القائمة إغلاق

غني لله – الجزء 7 Rich Toward God – Part

 

لمشاهدة العظة علي الفيس بوك أضغط هنا 

لمشاهدة العظة علي اليوتيوب

video
play-sharp-fill

video
play-sharp-fill

غني للهالجزء 7

▪︎ كلامك سيُظهِر مكنونات قلبك.

▪︎ هل يوصينا الكتاب ألّا نُعلِّم؟

▪︎ ما تملأ به عينك وذهنك لابد أن يَخرُج.

▪︎ حكاية الفالِق!

▪︎ مراحل الانحدار.

▪︎ آفة أهل سدوم سبقهم فيها إسماعيل!

▪︎ حكاية الواعظة إيزابيل.

▪︎ خطورة المرونة مع الخطية.

▪︎ تمرينات هامة لجميعنا.

▪︎ هل كل الشفاءات تتمّ بطريقة واحدة؟

▪︎ اَلأَوَّلُ فِي دَعْوَاهُ مُحِقٌّ.

▪︎ كلامك سيُظهِر مكنونات قلبك:

“٣٣ اِجْعَلُوا الشَّجَرَةَ جَيِّدَةً وَثَمَرَهَا جَيِّدًا، أَوِ اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ رَدِيَّةً وَثَمَرَهَا رَدِيًّا، لأَنْ مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ. ٣٤ يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا بِالصَّالِحَاتِ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ؟ فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ. ٣٥ اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ. ٣٦ وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ. ٣٧ لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ».” (متى ١٢: ٣٣-٣٧).

 عدد ٣٣ في ترجمة أخرى يقول: “إما أن تحكموا على الشجرة أنها جيدة، أو أن تحكموا عليها أنها ردية” والحُكم على الشجرة يكون بناء على ثمرها لأنه من الثمار تُعرَف الأشجار. ثم بعد ذلك قال يسوع جملة اعتراضية إذ قال لهم: كيف يستطيع البعض أن يتظاهروا بعكس حقيقتهم، لأنه من فضلة القلب يتكلّم الفمّ.

 إن استطاعوا لفترة ما أن يتظاهروا بالفضيلة، سيأتي وقت لن يستطيعوا إخفاء حقيقتهم لأنه من الفضلة القلب سيتكلَّم اللسان، إن كلمة “فَضْلَةِ الْقَلْب” تعني ما يمتلئ به القلب ويترسّب فيه سيُخرِجه اللسان، فكلمات اللسان هنا هي الثمر.

 إن كنت غنيًّا بشيء، لن تستطيع إلّا أن تُخرِج هذا الشيء، إن كنت غنيًّا بمبادئ هذا الإله فستُخرِج بكلماتك من مبادئ هذا الإله وستُخرِج مبادئه من خلال تعاملاتك اليومية. الإنسان الصالح سيُخرِج من كنزه حسب ما هو مُعبَّأ فيه. هل أنت مُمتلِئٌ بأفكار الله أم العالم؟ أما الشخص الشرير فيُخرِج من مخزنه ما قد كنزه لنفسه من أمور شريرة.

 “كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ”؛ كلمة “بَطَّالَةٍ” هنا تُعني: غير فعّالة، غير عامِلة، وعدم الفاعلية هذه تحتمل معنيان؛ الأول إنها غير عامِلة بداخلك، والثاني إنها غير عامِلة خارج الإنسان. والإنسان سوف يُحاسَب عليها لأنه لم يجعلها تعمل في داخله، وهذا هو السبب في أنها حين خرجت من الفمّ لم تعمل بصورة جيدة في السامِعين. لهذا السبب أُكرِّر كثيرًا أنه توجد جرائم لم تُجرِّمها المنابر لكن الكتاب المقدس قد جرَّمها، حين تتكلَّم كلمات أنت نفسك غير مُمتلِئ بها ستُحاسَب عليها.

▪︎ هل يوصينا الكتاب ألّا نُعلِّم؟

“لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!” (يعقوب ٣: ١).

 يُفكِّر كثيرون بناءً على هذه الآية قائلين: سنبتعد عن تعليم ومشاركة الآخرين بالأخبار السارة (الإنجيل) لأننا لا نريد أن نأخذ دينونة أعظم. لكن لفظة “مُعَلِّمِينَ” في هذه الآية تختلف عن اللفظة التي تعني (شخصًا يشارك بفكرة كتابية) لكنها تعني (كبير المُعلِّمين) أو (مُعلِّم المُعلِّمين). الذي يكون مُدقِّقًا في التعليم ويُعطي الناس ويُخرِج تعليمًا كتابيًا مُتكامِلاً.

 هذه الكلمة لا تُعني مجرد شخص ناقل لتعليم قد سمعه أو تَعلَّمه، قيلت تلك الكلمة (التي تُعني مُعلِّم المُعلِّمين) عن يسوع. ولدينا في لغتنا العربية الدارِجة تلك النكهة التي تصف الشخص المُحترِف الماهِر الحاذِق في مهنته بأنه (المُعلِّم فلان).

 يَصحّ أيضًا قول هذه الكلمة عن المُدرِّس الذي وظيفته ومهنته تعليم الطُلاب مواد علمية مُتخصِّصة. لكن الكلمة هنا لا تعني (المُدرِّس)، لذلك إن كان هنا شخص ما يحاول أن يُنقِل تعليمًا أو فكرةً تعليمية لا يزال مُبتدِئًا في أن يختبرها ويعيشها فهذا شيءٌ جيدٌ لكن من المهم أن تكون على الأقل قد لمستْ قلبه وتخمَّرتْ ولو لوهلة في قلبه، ولكن إن كان الشخص مُعلِّمًا ذا مرجعية (أي يتمّ الرجوع إليه) سيُحاسَب أكثر.

ثم يكمل النص قائلاً:

“٢ لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا. إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْثُرُ فِي الْكَلاَمِ فَذَاكَ رَجُلٌ كَامِلٌ، قَادِرٌ أَنْ يُلْجِمَ كُلَّ الْجَسَدِ أَيْضًا. ٣ هُوَذَا الْخَيْلُ، نَضَعُ اللُّجُمَ فِي أَفْوَاهِهَا لِكَيْ تُطَاوِعَنَا، فَنُدِيرَ جِسْمَهَا كُلَّهُ. ٤ هُوَذَا السُّفُنُ أَيْضًا، وَهِيَ عَظِيمَةٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، وَتَسُوقُهَا رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ، تُدِيرُهَا دَفَّةٌ صَغِيرَةٌ جِدًّا إِلَى حَيْثُمَا شَاءَ قَصْدُ الْمُدِيرِ. ٥ هكَذَا اللِّسَانُ أَيْضًا، هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّمًا. هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟ ٦ فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ. هكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ. ٧ لأَنَّ كُلَّ طَبْعٍ لِلْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ وَالزَّحَّافَاتِ وَالْبَحْرِيَّاتِ يُذَلَّلُ، وَقَدْ تَذَلَّلَ لِلطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ. ٨ وَأَمَّا اللِّسَانُ، فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَهُ. هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمًّا مُمِيتًا. ٩ بِهِ نُبَارِكُ اللهَ الآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللهِ. ١٠ مِنَ الْفَمِ الْوَاحِدِ تَخْرُجُ بَرَكَةٌ وَلَعْنَةٌ! لاَ يَصْلُحُ يَا إِخْوَتِي أَنْ تَكُونَ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا! ١١ أَلَعَلَّ يَنْبُوعًا يُنْبِعُ مِنْ نَفْسِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ الْعَذْبَ وَالْمُرَّ؟ ١٢ هَلْ تَقْدِرُ يَا إِخْوَتِي تِينَةٌ أَنْ تَصْنَعَ زَيْتُونًا، أَوْ كَرْمَةٌ تِينًا؟ وَلاَ كَذلِكَ يَنْبُوعٌ يَصْنَعُ مَاءً مَالِحًا وَعَذْبًا! ١٣ مَنْ هُوَ حَكِيمٌ وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ، فَلْيُرِ أَعْمَالَهُ بِالتَّصَرُّفِ الْحَسَنِ فِي وَدَاعَةِ الْحِكْمَةِ. ١٤ وَلكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَزُّبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ. ١٥ لَيْسَتْ هذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ. ١٦ لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَزُّبُ، هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ. ١٧ وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ. ١٨ وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ السَّلاَمَ.” (يعقوب ٣: ٢-١٨).

 في العدد الثاني يقول: “٢ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْثُرُ فِي الْكَلاَمِ فَذَاكَ رَجُلٌ كَامِلٌ (ناضجٌ)، قَادِرٌ أَنْ يُلْجِمَ كُلَّ الْجَسَدِ أَيْضًا”، لذلك حين نرجع مرة أخرى ل (متى ١٢) حين قال: “مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ” سنجد أن من يتحكَّم في لسانه سيتحكَّم في كل جسمه، لذلك يُمكننا إضافة كلمات يعقوب تلك إلى كلمات الرب في (متى ١٢).

 ثم نجده في عددي ٥، ٦ يتحدّث عن اللسان إنه “يَفْتَخِرُ مُتَعَظِّمًا” أي يصنع أمورًا ضخمة (مُضاعَفة) كالنار القليلة حين تنتشر وتتضاعف وتتزايد حتى تحرق مساحات شاسِعة، سِرّ النص هنا أن الإنسان الناضج يعرف كيف يُلجِّم جسده وكيف يستخدم لسانه بصورة صحيحة، فالحكمة التي يتحدّث عنها العدد الثالث عشر هي السِرّ والمفتاح لهذا النص.

▪︎ ما تملأ به عينك وذهنك لابد أن يَخرُج:

 كلما تمتلئ بأمر ما يحدُث فيضان لهذا الأمر ويخرج منك بصورة تلقائية، كما أنه يحدث بصورة مُتدرِّجة، فَكُلما تعاملت مع المبادئ الإلهية على أنها خطوط حمراء أصبحت تصنع لنفسك حماية لكي تمتلئ بشكل صحيح.

 دعونا نرى كيف كان لوط يُعذِّب نفسه، بالتدقيق في الكلمات الأصلية سنجد أن لوط قد تورَّط في تلك الخطايا وسُحِبَ فيها، لكن كيف بدأ الأمر معه؟ خرج لوط مع إبراهيم وكان قلبه مُمتلِئًا بمحبة الرب الناتجة عن التصاقه بإبراهيم وسماعه لكلام إبراهيم ومحبة إبراهيم للرب، ثم بعد ذلك دخل على خط آخر بعد تَرْكه لإبراهيم ليدع قلبه يمتلئ به وهو سدوم وعمورة.

 لم يحدُث الأمر بين ليلة وضُحاها، لقد كانت سدوم رائعة وفخمة جدًا ويُضرَب بها المَثل في الجمال والغِنَى فهي كَمِصر في جمالها وخيراتها، لكن انخراطه فيها وتورُّطه معها لم يكن خُطوة اتّخذها بمجرد أن ترك إبراهيم.

“٨ فَقَالَ أَبْرَامُ لِلُوطٍ: «لاَ تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ رُعَاتِي وَرُعَاتِكَ، لأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ. ٩ أَلَيْسَتْ كُلُّ الأَرْضِ أَمَامَكَ؟ اعْتَزِلْ عَنِّي. إِنْ ذَهَبْتَ شِمَالاً فَأَنَا يَمِينًا، وَإِنْ يَمِينًا فَأَنَا شِمَالاً». ١٠ فَرَفَعَ لُوطٌ عَيْنَيْهِ وَرَأَى كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ أَنَّ جَمِيعَهَا سَقْيٌ، قَبْلَمَا أَخْرَبَ الرَّبُّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، كَجَنَّةِ الرَّبِّ، كَأَرْضِ مِصْرَ. حِينَمَا تَجِيءُ إِلَى صُوغَرَ. ١١ فَاخْتَارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ، وَارْتَحَلَ لُوطٌ شَرْقًا. فَاعْتَزَلَ الْوَاحِدُ عَنِ الآخَرِ. ١٢ أَبْرَامُ سَكَنَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَلُوطٌ سَكَنَ فِي مُدُنِ الدَّائِرَةِ، وَنَقَلَ خِيَامَهُ إِلَى سَدُومَ. ١٣ وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ أَشْرَارًا وَخُطَاةً لَدَى الرَّبِّ جِدًّا.” (التكوين ١٣: ٨-١٣).

“فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ”، ماذا تُعني؟

 في عدد ١٠ نرى أن لوطًا رفع عينيه إلى أرض سدوم، وكلمة “رَفَعَ” في العبرية قد تُعني شخصًا كان مُنكَّسًا الرأس ثم رفعها، لكنها تُعني أيضًا شخصًا رأى نفسه أقل من الشيء الذي ينظر إليه، فسدوم حسب المراجع العبرانية بل والوحي المُقدَّس نفسه كانت كجنة الله كأرض مصر.

 إن كلمة “نَقَلَ خِيَامَهُ إِلَى سَدُومَ” في الأصل لا تعني أنه انتقل ودخل إلى المدينة مباشرةً ولكنه نقل خيامه قبالة أو تجاه أو بقرب سدوم، فقد كان يخرج من الخيمة كل يوم فيبصر سدوم بأضوائها وبريقها. إذًا أول خطوة في مأساة لوط كانت اعتزاله عن إبراهيم.

 حدثت لديه عمليّة فكريّة وهي أن سدوم كانت مُبهِرة كأكبر وأعظم دولة في العالم حينئذ، لكنه كان لم يزل مُتأثِرًا بعلاقته بإبراهيم لذلك فَكَّرَ في نفسه إنه ليس جيدًا له ولأسرته أن يذهب مباشرةً ليسكن في سدوم فهي مليئة بالخطية والفجور فقال في نفسه: فقط سأقترب منها من بعيد، فأمسك العصا من المُنتصَف ووجد لنفسه حلاً وسط، لكنها صارت أمام عينيه نهارًا وليلاً بجمالها الباهر وأضوائها الساحرة.

▪︎ حكاية الفالِق!

 قبل هذا بزمان طويل حدث أن الأرض انقسمت وانفلقت إلى قارات نتيجة زلزال عظيم (فالق) فلق الأرض وقَسَّمها حيث إنها لم تكن قد انقسّمت إلى قارات بعد، وكان من نتيجة هذا الزلزال العظيم اندثار مدن بأكملها وظهرت بحار وأنهار لم تكن موجودة، خرّبت مدن وعمَّرت أخرى.

 في غضون مئة سنة لهذا الزلزال ازدهرت جدًا سدوم وعمورة في طفرة كبيرة لهذه المدينة فصارت مدينة عظيمة خلال وقت قصير بالنسبة لأزمنة الأمم والشعوب، لقد اختلفت الخريطة العالمية تمامًا نتيجة لذلك الزلزال الذي أُصِيبت به بلادٌ كثيرة ودول كثيرة كانت قطعة واحدة انقسمت إلى عدة بلاد فانعزلت بلاد وازدهرت بلاد.

 أيضًا بعض البلاد لم تتأثر كثيرًا به مثل مصر لكن الزلزال طال أماكن قريبة منها كمنطقتي البحر الأحمر والبحر المتوسط، كانت هناك بحار مرسومة بشكل دقيق في الخرائط القديمة قبل الفالق الكبير لكنها تأثّرت بالفالق، ووُجِدَت أنهارٌ لم تكن موجودة من قبل.

 حتى وجود البحر الميت بهذه الصورة التي هو عليها لم يكن صدفةً، كل هذا كان مُرتبِطًا بأبعاد نبويّة، في الفِكْر اليهودي يُعتبَر هذا البحر ميتًا لأنه يأخذ ولا يعطي، لهذا فالعطاء مُهمٌ جدًا فلا موت لِمَن يعطي من وقته وفكره وماله للرب، الموت لِمَن يأخذ فقط ولا يعطي. هذا بالنسبة للزلزال الفالق، دعونا نرجع إلى لوط وما حدث له.

▪︎ مراحل الانحدار:

 ما حدث هو أنه بدأ يضع خيامه تجاه سدوم ثم تدريجيًا بدأ يدخل إلى هناك، نكتشف هذا من (تكوين ١٤ :١٢) حيث يقول الكتاب: “وَأَخَذُوا لُوطاً ابْنَ أَخِي أَبْرَامَ وَأَمْلاَكَهُ وَمَضَوْا، إِذْ كَانَ سَاكِنًا فِي سَدُومَ.” (التكوين ١٤: ١٢).

 سكن لوط أولاً قبالة سدوم لكنه تدريجيًا بدأ ينزل من عوارض أسوار حمايته وحماية بيته إلى أن انجرف تمامًا في التيار وسكن في وسط سدوم، قصة انحداره تبدأ بانعزاله عن مصدر كلمة الرب في حياته وهو إبراهيم، لذلك ذاق ما ذاقه أهل سدوم من هزيمة وأَسْر.

“١ فَجَاءَ الْمَلاَكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً، وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. ٢ وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا». فَقَالاَ: «لاَ، بَلْ فِي السَّاحَةِ نَبِيتُ». ٣ فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا جِدًّا، فَمَالاَ إِلَيْهِ وَدَخَلاَ بَيْتَهُ، فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً وَخَبَزَ فَطِيرًا فَأَكَلاَ. ٤ وَقَبْلَمَا اضْطَجَعَا أَحَاطَ بِالْبَيْتِ رِجَالُ الْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ الْحَدَثِ إِلَى الشَّيْخِ، كُلُّ الشَّعْبِ مِنْ أَقْصَاهَا. ٥ فَنَادَوْا لُوطًا وَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ الرَّجُلاَنِ اللَّذَانِ دَخَلاَ إِلَيْكَ اللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا». ٦ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ إِلَى الْبَابِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَرَاءَهُ ٧ وَقَالَ: «لاَ تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. ٨ هُوَذَا لِي ابْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلاً. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَافْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هذَانِ الرَّجُلاَنِ فَلاَ تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا، لأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلاَ تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي». ٩ فَقَالُوا: «ابْعُدْ إِلَى هُنَاكَ». ثُمَّ قَالُوا: «جَاءَ هذَا الإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ، وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْمًا. الآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا». فَأَلَحُّوا عَلَى الْرَّجُلِ لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا الْبَابَ، ١٠ فَمَدَّ الرَّجُلاَنِ أَيْدِيَهُمَا وَأَدْخَلاَ لُوطًا إِلَيْهِمَا إِلَى الْبَيْتِ وَأَغْلَقَا الْبَابَ. ١١ وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ فَضَرَبَاهُمْ بِالْعَمَى، مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، فَعَجِزُوا عَنْ أَنْ يَجِدُوا الْبَابَ. ١٢ وَقَالَ الرَّجُلاَنِ لِلُوطٍ: «مَنْ لَكَ أَيْضًا ههُنَا؟ أَصْهَارَكَ وَبَنِيكَ وَبَنَاتِكَ وَكُلَّ مَنْ لَكَ فِي الْمَدِينَةِ، أَخْرِجْ مِنَ الْمَكَانِ، ١٣ لأَنَّنَا مُهْلِكَانِ هذَا الْمَكَانَ، إِذْ قَدْ عَظُمَ صُرَاخُهُمْ أَمَامَ الرَّبِّ، فَأَرْسَلَنَا الرَّبُّ لِنُهْلِكَهُ». ١٤ فَخَرَجَ لُوطٌ وَكَلَّمَ أَصْهَارَهُ الآخِذِينَ بَنَاتِهِ وَقَالَ: «قُومُوا اخْرُجُوا مِنْ هذَا الْمَكَانِ، لأَنَّ الرَّبَّ مُهْلِكٌ الْمَدِينَةَ». فَكَانَ كَمَازِحٍ فِي أَعْيُنِ أَصْهَارِهِ. ١٥ وَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ كَانَ الْمَلاَكَانِ يُعَجِّلاَنِ لُوطًا قَائِلَيْنِ: «قُمْ خُذِ امْرَأَتَكَ وَابْنَتَيْكَ الْمَوْجُودَتَيْنِ لِئَلاَّ تَهْلَكَ بِإِثْمِ الْمَدِينَةِ». ١٦ وَلَمَّا تَوَانَى، أَمْسَكَ الرَّجُلاَنِ بِيَدِهِ وَبِيَدِ امْرَأَتِهِ وَبِيَدِ ابْنَتَيْهِ، لِشَفَقَةِ الرَّبِّ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَاهُ وَوَضَعَاهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ. ١٧ وَكَانَ لَمَّا أَخْرَجَاهُمْ إِلَى خَارِجٍ أَنَّهُ قَالَ: «اهْرُبْ لِحَيَاتِكَ. لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ، وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ الدَّائِرَةِ. اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلاَّ تَهْلَكَ». ١٨ فَقَالَ لَهُمَا لُوطٌ: «لاَ يَا سَيِّدُ. ١٩ هُوَذَا عَبْدُكَ قَدْ وَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ، وَعَظَّمْتَ لُطْفَكَ الَّذِي صَنَعْتَ إِلَيَّ بِاسْتِبْقَاءِ نَفْسِي، وَأَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَهْرُبَ إِلَى الْجَبَلِ لَعَلَّ الشَّرَّ يُدْرِكُنِي فَأَمُوتَ. ٢٠ هُوَذَا الْمَدِينَةُ هذِهِ قَرِيبَةٌ لِلْهَرَبِ إِلَيْهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ. أَهْرُبُ إِلَى هُنَاكَ. أَلَيْسَتْ هِيَ صَغِيرَةً؟ فَتَحْيَا نَفْسِي». ٢١ فَقَالَ لَهُ: «إِنِّي قَدْ رَفَعْتُ وَجْهَكَ فِي هذَا الأَمْرِ أَيْضًا، أَنْ لاَ أَقْلِبَ الْمَدِينَةَ الَّتِي تَكَلَّمْتَ عَنْهَا. ٢٢ أَسْرِعِ اهْرُبْ إِلَى هُنَاكَ لأَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا حَتَّى تَجِيءَ إِلَى هُنَاكَ». لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُ الْمَدِينَةِ «صُوغَرَ». ٢٣ وَإِذْ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَى الأَرْضِ دَخَلَ لُوطٌ إِلَى صُوغَرَ، ٢٤ فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ. ٢٥ وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ، وَكُلَّ الدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ، وَنَبَاتَ الأَرْضِ. ٢٦ وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ. ٢٧ وَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ فِي الْغَدِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ أَمَامَ الرَّبِّ، ٢٨ وَتَطَلَّعَ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، وَنَحْوَ كُلِّ أَرْضِ الدَّائِرَةِ، وَنَظَرَ وَإِذَا دُخَانُ الأَرْضِ يَصْعَدُ كَدُخَانِ الأَتُونِ. ٢٩ وَحَدَثَ لَمَّا أَخْرَبَ اللهُ مُدُنَ الدَّائِرَةِ أَنَّ اللهَ ذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَرْسَلَ لُوطًا مِنْ وَسَطِ الانْقِلاَبِ. حِينَ قَلَبَ الْمُدُنَ الَّتِي سَكَنَ فِيهَا لُوطٌ. ٣٠ وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ، وَابْنَتَاهُ مَعَهُ، لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ.” (التكوين ١٩: ١-٣٠).

 

▪︎ آفة أهل سدوم سبقهم فيها إسماعيل!

 كان لوط جالسًا في باب سدوم، وأصبح أحد قادة المدينة، كيف صار لوط في وقت قليل قائدًا في سدوم؟! يرى كثير من المُفسِّرين أنه صار كذلك بسبب أملاكه الكثيرة التي جاء بها بعد انفصاله عن إبراهيم، حيث كان ارتباطه بإبراهيم سبب ازدهار كبير له، لهذا السبب صار كبيرًا وقائدًا في سدوم.

 إن آفة الشذوذ الجنسي كانت مُنتشِرة جدًا في كثير من البلدان وقتئذ (ولا زالت) حتى إن السبب الحقيقي الذي جعل سارة تطلب من إبراهيم طرْد هاجر وابنها هو أن إسماعيل كان يحاول التحرُّش الجنسي بإسحق؛ وَرَأَتْ سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ” (التكوين ٢١: ٩) أي يتحرّش به جنسيًا، كان كثيرون مُستهدَفين بالتحرُّش الجنسي في الكتاب.

 كان الناس في سدوم في حالة شَره بل سُعار جنسي، وانقضاضهم على بيت لوط ليُضاجِعا الملاكين هو ما يؤكد ذلك ويُثبِته. لكن لوط حاول إنقاذهما منهم إذ دخلا تحت سقف بيته فعرض على المُهاجِمين ابنتيه اللتين لم تعرفا رجلاً رغم أنهما مُتزوِجتان!!

 أيضًا حاول أن يُنقذ أصهاره فلم يفلح وهذا يثبت أن ابنتيه كانتا مُتزوِجتين اسمًا فقط ولم يكونا في علاقة زوجية حقيقية لذلك كانتا تعيشان في بيت أبيهما، هذا شرٌّ. ولَمّا حاول أثناء المُتجمهِرين حول البيت عن فِعْل الشر قالوا له أنت مُتغرِبٌ عندنا، هل ستُملي علينا قوانينك؟! سنفعل معك كما نريد أن نفعل معهم.

 ثم انهالوا عليه بالتحرُّش، فأنقذه الملاكان وضربا جمهور المُتحرِّشين بالعمى لكيلا يصلوا للبيت ولكيلا يهربوا من المدينة فَيُبادوا معها لأن الرب حَكَمَ عليهم بالهلاك، ولما حاول إنقاذ أصهاره فشل إذ كان كمازح في أعينهما، يا له من استهتار!

 في تلك اللحظة كان يمكن للوط أن يهرب إلى رجل الله إبراهيم لكنه لم يفعل بل هرب إلى صوغر التي كانت مدينة حديثة وصغيرة عمرها خمسون سنة حسب المراجع العبرانية، وهناك في الجبل نعرف ما فعلته معه ابنتاه. كانت حالة لوط مؤسفة! لم يكن غنيًّا بهذا الإله أما إبراهيم فكان غنيًّا للرب ومُرتبِطًا به.

 حَدَثَ لدى لوط تنزيل تدريجي للمبادئ، ففقد زوجته وكان سببًا في تعاسة بناته، وخسر كل ما كان له، نعم تمّ إنقاذه لكن خسائره كانت فادِحة لأنه لم يكن غنيًّا لله أما إبراهيم فامتلك الأرض كلها ويا له من فارق شاسع! دعونا نرجع لما كتبه الرب للكنائس من رسائل قوية.

▪︎ حكاية الواعظة إيزابل:

“١٨ وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي ثِيَاتِيرَا: «هذَا يَقُولُهُ ابْنُ اللهِ، الَّذِي لَهُ عَيْنَانِ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَرِجْلاَهُ مِثْلُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ: ١٩ أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَمَحَبَّتَكَ وَخِدْمَتَكَ وَإِيمَانَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّ أَعْمَالَكَ الأَخِيرَةَ أَكْثَرُ مِنَ الأُولَى. ٢٠ لكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ قَلِيلٌ: أَنَّكَ تُسَيِّبُ الْمَرْأَةَ إِيزَابَلَ الَّتِي تَقُولُ إِنَّهَا نَبِيَّةٌ، حَتَّى تُعَلِّمَ وَتُغْوِيَ عَبِيدِي أَنْ يَزْنُوا وَيَأْكُلُوا مَا ذُبحَ لِلأَوْثَانِ. ٢١ وَأَعْطَيْتُهَا زَمَانًا لِكَيْ تَتُوبَ عَنْ زِنَاهَا وَلَمْ تَتُبْ. ٢٢ هَا أَنَا أُلْقِيهَا فِي فِرَاشٍ، وَالَّذِينَ يَزْنُونَ مَعَهَا فِي ضِيقَةٍ عَظِيمَةٍ، إِنْ كَانُوا لاَ يَتُوبُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ. ٢٣ وَأَوْلاَدُهَا أَقْتُلُهُمْ بِالْمَوْتِ. فَسَتَعْرِفُ جَمِيعُ الْكَنَائِسِ أَنِّي أَنَا هُوَ الْفَاحِصُ الْكُلَى وَالْقُلُوبِ، وَسَأُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. ٢٤ وَلكِنَّنِي أَقُولُ لَكُمْ وَلِلْبَاقِينَ فِي ثَيَاتِيرَا، كُلِّ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ هذَا التَّعْلِيمُ، وَالَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا أَعْمَاقَ الشَّيْطَانِ، كَمَا يَقُولُونَ: إِنِّي لاَ أُلْقِي عَلَيْكُمْ ثِقْلاً آخَرَ، ٢٥ وَإِنَّمَا الَّذِي عِنْدَكُمْ تَمَسَّكُوا بِهِ إِلَى أَنْ أَجِيءَ. ٢٦ وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الأُمَمِ، ٢٧ فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ، كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ، كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضًا مِنْ عِنْدِ أَبِي، ٢٨ وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ الصُّبْحِ. ٢٩ مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ».” (رؤيا ٢: ١٨-٢٩).

 في عدد ٢٠ يقول الرب لملاك كنيسة ثياتيرا إنه عنده عليه أنه في حالة غريبة من المرونة والاحتمال لوجود امرأة تُدعَى أنها نبيّة وخادمة للرب، وتركها تعظ في كنيسته رغم أنها كانت تُعلِّم تعاليمًا فاسدة تقود الناس إلى الهلاك.

 من هذا النص يمكن لنا أن نصل إلى خلاصة جيدة بشأن إمكانية أن تعظ المرأة في الكنيسة، فلو كان الرب لا يريد للنساء أن تعظ أو تتنبأ في الكنيسة لَأَمَره بذلك بشكل صريح، لكن كان اعتراض الرب على تلك المرأة إيزابيل بالتحديد لأنها كانت تُغوي عبيد الرب بعيدًا عنه، فوراءها روحٌ غير صحيحة فلماذا تتركها تعظ إذًا؟

 مبدأ وعظ المرأة أمر كتابي أما إيزابيل بالتحديد فكانت تُغوي عبيد الرب بالزنا وبأكل ما ذُبِحَ للأوثان. إن كلمة الإغواء في اليونانية كلمة تنطق “”planaō وهذه الكلمة تُطلَق على مجموعة من الحيوانات في حظيرة ذات سور الذي غالبًا ما يكون مُكوَّنًا من عدة ألواح خشبيّة الموضوعة كعوارض ومُحمَّلة على قواعد من الخشب أيضًا، ولها باب وغالبًا ما يكون الحارس أو الراعي مُتواجِدًا عند الباب.

 حينما كان يريد لصٌّ أن يسرق تلك الماشية لن يأتي من ناحية الباب لِعلمه بوجود الحارس هناك لكنه كان يُزيل أحد هذه العوارض الخشبيّة فيصير السور مُنخفِضًا فيسهُل عليه أن يُخرِج الماشية عبْر تلك الفتحات دون الاحتياج للذهاب إلى باب الحظيرة الذي يقف عنده الحارس.

▪︎ خطورة المرونة مع الخطية:

 نفس هذا اللفظ (تُغوي) يعني أن يقوم شخصٌ ما (واعظٌ مثلاً) بإخفاض السور الذي كان عاليًا ويجعل المُستمِع يتهاون في حماية وحراسة نفسه، فيكون غنيًّا لشيء آخر غير الرب كما فعل لوط وتهاون في حماية أسواره. هذه الكلمة نفسها أيضًا تُقال عن الحيوانات التي تذهب ولا ترجع فَتُفقَد.

 لذلك يتمّ استخدامها للتعبير عن حالة (الخداع عن الحق، الابتعاد عن الهدف، الذهاب في طريق آخر خيالي أو ظاهري بعيدًا عن الطريق الأصلي) كما حدث للابن الضال، فهو كان لديه هدفٌ خياليٌّ لكنه اصطدم بالواقع، عاش سعيدًا لوهلة ثم فَقَدَ كل شيء. توجد المشكلة في السور أو الخط الأحمر الذي يرفضه الشخص أو يتخطَّاه، كأن يتهاون في مبادئ هامة ويقول عنها: “ما المشكلة إن تجاهلتها! ماذا سأخسر؟ لا شيء.”

 في زمن كتابة سِفْر الرؤيا كانت هناك مسارح كما كان هناك عدة أماكن تُقام فيها عروض السيرك، وكان الإنسان في السيرك يصنع أمورًا تُشبِه الحيوانات، لذلك حين رجع كثيرون إلى الرب رفضوا الذهاب إلى المسارح وإلى السيرك إذ رفضوا تشبيه الإنسان بالحيوان أيضًا كانوا يمارسون الجنس في المسارح في كثير من العروض.

 كذلك رفض المؤمنون الأوائل حلبات السباق لأن المُتسابِقون كانوا يركضون عراةً بدون أي ملابس! أيضًا في التجارة كانت النقابات التُجاريّة قوية وتُؤَمِّن للمُنضَمّين إليها فرصًا رائعةً للعمل والنجاح، لكنهم اعتادوا في اجتماعاتهم أن يفتتحوها بعبادة الأوثان والابتهالات إليها فامتنع التُجار المُؤمِنون من الذهاب لتلك الاجتماعات.

 لهذه الأسباب جميعها تدخَّلت إيزابيل بكل منطق وفِكْر النقولاويين وإن كان تحت مسمَى آخر قائلة: “لماذا أنتم مُنعزِلون عن العالَم، لن تستطيعوا أن تعيشوا وأن تُكمِّلوا هكذا، ستموتون جوعًا!” فبدأت تغويهم ليُنزِّلوا عتبات أسوارهم الروحية قائلة: “انظروا إلى العالَم، إنه ليس سيئًا كما تظنون، كُلوا ما ذُبِحَ للأوثان وإلا فستجوعون فكل الملاحم تذبح ماشيتها للأوثان، ما المشكلة؟”

 لقد كان ملاك هذه الكنيسة يُسيِّب ويحتمل تلك المرأة التي كانت تُغوي عبيد الرب أن يزنوا، والرب نفسه أعطاها زمانًا لتتوب ولم تتُب.

 في (رؤيا ١) استخدم الرب خليطًا غريبًا إلى حدٍّ كبيرٍ، لقد كان هناك بخورٌ (الرحمة والشفاعة) في الوقت نفسه الذي فيه نحاس (القضاء والأحكام)، لقد كانت قدمي الرب تسيران ببطء رغم أنها كانت تسيرا للقضاء، فالرب مُتباطِئٌ في الحُكْم على البشر، فأعطاها زمانًا لتتوب ولم تتُب لذلك أصدر الرب أحكامًا عليها وعلى أولادها والذين يزنون معها لكي تعرف جميع الكنائس أن الرب يفحص القلوب والكلى ويعطي كل واحد حسب أعماله.

 ثم يكمل قائلاً: “ولكني أقول لكم وللباقين… الذين لم يعرفوا أعماق الشيطان…”. للأسف لقد عَرَّفَتهم إيزابيل أعماق الشيطان. وإنما الذي عندكم تمسَّكوا به إلى أن أجيء، نفس هذه اللغة تكلَّم بها الرب إلى ملاك كنيسة ساردس حيث قال: “تمسّْك بما بقي”

 للأسف توجد تعاليم يتم تركها لتَدخُل الكنائس وهي غير كتابية تمامًا وتمّ التَأقلُّم والتَعوُّد عليها ولم يَعُد هناك انزعاجٌ منها بل صارت من الأشياء الطبيعية كالقول الدارج: (أليس كله كلام ربنا؟) رغم أنها ليست تعاليم الرب نهائيًا، وللأسف مِثْل تلك الكلمات تُقال لتبرير السكوت على مِثْل تلك التعاليم المُخالِفة لكلام الرب.

 التَسيُّب هو أعماق الشيطان، وأن يتنازل الإنسان عن مبادئه الكتابية ويتساهل فيها هو أعماق الشيطان، المرونة مع الخطية وتركها تتوغَّل والتأقلُم عليها كما فَعَلَ لوط هو أعماق الشيطان.

 عكس ذلك هو ما ينبغي أن يحدُث، حالة الالتزام هي عدم المرونة وعدم التنازُل ووضع خطوط حمراء وتعلية سور الحماية والحفاظ على التعاليم والمبادئ الكتابية الصحيحة. إن كان الروح القدس يعمل الآن على تنقية وتنظيف الكنيسة فهذا لأن تلك هي مواضع القوة للكنيسة لسدّ الثغرات.

 هذا وقت انطلاق واستخدام للكنيسة، إنه وقتٌ لك لتكون فيه فعالاً في عملك وتجد نتائج سريعة. اُذْكر من أين حدث تخريم وثغرات لتسريب مفعول إيمانك، في الأغلب يبتدئ الأمر بالاستماع لتعليم غير دقيق، التعليم الدقيق يكشف ويخبركم به الروح القدس أعماق الله فروح الحق يعرِّفكم كل ما للآب وغير الدقيق يكشف أعماق الشيطان، لذلك فهذا الوقت هو وقت إفاقة.

 ما يحتاجه الشخص ليس أن يبتعد عنه الشيطان ولا أن تبتعد عنه الأفكار، فهذا ليس الهدف الإلهي لأن الكتاب يُعلِّمنا أن نقف ضدّ هذه الأفكار ونقاومها، إن كنت تعتقد أن الأفكار والمشاعر الشريرة التي تأتي إليك هي أشياء سوف تنتهي ولن تعود فهذا خطأ، الأمر يحتاج إلى فهم لهذه النقطة.

“١٣ لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ، ١٤ وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.” (العبرانيين ٥: ١٣، ١٤).

 

▪︎ تمرينات هامة لجميعنا:

 أولاً نحتاج أن نتمرّن في البر وكيفية التعامُل مع الأفكار التي تأتي إلى أذهاننا، فهناك مستوى يلزم فيه أن ترد على الأفكار التي تأتي إلى ذهنك بكلمات كتابية مناسبة لكي تُذكِّر نفسك بالحق، وهناك وقت تأتي فيه الأفكار إلى ذهنك ولكنك تتجاهلها إذ أنك لم تعُد تحتاج أن تردّ، صارت لك الحواس مُدرَّبة على التمييز بين الخير والشر.

 كلمة (التمييز) تُذكَر في الأصل للدلالة على حالة الحُكْم والتفرقة وكذلك تُفيد حالة النزاع. ما يريده الروح القدس أن يصل لنا هو أن يكون لنا القدرة على التمييز، وهذا لن يحدُث تلقائيًا إذ لابد لنا أن نتمرَّن، والتمرُّن يحتاج إلى نظام وإلى أفكار، ماذا تحتاج أن تفعل وكيف تتصرّف، هذا نظامٌ، وإن لم تضع قدمك في هذا النظام لن يكون لديك القدرة على التمييز.

 أن تكون غنيًّا لهذا الإله هو أن تكون غنيًّا بتمارين هذا الإله، ويسبقها أن تكون غنيًّا بتعاليم “البرّ” (أي فِعْل الصواب) وأن ترى نفسك وترى الله بشكل صحيح، والتعليم يجعلك تُميّز وتعرف أنك حين تذهب لتصلي ستجد مشاعر ضد ذلك ومشاعر أخرى معه وهذا أمر طبيعي! هناك تعليمٌ آخر عن “الروح والنَفْس والجسد” وفيه نتعلَّم أن النَفْس تتأرجح صعودًا وهبوطًا.

 لذلك هناك تعليمٌ ثالث عن “ثبات واستقرار النفس” يعلِّمك كيف تُسيطِر على نفسك وجسدك وتجعلهما تحت سلطان روحك وسيطرتها. هناك أيضًا تعليم رابع عن “كيف تسلك بالروح“. هذا النظام الفِكري هو التمرين الذي إذا سِرت به سيكون لديك القدرة على التمييز بين الخير والشر.

 الخير ليس فقط مشاركة المُحتاجين وأعمال العطاء، صحيح أنه يشمل ذلك أيضًا لكنه أكبر من ذلك بكثير، الخير هو الأفكار السليمة وتشمل بداخلها كل أنواع الخير وليس فقط الجزء الخاص بمشاركة من له احتياج وهذا أيضًا صحيحٌ لكن الأمر أكبر من ذلك بكثير، والشرّ هو الأفكار الشريرة.

 صارت لهم الحواس مُدرَّبة ومُتمرِّسة ومُتمرِّنة، كذلك يوجد تعليم خامس اسمه “الرياضة الروحية” به تفهم أن الأمر يستغرق وقتًا لكي تصير مُعتادًا عليه، الكثير من الموضوعات والأفكار المُتسلسِلة تقودك في طريق الحياة مع الرب. لذلك تَحدَّثَ بولس مع تلميذه تيموثاوس في رسالته الأولى إليه عن أناس يتحدّثون كلمات لا يفهمون معناها، ولكثرة تكرارهم لها اعتقد الكثيرون أنها عقيدة سليمة فوضح له بولس أن هؤلاء لا يفهمون شيء.

 تكرارها وكثرة الوعظ والتعليم بها لا يجعلها بالضرورة صحيحة، وذكر بولس في سياق حديثه لتلميذه كلمة تفيد معنى puzzle الذي بنفس الطريقة لكي تفهم الموضوع بشكل صحيح ينبغي ألّا تُركِز فقط على نقطة واحدة وتُهمِل باقي النقاط، بل يلزمك أن تركز على كل النقاط (كل قطع البازل puzzle) لكي تصل في النهاية إلى الصورة الصحيحة.

 هم كانوا يركِّزون على موضوع روحي واحد دون باقي الزوايا والنقاط والمواضيع المرتبطة به، وكانوا يظنون أن هذه تعاليم كتابية سليمة بينما هي مواضيع ناقصة لذلك كان من الطبيعي أن يتوه المُستمِعون إليهم. العقيدة السليمة هي التي تكمل البازل.

 أيضًا توجد مقالة بعنوان “غرض الله للإنسان الشراكة” تشرح لك الأمر من البدايات إلى النهاية، فحين تنظر للموضوع من القمة من فوق وتنزل معه في الطريق ستكون على دراية من أين أتى الأمر وإلى أين يتجه. بينما كثير من المُؤمِنين تاهوا ووجدوا أنفسهم لا يعرفون كيف يتحرّكون وفي أي اتّجاه يسيرون إذ لم يجدوا من يرشدهم لدراسة الأمر من فوق أولاً.

 حتى في شرحك للمواضيع الروحية لأصدقائك لابد أن تكون أنت نفسك فاهمٌ ومُدرِكٌ ومُلِمٌّ بالموضوع الذي تتناوله بالشرح، هذا هو السبب الذي لأجله استخدم كلمة (مُعلِّم مُحترِف، ماهِر، مُعلِّم المُعلِّمين) في (يعقوب ٣) التي كانت تُقال عن يسوع وليس مُعلِّمًا ناقلاً للتعليم. كما قيل عن يسوع كلمة أخرى مُتفرِّدة أيضًا وهي كلمة (النجار) وهي كلمة تُقال عن شخص ماهِر جدًا في صناعة أثاث من الخشب المُطعَّم بالذهب والحُليّ.

 من هذا نستنتج أن يسوع كان غنيًّا ولم يكن فقيرًا كما اعتقد الكثيرون مِنّا، فالكلمة تعني الذهبي الحرفي الذي يعمل في بريق الأشياء وبنفس هذه الطريقة أُطلِق عليه مُعلِّم المُعلِّمين التي استخدمها الرسول يعقوب في الإصحاح الثالث من رسالته إذ أراد أن يقول للمُستهدِفين من رسالته: لا تكونوا مُعلِّمي المُعلِّمين لأنها مسئولية أكبر.

 لماذا لم يتمرّن كثيرون في البر؟ يقفون ثم يسقطون مرارًا وتكرارًا ولأزمنة طويلة، السبب هو أنهم لم يكونوا مُمتلِئين وأغنياء للكلمة في حياتهم.

 

▪︎ هل كل الشفاءات تتمّ بطريقة واحدة؟

“١ وَعَلَى أَثَرِ ذلِكَ كَانَ يَسِيرُ فِي مَدِينَةٍ وَقَرْيَةٍ يَكْرِزُ وَيُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمَعَهُ الاثْنَا عَشَرَ. ٢ وَبَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ.” (لوقا ٨: ١، ٢).

 إن كلمة “شُفِينَ” في هذا المقطع هي كلمة من عدة كلمات يونانية تُستخدَم للتعبير عن (الشفاء)، إحدى هذه الكلمات كلمة تنطق (بويو) وهي تُقال عن صُنْع وخلْق أعضاء جديدة وتكاثُر الخلايا في حالة خلق داخلي إلهي. يحاول العالم حاليًا أن يُجهِض كل ما هو إلهي بتحويل جنس البشر من الذكر للأنثى والعكس وتحويل البشر لحيوانات. هذه كلها أفكار ارتدادية مُبتعِدة بعيدًا عن الفِكْر الإلهي.

 أحيانًا يَستخدِم الوحي الكلمة التي تُعبِّر عن خَلْق الأعضاء لكن هنا في هذا النص (لوقا ٨ :١-٢) استخدم لفظ آخر وهو كلمة يونانية تُنطَق (therapeoū) والتي اشتقت منها الكلمة الإنجليزية (therapy) التي تُعنِي (علاجًا) لكن بالعودة لأصل هذا اللفظ وكيف كان يُستخدَم آنذاك تجده يعني (علاجًا طويل الأمد)، وبهذا يكون النصّ يتحدّث عن النساء اللواتي أخذن وقتًا طويلاً في نوال شفائهن نتيجة تأثير أرواح شريرة عليهن بالأمراض.

 الكلمة التي تُرجِمَتْ “خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ” تعني أن يسوع مارس حالة مِن الضغط على الشياطين، فالروح القدس يريدنا أن نعرف كيف حدث الشفاء، هناك حالات أخرج الرب فيها الشيطان بكلمة، وهناك حالات أخرى أخدت وقتًا في الشفاء وذلك لوجود نوع من التواطؤ داخل الإنسان ورغبةً بمقدار ما في بقاء الروح الشرير.

 يرفض البعض وجود الأرواح الشريرة لكنه في بعض أعماقه مُتواطِئ مع بقائها، لهذا اضطر يسوع أن يُمارس نوع من الضغط على الأرواح الشريرة ليس لأن يسوع ضعيفٌ لكن لأن الإنسان كان مُتواطِئًا وراغِبًا بدرجة ما في استمرار وجود الروح الشرير داخله. توجد عادات فكريّة تجعل الروح الشرير وكأنه شريك حياة للشخص المُتورِط معه، فاعتياد الإنسان على أفكار مُعيّنة يجعله غنيًّا بتلك الأفكار وتصير تلك الأفكار هي جُل ثروته.

 قد يَخرُج الروح الشرير مِنه لكن تأثيراته لا تزال موجودة من حالات فكريّة وحالات مزاجية تجعله مُدمِنًا للخطايا التي اعتاد عليها كالجنس والمُخدرات والعصبية وغيرها، هذا هو سبب أن كثيرين َمن الذين تابوا ورجعوا للرب نجدهم بعد مرور سنين طويلة على تبعيتهم للرب بالكاد يستطيعون السيطرة على مشاعرهم وكلماتهم. لقد اجتازوا بتدريبات شيطانية طويلة الأمد دربهم بها إبليس في كل مرة لم يقولوا فيها (لا) لتجربة الشيطان لهم، اللفظة هنا تفيد أن الأرواح الشريرة ذهبت ثم عادت ثانية.

 لكي تكون غنيًّا لهذا الإله ينبغي أن تتدرَّب بتدريباته وتفهم مبادئه، يجب أن تُدرِك أن الله وضع فيك المشاعر لتقودها وتُسيطِر عليها أنت، لا لكي تسوقك هي وتُسيطِر عليك. الحالة الصحيحة أن تصنع أنت الفرح، ربما يكون الروح الشرير قام بتدريب شخص على الحزن والاكتئاب المُستمِر وهو لا يدري لأنه أَلَفَ واعتاد على هذه الحالة.

 كلمة الرب تكشف له (مرآة) إذ تُخبِره أن وضعُه الصحيح هو أن يكون فَرِحًا في الرب كل حين، لولا الكتاب ما كان ليكتشف حقيقة يعيشها، فهناك تعليم كتابي جعله يعرف إنه فَرِحٌ من الداخل، فيبتدئ أن يعرف أنه لديه داخل ولديه خارج، هناك روح وهناك جسد، ثم يبدأ يتمرّن وتُفتَح له قنوات ومجاري فكرية في ذهنه.

 بعدها يبدأ في ممارسة فضيلة الخضوع للكلمة ولأفكار الكتاب إن ظل سائِرًا في الطريق إلى نهايته، ثم يتمّ فتح أمرًا آخر في ذهنه إذ يبتدئ في إفراع ذهنه ومشاعره من العادات القديمة، فالروح الشرير قد خرج ولكن بقيت العادات وأفكار العدو الذي سيحاول بكل تأكيد أن يُعيد طَرْق الأبواب مرة أخرى، لذلك على الشخص أن يقول (لا) لهذه الأفكار نتيجة مبادئ الكتاب وليس من نفسه، فيتمرّن في البر ويسلك بالفرح ويُسيطِر على أفكاره فتنتهي كثير من صراعاته وحروبه!

 ستأتي الأفكار، لكنه فَهم أنه الآن غنيٌّ بمبادئ كتابية كافية، إن أتت الأعراض فهو يعرف ماذا يفعل لأنه صار غنيًّا لله في تلك الزاوية، لذلك فَمِن الطبيعي أن الإنسان خلال نموه الروحي أن يَمُرّ على مرحلة التمارين. إن عدت ودرست مجموعة وسلاسل العظات التي ذكرتها سابقًا في هذه العظة ستجد نفسك قد بدأت تَلم بالموضوع في الزاوية التي درستها وزوايا أخرى كثيرة في الكتاب المقدس وفي العقيدة الكتابية السليمة.

 دعونا نفهم كيف نصل لمرحلة السيطرة الروحية على أذهاننا وعلى أجسادنا. حين كان الوحي يُشجِع الكنائس على الغلبة بذِكْر مكافآت مختلفة للغالبين كان يريد أن يحفِّزهم على السيطرة على الجسد وعدم الخضوع لضغوطات العالَم. كان الرب يملأ احتياجاتهم مهما حدث لهم، ولقد قَبِلوا سَلْب أموالهم بفرح.

 كي تتبع يسوع عليك أن تعرف أن أملاكك من تلك اللحظة لا تَخُصك، مهما حدث معهم صار لديهم إصرار على إكمال الطريق مع يسوع، وحافزهم هو أنهم أغنياء لله، حينئذ جاءتهم إيزابيل وبدأت تغويهم وتصنع لهم مَهربًا فكريًّا فصاروا بدون عتبات روحية لحماية بيوتهم من أمطار العالَم والخطية الكثيرة المُحيطة بهم أو حائط صدّ لِمنْع دخول المياه لساحة القلب ولِمنْع تَسرُّب الروعة الموجودة في قلوبهم.

 حالة التسيُّب يبغضها الرب لأنها تُسبِّب حالة من الضعف في الشعب، ذلك الضعف ناتج عن سماع تعاليم خاطئة، لا يوجد مُؤمِن ضعيف، فالمُؤمِن الضعيف هو مُؤمِن تمّ إغوائه بالتعليم الخاطئ فاعتنق أفكارًا جعلته يتنازل عن مبادئه.

 حين تأتي مواقف الحياة وهجوم العدو ولأنه غير مشحون بالكلمة وغير مُميِّز الأرواح الشريرة التي وراء الهجوم، نجده يقع في الخطية والتجارب المُختلِفة مرورًا بالعصبية والكلمات غير المُملَّحة بالمحبة حتى يصل إلى العبودية والإلزام بفعل أمور غير صحيحة نتيجة خوفه من الإدانة أو اللوم من الآخرين أو العقاب، صار لديه مخاوف، هذه الَمخاوف قد تهاجمه في مكان آخر، بخصوص نوال الشفاء مثلاً، أو أن يخاف أن يتكلّم الحق بمحبة في مواقف ينبغي أن يقول فيها الحق.

 حين يبدأ الشخص في التنازل والموافقة على المبادئ الخاطئة التي غالبًا ما يكون هو غير مُميِّز لها أساسًا. عمل الروح القدس في الشخص هو أن يجعله يميز، وبهذا يكون قد نجح، لكن يبقى على الشخص أن يعيش ويغلب، ما أروع عمل الروح القدس!

 قال الرب: من يغلب سأجعله يسود على الأمم بعصا من حديد، يا للروعة، بانتصارك يصير لك ارتباط بالمُلك الألفي، فما تفعله اليوم له تأثير على أبديتك وعلى ما سيحدث لك هناك، الأمر أكبر مما تتخيّل، إن كنت لا تنظر إلا لما تحت أقدامك فهذا ليس صحيحًا.

 مهم أن تهتم بالأمور الحالية بالتأكيد، لكن مهم أيضًا أن لا تغفل عَمَّا هو آتٍ لأن ما نفعله اليوم يُؤثِر بالتأكيد على القادم. إن سرت بشكل صحيح هنا سيكون من الطبيعي أن تملك على أمم لأنك تدرَّبت أن تسلك بالبر فلن تسلك معهم بنفسانية، فنحن سنصعد بحالتنا الروحية نفسها ولن تزيد!

 بالتأكيد ستنفتح عيوننا على أمورٍ كثيرة لم نكن نعرفها، لكن ستظل معرفتنا وقامتنا كما هي وكأننا انتقلنا من فصل دراسي لآخر، فليس كوننا انتقلنا للفصل الجديد يعني أنه أصبح إجباريًا أن تُوضَع معلومات الفصل الجديد في أذهاننا عنوةً. حين صعد يوحنا بالروح إلى السماء كان يتعلَّم هناك، هذا يعني أن هناك أناسًا يعرفون وأناسًا لا يعرفون، فَمَن يذهب إلى هناك يذهب بقامته الروحية.

 إن تمرَّنت اليوم على أن تسير بالروح وعرفت كيف تتعامل مع العيان المُضاد؛ مواقف قد تكون صعبة لكنك لا تراها هكذا بل ترى أنك قادرٌ عليها، وعرفت تعليم “كيف تُلقي على الرب همك” فلم يَعُد لديك مكانٌ للقلق إذ أنك مُمتلِئ بالحق الكتابي بهذا الشأن نتيجة تلك المعرفة والذخيرة الكتابية، وأنت ثابتٌ في الموقف مُتمرِّنٌ في البر، وطبقت تلك التعاليم في أمور صغيرة من قبل إلى أن وصلتْ إلى مرحلة النضوج.

 موقفك هذا عكس ما فعل لوط الذي تمرّن أيضًا في أشياء صغيرة (عكس البر) وكَبُرَت هذه الأشياء معه حتى صار قائدًا في مدينة الفجور سدوم. وصل إلى حالة من الغِشّ والخداع حتى صار زعيمًا هناك وجالس على كرسي في أبواب سدوم.

 لكن للأسف باعه أهل سدوم في لحظةٍ مُتكلِّمين معه بكلمات في منتهى القسوة قائلين له ما معناه: “أنت هنا في سدوم، أتريد أن تحكُم علينا بمبادئك القديمة؟ هل ستصير مُعلِّما لنا أيها الغريب؟ تنحى جانبًا ولا تنسَ أنك مُتغرِّبٌ بيننا لئلا نفعل بك ما سنفعله مع الرَجُلين الغريبين.

 يا لها من مذلة ومهانة للوط! هذا هو دأب إبليس دائمًا، يسحبك للشرّ تدريجيًا ثم يهينك ويُذلَّك بعد أن تسقط. خُدِعَ لوط في البداية، كان يقول في نفسه: أنا قلبي مُغلَّق عن خطايا تلك المدينة، فقط سأنصب خيامي تجاهها، وكانت نفسه البارة تتعذَّب برؤيته المُتوالية والدائمة لخطايا أهل سدوم حتى صارت تدريجيًّا أمور عادية مُتكرِّرة وصار يدخل إليها ويخرج حتى اعتاد أهلها واعتادوه فسكن فيها.

 تقول بعض المراجع غير المُؤكِّدة أن لوط قد تورّط في تلك الخطايا إذ كان يُعذِّب نفسه بها، هذا ليس أكيد إذ لم يذكر الكتاب ذلك صراحةً لكنه قد يكون انخرط فيها على الأقل خيالاً لأنه عاد وفَكَّرَ فيها بعد أن قاومها وسكن خارج أسوارها في البداية. لو لم تكن سدوم قد أُحرِقَتْ كنا نتوقع أن يكون لوط فيما بعد سدومي السلوك (أي شاذ جنسيًا).

 تأثرت بناته بالفعل بسلوكيات سدوم إذ لم يتصلا حميميًا برجالهن رغم أنهن مُتزوجات. هذا يعني أن حالة أهل سدوم قد تفشت في الأسرة ففقد لوط قلب زوجته وأخلاق ابنتيه.

 أن تكسب معناه أن تمتلئ بمبادئ وتصل لمرحلة أن تتمرّن للتمييز بين الأمور المُتخالِفة وتصير حواسك مُدرَّبة وتعرف متى تقول (لا) ومتى تقول (نعم)، هذا ما يريده الرب منك، أن تُميّز، وهذا هو العلاج الإلهي. طول الوقت ستجد الأفكار الجيدة والأفكار الشريرة يأتيان إلى ذهنك، فهذه الأفكار لن تختفي لكنك تستطيع أن تُعلِّي صوتها أو تخفضه وذلك بالتركيز فيها أو إهمالها وتجاهلها.

▪︎ اَلأَوَّلُ فِي دَعْوَاهُ مُحِقٌّ:

إن لم يكن لديك ذخيرة من الكلمة لن تستطيع التمييز، لذلك يقول الكتاب: “اَلأَوَّلُ فِي دَعْوَاهُ مُحِقٌّ، فَيَأْتِي رَفِيقُهُ وَيَفْحَصُهُ.” (الأمثال ١٨: ١٧).

 إن كان إبليس فقط هو من يتحدّث إلى ذهنك، وتعطي كل انتباهك إلى الميديا وأخبار العالم فلن تستمع إلّا إلى رأي واحد وتعتقد أنه صحيحٌ إلى أن يأتي الآخر (الذي هو الحق، كلمة الرب) فَيُفنِّد تلك القصص والمعلومات ويُظهِر كذبها وعدم صدقها، ساعتها ستكتشف أنك لم تكن مع الصواب أولاً.

 كلمة “يَفْحَصُهُ” تعني يكشف عيوب الشهادة الكاذبة لتُرَى الصورة بشكل صحيح فتصير مع الرب لا مع إبليس. هذا وقتٌ أن تصير الكنيسة في حالة قوة، قوتنا لا تكمُن فقط في أن نصلي بصوت عالٍ، لكن أن نفهم فنصلي، أن ننتقي ما يدخل أذهاننا، ونُغلِق أذهاننا عن كل ما هو ليس من الحق.

 يريدنا الروح القدس أن نكون أكثر تدقيقًا مما سبق وأكثر دراية بكل خدع الشيطان، أن نكون ناجحين في اكتشاف عدونا بسهولة ولا ننهزم منه حيث رُسِمَ لنا أن نهزمه. كلما تقبل تصحيح الكلمة في نفسك كلما أغلقت الباب في وجهه لأنه يستغل نقاط لا تدري أنها خاطئة فيجعلها مداخل يدخل منها إلى حياتك ويُفسدها.

 اجعل الكلمة تُصحِّح شخصيتك وتتعامل مع النقاط التي يُنبِّهك إليها الروح القدس والشخص الذي يرعاك ويسهر على حياتك الروحية في الكنيسة، ربما يكون انخلاعك من تلك الأمور مُوجِعًا لك في البداية لكنها تسدّ بابًا شيطانيًّا يتسلّل منه عدوك إليك.

 لا تكن ذلك الشخص الذي يحتاج إلى عنف، استفاق لوط أخيرًا لكنه خسر الكثير، نجا بنفسه نعم ولكن احترق كل ماله وخسر زوجته وابنتاه، أما إبراهيم فكان يكبر وينمو ويزدهر ويتبارك، لوط انحدر وإبراهيم ارتفع.

 بدأ انحدار لوط بانعزاله عن مصدر الكلمة (إبراهيم)، قد تقول: لكن إبراهيم هو من طلب الانعزال أولاً لكن الحقيقة أن إبراهيم طلب ذلك بناء على فهمه لاتّجاه لوط بالشِجار معه والربح على حسابه.

__________

من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الاقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.

 

Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations are forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry

Download

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$
Hide picture