القائمة إغلاق

ماذا حدث في بستان جثيماني؟ What Happened in the Garden?

في البستان، كان الله في مواجهة التضحية التي سيقدمها بأن يجعل نفسه بديلاً عن الإنسان.

ها الوقت الحَرِج قد حانَ.

وتحت أشجار الزيتون المتشابكة القديمة، انعزل هو وثلاثة من تلاميذه ليصلي كعادته.

كانوا قد رأوه مرات عديدة يصلي، ولكن هذه المرة كانت مختلفة.

أخبرهم أن يسهروا ويصلوا، وابتعد عنهم مسافة قليلة، وانكب على وجهه.

سمعوا صوته، ولكنهم لم يميزوا ما كان يقوله. لقد كان يواجه حقيقة كونه سيُجعل خطية، ولم يعرف تلاميذه هذا.

لم يكن فداؤه للإنسان مجرد فكرة لاهوتية أو غيبية، ولكن كان بالفعل سيُجعل بديلاً عن الإنسان الساقط.

لقد تشارك معنا في الجسم البشري، ولكنه لم يشترك بعد في خطيته أو قابليته للموت، لقد حُبل به من الروح القدس، وُلد من عذراء وليس بتناسل طبيعي. كان جسده كجسد آدم قبل السقوط، لم يكن قابلاً للموت.

جسد آدم كان جسداً بشرياً بالكامل.

صار جسد آدم قابلاً للموت في اللحظة التي سقط فيها في الجنة، فصار مُعرضاً للأمراض وللموت.

وهكذا جسد يسوع كان جسداً بشرياً بالكامل

تذكرون معي في (يو١٠: ١٧-١٨) «لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي»

من هنا نقدر نفهم أنه لم يكن بإمكان أي شخص قتله، فلم يكن جسده قابلاً للموت، إلى الوقت الذي عُلق فيه على الصليب

جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا (٢ كورنثوس ٥: ٢١)

صار يسوع خطية، وأخذ في روحه هذا الشيء الفظيع الذي دخل آدم في الجنة بعد سقوطه، فاصلاً الإنسان عن الله.

لم يبدو ممكناً أن يسوع يصبح خطية، فهو قدوس كالله، لم تمسه الخطية. حقيقةً، وبالرغم من أنه عاش سنين عديدة وسط الخطية، وكان مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، لكن لم تصبح الخطية جزءاً منه أبداً.

وقد حان الوقت ليُجعل خطية، وينفصل عن الله باعتباره بديل الإنسان الخاطئ، ويذهب إلى أبعد إلى حيث ذهب الإنسان الذي رفضه. وهناك يعاني ويتألم حتى يدفع الثمن ويوفي كل مطالب العدل.

عرف يسوع لماذا خرج من عند الآب، ولماذا جاء إلى العالم، وما سيواجهه قبل أن يواجهه، علم أنه ينبغي أن يتألم.

من هنا نقدر أن نفهم صرخة الوجع في (مت٢٦: ٣٦-٤٦) 

حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: «اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ». ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي». ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ». ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». فَمَضَى أَيْضًا ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ». ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. قُومُوا نَنْطَلِقْ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُني قَدِ اقْتَرَبَ!». (متى ٢٦: ٣٦-٤٦)

لنلاحظ بعناية أنه قال لتلاميذه: 

نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي. ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ» 

يصعب علينا أن نفهم ما كان يعنيه هذا لدى السيد، كان أكثر من مجرد انفصال عن أبيه لثلاثة أيام وثلاث ليال. كان عليه أن يشترك في الموت الروحي أي طبيعة العدو.

يُقال إنه لا يمكن أن يكون قد عمل شيئاً مثل ذلك، ولكن ما هذا إلا المنطق البشري والمعرفة الحسية، فيصعب عليه أن يعرف كيف يصير يسوع خطية، ولكني أنا أعرف أن هذا قد تم، لأن المعرفة الحسية محدودة ولا يمكنها أن تفهم الأمور الروحية التي لله.

يقول في (١كو٢::١٤) “غير أن الإنسان البشري لا يتقبل أمور روح الله إذ يعتبرها جهالة، ولا يستطيع أن يعرفها لأن تمييزها إنما يحتاج إلى حس روحي”

حينما يقول أحدهم لي: “أعرف أن يسوع جُعل خطية، ولكني لا أستطيع أن أقبل هذا، لا أقدر أن أؤمن به” عندها أفهم لماذا. فأنت تعيش في عالم الحواس كما عاش بطرس ويعقوب ويوحنا أثناء حياة يسوع على الأرض، فأذهانهم لم تكن مفتوحة على الأمور الروحية، فلم يقدروا يفهموا.

ولكننا قبلنا طبيعة وحياة الله، وأخذنا نفس الروح الذي سكن في يسوع وأقامه من الموت، ولهذا نقدر أن نفهم أمور الروح.

علم يسوع أنه قد أتت اللحظة التي سيُجعل فيها خطية، ويشترك في الموت الروحي للعدو وعندها سيكون جسده قابلاً للموت وسيصبح الشيطان هو سيده. هذه كانت مأساة البستان، كان يتألم لأوجاع شديدة، لأنه سيُحسب بين الأثمة، وسيحمل الأمراض وخطايا الجنس البشري، وسيُترك من أبيه، ولا عجب أن عرقه كان يتساقط قطرات دماء، ولا عجب أن يصرخ: “أيها الآب إن كان ممكناً أن تجيز عني هذا”، ولكن لم يكن من طريقٍ آخر. فهو وحده كان ينبغي أن يدفع العقوبة وإلا ستضيع البشرية للأبد، وطوال الأبدية سيكون لله محروماً من أبناءه.

جاءت الملائكة وخدمته في البستان وليس على الصليب، في الترجمة الحرفية نقرأ: “ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ»

لم يكن هذا خضوع الضعيف لأمر لا مفر منه، لكن ابن الله البطل كان يواجه احتياج البشرية الأعظم، وصرخة الآب: “تجرع هذه الكأس للنهاية، وأنقذ الجنس البشري”.

ولهذا هتف بولس قائلاً: “الذي أحبني، وأسلم نفسه من أجلي”.

لقد أدركت أنه كان هناك ألماً في جثسيماني أعمق من الصليب.

إن توقع الاتحاد بالموت الروحي هو أمر فظيع وشنيع، ولا يمكن تصور ما كان سيحدث لو لم تخدمه الملائكة.

ومع ذلك، حينما رجع يسوع من البستان ليقابل تلاميذه النيام، رجع كالسيد، فقد فاز بالمعركة، لم يأتي باكياً متحسراً، بل غالباً منتصراً.

هناك موقفين في رحلة المسيح تعترض وتتحدى القلب:

أول موقف: حينما قابل يهوذا والجنود في البستان، هنا يظهر بطلاً بكل معنى الكلمة، غالباً لا مثيل له، وقد انتصر بالمعركة الأولى.

والآن صار جاهزاً للتجربة، للسياط وللصليب.

ثاني موقف يُلهب قلبي حين قام من الموت مغادراً القبر وقابل التلاميذ هاتفاً بصيحات الانتصار: “ها”، قد غلب، منتصراً على الخطية، يظهر الآن كرب الأرباب، مُنهياً ألم وعار الهاوية، فهو بطل الله، ربي وسيدي الغالب.

كانت المعركة في البستان روحية، ولا يمكن للمعرفة الحسية أن تستوعبها، فقد اقتحم عالم المعرفة الحسية. كان لديه غرض هو افتداء الإنسان من يد العدو، ولكي يفعل ذلك كان عليه أن يُسلم نفسه للعدو.

هنا لدينا قوتين عظمتين، واحدة مرئية أما الأخرى فلا، لكن كلاهما يسودهما الشيطان؛ ساد الشيطان على مجمع السنهدريم اليهودي والحاكم الروماني.

سعى إبليس أن يسيطر على روح يسوع ويجعله خاضعاً له، علم يسوع أن الساعة قد أتت فيها سيخضع للشيطان.

لكن الآن، في مواجهة الجنود ومحاولات السنهدريم وساحة قضاء بيلاطس، خلال كل هذا سار كملك.

________

 نشرت بإذن من مؤسسة كينيون لنشر الإنجيل Kenyon’s Gospel Publishing Society وموقعها www.kenyons.org.    

جميع الحقوق محفوظة. ولموقع الحق المغير للحياة الحق في نشر هذه المقالات باللغة العربية بإذن من خدمة كينيون.

Taken by permission from Kenyon Gospel Publishing Society, site: www.kenyons.org. All rights reserved to Life Changing Truth.

                                         

2 Comments

  1. مريم إبراهيم وهبة ابراهيم

    حبيبى اللى كل ما اعرفه يزداد غلاوة فى قلبى
    بحبك ربى والهى بحبك من كل قلبى
    بحب فكرك وخططك وحكمتك وقدرتك فى إتمام فدائى
    شكرا لانى موضوع اهتمامك وتفكيرك وارادتك خلاصى
    شكرا لانك حبتنى حب الموت ورضيت بأصعب وضع محصلش منذ الأزل لكن عملته عشانى
    عشان تدينى البر
    بشكرك لانى الآن أدركت ماذا يعنى موكب المنتصرين هللويا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$