لسماع العظة علي الفيس بوك اضغط هنا
لسماع العظة علي الساوند كلاود اضغط هنا
لمشاهدة العظة علي اليوتيوب
(العظة مكتوبة)
الفداء والخلاص بيسوع – الجزء 6
▪︎ الشاب ذو الإزار مَن يكون؟
▪︎ موانع استمتاعك بتلك القوة.
- التعاليم الخاطئة وغير الكتابية.
- ترهيب وتهديدات وضغوط العدو.
▪︎ الاستنارة هي الحلّ.
▪︎ أسرار قلب مريض بركة بيت حسدا.
▪︎ إياك والاعتيادية!
▪︎ لِمَن ينظر الرب؟
▪︎ نصائح ذهبيَّة.
▪︎ مُعوِّقات قبول الخلاص.
▪︎ هل بالفِعْل “كل الأشياء تعمل معًا للخير”؟!
▪︎ كيف يُمجَّد يسوع؟
▪︎ الشاب ذو الإزار ومَن يكون؟!
لقد جَرَتْ أحداث كثيرة في صَلْب وقيامة يسوع، ومِن بين المواقف والأحداث التي يَمُرّ عليها الكثيرون مرور الكرام موقف ذلك الشاب الذي سَرَدَ الكتاب قصته في الإصحاح الرابع عشر من إنجيل مرقس حيث يقول الوحي المقدس: “٥٠ فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا. ٥١ وَتَبِعَهُ شَابٌّ لاَبِسًا إِزَارًا عَلَى عُرْيِهِ، فَأَمْسَكَهُ الشُّبَّانُ، ٥٢ فَتَرَكَ الإِزَارَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ عُرْيَانًا.” (مرقس ١٤: ٥٠-٥٢).
توجد تخمينات وآراء كثيرة عن مَن يكون ذلك الشخص، لكن ما يَحلّ ذلك اللغز هو اللغة اليونانية، فالكلمة المُترجَمة “إِزَارًا” تُستخدَم في اللغة اليونانية للتعبير فقط عن الملابس التي يُكفنِّون بها الموتى، أنا لا أجزم تمامًا بذلك التفسير ولا أدَّعي أنه التفسير الوحيد لهذا الشاهد.
لكن بعض باحثي اللغة اليونانية يقولون إن هذا الشاب قامَ من الموت في الوقت الذي جاء فيه الرومان واليهود مع الخائِن يهوذا لكي يقبضوا على يسوع حيث يَذكُر الكتاب أنه حين تَكلَّم لهم يسوع قائلاً: “أنا هو” أنهم “سقطوا على وجوههم”.
يستشهد أولئك الباحِثين لإثبات صحة هذا الرأي (الذي أميل لتصديقه) بهذا الشاهد قائلين إنه خرجت مع كلمات يسوع قوة كانت كافية ليس فقط لإسقاط الجنود على الأرض بل ذهبت لأبعد من ذلك إذ وصلت لهذا الشاب المدفون حديثًا فأقامته من الموت!
مُعتمِدون في رأيهم هذا على أن الكلمة اليونانية المُترجَمة في العربية “إِزَارًا” قاصِرةٌ فقط على ملابس التكفين، لذلك قام هذا الشاب من الموت وتبعَ يسوع ليرى مَن أقامه. فلا تنسَ ما ذَكَره الكتاب عن وقت موت وقيامة يسوع وكيف أنّ القبور تفتَّحت وقامَ كثيرون من الأموات وكانوا يجولون في المدينة المقدسة (متى ٥١:٢٧-٥٣).
لقد خرجت قوة عظيمة أدَّتْ لحدوث أمور غريبة ومنها قيامة هذا الشاب من الموت لابِسًا كفنه على عُرْيه، فما الذي يدفع شابًا أن يسير شبه عارٍ لابِسًا قطعة كفن إلا إذا كان هذا الشاب ميتًا وقام حديثًا من الموت بكلمة الرب التي بعثت الحياة في جسده المائِت حين قال الرب للجنود: “أنا هو” (يوحنا ٥:١٨-٦).
لم يُصلِ أحدٌ لهذا الشاب ليقوم لكن القوة التي كانت في كلمات يسوع كانت كافية لتذهب إلى مكان أبعد لتُقيمه من الموت! وواضح أيضًا أنّ ذخيرة حياة هذا الشاب أَهَّلته ليسمع كلمة الرب ويتجاوب مع الحياة التي فيها ويقوم من الموت. تخيَّل معي أن هذه القوة التي أقامت هذا الشاب من الموت هي نفسها التي تعمل في حياتنا الآن، واوو! هذه القوة تستطيع أن تُوقِف شخصًا مِن أن يُؤذيك أو يقف بشر ضدك.
تكلَّمت المرة السابقة عن الفداء والخلاص بيسوع وشرحت الفارِق بين الفداء والخلاص وسأُكمِل اليوم عن كيفية نوالك المعجزات الخاصة بهذا الخلاص وعمَّا يشتمل عليه أيضًا، فالخلاص يشمل الفداء والميلاد الجديد. وقلنا إن الفداء يعالج حالة الشخص الذي يرزح تحت ضغط العبودية والاستعباد.
أيضًا يكون الفداء واضِحًا وجليًّا في حياتنا اليوم حين يكون الشخص غير مَسحوب في أفكاره أو في ظروف حياته حيث لا تستطيع الظروف أن تبتلعه ولا أن تغلبه بل يكون في وضْع أكبر وأعظم من الظروف. افتدانا الرب يسوع أي دَفَعَ الثمن لنستطيع أن نَخرُج خارج السُطوة والقبضة الشيطانية على حياتنا، لذلك نستطيع أن نقول إن حياتنا اليوم مُختلِفة عنها في السابق!
لكن لا زال الكثيرون غير قادِرين أن يتذوَّقوا حلاوة ذلك النصر لذلك يَخرجون بخُلاصة مفادها أن خلاص يسوع لنا قاصِرٌ على ضمانه لنا بالدخول إلى السماء وانتهي الأمر، أما حياتنا هنا على الأرض فهي ليست هامة وعلينا أن نتأقلَّم على ما يَحدُث فيها لنا حتى تنتهي على خير وبأقل خسائر مُمكِنة، في حين يضمن لنا الكتاب شمولية هذا الخلاص الذي صنعه يسوع لكل زوايا حياتنا، مجدًا ليسوع!
تكلَّمْتُ أيضًا المرة الماضية عن أن لنا ميراثًا محفوظًا في السماوات (ليس السماء بل السماوات) فهو يشمل كل جوانب عالم الروح الذي نحن مُحاطون به، ليس هذا فقط بل نحن أيضًا مَحميّون ومحفوظون ومحروسون بقوة الله. نفس هذه القوة هي التي تعمل في حياتنا.
▪︎ موانع استمتاعك بتلك القوة:
على الرغم من إتاحة تلك القوة إلّا إنه توجد موانع تعيق الإنسان عن التمتع بهذه الانتصارات ومن ضمنها الآتي:
١- التعاليم الخاطِئة وغير الكتابية:
قد تستمع لتعاليم خاطِئة وتقبلها ببساطة دون فَحْص لثقتك في أولئك الذين تُنصِت لهم غير عالِمٍ أنك قد تتعرَّض لحالة من التَسمُّم الفِكْري والروحي نتيجة عدم فَحْص ومراجعة التعليم. لابد أن تفحص كل تعليم تسمعه، وتراجعه في ضوء كلمة الله قبل أن تقبله.
حيث يُعاني الكثيرون اليوم من أفكار غير صحيحة دخلت وثبتت في عقولهم وقلوبهم لأنهم لم يَطعنوا عليها دون أن يُدركوا أنها تحتوي على مزيج بين الصواب والخطأ، وهُمْ يُعانون اليوم من أمور كثيرة في حياتهم لا يدرون سببها بينما هي نتيجة عدم طعنهم عليها فَهُم لم يتخيَّلوا يومًا أن ذلك الشخص الرائع الذي يستمعون له يمكن أن يضلهم! ربما بقصدٍ أو عن غير قصد.
هُمْ أيضًا لا يَرون أن تلك التعاليم الخاطِئة هي السبب في هذه المشاكل التي يُعانون منها، فهم يُحبون الرب ويحضرون خدمات ووعظات كثيرة ويخدمون الرب كثيرًا ويقرأون الكتاب المُقدَّس كثيرًا، فغير واردٍ مِن وجهة نظرهم أن تكون المشكلة بسبب ذلك الذي استمعوا إليه. بينما واردٌ جدًا أن يكون هناك تعليمٌ غير كتابي دخل ذهنك جعلك غير قادِرٍ على استخدام خلاص يسوع الذي صَنَعه لأجلك.
لذلك نجد كثيرين غير قادِرين على نوال هذا أو ذاك بل يَشكُّون حتى في إيمانهم إذ يُفكِّرون في أنفسهم قائلين: “لا يصنع المُؤمِنون تلك الأفعال التي أصنعها!” افهمْ هذا؛ لا يُقاس الأمر بما تفعل قَدْر ما يُقاس بهل قَبِلت يسوع وصِرت خليقة جديدة أم لا؟
“٤ فَقَالَ لَهُمَا مَلِكُ مِصْرَ: «لِمَاذَا يَا مُوسَى وَهَارُونُ تُبَطِّلاَنِ الشَّعْبَ مِنْ أَعْمَالِهِ؟ اِذْهَبَا إِلَى أَثْقَالِكُمَا». ٥ وَقَالَ فِرْعَوْنُ: «هُوَذَا الآنَ شَعْبُ الأَرْضِ كَثِيرٌ وَأَنْتُمَا تُرِيحَانِهِمْ مِنْ أَثْقَالِهِمْ». ٦ فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مُسَخِّرِي الشَّعْبِ وَمُدَبِّرِيهِ قَائِلاً: ٧ «لاَ تَعُودُوا تُعْطُونَ الشَّعْبَ تِبْنًا لِصُنْعِ اللِّبْنِ كَأَمْسِ وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ. لِيَذْهَبُوا هُمْ وَيَجْمَعُوا تِبْنًا لأَنْفُسِهِمْ. ٨ وَمِقْدَارَ اللِّبْنِ الَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَهُ أَمْسِ، وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ تَجْعَلُونَ عَلَيْهِمْ. لاَ تَنْقُصُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ مُتَكَاسِلُونَ، لِذلِكَ يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ وَنَذْبَحُ لإِلهِنَا. ٩ لِيُثَقَّلِ الْعَمَلُ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى يَشْتَغِلُوا بِهِ وَلاَ يَلْتَفِتُوا إِلَى كَلاَمِ الْكَذِبِ». ١٠ فَخَرَجَ مُسَخِّرُو الشَّعْبِ وَمُدَبِّرُوهُ وَكَلَّمُوا الشَّعْبَ، قَائِلِينَ: «هكَذَا يَقُولُ فِرْعَوْنُ: لَسْتُ أُعْطِيكُمْ تِبْنًا. ١١ اذْهَبُوا أَنْتُمْ وَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ تِبْنًا مِنْ حَيْثُ تَجِدُونَ. إِنَّهُ لاَ يُنْقَصُ مِنْ عَمَلِكُمْ شَيْءٌ». ١٢ فَتَفَرَّقَ الشَّعْبُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ لِيَجْمَعُوا قَشًّا عِوَضًا عَنِ التِّبْنِ. ١٣ وَكَانَ الْمُسَخِّرُونَ يُعَجِّلُونَهُمْ قَائِلِينَ: «كَمِّلُوا أَعْمَالَكُمْ، أَمْرَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، كَمَا كَانَ حِينَمَا كَانَ التِّبْنُ».” (الخروج ٥: ٤-١٣).
يرمز فرعون هنا لإبليس، فَما فَعَله وقاله هنا هو بالضبط استراتيجية إبليس وأسلوبه حين يُدرِك أنك تريد أن تنال ما لك في المسيح من حرية وانتصار وشفاء.
٢- ترهيب وتهديدات وضغوط العدو:
هنا نجد فرعون قد بدأ يستخدم الترهيب والتهديد، وبدأت الظروف تزداد قسوةً عليهم بسبب رغبتهم في الخروج لعبادة الرب، لقد حدثت توصية من فرعون بزيادة الأثقال عليهم حتى ينشغلوا بها ولا يصغون (لكلام الكذب)، هذا اللفظ الذي أطلقه فرعون عن كلام الرب على يدّ موسى!
لاحظ هنا أنه يُسمِي كلام موسى: (كلام الكذب). يريدك إبليس أن تَصل لنتيجة أو خُلاصة مفادها أن ما تقوله الكلمة عنك أمرٌ يستحيل أن تعيشه أو تناله فهو (كلام كذب). قد لا تقولها بنفس تلك الطريقة الحادة لكنك قد تكون وصلت لخُلاصة أن الموضوع ليس كما تقوله الكلمة وكما فهمته منها ولكنه ربما يُعنِي أمرًا آخر غير ما فهمت وأن الموضوع مُبالَغٌ فيه.
واردٌ أيضًا أن يذهب ذهنك لزوايا أخرى فيها شيءٌ من الطَعْن في مصداقية الكلمة فتبدأ في خَفْض مستوى توقعاتك مِمَّا صدقته وآمنت به، كل هذا هدفه أن يَصل بك لنقطة تُصدِّق فيها أنّ ما تقوله كلمة الرب ما هو إلّا كذب ولا يُمكِنك نواله.
انظرْ ماذا يقول فرعون: “٩ لِيُثَقَّلِ الْعَمَلُ عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى يَشْتَغِلُوا بِهِ وَلاَ يَلْتَفِتُوا إِلَى كَلاَمِ الْكَذِبِ”. يخشى إبليس التفاتك لكلمة الرب لذلك يقول عنها كلامًا كذبًا. كما يعمل أيضًا على أن يزداد العيان صعوبةً وسوءًا حتى يدفع البعض للقول بأن الحياة بعيدًا عن الرب كانت أسهل وأجمل بكثير منها مع الرب!
وراء كل هذا يكون عدم وجود تعليم كافٍ في مواضيع هامة كثيرة كموضوع (الصبر) مثلاً. فالصبر هو وقوفك أمام العيان بثبات حتى لو لم يتغيَّر الموقف. لذلك ستجد إبليس يحاول التلاعُب معك بآيات كثيرة ليُقنعِك بعدم جدوى إيمانك كأن يستخدم معك النص: “الرَّجَاءُ الْمُمَاطَلُ يُمْرِضُ الْقَلْبَ، وَالشَّهْوَةُ الْمُتَمَّمَةُ شَجَرَةُ حَيَاةٍ.”(الأمثال ١٣: ١٢).
سيُحاول أن يجعلك تلتفت إلى آيات مُعيَّنة ولا تلتفت إلى أخرى وسيُحاول أن يلعب بذهنك بهذه الصورة إلا إذا كنت واعيًا وصاحيًا ومُنتبِهًا وقد شرحْتُ هذا باستفاضة في سِلسلة “اصحوا وأسهروا“.
لذلك ليس غريبًا أن يُحاول إبليس أن يقف أمامك بصورة صارِمة وشديدة جدًا، لكن إن ثَبَّتْ رأيك وفِكْرك على مبادئ الكلمة بصورة صحيحة ستَعبُر كل تلك الأحداث بنجاح. مهم جدًا ألّا تفقد فرحك وصبرك في تلك الأوقات الصعبة كما حدث مع الشعب حيث بدأوا يطعنون على موسى وهارون قائلين:
“فَقَالُوا لَهُمَا: «يَنْظُرُ الرَّبُّ إِلَيْكُمَا وَيَقْضِي، لأَنَّكُمَا أَنْتَنْتُمَا رَائِحَتَنَا فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَفِي عُيُونِ عَبِيدِهِ حَتَّى تُعْطِيَا سَيْفًا فِي أَيْدِيهِمْ لِيَقْتُلُونَا».” (الخروج ٥: ٢١).
لكن ماذا فعل موسى بكلامهم؟!
“٢٢ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا أَسَأْتَ إِلَى هذَا الشَّعْبِ؟ لِمَاذَا أَرْسَلْتَنِي؟ ٢٣ فَإِنَّهُ مُنْذُ دَخَلْتُ إِلَى فِرْعَوْنَ لأَتَكَلَّمَ بِاسْمِكَ، أَسَاءَ إِلَى هذَا الشَّعْبِ. وَأَنْتَ لَمْ تُخَلِّصْ شَعْبَكَ»” (خروج ٥ :٢٢-٢٣).
أيضًا دعونا نرى ردّ الرب على كلام موسى؛ “١ فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «الآنَ تَنْظُرُ مَا أَنَا أَفْعَلُ بِفِرْعَوْنَ. فَإِنَّهُ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ يُطْلِقُهُمْ، وَبِيَدٍ قَوِيَّةٍ يَطْرُدُهُمْ مِنْ أَرْضِهِ». ٢ ثُمَّ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ. ٣ وَأَنَا ظَهَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا بِاسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ أُعْرَفْ عِنْدَهُمْ.” (الخروج ٦: ١-٣).
▪︎ الاستنارة هي الحل:
كانت كلمة السِرّ هنا أن يعرف موسى والشعب معرفة جديدة وأسرار عن الرب لم يكونوا يعرفونها، يرمز موسى هنا للاستنارة التي يُريدنا الرب أن نستنير بها لتقودنا إلى مستوى أعلى سواء كانت بصورة خاصة بينك وبين الرب أوعن طريق الراعي الذي يرعى حياتك الروحية. إذًا الحلّ أن نستنير وليس في أن يُوقِف فرعون ضغطه وأنشطته الشريرة عليك.
حيث إنّ ردّ الرب عليه لم يشمل إيقاف عبودية وضغط فرعون لكن ببساطة كان يُلزِم موسى أن يفهم أشياء وأسرار لم يَكُن يعرفها، فالرب قال لموسى إن أمر فرعون وضغطه عليكم سينتهي بعد أن أتعامل مع فرعون وليس الآن، دورك الآن فقط أن تعرفني من أنا، فأنا الإله الحي الموجود الذي لا يعرف الهزيمة أو الموت. لقد سُمِيَّ هذا الشعب على اسم إسرائيل لأنه النَسل الصافي الذي يسير في نفس خط الإيمان.
حينما قال الرب لموسى: “وَأَنَا ظَهَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا بِاسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ أُعْرَفْ عِنْدَهُمْ.” (الخروج ٦: ٣).
هنا يريد قول إن آباءك كان لديهم قَدْر مِن الاستنارة، وما تختبره الآن أنت مديونٌ لهم به، لكنك تحتاج إلى قَدْر أكبر من الاستنارة والمعرفة الخاصة بشخصيتي بصورة مُختلِفة لكي تستطيع أن تقود الشعب للخروج من العبودية، لم يكن موسى مُتوقِعًا لتلك الإجابة.
تخيّل معي موسى وهو يقول للرب: “يا رب لقد بدأت معي مشروعًا وكان في البداية بشكل نظري أما الآن فجاء الأمر العملي وأنا الآن على المَحك، أخبرني ماذا أفعل؟ فالواقع يزداد سوءًا!”
لنفترض أننا لم نقرأ الإجابة في الإصحاح السادس ماذا كنت تتوقع أن يُجيب الرب موسي؟ بالتأكيد كنا نتوقَّع أن يقول له: “لا تخف فإني سأكون معك ولن أتركك تهلك ولن أترك الشعب الذي أخرجته من مصر ليَعبدني، تشجع يا موسي!” كثيرون منا في مِثْل تلك المواقف يبحثون عن الآيات التي تحتوي على التشجيع، لكنها ليست في صُلب الموضوع والحل القاطع له!
حين يقترب الشخص مِنا للرب بالصلاة فهذا أمرٌ جيدٌ، لكن مع الصلاة هناك أمرٌ ما ناقِصٌ كالبروتين أو الفيتامين المُعين الذي يحتاجه جسم الإنسان. فإن لم يتناول هذا الفيتامين سيظل مُحتاجًا إليه ولن تُحَلّ مشكلته حتى لو تغذَّى جيدًا بشكل عام، يُمكِن تشبيه تلك المعرفة بالترس المفقود الذي بدونه لن تعمل الآلة بشكل صحيح!
هناك شيءٌ مُحدَّدٌ إن لم يعرفه الشخص لن يستطيع أن يمتلك ويعيش ما له في المسيح. ففي الآية السابقة يريد قول: إنّ المستوى الذي وَصَلَ إليه إبراهيم وإسحاق ويعقوب مستوى جيد لكنه لن يصمد أمام التحديات الهائِلة القادمة، لقد كشفت لهم عن ذاتي بصورة مُعيَّنة لكنك تحتاج إلى أن تكتشفني بصورة أعمق مِمَّا عَرَفوني بها وهذا هو الحل.
الاستنارة والفَهْم هو الحل وليس الهروب، كفى هروب! لماذا يكون الرب هو (الحيطة الواطية). لماذا يقول الكثيرون في مواجهة التحديات: لن أدرس الكلمة مرة أخرى فقد جرَّبت هذا الطريق ولم ينجح معي، بينما من المُمكِن أن يتَّخذوا طُرقًا أخرى ويُكمِّلوا فيها بشراسة وإصرار على النجاح؟ لماذا يكون الرب هو أسرع شخصٍ يُمكِن التنازُل عنه في الصعوبات؟!
إن السبب في ذلك هو غياب مخافة الرب لدى أولئك الأشخاص، إن خوف الرب أمرٌ تصاعديٌّ ويجب أن يشمل كل زوايا حياتك، أن يصل الشخص لمرحلة يترك فيها الرب داخليًا تحت مُسمَّى: “لديَّ تساؤلات غير مُجاب عنها” أو “أنا مُحبَطٌ” يكون بهذا كَمَن يطعن نفسه بآلة حادة فلن يتأذَّى سوى هو. لابد أن يملأه حبه للرب بالمهابة له ولا يكون الرب هو الأسهل في تركه والابتعاد عن طرقه.
تخيَّل يسوع واقِفًا أمامك الآن هل ستقول كل هذا الهراء الذي تتفوه به؟ بالتأكيد لا! الآن صار هناك استنارةٌ وتعليمٌ صحيحٌ مُتاحٌ لك لتستطيع أن تقف على قدميك وتَثبُت في الحقّ. ولهذا يُحاوِل إبليس بكل الطُرق أن يجعلك لا تذوق الخلاص الكامل الذي صار متاحًا لك في المسيح ويُفترَض أن تستمتع به، ويعمل إبليس على ذلك بعدة طُرق من ضمنها: عدم المعرفة أو المعرفة غير الدقيقة
تكلَّمْتُ المرة السابقة عن النص المذكور في إشعياء؛ “لِذلِكَ سُبِيَ شَعْبِي لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ، وَتَصِيرُ شُرَفَاؤُهُ رِجَالَ جُوعٍ، وَعَامَّتُهُ يَابِسِينَ مِنَ الْعَطَشِ.” (إشعياء ٥: ١٣). وذَكَرْتُ كيف يُحاول إبليس أن يجعل الأمر شاقًا وصعبًا على مَن يحاول الخروج من تحت نيره.
لا تنسَ أيضًا أن الأمر ليس ذنبَ الرب وليس من حقّ الرب أن يُوقِف ضغوط إبليس أو يمنعها، فالرب لم يحلّ المشكلة التي يريد الناس لها أن تُحَلّ، قد تقول له: “أُريدُ أن تنتهي هذه الأعراض، وأريد أن يقول لي الطبيب إني لست مُحتاجًا لزيارته مُجددًا!”
في الواقع أنت تتحدَّث في نقطة والرب يريد العمل في نقطة أخرى أكثر جوهرية، فالرب سيَحل هذه النقطة أيضًا لكن عن طريق آخر وهو أن يُعطيك استنارة خاصة عن شخصيته، كما أن سبب كل هذه المشاكل هو فرعون، والرب سوف يتعامل مع قلبه ويُخضِعه وبالتالي ستختفي ضغوطه عنكم.
▪︎ أسرار قلب مريض بركة بيت حسدا:
إن نظرنا لمريض بركة بيت حسدا سنجد أن هذا الرجل كان لديه قَدْر مِن الإيمان وإلّا لَمَا كان سيَمكُث كل هذا الزمن في انتظار المعجزة أن تَحدُّث له ولو لم نَكُن قد عرفنا مِن الكتاب المُقدَّس رده على سؤال يسوع له “أتريد أن تبرأ؟”، لكنا توقّعنا أن يقول له: “بكل تأكيد، هيا اشفني!”
أيضًا قد يتصوَّر البعض أنه لم يَكُن يعرف مَن هو يسوع، لكن في الحقيقة كان يسوع يرتدي ملابس خاصة بالمُعلِّمين اليهود (الراباي)، فهو على الأقل يعرف من ملابسه إنه مُعلِّمٌ، كما كان مِن المُتوقَع أن يكون هذا المُعلِّم نبيًا، وعلى الشعب أن يكتشف هذا. وحين سأله الرب أجابه إجابةً غير مُتوقَعة كشفَتْ عن مكنونات قلبه.
لقد بدأ هذا الشخص بإيمان لكنه مع مرور الزمن بدأ يتأقلَّم على الواقع والعيان والأمراض، يصحو في الصباح يرى الأمراض ولا يرى سواها طوال الوقت! جيلٌ كاملٌ مَرَّ عليه وهو لا يزال قابِعًا في مكانه مُتوجِّعًا في مرضه حتى وصلَ إلى نقطة امتلأ فيها بالكثير من الإحباط والتأقلُّم، فابتدأ يمتلئ قلبه بالمرارة نتيجة تكرار المُحاولات للزحف حتى البِركة ليبرأ ولكن في كل مرة يسبقه أحد المُحيطين به في ذلك.
لهذا كانت إجابته للرب تَنُم عن المرارة الشديدة، أما ردّ يسوع عليه حسب الأصل اليوناني للنص فكان كالآتي: “استفِقْ واستيقظ لتُنهي ذلك الأمر الآن!”، وكان أسلوبه حادًا في الأمر بالاستفاقة من الشعور بالمرارة ورثاء الذات لكي يستطيع نوال شفاؤه.
لم يَكُن الرب يريد أن يتزاحم الناس حوله لأنه جاء خصيصًا ليشفي هذا الرجل فقط لأنه يعرف أن الباقين يقدرون أن ينالوا شفائهم بالقفز في البركة في الوقت المُعين، أما ذاك فلم يقدر على هذا لأنه يحتاج إلى تعامُل خاص من الرب مع ذهنه.
يقول الكتاب إن الرب قال له: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». (يوحنا ٥: ٨). فاجأه وكأنه يصرخ فيه بحدة لكي يستطيع أن يقوم ويحمل سريره ليُخرِجه من وَحْل المرارة ورثاء الذات التي ملأت قلبه وقد حَدَثَ. نعم كان لديه إيمانٌ ولكنه تلوَّث بالأعشاب الضارة التي ملأت ذهنه وتفكيره فكان لابد له أن يتخلَّص من كل تلك المرارة التي ملأت قلبه وعندما فعلَ هذا نال معجزته.
بالفِعل صنعَ الرب الخلاص وصار مُتاحًا للجميع لكن كثيرين لا يستطيعون نوال خلاصهم بسبب الإعاقات التي يضعونها في طريق أنفسهم. إن الحلّ لعدم المعرفة هذه هو المعرفة والحل للمعرفة غير الدقيقة هو المعرفة الدقيقة والحل لمريض بركة بيت حِسدا هو أن يَخرُج بنفسه خارج المرارة والتأقلُّم على المرض.
ما حدث لمريض بركة بيت حِسدا يُثبِت لنا أنّ ليس كل إنسان يطلب معجزة هو بالحقيقة لديه إيمان بها. ربما يوجد إيمانٌ في قلب الإنسان وفي نفس الوقت قد تكون هناك أعشاب ضارة تُفسِد هذا الإيمان وقد شَرَحَ لنا الرب يسوع هذا في مَثل الزارِع.
▪︎ إياك والاعتيادية:
أحد الإعاقات التي تُعيق الإنسان عن نوال معجزته هي عدم انبهاره بالكلمة.
ذَكرْتُ مرةً في إحدى السلاسل موقفًا حدثَ لي؛ بينما أنا عائِدٌ مُجهَدٌ بعد يومٍ شاقٍ في المحاضرات ولم تَكُنْ لدي رغبةٌ في الصلاة ولا تلاوة اعترافات الإيمان، فقط كل ما أحلم به هو أن أصل للبيت وأستلقي فوق السرير، تكلَّمَ ليّ الروح القدس وقتها قائلاً: “إن تكلَّمَ أحدٌ معك الآن أو اتَّصلَ بك آخر بالتأكيد سوف ترد عليه السلام بالسلام رغم أنك مُجهَدٌ!”
فقلت له: “نعم يا رب سأفعل”، فقال لي: “لماذا؟” فعرفت وأنا أسير بفِكْري مع الروح القدس إنه يوجد شيءٌ اسمه التزام اجتماعي يُجبرني أن أمد يدي لأُصافِح مَن بادرني بمدّ يده ليُسلِّم عليَّ حتى وإن كنت مُجهَدًا وغير قادِرٍ على ذلك.
فقال لي الروح: “لماذا لا تُلزِم نفسك بعمل الروح القدس واعترافات الإيمان كما تلزم نفسك بالإلزام الاجتماعي، لماذا لا تزرع لأيامك القادمة ومستقبلك؟ لماذا أنت مُنشغِلٌ بالألم ووجعك الشخصي والجسدي؟!”
ألَّا يَحدُث وأنت مُجهَدٌ أن تتصفَّح هاتفك المحمول لفترات أو تَرُدّ على مكالمة عمل قد تطول لمدة ساعة كاملة أو أكثر، لماذا يَحدُث هذا؟ لأنك تعتنق فِكْرة أنّ الرب هو (الحيطة الواطية) الذي يُمكِن الاستغناء عنه متى استدعى الأمر، كما أن الرب لم يظهر لك ليقتلك حين أجَّلت أموره، إذًا يمكننا الاستغناء عنه! وأنا لم أقع وأموت في الحال، إذًا فالأمر بسيطٌ. ومِن هنا يبدأ التراجُع ويَحدُث هذا الاستسلام بكل تساهُل وتسليم للأرض.
يتحدَّث الكتاب في (يوحنا ١٠) عن دخول التعليم غير الكتابي وكيف إنه يسرق ويذبح ويهلك؛ “اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ.” (يوحنا ١٠: ١٠). وقد سبق أن شرحت هذا في سلسلة سابقة حيث يبدأ الشخص في التَأثُّر بالتعليم غير الكتابي في فكّ ربطاته وخفْض أسواره ويُزيل خطوطه الحمراء التي سبقَ أن وضعها لنفسه.
كما يُصبِح الشخص في حالة تراخي نتيجة عدم الالتزام. بالطبع يقف هذا الأمر عائِقًا في طريق خلاصه إذ يُصاب بحالة من الجمود والتَصلُّب وعدم التجاوُب مع تحذيرات المُرشِد الروحي وصوت الروح القدس.
الحلّ هو أن يبتدئ الشخص في الانبهار بالكلمة ولا يعتاد عليها مثلما يعتاد الكثيرون على المشاكل والعيان ويتكيَّفون معها كما تكيَّفَ مريض بركة بيت حِسدا بالعيان والمرض الذي يُعاني مِنه ويُحيط به، وحينئذ يُصبح لسان حال الشخص: “أنا أُحاول لكني لم أَقدِر، أنا لديَّ إيمانٌ، هل تجرؤ أن تقول إني ليس لي إيمان؟!” لكن الرب كَشَفَ لنا شيئًا مُختلِفًا وهو أنّ هذا الرجل كان لديه مُشكلة.
في الواقع قد يكون إنسان لديه إيمان وفي الوقت نفسه لديه عدم إيمان أو ما يُمكِن أن نُسميه: (طَعْن على الإيمان)، وهو في تلك الحالة يُشبه صاحب السيارة الذي يملأها بالوقود لكن في ذات الوقت هناك تسريبٌ للوقود ناتِجٌ عن ثُقب في الخزّان مثلاً.
هذا الأمر يمكن تسميته بالتأقلُّم على الكلمة أو الاعتيادية عليها وعدم التَحرُّك بناءً على ما تقوله، فحينما أستمع للكلمة لابد أن يَحدُث انفعال وتفاعُل مع الكلمة.
دعنا نرى كيف يُوضِّح الكتاب هذا الأمر: “٥٤ وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وقالوا: “من أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ ٥٥ أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ ٥٦ أَوَ لَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ كُلُّهَا؟» ٥٧ فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ». ٥٨ وَلَمْ يَصْنَعْ هُنَاكَ قُوَّاتٍ كَثِيرَةً لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ.” (متى ١٣: ٥٤-٥٨).
أخذَ أهل مدينته يُفكِّرون بطريقة خاطِئة عن الرب يسوع قائلين: “أليس هذا هو يسوع جارنا وابن منطقتنا، الذي نعرف أباه وأمه وإخوته؟! أليس هذا ابن يوسف النجار؟”
بخصوص مهنة يوسف فإن كلمة “النَّجَّارِ” هنا غير دقيقة إذ تَذْكُر كُتب التُراث اليهودي إنه لم يَكُن مجرد نجار عادي بل كان مُقاوِلاً ويعمل في مدينة كانت تُبنَى٠ حديثًا في ذلك الوقت، أيضًا كان يعمل في الأشياء الثمينة والمُطعَّمة بالأصداف والجواهر والذهب! فجزء النجارة هذا كان جزءًا مِن عمله.
لكنهم كانوا يَعثرون في يسوع قائلين: “لقد غاب عن مدينتنا فترة لم تتجاوز السنة الواحدة بل أقلّ، أين تَعلَّمَ كل هذه الحكمة ومن أين جاء بكل هذا السُلطان الذي يتكلَّم به؟ فكانوا (ويا للأسف) يعثرون به، فالعثرة ليست بالضرورة أن يعمل شخصٌ ما شيئًا سيئًا لكن هناك أُناسًا كثيرين قابِلين للعثرة وطريقة تفكيرهم تستخف بالآخرين وتُقلِّل من شأنهم.
يوجد كثيرون يستخفون بالكلمة التي تُعرَض عليهم، وآخرون لا يتعلَّمون من الأحداث التي تَحدُث مع المُحيطين بهم ولا حتى مِن تجاربهم الشخصية في الحياة، حيث يُخبِرنا سليمان بأنه مَرَّ بحقل شخص كسلان فتعلَّمَ درسًا، يمكننا أن نتعلَّم دروسًا مِمَّا نراه ونسمعه في الحياة.
لدى الكثير حالة من التَسيُّب والاستهزاء، مثل هؤلاء يستهزئون بمَن يتفاعلون في العبادة والتسبيح للرب وينفعلون مع الكلمة والاختبارات فيتهمونهم بالمبالغة والإفراط في المشاعر والتمثيل والادّعاء…إلى آخره من الاتّهامات.
مِثْل هؤلاء لا يحبون أن يروا أشخاصًا مُشتعِلين إذ يفضحون برودتهم الروحية وعدم اشتعالهم بالرب وبالكلمة. فكانوا يعثرون به ولم يصنع يسوع هناك قوّات كثيرة لعدم إيمانهم. لم يصنع الرب معهم أي شيء شرير ولا خاطئ لكنهم عثروا به فقط لكونه من نفس مدينتهم!!
▪︎ إلى مَن ينظر الرب؟
“وَكُلُّ هذِهِ صَنَعَتْهَا يَدِي، فَكَانَتْ كُلُّ هذِهِ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَإِلَى هذَا أَنْظُرُ: إِلَى الْمِسْكِينِ وَالْمُنْسَحِقِ الرُّوحِ وَالْمُرْتَعِدِ مِنْ كَلاَمِي” (إشعياء ٦٦: ٢).
هنا يُخبرنا الرب إلى مَن ينظر:
١ – “الْمِسْكِينِ”؛ هنا لا تُعنِي الشخص الفقير المُعدَم الذي ما بيده حيلة والمُنحنِي الرأس بل الشخص الذي يُعلِن احتياجه للكلمة ويُرِي جوعه للرب.
٢ – “الْمُنْسَحِقِ الرُّوحِ”؛ هو الشخص المُتّضِع القابِل للتَعلُّم وهذه الصفة يجب أن يتحلَّى بها الجميع أيًّا كانت دراستهم وعلمهم ومعرفتهم وخبراتهم.
٣ – “وَالْمُرْتَعِدِ مِنْ كَلاَمِي“؛ لا تُعنِي الشخص الخائِف لكن الشخص الذي يهتزّ داخليًا عند استماعه للكلمة.
تستطيع أن تجعل أي شيء على الأرض له قيمة أو العكس، هذا يرجع إلى كيفية أو طريقة ضَبْط ذهنك.
ذَكَرْتُ سابِقًا مثلاً يُوضِّح ذلك قائلاً: إن كنت في مكانٍ مُزدحِمٍ وملئٍ بالناس والسيارات وهناك الكثير مِن الضوضاء والأصوات المُزعِجة، بينما أنت تتحدَّث مع شخص في حديث هام جدًا، في الوقت نفسه أنت غير قادِرٍ على الهروب من ذلك المكان وتلك الضوضاء، ماذا تفعل وقتها؟
بالتأكيد ستنتبه مع هذا الحوار سواء كان هذا الحديث بشكلٍ مباشرٍ أو عَبْر الهاتف النقال، فتجد إنه كلما زاد انتباهك لكلماته كلما صار صوته أعلى رغم إنه في الواقع لم يرفع من نغمة صوته ولم يُصيح في حديثه معك، أيضًا رغم إن الناس المُحيطين لم يُخفِضوا من أصواتهم والسيارات لم تُخفِض من ضجيجها وضوضائها.
أنت الذي أعطيت انتباهًا أكبر، فَعليّتْ صوت صديقك هذا، فصار عاليًا بالنسبة لك وعلى النقيض أخفضت الأصوات الأخرى فصارت مُنخفِضة بالنسبة لك، يعني هذا أن ما تنتبه وتُركِّز معه يعلو صوته، تَأمُّلك في الآيات الكتابية وتدويرها في ذهنك يُعلِّي صوتها داخلك ويجعلها ذات قيمة فتبدأ روحك في التجاوب مع النصوص التي تتأمَّل فيها.
هناك كلمتان في اللغة اليونانية تُعبران عن الانبهار وعدم الاعتيادية، الكلمة الأولى هي: ekstasis)) التي تُعني الانبهار وتُترجَم في الكتاب: “بَهَتًا“، كما إنها ذُكِرَتْ في الشاهد الآتي؛ “وَللوقت قَامَتِ الصَّبِيَّةُ وَمَشَتْ، لأَنَّهَا كَانَتِ ابْنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. فَبُهِتُوا بَهَتًا عَظِيمًا.” (مرقس ٥: ٤٢)
هذا يُعنِي أنّ كَون الشخص قد بُهِتَ فهذا يُفيد بأنه قد تحرَّكَ للأمر. كما تتكوّن الكلمة اليونانية ekstasis)) من مقطعين:
- المقطع الأول هو (ek) ويُعنِي الخروج والتي تأتي منها كلمة exit)).
- أما المقطع الثاني stasis)) فيُعنِي السكون، وبذلك فالكلمة كلها تُعنِي (الخروج من حالة السكون أو الثبات)، فهي تصف شخصًا يَخرُج من ثباته. عكسها كلمة يونانية تُنطَق (thambeō) وهي تتحدَّث عن شخص يقف أو يجلس مُتحجِرًا ثابِتًا في مكانه لكثرة الانبهار، لكنها تأتي دائمًا لتصف الحالات السلبية والتي لا تكون مُقتنِعة بيسوع ولا بتعاليمه، ونجدها مذكورة في (أعمال ٦:٩).
▪︎ نصائح ذهبيَّة:
لتدعْ الكلمة تحرِق قلبك وتُحرِّك تفكيرك، اندهشْ بها وتجاوبْ وتحرَّكْ معها فهذا ما يقوله الكتاب، ويَحدُث هذا بنفس الطريقة التي كنت تحاول بها استذكار المواد الدراسية بأنْ تُردِّد المعلومة بفمك عدة مرات إلى أن تَثبُت في عقلك وذهنك حتى إن لم تَكُن تقبل أو تقتنع بها.
دعونا نفعل هذا مع كلمة الرب، تأمُّلك ولهجك في الكلمة أمرٌ هامٌ جدًا وخاصة في الوقت الذي لا تستطيع فيه أن تصنع أي أمر روحي لشعورك بالإنهاك والإجهاد، الهجْ في الكلمة وردِّدْ: “أنا أعظم من مُنتصِر، الذي فيّ أعظم وأقوى من الذي في العالم!” حتى لو كان الواقع مُؤلِمًا والعيان سلبيًا ومُوجِعًا ووصلت لمرحلة ضياع أشياء وفقدانها من حياتك.
استعملْ لسانك، قِفْ ووِّجه تفكيرك للكلمة وتأمَّلها وانطقْ بها. لأن هذه هي حالة عدم الاعتيادية، اخرج من حالة الجمود وتَحرَّكْ وتفاعل مع مَن يريدون تشجيعك بالكلمة، اهتز وارتعد بالكلمة، وقَدِّرْ رجال الله ولا تَكُن كالقوم الذين لم يستطِع الرب أن يصنع معهم شيئًا لاعتياديتهم عليه.
سبقَ لي أن قصصت في أحد الاجتماعات قصة حقيقية تُوضِّح لنا أهمية مهابة الكلمة ورجال الله، القصة عن أخت لأحد رجال الله التي كانت حزينة لأن زوجها لا يحضر اجتماعات الكنيسة معها، ولكن لما مَرِضَ زوجها زاره القس أخو زوجته وصلَّى له فنال شفائه.
حينئذ غضبت الزوجة من شقيقها الراعي وتكلَّمت معه بحِدّة قائلةً: “كيف ينال زوجي شفاءه وهو لم يحضر الاجتماعات منذ سنوات عديدة بينما أنا مُواظِبةٌ كل تلك السنين على الحضور ولم أنَلْ شفائي؟!” فرَدَّ عليها أخوها قائلاً: “شيءٌ واحدٌ هامٌ ينبغي أن تفعليه وهو أن تتعاملي معي لا كأخٍ بل كراعٍ فهذا سيفرق معكي جدًا في استقبال المسحة”.
▪︎ مُعوِّقات قبول الخلاص:
لا تنسَ أن أهل الرب يسوع اعتادوا على رؤيته فلم يستفيدوا من ذلك الإله المُتجسِد الذي كان بينهم، فَهُم غالبًا لم يعرفوا حقيقته إلا عند صعوده للسماء، لقد كان يسير بينهم كإنسانٍ عادي، كما لم تَكُن هناك هالة من النور حول رأسه كما نراها في الصور.
كان يتكلَّم كإنسان، يأكل، ينام، يذهب للحمام…إلخ. فهو أخذ صورة إنسان. للأسف لم يُميِّزوا كلمات الحياة الخارِجة من فمه مع إنها كانت مليئة بالحياة لصالحهم، لذلك لم يَقدِر أن يصنع معهم آيةً واحدةً، وكلمة “لم يقدر” تُعنِي إنه حاولَ أن يصنع معهم آيات لكن مناخ عدم الإيمان وكلماتهم المُتهكِمة عليه أوقفوه ومنعوه من ذلك رغم أنه حاول أن يفعل!
حيث إن الأمر ليس سِحرًا أو تعويذة بل يحتاج إلى تفاعل من الشخص لينال الخلاص، لكن توجد أمور تسدّ قلب الإنسان عن قبول هذا الخلاص. أيضًا عدم وجود نور واستنارة هو سبب آخر لعدم قبول الناس للخلاص، نستطيع أن نرى هذا واضِحًا في الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا:
“١ كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ. ٢ هذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ:« يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ». ٣ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ». ٤ قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟» ٥ أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. ٦ اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. ٧ لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ. ٨ اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ». ٩ أَجَابَ نِيقُودِيمُوسُ وَقَالَ لَهُ: «كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هذَا؟» ١٠ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وَلَسْتَ تَعْلَمُ هذَا! ١١ اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّنَا إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ بِمَا نَعْلَمُ وَنَشْهَدُ بِمَا رَأَيْنَا، وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَ شَهَادَتَنَا. ١٢ إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ الأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ السَّمَاوِيَّاتِ؟ ١٣ وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ. ١٤ «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، ١٥ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. ١٦ لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. ١٧ لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. ١٨ اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ. ١٩ وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. ٢٠ لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. ٢١ وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ».” (يوحنا ٣: ١-٢١).
هنا كشفَ الروح القدس أمرًا هامًا لنا بخصوص نيقوديموس وهو إنه كان يفتقد النور رغم إنه كان دارِسًا للكلمة لذلك لم يستطِع أن يتجاوب ويتفاعل معه بشكل صحيح، لقد رأى يسوع لكن لم يستطِع أن يقبله رغم إنه جائِعٌ للحق وجاء للرب في السرّ.
الأمر الذي يجعلني أتوقَّع من الرب أن يقول له: أنا أعلم أنك آتٍ إليَّ سرًا، ثم يحاول أن يُقنِعه لأن الرب بالتأكيد سيَفرح (من وجهة نظر خيالي وتوقُّعي) بأنّ هناك قائِدًا ورئيسًا ومُعلِّمًا يهوديًّا قد جاء ليُكلِّمه، وقد بدأ يقتنع به مبدئيًا كالمسيا المُنتظَر! لكن كان هناك عائِقٌ في حياة هذا الرجل مَنَعه من قبول يسوع رغم أن الحل كان بين يديه.
بالمِثْل أنت أيضًا قد تكون مُنتظِمًا في دراسة الكلمة لكنك تحتاج لاستنارة فيها لذلك أُشجعك أن تُصلي دائمًا بالنص الموجود في أفسس عن عمل روح الحكمة والإعلان؛ “١٧ كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ، ١٨ مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ.” (أفسس ١: ١٧، ١٨).
كما أنّ أحد الإعاقات الهامة للشخص عن قبول خلاص يسوع هي عدم وجود مثالٌ سابقٌ أمامه عن الأمر الذي يُحكَى في الكتاب المُقدَّس، فالبعض يمضي حياته كلها دون أن يعرف ما معني خروج الروح الشرير من الإنسان! والبعض الآخر لم يرَ شخصًا يُصلي لينال معجزته بالإيمان بكلمة الرب بطريقة إلهية.
لأن الشخص لم يجتَز أو يرى تلك الخبرة الإنسانية في حياته وكل ما عَرَفه بخصوص هذا الأمر أن هذه هي الحياة وكل شخص له نصيبه وكله مُقدَّرٌ ومكتوبٌ!! ولم يرَ أمورًا خارِقة تَحدُث أمام عينيه، فحين يرى أمورًا مُعجزية رائعة تَحدُث، تجده غير قادِرٍ على استيعاب هذا الأمر: “فَتَحَيَّرُوا كُلُّهُمْ، حَتَّى سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ: «مَا هذَا؟ مَا هُوَ هذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ!»” (مرقس ١: ٢٧).
هنا نجد الناس قد تعجَّبوا وتحيّروا وانبهروا بيسوع وبكلماته وأعماله لأنهم لم يروا مُعلِّمًا يقول هذا الكلام ولا يصنع تلك المعجزات ورغم هذا لم يستفيدوا مِمَّن سمعوه ولا مِمَّا رأوه.
أيضًا العادات والتقاليد والمبادئ التي يعتقد الناس أنها صحيحة هي أحد الأسباب التي تُعيق الناس عن قبول خلاص يسوع؛ “مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ. وَأُمُورًا كَثِيرَةً مِثْلَ هذِهِ تَفْعَلُونَ.” (مرقس ٧: ١٣).
كما أنَّ هناك نقطة هامة جدًا تُعيق الإنسان أن يرى نتائج في حياته وهي؛ عدم سيره في مشيئة الرب بعد أن يكون قد عَرَفَ الرب وسار معه لفترةٍ ما لكنه دخلَ في منطقة غير سليمة إذ تصادق مع مُؤمِنين غير سائِرين بالصورة الكتابية الصحيحة فصار ذلك شِرْكًا له إذ يُحبِط إيمانه ويُؤثِّر سلبًا على طريقة تفكيره، فالمناخ الذي يُحيط المُؤمِن نفسه به يُؤثِّر على نموه الروحي وإيمانه وطريقة تفكيره فيعوقه ويمنعه من استقبال معجزته أو خلاصه.
“٢٦ وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. ٢٧ وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ. ٢٨ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ.” (رومية ٨: ٢٦-٢٨).
العدد السادس والعشرون في ترجمة أخرى يقول: “بما أنّ الروح القدس يساعدنا في الصلاة، بما إنه شريكٌ لنا في الصلاة”
♡ هناك ثلاثة عناصر في هذا النص يجب أن تتوفَّر لكي تعمل كل الأشياء لصالح أو لخير أولئك الذين يُحبون الله:
١- أن يكون الروح القدس شريكًا معك في الأمر أو الصلاة وذلك لضمان أنك تُصلي بشكلٍ صحيحٍ.
٢- أن تكون مِن أولئك الذين يُحبون الله، أي أنّ لك علاقة مع الروح القدس، لا تظن أنك تحب الرب لأنك تقول إنك تحبه، ليس هذا هو المعيار أو المقياس الذي يُقيس به الله الأمور فمقاييس الله ليست كمقاييس البشر.
كونك تُحب الله هذا يُعنِي أنك تجري لتعرف فِكْره وتقرأ كلمته وتفهمها، وليس العواطف والمودة الداخلية، نحن كشرق أوسطيين عامةً نميل ونُستثار بالعواطف والمشاعر فننفعل ونتأثَّر بل ونبكي لمجرد مشاهدة فيلم يُصوِّر صَلْب الرب مثلاً، تلك ليست مقاييس محبة الرب.
أيضًا ليس كونك لم تُجدِّف على الرب ولم تَقُلْ عليه كلمات سيئة فهذا يُعنِي أنك تحبه، يُقاس حُبك للرب بمعرفتك لفِكْره وضبْط ذهنك على أفكاره. تكلَّمت سابقًا في سِلسلة “الحياة المسيحية وكيف تحياها” عن أنه كونك قَبِلْتْ يسوع فهذا شيءٌ، أما أن تحيا مع الرب يسوع فهذا شيءٌ آخر.
لابد أن يُسيطِر الرب على حياتك وأفكارك ومبادئك. أدَّى مبدأ؛ “تذكرة السماء مضمونة” إلى حدوث استرخاء في حياة الناس مُعتنِقين فِكْرة أنهم ما داموا ضامِنين السماء فليفعلوا ما شاءوا! فِكْرة ضمان السماء ليست سليمة للنهاية لأنه يوجد ما يُسمَى بالارتداد للهلاك. فهناك مسئولية على الإنسان فإن تركَ طُرق الرب فهو مُعرَّض للهلاك!
أن يستمر الرب يسوع مَلِكًا على حياتك يستلزم أن تكون مبادئه هي مبادئك وأفكاره هي أفكارك، ليس فقط أن تعرفها بل أن تجعلها تسود وتَحكُم سلوكك وتصرُّفاتك، فمثلاً إن قال الكتاب: “لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ” (رومية ١٢: ١٩)، فيجب ألّا أنتقم ولا ينبغي أن أقول أو أفعل شيئًا عكس تلك الوصية.
حتى لو تكلَّمَ جسدك وصار له صوتٌ، قُلْ لنفسك: “إني أُخضِع جسدي للمبادئ الكتابية وليس للجسد”، تلك هي الحالة التي تستطيع أن تقول فيها إنك تُحب الرب، فَحُبك ليس هو تَعاطُفك ولا الحالة التي يكون لك فيها تقدير للكتاب المقدس وتحافظ عليه ولا تُجدِّف ودائم الانتظام في الكنيسة، فتلك هي المعايير التي يقيس الناس عليها محبة الرب لكنها ليست معايير الرب، فمعرفتك ومحبتك للرب شيءٌ آخر.
٣- مَدعوون حسب قصده:
وهذا معناه أن يكون الشخص سائِرًا في الخطة الإلهية ويفعل الأشياء الصحيحة في وقتها الصحيح ويأخذ القرارات الصحيحة. مِن هنا تعمل الأشياء جميعًا لخيره، فهذا النص الذي نحن بصدده ليس مفتوحًا على الإطلاق وبلا شروط بل أن تعمل كل الأشياء لخيرك مشروطًا بتلك الشروط الثلاثة السالِف ذكرها.
ببساطة عِشْ الكلمة وبالتأكيد ستتكلَّم لك وتُخبِرك أين تكون، ومَن الجماعة التي تنتمي إليها من المُؤمِنين، وكيف ترتبط، ومَن تُصاحب ومن لا تصاحب وكيف تقضي وقتك، تلك هي كيفية أن تفعل الشيء الصحيح وتتكلَّم الكلمات الصحيحة في الوقت الصحيح.
حينئذ فقط ستتحوَّل كل الأشياء لخيرك بالفِعْل وليست حالة التخدير بالكلمات وتَقبُّل الوضع القائم مع ترديد كلمات مُسكِّنة للنفس مثل: “كله للخير” التي يُردِّدها الكثيرون بصورة تأقلمية وليست حقيقة فِعْلية، فتَحوُّل الأمور للخير يُعنِي أنّ الموقف كان سيئًا وصار رائعًا، هذا ما تعنيه الآية تمامًا.
أيضًا هناك نقطة هامة جدًا تُعيق خلاص الإنسان وتجعله يفوته نجدها في الشاهد التالي:
“٦ لِذلِكَ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنَا الرَّبُّ. وَأَنَا أُخْرِجُكُمْ مِنْ تَحْتِ أَثْقَالِ الْمِصْرِيِّينَ وَأُنْقِذُكُمْ مِنْ عُبُودِيَّتِهِمْ وَأُخَلِّصُكُمْ بِذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ وَبِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ، ٧ وَأَتَّخِذُكُمْ لِي شَعْبًا، وَأَكُونُ لَكُمْ إِلهًا. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمُ الَّذِي يُخْرِجُكُمْ مِنْ تَحْتِ أَثْقَالِ الْمِصْرِيِّينَ. ٨ وَأُدْخِلُكُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي أَنْ أُعْطِيَهَا لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَأُعْطِيَكُمْ إِيَّاهَا مِيرَاثًا. أَنَا الرَّبُّ». ٩ فَكَلَّمَ مُوسَى هكَذَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلكِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى مِنْ صِغَرِ النَّفْسِ، وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ.” (الخروج ٦: ٦-٩).
هل لاحظت هذا؛ لم يُصغِ الشعب لمُوسى بسبب “صِغْر النَفْس والعبودية القاسية”. إنْ ظلَّ الشخص طوال الوقت يستمع لأمور تستمر في تكسير وتحطيم شخصيته، قد تكون في تربيته، ولا يشترط أن يكون الكلام مُوجَّهًا إليه بشكلٍ مباشر، فقد يكون الطفل جالِسًا يستمع لوالديه وهُمْ يتحدَّثون كلامًا فيه يُعبِّرون عن عدم قدرتهم على عمل أمر ما، أو شراء شيء مُعين يحتاجونه.
تلقائيًا ستَدخُل هذه الكلمات في نفسية الطفل وتنقل إليه تكسير في شخصيته وتزرع فيه عدم القدرة على تحقيق ما يرجوه، فيبدأ في تنزيل أو تقليل طموحاته، فمثلاً حين يصل لمرحلة اختيار الكُليّة التي سيدخلها تجده غير مُتمسِّك بكُلية أحلامه بل يرضى بأي كلية فقد سبق أن رضى بأي درجة يحصل عليها فهناك صار لديه حالة من التَسيُّب واللامبالاة.
أيضًا قد يكون شخصٌ ما ماهِرًا ومُتميِّزًا في مجال مُعيّن ويجد نفسه في هذا المجال، فيظل في العمل لساعات طويلة أكثر وأطول من ساعات العمل الرسمية وذلك لأنه وجدَ نفسه مُتميِّزًا ومُتفوِّقًا في هذا العمل، لكنه لا يستطيع مواجهة نفسه في مواقف أخرى.
رُبَّ امرأة ربة منزل ماهرة في الأعمال المنزلية وفي طهو وتحضير الطعام لأسرتها ودائمًا المبرد ملئ بالطعام وتُخزِّن الكثير من المواد الغذائية في منزلها حتى يحتار أهل المنزل ماذا يأكلون لكثرة المعروض من الأطعمة، كما يُلقَى الكثير من أنواع الطعام لأنها تفسد قبل أن يتناولها أحدٌ لكثرة الطعام.
تجدّ سيدة هذا المنزل نفسها في إعداد الكثير والكثير مِن الأصناف حتى لو زادت عن حاجة أُسرتها وأخيرًا يتمّ التَخلُّص منها، أو قد تكون وجدت نفسها في أن تهتم بنظافة منزلها فتهتم بتكرار عملية التنظيف حتى لو لم يَكُن المنزل بحاجة لذلك لكنها قد وجدت نفسها في هذا الأمر فتُكرِّره حتى دون احتياج حقيقي له، فهي لا ترى أي شيء سوى هذا.
“صِغْر النَفْس” الكلمة العبرية المُترجَمة هنا تُعنِي أيضًا: (قِصر النَفَس) فحينما تتحدَّث مع شخص يُعاني من قِصر النَفَس في موضوع يُحبه تجده يعطيك انتباهه وتفكيره وتركيزه، أما عندما تتكلَّم معه في أي شيءٍ يخص كلمة الرب تجده يفقد تركيزه واهتمامه ويحاول أن يجعلك تختصر الكلام بمقاطعتك بكلمات تبدو روحية مثل كلمة “آمين”، لكي لا ينتقده أحدٌ.
لكنه في الواقع مُمتلِئٌ من الداخل بالرفض للكلمة مثل شعب الله في القديم حينما لم يسمعوا لموسى، لقد اقتنعوا في النهاية بموسى لكن بعد أن أتعبوا قلبه كثيرًا طوال فترة الضربات ومحاولات فرعون للضغط عليهم. ما هي حالة قلب هذا الشعب الذي يصفه الرب نفسه بأنه “صَلِب الرقبة”!
إنّ صلابة رقبة هذا الشعب ناتِجة عن تفكيره بصورة خاطِئة، لقد اعتاد هذا الشعب جيل وراء جيل على حالة العبودية. عاش شعب إسرائيل مُستريحين في أرض مصر أثناء حياة يوسف، حتى أتى فرعون جديد لم يكن يعرف يوسف واستعبدهم.
حتى جاء فرعون جديد وبدأ في استعبادهم وإدخال الرُعب في قلوبهم فبدأوا يخافون في جميع أسباطهم تحت نير فرعون باستثناء سبط لاوي الذي لم يُستعبَد وكان رافِضًا لمذلة فرعون حتى آخِر لحظة لهم في أرض مصر، كل الأسباط تقريبًا كانوا مُذَلين ومُستعبَدين فترة طويلة وكان يتمّ كل يوم تكسير شخصياتهم وإذلالهم بطريقة مُختلِفة!
لدرجة لم يتبقَ فيها لديهم بصيصٌ من النور ليروا أن هناك مناصًا مِمّا يعانون منه ولا فكاك من تلك العبودية والإذلال، فكانت الصورة قاتمةً حتى إنهم لم يستطيعوا أن يستمعوا لموسى حين جاء وأخبرهم بدعوة الرب له لكي يُطلقهم من أرض مصر أرض العبودية التي اعتادوا عليها ولم يعودوا يرون سواها! يفعل إبليس هذا مع الكثير من الناس فيكسر شخصياتهم ويهدمها فيصيروا صغيري النَفْس أو قصيري النَفَس، كلاهما صحيح.
لقد كان الشعب قصيرَ النَفَس فيما يختص بالأمور الإلهية، وتجد مَن يُعاني من تلك الحالة حتى إن أعطاك أُذنه ليسمعك تجده يستمع لك بمجادلة وعنف في الحديث ومحاولة الإطاحة برأيك، هذا يَنُم عن الألم الداخلي وعلى الراعي أن يتفهم هذا. ظل موسى يقيم حوارات مع قادة الشعب مرات عديدة حتى اقتنع الكثيرون منهم بشكل تدريجيًّا وليس جميعهم.
اقتنعَ البعض بعد الضربة الأولى والبعض آمن بعد الضربة الخامسة والبعض ظلَّ غير مُقتنِع حتى الضربة الأخيرة حتى إن بعضهم لم يَخرُج من مصر أساسًا حسب التاريخ.
أيضًا هناك سبب آخر يُعيق قوة الخلاص من الظهور وهو الاطلاع على الأخبار السلبية وتفاصيل حياة الناس؛ كل الذين يُحبون الاطلاع على تفاصيل حياة الآخرين وكيف يعيشون ولماذا حدث لهم هذا وكيف سَرَقَ فلان ولماذا قتل فلان وكيف حدثت تلك الحادثة والكثير من التفاصيل التي لا تَخصهم بشكل مباشر…إلخ. أولئك يُدخِلون لأنفسهم الكثير من المعرفة التي تضرهم ولا تنفعهم بل تجرح أرواحهم في كثير من الأحيان!
أيضًا حين يريدون أن يمارسوا إيمانهم لا يقدرون بسبب كثرة تأمُّلهم في مظالم الناس وما حدثَ لهم من أحداث مريرة والحُزن لأجلهم اعتقادًا منهم أن هذا شيءٌ صالحٌ في حين لا يعلِّمنا الكتاب أن نتأمَّل في مصائب أو مظالم الناس. إن كنت ذا قيادة أو رئاسة، أكرِمْ أولئك الذين تحت مسئوليتك لكن لا تحمل أحمالهم لأن لهم إلهًا حيًّا يفعل ويهتم بهم.
لا تُبرِّر قلقك بالقول: “لكن الناس تموت!” ماذا بعد القلق لأجلهم؟ هل أنت بذلك تساعدهم؟ قلقك وتوتُّرك لأجلهم لن يساعدهم، فقط يجعلك تمتلئ بالمرارة ويجعلك غير قادِرٍ على الاستفادة من الخلاص الذي يخصك وإنْ مَرَّ أمامك وصار في متناول يديك.
“١٧ حُجَّةَ الشِّرِّيرِ أَكْمَلْتَ، فَالْحُجَّةُ وَالْقَضَاءُ يُمْسِكَانِكَ. ١٨ عِنْدَ غَضَبِهِ لَعَلَّهُ يَقُودُكَ بِصَفْقَةٍ. فَكَثْرَةُ الْفِدْيَةِ لاَ تَفُكُّكَ. ١٩ هَلْ يَعْتَبِرُ غِنَاكَ؟ لاَ التِّبْرَ وَلاَ جَمِيعَ قُوَى الثَّرْوَةِ!” (أيوب ٣٦: ١٧ -١٩).
هذا النص غير واضِح في ترجمة فانديك لكنه في ترجمة الحياة يأتي: “وَلَكِنَّكَ مُثْقَلٌ بِالدَّيْنُونَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الأَشْرَارِ، فَالدَّعْوَى وَالْقَضَاءُ يُمْسِكَانِكَ“. ما دُمت مُستمِرًا بالتفكير في الأحداث والجرائم والحوادث وكيفية حدوثها ونتائجها على الناس، ولازلت تُفكِّر في الاقتصاد وكيف انهار الجنيه المصري أمام الدولار وما نتائج ذلك على حياتك ومُستقبَل أولادك وأصدقائك…إلخ، ستُصبح أسيرًا لتلك الظروف.
طالما أنت مُنتبِهٌ للأحداث العالمية دون أن تراها بنظرة كتابية وأنك مُنتصِرٌ داخليًا بالروح القدس الذي فيك الذي يُعينك ويرفعك فوق كل مواجهات وصعاب الحياة، ستُؤخَذ وتمسك بتلك الأمور التي تراها وتُركِز عليها وتأخذ انتباهك وشغفك فتُعطِل انطلاقك ومسيرة حياتك، وتتحوّل لعبادة الأوثان دون أن تدري.
حيث يتكلَّم الكتاب عن الذين يصنعون الأوثان قائلاً: “مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا.” (المزامير ١١٥: ٨)، فالشخص يأخذ ويشرب من شخصية الشخص أو الأمر الذي يُحبه الدائم الملازمة له، لذلك يُحذِّرنا النص هنا من التَأمُّل والتركيز في أحداث العالم والناس إلّا بطريقة الكلمة.
لذلك يكمل النص قائلاً: “١٨ عِنْدَ غَضَبِهِ لَعَلَّهُ يَقُودُكَ بِصَفْقَةٍ. فَكَثْرَةُ الْفِدْيَةِ لاَ تَفُكُّكَ. ١٩ هَلْ يَعْتَبِرُ غِنَاكَ؟ لاَ التِّبْرَ وَلاَ جَمِيعَ قُوَى الثَّرْوَةِ!” (أيوب ٣٦: ١٨، ١٩).
أيضًا هذا النص غير واضح وله ترجمات عديدة لكنه يُعني أنه طالما أنت تسير بهذا الضلال فيوم إتيان الحلّ أمامك لهذا القيد المُمسِك بك، لن تستطيع أن تستفيد منه ولن تستطيع أن تَعبُر الموقف ولن تنفعك أموالك في ذلك الأمر، لهذا يشرح لنا الكتاب كم المرارة التي يُعاني منها كثيرون نتيجة تعاطفهم مع قضايا آخرين لا يعرفون خبايا قصصهم ودهاليزها!
أيضًا هناك نقطة هامة أخيرة وهي عدم تطبيق الشخص لتعليمات الروح القدس في نفس الموقف الذي يجتاز فيه.
▪︎ كيف يُمجَّد يسوع؟
“١٣ وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ١٤ ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. ١٥ كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ.” (يوحنا ١٦: ١٣-١٥).
بحسب أكثر من شاهد في الكتاب المُقدَّس، كلما تحدَّثت عن أمور تَخُص يسوع ولا تخص العالم فأنت بذلك تُمجِّد يسوع وحين تتكلَّم عمَّا يفعله إبليس فأنت تُمجِّد إبليس. أيضًا كلما تحدَّثت عن السلبيات ازداد العيان سوءًا.
يقول المسيح في العدد الخامس عشر؛ “١٥ كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ”، فالروح القدس مسئول أن يساعدنا هنا على الأرض لكي نأخذ هذا الخلاص ونتحرَّك ونتعامل به لذلك سوف أُكمل في العظة القادِمة عن كيف شَمَلَ هذا الخلاص وقتك ومجهودك وأمور أخرى كثيرة يتمنَّى كثيرون أن تكون مَشمولة في حقيبة خلاص يسوع لنا.
الحقيقة أن حقيبة خلاصنا بالمسيح تشمل كل زوايا حياتنا حتى أفكارنا وأموالنا وكل تفاصيل في حياتنا. يبقى فقط ألَّا تضع نفسك في إعاقة من تلك الإعاقات التي سردناها اليوم.
لقد قصدت أن أضع أمامكم نقطة هامة في هذا الأمر وهي (الروح القدس)، فالروح القدس سيُرشدك لأنه قد تكون هناك نقاط أُخرى لم أذكرها لك اليوم، سيُرشدك الروح القدس لها ويُذكِّرك بها وينبهك للإعاقات التي قد تعيق خلاصك واستمتاعك بالحياة في المسيح، فخلاص المسيح متاحٌ لك لكن هناك عملاً لابد أن أقوم به، هذا العمل هو أن أنتبه لحياتي الروحية.
تذكَّرْ أنّ رُعب إبليس هو أن تلتفت لكلام موسى فهو يريد أن يُشتِّتك بعيدًا عن كلام موسى فيُثقل عليك العيان والأفكار وتظل تُردِّد أنك تحت ضغوط. ما يُخرِجك من هذا الأمر هو إيمانك بخلاص يسوع وأنك لست تحت سيطرة تلك الأفكار، هنا تَكمُن المشكلة وهنا يَكمُن الحلّ وهو ألّا تُصدِّق تلك الأفكار حتى ولو تحت إلحاح سواء أفكار خطية أو إلحاح من شكوك أو من سدّ شهيتك لكلمة الرب والجلوس أمامه.
عِش على الأرض طبقًا لحياة يسوع لأنه جاء على الأرض لكي نحيا به كما قال الكتاب: “اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ.” (٢ بطرس ١: ٤).
يتكلَّم هنا عن سبب الفساد الذي في العالم وهو أنّ الناس تُصدِّق وتتحرَّك وفقًا لِما يشعرون به وليس فقط المقصود الشهوات الجنسية. أيضًا يتحدَّث هذا النص عن خروجك خارج النظام العالمي الشرير بينما أنت ما دُمْت في العالم.
سمعنا عن محاولات البعض للحياة خارج الكرة الأرضية هربًا من الحياة على الأرض اعتقادًا منهم أنهم يستطيعون أن يهربوا مِمّا يَحدُث في الأرض، لكنك تستطيع أن تعيش هنا على الأرض وأنت غير مُتأثِّر بما يَحدُث على الأرض وذلك بإدراكك لطبيعة الله التي بداخلك، أنت مُشترِكٌ في الطبيعة الإلهية نفسها، لقد صار في داخلك قدرة خارِقة للوقوف ضد هذه المشاعر وتلك الأفكار.
تستطيع أن تُسيطِر على المواقف الحقيقية التي تواجهها بالطبيعة الإلهية التي في داخلك بالميلاد الجديد وعمل الروح القُدس، الإمكانية موجودة داخلك لكن لكي تستطيع أن تستخدمها تحتاج إلى تعليم وإلى ضبط لذهنك وتفكيرك لأنه ربما تكون هناك أمور تحاول أن تعوقك من وقت إلى آخر، الأسئلة التي تحوم حول ذهنك دون أن ترد عليها أو أن تقول لها: “لا” كافية لإرجاعك للخلف!
بعض الندم والحسرة مِن الممكن أن يُؤدي بك إلى أفكار أخرى مُؤلِمة وإلى مرارة كبيرة في قلبك تجعلك تزداد عُمقًا مع الأرواح الشريرة وأنت لا تدري، في البداية كنت تظن أنها مجرد فِكْرة عادية غير مُدرِك أنك تلعب بالنار وستحترق بتلك الأفكار إن لم تتعامل معها وترفضها من ذهنك! آن الأوان أن تقول الكنيسة: “لا” للأفكار والمشاعر الخاطِئة التي تجعل الإنسان كمَن يتمّ ضربه دون أن يعترض أو يقول لا لِمَن يضربه.
ما تشعُر به ليس حقيقيًا لأنك شريكُ الطبيعة الإلهية، هذا معناه أن ما يشعر به الله تشعر به أنت وما يفهمه، تفهمه أنت أيضًا. لقد أعطاك تلك الإمكانية وهي عدم التأثُّر بما لا يتأثَّر به الرب، إن كان هذا الإله ينتصر فلك أنت أيضًا القدرة على الانتصار فأنت قد دخلت في ذات العلاقة الحية ونفس طبيعة وخامة الإله، هللويا!
سبب ذلك أن خلاص يسوع يشمل كل شيء وكما قُلت لكم في البداية إن يسوع حين قال للكتيبة الرومانية القادِمة للقبض عليه: “أنا هو”، خرجت من كلماته قوة جعلتهم يسقطون كالأموات حتى إن هذه القوة ذهبت بعيدًا لقبر قريب وأقامت شابًا كان ميتًا فقام وتبع يسوع!
كم كانت عجيبة تلك القوة التي خرجت من كلمات يسوع، حتى تعجَّبَ الناس من منظر الشاب الذي يتبع يسوع مُرتديًا كفنه على عريه. تلك القوة التي أقامت الميت ساكِنة فيك الآن، لا تحتاج أن ينزل يسوع من السماء ليُعطيك إياها فهي في داخلك بالفعل! ما عمله الرب يسوع كافٍ جدًا.
لذلك اختَرْ أن تعيش حياتك للرب بصورة كاملة وليست جزئية فتستمتع بهذا الخلاص وتلك القدرات الموجودة داخلك. اجعل كلمة الرب تهزك من الداخل واجعلها تُحرِّكك، تفاعلْ معها. إن عَمِلْت هذا، انظرْ كيف ستكون حياتك، ولا تنسَ كيف ينظر الله إلى الشخص المُتضِع القلب الذي يهاب الكلمة ويتأمَّلها ولا يَمُرّ عليها مرور الكرام.
اجعلْ الكلمة تدور في ذهنك بينما تعبُد الرب في الكنيسة وبينما تُسلِّم على إخوتك بعد الاجتماع، إن تعاملت مع الكلمة كمسألة حياة أو موت ستجدها قد بدأت تأخذ مجراها في حياتك وستجد نتائج قوية في ظروفك!
ـــــــــــــــــ
من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الإقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.
Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations is forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.
Download