حلقة: من السجن للقصر
برنامج: من البداية للنهاية
لمشاهدة الحلقة على الفيس بوك أضغط هنا
لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب

لسماع الحلقة على الساوند كلاود
برنامج من البداية للنهاية
(راديو الحق المغير للحياة).
الحلقة السادسة والعشرون: من السجن إلى القصر (الجزء الأول)
تنويه: العظة مكتوبة بـالذكاء الاصطناعي، لم تُراجع من خدمتنا بعد، إن وجدت أخطاءً في الكتابة تواصل معنا واذكرها لنا.
أهلاً ومرحباً بكم في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات “راديو الحق المُغيّر للحياة”.
في برنامجنا هذا، نسير معاً من البداية إلى النهاية، ونتوق لأن نتعرف أكثر وأكثر على الحق الكتابي. كما تعلمنا، فإن برنامجنا ليس مجرد برنامج دراسي بحت، ولا نكتفي فيه بدراسة الأصحاحات، بل هو رحلة دراسية نتعرف من خلالها على أهم المحطات التي مر بها كوكب الأرض، وكيف تعامل الله مع الإنسان، وما هو دورنا، وما الذي يمكن أن نستفيده ونحن نمضي في هذه المحطات.
وكما نفعل في كل مرة، نضع سؤالاً لحلقتنا، وكان سؤال حلقة اليوم يدور حول: كيف أسير ضد التيار؟ وكيف أحافظ على مبادئي؟ نريد أيضاً أن نرى ما هي محطتنا اليوم، وما علاقتها بهذا السؤال. هل حقاً وُجد أناس في الكتاب المقدس، توقف عندهم الكتاب في محطات مهمة، تعاملوا مع تحديات كبيرة في حياتهم، وعرفوا كيف يقفون ضد التيار؟ وهل كان من المهم أن يفعلوا ذلك، أم لم يكن من المهم أصلاً أن يعيشوا ذلك الوقت؟
هذه هي محطتنا اليوم بالفعل. سفر التكوين، كما عرفنا، يتكون من (٥٠) أصحاحاً، وتنقسم الأصحاحات الأحد عشر الأولى لتحكي عن أول شخصين أوجدهما الرب، آدم وحواء، ثم نقرأ عن شخصيات مهمة مثل أخنوخ ونوح. ثم بداية من أواخر الأصحاح (١١)، سنبدأ بتناول قصة العائلة التي بدأ الرب يتعامل معها. ومن الأصحاح (١٢) إلى آخر أصحاح في سفر التكوين، يتعامل الرب مع هذه العائلة: إبراهيم، ثم من إبراهيم تناولنا قصة إسحاق (وتركنا إسماعيل)، ثم من إسحاق تناولنا قصة يعقوب (وتركنا عيسو)، ثم من يعقوب، الذي كان له (١٢) ابناً بالإضافة إلى بنت، سنتناول شخصية حلقتنا اليوم، وهي شخصية يوسف.
إذاً، محطتنا اليوم هي محطة يوسف، لكي نتعرف أكثر على يوسف، ومن هو، ولماذا سار في هذه المحطة. هل عرف حقاً كيف يقف في وجه التيار أم لا؟
لماذا نقف عند محطة يوسف؟
لقد نالت شخصية يوسف أكبر عدد من الأصحاحات في الجزء الذي يغطي حياة إبراهيم وإسحاق ويعقوب ثم يوسف. من الأصحاح (٣٧) إلى أواخر سفر التكوين، نجد أن التركيز كله ينصب على يوسف، وبالطبع يظهر إخوته وأبوه، لكن التركيز الأكبر عليه. فلماذا ندرس هذه الشخصية بالذات؟ وما علاقتها بالمحطات العامة التي نتناولها؟
*دوره في خطة الله الخلاصية
كان ليوسف دورٌ عظيمٌ جداً في كل العالم، كما سنرى. ليس فقط في كل العالم، بل كان له دور مع شعبه وأمته. كانت أمته مجرد (٧٠) شخصاً عندما أتوا إلى أرض مصر، وهو الذي كان وراء إعالتهم لكي تنمو هذه الأمة وتكبر، وفي يوم من الأيام، عندما خرجوا من أرض مصر، وصل عددهم إلى ما يقرب من ستة ملايين شخص. لقد كان هو الشخص الذي حافظ عليهم، وهو الذي استخدمه الرب ليُخرج الشعب. فكان له دور مهم في حماية الخطة الإلهية، وهي أن الرب من خلال هذه العائلة، عائلة إبراهيم التي بدأت تكبر، سيُخلّص العالم.
*الرجل الحديدي الذي لم ينكسر
هناك سبب آخر، وهو أن يوسف يمكننا أن نطلق عليه بلغتنا المعاصرة – مثلما تنتشر أفلام “سوبرمان” الرجل الخارق، و”آيرون مان” الرجل الحديدي، و”باتمان” – يمكننا أن نسميه حقاً “الرجل الحديدي” حسب كلمة الله، وليس حسب تصنيف العالم. وسنعرف ما هي الأمور التي مر بها وكان فيها رجلاً حديدياً بالفعل؛ لم يكسره شيء، ولم يهزه شيء، لكنه عبر في كل هذه الأمور. لهذين السببين، نحن ندرس هذه الشخصية، شخصية يوسف. إنها محطة كبيرة سنتوقف عندها، محطة قصد الله في الكتاب أن يركز عليها، ويريد أن يوصل لنا من خلالها هدفاً ورسالة واضحة جداً نعرف كيف نطبقها عملياً. نحن متفقون على أننا نريد أن يكون كل شيء عملياً. فكل شخص يمر بتحدٍ، وعندما نتحدث عن شخصية يوسف، سنرى كيف قدر هو أن يعبر، ونحن أيضاً بنفس الطريقة التي سار بها، يمكننا أن نعبر التحديات.
من هو يوسف؟
كما درسنا حياة إبراهيم وإسحاق وكل هؤلاء الأنبياء العظام، نريد أن نعرف من هو يوسف.
- بداياته: كان يوسف ابن يعقوب، ووُلد في الوقت الذي كان فيه يعقوب عند خاله لابان في منطقة اسمها حاران، فيما بين النهرين. بعد ولادته بست سنوات، بدأ أبوه بالتحرك عائداً إلى أرض كنعان. توفيت أمه في وقت مبكر، فكان مُدللاً من أبيه، الذي كان يحبه بشكل مبالغ فيه. كان هو الابن المتبقي من راحيل (بالطبع تبقى منها أيضاً بنيامين)، لكنه كان الكبير الآن، فكان هو المُدلل.
- القميص الملون: فعل أبوه شيئاً غريباً، إذ أحضر له قميصاً ملوناً. أثار هذا الأمر غيرة إخوته بطريقة شديدة، فقد كان هناك تمييز في بيت يعقوب. وكما كان أبوه يعاني من التمييز (إذ كان إسحاق ورفقة يميزان بين يعقوب وعيسو)، وقع يعقوب أيضاً في نفس الخطأ، فكان يميز يوسف عن إخوته. هذا الأمر جعل غيرة إخوته تزداد. لقد منحه قميصاً ملوناً. وماذا يعني القميص الملون؟ ببساطة، إنه يرمز إلى كرامة عظيمة ومكانة رفيعة. لم يكن الأمر مجرد هدية، كأن يأخذ قميصاً شكله جميل أو لونه جذاب وينتهي الأمر. لقد وصل الأمر بإخوته إلى أنهم فهموا أن أباه يرسم له مستقبلاً بأن يأخذ البكورية في يوم من الأيام، ويصبح هو البكر، لأنه منحه أكبر كرامة وأعلى مكانة، وكأن الأمر بمثابة تتويج له في ذلك الوقت. ويقول بعض اليهود إن هذا القميص، أو هذه الثياب المطرزة التي لبسها، كانت لها علاقة باللباس الذي كان يرتديه آدم، والذي انتقل في يوم من الأيام بعد آدم إلى نمرود، وبعد نمرود أخذه عيسو، ثم أخذه يعقوب من عيسو. ولأنها كانت شيئاً ثميناً جداً يحافظون عليه، أعطاه يعقوب ليوسف. كان هذا يعني: أنت في مكانة عظيمة جداً، وأعلى حتى من إخوتك.
- الأحلام: بدأت حياته بأحلام. حلم حلمين: حلم له علاقة بالقمح والأرض، ثم حلم له علاقة بالسماء.
- الحلم الأول (الأرض والقمح): حكى لإخوته قائلاً: “رأيت في حلم أننا نحزم حزماً من القمح، نجمع القمح بعد حصاده في صورة حزم، فرأيت حزمتي وقفت في المنتصف، وحزمكم الأحد عشر وقفت وانحنت لي”. بالطبع، زاد هذا من غضب إخوته أكثر، “وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِسَلاَمٍ“. لقد أثر الأمر فيهم جداً. كان مجرد طفل يحكي أحلامه، لكن هل كان هذا من الحكمة؟ لقد كان فعلاً من عدم الحكمة أن يتصرف بهذه الطريقة، وأن يفصح عن أمور سنكتشف بعد قليل أنها كانت أموراً عظيمة جداً، كشخص يُفشي سراً عسكرياً كبيراً لا يجب أن يُحكى لأي أحد. كان من المفترض أن يذهب ويحكي الأمر مثلاً مع أبيه أو مع شخص يمكنه استيعاب ما يقوله. حتى أبوه في وقت ما لم يفهم هذا.
- الحلم الثاني (السماء): عندما حكى في المرة الثانية عن أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر يسجدون له، استغرب أبوه أيضاً من هذا، وقال له: “هل تريد أن تقول إنني وأمك أيضاً…”. لقد فهم أن الشمس والقمر يمثلانه هو وأمه (مع أن أمه راحيل لم تكن موجودة في ذلك الوقت)، وأنهم سيسجدون ليوسف، أو أنه سيصبح عظيماً بدرجة كبيرة جداً.
- المؤامرة والبيع: ازداد غار إخوته أكثر، ثم خططوا لقتله. في يوم من الأيام، أرسله أبوه ليطمئن على سلامة إخوته. ذهب إلى المكان الذي كان من المفترض أن يكونوا موجودين فيه، في شكيم، لكنه لم يجدهم. لم يرجع، بل أكمل وسأل عنهم، فقيل له إنهم ذهبوا إلى مكان آخر اسمه دوثان. لقد كان شخصاً مطيعاً، فذهب إلى دوثان. وهناك، بينما كان قادماً ليطمئن عليهم وعلى حالة الغنم التي يرعونها، خططوا لقتله. بدأوا يسخرون منه: “صَاحِبُ الأَحْلاَمِ أَهْوَذَا! هَلُمَّ فَنَقْتُلْهُ”. كان هذا هو تخطيطهم. انتهى الأمر بإنقاذ إلهي، فلم يُقتل. كان رأوبين وراء فكرة إنقاذه، إذ قال لهم: “لماذا نفعل هذا؟ فلنلقه في البئر”. كان يخطط لأن يعود ويأخذه إلى أبيه من ورائهم، لكنه كان خائفاً ولم يقدر أن يقف أمام إخوته. فخطط أنه بعد أن يغادر إخوته، سيأخذه من البئر التي كانت بلا ماء. ثم، بينما لم يكن رأوبين معهم، مرت قافلة، فقال يهوذا: “حسناً، لماذا نقتله؟ فلنبعه ونستفد، وفي النهاية لن نكون قد قتلناه”. فعلوا ذلك وباعوه.
- الخداع والألم: خططوا لخطة أخرى ضد أبيهم، خداعاً أيضاً. ذبحوا جدياً، وأول شيء فعلوه هو أنهم أخذوا القميص. (لاحظ أن اللباس في حياة يوسف يركز عليه الكتاب بطريقة مهمة جداً). أخذوا القميص وغمسوه في دم الجدي، وأرسلوا أناساً أمامهم، ولم يذهبوا هم. لقد تأكدوا أن معنى هذا الرداء لم يكن مجرد قميص، بل كان شيئاً كبيراً بالنسبة لهم، وهو الذي سيثبت أيضاً أن يوسف قد انتهى. لدرجة أنهم لم يخبروا أباهم بما حدث، بل جعلوه هو الذي يستنتج. قالوا له: “حَقِّقْ، أَقَمِيصُ ابْنِكَ هذَا أَمْ لاَ؟“، وسكتوا. لم يقولوا أي شيء آخر. فبدأ أبوهم يستنتج: “أجل، لقد افترسه وحش رديء”. لقد أوصلوا أباهم إلى الاستنتاج الذي أرادوه، ولكن من دون أن يكونوا هم في الصورة. خداع. (ولا ننسى أن يعقوب نفسه كان قد استخدم الخداع عندما لبس جلد الجدي ليخدع أباه عندما دخل مكان عيسو، فأولاده فعلوا به نفس الأمر).
- في مصر: انتقل يوسف مع الإسماعيليين والمديانيين، ثم بِيع في مصر. أخذوه ليعمل في قصر رجل اسمه فوطيفار، الذي كان رئيس شرطة فرعون في ذلك الوقت، أي أنه كان مسؤولاً عن الحرس والأمن، وهي مكانة عالية وكبيرة. وهناك، بدأت مكانته تتحسن قليلاً. ظل عبداً، لكنه بدأ يمسك بزمام أمور البيت. ثم حدثت مشكلة زوجة فوطيفار، ومحاولتها إغواءه ليقع في الخطية معها. رفض، لكنها لم تتركه في حاله، فوضعته في السجن. وبعد سنوات في السجن، تغير حاله في يوم وليلة بطريقة غريبة، فبعد أن كان في السجن ينزل إلى الحضيض، أصبح هو الشخص الثاني في مصر بعد فرعون، وكل أرض مصر تسجد له. بعد ذلك، جاء إليه إخوته. أعتقد أننا سنكمل القصة لاحقاً، لكن هذه هي القصة التي سمعناها جميعاً تقريباً ونحن أطفال أو في مدارس الأحد أو شاهدناها. وهي من أكثر القصص الأدبية التي تحدث عنها الناس، لأنها ليست مجرد قصة، بل هي قصة إلهية تاريخية حقيقية، لكن الناس ينظرون إليها أيضاً بمنظور الإعجاب بروعتها، وبما مر به يوسف.
الظلم والألم في حياة يوسف: هل الله هو السبب؟
بينما كنت تحكي، وما نعرفه عن يوسف، هو أنه تعرض لظلم في حياته. وربما إذا كنا نتحدث عن أمور عملية، فإن الظلم يحدث. فلماذا يحدث الظلم في حياة الناس؟
من بين الأخطاء التي يقع فيها البعض عند القراءة السطحية لكلمة الله، هو استخدام قصة يوسف لتطبيق مفهوم الظلم والألم، تماماً كما تُستخدم قصة أيوب لإثبات فكرة “السماحية”. فلو تحدثنا مع أي شخص عن أن الله لا يسمح بالشرور أو لا يفعلها، فإن أول ما سيأتي في ذهنه هو أيوب، وشوكة بولس، وأن الرب “سمح” بذلك. وهكذا أيضاً، قصة يوسف من القصص الأساسية التي يستند إليها الناس دائماً: “انظروا إلى الألم، لقد جعله الرب يمر بألم، سمح له بالألم”. البعض يقول إن الرب سمح بهذا الألم لتنقية الشخص، وفي حالة يوسف، لكي يرقيه أكثر أو يجعله ينمو. وهناك مقولة كانت تتردد دائماً: “يهمِس الله في مسراتنا، ويتحدث إلى ضمائرنا، ولكنه يصرخ في آلامنا وأوجاعنا”. فكانوا يستخدمون فكرة أن الألم هو البوق الذي يوقظ الإنسان من سكوته الذي يعيش فيه.
في الحقيقة، عندما ندرس شخصية الله حسب الكلمة وحسب ما أعلنه يسوع، نكتشف أن الله بعيد كل البعد عن أن يكون المسبب في ألم الإنسان، أو أن يكون هو من وراء الألم، سواء كان هو الذي سببه أو سمح به. (أشجع المشاهدين، إن لم تكن قد درست مقالة “السماحية” لباستور رامز، فهي من المقالات المهمة جداً التي تشرح هذا المفهوم الذي يؤدي عدم فهمه إلى وقوع الناس في هذا الفخ كثيراً).
عندما نرى شخصية الله، نجد أنه لا يستخدم الألم ضد الناس. لقد خلق الله خليقة من دون ألم، ومن دون معاناة. وأقصد بالألم كل أنواع المعاناة التي تشمل ما حدث ليوسف من ظلم، وأمراض، وآلام، وأي شيء يعاني منه الشخص. لم يكن هذا هو قصد الرب. لم نرَ الرب يستخدم هذا مع الإنسان. لم نرَ حياة الرب يسوع على الأرض وهو يترك الناس يمرون بظلم أو يظلمهم لكي يتعلموا دروساً. على العكس، يقول الكتاب إن الله يجذب الناس للتوبة عن طريق اللطف والإمهال وطول الأناة، وليس باستخدام الكوارث والمصائب والمشاكل الصعبة. الله ليس من نوعية الآلهة التي تستخدم وسيلة إبليس، وسيلة العدو، ليمر الناس بنوع من الألم لكي يبدأ الشخص في الاستفاقة.
قد يقول شخص ما، أو نجد أمثلة أمامنا: “أنا لم أعرف ربنا إلا عندما تعرضت لخسارة، عندما خسرت أموالي. لم أفق إلا عندما حدثت مشكلة معينة. لم أفق إلا عندما اكتشفت أن ابني أو ابنتي يعانيان من شيء ما، أو اكتشفت أن زوجتي لديها مشكلة معينة، أو خسرت شيئاً، مثل أموالي أو عملي، أو فقدت شخصاً عزيزاً عليّ، أو حتى فقدت عضواً من أعضائي”. فيبدأ الناس يشعرون: “أنا استيقظت في ذلك الوقت”. فيجعلون المتهم هو الشيء الجيد: “الألم جيد، الألم هو الذي أرجعنا لربنا”.
في الحقيقة، ليس الألم هو الذي أيقظ الشخص، لكن استجابة الشخص وقت الألم، استجابته لصوت الروح القدس الذي يرشده إلى كيفية إنقاذه في ذلك الوقت. هذا هو ما يهم. لأن هناك أناساً مروا بنفس أنواع الألم هذه وتركوا الرب تماماً، لم يستيقظوا. على العكس، اتخذوا اتجاهاً مضاداً تماماً ضد الرب، قائلين: “أنا لا أريد الرب، ولا الكنائس، ولا أي شيء”، وابتعدوا تماماً. فالموضوع ليس في الألم، لكن في الشخص الذي بدأ يتضع في ذلك الوقت، وبدأ يشعر أنه فقد الأشياء الغالية والثمينة، وبدأ ينتبه. في ذلك الوقت، بدأ الروح القدس يكلمه بمحبة، وصوت الأشياء التي كانت عالية في يوم من الأيام في ذهنه – مثل الأموال التي كانت عالية جداً وبدأ يخسرها – بدأ يشعر: “يا إلهي، في لحظة واحدة، كل ما بنيته في سنين انهار فجأة! لقد اتضح أنه لا يوجد شيء مضمون”. ومن هنا، عندما بدأت الأشياء الكبيرة تسقط في نظره، بدأ صوت الروح القدس، الذي كان يتكلم طوال الوقت، يعلو، فبدأ يسمعه. الروح القدس يتكلم طوال الوقت، وليس فقط وقت الألم. على العكس، الروح القدس ليس صامتاً إلا في وقت الألم. لا، هو نفسه. لذلك، فكرة أن الألم هو بوق الله ليست صحيحة. الله يطلق “بوقه” طوال الوقت، الفكرة تكمن في الانتباه. يقول الكتاب في سفر إرميا إن الرب يكلم الشعب: “تَكَلَّمْتُ إِلَيْكَ فِي رَاحَتِكَ“. هذا هو أفضل وقت يتكلم فيه الرب، وقت الراحة، عندما يكون الشخص في حالة من السلام، غير مضغوط، ولا يواجه أي شيء، لكي يتمكن من السماع.
ففكرة أن الرب وراء الألم أو الظلم أو ما يحدث لتعليم الإنسان، هي فكرة خاطئة. الله ليس إلهاً قاسياً ليمارس هذا ضد الإنسان. كما قلت، رأينا طبيعة يسوع وهو على الأرض يتعامل مع الناس، لم يستخدم الكوارث. الألم الذي ليس كتابياً (لأن هناك نوعاً من الألم كتابي سنتحدث عنه) ليس وسيلة الله لكي يعي الناس ويأخذوا حذرهم. صوت الكلمة لدى الله هو أعلى شيء، والله لن يعلي شيئاً فوق صوت الكلمة. لن يعلي الأمراض والمشاكل فوق صوت الكلمة، وكأنها هي التي أتت بنتيجة مع الإنسان بينما الكلمة لم تفعل. لا، الكلمة قوية جداً عندما يبدأ الإنسان في الاستماع إليها، وهي قادرة على أن تأتي بنتيجة في حياته.
فالألم في حياة يوسف ليس من الله. “مدرسة الألم” والدخول في وسط الألم و”التحميص” لكي تخرج شخصية قوية، ليس الرب وراء ما حدث ليوسف إطلاقاً. ورغم أن الخطة كانت موجودة بالأحلام من البداية، بأنه سيكون في هذه الوضعية وفي هذه المكانة، إلا أن هذا لا يعني أن الرب أراد أن يمر يوسف بالألم. ليس الألم هو الذي أوصله إلى هناك، لكن الرب فعل شيئاً: لقد استخدم ما مر به يوسف. خطة الله ليوسف كانت موجودة، وكانت ستتم بكل الأشكال، ولكن ما يحاول إبليس أن يفعله ويشوهه، يستخدمه الله لتحقيق غرضه وخطته الإلهية الحقيقية في النهاية. ينطبق على حياة يوسف نفس الآية التي قالها الرسول بولس: “وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ“. فالأشياء التي قد يراها الشخص كوارث ومشاكل صعبة، يستطيع الرب أن يحولها. هو ليس وراءها، ولم يسمح بها، لكنه يستطيع أن يحولها إلى شيء رائع، ويُخرج من الألم والأمور التي يمر بها الشخص مجداً. لأنه عندما نتحدث عن الظلم حسب كلمة الله، فإن الرب لا يريد أن يكون الإنسان طوال الوقت في حالة من الظلم والقهر، ويمر من ظلم إلى ظلم. يقول الكتاب في مزمور ١٠٥: “لَمْ يَدَعْ إِنْسَانًا يَظْلِمُهُمْ، بَلْ وَبَّخَ مُلُوكًا مِنْ أَجْلِهِمْ“. فالرب ضد هذه الفكرة.
ما هي أسباب الآلام في حياة الإنسان؟
الناس دائماً يرون أنه لكي يصل يوسف إلى المكانة التي وصل إليها، فإنه لم يصل إلا بعد أن “تبهدل” وعانى. فيبدو وكأنه: “أنا لن أصل إلى المكان الذي فيه قصد الله لحياتي، أو تتحقق الدعوة التي على حياتي، أو المجد الذي يريد الله أن يصنعه، إلا بعد أن أكون قد مررت بكل هذا الوجع”. لا أريد هنا أن يلبس شخص رداءً ليس رداءه، مثلما حاولوا أن يلبسوا داود لباس شاول، فهذا ليس لباسه. هذا ليس كتابياً. الرب ليس وراء هذا. لكن هناك نوع من الألم محبب يريده الرب، ومن خلاله يصنع مجداً في حياة الإنسان، لكنه ليس ألم الأمراض، وليس ألم الفقدان، وليس ألم الخسارة، وليس المشاكل التي يُدخل الشخص نفسه فيها.
إذن، ما هي أسباب هذه الآلام؟ وما الذي جعل يوسف يوضع في هذا الموقف؟ يمكننا أن نضع الألم الذي مر به يوسف تحت بندين. هناك عدة أنواع من الألم يتحدث عنها الكتاب:
١. الألم نتيجة الخطأ الشخصي: شخص أخطأ فتألم، أخطأ في شيء فتعاقب، فهو يحصد نتيجة الأفعال الخاطئة التي فعلها.
٢. الألم بسبب الجهل الروحي: هناك قوانين طبيعية وروحية تعمل طوال الوقت، وعدم المعرفة لن تحمي الشخص طوال حياته. في فترة معينة، يكون الروح القدس شفوقاً على الناس، تماماً كما نراعي في فترة من حياتنا أطفالنا الصغار، فتكون أعيننا عليهم طوال الوقت. لكننا نتوقع أن يكبروا إلى مرحلة لا يعودون فيها بحاجة إلى أن يكونوا تحت أعين الأب والأم طوال الوقت، ويصبحون قادرين على الحركة. في البداية، كانت أعين الأب والأم عليهم باستمرار لكي لا يضع يده في الكهرباء أو يلمس شيئاً ساخناً. لكنه كبر الآن إلى مرحلة يبدأ فيها بالخروج، ولن يتمكن الأب والأم من أن يكونا معه طوال الوقت. يجب أن يعتمد على نفسه. فهناك نوع من الألم بسبب عدم المعرفة، شخص لا يعرف فيُدخل نفسه في مشاكل. ليس بالضرورة أن يكون قد أخطأ في هذه الحالة، لكن عدم المعرفة نفسها تُعتبر خطية حسب كلمة الله. فأن يظل شخص جاهلاً ليس عذراً، كأن يقول: “أنا لا أعرف، فالرب يجب أن يحميني”. لكنه يفهم أن هناك جزءاً من المسؤولية يقع على الإنسان.
٣. الآلام لأجل البر والمسيح: هذا هو النوع الرائع، وهي آلام لأجل البر، أي لأن الشخص يسير بشكل صحيح، أو لأجل المسيح والإنجيل. عندما يسير الشخص بشكل صحيح في حياته، تحدث مواجهة طبيعية بينه وبين مملكة الظلمة. إبليس لا يريد الناس الذين يسيرون بشكل صحيح. وهناك أشرار في الأرض سيحاولون إيقاف الناس الذين يسيرون بشكل صحيح. لكن في النهاية، الأمر محسوم للناس الذين يسيرون بالبر.
نوعية ألم يوسف تنطبق على هذه النوعية الأخيرة. إنه ألم لأن الشخص تألم لأنه كان يسير بشكل صحيح. وفي نفس الوقت، كان هناك جزء من ألمه كان له دخل فيه، وهو أنه أفشى وفتح أحلامه في وقت مبكر. كان هذا عن عدم معرفة، وعن عدم حكمة أيضاً، لأنه كان يرى أن إخوته يكرهونه، وعندما حكى الحلم زاد الأمر سوءاً، فزاد الطين بلة بالحلم الثاني. لقد كان يرى أصلاً أن تفضيل أبيه له يجعل إخوته في حالة من الاحتقان، وكان يرى هذا ويلتقطه طوال الوقت. قال الكتاب: “لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُكَلِّمُوهُ بِسَلاَمٍ“. تخيل، (١٢) ابناً، ومن المعروف من يفعل ماذا. كان هناك احتكاك دائم بينهم. لدرجة أنه عندما قضوا وقتاً يرعون في الخارج، أرسله أبوه ليطمئن عليهم. فكان هناك احتكاك، وكان يفهم الأجواء. وكان جزء من غيرتهم أيضاً أنه كان ينقل أخبارهم السلبية إلى أبيهم طوال الوقت. كلما فعلوا شيئاً، كان يسرع ليبلغ أباه، فكان بالنسبة لهم شخصاً “يفشي” و”يفتن” عليهم.
لقد كلمه الرب بأحلام، نعم، لكن لم يكن الوقت مناسباً لفتح هذه الأحلام، ولم يكن مناسباً فتحها مع هذه النوعية من الأشخاص، أي إخوته. كان هذا كفيلاً بأن يُفسد الخطة كلها. هذا هو نوع الألم الذي مر به يوسف.
يمكننا أن نقرأ سريعاً عن هذه الأنواع في رسالة بطرس الأولى، الأصحاح الثاني:
“٢٠ لأَنَّهُ أَيُّ مَجْدٍ هُوَ إِنْ كُنْتُمْ تُلْطَمُونَ مُخْطِئِينَ فَتَصْبِرُونَ؟ بَلْ إِنْ كُنْتُمْ تَتَأَلَّمُونَ عَامِلِينَ الْخَيْرَ فَتَصْبِرُونَ، فَهذَا فَضْلٌ عِنْدَ اللهِ، ٢١ لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ.” (بطرس الأولى ٢: ٢٠-٢١).
إذاً، ما هو نوع الألم الذي مر به يسوع؟ هل تألم لأنه أخطأ؟ لا. لقد اضطُهد يسوع من الناس. هذا نوع من الألم مر به يسوع وهو يقدم الخدمة، وهو يقدم الإنجيل للناس. كانت هناك محاولات لقتل يسوع، ومحاولات لإيذائه، ومحاولات لإيقاف خدمته وإطلاق الشائعات عليه، لكن هذا لم يؤثر على يسوع. وفي رسالة العبرانيين، قيل عن ألم يسوع إنه “مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ“. القصة ليست في الألم في حد ذاته. البعض يقول إن “مدرسة الألم” هي التي ستجعل الشخص أكثر براً ونضجاً وترقياً. ليس الألم في حد ذاته، لكن تجاوب الشخص بالكلمة التي في داخله. لو مر يوسف في هذه الأمور ولم تكن لديه كلمة الله (كما سنتناول بعد قليل)، لكانت هذه الأمور قد “فرمته”. هناك أناس يمرون بمواقف صعبة، فإما أن يدخلوا مستشفى للأمراض العقلية، أو يخرجوا غاضبين من كل الدنيا، أو يصلوا إلى مرحلة الانتحار، أو يهربوا من العالم تماماً. هذا هو المبدأ الأساسي الذي يبدو لي موجوداً طوال الوقت: على قدر ما تتجاوب مع الروح القدس، على قدر ما تتجاوب مع الكلمة، أياً كان ما تمر به، حتى لو وصلنا إلى تحديات، فإننا نعرف كيف نتحرك، وما الذي نتحرك فيه.
المعركة الروحية وراء حياة يوسف
إذن، ما هو نوع الألم الذي مر به يوسف تحديداً؟ يكشف لنا الكتاب عن أمر لا يتحدث عنه الكثيرون، وهو أنه وراء العالم المادي الذي نراه، ووراء كل ما نراه، هناك ما يسمى “عالم الروح”، وهو المحرك الأساسي لأي شيء يحدث. القصة ليست في الناس، وليست في الظروف، لكن في الأرواح الشريرة التي تقوم بمحاولات لإفساد كل عمل إلهي. قال الرسول بولس: “فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ“. إذاً، توقف عن رؤية الأمر من الخارج.
دعونا نقرأ جزءاً عن حياة يوسف، ونجعل الكتاب هو الذي يتكلم عن نوعية الألم الذي مر به. في تكوين ٤٩، كان يعقوب يبارك أولاده، ومنهم يوسف، وحكى عن حياته الماضية والحاضرة والمستقبلية، فيقول عنه:
“٢٢ يُوسُفُ غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ، غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ عَلَى عَيْنٍ. أَغْصَانٌ قَدِ ارْتَفَعَتْ فَوْقَ حَائِطٍ. ٢٣ فَمَرَّرَتْهُ وَرَمَتْهُ وَاضْطَهَدَتْهُ أَرْبَابُ السِّهَامِ. ٢٤ وَلكِنْ ثَبَتَتْ بِمَتَانَةٍ قَوْسُهُ، وَتَشَدَّدَتْ سَوَاعِدُ يَدَيْهِ. مِنْ يَدَيْ عَزِيزِ يَعْقُوبَ…” تكوين ٤٩: ٢٢-٢٤.
هذا يعني أن هناك أناساً في حياة يوسف سببوا له مرارة، ورموا عليه، وضايقوه. “أرباب السهام” هم الناس المحترفون في رمي السهام. ولكن، قوسه ثبتت بمتانة، وتشَدّدت سواعد يديه من يدي عزيز يعقوب، وهذا هو السر وراء يوسف: علاقته بعزيز يعقوب، الذي هو الروح القدس. إذاً، ما حدث في حياة يوسف هو أنه كان هناك “تنشين” عليه. هذا ما يشرحه أبوه. تخيل لو أننا لا نعرف قصة يوسف، ونرى فقط الألم الذي مر به. أبوه يقول: “لقد كان مُستهدفاً”. من الذي استهدف يوسف؟ هل هم فقط إخوته الذين كرهوه واضطهدوه وتضايقوا منه وأرادوا قتله؟ أو زوجة فوطيفار التي، من دون أن يفعل أي خطأ، بل على العكس، رفض الخطية، فبدأت تعاقبه على سيره الصحيح؟
في الحقيقة، عالم الروح هو الذي كان وراء هذا. الأرواح الشريرة، كما قلنا، “مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ“. لا تنظر إلى ما يحدث من الخارج، بل انظر إلى ما وراءه، إلى المحرك للظروف والمحرك للأشخاص.
- في وقت ولادة يسوع، فجأة حدث ذبح للأطفال. أمر غريب. يبدو هيرودس هو الذي في المشهد، لكن في الحقيقة، من الذي كان يحرك هيرودس؟ الأرواح الشريرة. الشيطان التقط أن هناك شيئاً يحدث في الأرض، خلاصاً سيحدث. من يقرأ القصة من الخارج سيقول: “آه، هيرودس خائف من أن يظهر واحد من يهوذا ويرث العرش”. هذا هو المبرر الظاهري، لكن في الحقيقة، من الذي أوجد هذا المبرر لدى هيرودس؟ هي أرواح شريرة لا تريد أن يولد مخلص.
- وهكذا أيام موسى، فجأة في الوقت الذي سيولد فيه موسى، بدأ قتل الأطفال، وإلقاؤهم في النهر. وهو ينجو بأعجوبة، ويتربى في بيت الشخص الذي كان يريد قتله.
إذاً، في أوقات معينة، يكون هناك نشاط شديد للأرواح الشريرة عندما تشعر بأن هناك شيئاً عظيماً سيحدث في الأرض. هذا ما حدث في وقت يوسف. كان هناك أمر قادم كان يمكن أن يقضي على شعب إسرائيل، ليس فقط هذا الشعب، بل كل الشعوب بسبب المجاعة القادمة. لكن إبليس كان يريد أن يقضي على هذا الشعب بالذات. هذا هو غرض إبليس من البداية: “أين هو نسل المرأة؟”. ظل يبحث ويبحث، ووصل إلى أن نسل المرأة سيأتي من عائلة إبراهيم. التقط إبليس شيئاً. لذلك، عندما كان الرب يعقد عهداً مع إبراهيم، يقول الكتاب إن الجوارح كانت تريد أن تأتي وتأكل الذبائح، وكان إبراهيم واقفاً يحمي، يقوم بدوره في حماية العهد الذي يتم. لم يكن الرب هو الذي فعل ذلك. ما هي هذه الجوارح؟ كانت أرواحاً شريرة تريد إفساد هذا العهد، لأنها فهمت أن شيئاً يحدث في الأرض، وأن الإنسان سيستعيد السيطرة على الأرض من خلال نسل إبراهيم.
كان هناك تحرك من أرواح شريرة، خاصة أن الحلم الذي حلمه يوسف كان له علاقة به شخصياً، بالعظمة التي سيكون فيها، وليس هذا فقط، بل له علاقة بأمته، شعب إسرائيل، الذين سيأتي منهم الخلاص. وله علاقة أيضاً بيسوع مباشرة وبأواخر الأيام، لأن نفس الصورة التي رأيناها في تكوين ٣٧، سنجدها في سفر الرؤيا أصحاح ١٢، صورة مشابهة جداً مع اختلافات بسيطة عن المرأة المتسربلة بالشمس والقمر. ولأن الوحش التقط هذا، بدأ التحرك: “هيا، لنستهدفه”. لذلك قال أبوه: “لقد تم استهداف هذا الشخص”. قد تكون شخصاً عادياً، مسكيناً، تسير في الحياة، وفجأة تقابل ظروفاً صعبة، وتقول إنها صدف، أو “حظك سيء”. لا، لقد كان هناك استهداف.
حتى نحن كمؤمنين، في بعض الأحيان نتخبط في أنفسنا ونتساءل: “ماذا فعلت؟ ما هي هذه المشاكل؟ إلى أين ذهبت؟”. لأن يوسف كان جزءاً مهماً ومؤثراً جداً من خطة الله. لا ننسى أن يوسف كان واحداً من الرواد. والرائد هو الذي يمشي أمام الناس، وطبيعي أن يواجه أموراً لم يواجهها الذين يأتون بعده، لأنه هو الذي أنهى هذه الأمور لهم. مثل شخص يبني في منطقة غير معمرة، وهو أول من يبدأ بالتعمير فيها. هو أكثر شخص بذل مجهوداً، ويقول: “لقد واجهت كذا وكذا لكي أؤسس هذا وأبنيه”. وبمجرد أن بنى الدور الأول، أكمل الناس بعده، وسهل عليهم الطريق، ولم يشعروا بما شعر به. هؤلاء الرواد أحياناً يتعرضون لنوع معين من الألم. هذا لا يعني أن إبليس قوي أو شاطر أو سيقدر على هؤلاء الناس. هو يقوم بمحاولات لإجهاض الخطة الإلهية. هو يرى أن هناك “جنيناً” يتكون، مولوداً يتكون، شيئاً رائعاً سيحدث في الأرض. لذلك نجد، خاصة مع الأطفال، هجوماً شديداً من إبليس عليهم. لماذا نسمع أن هناك أطفالاً يموتون في سن مبكرة أو يصابون بأمور معينة؟ هذا يعني أن هناك هجوماً. إبليس يعرف أن هناك شيئاً سيحدث، فيحاول أن يفعل شيئاً: “أقتله مبكراً، أموته مبكراً، أقضي عليه مبكراً”. يقضي على الخطة مبكراً. يوسف لديه أحلام كبيرة، وهو في السابعة عشرة من عمره. “ألحق به وأقضِ عليه قبل أن يصل إلى هذه الأمور”.
لكن الرائع هو أن الرب يستخدم هذا للمجد، ويحول الأمور. ففي حياة يوسف، ما هي الأمور التي كان الرب وراءها؟ الرب لم يكن وراء كراهية إخوته، فالرب لا يشجع على الكراهية، بل العكس تماماً. الرب لم يكن وراء محاولتهم قتله، لكنه كان وراء الفكرة التي خرج بها رأوبين، وهي أن يُلقى في البئر. “يا جماعة، ارموه في البئر”. كان رأوبين يريد إنقاذه. الرب كان وراء هذا الجزء كإنقاذ. أرادوا أن يموت، فكان الرب وراء هذا الجزء لإنقاذه. وهكذا، أن يُباع لهذه النوعية من الناس، لأنه لو كانوا قد أخرجوه بعد ذلك، لكانوا قد أرادوا أن يشفوا غليلهم فيه ويقضوا عليه. أرادوا أن يروا نهاية أحلامه: “أرنا الآن الأحلام التي قلتها، بأننا سنسجد لك”. ونفس الأحلام التي حلمها يوسف، سنكتشف لاحقاً أنها حدثت حرفياً.
وهكذا، أن يُباع لهذه النوعية من الناس، وأن يُؤخذ إلى شخص يعمل في قصر فرعون، ليقترب من القصر، وليس أي شخص عادي يشتريه. وهناك، يجد نعمة في عيني فوطيفار، وفوطيفار يرى أن الرب معه، فيبدأ يعلي مستواه ورتبته، ويوليه أكثر وأكثر على بيته. ورغم أنه حدثت محاولات أخرى من إبليس لدفن هذه الأحلام مبكراً من خلال زوجة فوطيفار، وإيقاعه في الخطية، ورفض يوسف، وبدا أنه ينزل إلى السجن، إلا أن الكتاب يقول إنه كما كان الرب معه عند فوطيفار، كان الرب معه أيضاً في السجن، وأعطاه لطفاً في عيني رئيس السجن. والسجن الذي حُبس فيه لم يكن سجناً عادياً. كانت عقوبة يوسف في ذلك الوقت هي الموت. يوسف لم يمت. كان من المفترض أن فوطيفار عندما سمع شيئاً كهذا، أن يقتله على الفور. الأمر لا يستدعي السجن، بل الموت. لكنه سُجن، وسُجن في سجن معين خاص، كان سجناً ملكياً لكبارات البلد أو الناس الذين يخطئون في حق فرعون، وليس مجرد سجن عادي للناس العاديين. ومن هذا المكان، خرج إلى القصر. فالرب كان هو الذي وراء هذه الأمور الرائعة لحماية يوسف، الحماية الإلهية من الرب.
ما هي هويتك؟
دعني أوضح لك بسرعة ما هي هويتك. الهوية تعني: من أنا؟ وماذا أمثل؟ من الذي يُعرّف هذا؟ الطبيب يُعرّفك بأنك مريض. المحامي يتعامل معك على أنك شخص يريد موكلاً يدافع عنه في قضية، فيتعامل معك كزبون. المهندس يتعامل معك على أنك شخص يريد شيئاً، فهو يقرؤك (يفهمك) حسب طريقة تفكيره. المدرس يتعامل معك كتلميذ.
يختلف الوضع في الكنيسة. الكنيسة تتعامل معك على أنك ابن الله، أنت شخص مُقدَّر، لأن هذا الإله يراك بطريقة مختلفة. هو لا يقرؤك بتلك الطريقة المحدودة. فمع أنك بالنسبة للطبيب لست مجرد مريض – لا، أنت فلان الذي لديه أسرة، وفي سنة كذا، أو أنهى دراسته، أو أياً كان، ولديك تعريفات أخرى كثيرة – لكن الطبيب يراك ويضبط ذهنه على أنك الشخص الذي يريد علاجاً. لقد أغلق تفكيره عند هذه النقطة. إذاً، الشخص الذي يتعامل معك يراك من المنطلق الذي هو مُشبَع به، أو الذي يعرف كيف يساعدك من خلاله.
أما مع هذا الإله، فالوضع مختلف. هو يراك أنك أنت وهو واحد، وهذا موضوع ضخم جداً. هو يرى أنك مهم. ما الذي يجعلني أقطع مسافة من أجل شخص معين؟ إن ذلك يعتمد على قدر أهميته. ما الذي يجعلني… أن أسافر لأساعد شخصاً وأوصله إلى السودان؟ لقد سافرت بالسيارة لأوصله إلى السودان لأن هذا الشخص مهم. لا، بل لقد سافرت، سافرت إلى الأعماق في أدغال أفريقيا وتعاملت مع القردة والأسود لأن هذا الشخص مهم، صحيح؟ ماذا عن شخص مات آخر من أجله؟ إن تقييمه يضعني عند نقطة معينة. قد يقول شخص: “لا، إلا هذه النقطة، إلا هذه”. الرب يرى أن قيمتك هي قيمته.
لدرجة أن الملائكة ترى هذا الكلام. الملائكة ترى هذا الكلام. الملائكة ترى وتعرف هذا. والأرواح الشريرة ترى هذا الكلام أيضاً، لكنها تراه برعب وخوف. افتح معي بسرعة في دانيال ١٠ وعدد ١١. ظهر الملاك لدانيال ليخبره عن الرؤيا وتفسيرها، فيقول له:
“١١ وَقَالَ لِي: «يَا دَانِيآلُ، أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَحْبُوبُ جِدًّا…»” دانيال ١٠: ١١.
هكذا جاءت. الملاك طالع برسالة من الرب يقولها لدانيال، قال له: “انظر، أنت محبوب جداً”. ما الذي جعل دانيال… عذراً، ما الذي جعل هذا الملاك يرى هذا الكلام؟ ما الذي جعله يرى ذلك؟ إنه يرى انطباعات الرب وهو يتكلم عنه. لو جئت لتتحدث عن شخص مع آخر وهو غاضب منه، سيقول لك: “إنه متضايق منه جداً”. لكن الملاك يرى الكلمات المحبة خارجة من الله وهو يتكلم مع دانيال، فيقول له: “أنت محبوب جداً، أنت واصل جداً عنده، أنت شخص مُقدَّر جداً عنده”. الملائكة ترى هذا الكلام.
والأرواح الشريرة ترى هذا الكلام أيضاً، لكنها تراه برعب وخوف. افتح معي بسرعة أعمال الرسل ١٩ وعدد ١٥. حاول بعض الناس إخراج أرواح شريرة وقالوا: “باسم يسوع الذي يبشر به بولس”. فانظر ماذا حدث:
“١٥ فَأَجَابَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ وَقَالَ: «أَمَّا يَسُوعُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ، وَبُولُسُ أَنَا أَعْلَمُهُ…»” (أعمال الرسل ١٩: ١٥).
الروح الشريرة تعرف من هو الرب يسوع. نزل الرب يسوع إلى الهاوية، وهم يعرفون جيداً كيف أذلهم يسوع وأنهى قوتهم. لكنه جاء عند بولس وقال: “أنا أعلمه” (أي لدي خبر عنه). الأرواح الشريرة تعرف جيداً من أنت في عالم الروح، إنها تدرك ذلك. إياك أن تظن أن فلاناً عندما يشمئز منك، أو عندما تبدأ أن تمشي بالروح وتسلك بالروح، فتجد أن أصدقاء معينين بدأوا يتركونك. لماذا؟ لأنك بدأت تُسمَع في عالم الروح، والأرواح الشريرة تخاف.
الآن وصلنا إلى نقطة مهمة في هذه المحطة، وهي كيف وقف يوسف في وسط هذا التيار؟ ما هو التيار الذي مر به؟ ولنركز على نقطة: كيف عبر فيه؟ لقد كانت هناك طريقة غريبة تحدث معه، وكان هناك إلحاح شديد يحدث معه.
كيف وقف يوسف ضد التيار؟
هذه نقطة رائعة لنتحدث فيها، لكن أود أن أوضح أمراً، لأن البعض أحياناً يشعرون أن حياة يوسف كلها كانت ظلماً في ظلم. عاش يوسف (١١٠) سنوات: (١٧) سنة في بيت أبيه، وحكم مصر لمدة (٨٠) سنة، والجزء الذي يمكننا أن نقول إنه تعرض فيه للظلم كان (١٣) سنة. في بعض المراجع اليهودية، يُقال إنه قضى في السجن سنتين فقط، وفي مراجع أخرى يُقال (١٠) سنوات. لكن هناك اتفاق على أن السجن الذي كان فيه كان سجناً جيداً. بالطبع لم يكن أفضل شيء في البداية، لكن بعد ذلك، من الواضح أن السجن كان جيداً، لأن الكتاب يقول إن رئيس السجن وكّله على كل شيء.
لماذا أقول هذا؟ لأن لدى الناس نظرة قاتمة بأن من يسير مع الرب حياته كلها لطم وظلم. لا، بل العكس. الجزء الأكبر من حياته كان مجداً. وبين قوسين، لم يكن لدى يوسف نفس الاستنارة التي لدينا الآن، ولم تكن لديه السيطرة على الأرواح الشريرة التي أعطاها لنا الرب يسوع. لماذا أقول هذا؟ لأنه من المهم ونحن نفهم هذه القصة، ونفهم فكرة الألم، أن نراها أيضاً في ضوء العهد الجديد، في ضوء الاستنارة التي جلبها يسوع. كأنني أتحدث اليوم عن مناهج الرياضيات لسنة ١٩٩٠، لا يمكنني أن أقارنها باليوم. في ذلك الوقت، كانت المناهج بطريقة معينة، وعلى قدر السن بطريقة معينة. الآن نسمع أن الأطفال يدرسون مواد لم ندرسها نحن، مثلاً لم تمر علينا البرمجة تماماً، والآن نسمع أن الأطفال في المدارس يدرسون البرمجة. أريد أن أقول إن الاستنارة التي أحضرها يسوع مختلفة تماماً. فلا تقارن حياتك بحياته. نحن نعرف المبادئ الكتابية، لكن لا أضع حياتي محل حياة يوسف. لقد فهمنا المبادئ، وهي أن الرب لا يريد الظلم، ولا يريد أن يتعرض الإنسان له، لكن هناك نوع من الألم يتعرض له الشخص الذي يسير بالبر: “وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ“. لكنهم منتصرون. ليس معنى أن شخصاً يمر باضطهاد أن حياته كلها تذمر وتململ وتعب، وشخص، كما قلت، يُلطم ومتعب. لا، ليس هذا هو الحال. على العكس، نرى في حياة يوسف أن المجد في حياته كان أضعاف أضعاف أضعاف الحالة أو السنوات التي قضاها. كانت فترة صغيرة من حياته هي التي كان فيها الألم، وكيف خرج منها ليكمل الحياة التي نتحدث عنها.
وبين قوسين، لقد حوّل الرب هذا إلى مجد عظيم. كل الأمور التي مر بها يوسف، والإنقاذ من الموت، حوّلها الرب بطريقة عجيبة من أجل حياته هو، وكان يذوق يد الرب. حتى في الأمور الصعبة التي كان يمر بها يوسف، لم يكن الأمر كما يظن الناس. كان الرب معه. “كَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلاً نَاجِحًا“. هذه الآية قيلت وهو في بيت فوطيفار، لم تُقل وهو في بيت أبيه. وهكذا، نال نعمة في عيني رئيس السجن، وبسط الرب إليه لطفاً، لدرجة أنه وكّله، كما كان وكيلاً في بيت فوطيفار. من هنا نفهم أن فوطيفار أعطاه فترة وهو في حالة عبودية، لكن بعد ذلك توكل على كل شيء. وهكذا في السجن، قضى فترة ثم توكل على المسجونين، وأصبح هو المسؤول عن حالة الناس، لدرجة أنه هو الذي ذهب وسأل رئيس السقاة ورئيس الخبازين: “ما بالكما حزينين؟ ماذا هناك؟”. من الواضح أن هذا الرجل لم يكن كأنه مسجون، لم يكن يعيش هذه الوضعية، مع أنه يبدو أنه في نفس السجن ونفس وضعيتهم، لكنه كان يضع نفسه في وضعية مختلفة.
*أنواع التجارب التي واجهها يوسف
نوعية التجارب التي تعرض لها يوسف تنطبق على ما جاء في رسالة يعقوب الأصحاح الأول، التي تحدثنا فيها من قبل عن التجربة والامتحان. تحدث الرسول يعقوب عن نوعين:
١. النوع الأول (الأعداد ١-٣): عندما قال: “اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ“. ما هي نوعية التجارب المتنوعة هنا؟ كان اضطهاداً واقعاً على اليهود الذين يكتب لهم يعقوب الرسالة، والذين كانوا مشتتين في ذلك الوقت ويعانون، خاصة من أقاربهم. فبدأ يشجعهم: انظروا إلى هذا الاضطهاد، الذي هو تجربة تريد أن تحبطكم وتوقفكم، على العكس، انظروا إليها كفرصة لتثبتوا إيمانكم، ليمتحن إيمانكم وتثبتوه.
٢. النوع الثاني (قرب أواخر الأصحاح): تحدث يعقوب عن نوع آخر من التجارب، وهو عندما ينخدع الشخص من شهوته ويذهب وراءها.
لقد تعرض يوسف للنوعين. كان هناك نوع من الاضطهاد من إخوته ومن زوجة فوطيفار (ونحن نعرف أن وراء ذلك أرواحاً شريرة، كما قلنا، نحن لا نرى الناس في الصورة، بل نرى ما وراء الموضوع، تماماً كما رأى يسوع عند صلبه ما وراء الموضوع، فلم يقل للناس: “أنتم تأتون لتصلبوني، ماذا فعلت لكم؟”، لا، بل قال: “هذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ“، أي أن الأرواح الشريرة تعمل الآن).
النوع الثاني الذي سأتحدث عنه الآن في تكوين ٣٩، هو تعرضه لتجربة فيها إغواء من خلال امرأة فوطيفار. دعونا نقرأ هذا الجزء في تكوين ٣٩، وكيف ثبت يوسف رغم هذه المحاولات:
“٦ فَتَرَكَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ يَعْرِفُ شَيْئًا إِلاَّ الْخُبْزَ الَّذِي يَأْكُلُ. وَكَانَ يُوسُفُ حَسَنَ الصُّورَةِ وَحَسَنَ الْمَنْظَرِ. ٧ وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ امْرَأَةَ سَيِّدِهِ رَفَعَتْ عَيْنَيْهَا إِلَى يُوسُفَ وَقَالَتِ: «اضْطَجعْ مَعِي». ٨ فَأَبَى وَقَالَ لامْرَأَةِ سَيِّدِهِ: «هُوَذَا سَيِّدِي لاَ يَعْرِفُ مَعِي مَا فِي الْبَيْتِ، وَكُلُّ مَا لَهُ قَدْ دَفَعَهُ إِلَى يَدِي. ٩ لَيْسَ هُوَ فِي هذَا الْبَيْتِ أَعْظَمَ مِنِّي. وَلَمْ يُمْسِكْ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَكِ، لأَنَّكِ امْرَأَتُهُ. فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟». ١٠ وَكَانَ إِذْ كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْمًا فَيَوْمًا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ لَهَا أَنْ يَضْطَجعَ بِجَانِبِهَا لِيَكُونَ مَعَهَا. ١١ ثُمَّ حَدَثَ نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ لِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ هُنَاكَ فِي الْبَيْتِ. ١٢ فَأَمْسَكَتْهُ بِثَوْبِهِ قَائِلَةً: «اضْطَجعْ مَعِي». فَتَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ.” تكوين ٣٩: ٦-١٢.
*تحليل موقف يوسف
لم يتعامل يوسف مع هذا الوقت بمنطق: “أنا مأخوذ كعبد، لن أفعل لهم شيئاً”. قد يقول البعض إنه بالتأكيد كان يبكي ويشعر بالأسى على نفسه، لكن بينما نحكي الآن، نرى أن يوسف كان يتحرك في اتجاه مختلف، ليس اتجاه الشفقة على الذات. لقد كان اتجاهه مختلفاً، لدرجة أنه في المرات التي تحدث فيها عن ألمه، كنا نعتقد أنه سيستفيض ويشرح ويقول: “فعلوا بي كذا وكذا، وظلموني وجرحوني”، لكن على العكس تماماً، اكتفى بجملتين تقريباً وهو يصف ما مر به. عن بيت أبيه قال: “لأَنِّي قَدْ سُرِقْتُ مِنْ أَرْضِ الْعِبْرَانِيِّينَ“. هذا ما قاله، لم يقل: “إخوتي فعلوا بي كذا وكذا”، لم يحسب عليهم شيئاً. وعن امرأة فوطيفار، كان يمكنه أن يشهد ضدها، لكنه قال: “وَهُنَا أَيْضًا لَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا حَتَّى وَضَعُونِي فِي السِّجْنِ“. لم يذكر سيرة أشخاص على الإطلاق، فهو لم يكن يرى الناس في المشهد.
حتى عندما جاء إخوته ووقفوا أمامه خائفين ومرعوبين بعد أن عرفوه، قال لهم: “فَالآنَ لاَ تَتَأَسَّفُوا وَلاَ تَغْتَاظُوا… لأَنَّهُ لاسْتِبْقَاءِ حَيَاةٍ أَرْسَلَنِيَ اللهُ قُدَّامَكُمْ“. وبعد وفاة أبيهم، ازداد رعبهم وخوفهم، ظناً منهم أن أباهم هو الذي كان يحمي يوسف منهم، وأنه الآن سيصب كل غله وغضبه فيهم. لكن يوسف طمأنهم وقال: “لا تخافوا، أنا لن أعولكم فقط، بل سأعول أولادكم أيضاً”. كان اتجاه حياته مختلفاً. وعندما أنجب أولاده، فهمنا اتجاه حياته: سمى ابنه “مَنَسَّى“، قائلاً: “لأَنَّ اللهَ أَنْسَانِي كُلَّ تَعَبِي“، كل المذلة التي مر بها. وهذا يعني أنه شخص لا ينظر إلى الوراء، لا ينظر إلى ما فُعل به أو ما أُخذ منه. وعندما أنجب “أَفْرَايِم“، قال: “لأَنَّ اللهَ جَعَلَنِي مُثْمِرًا فِي أَرْضِ مَذَلَّتِي“. كان دائماً ينظر إلى الأمام، ينظر إلى الأعلى.
*شدة التيار الذي واجهه يوسف
لقد كان التيار الذي واجه يوسف قوياً جداً. هذه المرأة كانت تكلمه “يَوْمًا فَيَوْمًا“. كانت سيدته، ومن المفترض أن يطيع أوامرها. وكان لديه احتياج أيضاً. قد يقول البعض: “أنا لدي احتياج، والأمر جاء إليّ”. ويشرح التلمود أنها كانت تقوم بمحاولات كثيرة، فتغير ملابسها، وتعرض عليه المال، ثم تهدده بالسجن وبأنها ستفقأ عينيه. كان هناك ضغط شديد.
كان من السهل على يوسف أن يلتمس الأعذار لنفسه: “أنا شاب وحدي، غريب في هذه البلاد، ليس لدي زوجة أعود إليها في البيت فأحترمها، وليس لدي أب أعود إليه فيشجعني أو يساعدني. أنا في النهاية عبد لا أملك شيئاً، يمكنهم أن يحركوني كيفما شاءوا. هي بيدها أن تدخلني النعيم أو الجحيم”. كان يمكنه أن يخاف من التهديد. كان يمكنه أن يقول: “أنا شاب، أو أنا محبط مما فعله إخوتي”. فالبعض عندما يمر بإحباط شديد، يفرغ غضبه في الجنس، أو المواقع الإباحية، أو الصراخ، أو التدخين بشراهة. كان يمكنه أن يجد عذراً. “ثم إنها هي التي أتت إليّ، أنا لم أخطئ، ولن يعرف أحد. هذه امرأة فوطيفار، الكبيرة في البيت، وأنا أنفذ أوامرها. من سيعلم؟ وحتى لو عرف الناس، أنا في أرض غريبة لا أحد يعرفني”.
هذا التيار هو نفسه الذي يواجهه الكثيرون اليوم. قد يترك شخص بلده، وحيث لا يعرفه أحد، يتخلى عن مبادئه. قد يقول البعض: “كل الناس في عملي يرتشون، هل سأكون أنا الوحيد الذي لا يفعل؟ قد يطردونني”. لقد تعرض يوسف لكل هذا. لم تكن لديه سمعة يخاف عليها، ولا عائلة، ولا شيء يبكي عليه. فلماذا لا يكمل ويدخل في الأمر؟
والكتاب يقدم مفارقة غريبة. قرأنا تكوين ٣٩. لو ذهبنا إلى الأصحاح الذي قبله، تكوين ٣٨، نجد أخاه الكبير يهوذا يقع في خطية الزنا، وهو الذي يذهب إليها بنفسه. كأن كلمة الله ترينا مفارقة بين رجل كبير، مرتاح في بيته، ليس عبداً، ولا يشعر بالظلم، ولا ضغوط عليه، وهو بنفسه يذهب ليزني، وبين يوسف الذي في عز ما كان الأمر صعباً والتيار شديداً، وقف بصلابة.
سر ثبات يوسف: الهوية
كيف تعامل يوسف في وسط كل هذا؟ كيف عرف أن يخرج من هذا الموقف؟ قد يقول قائل: “يوسف كان في زمن قديم، لم يكن هناك إنترنت أو وسائل تواصل اجتماعي، ولم تكن الخطية متاحة بسهولة. لو عاش يوسف في أيامنا، لما استطاع أن يثبت لحظة”. لكن هذا خداع من إبليس. المبادئ لا تزال كما هي، والأرواح الشريرة لا تزال تعمل، يختلف شكلها فقط، لكنها هي نفسها.
كلمة الله لا يَبلى عليها الزمن. هذه القصة التي حدثت منذ ما يقرب من (٤٠٠٠) سنة، يمكنها أن تفيدني اليوم. ما هو السر؟
سر يوسف كان هويته.
ماذا تعني الهوية؟ ببساطة، أنا أفهم من أنا، ومن أين أتيت، وإلى أين أنا ذاهب. كل ما له علاقة بمن أنا، ومن أين أتيت، وإلى أين أنا ذاهب، سأسير فيه. وكل ما ليس له علاقة بذلك، سأبتعد عنه. كان يوسف يفهم هذا. هذا ما يثبت الشخص في الحقيقة. هل أنت تفهم من أنت؟ هل تفهم من أين أتيت؟ هل تفهم إلى أين أنت ذاهب؟
لقد ركز الكتاب على “اللباس” في حياة يوسف. قميصه الملون، ثم خلعوا رداءه عند البئر، ثم ترك رداءه وهرب من امرأة فوطيفار، ثم عندما خرج من السجن حلق ولبس لباساً جديداً، ثم ألبسه فرعون لباساً. ما قصة اللباس؟ يريد الكتاب أن يقول لنا إن يوسف، لأنه كان يفهم هويته، فحتى لو لبس أي لباس في أي مكان، فليس هذا هو المهم. اللباس الخارجي، الظروف، العمل، الناس الذين أتعامل معهم، هذه ليست أنا. أنا ألبسها في الصباح لأتمم عملي، لكنني أخلعها في النهاية. إنها ليست أنا. كان يوسف يفهم أنه ابن يعقوب، من نسل إبراهيم، شخص مبارك، وله هوية إلهية. لم يلقب نفسه أبداً “العبد” أو “السجين”.
لقد قال: “فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟“. أين رأيت الله يا يوسف؟ لم تكن هناك ظهورات إلهية ليوسف كما كانت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب. لم تأتِ آية تقول: “قال الرب ليوسف” أو “ظهر الرب ليوسف”. لكنه كان يسير بإيمان، ويفهم أن الله معه طوال الوقت.
*التطبيق العملي: الهوية والهدف
كل ما يتفق معي كابن لله، هو ما سأسير فيه. تحديد الهدف يجعلني أقول “لا” لأمور كثيرة، و”نعم” لأمور أخرى. إذا كنت ذاهباً إلى مكان معين، فإن أي شيء في الاتجاه المعاكس سأقول له: “لا، أنا لست متفرغاً، أنا أريد أن أصل إلى هدفي”. لذلك، من المهم أن تحدد أهدافك. إلى أين أنت ذاهب؟ ماذا يريد الله منك على الأرض؟ إذا تحددت هذه الأمور، فمن السهل أن تقول “لا”.
لماذا يقف شخص أمام الخطية كما وقف يوسف؟ لأنه يدرك من هو، يدرك أنه في المسيح، يدرك طبيعة البر التي في داخله، ويدرك ما هو آتٍ، أي الهدف. تقول التقاليد اليهودية إنه في وقت التجربة، ظهرت ليوسف صورة أبيه، وكأنه يقول له: “يا يوسف، حبيبي، وراءك أسماء أسباط إسرائيل. هل تحب أن يكون اسمك موجوداً ضمن الحجارة الكريمة الاثني عشر على صدرة رئيس الكهنة؟ أم تحب أن يُشال اسمك ويُقال عنك إنك زانٍ؟”. كان هذا مشجعاً له ليقول: “لا، أنا أريد هذا”.
كلما كان لدى الشخص هدف، ورأى كرسي المسيح، وأنه في يوم من الأيام سيُسأل عما يفعله، سيتغير منظره. كيف سيكون شكلك أمام كرسي المسيح؟ أنا لا أفعل هذا من أجل الناس، بل لأن في داخلي شيئاً حقيقياً أتحرك على أساسه.
*الرفض القاطع للخطية
لم يكن لدى يوسف تفاوض مع الخطية. الكتاب يقول: “فَأَبَى“، أي رفض بشدة. هناك مرحلة يجب أن يقول فيها الشخص “لا”، حتى للأفكار التي تأتي بإلحاح وتكرار. الميوعة والتراخي هما سبب السقوط. لقد وضع يوسف في ذهنه مسميات صحيحة: “هذا شر عظيم”. قد يقول له إبليس: “لماذا تكبر الموضوع؟ إنها مجرد نزوة”. إبليس يحاول أن يعطي مسميات مختلفة: الخلاعة يسميها “موضة”، والكذب “حكمة”، والخوف “حذر”. لكن يوسف كان لديه مسميات صحيحة وثابتة. كان يكره هذا الأمر.
لقد رفض رفضاً شديداً. لا مجال للحوار مع الأمور التي يدخل فيها إبليس. وهكذا يجب أن نقف ضد الأفكار السلبية والتشكيك والظنون تجاه الناس. إبليس يريد من يقول له “لا”.
صلاة
آمين. في حياة يوسف، في كل موقف مر به، مهما كان صعباً، كانت هناك يد إلهية تعمل. في كراهية إخوته، في إلقائه في البئر، إن كان يبدو أن الشر يعمل في ناحية، فقد كانت هناك يد إلهية تعمل في ناحية أخرى. أريد أن أشجعك وأقول لك: انظر إلى اليد الإلهية. كفى نظراً إلى الصورة السلبية: “فعلوا بي كذا، لم يعطوني حقي، ظلموني، طردوني”. إذا كنت تشعر بالغضب وتريد الانتقام، فهذه أفكار إبليسية. إن بدأت تنظر إلى الصورة الأخرى، فإن الرب قادر أن يحول هذا المشهد من خلال إيمانك إلى مشهد مختلف تماماً.
حافظ على رؤيتك ثابتة للانتصار الذي لك في المسيح يسوع. حافظ على كلماتك. من السهل في هذا الوقت أن يقول الشخص: “لماذا أنا بالذات يحدث لي هذا؟ هل لا يوجد غيري؟ أين الله مما يحدث معي؟”. هذا ما يسقط الشخص. هذه من الأمور التي تحتاج أن تقول لها “لا”. حافظ على إقرارات إيمانك، مهما كنت تمر به. هذا ما سينقذك ويخرجك كما أخرج يوسف.
حافظ على الهدف. كلما حافظت على هدف أنك في يوم من الأيام ستقف أمام يسوع، فإن الأمور الكبيرة التي لا تستطيع أن تسامح فيها، ستصغر جداً في عينيك. اترك هذه الأمور لمصلحتك. وكما عامل الرب يوسف بتعويض عظيم، هكذا لدى الرب أمور رائعة وتعويضات رائعة يمكنك أن تستمتع بها.
وإن كنت لم تقبل يسوع في حياتك بعد، أريد أن أشجعك. هذا العالم قاسٍ، لكن يمكنك أن تقبل يسوع وتخرج من نظام هذا العالم، من مخاوفه، ومن وضعية الانكسار والحزن. قل ورائي هذه الكلمات: “يا رب، إني آتي إليك. أنا أعلن أنك سيد ورب على حياتي. شكراً لأنك مت لأجلي وغفرت خطاياي. أشكرك لأنك قمت ثانية لتعلن أني بار فيك. أنا أقبل الحياة الأبدية في روحي الآن. أنا أقدر أن أسير بانتصار مهما كانت الأمور التي أمر بها”. هويتك وطبيعتك الجديدة هي ما سيثبتك، هي الشيء الذي لن ينكسر بك.
هللويا، هللويا، آمين.
__________
من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الاقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.
Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations are forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.
