س: كيف يكون الاضطهاد في ظل الحماية الإلهية؟! ذَكَرَ يسوع في (متي ١٠) صعوبات كانت ستواجه التلاميذ، ونحن أيضًا في الزمن الحاضر نُواجَه بأنواع مِن الاضطهاد النفسي الذي يتمثل في السمعة السيئة والتعامل الخَشن، والاضطهاد الجسدي الذي يتمثل في العذابات بأشكالها الوحشية.
ج: صحيح إنه يستكمل الحديث بشكلٍ تشجيعيٍ يوضح ثمنهم الغالي وكونهم في ظل معونته لكن هذا لا يلغي قسوة ما ذكره مِن اضطهادات فكيف في ظل كل هذا نملك مزاميرًا مثل (١٨ ,٢٣, ٣٧ ,٥٦ ,٦١, ٩١ ,١٢١) وغيرهم مِن آياتٍ كثيرة في العهد القديم والجديد.
كيف يُقال إلينا لا يقرب وتقرب إلينا أدوات تعذيب؟ وكيف يقال لا يدنو إلينا ضرر؟
أعلم جيدًا أنّ إبليس لا يملك شيئًا آخر ليفعله في الحياة غير أنْ يحصد نفوسًا تائهة بقدر المستطاع ويضع معوقات بكل الأشكال أمام مَن يسعون لانتزاع النفوس مِن مخالبه.
مِن المفترض أنّ لنا سلطانًا على تلك المواقف ونعم نخرج أعظم مِن منتصرين بالذي أحبنا كقول بولس؛ نخرج منتصرين روحيًا لكن نفسيًا وجسديًا قد تستمر الأضرار الملحقة بنا، فإن كان لنا السلطان لمحوها لماذا لا نملك السلطان في تفاديها؟ وهل يصقل الاضطهاد الإيمان كما يقال؟ ولماذا تتناقض فكرة الحماية أحيانًا مع الاضطهاد الحتمي الذي يقاسيه كل مؤمن؟
هناك بعض المبادئ الهامة الذي مِن الضروري فهمها؛ مهم أنْ نفرق بين ألم الاضطهاد لأجل اسم يسوع وأي ألمٍ آخر، فليس كل ألمٍ يمر به المؤمنون هو ألمٌ لأجل يسوع. ليست كل الأحداث التي تحدث مِن أعمال عنف أو قتل أو سرقة…إلخ، هي اضطهادات لأجل اسم يسوع. كثيرون لا يتحركون تحت المسحة وقيادة الروح القدس لذا فَهُمْ عرضة أنْ يُصابوا مع الناس أو يتألموا بلا داعٍ.
“فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِل، أَوْ سَارِق، أَوْ فَاعِلِ شَرّ، أَوْ مُتَدَاخِل فِي أُمُورِ غَيْرِهِ.” (١بطرس١٥:٤).
“وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ.” (أعمال٤١:٥).
هذا الاضطهاد لمستوى معينٍ، وليس الجميع مؤهلين له. يفكرالناضجون ويرون الألم بهذه النظرة؛ الألم لأجل يسوع هو هبة لنا؛ “لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ.” (فيلبي٢٩:١)، وهذا ما جعل بولس لا يحسب حتى نفسه ثمينة أمام محبة يسوع “وَلكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ، وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَالْخِدْمَةَ الَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ اللهِ.” (أعمال٢٤:٢٠).
“لأَنِّي مُسْتَعِدٌّ لَيْسَ أَنْ أُرْبَطَ فَقَطْ، بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ لأَجْلِ اسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ” (أعمال١٣:٢١)، وكان يعتبرها أمورًا خفيفة “خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا.” (٢كورنثوس١٧:٤).
كلما أدرك الشخص محبة الله، اعتبر الألم لأجله شرفًا واستحقاقًا كريمًا وليس أمرًا شاقًا يهرب منه. نعم، حماية الله تعمل حتى في الاضطهاد ولذلك طلب بولس “أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا، لِكَيْ تَجْرِيَ كَلِمَةُ الرَّبِّ وَتَتَمَجَّدَ، كَمَا عِنْدَكُمْ أَيْضًا، وَلِكَيْ نُنْقَذَ مِنَ النَّاسِ الأَرْدِيَاءِ الأَشْرَارِ.” (٢تيموثاوس٣: ١-٢).
إذًا فالصلاة وخاصة بالألسنة لها دورها في انتشار الإنجيل وحِفْظ الخدام مِن الأشرار، وهذا ليس عملاً فرديًا بل جماعيًا تفعله الكنيسة كجسدٍ واحدٍ، فليس كما يعتقد البعض أنّ كل الأمور تسير بأمر الله وبسماحه، طبعًا لا، وإلا لاعتبرنا القتل والزلازل والمجاعات والأوبئة هي مِنه (بسماحه)، لكن الكنيسة جسده هي يد الله النافذة والمُحرِكة للأوضاع عن طريق السلطان المُعطَى لها فنحن مَن نحجز الإثم الآن “ وَالآنَ تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى يُسْتَعْلَنَ فِي وَقْتِهِ. لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي يَحْجِزُ الآنَ.” (٢تسالونيكي٢: ٦-٧).
نرى في الضربات على أرض مصر أنّ أول ثلاث ضربات كانت على كلِ أرض مصر، ثم مِن الضربة الرابعة بدأ الرب يميز أرض جاسان حيث يسكن شعبه، “وَلكِنْ أُمَيِّزُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَرْضَ جَاسَانَ حَيْثُ شَعْبِي مُقِيمٌ حَتَّى لاَ يَكُونُ هُنَاكَ ذُبَّانٌ. لِكَيْ تَعْلَمَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ فِي الأَرْضِ.” (خروج٢٢:٨).
عبر شعب الله خلال الثلاث ضربات الأولى، ولكنهم حُفِظُوا فيها دون معاناةٍ كباقي شعب مصر، ثم مِن الضربة الرابعة لم يعبروا بها مِن الأساس، وهكذا يعني إنه مِن الممكن أنْ يجتاز الشخص الاضطهاد دون أذى، ويرجع هذا لنضوج الشخص، نرى هذا واضحًا في يسوع؛ فكثيرًا ما حاول اليهود إلقاؤه مِن على الجبل؛ “فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلٍ. أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى.” (لوقا٤: ٢٩-٣٠)، ولم يستطع أحد أنْ يقترب منه؛ “فَطَلَبُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ، وَلَمْ يُلْقِ أَحَدٌ يَدًا عَلَيْهِ، لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ.” (يوحنا٣٠:٧).
كان يسوع هو المُتحكِم في تلك الساعة، فلم تكن في يد الناس، إنها ساعته (وقته هو)، وحين جاء وقته وقف يسوع بجرأة وقال لهم “إِذْ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ لَمْ تَمُدُّوا عَلَيَّ الأَيَادِيَ. وَلكِنَّ هذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ.” (لو٥٣:٢٢) أي طوال وقت خدمته لم يستطع أحد أنْ يمسه، ولكنه سمح بكلماته أنْ تأتي ساعة الظلمة ويُقبَض عليه ويُسلم كي يجتاز معركة الجلجثة والموت لأجلنا.
مِن جهة التعيير والألم النفسي، كان يسوع ناضجًا بكفاية ليتعامل بحنكة مع هذا الاضطهاد، فهو لم يستمد قيمته وتقديره مِن آراء الناس عنه بل مِن الآب، هذا بسبب سكنى الكلمة فيه، فكانت الشريعة في وسط أحشاؤه، “أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ، وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي.” (مزمور٨:٤٠)، فعندما أعدّوا خطة ليهلكوه (ليست مرحلة تعييرات وكلمات ضده فقط بل تدبير لقتلٍ) كان يسوع يسمع بداخله رأي الآب فيه؛ “تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ… هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ.” (متى١٢: ١٨،١٤)، فحتى عندما وصلت كراهية الناس له للقتل، كان يسمع صوت الروح وهو يقول له: “أنت فتاي، أنت حبيبي، كم أنا مسرور بك”
تذكر أيضًا كمّ الاضطهادات التي قاساها بولس، دعني أذكر لك القليل منها “فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ، فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ، فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ، فِي الْمِيتَاتِ مِرَارًا كَثِيرَةً. مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ، مَرَّةً رُجِمْتُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ بِيَ السَّفِينَةُ، لَيْلاً وَنَهَارًا قَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ. بِأَسْفَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، بِأَخْطَارِ سُيُول، بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ، بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ، فِي أَسْهَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ، فِي أَصْوَامٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ.” (٢كورنثوس١١: ٢٣-٢٧)
كيف يمكن لشخص أنْ ينجو مِن كل هذا، وأي جسدٍ بشريٍ قادرٍ على تحمل هذا، ولك أنْ تتخيل هذا “رَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، لكِنْ إِذْ أَحَاطَ بِهِ التَّلاَمِيذُ، قَامَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَفِي الْغَدِ خَرَجَ مَعَ بَرْنَابَا إِلَى دَرْبَةَ.” (أعمال١٤: ١٩-٢٠) كيف يكون هذا؟! أي كائن بشري هذا؟!
أتتخيل هذا؟ رُجِمَ بحجارة، وهذا يعني نزيفًا حادًا مِن كل منطقة، وإصابات بالرأس تصل لدرجة الارتجاج ومِن الممكن أنْ يكون قد حدث نزيفٌ بالمخ intra-cranial haemorrhage والكثير والكثير، ثم في اليوم التالي يقوم ويدخل المدينة وكأن شيئًا لم يكن… ما هذا؟!
أدرك الرسول بولس حياة الله التي فيه والقادرة على الشفاء بل وخلق أعضاءً جديدة “لأَنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ نُسَلَّمُ دَائِمًا لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ، لِكَيْ تَظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا الْمَائِتِ.” (٢كورنثوس١١:٤). سار بولس بهذا اليقين أنه سيخرج مِن كل موقف حتى لو كان الموت “الَّذِي نَجَّانَا مِنْ مَوْتٍ مِثْلِ هذَا، وَهُوَ يُنَجِّي. الَّذِي لَنَا رَجَاءٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنَجِّي أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ.” (٢كورنثوس١٠:١).
“وَاضْطِهَادَاتِي، وَآلاَمِي، مِثْلَ مَا أَصَابَنِي فِي أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَّةَ وَلِسْتِرَةَ. أَيَّةَ اضْطِهَادَاتٍ احْتَمَلْتُ! وَمِنَ الْجَمِيعِ أَنْقَذَنِي الرَّبُّ.” (٢تيموثاوس١١:٣). ويحكي التاريخ أيضًا عن يوحنا تلميذ يسوع أنه وُضِعَ في الزيت المغلي، ولم يتأثر به، ولما فشلوا في تعذيبه إذ لم يتأثر قاموا بنفيه لجزيرة بطمس، واو هللويا، حياة الله وقوته عاملة فينا بقوة.
__________
من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الاقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.
Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations are forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.