صلاة التكريس
(متى26: 36-42)
36 ثُمَّ ذَهَبَ يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى بُسْتَانٍ يُدْعَى جَثْسَيْمَانِي، وَقَالَ لَهُمْ: «اجْلِسُوا هُنَا رَيْثَمَا أَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَأُصَلِّي»
37 وَقَدْ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبَدِي وَبَدَأَ يَشْعُرُ بِالْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ
38 فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ! ابْقَوْا هُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي!
39 وَابْتَعَدَ عَنْهُمْ قَلِيلاً وَارْتَمَى عَلَى وَجْهِهِ يُصَلِّي، قَائِلاً: «يَا أَبِي، إِنْ كَانَ مُمْكِناً، فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ: وَلَكِنْ، لاَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ!
40 وَرَجَعَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نَائِمِينَ، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «أَهَكَذَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً
41 اسْهَرُوا وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. إِنَّ الرُّوحَ نَشِيطٌ؛ أَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ»
42 وَذَهَبَ ثَانِيَةً يُصَلِّي، فَقَالَ: «يَا أَبِي، إِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ بِأَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُك!
نرى فى هذا المقطع من إنجيل متى إصحاح 26، الرب يسوع المسيح فى خلوته يصلي صلاة تكريس للآب. تعطينا هذه الأعداد صورة لتكريس الرب يسوع, بينما كان يخصص نفسه ليفعل مشيئة الآب. لكن عن أي شيء كان يتكلم الرب يسوع عندما صلَّى فى بستان جثيماني: “يَا أَبِي، إِنْ كَانَ مُمْكِناً، فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ” (ع39).
كان الرب يسوع يعلم أن الصليب موضوع أمامه. كان يعلم أنه ذبيحة الخطية الُمقدمة لأجلنا (عبرانيين 9: 26). فكر معي فى كمَّ الخطايا التي ارتكبها الجنس البشرى على مر العصور! يقول الكتاب المقدس, أن يسوع قد جُعل خطية لأجلنا حتى نصير نحن بر الله فى المسيح (2 كورنثوس5: 21). لكن يسوع فى بستان جثيماني, كان يعرف أنه سوف يذهب للصليب. ابن الله الطاهر, الذي هو بلا عيب, أراد أن يتراجع عن مسؤولية حمل خطايا البشرية بأكملها ومواجهة الانفصال عن الله. لذا لا عجب أنه عندما اقتربت هذه الساعات الأخيرة, ابتدأ يسوع يحزن ويتثقل, على الرغم من أنه كان يعلم أن موته الكفاري البديلي للجنس البشري, هو سبب مجيئه لهذا العالم. فظل يصارع مع تجربة التراجع عن المهمة التي جاء لأجلها, فصلَّى إلى الآب: “يَا أَبِي، إِنْ كَانَ مُمْكِناً، فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ”.
وبينما كان يسوع يصلي فى بستان جثيماني, يقول الكتاب أن عرقه كان يتساقط مثل قطرات الدم, بينما كان يصارع تجربة التراجع عن الصليب (لوقا22: 44). لم يكن سهلاً على يسوع أن يتمم خطة الآب. فى الحقيقة، كان ذهاب يسوع للصليب, لأجل خطايا العالم بمثابة كأس مُرَّة عليها أن يشربها. لكنه كان يعلم أن ثمر الفداء, سيكون خلاص الجنس البشري بأكمله. لذلك, ولأجل السرور الموضوع أمامه, خضع لمشيئة الآب (عبرانيين12: 2). فصلَّى يسوع صلاة تكريس وتخصيص لمشيئة الآب قائلا: “يَا أَبِي، إِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ .. فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُك!” (متى26: 42).
|
يبحث الله عن مؤمنين يريدون أن يكرسوا أنفسهم بالكامل, ليتمموا خطته في حياتهم, مثلما فعل يسوع فى بستان جثيماني. إن عينا الرب تجولان فى كل الأرض (2 أخبار الأيام 16: 9). فهو يبحث عن مؤمنين يقولون مع يسوع: “لتكن لا مشيئتي أيها الآب, بل مشيئتك..”.
إنه أمر لجدير بالملاحظة, أن يسوع لم يصلي هذه الصلاة مرة واحدة وحسب, لكن ثلاثة مرات يصلي ذات الصلاة (متى 26: 39، 42، 44). هكذا يتضح، أن صلاة التكريس ليست صلاة نصليها مرة واحدة مثل صلاة الإيمان. لكن صلاة التكريس, هي صلاة يمكنك أن تصلَّيها طوال حياتك. ولكي يصبح بإمكانك أن تتبع مشيئة الله لحياتك, فلابد أن تحافظ على تكريس مستمر وخضوع لمشيئة الله لتفعل مهما يطلبه منك.
المؤمنون الذين يفتقرون إلى التكريس
هناك افتقار واضح إلى تكريس حقيقي, بين مؤمنين كثيرين اليوم, ليتمموا مشيئة الله لحياتهم. كنت أعقد مقارنة مؤخرًا بين حال المؤمنين اليوم, وبين حالهم منذ خمسين عامًا مضت, منذ أن ابتدأت الخدمة. وعندما قارنت مؤمني اليوم بالماضي, وجدت أن الأمراض قد ازدادت انتشارًا بين المؤمنين الممتلئين بالروح, اليوم أكثر جدًا منذ خمسين عامًا مضت. ومن ناحية إظهارات روح الله, كان الروح القدس يتحرك بدرجة أعظم وصورة أوضح عن الوقت الحالي. وبينا كنت أفكر فى هذا الصدد, تكلم إليَّ الروح القدس قائلاً: “هذا صحيح. كان هناك تكريس حقيقي عميق بين شعبي في الوقت الماضي عما هو عليه الآن”.
سواء اخترنا أن نكرس حياتنا لطاعة الرب, أو اخترنا عصيانه, فسوف يؤثر ذلك على جميع زوايا حياتنا بالإيجاب أو السلب. إني مقتنع تمامًا بما أخبرني به يسوع من أن تكريس المؤمنين في الوقت الحالي, أقل بكثير مما كان عليه منذ خمسين عامًا مضت. كان تقدير المؤمنين وخشوعهم لأمور الله, ولحضور الروح القدس, أعمق بكثير في الماضي مما هو عليه الآن.. ونتيجة لذلك, قد أكرم الله الآب هذا التكريس العميق, والاحترام الشديد بأنه أعطى شعبه إظهارات عظيمة لروح الله. يحتاج المؤمنون اليوم لمثل هذا التكريس العميق لله مرة أخرى.
|
فى الكنيسة التي قمت برعيتها عام 1940, كنا نجتمع معًا عند المنبر ونصلي فى نهاية كل اجتماع. وعادةً ما كنا نصلي الترنيمة القديمة: “هل وضعت كل ما لك على مذبح التكريس؟” لم نعد نرتل هذه الترنيمة كثيرًا, لكن هناك مَن يحتاجون إلى الاصغاء لما تحتويه هذه الترنيمة من حق ثمين.
يتضح أنه هناك الكثير من المؤمنين الذين لديهم استعدادًا ليُخضعوا بعضًا مما لديهم على المذبح, لكن ليس الكل. ونتيجة لذلك, قد تعطلت خطة الله لحياتهم وحرموا أنفسهم من بركات كثيرة, هذا لأنهم لم يكرسوا أنفسهم بالكامل ليتمموا مشيئة الله بدلاً من مشيئتهم.
يحتاج جميع الخدام أن يعظوا ويعلَموا كثيرًا عن التكريس حتى ينهضوا قلوب المؤمنين ليُخضعوا كل شيء لله, ويكرسوا أنفسهم بالكامل ليتبعوا خطة الله لحياتهم. ليتك تقرر اليوم ماذا ستفعل بشأن تكريسك للرب. ليتك تصمم اليوم ما إذا كنت تستطيع أن تقول من كل قلبك: “ربي, سوف أفعل كل ما تطلبه مني.. سوف أذهب لأي مكان تريدني الذهاب إليه.. وسأبقى حيثما أنا, إن أخبرتني بالمكوث. بغضَّ النظر عما تكون مشيئتك لي, سوف أحمل الأخبار السارة عن يسوع المسيح وأكرز بها للآخرين”.
يتطلب الأمر أن تكون مستعدًا لتفعل أي شيء يطلبه الله منك. تحتاج أن تَعْهَد نفسك لتطيع الله ومشيئته فى كل يوم من أيام حياتك, وحتى نهاية تواجدك على الأرض.
منذ أن نلت الميلاد الجديد فى السادسة عشر من عمري, وأنا قد أدركت أهمية التكريس بالكامل للرب. وبعد أن صار لي أكثر من نصف قرن فى الإيمان, وأنا لا أزال أصلي صلاة التكريس ذاتها التي صليتها منذ خمسين عامًا مضت. لا أزال أقول للرب: “سوف أذهب لأي مكان تريدني الذهاب إليه. إن أرتدت لي الذهاب لأفريقيا فسوف أذهب. إن أردت لي البقاء حيثما أنا, فسوف أبقى. سوف أفعل كل ما تريدني فعله”.
لا تقل أبدًا: “لا يمكن”!
هذا لا يعني أني لم أخفق عن تكريس الكامل لأفعل ما يريدني الله فعله.
أتذكر ذات مرة, وأنا لا أزال راعيًا شابًا, أني حضرت مؤتمرًا للكتاب المقدس. وبينما كنت أتحدث مع رعاة آخرين بشأن رعوية إحدى الكنائس, قلت أثناء الحديث: “سوف أخبركم بشيء: ‘لن أكون راعيًا أبدًا لكنيسة ‘…..’”.
توقع ماذا يحدث بعد أقل من سنتين؟ كنت الراعي لذات الكنيسة التي قلت أني لن أرعاها أبدًا. لقد تعلمت درسًا جيدًا من هذا الاختبار: وهو أن الشيء الذي ربما لا أريد فعله وغير مستعد له يكون هو ذات الشيء الذي يريدني الله أن أقوم به. تخبرنا كلمة الله أن لنا فكر المسيح, ولنا الحق أن نعرف أفكاره من جهتنا. لكن فى بعض الأحيان, وعندما نسير بعقولنا البشرية بدلاً من أرواحنا, نقول أشياءً مثل هذه, فى حين يكون لدى الله شيء آخر خلافًا لذلك.
بعد هذا الاختبار, قررت أن لا أقول مرة ثانية: “يا رب، اطلب مني فعل أي شيء خلاف هذا الأمر. هذا هو الشيء الوحيد الذي لا أريد فعله”. وقد حرصت أن أحفظ قلبي مكرسًا بالكامل لله.
أتذكر أحد خريجي ريما الذين تعلموا ذات الدرس. قبل أن يتخرج هذا طالب ما كان قد أخبر معارفه أنه لن يكن راعيًا أبدًا. فأكمل سنتين الدراسة كلها فى ريما معتقدًا أن الله قد دعاه ليكون مبشرًا.
لكن فى حفلة الخريجين، وعندما وضعت يديَّ على هذا الطالب, نلت كلمة علم وحكمة بشأن هذا الشخص. فبدأت أضحك فى الروح وأقول: “لقد قلت أنك لن تكون راعيًا أبدًا، لكنك ستكون كذلك”. ثم وضعت يديَّ على زوجته وبدأت أضحك فى الروح مرة أخرى. قلت لها بالروح القدس: “لقد قلت أنك لن تكوني زوجة راعى أبدًا. لكنك ستكونين كذلك وستكونين مقتنعة جدًا ومسرورة جدًا لأنك كذلك”.
بعد انتهاء حفلة التخرج مباشرة, كان هذا الرجل يقود سيارته وهو يصلي بشأن الخطوة التالية فى خطة الله لحياته. فتكلم إليه روح الرب وقال له: “ارجع إلى البيت مباشرة الآن. وفى خلال ثلاثين دقيقة ستتلقى هاتف من شخص يطلب منك أن تأتي لتكون راعيًا لكنيسة فى مدينة صغيرة فى ولاية أوكلاهوما. أريدك أن تقبل رعوية هذه الكنيسة..”.
رجع هذا الشخص فى الحال للمنزل, وبمجرد أن دخل البيت حتى دق الهاتف. وكما تكلم إليه الرب حدث. فقد طلب منه الشخص المتصل أن يأتي ليرعى كنيسة فى مدينة صغيرة. أطاع هذا الخادم دعوة الله وقبل الرعوية. وهكذا تولى رعاية هذه الكنيسة مع زوجته, وقد تباركا كثيرًا لأجل طاعتهما. لقد وجدا إنهما مكتفيان تمامًا وممتلئان بالفرح, لأجل مشيئة الله لهما. حتى على الرغم من أنهما كانا يعتقدان أنهما لن يفعلا شيئًا مثل هذا أبدًا.
كن مستعدًا لتفعل أي شيء للرب
إنه لأمر شديد الأهمية أن تكون مستعدًا لتفعل أي شيء يخبرك به الرب. فعدم الرغبة في طاعة الرب, يمكن أن يكون عائقًا يؤخر اكتمال خطة الله فى حياتك. سوف يتضح ما أقوله من خلال شهادة سمعتها ذات مرة من أحد المبشرين المعروفين جدًا.
حكى هذا المبشر أنه نال الميلاد الجديد وامتلاء بالروح القدس, منذ أن كان فى الثالثة عشر, من عمره. ونحو هذا الوقت, شعر بدعوة الله على حياته للخدمة. مع ذلك, لكونه حديثًا فى الإيمان, خاف أن يجيب دعوة الله على حياته لئلا يدعوه الرب ليذهب للصين مبشرًا. وبتفكيره البشري, كان يرى الصين من الأماكن التي لا يريد الذهاب إليها.
لسنوات عديدة ظل هذا الشاب يصارع, من فكرة التوقع بأن الله ربما يرسله للصين. فتجنَّب الاقتراب أكثر إلى الله, لئلا يسمع صوت الرب يطلب منه الذهاب. ونتيجة لذلك, أعاق نفسه عن التقدم روحيًا, وابتعد عن الشركة الحميمة مع الرب, وظل خارج مشيئة الله لسنوات, لأنه كان هناك شيء لا يريد فعله: وهو الذهاب إلى الصين.
مرات عديدة, وأثناء تلك السنوات من الهروب من الله, كان هذا الشاب يذهب للكنيسة ويتقدم إلى المنبر ليصلي ويخضع نفسه لله بصورة مؤقتة.
هكذا يتضح, أن الشخص يمكن أن يكرس نفسه للرب بصورة مؤقتة. فأثناء الصلاة, ربما يعلن تكريسًا حقيقيًا للرب. لكن الاختبار العملي, يظهر عندما ينهض من الصلاة ويترك المنبر, ويجد نفسه مُطالبًا ليطيع الله, ويفعل أمرًا ربما لا يريد فعله. فإن كان تكريسه ظاهريًا، فسوف يتراجع الشخص عن التعهد الذي أخذه أمام الرب ويذهب ليصنع ما يريده.
ذات ليلة, وأثناء نهضة, كان هذا الشخص في الثلاثين من عمره, عندما أراد أن يذهب إلى المنبر مرة ثانية, ليعيد تكريس حياته للرب. وفى هذه المرة, كان جادًا بشأن خدمة الرب بغضَّ النظر عن مقدار التضحية التي سيقوم بها.
قال هذا الشاب وهو يسرد اختباره: “بمجرد أن رجعت إلى الشركة مع الرب, حتى وجدت نفسي أمام ذات التوقع مرة أخرى: هل أجيب دعوة الله للخدمة أم لا, إن دعاني للذهاب إلى الصين..”. هكذا يتضح, إن دعوة الله على حياة هذا الشخص ظلت ترافقه طوال تلك السنوات التي كان فيها هاربًا من وجه الرب. إن هبات ودعوات الله هي بلا ندامة (رومية11: 29). كان الله ينتظر عليه حتى يخضع حياته بالكامل له.
أكمل هذا المبشر قائلاً: “نحو هذا الوقت, رفعت يديّ لله وبكيت: ‘حسنًا يا رب.. إنني اخضع نفسي.. سوف أذهب للصين إن أردت ذلك. سوف أذهب لأي مكان تريد مني الذهاب إليه. لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك”. ثم أكمل قائلاً: “وفى الحال، وكأن هناك شخصًا واقف خلفي سمعت الرب يقول لي: ‘لم أُرد لك الذهاب إلى الصين، إنما أردت أن تكون مستعدًا لذلك وحسب”. بمجرد أن أخضع هذا الشخص حياته بالكامل للرب, حتى أنه أصبح واحدًا من المبشرين البارزين فى هذه الدولة. لم يكن لهذا الشخص أن يصبح مبشرًا معروفًا فى الولايات المتحدة ما لم يكن مستعدًا ليكون مبشرًا فى أي مكان يرسله إليه الرب – حتى إلى الصين.
ينطبق ها الحق على كل واحد منا؛ فما لم نكن مستعدين لطاعة الله فى أي زاوية من زوايا حياتنا, فلن يتسنى لنا اختبار خطة الله الكاملة لحياتنا, والاستمتاع بملء مسحته وبركته على حياتنا. فالله يريد منا أن نَخْضَع بالكامل لمشيئته. فهو يعلم إن كنا غير مستعدين لنطيعه فى زاوية ما, فهذا العصيان سوف يتفشَّى فى باقي زوايا حياتنا الأخرى, ويعيقنا عن اكمال السباق الموضوع أمامنا بنجاح.
|
فى الحقيقة، كل شيء تقريبًا أفعله اليوم لم يقبله عقلي عندما تكلم إليَّ الرب به فى البداية.
قبل نوالي الخلاص, وأنا فتى صغير, كنت أريد أن أكون محاميًا. وإن كنت تلاحظ عظاتي وتعليمي, فأنا كثيرُ ما “أترافع” عن حالتي (مع حرصي الدائم على إثبات حالتي من كلمة الله) بالطريقة التي يفعلها المحامى. إني لا أحاول أن أفعل ذلك, لكنه جزء من شخصيتي وحسب. وعندما كنت فى العاشرة من عمري, كنت أذهب إلى دار القضاء فى مدينتي, لأني كنت أستمتع جدًا بالجلوس فى قاعة المحكمة, وأستمع للمحاميين وهم يترافعون في قضاياهم. وبينما كنت أصغ إليهم, كنت متيقنًا أنني أستطيع أن أترافع أفضل منهم.
لكن بعدما وُلدت من جديد, وأنا لا أزال طريح الفراش مصابًا بسرطان الدم ومشلولاً أعاني من قلب مشوه, قلت للرب: “أنهضني من هذا الفراش وسأكون واعظًا”.
بكلمات أخرى كنت أقول: “ليست مشيئتي يا رب بل مشيئتك”. لقد اعتدت وأنا فتى يافع أن أصلي صلاة الخضوع والتكريس. وبعد ستة عشر شهرًا, أقامني الرب بطريقة خارقة للطبيعي, نتيجة لصلاة الإيمان. ولازلت أصلي صلاة التكريس منذ ذلك الحين.
لقد صليت صلاة التكريس مئات المرات. على سبيل المثال، بينما كنت أقوم برعاية أخر كنيسة فى ولاية تكساس, ابتدأ الرب يتعامل معي بشأن تغيير كان سيحدث فى خدمتي. كنت سأترك خدمة الرعوية وأخرج إلى حقل الخدمة. لسنوات عديدة كنت أشعر فى روحي بهذا التغيير, وكان الرب يُعدَّني لتلك الخطوة التالية فى خدمتي. عند هذه المرحلة فى حياتنا كعائلة, كنا نعيش فى أكثر الظروف ملائمة عن أي وقت آخر فى كل خدمتي. فقد كنت أتقاضى أعلى راتب فى حياتي. وكنا نعيش فى أرقى بيوت الرعوية من تلك التي عشنا فيها من قبل. وكنت أقود أفضل سيارة وكنا نرتدي أفضل الثياب التي ارتديناها في كل أوقات حياتنا السابقة.
ليس ذلك وحسب, لكن شعب الكنيسة أيضًا كان مسرورًا بي كراعٍ. أخبرتني لجنة القساوسة ذات مرة: “سنكون مسرورين يا أخ هيجن إن مكثت معنا وكنت راعيًا لنا للأبد..”. لما كنت سأتردد إطلاقًا إن اخبرني الرب أن استمر فى رعوية هذه الكنيسة الصغيرة. فلم أواجه أية مشاكل ضخمة فى هذه الكنيسة, بل كان شعبها ينمو ويزداد, وكانت لدينا أوقات شركة رائعة كعائلة وأصدقاء معًا.
لكن الرب ابتدأ يتعامل معي بشأن الخروج إلى حقل الخدمة . كانت بمثابة كأس لم أرد أن أشربها. كان لدي زوجة وطفلين, ولم أجروء على المغامرة بالأمان الذي كنا نعيش فيه بينما كنت فى خدمته الرعوية. فقد كانت لدي اثنتا عشرة سنة فى خدمة الرعوية وكان الخروج إلى حقل الخدمة بمثابة قفزة كبيرة للإيمان.
|
لقد صليت أكثر من مرة, حتى يدع الله هذه الكأس تعبر عني. ظللت أتكلم يوميًا للرب, ولمدة سنتين بشأن هذا الأمر. وأحيانًا كثيرة كنت أقضي الليل كله فى الصلاة, لأجل ذات الأمر بعينه. وعندما كانت الشمس تشرق, كنت أتوجه إلى الكنيسة, لأصلي هناك وأنا أتمشى فى طرقات المبنى, متحدثًا إلى الله حتى يتركني فى خدمة الرعوية, بدلاً من الذهاب لحقل الخدمة. ظللت أخبر الرب: “إن الجميع هنا مسرورين بي كراعٍ. وبالنسبة لعائلتي, فنحن نستمتع بالحياة هنا. فكل شيء يسير على ما يرام”.
وبكلمات كثيرة أخرى ظللت أتحدث إلى الله: “لماذا لا تتركنا حيثما نحن؟ لماذا تتبدد حياتنا المريحة التي نعيشها؟”. لكني لم أقدر على اقناع الله بتغيير ما أعده لي. فالكتاب المقدس يقول: “إِنَّ اللهَ لاَ يَتَرَاجَعُ أَبَداً عَنْ هِبَاتِهِ وَدَعْـوَتِـهِ” (رومـيـة 11: 29). فقـررت فـي النهـايــة أن أخـضـع
لمشيئة الله وقلت له: “لتكن لا إرادتي أيها الآب, بل إرادتك”. ثم أخذت فى عام 1949, أكبر خطوة للإيمان فى حياتي, وانتقلت إلى حقل الخدمة.
عندما تفرغت فى حقل الخدمة, لم أكن أعلم بعظمة النتائج التي سوف تتبع شرب كأس الطاعة هذه. حقًا, كانت هناك مواقف يصعب تحملها, وكانت الظروف قاسية لبعض الوقت. لكن الرب باركنا جدًا فوق أي حد يمكن أن نتخيله, هذا لأننا أطعنا خطته وليست خططنا ورغباتنا.
سوف نحتاج أن نشرب بعض “الكئوس” فى حياتنا والتي طالما اشتقنا أن تعبر عنَّا. لكن عندما نعرف أن هذه الكأس هي مشيئة الرب لنا, فسوف نتيقن بأن النتائج التابعة, سوف تكون لخيرنا ولمجد الله. لهذا السبب, نحتاج أن نبقى مفتوحين لمشيئة الله, ونكرس أنفسنا مثلما فعل يسوع, ونقول: “لتكن لا مشيئتنا أيها الآب, بل مشيئتك”.
|
هناك مؤمنون كثيرون لم يُخضعوا بعد كل شيء للرب. ربما هم مستعدون ليجعلوا يسوع ربًا على “جزء” من حياتهم. لكنهم ليسوا بعد مستعدين ليعطوه السيادة الكاملة, على زوايا معينة, تجد أجسادهم راحة فيها. وهناك البعض الأخر, الذي يعترف بأنهم وضعوا كل شيء على المذبح, فى حين أنهم لا يزالون يمسكون ببعض الأشياء عن الرب.
إنه لأمر شديد الأهمية, أن تتخذ قرارًا حاسمًا مرة وللمنتهى, بأنك ستكون للرب وتتبع خطته لحياتك حتى المنتهى. هذا التصميم سيكون لك بمثابة مرثاة لنفسك, تحفظك فى نطاق مشيئة الله الكاملة لحياتك, عندما يحاول إبليس أن يشن هجماته العنيدة عليك, حتى يشتتك عن خطته لحياتك.
حقًا, سوف يفعل إبليس ما بوسعه, مستخدمًا كل طاقاته وتجاربه, حتى يمنعك من طاعة الرب. لذلك, إن لم تُخضع بعد كل شيء للرب, فأنت في خطر الوقوع فى خداع العدو, ليستحوذ على إرادتك الشخصية, ورغباتك الجسدية, حتى تفقد أفضل ما أعده الله لك.
مفترق الطرق
هناك مؤمنون كثيرون, يعبرون بمفترق طرق فى حياتهم الآن. إنهم يواجهون قرارات سوف تؤثر على مجرى حياتهم. إنهم يجتازون مفترق طرق حيث يتحتم عليهم اتخاذ القرار, ما إذا كانوا سوف يكرسون أنفسهم بالكامل لمشيئة الله- بغضّ النظر عما يطلبه منهم- أم لا.
إن المؤمنين الذين يقفون فى مفترق طرق, بإمكانهم أن يختاروا طريق خططهم ورغباتهم الشخصية. وهذا الطريق ربما يبدو واسعًا ومضيئًا ومستقيمًا أمامهم, حتى أنه بإمكانهم أن يروا أقصى ما يصل إليه بصرهم. لكنهم إن استمروا يثقون في تفكيرهم بدلاً من طاعة الله, فهذا الطريق الواسع المشرق سوف يقودهم في النهاية إلى ظلام. بمعنى آخر, إن المؤمنين الذين لا يختارون مشيئة الله الكاملة, سوف يواجهون صعوبات وتجارب فى الحياة, لم يقصد لهم الرب ذلك, وكان بإمكانهم تفاديها.
ومن ناحية أخرى, نرى الطريق الذي أعده الله للمؤمنين الذين يطيعونه. فربما نجده أنه طريق ضيق يجتاز فوق جبال وينحدر إلى وديان عميقة, بل وربما تكون به منحنيات وإلتواءات تبدو خطرة. لذلك نجد أن أولئك الذين يتبعون خطة الله, ربما لا يقدروا أن يروا إلى مسافة طويلة فى الطريق. لأن اتباع خطة الله, هو مسيرة خطوة بخطوة, من الطاعة والإيمان. لكن بغضّ النظر عن الصعوبات التي تقابلهم فى طريق طاعتهم, فأن المستقبل الذي ينتظر أولئك الذين يسيرون فى طرق الله, عظيم ومجيد.
ربما تقول: “لكني لا أفضّل اتباع ذلك الطريق الضيق المنحني, حيث لا يمكنني النظر إلى مسافة بعيدة. فأنا لا أعلم إلى أين سيذهب. لكن هناك طريق مستقيم وواسع أمامي أستطيع أن أراه. أما الطريق الآخر فلا أستطيع رؤية ما وراء الجبال. فطريق الطاعة هذا يبدو صعبًا وعسرًا”.
لكن طريق الطاعة هو ذلك المسار الذي ينبغي أن تختاره, إن أردت اتباع خطة الله لحياتك. وبينما تختار طاعة الرب, فسوف يزوّدك بكل قوة وقدرة لتتسلق تلك الجبال التي تواجهك. وكذلك الحال مع أيَّةِ مرتفعات أو منحنيات لا تستطيع الرؤية بسببها. عندئذٍ, سيزداد طريقك بريقًا أكثر فأكثر, وحياة كثيرين سوف تتغير بسبب طاعتك, لأن طريق الطاعة هو الطريق الوحيد الذي يستطيع الله من خلاله أن يعلن مجده, فتتجدد قوتك يوم بعد الآخر. وعندما تنهي السباق الممتد أمامك سوف تقابل يسوع وجهًا لوجه, ويا للسعادة التي ستملأك عندما ترى أنك قد أطعت الرب.
كل واحد منا سوف يواجه مفترقات طرق فى حياته. بعضها أكثر قسوة عن الأخرى. وفي كل مفترق طرق نواجهه, ينبغي أن نجدد تكريسنا وتعهدنا لنتبع مشيئة الرب, وليست مشيئتنا. لهذا السبب, ينبغي أن نصلي صلاة التكريس مرة بعد الأخرى, أثناء سيرنـا مـع الله,
بينما نكرس أنفسنا بالكامل لطاعة كلمته.
خذ قرارًا اليوم, بتكريس نفسك كاملاً للرب. حتى وإن أراد عقلك البشري أن يتبع خططه وأفكاره الخاصة, اعتبر نفسك ميتًا لكل ما هو جسدي. وعلى الرغم من أنه فى بعض الأحيان يصعب عليك أن تقول “لا لمشيئتك وخطتك”, إلا أن نهاية الطاعة ستبهج روحك وتجعل طريقك مزدهرًا, حتى تمتليء فوق أي حد كان يمكن لذهنك البشري أن يتخيله.
|
لا توجد هناك أيَّةِ مقارنة, بين الحياة التي تعيشها وفقًا للجسد, وبين الحياة التي تعيشها وفقا لخطة الله الكاملة.
صلي معي صلاة التكريس هذه للرب من كل قلبك:
“يا رب, إنني أكرس نفسي لك حتى تتم مشيئتك فى حياتي. سوف لن أنس أبدًا أني أخضعت نفسي بالكامل لك. إنني أعهد نفسي لك حتى أكون ذلك الشخص الذي تستطيع أن تستخدمه؛ مكرسًا ومخصصًا نفسي لأغراضك. سوف أدفع ثمن دعوتك لحياتي. سوف أنكر جسدي. إن أيقظتني فى منتصف الليل سوف أركع على ركبتي وأصلي. وإن لم يحدث أن أكون ظاهرًا أمام الناس, فسوف أظل أعمل من وراء الستار وأكون أمينًا.
إنني أطرح كل طموحات شخصية, وأسلك بالروح وأتبع خطتك الكاملة. وفي اسم يسوع المسيح, سوف تتم خططك فى حياتي وخدمتي”.
ربما يكون الأمر سهلاً أن تقول مثل هذه الكلمات, وتعلن تكريسك للرب, عندما تكون وسط مؤمنين تعبدون الرب فى الكنيسة, وحضور الله يكون واضحًا. لكن الأمر سوف يختلف وقت التجارب والامتحانات, عندما تضغط عليك الظروف من هنا وهناك. لأنه فى تلك الأوقات بالذات, تحتاج أن تتمسك بهذا التكريس, وتحافظ على ذات التصميم, فى التفكير والإرادة والغرض, حتى تستطيع أن تقول بثقة: “سوف أسير مع الآب. سوف أتمم مقاصده فى حياتي”.
وعندما تثبت على تكريسك, حينما يكون صعب عليك فعل ذلك, ستكون بذلك قد تعلمت أعظم دروس الطاعة والإيمان والتكريس. وبينما تختار يوميًا أن تطيع مشيئة الله, وتركض في السباق الذي وضعه أمامك, فسوف تصبح بركة لكثيرين. وسوف يقودك الله لمكان رحب واسع؛ إلى موضع الفيض والزيادة في كل نواحي حياتك.
| |||
نشرت بإذن من كنيسة ريما Rhema بولاية تولسا – أوكلاهوما – الولايات المتحدة الأمريكية www.rhema.org .
جميع الحقوق محفوظة. ولموقع الحق المغير للحياة الحق في نشر هذه المقالات باللغة العربية من خدمات كينيث هيجين.
Taken by permission from RHEMA Bible Church , aka Kenneth Hagin Ministries ,Tulsa ,OK ,USA. www.rhema.org.
All rights reserved to Life Changing Truth.