هذه أيام عجيبة ومليئة من الغموض للشخص العادي، ولكن من خلال دراستها بعناية من الأناجيل الأربعة، ومن خلال رسائل بولس، نقدر أن نرى لمحات هنا وهناك، لنفهم ما حدث خلال تلك الأربعين يومًا.
وسنبدأ بالنصوص الكتابية التي صارت مألوفة لدينا:
“وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً (وبصورة نهائية) إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا” (العبرانيين ٩: ١٢)
يتكلم الروح -من خلال بولس- عن يسوع كرئيس الكهنة الجديد الذي حمل دمه إلى قدس الأقداس وأوجد الفداء الأبدي، ولكن قبل أن يدخل بدمه، هناك لمسة إنسانية درامية صغيرة يجب ألا نغفلها.
ففي (يوحنا ٢٠: ١١-١٨) ظهر السيد لمريم، لم تكن تعلم أنه هو.
قال لها برقة؛ “«يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ؟»، فظنت أنه البستاني.
لا يمكن للمرء أن يمنع الدموع من عينيه عند قراءة ردها؛ “يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ حَمَلْتَهُ فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وَأَنَا آخُذُهُ”.
بكى يسوع عند قبر لعازر. أتعلم، أنا أعتقد أنه بكى مرة أخرى في هذا المكان.
كم لمس إخلاصها وحبها، أعماق قلبه!
والتفت إليها وقال كلمة واحدة؛ “يَا مَرْيَمُ”.
إنه ذلك الصوت القديم، الصوت الذي أحبوه. كم مرة نادها؛ “مريم”، في منزلهم.
لقد انهمر الصوت عليها كالفيضان، فاستدارت ونظرت إليه، وسقطت عند قدميه وهمست؛ “ربوني”.
كانت تود أن تتشبث بقدميه. ولا عجب، فكم من مرات قلت لنفسي؛ “أوه، يا ليتني أستطيع تقبيل تلك القدمين، والجروح في تلك الأيدي الجميلة”.
لكنه قال لها بحنان، وبصوتٍ خافتٍ؛ “لا تلمسيني، فإني لم أصعد بعد إلى أبي”.
لعلك تعرف ما قصده. فلقد مات كالحمل، مات بديلاً عنا. لكنه قام كالرب، كالكاهن الأعظم.
تتذكر أن الحجاب قد انشق في قدس الأقداس من الأعلى إلى الأسفل. هذا يعني أنه لم يعد هناك رئيس كهنة بموجب العهد القديم، فقد تم إلغاء الكهنوت.
لم يكن هناك الناموس، لأنه قد أُكمل.
لا مزيد من الذبائح. رئيس الكهنة لم يعرف أنه قدم حمل الله كالذبيحة العظيمة الأبدية.
وهذا الحمل المذبوح قام من بين الأموات كرئيس كهنة العهد الجديد.
العهد الإبراهيمي قد اكتمل. وهناك رئيس كهنة جديد الآن، لا ينتمي لسبط اللاويين، ولكن جُعل رئيس كهنة بكل السلطان. صار على رتبة ملكي صادق، ليس من العائلة الكهنوتية.
وهكذا قال بلطف لمريم؛ “لا تلمسيني، لم أصعد بعد إلى أبي”. أنه يقول في الواقع؛ “سآخذ دمي إلى قدس الأقداس الجديد، وأرش الدم على كرسي الرحمة كما كان يفعل رئيس الكهنة مرة واحدة.
السنة، ولكن تضحيتي ستكون أبدية. سأكمل فداءكي، يا مريم. أنت لا تعرفي ذلك يا ابنتي، لكنني مت من أجل خطاياكي، لقد أزلت الخطية.
والآن أنا أحمل ختم التضحية التي من أجلك إلى أبي. وعندما أعود، يمكنكِ أن تضعي يديكي عليّ، يمكنكِ أن تلمسيني، وستعرفي إني لحم وعظام، ولكن وداعاً الآن. أنا ذاهب إلى أبي”.
وذهب…
لقد سمحنا لقلوبنا أن ترى المحبة قليلاً هنا، ولكن كل شيء كان جزءً من الحلم الإلهي، من الخطة.
يمكنك أن ترى هذا في رسالة العبرانيين؛ فبعدما فعل يسوع هذا الشيء العجيب؛ وهو أن يحمل دمه إلى قدس الأقداس، وقبلته المحكمة السماوية العليا للكون، كان لديه أشياء أخرى ليفعلها.
كما ترى فقد مات من أجل الذنوب تحت العهد الأول. (عبرانيين ٩: ١٥ كتاب الحياة)؛ “لذلِكَ هوَ الوَسيطُ لِعَهدٍ جَديدٍ يَنالُ فيهِ المَدعوّونَ الميراثَ الأبدِيَّ المَوعودَ، لأنَّهُ ماتَ كَفّارَةً لِلمَعاصي الّتي ارتكَبَها الشَّعبُ في أيّامِ العَهدِ الأوَّلِ”.
لاحظ أن العهد الجديد بدأ يعمل لحظة أن حمل الدم إلى قدس الأقداس السماوية، وأصبح على الفور الوسيط بين الإنسان والآب.
لقد مات من أجل فداء التعديات بموجب العهد الأول. والآن على رجال العهد القديم أن يحصلوا على ميراثهم الأبدي، الذي تم الوعد بها في كل مرة كان رئيس الكهنة يحمل الدم إلى قدس الأقداس.
كانت تلك بمثابة صكوك مديونية استمرت لمئات السنين. والآن قد دفع يسوع كل هذه الصكوك. وتم فداء آباء العهد القديم.
لقد كانوا في الفردوس (حضن إبراهيم) ينتظرون فداء يسوع. اللص الذي مات على الصليب كان بينهم في الفردوس.
ويسوع كان مزمعاً أن يفي بوعده له، لقد قال له: “أقول لك اليوم، ستكون معي في الفردوس”. لم يقل إنه كان سيذهب للفردوس معه، لكنه أخبره ذلك اليوم؛ أنه سيكون معه في الفردوس.
الآن هو يفي بوعده.
يخبرنا في (أفسس ٤: ٨-٩) “لذلِكَ يَقُولُ: «إِذْ صَعِدَ إِلَى الْعَلاَءِ سَبَى سَبْيًا وَأَعْطَى النَّاسَ عَطَايَا». وَأَمَّا أَنَّهُ «صَعِدَ»، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضًا أَوَّلاً إِلَى أَقْسَامِ الأَرْضِ السُّفْلَى”، ماذا يقصد بهذا؟
لقد ذهب إلى المكان الذي تم فيه حفظ قديسي العهد القديم وأعلن لهم الأخبار السارة عن فداءهم، وأخذ هؤلاء الأسرى وأعطى هدايا للناس. لاحظ أيضاً في أعمال الرسل الإصحاح الأول أن سحابة استقبلته عندما صعد.
“وَلَمَّا قَالَ هذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ، وَقَالاَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ” (أع ١: ٩-١١)
لا أعرف ما إذا كنت قد لاحظت ذلك أم لا، ولكن في العديد من الأماكن لعبت السحابة دوراً كبيراً، على سبيل المثال، في التجلي وبينما كان يتحدث ظللتهم سحابة مشرقة، وتحدث لهم صوت من السحابة. وفي مجيء السيد مرة أخرى يقول؛ سيأتي ابن الإنسان في سحاب السماء.
والآن في صعوده استقبلته سحابة. يعتقد معظم المفسرين الروحيين أن هذه السحابة كانت قديسي العهد القديم أُخذوا من حضن إبراهيم للسماء. وأنا أتفق معهم.
إنه تصور جميل أعطوه لنا عن السيد آخذاً قديسي العهد القديم مثل إبراهيم وداود وغيرهم كباكورة ذبيحته العظيمة. إلى ذلك الوقت لم يكن أحد على وجه الأرض قد استفاد بعد من ذبيحته البدلية. لم يكن أحد قد وُلد ثانيةً.
لا أحد يعرف شيئاً عن ذلك. ومن المشكوك فيه أنه حتى لو عرف هؤلاء الأكثر حميمية ماذا كانت تعني هذه الأربعين يوماً، وأن أحبائهم قد ذهبوا للقاء الله.
هناك شيء جميل آخر حدث خلال الأربعين يومًا؛ وهو الرحلة إلى عمواس.
(لوقا ٢٤: ١٣-٣٥) لا يمكننا أن نعطي المساحة في هذا الكتاب للتكلم عن هذا، لكنني أود أن تقرأه.
كان اثنان من التلاميذ في طريقهما إلى هذه البلدة الصغيرة، كانوا يتحدثون عما حدث والأخبار التي ملأت أورشليم عن قيامة يسوع. ثم انضم إليهما غريب وسألهما عما كانا يتحدثان عنه. فأجاب كليوباس: «هل أنت وحدك في أورشليم ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها في هذه الأيام؟». ثم سألهما: «وما هي هذه الأمور؟». قالا: «المختصة بيسوع الناصري، الذي كان إنسانا نبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب. كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه. ومضى قوم من الذين معنا إلى القبر، فوجدوا هكذا كما قالت أيضا النساء، وأما هو فلم يروه». فقال لهما: «أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء!».
كما ترى فقد كانوا لا يزالون رجالًا طبيعيين؛ كان يسوع بالنسبة لهم نبيًا فقط.
لم يتمكنوا من فهم الكتب المقدسة، وأتخيل أنه بعد قبولهم للروح القدس صارت رحلتهم لعمواس واحدة من أكثر الشهادات إثارة في تلك المجموعة الصغيرة التي في أورشليم.
شيءٌ آخر قد حدث في (لوقا ٢٤: ٤٤-٤٦)؛ “حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب”.
لم يكن عليه أن يفتح ذهنهم مرة أخرى بعد يوم الخمسين، لأنهم قد حصلوا على الحياة الأبدية، ويمكنهم فهم الأمور الروحية.
(يوحنا ٢٠: ٢٢-٢٣) من الواضح أنه نفس الاجتماع المسجل في (لوقا ٢٤: ٤٤-٤٦). الآن ينفخ فيهم ويقول: “اقبلوا الروح القدس”.
هذا لا يعني قبول الروح القدس كما حدث في يوم الخمسين. ولا يعني قبول الحياة الأبدية، لقد كان ببساطة يمنحهم الاستنارة لفهم ما كان يُعلّمه لهم. فلم يكن أياً من التلاميذ حتى الآن قد قبل الحياة الأبدية. ولم يكن الروح القدس قد أتى لتولي خدمته في العهد الجديد.
افهم هذا بوضوح أن العهد القديم قد انتهى بحجابٍ مشقوق. وها العهد الجديد قد ظهر للوجود عندما حمل يسوع دمه إلى قدس الأقداس. ولكن خدمة الروح القدس بدأت بعد عشرة أيام من ترك يسوع لهم.
الآن نرى السيد جالساً عن يمين العظمة في الأعالي، داخلاً لراحته.
ثم تولى الروح القدس خدمته، فقد جاء في يوم الخمسين (أي بعد خمسين يومًا من الصلب).
كان التلاميذ ينتظرون في العلية، لم يكونوا يتصرفون بحكمة؛ كانوا يحاولون وضع شخص ما في مكان يهوذا، وكانوا يفعلون ذلك بطريقة الإنسان الطبيعي؛ يلقون القرعة مثلما يفعل الرجال اليوم، يلقون عملة ويقولون: “صورة أم كتابة”.
لم يكن الآب معجب بهذا فتجاهله.
وعندما حان الوقت عّين شاول الطرسوسي مكان يهوذا.
لعلك لاحظت في سفر (أعمال الرسل ١: ١٤) أنه يقول “هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء، ومريم أم يسوع، ومع إخوته”.
لا يجب أن نطبق أي شيء من رسائل بولس -تعليم ما يختص بالخليقة الجديدة- على هذا المشهد. أريدك أن تفهم بوضوح أنه حتى هذا الوقت لم يولد أحد ثانيةً. لقد ارتبطوا بيسوع، رأوا معجزاته، لكنهم لم يفهموا الأمور الروحية حتى قبلوا الروح القدس.
لم يصلوا من أجل سكب الروح القدس، لأنهم لم يعرفوا ماذا يعني هذا، ولم يكونوا يصلون من أجل القوة. كم من مرة قرأنا عن هذا في هذا السفر.
أتذكر قراءتي لكتاب “ألسنة النار” لآرثر. إنه كتاب رائع! يصف آرثر هذا المشهد بصلوات المائة والعشرون الذين ينتظرون قوة الله أن تسقط عليهم. كان يترك خياله يتصور هذا.
أريدك أن تعرف شيئين أو ثلاثة أشياء حيوية. لم يخبر يسوع التلاميذ بأي شيء -على حد علمنا- عما كان مزمعاً أن يحدث في العلية، كما أنه لم يخبرهم بكيفية الاستعداد لهذا. فلم يكن ممكناً أن يأتي الروح القدس في وقت أقرب مما فعل، لقد جاء بالضبط عندما خطط الله له.
فلم تكن صلواتهم قادرة أن تُحضر الروح القدس، ولا أن تمنع قدومه.
لم يطلب الله منهم أن يتوبوا عن خطاياهم، أو أن يمتلكوا إيماناً خاصًا. لم يطلب شيئًا منهم سوى أن ينتظروا في العلية حتى يأتي وعد الآب.
_______
نشرت بإذن من مؤسسة كينيون لنشر الإنجيل Kenyon’s Gospel Publishing Society وموقعها www.kenyons.org.
جميع الحقوق محفوظة. ولموقع الحق المغير للحياة الحق في نشر هذه المقالات باللغة العربية بإذن من خدمة كينيون.
Taken by permission from Kenyon Gospel Publishing Society, site www.kenyons.org. All rights reserved to Life Changing Truth.