كما يَدَّعي. الأمر الصحيح في هذا الموقف أن يعرف الشخص قيمة ما يَعبُر فيه أو يواجهه، سواء كان ترقية في العمل، أو حصول على وظيفة ما، مِن أين تأتي تلك القيمة؟
هل حتى لا تكون أقل من أقرانك أو أقربائك؟! إن كان لديك مثل تلك الدوافع فهذا يصنع تسريبًا لوقود المعجزة التي تنتظرها من الرب، لذلك فالدوافع والقِيم أمرٌ هامٌ للغاية. ولا تنسَ حديثنا عن النضوج، وكيف يتعامل الشخص في حياته الروحية بنضوج في الأمر الذي يتعامل معه.
- لا تنفتحْ على روح العالم بل الروح القدس:
“١٢ وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ، ١٣ الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضًا، لاَ بِأَقْوَال تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرّوحُ الْقُدُسُ، قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ. ١٤ وَلكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا. ١٥ وَأَمَّا الرُّوحِيُّ فَيَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لا يحكم فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. ١٦ «لأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ فَيُعَلِّمَهُ؟» وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ.” (١ كورنثوس ٢: ١٢-١٦).
“١٢ وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ”؛ فروح العالَم يُعرِّفنا الأشياء التي في العالم. القوة التي تكون وراء الشخص ليعرف مِن أين تأتي المشكلة سواء اقتصاديًا أو سياسيًا أو طبيًّا أو علميًّا، كل هذه الأشياء هي أفكار يقف خلفها روح وهو مصدر تلك الأفكار، تلك الروح تسحب الإنسان وتأخُذه للمكان حيث يدرك بصورة جيدة قلب الشيء، فروح العالم تُعني (قلب العالم).
إن لاحظت مشاركات بعض الأشخاص على منصات التواصل الاجتماعي ستُدرِك في أي شيء يلهج هذا الشخص سواء كانت علمية أو فنية أو حتى روحية، فَمَن ينفتح على روح العالم تجده يُدرِك بشدة الأمور العالمية. لكن يخبرنا النص أننا لم نأخذ روح العالم لكن روح الله الذي يُعرِّفنا الأشياء الموهوبة لنا منه، إذًا يُعرِّفنا الروح القدس ما لنا في المسيح.
حين يقول الكتاب: “١٣ قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ”، فهو يعني أننا نتكلَّم عن الأمور الروحية بلغات وبطريقة روحية.
“١٤ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ” هو الذي لا يسير بروحه ولا يستخدمها، لا يقبل ما لروح الله لأنّ عنده جهالة، لذلك نضوج الشخص روحيًا هو أمرٌ هامٌ جدًا، أن تكون فاهِمًا ومُدرِكًا ومُشتعِلاً وتفكيرك مسحوب في روح الله وليس روح العالم، في الأمور الإلهية، وتظل تدرسها وتلهج بها وتفهمها، وتأكل الكلمة وتُجهِّز نفسك بها لمواجهة ظروف الحياة القادمة.
الإنسان الطبيعي هو مَن يسير بحواسه الخمس أما الروحي فيتخطّاها ليسير بروحه لا بحواسه. الإنسان الطبيعي عنده جهالة ولا يقدر أن يعرف الأمور الروحية ولكن يُحكَم فيه روحيًا بمعني أنه غير مُدرِك لأبعاد الموقف لوجود جهالة عنده أما الإنسان الروحي فيحكم في الإنسان الطبيعي لأنه يدرك بالروح أبعاد الموقف لذلك الإنسان ويستطيع أن يقرأ ما يَحدُّث معه.
الروحي يفهم الطبيعي لكن الطبيعي غير قادِر على فهم نفسه حتى. يردِّد الكثير عبارات مثل: “أنا لا أدري ماذا حلَّ بي وماذا يَحدُّث معي؟” هذا الارتباك مفاده أن هذا الإنسان يسير ببشريته الطبيعية وليس بروحه، أما الروحي فيفهم الأمور جيدًا ويستطيع أن يحكم فيها. الحُكْم في الأمور لا تعني فقط إبداء رأي فيها لكنها تُعني أيضًا أنه يجزم الأمر ويُصدِّر فرمانًا ويُنفِّذ الفِكْر الإلهي في الأمر.
ثم يكمل قائلاً: “١٦ «لأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ فَيُعَلِّمَهُ؟» وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ”؛ هنا يقتبس نصًا كان يُردِّده الشعب القديم حين يحتارون في فَهْم أمرٍ ما ويقارن حالهم السابق بوضعنا الآن كمُؤمِنين مَسيحيين قائلاً: “لم نَعُد في حيرة كما كان أولئك لأننا الآن لنا فِكْر المسيح.”
- اجعل الكلمة هي مُدرِّبك ومصدرك الوحيد للمعلومات:
ثم يُكمِل في العدد الأول مِن الإصحاح الثالث من ذات الرسالة (لم تَكُن هناك إصحاحات ولا أعداد وقت كتابة الرسائل) قائلاً:
“١ وَأَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَال فِي الْمَسِيحِ، ٢ سَقَيْتُكُمْ لَبَنًا لاَ طَعَامًا، لأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ، بَلِ الآنَ أَيْضًا لاَ تَسْتَطِيعُونَ، ٣ لأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ. فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ؟ ٤ لأَنَّهُ مَتَى قَالَ وَاحِدٌ: «أَنَا لِبُولُسَ» وَآخَرُ: «أَنَا لأَبُلُّوسَ» أَفَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ؟” (١ كورنثوس ٣: ١-٤).
الكلمة اليونانية المُترجَمة “كَأَطْفَال” في العدد الأول هنا، هي كلمة تُنطَق nay’-pee-os والتي تُعنِي أطفالًا مُعاقين حيث إن عمرهم العقلي أقل من عمرهم الفِعْلي!
هنا نجد بولس يقول لهم: “أنا لم أستطِع أن أُخبركم بأمور روحية كثيرة لفائدتكم بسبب أنكم مُعاقون روحيًا وعاجِزون عن فَهْم وإدراك تلك الأمور حيث إنكم جسديون وتتحرَّكون بحسٍّ بشريٍّ”. أيضًا يريد قَوْل: “ما ترونه وما تشعرونه فقط هو ما تصدقونه، حواسكم وواقعكم هو مصدر معلوماتكم، أنتم غير قادِرين على الحُكْم في الأمور، أنتم محكوم فيكم ونحن قادِرون على قراءتكم بينما أنتم غير قادِرين على قراءة أنفسكم”.
كلمة nay’-pee-os هي الطفل المُعاق، وهو طفل غير قادِر على الكلام. هناك عِدّة أنواع من الإعاقات، فقد يكون طفلًا عمره عشر سنوات لكن عمره العقلي سنة واحدة! ربما يكون هناك مُؤمِن منذ سنين طويلة لكن عقليته امتلأت بالحواس الخمس حتى صار مُؤِمنًا مُعاقًا لا يستطيع مواجهة الحياة بشكل صحيح، لهذا يقول لهم بولس: “لا أستطيع أن أتكلَّم معكم كناضِجين وبالِغين لأنكم مُعاقين”
تتصرَّفون كجسديين، وكأطفال مُعاقين سقيتكم لبنًا لا طعامًا لأنكم لازلتم مُستمِرين في التعامُل كالمُعاقين. وجود الحسد والخصام والغيظ فيكم وانحيازكم للبعض دون الآخر دليل إعاقتكم وسلوككم بحسب البشر! هذا يُعنِي أنّ الرب يتوقَّع مِنا ألّا نسلك حسب البشر العاديين!
هنا بولس يكتب بالوحي ويتوقَّع مِنا أن نسلك لا بحسب ما تراه أعيننا بل بما يقوله الروح القدس والكلمة المُقدسَّة، لذلك دورنا أن نجعل الكلمة تُرَى فينا وفي تصرفاتنا. اجعل الكلمة هي مُدرِّبك الوحيد ومصدرك الوحيد للمعلومات الذي تقدر به أن ترى عالم الروح وعالم العيان بشكلٍ صحيحٍ.
أي شخصٍ لديه مصدر آخر للمعلومات ويُصدِّق حواسه الخمس وممتلئ بالأخبار من الإنترنت هو شخصٌ يحصد في حياته كل تلك التفاهات، لذلك يُحدِّثنا الكتاب عن الأوثان التي يصنعها البشر قائلاً: “مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، وَكُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا.” (المزامير ١٣٥: ١٨).
حينما يصنع الإنسان لنفسه إلهًا يصير مثله ويبتدئ في التَحوُّل إلى الغباء وعدم فَهْم الأمور الإلهية، فهو لم يرَ الرب على إنه هو الإله الحقيقي الذي يستطيع به أن يرى الحياة بشكل صحيح. هذا أمر خطير، أن يُدرِّب الكثيرون أنفسهم على أن يكونوا حسيين وجسديين غير مُميِّزين للأمور الروحية، وهذا ما جعل بولس يُخبِرهم أنه لم يستطِع أن يُكلِّمهم كروحيين.
هكذا الروح القدس غير قادِر على أن يتكلَّم لكثيرين مِنا لسبب عدم تَدرُّبهم على سماع صوته، فحين يرغبون في سماعه يصومون ويُصلّون وفي النهاية يسمعون أصواتًا ليس هي صوته. ولأنهم غير مُمتلِئين بالروح القدس ولا بفِكْر الكلمة تجدهم عند محاولاتهم لتطبيق الأمور الروحية التي كان ينبغي أن يطبقونها مبكرًا عن ذلك الوقت يسمعون صوت حواسهم لا صوت الروح القدس مُردِّدين أنه بما أننا مُرتاحون نفسيًا لهذا الأمر فهو إذًا صوت الروح القدس.
هذا أمرٌ خطيرٌ يَحدُّث مع كثيرين مِمَّن لا يسيرون روحيًا بشكل سليم، لذلك فالتدريبات والنضوج المُسبَق قبل مواجهة المشاكل هو أمرٌ ضروريٌّ وحيوي جدًا في المواجهات الروحية.
- كُنْ مُتَّضِعًا بأن تُصدِّق الرب لا الواقع:
نأتي إلى نقطة هامة من الأعمدة والأساسيات التي تجعل إيمانك يعمل بشكل سليم ألّا وهي: الاتّضاع وهو أن تُصدِّق ما تقوله لك كلمة الرب بغض النظر عما تقوله حواسك. مادام الكتاب قد قال هذا الأمر إذًا فهو كذلك وليس غير ذلك، ويصير هذا أسلوب وطريقة ثابتة لك في التفكير وبشكل دائِم غير مُؤقَّت.
“حَاشَا! بَلْ لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي كَلاَمِكَ، وَتَغْلِبَ مَتَى حُوكِمْتَ».” (رومية ٣: ٤).
“وَتَغْلِبَ مَتَى حُوكِمْتَ”؛ إذا أردنا أن نناقش الرب ونسأله عن أمور تبدو لنا صعبة مثل السؤال الشهير: “كيف تترك إبليس يصنع كل تلك المصائب للبشر؟” سيكون الرب هو المُنتصِر في تلك المناقشة ليس لأنه الرب ولكن لأن لديه الحُجة القوية والحقيقية التي تفحم كل من يستجوبه.
إن كان هذا هو سؤالك الذي يقض مضجعك ويستفز تفكيرك؛ “كيف يسكت الرب عن كل ما يَحدُّث على الأرض؟”، فأنت بذلك تحتاج أن تسمع تعليمًا كتابيًا صحيحًا بهذا الشأن الذي مفاده بأن المشكلة ليست في الرب الذي سمح بهذا ولكن المشكلة في الإنسان نفسه الذي يحتاج أن يقوم بدوره، لأنه سيتم القضاء على إبليس بواسطة الإنسان مع الرب وليس بواسطة الرب فقط، فليس شرعًا أن يُقضَى على إبليس بواسطة الرب وحده.
لكن لنعد للنص الذي يقول؛ “لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا”. الاتضاع هو أنه حتى وإن كانت حواسي الخمس تُخبرني بأن المشكلة تتفاقم فإني أَرُدّ عليها بأن ما يقوله الرب هو الحقيقة وأنا أتَّضع وأخضع تحته لأني مُقتنِعٌ وخاضِعٌ لرأي الرب في الموقف.
كما أن خضوعي ليس خضوعًا مُؤقَّتًا ولا نشوة وقتية ولا هيجان عاطفي لسببٍ ما لكنها طريقة تفكير ثابِتة وهامة جدًا لثبات إيمانك وسنعرف لاحقًا كيف نُفعِّلها. لكن لنسِر بالتسلسُّل الطبيعي للموضوع، فالاتضاع هو إن كان الله يقول هذا فهذا هو الحَقّ الذي سأتمسَّك به لا بأي شيء غيره.
كَتَبَ رجل الله كينيث هيجين على غلاف كتابه المقدس: “لقد قالها الله، وأنا أصدقها، وهذا ينهي الحوار”. الاتّضاع هو أن أُصدِّق الله أكثر مِمَّا أسمعه أو أراه أو ألمسه وأكثر من التقارير الطبية والمعلوماتية وكل العيان المُضاد لِمَّا يقوله الرب.
تذكَّرْ جيدًا أنّ العالَم يقترب من النهاية، فإن لم تستطِع أن تقف لتُوقِف كل سهام من العيان عليك سوف تُؤخَذ وتنزلق في تلك النقطة.
“١٠ أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. ١١ الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. ١٢ فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. ١٣ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا.” (أفسس ٦: ١٠-١٣).
لاحظ معي الكلمات: تقدروا، تقاوموا، تتمِّموا أي تنهوا الأمر حتى نهايته، ثم في النهاية تثبتوا بدون تعب أو إرهاق.
ثم يكمل الوحي قائلاً:
“١٤ فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، ١٥ وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ. ١٦ حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ.” (أفسس ٦: ١٤-١٦).
ما يَحدُّث هو أنه قد تُفاجَأ بأفكار تأتي إلى ذهنك، أو عيان ما قد حدث لك أو مشكلة مُفاجِئة تَحدُّث معك سواء في العمل أو في صحتك، أو مكالمة تليفونية تحمل خبرًا سيئًا، تلك سهام يضربها العدو عليك، ما ردّ فِعْلك تجاهها في تلك اللحظة؟! يجب في تلك اللحظة أن تقف بإيمان وترفض هذا الواقع وتُطفِئه ولا تقبله في حياتك. يستقبل الكثيرون ما يَحدُّث لهم قائِلين: “هذا أمرٌ واقِعٌ قد فَرَضَ نفسه عليَّ”.
في هذا الوقت تحتاج ألَّا ترى سوى الحقيقة وهي أنّ هذا ما إلَّا مجرد سهم من العدو. إن فعلت هذا ووضعت داخلك تعريفًا صحيحًا لهذا الواقع وهو أنه سهمٌ وليس حقيقةً ستستطيع أن تُطفِئه. إن قبلته على أنه أمرٌ واقِعٌ فُرِضَ عليك فأنت بذلك تُوقِّع بإمضائك على استلام هذا الواقع.
رغم أنه حتى تلك اللحظة لم يَكُن حقيقة بالنسبة لك بل مجرد سهم بإمكانك أن تُطفِئه رغم الأعراض أو الموقف السيء أمامك، إن وقَّعْت باستلامه فأنت بذلك تترك تُرس الإيمان جانبًا وتترُك نفسك عُرضة لذلك السهم أن يخترق حياتك. يَكمُن الحلّ في أنْ تحمل تُرس الإيمان وتحمي به حياتك.
الاتّضاع هو ألّا يكون هناك تفاوض مع ما تقوله الكلمة. يجب أن يكون لديك خضوع باقتناع أن كل شيء عكس ما تقوله الكلمة هو كاذِبٌ حتى لو كانت حواسك الخمس ووجعك من أمر ما يقول عكس ذلك. الاتّضاع هو نزولي وانحنائي تحت الكلمة. هو إعلان ربوبية وسيادة، فإن قال الكتاب شيئًا، فتلك هي الحقيقة لا ريب ولا جدال.
لاحظ معي أمرًا هامًا وهو أنك إن كنت مِن هؤلاء الذين يُردِّدون: “أنا أتمسَّك بوعد الرب”، هذه الجملة ليست تعبيرًا صحيحًا ولا دقيقًا عن الإيمان، فالإيمان هو أن تُنفِّذ المعجزة لا أن تنتظر الرب ليفعل أمرًا ما!
إن كنت تنتظر الرب، اَعْلمْ أن الرب ينتظرك أيضًا، هذا ما يجعل الكثيرين لا يحصلون على نتائج من أولئك الذين ينتظرون الرب. إيمانك يعمل عن طريق مجموعة مبادئ حين تضعها معًا تجد نفسك قد نفذت المعجزة وخرجت مُنتصِرًا من التحدي.
- اعرفْ حقيقة رصيدك وحقيقة رصيد إبليس:
هنا نَصِل لنقطة هامة لكي يعمل إيمانك وهي: رصيدك في الأرض هل هو حقيقيٌّ أم لا؟
ما هو رصيدك في الواقع؟ هل هو حقيقيٌّ أم لا؟ دعني أشرح لك ما أُعنيه، إن ملكوت الله يتكلَّم الحقيقة فقط، هو الحقيقة فقط، هو غير قابِل للتزعزُّع، الرصيد هو القوة الخفية وراء الشيء. إن كان شخصٌ ما لديه رصيدٌ في البنك، فالعملات الورقيّة التي في حوزته ما هي إلّا مجرد قصاصات مطبوعة من الورق.
التكلفة الفعلية لصناعتها وطبعها بتلك الطريقة أقل بكثير جدًا من الرقم التي تشير إلى أن الحائز عليها يمتلك من المال. يعود قيمة الرقم إلى مصداقية البنك الذي أصدر تلك العملات، وبالتالي قوة العملة ليست في قيمة طباعة الورق نفسه ولكن فيما تقوله من معلومات وأرقام سواء كانت مئة أو مئتين أو خمسمائة من عملة الدولة.
كذلك الشيكات، القصة ليست في قيمة الورقة نفسها لكن في الرصيد الخفي وراء ذلك الشيك. هكذا لابد أن تعرف ما هو الرصيد الذي وراء إبليس بعد أن نَزَعَ الرب كل أسلحته وكل قوته وما كان يمتلكه في البشر، إبليس ليس له رصيد، هللويا.
تخيَّل معي شخصًا ليس لديه رصيد في البنك أنه دخل ذلك البنك وأخذ يصيح ويصنع ضجة قائلاً: “أعطوني أموالي أنا أمتلك أموالاً عندكم، أعطوني أموالي وإلا سأظل أصرخ وأصنع ضجيجًا!” ليس كون هذا الشخص يصنع ضجيجًا وصراخًا أمام البنك أو في داخله فهذا معناه أنه يمتلك بالفعل شيئًا هناك! مادام ليس له اسمٌ في سجلات المَودعين بالبنك.
ليس كل شيء ظاهر أمامنا هو شرعي، تخيَّل معي شخصًا يسرق وصلة كهرباء بعيدًا عن عداد الكهرباء لكي يجعل التكييفات والإضاءات تعمل في منزله بدون تكاليف كثيرة، هذا الشخص ظاهريًا يبدو ناجحًا وأموره مُستقِرة، لكن رسميًّا هذا الشخص سارقٌ ولصٌّ وكهربائه بلا أي سند رسمي، إنه بالحقيقة سارقٌ ولصٌ.
كذلك الشخص الذي يبني بيتًا بدون ترخيص للمباني ليس معنى أن بيته مُقام وبه سُكان، أنه على حَقّ! أين رصيده لدى أجهزة مدينته وحكومتها؟ فهو ليس لديه مُستندات رسمية تُثبِت أنه يحق له بناء هذا المبنى. انطلاقًا من تلك الأمثلة نخلص إلى التالي:
إن كنت ترى أمورًا مُعيَّنة تَحدُّث في حياتك، اسأل نفسك ما هو الرصيد وراء تلك الأمور؟ إن كانت من أعمال الظلمة فالموضوع بسيطٌ ويمكن التَخلُّص منه. يستحيل أن يجلب لك الرب أمراضًا أو مشاكل. إن المرض مصدره إبليس ولا يمكن أن يأتي من الرب فليس له رصيدٌ في عالَم الروح وليس له حقيقة في ملكوت الله.
في إحدى المرات أظهرَ الرب رؤيا لرجل الله القس كريس عن رجل مريض بسرطان في المخ، وأراه الرب التقارير والأشعة والتحاليل التي تقول إن هذا الشخص مُصاب وقال الرب لرجل الله: “هذا الرجل تقول عنه التقارير إنه مُصابٌ وسيموت لكن في نظري أنا، يُعتبَر سليمًا، هذا الرجل سيموت إن صَدَّقَ تلك التقارير وما يقولونه له ولكنه إن صَدَّقَ كلامي وآمن بكلمتي وبالحقيقة التي أنا أراها فسوف يعيش”.
من هنا لابد أن نسأل: ما هو رصيد هذا الشيء في ملكوت السماوات؟ هناك نقطة قد تبدو فيها مواجهة عنيفة مع أفكارك بأن تستبدل فكرة بأخرى وطريقة تفكير بطريقة تفكير أخرى. إنّ طريقة تفكيرك وتأمُّلك هي التي تُحدِّد ما سيَحدُّث معك وليس الواقع أو ما تشعر به وليس ما يقوله الأطباء أو ما تراه بعينيك إن كان الأمر يزداد سوءًا من يوم إلى آخر، فالأمر برمته يؤول إلى تفاعلك وأفكارك.
قد تسألني: “لماذا كان فلان مُتفائِلاً لكنه مات؟!” أنت لا تعرف دواخل وأعماق الناس ولا ما يدور في قلوبهم وكواليس حياتهم، كما أن هناك نقاط ضرورية يَصعُب الوصول إليها وهي مصداقية الشخص مع نفسه وهل فعلاً يسير بإيمان أم لا.
“١٧ فَلِذلِكَ إِذْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُظْهِرَ أَكْثَرَ كَثِيرًا لِوَرَثَةِ الْمَوْعِدِ عَدَمَ تَغَيُّرِ قَضَائِهِ، تَوَسَّطَ بِقَسَمٍ، ١٨ حَتَّى بِأَمْرَيْنِ عَدِيمَيِ التَّغَيُّرِ، لاَ يُمْكِنُ أَنَّ اللهَ يَكْذِبُ فِيهِمَا، تَكُونُ لَنَا تَعْزِيَةٌ قَوِيَّةٌ، نَحْنُ الَّذِينَ الْتَجَأْنَا لِنُمْسِكَ بِالرَّجَاءِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، ١٩ الَّذِي هُوَ لَنَا كَمِرْسَاةٍ لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ، تَدْخُلُ إِلَى مَا دَاخِلَ الْحِجَابِ، ٢٠ حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ كَسَابِق لأَجْلِنَا، صَائِرًا عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ، رَئِيسَ كَهَنَةٍ إِلَى الأَبَدِ.” (العبرانيين ٦: ١٧-٢٠).
حين أراد الرب أن يُظهِر لنا عدم تَغيُّر قراره، قَرَّرَ أن يستخدم القَسم، حتى بأمرين عديمي التَغيُّر؛ (الوعد والقسم) تكون لنا تعزية قوية. أيضًا كلمة “قَضَائِهِ” تُعنِي (رأيه) أو (قراره)، وهذا ما يجعل النفس البشرية من مشاعر وأفكار وإرادة مُمسَّكة بشيءٍ مَتينٍ.
هنا يُشبِّه النفس البشرية بالسفينة الموجودة في عرض البحار تصعد وتنزل مع الموج والرياح، لذلك تستطيع أن تُميِّز مشاعرك أنها مُتضايقة لكن مشاعرك ليست هي أنت. تستطيع أن تُميِّز أن جسدك مُتألِّم لكن جسدك ليس هو أنت. أنت كائنٌ روحيٌّ، لا تنسَ هذا.
التمييز بين الروح والنفس والجسد هامٌ جدًا لكي تستطيع أن تفهم الإيمان بشكل صحيح، لكي تستطيع أن تشد سفينتك وتُثبِّتها لشيءٍ حقيقي وثابِت. تُشبِه ظروف الحياة البحر الهائِج الذي يجعل سفينتك أي نفسك تصعد وتهبط، كما يَحدُّث بالجسد تَغيُّرات سواء كان نائِمًا أو مُستيقِظًا، فالهرمونات تُؤثِّر فيه، خبرٌ سارٌ يُفرِحه وآخر سيء يُحزِنه إنها النفس البشرية في أوضح صورها. هذه ليست الروح الإنسانية.
الروح الإنسانية أثبت وأقوى من هذا، حالة الثبات هذه موجودة بداخلك، ويمكنها أن تَشد النفس وتُثبِّتها على ما هو بداخلك.
“١٩ الَّذِي هُوَ لَنَا كَمِرْسَاةٍ لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ، تَدْخُلُ إِلَى مَا دَاخِلَ الْحِجَابِ ٢٠ حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ كَسَابِق لأَجْلِنَا”؛ يتكلَّم الكتاب عن شيء ثابِت لا يتزعزع نُمسِك به ونُثبِّت أنفسنا داخل الأقداس من خلاله. الوعد والقَسم اللذان تكلَّمَ بهما الرب رصيدهما ثابِتٌ لا يمكن أن يتغيَّر، غير ذلك كل شيء حولنا قابِل للتغيُّر، أيضًا إبليس وهجماته الشرسة قابِلان للتغيُّر.
- قابِلون ملكوتًا لا يتزعزع:
“٢٦ الَّذِي صَوْتُهُ زَعْزَعَ الأَرْضَ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَعَدَ قَائِلاً: «إِنِّي مَرَّةً أَيْضًا أُزَلْزِلُ لاَ الأَرْضَ فَقَطْ بَلِ السَّمَاءَ أَيْضًا». ٢٧ فَقَوْلُهُ «مَرَّةً أَيْضًا» يَدُلُّ عَلَى تَغْيِيرِ الأَشْيَاءِ الْمُتَزَعْزِعَةِ كَمَصْنُوعَةٍ، لِكَيْ تَبْقَى الَّتِي لاَ تَتَزَعْزَعُ. ٢٨ لِذلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى. ٢٩ لأَنَّ «إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ».” (العبرانيين ١٢: ٢٦-٢٩).
من الشاهد السابق نفهم أنه ليس الأرض فقط قابِلة للتَزعزُع بل السماء أيضًا.
“٢٧ فَقَوْلُهُ «مَرَّةً أَيْضًا» يَدُلُّ عَلَى تَغْيِيرِ الأَشْيَاءِ الْمُتَزَعْزِعَةِ كَمَصْنُوعَةٍ”؛ وكونه يقول “أيضًا” عن الأشياء القابِلة للتَزعزع إذًا يُمكِن تغيير ذلك العيان، شيءٌ واحدٌ فقط لا يُمكِن تغييره وهو كلمة الله. ثم يُكمِل قائلاً: “لِكَيْ تَبْقَى الَّتِي لاَ تَتَزَعْزَعُ”
“٢٨ لِذلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ”؛ تُعنِي أننا نسير في تكوين ذلك الملكوت غير القابِل للتَزعزُّع، والكلمة المُستخدَمة هنا تُعبِّر عن الشخص الذي يستلم أشياء أو خامات ويُركِّبها معًا (كالطفل الذي يأخذ قِطَع بلاستيكية ويركبها معًا لبناء منزل صغير مثلاً). “٢٨ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً ٢٩ لأَنَّ «إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ»“، وقد سَبَقَ أن ربطت هذا النص بالعهد القديم.
الأمر إذًا مُرتبِطٌ بهل هذا الموضوع له ركيزة ورصيد في عالم الروح أم لا؟ هل ما يَحدُّث معك هو أمر رسمي وشرعي ومُستنِد على مملكة النور الثابتة أم على مملكة الظلمة القابِلة للتَزعزُّع؟
لا يوجد لإبليس قوة فهو مثل الشخص الذي بنى بيته بدون تراخيص فيمكن في أي وقت أن يتم إصدار قرار بإزالة المبنى، وزعزعة استقراره، وإن حدث ذلك لن يستطيع الطَعن على القرار في المحكمة وذلك لأنه لصٌّ وسارِقٌ، وبالتالي ليس له أحقية لأنه مُخالِفٌ. كذلك لا يُمكنه الاحتجاج بأنه يسكن في هذا المنزل منذ عشرين عامًا أو حتى خمسين فهذا لن يُغطِي على كونه مُخالِفًا وليس له رصيدٌ حقيقيٌّ أمام سُلطات الدولة.
كون هذا المرض أو تلك المشكلة مصدرها إبليس فيَمكن أن تتزعزع وتتغيَّر لعدم وجود رصيد لها في السماويات، أما عند محاولاتك أن تُغيِّر في أمر إلهي (الذي يستحيل أن يكون شيئًا شريرًا كالأمراض والمشاكل). فلن تستطيع، مثلاً، أن تجعل سنوات الضيقة السبع ثلاثة فقط! أو أن نُصلي أن يتراجع الرب عنهم كما يُصلي بعضٌ مِن غير الفاهمين.
يُوضِّح الكتاب أنها قضاء على الأرض الذي نرى بوادره الآن والكنيسة الغالِبة هي التي تُحجِّمه. مثلاً لا يمكن تغيير ميعاد مجيء الرب، لكن ما يَصلُّح أن يُغيِّر فيه الإنسان هي الأمور القابِلة للزعزعة. خلاصة هذه النقطة هي: على أي أساس يرتكز الأمر الذي تَعبُر فيه؟!
- يُسيِطر العالَم الروحي على عالم العيان ويُؤثِّر فيه:
نأتي إلى نقطة هامة أخرى وهي: تأثير عالَم الروح في العالَم المَرئي. كلما دَرَّبت ذهنك على هذه المبادئ وجعلتها تَمُرّ ذهابًا وإيابًا عليه وجعلتها هي طريقة تفكيرك كلما صارت حقيقة واقِعة بالنسبة لك لأن عالَم الروح مُسيطِر على عالَم العيان، ولا يُمكِن أن يَحدُّث أمرٌ في عالَم العيان دون مروره على عالَم الروح.
حتى الأمور البسيطة كقدرة الشخص على الاعتناء بحياته الشخصية ونظافة جسده وأسنانه لها أصلٌ في عالم الروح، فَمَن وضع في الإنسان تلك المَلَكة والرغبة في الاهتمام بنظافة جسده؟ أليس هو الرب المكتوب عنه (الله روح)؟ كل شيءٍ يَحدُّث حولنا ورائه عالَم الروح وله أساسٌ وسببٌ روحيٌّ، وجدير بالذِكْر أنّ عالَم الروح يسيطر على عالم العيان.
“وَبِدُونِ كُلِّ مُشَاجَرَةٍ: الأَصْغَرُ يُبَارَكُ مِنَ الأَكْبَرِ” (العبرانيين ٧: ٧ )؛ يتحدَّث هذا النصّ عن نقطة أخرى تختلف عن التي نتكلَّم فيه اليوم لكننا نستطيع أن نستخلص منه مبدأً وهو أنّ الأكبر هو الذي يُعطي للأصغر ويُسيطِر عليه، عالم الروح أكبر بما لا يُقاس من عالَم العيان ويُسيطِر عليه بل هو الأساس والمصدر الذي خَرَجَ مِنه عالَم العيان.
هذا ما رأيناه في الإصحاح الأول من سِفْر التكوين حيث نجد الرب الروح يَخلِق من عالم الروح (الأكبر) أمورًا مادية في عالم العيان بل إن عالم العيان برمته خارجٌ ومُنبثِقٌ من عالم الروح. إذًا به تُكُوِّنَ كلُ شيءٍ وبغيره لم يكن شيئًا مما تُكُوِّنَ حسب الإصحاح الأول من الإنجيل بحسب يوحنا. إذًا كل شيءٍ خارِج من الرب وهو أساس تكوينه.
إن كنت تتعامل مع الموقف وأنت مُمسِكٌ بزمامه من عالم الروح فسوف تتمكَّن من أن تُحدِث تغييرًا، هنا يتجلَّى الإيمان، ولكن إن كنت تتعامل مع المواقف بهيبة وخوف فلن تقدر على تغييرها. مثلاً يقوم السائِق بتغيير اتّجاه عجلات السيارة وهو بعيدٌ عنها في كابينة القيادة دون أن يضطر للنزول للأسفل والتعامُّل معها بشكل مباشر، كذلك من يتعامَّلون مع الأجهزة الإلكترونية يستطيعون التَحكُّم في إرسال معلومات وبيانات لأماكن بعيدة دون تَكلُّف في معاناة الذهاب لتلك الأماكن.
نستطيع أن نُحدِث الكثير من التغيير عن طريق التأمُّل بإيمان في الكلمة وفي الصور التي نرغب في التغيير إليها، كثيرًا ما نُخرِج الإيمان بصورة تلقائية في التعامُّل مع أمور كثيرة في الحياة الطبيعية، فنحن نُؤمِن مثلاً أن بمجرد الضغط على زِرّ جهاز معين فأنه سيقوم بالدور الذي صُنِعَ لأجله، وهكذا.
خلاصة هذا العمود هو أنّ عالَم الروح هو الأكبر من عالم العيان وهو الذي قد أخذنا مفاتيحه لنتعامل ونُحدِّث التغيير في كل المواقف التي نُقابلها.
- مارسْ سُلطانك ولا تدعْ إبليس يتجبَّر عليك:
إليك عمودٌ آخر هامٌ وهو السُلطان. أشجِّعك بالرجوع للموقع لدراسة هذا الموضوع باستفاضة. السلطان هو قوة مَمنوحة، مثلاً عسكري المرور تم منحه السلطان من الدولة لإيقاف السيارات والسماح بعبورها، بغض النظر عن حجم السيارة أو ماركتها أو أخلاق سائِقها، كل هذه المُتغيِّرات وغيرها لا تُؤثِّر على صلاحية سلطان جندي المرور.
يجب على الجميع الخضوع للسُلطان الممنوح لجندي المرور الذي يرتدي زي المرور، سواء كان هذا الجندي ضعيفَ البنية أو قوي البنيان، سليمَ الجسد أو مريضًا، كبيرًا في العمرِ أم لازال شابًا يافعًا، لا يرتبط الأمر بالقوة البدنية للجندي. هكذا سلطانك الروحي ثابتٌ بغض النظر عن حالتك الروحية، حالتك الروحية تأثيرها على رؤيتك أنت لنفسك وسلطانك وهويتك.
تخيَّلْ معي مُوظَّفًا دائمًا يظلمه رؤساؤه في العمل، هذا الموظف يَنقُصه أن يعرف كيف يستلِم حقه من خلال كلمة الرب وكيف يتعامل مع الناس في العمل بشكل صحيح وكيف يضع إيمانه في الموقف، لكن ماذا لو تَمَّ تدريبه وتمرينه بشكل تدريجي على أن يقبل أن يعمل أدوار الآخرين دون وجه حَقّ ويقبل ذلك دون اعتراض حرجًا منهم؟!
إنه بذلك يجعل الآخرين يتوقَّعون دائمًا منه أن يقوم بأدوارهم دون اعتراض، فيعتبرون خدمته لهم حقًّا مُكتَسَبًا ودورًا عليه أن يفعله دون اعتراض وقد يلومونه ويُوبِّخونه إن لم يُبادِر بالقيام بأدوارهم نيابة عنهم. تلك الوقاحة لم تبدأ بين ليلة وضُحاها لكنها بدأت تدريجيًا لأنه لم يُعِّودهم على أن يقول لهم: “لا” بل كان دائمًا خانِعًا خاضِعًا لكل ما يقولونه له، حتي صار هذا هو الطبيعي في نظرهم وإن قال لهم: “لا” مرةً يطالبونه به كما لو كان هو المُخطِئ.
هذا بالضبط ما يفعله إبليس إذ يُمرِّن الإنسان على أمورٍ لم يَقُل له فيها: “لا” منذ البداية، يقول البعض “لا” في المواقف الضخمة والكبيرة فقط لكن في معظم مواقف الحياة يَترُّك نفسه ومشاعره وجسده يقودانه دون أن يقول لهم: “لا”، ويترك الظروف الصغيرة تَحدُّث معه دون أن يقف ويضع إيمانه فيها.
حتى إن اجتاز في موقف كبير سيُحاول أن يضع إيمانه فيه ولكن سيجد صعوبة كبيرة بسبب أنه تَمرَّنَ مرات عديدة سابقة في المواقف الصغيرة على عدم الوقوف بإيمان وتركه للمواقف تَحدُّث دون محاولة أن يقف بإيمان ضد الظروف والعيان السيء.
السلطان هو أن يكون الشخص واقِفًا وواعيًّا وصاحيًّا وساهِرًا لكل الأفكار والمشاعر لأن إبليس يجول مُلتمِسًا مَن يستطيع أن يبتلعه فالشخص الذي يكون تارِكًا نفسه للابتلاع سيبتلعه، وهذا ما يَحدُّث في حياة كثيرين دون أن يدركوا أنهم تَمرَّنوا على أن يستحوذ إبليس ويُسيطِر عليهم في أمور قد لا تبدو للوهلة الأولى أنها خطيرة، مثالٌ لذلك المُوظَّف المظلوم السابق ذِكره.
في البداية يستعمل زملاؤه المَكر في جَسّ نبضه وتجربة قدرته على قبول ظُلمهم له في موقف صغير يطلبون أن يقوم بدورهم فيه، إن تجاوب معهم، تجدهم يبدءون في إعطائه كم أكبر من شغلهم ليقوم به وهكذا يُحَمِّلونه معظم أدوارهم لأنه لم يقف ليعترض على هذا الظُلم من البداية ويعتبرون ظُلمهم له حقًّا لهم يجب أن يَصنعه لهم إلى أن يصبح بلا أي كرامة وسط زملائه.
يحتاج هذا الشخص أن يتعلَّم من الروح القدس كيف يكون قوي الشخصية بحسب كلمة الله وليس بحسب أنظمة العالم وحكمته الباطلة، يتعامل الروح القدس مع الشخصيات الضعيفة ليجعلها شخصيات قوية؛ “وَالآنَ أَسْتَوْدِعُكُمْ يَا إِخْوَتِي للهِ وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ، الْقَادِرَةِ أَنْ تَبْنِيَكُمْ وَتُعْطِيَكُمْ مِيرَاثًا مَعَ جَمِيعِ الْمُقَدَّسِينَ.” (أعمال الرسل ٢٠: ٣٢).
تقوم كلمة الله ببناء الإنسان على عدة محاور منها البناء الروحي وبناء الشخصية ليستطيع الشخص أن يُميِّز الصواب من الخطأ وألَّا يخاف من الحقيقة أو المواجهات وشراسة الأشخاص الذين يواجهونه، هذا مُرتبِطٌ بالسلطان وعدم تركه لذهنه يُداس عليه ولا للمواقف تَحدُّث كيفما اتَّفقَ! هذا لا يُعنِي بالتأكيد أن يتمرَّد الشاب على والديه ولا أن تتمرَّد الزوجة على زوجها، ولكن يعني أن يكون الشخص غير خانِع من الداخل وغير تارِك نفسه لمشاعر الحزن والأسى.
يقول في الآية السابقة: كلمة نعمته قادِرة أن تبنيكم ونتيجةً لبنائها لكم تنالون ميراثًا مع المُقدَّسين، الشفاء والصحة والرخاء وغيرها من البركات التي تبحث عنها تبدأ من بناء نفسك بالكلمة.
من أجل هذا يبحث إبليس عن شخصٍ لديه فراغ سُلطوي، شخصٌ لا يُفكِّر ولا يهتم سوى بعدة أشياء تُعَد على أصابع اليدّ الواحدة؛ الطعام والنوم والعمل وأن يكون المنزل مُرتَّبًا. كثيرون لا تتعدَّى اهتماماتهم تلك الأشياء أما خارجها فلا يهتم أن يضع سلطانه أو يتدخَّل، فمثلاً لا يُعنيه إن ذاكر ابنه أو لا!
بذلك يُعطي لإبليس مكانًا ليَدخُل البيت من تلك الزوايا المَتروكة والمُهمَلة. فمشاعره وأفكاره ووقته مَتروكة للأمور التي تسحب البشر حاليًا، فحين يأتي إبليس لهذا الشخص يجده مُهيَّأً وجاهِزًا للابتلاع. لا تنسَ أن كلمات النص في اللغة اليونانية تشير إلى أن إبليس يبحث عن الشخص الجاهِز للابتلاع، فليس كل الأشخاص يمكن ابتلاعهم.
قابليتك للابتلاع من عدمه تعتمد على بناء شخصيتك وهل تستخدم السُلطان الممنوح لك أم لا، هل تستطيع أن تُسيطِر على مشاعرك وقت غضبك؟ هل تستسلم عند إحاطتك بالظُلم في عملك أو عند اجتماع كثيرين عليك بأصوات عالية؟ يستسلم البعض عند مواجهة ظروف كهذه حتى قد يُصاب البعض بحالات نفسيَّة وعصبية.
“وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (أفسس ٢: ٦).
“٢٠ الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، ٢١ فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، ٢٢ وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، ٢٣ الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.” (أفسس ١: ٢٠-٢٣).
لقد أقام الآب المسيح وأقامنا معه وأجلسنا معه عاليًا جدًا (far above) فوق كل قوة ورياسة وسيادة وفوق كل اسم يسمي سواء كان اسم مرض أو مشكلة أو أي تحدي، ليس فقط في هذا الزمان بل في المستقبل أيضًا، وأخضع كل شيء تحت قدميه فنحن جالِسون معه عن يمين الآب الذي جعل المسيح رأسًا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده ومِلئه.
هذا العمود هو ممارسة سُلطانك الذي صار لك كونك صِرت في المسيح. يُشاهِدك إبليس ويُراقِبك حتى لو لم تدرِ بذلك، أنت مُراقَبٌ مِنه ليبحث عن المداخل التي يمكن أن يدخل إلى حياتك منها، لذلك ممارسة سُلطانك أمرٌ ضرويٌّ جدًا لك. أُشجِّعك أيضًا أن تدرس كتاب “سلطان المؤمن” لرجل الله كينيث هيجين فسوف يساعدك في هذا الأمر جدًا حيث يتكلَّم عن أهمية استخدامك للسلطان والطريقة التي تُفعِّل بها ذلك.
كذلك تكلَّمَ فيه رجل الله عن رؤية أظهرها له الله رأى فيها نمران مُتوحِّشان يجريان وراءه ليفترساه وكان في الرؤيا يجري مُسرِعًا قَدْر ما يستطيع ليهرب منهما، ولكن حين أدركَ أنهما أسرع منه وسيلحقانه لا محالة، قال في نفسه أنا سأقف وأواجهما، وحين فَعَلَ ذلك ووَقَفَ مقابلهما تحوَّلا إلى قطتين وفرَّا هربًا منه.
هذه هي الطريقة التي يحاول بها إبليس أن يتعامل مع المُؤمِنين، فطريقته لا تخلو من الخداع والتهويش والصراخ لكي يُرعِبهم ويُخيفهم بإثارة المشاكل والهجوم بالأعراض المَرضيَّة. هام جدًا أن تعرف ما معنى أن لك سلطانًا. السلطان أن تضع حَدًّا ونهايةً للموقف، فمكانك هو فوق وعالٍ جدًا عن عدوك وأحابيله! لا توجد نِديّة بينكما بسبب البون الشاسِع الذي بينكما.
لترَ الأرواح الشريرة في حجمها الحقيقي. يُمكِنك أن ترى مملكة الظلمة من خلال أفعالها. مرات عديدة حين تقابلني حالات تحتاج لإخراج الشياطين كنت أرى ذُعْر الشياطين من مجرد تَوقُّعهم أن آمرهم بالخروج فيهربون تارِكين ضحيتهم صارِخين خوفًا وذُعرًا. لن تستطيع الأرواح الشريرة أن تُعانِدك هي فقط تحاول أن تخدع وتكذب فصفتها هي الكذب والخداع.
السِرّ هو أن إصرارك بصورة لا رجعة فيها يجعل إبليس لا يستطيع المقاومة، فهو ينتظر الشخص قصير النفس غير المُتدرِّب في الأمور الروحية والذي ليس لديه رصيدٌ روحيٌّ ولا خبرة روحية قوية ولا يقترب من الروحيات وإن اقتربَ لفترة يعود ليبتعد مرة أخرى ولا يضع قلبه في الكلمة. يرتبط سُلطانك بفهمك أن مملكة الظُلمة لا يُمكِن أن تُؤذيك!
يعتقد البعض أن لمملكة الظلمة ضريبةً أو حقًّا يجب أن تأخذه منهم. ليس لإبليس ضريبة عليك، ليس لأنك نجحت في أمر ما أنه يجب أن يؤذيك فيه مقابل ذلك، ليس لإبليس أي أحقية عليك، وليس له أي قدرة ليفعل شيئًا تجاهك إلّا إذا أعطيته أنت السُلطان أن يفعل هذا.
كثيرون لديهم هذا الاقتناع أنه لن يَمُرّ يومان أو ثلاثة إلّا وسوف يقعون في الخطية أو أن إبليس سيَفعل معهم أمرًا ما، وكأن إبليس يمسك عليه زِلَّة ما أو يمسك بأمر ما في حياته ومُسيطِر عليه. في الحقيقة ليست هذه المعتقدات صحيحة والحلّ يبدأ بأن تعرف أين توجد الحقيقة. الحقيقة أنك جالِسٌ عاليًا مع المسيح عن يمين الآب فوق كل رياسة وسلطان، يمكنك أن تقول هذا لإبليس.
يُحدِّثنا بولس في رسالة أفسس عبر إصحاحاتها المتتالية عن كيف نعرف سُلطاننا ومكانتنا الروحية وطريقة استخدام هذا السلطان خلال أول إصحاحين، ثم كيف نعيش بشكل صحيح في الحياة ونُطهِّر أنفسنا بالكلمة حتى الإصحاح الرابع ثم كيفية الامتلاء من الروح القدس في الإصحاح الخامس.
بعد ذلك في الإصحاح السادس يتكلَّم عن كيف نسير ونحن حامِلون لسلاح الله الكامل، فالأمر مُرتبِطٌ بمجموعة مبادئ مُتكامِلة تشملها خريطة رسالة أفسس كلها يتخلَّلها التنظيف الداخلي فهو هامٌ لممارسة السيادة والسُلطان. تَكلَّسَ الكثير من الناس وفَقَدوا مرونتهم وحيويتهم الروحية حتى لم يَعودوا يتقبَّلون التوجيهات الروحية من الآباء والمُرشِدين الروحيين، إنها حالة تَكلُُّس وهذا أمرٌ خطيرٌ على الحياة الروحية.
“١٧ فَأَقُولُ هذَا وَأَشْهَدُ فِي الرَّبِّ: أَنْ لاَ تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضًا بِبُطْلِ ذهنهم، ١٨ إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ.” (أفسس ٤: ١٧، ١٨).
يَطلُّب بولس هنا من مُؤمِني أفسس ألَّا يسلكوا كما يسلك سائر الأمم، نستطيع من هذا النص أن نعرف أنه يمكن للمُؤمِنين أن يسلكوا مثلهم ويقعوا في نفس تلك الأخطاء.
“بِبُطْلِ ذهنهم”؛ تُعنِي ذهنهم المُعطَّل غير المُفعَّل، فليس لديهم فهم وإدراك وهذا أوصلهم لمرحلة ظُلمة الفِكْر ووجود غشاوة على أذهانهم فصاروا مُتجنِّبين عن حياة الله، فلم تَعُد ظاهِرة فيهم وليسوا مُشترِكين فيها.
لاحظ إنه يُحذِّر أهل أفسس من أن يكونوا مثل هؤلاء فَهُم إذًا يُمكِن أن يقتربوا من تلك الحالة وإلّا لما نَبَّههم بولس لهذا. أيضًا لفظ “الْجَهْلِ” المذكور في العدد السابع عشر يُعنِي تَعمُّدهم أن يتجاهلوا ويرفضوا ويَغُضوا الطرف عن الحَق بسبب تقسي قلوبهم.
“اَلَّذِينَ إِذْ هُمْ قَدْ فَقَدُوا الْحِسَّ أَسْلَمُوا نُفُوسَهُمْ لِلدَّعَارَةِ لِيَعْمَلُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ فِي الطَّمَعِ.” (أفسس ٤: ١٩).
“فَقَدُوا الْحِسَّ” تُعنِي تَكَلَّسوا والتَكلُّس هذا يأتي بسبب التَدرُّب التدريجي على أمور كانت في البداية لا يسهل عليهم فِعلها ولكن بسبب كثرة التَدرُّب عليها صار يسهل عليهم صُنعها مثل الحداد الذي لكثرة تعامُله مع الحديد الساخن صار يَسهُل عليه التعامُل معه بسبب التَدرُّب الكثير على التعامُل معه وهو ساخن، فمات الكثير من خلايا يديه فلم يَعُد يشعر بآلام سخونة الحديد كما كان عند بداية تعامُله معه.
هنا يتحدَّث عن كونهم فقدوا الحِسّ ولم يَعُد هناك شيءٌ يوقفهم عن الخطية فصاروا يصنعون الأمور النجسة بصورة شرهة وبكل نَهم وطمع.
“٢٠ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا الْمَسِيحَ هكَذَا، ٢١ إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ، ٢٢ أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، ٢٣ وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، ٢٤ وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ. ٢٥ لِذلِكَ اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ، وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ، لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ.” (أفسس ٤: ٢٠-٢٥).
في هذه الأعداد يَحرِص بولس الرسول أن يَحثهم على تنظيف ذواتهم بأن يُذَكِّروا أنفسهم بكيفية تَعلُّمهم للمسيح الذي لم يَكُن مثل هذه النماذج السيئة على الإطلاق ويَحثَّهم بولس أيضًا علي ترك خطاياهم كالكذب وكافة الخطايا الأخرى، فهو يهتم بتنظيفهم لكي يذهب بهم لنقطة أبعد في الإصحاح السادس حيث يقول لهم الآتي:
“١٦ حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. ١٧ وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. ١٨ مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ.” (أفسس ٦: ١٦-١٨).
لذلك وأنت تتعامل مع مواقف الحياة لابد أن تكون فاهِمًا وواعيًّا أن ممارسة سُلطانك ليس هو حالة من الهياج الانفعالي أو رَفْع نبرة الصوت ضد إبليس وإنما هو وعيٌّ وإدراكٌ وتأمُّلٌ كثير في دراسة الكلمة في تلك الزوايا فتصير مُدرِكًا أن إبليس ليس له حَقٌّ أن يؤذيك.
“هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ.” (لوقا ١٠: ١٩).
هذا يعني أنه لا يوجد شيءٌ يُدعَى أن العدو اشتكى عليّ أو أن العدو يمكن أن يضرني ولا أن الشيطان شاطر! تلك الجُمل التي سمعناها كثيرًا طوال حياتنا حتى كبرنا ولم نجد من يُعلِّمنا أن نرفضها لأنها عكس كلمات الرب التي ذكرناها للتو في النص السابق، والتي بسبب كثرة ترديد الناس لها صار لإبليس سلطانٌ مُكتسَبٌ على حياة الناس ليس لأنه حَقٌّ ولكن بسبب ترديد الناس لتلك الكلمات فأعطوه بكلماتهم سلطانًا عليهم.
لو كانوا تأمَّلوا كلمة الرب لَمَّا صار لإبليس عليهم سلطانٌ، فكلمة الله تتكلَّم عن نهاية إبليس وتَفضَحه. أشجعك أن تضع له حدودًا في كل المواقف صغيرها قبل كبيرها ومن بداية هجومه قبل أن يتمكَّن مِنك سواء كانت هجمة فِكريّة أو في العمل، ضَعْ له حدودًا من البداية ولا تَدعْ هجماته تتفاقم عليك، ضَعْه في مكانته ومكانه الذي جعله الرب عليه ولا تَدَعه يتجبَّر عليك.
فَهْمك للسُلطان هو ركيزة مهمة جدًا من ركائز إيمانك، لقد تَمَّ إعطاؤك السلطان بالفِعل فلست مُحتاجًا أن تُصلي لكي يَمنحك أحدٌ السُلطان، هو بالفِعل لديك، فقط استعمله! أيضًا تستطيع أن تُطفِئ جميع سهام الشرير المُلتهِبة باستعمالك لتُرس الإيمان، هذا التُرس كان يتمّ تصنيعه من الجِلد الذي كان يتمّ صيانته دوريًا بزيت وماء، الزيت لكي يكون دائمًا طريًّا فلا يتمزَّق بسهولة والماء لكي يكون رَطِبًا مُبلَّلاً لكي يُطفِئ السهام المُشتعِلة التي يصوبها الأعداء.
الماء والزيت هما الكلمة والروح القدس اللذان بالالتصاق بهما تكون حياة إيماننا مُصانة باستمرار، لقد كانت هناك أربعة أنواع من التروس، هنا يتكلم عن هذا النوع من التروس تحديدًا وهو النوع الذي يتم صنعه وتفصيله على حسب طول وحجم الجندي الروماني لضمان ألَّا تخترقه السهام لا من فوقه ولا من تحته ولا من أي جهة لأنه مُغطَّى بطوله داخل هذا التُرس.
تُرس الإيمان هو أن تكون مُنتبِهًا جيدًا لكل الأفكار والمشاعر التي قد يُهاجِمك بها إبليس وكذلك لكل الأحداث المُحيطة بك وتقف وتستخدم السُلطان قائلاً: “لا، أنا أعرف وأقدر أن أُسيطِر على مشاعري وأفكاري وعلى كل الظروف والأحداث الخاصة بي وكل الأعراض التي يهاجمني بها العدو”. وأن تضع حدودًا لكل تلك الهجمات الشريرة عليك إلى أن تستطيع أن تطرده فستجده قد فَرَّ هارِبًا مُرتعِدًا ومَذعورًا من أمامك.
__________
من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الاقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.
Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations are forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.
Download