القائمة إغلاق

الفداء والخلاص بيسوع – الجزء Redemption And Salvation Through Jesus – Part 1

 

لسماع العظة علي الفيس بوك اضغط هنا 

لسماع العظة علي الساوند كلاود اضغط هنا 

لسماع العظة علي اليوتيوب

 

 

 

الفداء والخلاص بيسوع الجزء 1

  • “الفداء” و “الخلاص” ليسا وجهين لعملة واحدة!
  • خلفيّة تاريخية.
  • حالة الإنسان قبل “الفداء”.
  • الفداء وماذا يُعني؟
  • هل دُفِعَ الثمن لإبليس أم لله؟!

 

  • “الفداء” و “الخلاص” ليسا وجهين لعملة واحدة!

 سنخوض رحلة في فَهْم أبعاد هامة في “القيامة”، حيث إننا طيلة الوقت نستخدم كلمتي “فداء وخلاص” على أنهما نفس الشيء، لكن في الحقيقة يوجد اختلاف بينهما، فَهُما ليسا مُترادِفيّن، فكلمة “فداء” تُعنِي “دَفْع فديةٍ”، أما كلمة “خلاص” معناها “إنهاء على مشكلة، وتخليص، ومَنْح حلٍّ”.

 كان الإنسان يحتاج لكليهما معًا، فَمِن دونهما سيُصبحُ “صفرًا”، فما حَدَثَ بعد الموت على الصليب أي الثلاثة أيام في القبر لم يَكُن وقتَ خمولٍ بل نشاطٍ!

 كان الرب شخصيًا يحتاج لأن يتدخَّل مُواجِهًا لمملكة الظلمة بنفسه، لأن الخلاص ما كان ينبغي أن يَحدُث من السماء بل تطلَّبَ تجسُّد الله شخصيًا، ما كان سيتمّ سوى بالصورة التي فعلها. أقول لهذا لأن هناك من يتساءل قائلاً: “ألم يكُن يستطيع أن يقول الله للبشر مغفورة لكم خطاياكم بينما هو في السماء؟!!” للأسف لا! أيضًا كلمة “خلاص” كلمة شامِلة تحوي داخلها معنى “الفداء”.

“١٩ لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ، ٢٠ وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ. ٢١ وَأَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ (بعيدين عن، أو غير مُنتمين إلى) وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، فِي الأَعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ ٢٢ فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِالْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ، ٢٣ إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإِيمَانِ، مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ الإِنْجِيلِ، الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ، الْمَكْرُوزِ بِهِ فِي كُلِّ الْخَلِيقَةِ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ، الَّذِي صِرْتُ أَنَا بُولُسَ خَادِمًا لَهُ.” (كولوسي ١: ١٩-٢٣).

 “٢٠ وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ”؛ قد صالحنا الرب يسوع بعمله على الصليب مع الله الآب، فمُضاد كلمة “صُلْح” هي حالة من العدوانية أو التضارُب فهذا ما كُنَّا عليه، وليس عكسها “خصومة”، فالأمر لم يَكُن مجرد شجار وتَمَّ الصُلح بين المُتشاجِرين، بل هو أكثر من ذلك. مِمّا يدل على مدى ضخامة كلمة “صُلْح”.

 “٢٠…سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ”؛ كانت الأرض والسماوات في حالة تصادُم إلى أن جاءَ الرب يسوع وعالجَ الأمر. لكن دعني أُوضِّح لك شيئًا هامًا؛ تشمل كلمة “السَّمَاوَاتِ” ثلاث سماوات فقط، لا أكثر مِن ذلك.

 السماء الأولى هي “حيث تطير الطيور”، ثُم الثانية هي عالَم الروح أو كما يقول البعض “سماء الكواكب والنجوم”. وبعد ذلك السماء الثالثة هي حيث عرش الله أو “المكتب الإلهي”. قد تسأل كيف يُمكِن لله الذي لا يسعه زمانًا أو مكانًا أن يكون له مكانٌ خاصٌ به؟ الإجابة هي أنه صَنَعَ مكانًا للقائنا.

 اشترك الرب يسوع معنا في امتلاك كل مِن “”sōma & sarx التي صاغها الرسول بولس في عبارة “٢٢ جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ” أي “جسد ونَفْس بشرية“؛ ليجعلنا -شرعيًا- بلا لوم ولا شكوى أمام الله، فأنت لست الشخص المغضوب عليه أو الذي يحزن الله منه.

” ٢٣ إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإِيمَانِ، مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ الإِنْجِيلِ، الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ، الْمَكْرُوزِ بِهِ فِي كُلِّ الْخَلِيقَةِ الَّتِي تَحْتَ السَّمَاءِ، الَّذِي صِرْتُ أَنَا بُولُسَ خَادِمًا لَهُ.”

 أتت هذه الآية في أحد الترجمات بهذه الصياغة: “بشرط أن تكونوا ثابِتين ومُتأسِّسين على الإيمان الذي بدأتم به عندما تسلَّمتم الإنجيل مُستمرين فيه بمثابرة وغير مُتقلِّبين في المبادئ، بل راسِخين على ما تعلَّمتموه مني عندما كرزت لكم

 يرجع جذر هذا الكلام إلى ما قاله في البداية، حيث قال:

“٣ نَشْكُرُ اللهَ وَأَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، مُصَلِّينَ لأَجْلِكُمْ، ٤ إِذْ سَمِعْنَا إِيمَانَكُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، ٥ مِنْ أَجْلِ الرَّجَاءِ (الأمل) الْمَوْضُوعِ (المَخزون) لَكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ الإِنْجِيلِ، ٦ الَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا، وَهُوَ مُثْمِرٌ كَمَا فِيكُمْ أَيْضًا مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْتُمْ وَعَرَفْتُمْ نِعْمَةَ اللهِ بِالْحَقِيقَةِ. ٧ كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَبَفْرَاسَ الْعَبْدِ الْحَبِيبِ مَعَنَا، الَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ، ٨ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَيْضًا بِمَحَبَّتِكُمْ فِي الرُّوحِ. ٩ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ ١٠ لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ، ١١ مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ، ١٢ شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، ١٣ الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ، ١٤ الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا.” (كولوسي ١: ٣-١٤).

 لاحظ، الرسول بولس لم يذهب إلى كولوسي، لكنه بحسب المراجع أرسل أشخاصًا لهُناك كون كولوسي وأفسس ليسَّا بعيدين عن بعضهما، فكما هو معروف لدى دارسي الكتاب المقدس أنّ كُلاً من رسالتي “أفسس وكولوسي” لُقِّبا بالتوأم؛ حيث كان على قلبه إعطاء كلاهما نفس التعليم، لذا نرى أحيانًا كلامًا مُتشابِهًا، وفي كثير من الأحيان نحتاج للرجوع لأحدهما لتفسير آية في الأخرى.

“٩ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ ١٠ لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ الله ١١ مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ”

 لننظر إلى الأعداد من التاسع إلى الحادي عشر حيث يكشف لنا الوحي كما هو مُوَضَّح في الشاهد أعلاه جُزءًا مما كان يُصليه الرسول بولس بالذهن بجانب الصلاة بألسنة لأهل كولوسي، حيث كان يُصلي لكي يمتلئوا بالمعرفة الإلهية التي بها يقدرون أن يسلكوا بالكلمة، راسخين ومُتقوين في مواجهة التحديات، مُمارِسين إيمانهم بصبر وبفرح دون مُجادلة أو حزن داخلي.

  • خلفيَّة تاريخية:

” ١٣ الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ (أو ابنه المحبوب)، ١٤ الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا.”

 نرى الرسول بولس مراتٍ كثيرة يستعمل لفظي “فداء وخلاص” بالتبادل في رسائله، لذا دعونا نعرف أولًا معنى كلمة “فداء”، لكن سنحتاج الرجوع لعلم etymology علم أصول الكلمات” لنعرف المعنى الأصلي وقت استخدامها مما يجعلنا نرجع لتاريخ مدينة أفسس التي كانت أحد أكبر أربع مُدن رومانية في ذلك الوقت، لذا كانت بمثابة مقرًا أو بوابةً لدخول الإنجيل لأَسيا، وقد شرحتْ هذا سابقًا.

 كانت مدينة أفسس هامة جدًا بالنسبة له، حيث كانت مُلتقى ضخمًا قابلَ فيه أكيلا وبريسكلا وأبفرودتس، وكان هناك مَجمع في الهواء الطَلِق “open air” قريب جدًا من مدرسة تُسمَى “تيرانُس”، فعندما تمَّتْ مُقاومته ذهبَ إليها وعَلَّمَ فيها، نرى هذا في (أعمال الرسل ١٩: ٩) مما يُثبِت إنه اختارَ مَوقِعًا استراتيچيًا، فهذه هي المدينة التي قابلَ فيها تلاميذ يوحنا المعمدان الذين لم يكونوا مولودين ميلادًا ثانيًا، فقط كانوا قد سمعوا بمعمودية يوحنا (أعمال الرسل ١٩: ١-٦).

 نجد في تلك المدينة -بحسب الخريطة- مناطق مُرتفِعة ومُنخفِضة فوق وأسفل الجبال، فأثناء سيره فيها وَجَدَ شارعًا طويلاً مُمتلِئًا بالتجارة، حيث وَجَدَ “سوق العبيد”، من هنا سنفهم مدى ضخامة ما فَعَله يسوع لأجلنا، ففي الكتاب المقدس سنجد كلمة “عبد” مُتكرِّرة كثيرًا، لكن في حالتنا هذه أعطى الروح القدس الرسول بولس كلمة مُنتقاه تُعبر بدقة عن الحالة التي كُنَّا عليها قبل ميلادنا الثاني.

 يوجد مُؤمِنون لديهم نفس أعراض العبودية التي يُعاني منها غير المُؤمِنين، هذا لأنهم لم يسمعوا عمَّا فَعَله الرب يسوع بصورة كافية. وللأسف تسلَّلَ الشكّ في ميلادنا الثاني كون الأعراض تشابهت، فكونك أخذت خطوة قبول يسوع فأنت بالفِعْل وُلِدت من جديد، لكن ما يَنقُصك هو معرفة وإدراك وليس انتظار تَدخُّل من الرب.

 اُرفضْ تمامًا الصورة التي قد تكون نشأت عليها مثل أن ترى مُؤمِنين يُعانون من أعراض العبودية كأن خلاص الرب يسوع لم يَكُن كاملاً، بالطبع كان كافيًا جدًا لجعلنا أحرارًا من هذا! لذا إن رأيت أعراضَ العبودية التي سأشرحها الآن مُتشابِهة مع ما تَمُرّ به، فلا تسمح للشك بالتَسلُّل إليك بشأن خلاصك.

 أيضًا جدير بالذِكْر إنه كلما استمعت لتعليم الكلمة ستكتشف مع مرور الوقت تَفكُّك أمورٌ كانت تُقيِّدك، فإبليس كان مُستغِلاً لعدم معرفتك ليستعبدك في أمور أنت أُعْتقِت منها بالفِعْل؛ لأن إبليس ليس قويًا كما تظن.

 عَبَرَ الرسول بولس بطريق -واجب عبوره- خاص بالمراحيض العامة المُمتلِئة بالعُري والإباحية التي كانت مشهورة في عصر الرومان ليَصل في النهاية لسوق العبيد ذاك. قد تسأل لماذا لم نَكُن نرى ذلك ولِمَا صرنا نراه الآن في الأيام الأخيرة التي قد لا تراها كونك تحيا في بلد مُحافِظة لكنها موجودة بكثرة في الخفاء؟ وكيف تمَّ ويتمّ الآن الإنهاء عليها؟ الإجابة هي أنّ الإنجيل عندما ينتشر في منطقة كان يعمل على فلترة كل شرٍّ من أذهان الناس.

 قُتِلَ في الشارع نفسه تلميذه تيموثاوس ومِن المُحتمَل أنّ بولس نفسه قُتِلَ في سِنّ الثمانين أو التسعين من عمره، لكن كما قُلْت إنّ المكان الذي مات فيه بولس غير مُؤكَّد فبعض المراجع تقول إنه مات خارج أورشليم والبعض الآخر في تلك المدينة، أما الأكيد أنه لم يَمُتْ صغيرًا كما اعتقدَ البعض.

 كان انتشار المسيحية آنذاك سببًا في انخفاض مستوى العُري حتى تمَّ الإنهاء عليه، وهُدِمَتْ تلك المدينة الآن، فهذه إحدى الشرور التي فَعَلها الملك “نيرون” الذي كان مَغضوبًا عليه بشده، حيث إنه مات مُنتحِرًا هو و “بيلاطس” الذي قال إنه بريءٌ من دم يسوع لكن ملأه الندم الذي أدَّى به للانتحار كونه لازال مُتورِّطًا في صَلْبه فهناك تصفيات تَحدُث بوضوح في التاريخ التي قد لا نراها في الكتاب المُقدس، وقد شرحت ذلك في تعليم سابق.

 نجد قصص في تاريخ الآبائيات مليئة بأُناسٍ كانت تشتري هؤلاء العبيد الذين كانوا في السوق الذي رآه الرسول بولس، لإطلاقهم أحرارًا وليس ليتَّخذه عبدًا، كتلميذ الرسول يوحنا “بوليكاربوس”، فالمسيحية آنذاك كانت بمثابة النور الذي كَشَفَ مدى بشاعة هذا السوق.

 هُدِمَتْ مدينة أفسس نتيجة ثورة للمسيحيين بتُهمة قَتْل الرسول بولس -وأنا لستُ في اتّفاق مع هذا الفعل- مُدمِّرين فيها الأصنام كـ”أرتميس” مُستعمِلين الشواكيش في التكسير، حيث كانت أحد طقوسهم في العبادة هو صُنْع أصوات عالية جدًا مُحدِثةً ضجة؛ لأجل هذا قال الرسول بولس: “أن مَن يُصلي بالألسنة بدون محبة فقد صار مثل شيء بلا نفع يُحدِث فقط ضوضاء” (١ كورنثوس ١٣: ١).

 دعونا نُرسِّخ فِكْرة قبل البدء، لم يَكُن للتلاميذ الاستنارة نفسها فمِنهم مَن استنارَ في أمورٍ وأخرى لا، فعلى سبيل المثال: التلميذ لوقا هو الوحيد الذي عَلِمَ بأمور عن مريم أم يسوع لم يستطِع معرفتها بطرس ومتى مُوضِّحًا أن هذا الكلام كان مُخبَّأً في قلبها ولم تُرِد أن تُفصِح عن تلك الأسرار (لوقا ١٩:٢)، إذًا هي أباحت بتلك الأمور للوقا. فالتلاميذ أنفسهم كانوا مُتفاوتين في الاستنارة، حيث يُبيح الروح القدس بتلك الأسرار للشخص في مرحلة مُعيَّنة، وجعله يتكلَّم أمورًا مُعيَّنة في وقت مُعين.

 من هنا نرى أنّ استنارة الرسول بولس كانت عالية لدرجة أنّ الرسول يوحنا ولوقا وبطرس استفادوا من شرحه الدقيق لعالَم الروح عن طريق المعاني التي استعملها لتوضيح حالة الإنسان التعيسة قبل ميلاده الجديد، واستعملوها في كتاباتهم.

  • حالة الإنسان قبل “الفداء”:

 سنكتشف الآن معاني كلمة “فداء” “apolutrōsisمن خلال معرفة معاني نقيضها أو ما تَمَّ افتدائنا مِنه أي “العبودية”، وسنرى هذا مُجَسَّدًا في أمثلة أرضية كسوق العبيد الذي زاره الرسول بولس، حيث استخدم كلمة دقيقة تحت قيادة الروح القدس لتَصف لنا حالة الإنسان المأساوية قبل فداء يسوع.

apolutrōsisهي “الإنقاذ من حالة العبودية شديدة القسوة”، حيث كان يَحدُث الآتي:

 كانوا يأتون بالعبد مُمتحِنين مدى تحمُّله للإهانة من خلال كَسْر شخصيته خصوصًا لو كان قويَّ الشخصية أو الجسم، عابِرًا في سِلسلة من التعذيب والإهانة حتى تتلاشى شخصيته بالكامل، وبعدها يُعرَض في السوق مُقيَّدًا بسلاسل ليتمّ فَحْص أسنانه كونها مُؤَشِّرًا للصحة، حيث كان يُعامَل مُعاملة الحيوانات!

 أيضًا في حالة بيعه كان يُهان أمام المُشترِي لضمان أنه لن يُغدَر به عندما يأخذه لبيته، وفي بعض الأحيان يُعرَّى له، فاحِصين سلامة جسده ليرى ما إن كان سيستطيع إشباعه جنسيًا! فقد كانت الإهانة في أقصى مستوياتها!

“فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ رُوحِيٌّ، وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ.” (رومية ٧: ١٤).

 يَصف لنا الرسول بولس حالته قبل قبول يسوع، حيث إنّ (رومية ٧) لا يتكلَّم عنَّا كمُؤمِنين، وقد شرحت هذا في مقالة “رومية ٧ لا يتكلَّم عن المُؤمن“، حيث يقول إنه كان مُستَعبَدًا في السلوك بالحواس الخمس، ذاك السلوك المُنافِي للناموس الذي يستلزم السلوك بالروح فهو روحيٌّ؛ لهذا بِيعَ للخطية وليس لأن جسده هو المُباع للخطية كما اعتقدَ البعض خطأً، نتيجة قراءتها بصورة غير سليمة! فكلمة “فَجَسَدِيٌّ” صفة وليست اسمًا، هل فهمت ما أقصده؟!

 لذلك في موضع آخر وَضَّحَ المفهوم أكثر وقال: “وَلكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا.” (١ كورنثوس ٢: ١٤).

 أتى لفظ “مَبيعٌ” في الأصل pipraskō praō”بمعنى “نَقْل ملكية مِن شخصٍ لآخر، أو الاستحواذ على”. هي حالة الامتلاك التام لإبليس، وتَمَّ البيع تحت سيد يُسمَى “الخطية”، وسنرى معًا الأسياد الذين كانوا يتسلَّطون على الإنسان في هذا التعليم، لذا أُشجِّعك على المُتابعة بحرصٍ.

 اُبتُلِعَتْ إرادة الإنسان من إبليس كالكرسي الذي اُبتلِعتْ إرادته في إرادتك فيَسهُل عليك تحريكه، بالمُنطلق نفسه كان العبد يعتقد أن ما يُفرَض عليه هو الصحيح كونه كان معدومَ الإرادة وقد مُحِيَّتْ شخصيته.

 عانى شعب الله بعد خروجهم من أرض مصر مع موسى بسبب عقلية العبودية التي تكوَّنت نتيجة ما عبروا به من قَهْر وعذاب من فرعون مُدة تُقدَّر بـ ٢١٠ سنة ولكن باقي الـ ٤٠٠ سنة كانت هناك وفرة وذلك بحسب الآبائيات لديهم، فهم كانوا يسلكون بالروح تارةً وتارةً أخرى بالجسد (أفكار المصريين)، حيث تشابه الصوت الذي كان يُفرَض عليهم مع أصواتهم الشخصية، فصارت العبودية هي الحياة الطبيعية لديهم والعكس هو الغريب.

 نرى تجسيد هذه الخدعة الشيطانية الآن في حياة المُؤمِنين، فعندما يبدأون في السلوك بالروح بعكس ما كانوا مُعتادين عليه (السلوك بالجسد) يبدأ إبليس في تشكيكهم من خلال الأفكار كونهم لا يعلَّمون أن تلك الأفكار مَعروضة عليهم من الخارج؛ فبسبب ما عبروا به من عبودية وسماع لصوت إبليس طوال الوقت، اقتنعوا أن تلك الأصوات أصواتهم لتمرُّسهم المُسبَق عليها كما حَدَثَ مع شعب الله.

 “١٧…أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ…” (رومية ٦: ١٧)؛ أي ما كانت تقوله لي الخطية كنت أُنفذِّه وعدم القدرة على قول “لا”، فهي حالة كَسْر الشخصية والصورة الذاتية المَضروبة، لذلك الأشخاص الذين قَبِلوا يسوع في سِنّ كبير الذين تَمَرَّسوا لفترة مع إبليس صار من الصعب عليهم التعايُش مع الحقيقة التي صاروا عليها بعد الخلاص، على عكس الصغار الذين بدأوا بصورة صحيحة من البداية.

 هذا مشابه لحالة جيل موسى وجيل يشوع فكلاهما كان مُختلِفًا عن الآخر وشرحت ذلك سابقًا في مقالة بعنوان “جيل موسى وجيل يشوع”.

 كان جيل موسى مُضادًا، له تضادٌ غير مقصود كونه يُطَالَب بفِعْل أشياء لم يعتَد عليها نتيجة العبودية التي امتدَّت لسنوات، فهذا ما حدثَ لمَن آمنوا حديثًا، حيث يرفضون التصحيح -دون قصد- من قائدهم الروحي ليُغيروا كلمات مُعيَّنة في الصلاة أو طريقة تفكيرهم في أمرٍ ما لاعتياديهم عليها لسنوات، ولكونهم يسيرون بالمشاعر صدقوا ما يقولونه من كلمات خاطِئة في الصلاة فقط لشعورهم بالنشوة الداخلية.

  • الفداء وماذا يُعني؟

 مَرَّ الرب يسوع بعذابات شوَّهتْ جسده حتى إن عَظْمَ كَتِفه خَرَجَ من موضعه، لكن لم يُكسَر عَظْمٌ من عظامه وهذا يرجع لأسباب لدى اليهود، وقد قيل للأسف على لسان بعض الخدام بغرض إعلاء استشهادات أُناس أخرى -المُقدَّر استشهادهم لكن ليس على حساب يسوع- إن هناك مَن مات مِيتةً أبشع منه، وهذا صحيحٌ على المستوى الجسدي فقط، فهناك مَن تمَّ تقطيعه إرْبًا إرْبًا، لكن ما يُميِّز مِيتة الرب يسوع هو إنه ذهبَ للهاوية مُتذوِّقًا بهذا ثلاثة أنواع موت.

 ما صَنَعه كان ضخمًا جدًا! فهو نزلَ الهاوية وهزم إبليس، هذا هو الشيء الذي لم ولن يفعله أحدٌ على الإطلاق! حيث اجتمعَ عليه الأرواح الشريرة مُتكلِّمةً على فم الناس وهو على الصليب مِمَّا جعلَ ألمه شديدٌ ليس على المستوى الجسدي والنفسي فقط بل -وقبلهما- ألمًا روحيًّا أيضًا، فصرخة: “إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟” (مرقس ١٥: ٣٤) كانت أشدّ أنواع الألم الذي مَرَّ به ربنا يسوع وهو؛ “فراق الآب!” وقد شرحت السَنة الماضية عن أبعاد القيامة.

 افتدانا الرب من يدّ إبليس ولم يَعُد له أحقية فَرْض مشاعر وأفكار سلبية بعد الآن، فما حَدَثَ بعد الفداء هو رجوع كرامة الإنسان وصورته الذاتية وقدرته على قول “لا” للتأثيرات الشيطانية.

“١٧ فَشُكْراً ِللهِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا. ١٨ وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ. ١٩ أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ.” (رومية ٦: ١٧-١٩).

 أرأيت! تم تحريرنا بالفِعْل من تلك العبودية، قد تسأل لماذا إذًا أجد نفسي لازلت مُستعبَدًا لها؟! لأنه يُنقصك معرفةً عمَّا فَعَله الرب يسوع لأجلنا بل ومعرفة مُستفيضة عن ذلك لتستفيد من هذا الصنيع الضخم، فَمِن العار أن نظل عبيدًا بعد كل هذا! أليس كذلك؟

” ١٩ أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ”: أي إني مُضطَر أن أشرح بأمثلة لأنكم لن تقدروا على فَهْم ما أقول.

 لاحظ إنه تمَّ عتقك من الخطية نتيجة “صُورَةَ التَّعْلِيم” الذي استقبلته وأطعته أيضًا، أي كلما تأملت في الصورة التي كَوُّنتها من خلال ما اكتشفته في الكلمة ستجد صوت ما صِرت عليه (البر) أصبح أعلى ولن يَصعُب عليك التَحكُّم في جسدك ونفسك.

 جاء لفظ “عَبِيدًا لِلْبِرِّ” في الأصلdouloō بمعنى “مُبتلع من البر“، فما تشعره من ملل من الكلمة أو كُره وعدوانية تجاه شخصٍ ما هي ما إلّا أرواح شريرة تُضيف أصواتها عليك.

“١ وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، ٢ الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ (هيمنة) دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ (هيمنة) رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ ٣ الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا” (أفسس ٢: ١-٣).

 جاءت كلمة “حَسَبَ” في اليوناني kataبمعنى “بمقدار أو بهيمنة” ونرى استخدام الرسول بولس لها في أكثر من موضع في رسائله، لكن هذه المرة المذكورة في كورنثوس، كانت بصورة إيجابية: “حَسَبَ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لي…” (١ كورنثوس ٣: ١٠) أي يفعل الشيء تحت هيمنة وسيادة النعمة على حياته.

 أتت كلمة “٢..يَعْمَلُ” في الأصل energeōالتي اُشتقت منها كلمة energyفي الإنجليزية، فبالفعل قد أنهى الرب يسوع على إبليس وجَرَّده من قوته، لكن مَن لم يُؤمِن لازال مُتأثِرًا بالأرواح الشريرة، فالوحي يشرح لنا وجود طاقة وراء عصيان الناس.

 احذر ذلك الوهم الذي يقول لك: “إن تلك القوة لا تعمل فيك الآن!”، فما تشعره من إرادة قوية تجاه خطيةٍ ما هو إلا وهمٌ ولأنك لم تجد ما ينفي لك ذلك اقتنعت به. فعلى النفيض؛ إن تأملت في تلك الصورة -أنك صرت مُبتَلَعًا من البر- ستُدرِك مدى سهولة التَوقُّف عن الخطية، فهناك أُناسٌ مِمَّن كنت أرعاهم روحيًا سَقَطوا في الخطية بعدما تحرَّروا منها فقط لأنهم دُهِشوا من سهولة التَوقُّف عنها!

 أيضًا تأتي كلمة “دَهْرِ” في الأصل اليوناني aiōnبمعنى “النظام السائد أو الهيمنة الفِكرية” فكما نقول حاليًا: “تلك البلد تشتهر بعادات وطباع مُعينة وأي منطقة تابِعة لها، ستجد فيها ذات العادات” بنفس المُنطلَق هذا، نحن كُنَّا في عالَم مُهيمَن عليه فكريًا من إبليس، فهذا النظام الفِكري كان يسودنا نحن المُخلََّصون الآن، لكننا تحرّرنا منه بقبولنا ليسوع، ولكنه مازال سائِدًا على غير المُؤمِنين.

 يوجد فريقان الآن في الأرض كلاهما له عملٌ، فعملك كشخص مُنتمِي لمملكة الله هو إحضار أناسٍ لهذه المملكة لأن مجيء الرب اقتربَ جدًا، فنحن سنرى الكل راكِعًا له إجبارًا عندما يأتي ثانيةً، حتى الرافضين له!

 سَلَّمَ الرب يسوع نفسه للأرواح الشريرة الذين كانوا يقودون الكتبة والفريسيين فالأمر لم يكُن مُرتبِطًا ببشر بل بأرواح، لذا هو اختار أن يُستعبَد كي نتحرَّر بعبوديته، مجدًا لاسمه!

 “٢…حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ”؛ جاءت كلمة “سُلْطَانِ” في الأصل exousia بمعنى “قوة مَمنوحة” أي أن الفساد الذي في العالم وراءه قوى شيطانية، فهي حالة السيطرة والسيادة لإبليس ومملكته، لكن تواجدنا فقط في المكان يملأ الغلاف الأرضي بمملكة يسوع فهو ليس له سلطانٌ علينا!

 شرحت في السلسلة السابقة كيف تدير نفسك وجسدكعن وجود ما يُسمَى بالأكل الروحي مُستشهِدًا بما قاله الكتاب في كورنثوس:

“٣ وَجَمِيعَهُمْ أَكَلُوا طَعَامًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، ٤ وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ…. ٢٠ بَلْ إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ الأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ، لاَ ِللهِ. فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ شُرَكَاءَ الشَّيَاطِينِ. ٢١ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا كَأْسَ الرَّبِّ وَكَأْسَ شَيَاطِينَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الرَّبِّ وَفِي مَائِدَةِ شَيَاطِينَ. ٢٢ أَمْ نُغِيرُ الرَّبَّ؟ أَلَعَلَّنَا أَقْوَى مِنْهُ؟” (١ كورنثوس ١٠: ٣، ٤، ٢٠-٢٢).

 نجد هنا جذر بداية التعليم عن كسر الخبز، حيث كان يُحذِّر الرسول بولس من الاشتراك مع عبدة الأوثان أو القوة التي ورائهم (الأرواح الشريرة) في نفس “المَائِدَةِ” التي أتت في الأصل:

trapeza” = “a banquet” = “a table on which food is placed, an eating place” or stand of a money changer”

 حيث كان يَحدُث في تلك الجلسات تبادُل أطعمة أو أموال التي قد تكون مُحمَّلة بأرواح شريرة، لذلك إن كنت تريد تقدُّمًا روحيًا سريعًا، عليك بانتقاء علاقاتك. فعلاقتك مع أي شيءٍ هي في الحقيقة علاقة مع عالَم الروح.

 “٢…حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ“؛ جاء لفظ “الْهَوَاءِ” في الأصل:

aēr” = “air” = the atmospheric region”

 بمعنى إنه صار مُسيطِرًا على كل ما هو تحت الغُلاف الجوي أي الكُرة الأرضية، فهو رئيس سُلطان الهواء.

 أعرف أحدَ الأشخاص الذي كان كثير السقوط في خطية الشذوذ الجنسي، حيث كان مَوهومًا بأنّ هذه حقيقته وعليه تَقبُّلها بسبب سماع ذلك للأسف في أوساط مسيحية! فاقتنعَ بالفكرة واُستعبِدَ لها رغم إنه مولودٌ من الله، لكنه اكتشفَ بعد سماعه لحق كتابي نقي أنّ هذا ليس طبيعيًا، وهذا ما إلَّا كَسْر للشخصية التي لم تَعُد قادِرةً على قول “لا” للخطية وللجسد، مِمّا جعلها تتحوَّل لشخصية تميل لهذا، لكنه تحرَّرَ ومنذ ذلك الحين لم يسقط ثانيةً لأنه استطاع قول “لا” نتيجة إدراكه لحقيقته.

 نرى على النقيض ردّ فِعْل الشخص غير السالِك بالكلمة، حينما يُهاجَم بمشاعر سلبية من إبليس تجده يستسلِّم فورًا واهِمًا أن كَوُن مشاعره تميل لتلك الخطايا إذًا هذه حقيقته ناسيًا حقيقته الذي صار عليها ودور الروح القدس في حياته.

 هذا الشخص الذي قد يكون في الظاهِر يُرنِّم ويتغنَّى بالروح القدس أو يُعلِّم أو يشارك اختبارات مُتحدِّثًا فيها عن دور الروح القدس وكيف إنه يُعدِّل الشخصية، لكن ما يَحدُّث معه في الحقيقة هو أنّ إبليس دارِسٌ شخصيته جيدًا ويَعلَّم الزوايا التي لا يقول فيها “لا” ويهاجمه فيها.

 “٢…أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ”؛ تُعنِي مَن يُعادون الكلمة من خلال السُخرية أو التقليل منها، وليس شرطًا أن تكون السُخرية ظاهرية بل عدم السلوك بالكلمة في حدّ ذاته هو بمثابة عصيانًا لها. يجب أن تستمر في جَعْل الكلمة السيد على حياتك كونك قَبِلْت الرب يسوع أي تكون عقليتك: “كون الكلمة قالت ذلك إذًا هي هكذا”.

 “١ وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا…”؛ نفهم من ذلك أن الموت ليس الموت الجسدي أو الذهاب للجحيم فقط، فالجحيم هو السلاح الذي صُمِّمَ لإبليس وملائكته وليس للبشر، لذلك كل مَن هو تحت سيادته (إبليس) يسري عليه مفعول الموت الذي أعراضه هدم الشخصية والألم أو المرارة الداخلية….إلخ.

 استردَّ الرب يسوع كرامتنا أي جعلنا نرى أنفسنا كما يرانا الله، وليس طبقًا للصورة التي شوهتها نظرتك الخاطئة لنفسك بسبب ما قاله لك إبليس على مَرَّ السنين من خلال أفكارك أو أُناسٍ حولك أو من آياتٍ بتفسيرات شُرِحَتْ لك خطأً من خدام -في الظاهر- كبار روحيًا وهذا الأبشع! لأنها أتت من مصدر موثوق التي هي كلمة الله ولكنها مشروحة خطأً!

 أتعلَّم لماذا المولودون ميلادًا ثانيًا مُقدَّسون في الرب؟ لأنه يوجد هجومٌ شَرِسٌ من الأرواح الشريرة عليهم مُستهدِفةً الشخص منذ تكوينه في بطن أمه الذي قد يُربَى بصورة صحيحة من قِبل والديه، حيث يجعلونهم يقولون له كلامًا سلبيًّا، فَهُم يعلمون أنه سيتأثَّر بهذا حتى وإن كان جنينًا في بطن أمه!

 حيث إن الإنسان ينمو روحيًا ونفسيًا وجسديًا وليس فقط جسديًا كما ظنَّ البعض، فالطفل يستقبل ما قيل له من سلبيات في روحه وعندما يكبر يكره نفسه وتُحطَم شخصيته!

 يُكمِل الرسول بولس مُوضِّحًا السبب وراء تصرُّفاتنا الخاطئة في السابق قبل إنقاذنا من سُلطة إبليس ودخولنا لمملكة الله، حيث كان جسدنا هو مَن يقودنا وليس العكس، فقد كانت طبيعتنا فاسدةً، بداخلها قوة لصُنْع الشرّ مصدرها أرواح شريرة!

 

  • هل دُفِعَ الثمن لإبليس أم لله؟!

“لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ.” (١ كورنثوس ٦: ٢٠).

 الآن أنت تفهم مدى ضخامة تلك الكلمات، حيث كانت شخصيتك مُبتلَعةً من إبليس مِمَّا جعلك غير قادِرٍ على قول: “لا”، وصرت خاضِعًا للخطية وللظروف ولتحايُل الناس مُقتنِعًا بكل ما يُملَى عليك، حيث يسهل بيع أي شيءٍ لك كونك مُنعدِمَ الشخصية.

 “قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ”، لكن لمِن دُفِعَ الثمن؟! فقد ظَنّ الكثيرون أنه دُفِعَ لإبليس، ولكن هذا خاطئٌ فقد دُفِعَ الثمن للمحكمة السماوية أي للعدل الإلهي، فإبليس ليس له شيءٌ من الأساس!!

 دعوني أتطرَّق لمزمور كَتَبه بني قورح ولكنه مُستوحَى من مسحة داود واستنارته التي شرحها لهم، وقد صاغوه في ترنيمة كالآتي:

“١ اِسْمَعُوا هذَا يَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ. أَصْغُوا يَا جَمِيعَ سُكَّانِ الدُّنْيَا، ٢ عَالٍ وَدُونٍ، أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ، سَوَاءً. ٣ فَمِي يَتَكَلَّمُ بِالْحِكَمِ، وَلَهَجُ قَلْبِي فَهْمٌ. ٤ أُمِيلُ أُذُنِي إِلَى مَثَل، وَأُوضِّحُ بِعُودٍ لُغْزِي. ٥ لِمَاذَا أَخَافُ فِي أَيَّامِ الشَّرِّ عِنْدَمَا يُحِيطُ بِي إِثْمُ مُتَعَقِّبِيَّ؟ ٦ الَّذِينَ يَتَّكِلُونَ عَلَى ثَرْوَتِهِمْ، وَبِكَثْرَةِ غِنَاهُمْ يَفْتَخِرُونَ. ٧ الأَخُ لَنْ يَفْدِيَ الإِنْسَانَ فِدَاءً، وَلاَ يُعْطِيَ اللهَ كَفَّارَةً عَنْهُ. ٨ وَكَرِيمَةٌ هِيَ فِدْيَةُ نُفُوسِهِمْ، فَغَلِقَتْ إِلَى الدَّهْرِ.” (المزامير ٤٩: ١-٨).

 يُوجِّه الآن الكاتب كلامه للعالم كله غير مُستثني أي فئةٍ، حيث أرادَ توصيل ما تَوَصَّل إليه بعد تأمُلٍ كثيفٍ كاشِفًا اللغز أخيرًا، مُوضِّحًا أن الفدية سيتمّ دفعها “لله” وليس لإبليس! وهي ضخمة جدًا لدرجة إنها غير قابِلة للدفْع من قِبل أي إنسان، لأجل هذا أُغلِقَ عليها إلى أن يأتي يسوع.

 من هنا استمدَّ الكاتب عدم خوفه من الموت، فهو أدركَ أن فدية إنقاذه من حالة البيع لإبليس الذي تَسبَّبَ فيها البائِع أي آدم حاكِم الأرض لن يستطيع دفعها أغنى الأغنياء الذين يتّكِلون ويفتخرون بثرائهم! لم يخَف داود من أي شيء مُستنِدًا على رصيد فَهْمه أي إنه مُنحازٌ للإله الذي سيفديه من قبضة الموت من خلال تقديم الذبائح.

 أعتقدُ أنك فهمت الآن شرعية فداء الإنسان الذي كان يُحتِّم على الله التَجسُّد والموت لأجلنا، فكون آدم انحازَ للعدو المُعاقَب، فسيسري عليه عقابه، قد تسأل لِمَّا لم يُنهِ عليه من البداية؟! هذا لأننا نحن مَن سنُحاكمه.

“١ إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ. ٢ لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ (ناموس الخطية الذي أدَّى للموت).” (رومية ٨: ١، ٢).

 انتبه، عبارة “السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ” غير موجودة في الوحي، فلن نجدها في المخطوطة الأصلية، فهي إضافة من الناسخ على الأغلب، ولكنها صحيحة كمبدأ روحي عام؛ “أننا علينا السلوك بالروح”.

 تَذكَّرْ أن الرسول بولس كان مُحاميًا، فهو يتكلَّم هنا بلغة مُوضِّحًا شرعية الأمر، ونراه تكلَّمَ أيضًا في رسالة أفسس بنفس اللغة: “إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ” (كولوسي ٢: ١٤).

 تطرَّقنا اليوم لأول معنى من ثلاثة معاني لكلمة عبودية، حيث أوضحت أننا اُشتُرينا ليس من قبضة إبليس فقط فنحن على الأقل كُنا تحت خمسة أسياد وسأشرح ذلك تفصيلًا المرة القادمة، فالثمن الذي دُفِعَ كان للقانون (الناموس) وليس لإبليس.

“١٢ شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، ١٣ الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ” (كولوسي ١: ١٢، ١٣).

“وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ.” (١ بطرس ٢: ٩).

 أُنقذنا مِن سلطان إبليس ومن النظام العالمي السائِد جاعِلاً مِنَّا مُؤهَّلين لندخل النظام الجديد (مملكة يسوع)، فـ “النور العجيب” هو الـ aiōnأي systemتلك المملكة! مجدًا للرب.

________

من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة  الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الإقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.

Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations is forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.

 

Download

2 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$