القائمة إغلاق

هل سمح الله للشيطان أن يُجرب أيوب؟ ?Did God allow Satan to tempt Job

#هل سمح الله للشيطان أن يُجرب أيوب؟؟

لا أخفيكم سراً، أن هذا الأمر في غاية الحساسية لدى الكثيرين، بسبب ما توارثناه من معاني لهذا السفر؛ مختلطة بثقافاتنا وإستحساننا وواقعنا، بالإضافة للطابع الذي تعطيه لنا القراءة السريعة السطحية لهذا السفر.

سأحاول قدر الإمكان تلخيص الموضوع بإيجازٍ شديد، لأن هذا الموضوع حقاً ليس موضوع مستقل بل متشعب، لأنه للوصول لإجابة السؤال الإفتتاحي؛ لابد من فهم مواضيع أخرى مثل: سلطان الله ومسؤولية الإنسان؟ سماحية الله وماذا تعني؟ وبعض المبادىء الهامة في تفسير أي نص كتابي؟ ومبادىء أخرى خاصة بتفسير الأجزاء التي تبدو عسرة الفهم!

(في الأسفل ستجد رابط لمقالات ستساعدك لفهم اكبر للموضوع، وستفتح المجال لك لتبدأ رحلة البحث)

بالطبع ما سأقوله ربما لا تتفق معي فيه، وهذا لا يعني أبداً أي خلاف بيننا كاخوة في جسد المسيح. كما أشجعك أن تمتحن كل شيء ولا تأخذه مسلمات.

هناك سرٌ هام ساعدني واثق أنه سيساعدك؛ إن كل من يبحث عن الحقيقة ويحب الحقيقة سيصل لها طالما قرر أن يتخلى عن أي شيء في سبيل معرفة الحقيقة، هذه كلمات السيد نفسه (يو٧: ١٧ الترجمة الموسّعة):

إِنَّ أَيَّ شَخْصِ يَرْغُبُ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَةُ الآب وَسُرُورَهُ، سَيُعْطَى لَهُ النُّورُ الْكَافِّيُّ لِيُعَرِّفُ وَيُدْرِكُ…”.

هناك أمر هام يسميه الوحي “محبة الحق” (٢تس٢: ١٠)

والعكس صحيح فمن يحب الكذب (ربما دون أن يعلم أو بدون قصد، أو بنية صالحة) سيأتي له الكذب. فأنت تدعو ما تحبه، إن أحببت الحق سيأتيك وإن أحببت الكذب سيأتيك. (٢تس٢: ١٠-١٢).

للدخول سريعاً في الموضوع سأعرضه في نقاط مختصرة:

١سفر أيوب، وكيف ننظر إليه.

٢شخصية الله

٣شخصية أيوب

٤شخصية إبليس.

٥بعض الإشكاليات.

______

١سفر أيوب وكيف ننظر إليه:

لدى البعض نظرة غير صحيحة من قراءتهم لسفر أيوب، وهذا ولَّد عقائد غير كتابية:

اعتقادات: أعتقد البعض أن الغرض من سفر أيوب، هو طرح فكرة الألم في الأرض، والذي هو في النهاية سرٌ، وليس هناك إجابة واضحة صريحة، لكن في حكمة الله هناك أمور غير مفهومة ولكنها لخيرك.

يعرض سفر أيوب الأشياء التي يقولها الناس حينما يمرون بأوقات صعبة مثل: ” أين الله من ألمي؟ هل يكرهني؟ لما يتخلى عني؟ هل يهتم ؟!” وغيرها مثل: يعطي الله الأشياء الصالحة ويأخذها مثل الأطفال والصحة والوظائف، يستخدم الله المرض لمعاقبتي أو تأديبي أو تنقيتي، يضعني الله في الأوقات الصعبة ليعلمني التواضع، يستخدم الله الشيطان كأداة لتعليمي دروس!

لو راجعت فهمك لسفر أيوب، لا يمكنك الفرار من مفهوم ضمني يقول بطريقة غير مباشرة أن أيوب رجل إيمان ورجل صالح والله هو الشخص السيىء الذي يرسل الشيطان للقيام بعمله الشرير.

لكن من الخطأ رؤية هذا السفر بهذه الطريقة التدينية.

فليس غرض السفر أن تستخرج عقائد عن الألم وسماحية الله غير مسنودة ببراهين من الإعلان الكامل الذي أتى به الرب يسوع في العهد الجديد. فهذا السفر لا يتحدث عن رجل بار يمر بأوقات عصيبة، ولكن عن إله صالح يحبنا في الرحب والضيق ويريد أن يباركنا بغض النظر عما قلناه أو فعلناه تجاهه. إنه يرينا كيف يحول الله الأمور الصعبة -التي يرسلها إبليس- لخيرنا. القصة الحقيقية لأيوب ليست كيف يسمح الله بالشر، ولكن كيف أن الله الصالح يأخذ فوضى حياتنا المحطمة ويجعلها جميلة.

____________________________

بعدما تكلمنا عن السفر سريعاً، وكيف يجب أن ننظر إليه، سأبدأ بالتكلم عن شخصية الله كما أعلن هو عن نفسه، ومن خلال فهمنا لهذا، يمكننا في الأجزاء التالية معرفة بعض الأمور التي تبدو غامضة بخصوص شخصية الله في هذا السفر.

أعرف أنه يبدو أنني قد ابتعدت عن إجابة السؤال الأساسي؛ هل سمح الله لإبليس أن يجرب ايوب؟!

لكن أدعوك أن تتابع معي، لأنه لا يمكن الوصول للطابق الخامس قبل أن تعبر على الطوابق السابقة.

ليتك تكون طويل الأناة، لأنني أرى أنه لابد من هذه المقدمة والتي ستمهد الطريق للإجابة، بل ستجعلك أنت على يقين من إحابة السؤال السابق.

٢–  شخصية الله:

في الحقيقة، ليس من الصواب أن تستنتج شخصية الله من خلال هذا السفر. أقول هذا، لأنه يجب اتباع طريقة الروح القدس في فهم الكلمة، وهي أن تنتقل من المعروف للغير معروف. أن يُفهم ما يبدو غير واضح في ضوء ما هو واضح.

ماذا أعني بهذا؟!

سأشرح أكثر

أيوب أم يسوع !!!

لا يمكنك أن تعرف وتفهم الله بعيداً عن يسوع، لأنه هو الله متجسداً، ولفهم الكلمة المكتوبة، عليك أن تعرف الكلمة الحية.

إن لم تفهم يسوع (الكلمة الحية، الله الظاهر في الجسد) ستخطىء حتماً في فهم الكلمة المكتوبة، لأن “شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ ” (رؤ١٩: ١٠). فلا يمكنك ان تفهم المكتوب قبل فهمك ليسوع، وإن فقدت يسوع أنت تفقد المكتوب وتضل. لأن الرب يسوع هو محور المكتوب.

انظر إلى يسوع وليس إلى أيوب.

لنرى من هو يسوع ومن هو أيوب:

يسوع قال: “اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ ” (يو١٣: ٩)

 “أَنَا أَظْهَرْتُ اسْمَكَ (أي شخصيتك الحقيقة)” (يو١٧: ٦)

هُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ” ” (عب١: ٣).

أما أيوب فقد قال أمور لم يعرفها عن الله وهذا اعترافه (أي٤٢: ٣، ٥) “قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا..بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي“.

أَعْتَرِفُ أَنَّنِي عَشَتْ شَائِعَاتٌ عَنْكَ فِيمَا مَضَى” (ترجمة الرسالة)

أيضاً لا تنس أن الإعلان عن الله كان متدرجاً في العهد القديم، واكتمل في يسوع، فلم يكن الله معروفاً لهم بالكامل حتى قال سليمان عنه “«قَالَ الرَّبُّ إِنَّهُ يَسْكُنُ فِي الضَّبَابِ. (الملوك الأول ٨: ١٢)” اي غير مكشوف بالكامل لهم، تخيل أنك تحاول أن ترى شخص في يوم ضبابي، لن تستطيع تمييزه بسهولة، فقد كان الله لهم غير ظاهر كليةً لذا قال إشعياء؛ “حَقًّا أَنْتَ إِلهٌ مُحْتَجِبٌ يَا إِلهَ إِسْرَائِيلَ الْمُخَلِّصَ. (إشعياء ٤٥: ١٥)

وكان شوقهم أن يأتي المسيا ويخبرهم بكل شيء “أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ” (يو٤: ٢٥)

هل يمكنك أن تتخيل أن يسوع يسرق ويقتل ويسلب (الكوارث التي حدثت مع أيوب)، في الحقيقة هذه صفات إبليس وأعماله؛ ” اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ” (يو١٠: ١٠)، لهذا جاء يسوع ليهدم وينقضد أعمال إبليس (١يو٣: ٨) ” لأَجْلِ هَذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ”. “الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!” (لو٢٢: ٣١)

.

حين نتكلم عن الله، فبالتأكيد لم يكن هو وراء ما جرى لأيوب بدليل أن الرب هو من استرد أيوب من سبيه “وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ” (أي ٤٢: ١٠). فكيف هو يكون الفاعل لكل ما حدث لأيوب (الفاعل بطريقة غير مباشرة عبر سماحيته)، ويكون هو نفسه المُنقِذ له. الله ليس مزدوج الشخصية، فهو لديه طبيعة واحدة فقط، ولا يقدر إلا أن يكون طبيعته (ميقدرش يبقى غير نفسه).

هذا ما أوضحه لنا الرسول يعقوب:

أَلَعَلَّ يَنْبُوعًا يُنْبِعُ مِنْ نَفْسِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ الْعَذْبَ وَالْمُرَّ؟ ١٢ هَلْ تَقْدِرُ يَا إِخْوَتِي تِينَةٌ أَنْ تَصْنَعَ زَيْتُونًا، أَوْ كَرْمَةٌ تِينًا؟ وَلاَ كَذلِكَ يَنْبُوعٌ يَصْنَعُ مَاءً مَالِحًا وَعَذْبًا! (يعقوب ٣: ١١، ١٢)

ينابيع الله (طبيعته) عذبة دائماً (صالحة) لأن طبيعته هكذا.

حين أكتب عن الله، ليس القصد دفاعاً عنه، لأن الله ليس مُتهَماً نحاول تبرءته، وإن كان مُتهماً في أذهان البعض فهذا بسبب الفهم الخاطىء. ولست أحابي الله على حساب أيوب.

إنه إله يحب بطريقة عجيبة، دون إنتظار شيء من الإنسان، فحين خلق انسان لم يخلقه من إحتياج أو لإنتظار  مقابل، وما الذي يملكه الإنسان ويمكن أن يعطيه لله!!

انظر لحبه: “أَنْتَ تَفَكُّرُ فِينَا طُوَالُ الْوَقْتِ، بِتَعْبِيرَاتِ حُبِّ ٍ لَا تَنْتَهِي، تَتَخَطَّى كُلُّ تَوَقُّعَاتِنَا

(مز٤٠: ٥ تَرْجَمَةٍ الرِّسَالَةَ)

فِي كُلِّ لَحْظَةٍ تُوَاصِلُ التَّفْكِيرُ فِي!

مَا أَثَمَنٌ وَمَا أَرْوَعُ أَنْ أَعْتَبِرَ هَذَا ؛ فَأَنْتَ تَعِزُّنِي وَتَتَعَلَّقُ بِي بِاِسْتِمْرَارٍ فِي كُلِّ فِكْرَةٍ مِنْ أَفْكَارِكَ

يَا اللهِ، أَمَانِيَكَ وَرَغْبَاتِكَ مِنْ جِهَتِي أَكْثَرَ مَنْ كُلَّ الرَّمْلِ الْمَوْجُودِ عَلَى كُلِّ شَاطِئٍ!

حينما أَسْتَيْقِظُ كُلَّ صَبَاحَ، أَنْتَ مَازِلْتُ بِجَانِبِيٍّ

(مز١٣٩: ١٧  ترجمة الرسالة).

لقد وضع ابنه عنا فكيف نفكر أنه قد يكون وراء أي كوارث أو ضيقات تحدث لنا (رومية٨: ٣٢ ت.ع.م) “وَإنْ كَانَ اللهُ لَمْ يَمْنَعْ عَنَّا ابنَهُ الوَحِيدَ، بَلْ أسلَمَهُ لِلمَوْتِ مِنْ أجْلِنَا جَمِيعًا، أفَلَا يَكُونُ مُسْتَعِدًّا لإعطَائِنَا كُلَّ شَيءٍ مَعَهُ؟

فهو في صف الإنسان وليس ضده. لأن “مَنْ يُسِيءُ إلَى عَائِلَتِهِ لَا يَحْصُلُ عَلَى شَيءٍ” (أم١١: ٢٩ ت.ع.م).

لا يمكن أن الله يدمر ويكّدر عائلته.

هو إله أمانة لا يخون من يحتمي به بل هو هو ترس له ” إِلهُ أَمَانَةٍ لا جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ” (تث٣٢: ٨)، ” تُرْسٌ هُوَ لِجَمِيعِ الْمُحْتَمِينَ بِهِ” (مز١٨: ٣٠؛ أم٣٠: ٥).

ربما تستوقفني هنا لتقول لي: “أتفق معك أنه صالح، لكن ربما مقاييس الله مختلفه، فأفكاره ليست أفكارنا ولا طرقه طرقنا، وهكذا مفهوم الصالح لدى الله يختلف عن مفهومنا للأمور الصالحة؟

إن ظللنا نخمن الله، عبر آيات خارج سياقها، لن نعرفه حقاً بل سنخاف ونهرب منه. انظر ما يقول: “يَتَّكِلُ عَلَيْكَ الْعَارِفُونَ اسْمَكَ” (مز٩: ١٠)

من يعرفوه حقاً (ليس من يخمنوه) هم من سيتكلون عليه.

مفهوم ما هو صالح في نظر الله هو نفس مفهوم ما هو صالح في نظر الإنسان. انتظر إلى يسوع في هذا:

(لوقا ١١: ١١-١٢) “فَمَنْ مِنْكُمْ، وَهُوَ أَبٌ، يَسْأَلُهُ ابْنُهُ خُبْزًا، أَفَيُعْطِيهِ حَجَرًا؟ أَوْ سَمَكَةً، أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ السَّمَكَةِ؟ أَوْ إِذَا سَأَلَهُ بَيْضَةً، أَفَيُعْطِيهِ عَقْرَبًا؟

يوضح هذا المثل أن ما هو جيد في نظر الإنسان (خبز/ سمكة/ بيضة) متوافق مع ما هو جيد في نظر الرب، وما هو غير جيد وغير نافع وضار (حجر/ حية/ عقرب) في نظر الإنسان متوافق مع ما هو غير جيد في نظر الرب. فلا حاجه أن ندعي بعكس هذا. ونضع عبارة: “هناك حكمة إلهية” لنُخفي بها جهلنا بالكلمة وإرادة الله، واستسلامنا للواقع.

من فضلك لا تخلط الأوراق، فالمرض والعوز والفشل والضعف والخوف: ليسوا صالحين والدليل أننا فينا الطبيعة المضادة لهم و نكرههم. لا تحاول أن تعكس الحقائق: ” وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْرًا وَلِلْخَيْرِ شَرًّا، الْجَاعِلِينَ الظَّلاَمَ نُورًا وَالنُّورَ ظَلاَمًا، الْجَاعِلِينَ الْمُرَّ حُلْوًا وَالْحُلْوَ مُرًّا” (إشعياء ٥: ٢٠)

لنرى سريعاً قاموس يسوع وتعريفاته:

يسوع سمى ترك المرض انه شر وانه إهلاك وقتل “ثم قال لهم يسوع اسألكم شيئا. هل يحل في السبت فعل الخير او فعل الشر. تخليص نفس او اهلاكها” (لو٦: ٩). “ثم قال لهم هل يحل في السبت فعل الخير او فعل الشر. تخليص نفس او قتل. فسكتوا” (مر ٣: ٤)

.

هو يعطي الأمور الصالحة فقط، وهي حقيقة ثابتة لا تتغير أبدًا. (يعقوب ١: ١٧) “كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ“.

لا يجرب أحدًا: لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ

تسمع كثيرون ممن يتألمون يقولون إن الرب يجربني، وهنا الرسول يعقوب يقولها بوضوح أنه لا يجرب أحداً.

لا يقبل على الإنسان ما لا يقبله على نفسه، لذلك لا يقبل الله أن يُجرِّب أحدًا. “لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا“.

ليست طريقة الله أن يستخدم العنف مع الإنسان لإرجاعه، فالرب يربي بناء لا عبيد: إنه لا يستخدم العنف والإجبار مع الإنسان ليجبره على التغيير؛ بل لطف الله، وصبره على الإنسان هو ما يقتاده للتغير.

(رومية ٢: ٤) “أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟“.

وطوال الوقت يتكلم إلينا، وليس وقت الألم فقط ” تَكَلَّمْتُ إِلَيْكِ فِي رَاحَتِكِ” (إر٢٢: ٢١). لكن وقت الألم والضيق هو أكثر وقت وقت تستيقظ فيه حواسنا الروحية، بسبب أننا نبدأ نرى أمور على حقيقتها، وعبثية الحياة بعيداً عن هذا الإله. في الحقيقة يمكنك أن تكون طوال الوقت واعٍ لحقيقة عالم الروح بإنتباهك للكلمة، ولا تنتظر أن تتعب بسبب إبتعادك عن الكلمة، كي تستيقظ حينها.

قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ، أَمَّا الآنَ فَحَفِظْتُ قَوْلَكَ. (المزامير ١١٩: ٦٧)

لا تنتظر أن تلدغك الحياة والظروف كي تستفيق. هنا يقول كاتب المزمور أن السبب وراء ذله ليس الرب بل ضلاله عن الكلمة، لذا في المقطع كأنه يقول قد عرفت الحل، سألتصق بالكلمة.

 

يُخطأ من يظن أن الله دخل التحدي مع الشيطان
على حساب أيوب تقيه، تاركاً أيوب بين براثن العدو
إنه يشبه أب يضع ابنه في المفرمة من أجل أن يكسب تحدي مع عدوه
نحن لا نراهن على ألم أبنائنا
ليس الله ساذج إلى هذه الدرجة (حاشا)
الله أبٌ صالح، وليس إله يغدر بمن يحتمي به
أو يكتسب مجداً على حساب ألم أبنائه، فهو ليس محتاجاً لهذا.
بل هو يهب لمساعدتهم والوقوف بجانبهم
الوحيد الذي تُرك عمداّ ليخوص وسط كل الآلام والدينونات والظلمة والقضاء هو ابنه، لأنه أب محب يريد أن يسترد أبناؤه الضالين ويستعيدهم لمجده (عب٢: ١٠)
لقد قدم وحيده الذي يحبه عوضاً عنهم
كلنا ضللنا كخراف، لكن يسوع المسيح كان هو الخروف الوحيد الذي لم يضل، بل سيق للذبح كشاة كي يردنا لحضن الآب
نَحْنُ جَمِيعًا مِثْلُ الْخِرَافِ الَّتِي تَاهَتْ وَضَلَّتْ، لِقَدَّ فَعَلْنَا جَمِيعًا إِرَادَتَنَا الذَّاتِيَّةَ، ذَهَبَنَا بِطَرِيقِنَا الخاص.
لَكِنَّ اللهَ كُدْسٍ كُلَّ تَعَدِّيَاتِنَا -وَكُلُّ خَطَأِ اِقْتَرَفْنَاهُ- عَلَيْهِ، وَضَعَهُ عَلَيْهِ( إِشْ٥٣: ٦ MSG)
خرج إلينا من حضن الآب ليردنا إلى هناك حيث ننتمي (يو١: ١٨)

______________________________________

٣شخصية أيوب:

ما سأقوله عن أيوب لا يعني أي تشوية أو إدانة أو انتقاص له أو من محبته للرب، ولكن بسبب القراءة العابرة والسطحية لأول أصحاحين في هذا السفر تكّون لدينا فكر خطأ عن شخصية أيوب دون رؤية الصورة الكلية.

هذه أكثر آيات يتضح منها مفهوم منقوص عن شخصية أيوب:

كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عُوصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيماً يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ”  (أي ١: ١)

فِي كُلِّ هَذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ لِلَّهِ جَهَالَةً”  (أي ١: ٢٢)

ورغم روعة هذه الشهادة التي سنتفحصها بعد قليل، ولكن هناك الكثير من الأمور التي فقدها أيوب وأخطأ بها.

لقد تعلمنا أن أيوب تحمل معاناة لا يمكن تصورها بصبرٍ وبإيمانٍ ولم يقل شيئاً خاطئاً. ولكن دعني استوقفك هنا؛ فهذه ليست القصة الكاملة كما تظن، سأستعرض سريعاً ما قاله الوحي عن أيوب لنرى أمور بموضوعية كتابياً:

(تذكر هذه ليست محاولة تجريم أيوب بل عرض ما يقوله الكتاب عنه)

كان لديه مخاوف من الرب حتى عندما قدم ذبائح عن أولاده قدمها خوفاً ” فَكَانَ يَنْهَضُ بَاكِرًا فِي الصَّبَاحِ وَيُقَدِّمُ ذَبَائِحَ بِعَدَدِ أبنَائِهِ وَبَنَاتِهِ. لِأنَّ أيُّوبَ كَانَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: «رُبَّمَا أخطَأ أبنَائِي فَلَعَنُوا اللهَ فِي قُلُوبِهِمْ.» وَمَارَسَ أيُّوبُ هَذَا الأمْرَ دَائِمًا.” (أي ١: ٥ ت.ع.م).

كان يخاف ولديه توقعات سلبية أنه سيفقد ويخسر كل شيء “أسوأ مخاوفي قد تحققت، أكثر ما كنت أخشاه قد حدث. إطمئناني قد تحطم، وسلامي تدمر.

لا راحة لي على الإطلاق – فالموت قد غزا الحياة (أي٣: ٢٥ ترجمة الرسالة).

كان لديه بره الذاتي الذي يثق فيه، اتكل على سلوكه ولم يضع ثقته الكاملة في الرب. كان يخاف من العقوبة ويعمل أمور حسنة نتيجة مخاوفه (أي ٣١).

كَمْ هِيَ ذُنُوبِي وَخَطَايَايَ؟ أرِنِي أيْنَ جَرِيمَتِي وَخَطِيَّتِي.” (أي ١٣: ٢٣ ت.ع.م).

كان يقّدر جداً سلوكه الصالح ويتحدى الله به “فَليَزِّنِي اللهُ فِي مِيزَانِ البِرِّ، وَسَيَعْرِفُ عِنْدَ ذَلِكَ استِقَامَتِي” (أي٣١: ٦ ت.ع.م).

 “فَمَنْ يُثبِتُ تُهمَةً عَلَيَّ؟ فَإنْ فَعَلَ فَإنِّي سَأخرَسُ وَأمُوتُ” (أي١٣: ١٩ ت..ع.م).

وهذا البر الذاتي الذي كان معتمده جعله يفكر بعقلية الضحية، حتى أن أصحابه لم يستطيعوا أن يكملوا معه (مع العلم أنهم كانوا على خطأ) “فَكَفَّ هَؤُلاَءِ الرِّجَالُ الثَّلاَثَةُ عَنْ مُجَاوَبَةِ أَيُّوبَ لِكَوْنِهِ بَارّاً فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ”. (أي٣٢: ١).

خشي المصائب والكوراث من الله

 ” لِأنَّ أكْثَرَ مَا أخشَاهُ هُوَ مُصِيبَةٌ يُرسِلُهَا اللهُ، فَلَا أنجُو إذَا قَامَ لِمُقَاوَمَتِي (أي٣١: ٢٣ ت.ع.م).

كان مليئاً بالشفقة على الذات، ركز كثيراً على حالته الصعبة وأطلق شكواه طوال السفر “قَدْ كَرِهَتْ نَفْسِي حَيَاتِي. أُسَيِّبُ شَكْوَايَ. أَتَكَلَّمُ فِي مَرَارَةِ نَفْسِي” (أي ١٠: ١).

تكّون لديه مرارة داخلية من الرب، وهي أكثر معيق للإيمان

 ” سَأشكُو مِمَّا ذُقتُهُ مِنْ مَرَارَةٍ فِي نَفْسِي” (أي ٧: ١١ ت.ع.م).

أعتقد أن الرب لا يهتم ولا يكترث لحاله ولا يسمعه “حَتَّى إنْ دَعَوتُ اللهَ فَأجَابَنِي، لَا أُصَدِّقُ أنَّهُ يُصغِي إلَى صَوْتِي!” (أي٩: ١٦ ت.ع.م)، وشفقته على نفسه ساهمت كثيراً في تشويه صورة الله لديه حتى رأى أن الله يعتبره عدوه “لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ وَتَحْسِبُنِي عَدُوّاً لَكَ؟” (أي١٣: ٢٤).

ألقى كل اللوم على الله من جهة مشاكله وما يمر به: أول من وجه أصبع الإتهام له هو الله “الَّذِي يَمْنَعُنِي مِنْ أخذِ حَقِّي، وَيُمِرِّرُ حَيَاتِي” (أي ٢٧: ٢ ت.ع.م).

وطوال السفر يقول أيوب أن الله هو المتهم في كل ما حدث له (أي٢: ١٠؛ ٦: ٤).

 “حتى افترض أنني أخطأت – كيف سيؤذيك ذلك؟ أنت مسؤول عن كل إنسان. أليس لديك أشياء أفضل لتفعلها من أن تضايقني؟ (أي٧: ٢٠ ترجمة الرسالة).

ذَاكَ الَّذِي يَسْحَقُنِي بِالْعَاصِفَةِ وَيُكْثِرُ جُرُوحِي بِلاَ سَبَبٍ.” (أي٩: ١٧).

أعتقد أن الله يحاول قتله: “نظرًا لأنه في كلتا الحالتين ينتهي الأمر بنفس الطريقة، لا يسعني إلا أن أستنتج أن الله يهلك البار مع الشرير.  عندما تضرب المصيبة ويحدث الموت المفاجئ، يطوي ذراعيه بمعزل عن يأس الأبرياء” (أي ٩: ٢١-٢٢ ترجمة الرسالة).

لقد تحولت إلى معذبي – أنت تصفعني، تطرقني. لقد رفعتني  عالياً لذا كنت أرتاد القمم ثم أسقطتني، فتحطمت. أعلم أنك عازم على قتلي ، لتضعني في التراب” (أي٣٠: ٢٣ ترجمة الرسالة).

كره حياته وطلب الموت: “كَرِهْتُ الحَيَاةَ، وَلَا أُرِيدُ أنْ أعِيشَ إلَى الأبَدِ. اترُكْنِي” (أي٧: ١٦ ت.ع.م) (أي١٧: ١٥).

لتجيبني بصراحة ودون أدنى إسادة لأيوب، أحقاً يُعتبر هذا إيمان! أو أن أيوب بطل إيمان!

 “فَأخْتَارُ الخَنْقَ وَالمَوْتَ عَلَى هَذِهِ الحَيَاةِ” (أي ٧: ١٥ ت.ع.م).

كان بإمكانه أن يؤمن بالرب في تغيير الأوضاع ولكن لم يؤمن أن الله يقدر أن يشفيه ويستعيده لذا قال “إذِ اشتَهَيتُ الهَاوِيَةَ بَيْتًا لِي، وَأنْ أجْعَلَ سَرِيرِي فِي الظَّلَامِ” (أي١٧: ١٣ ت.ع.م).

في الحقيقة أظن أننا نحتاج أن نراجع ما نعتقده بشأن أيوب ولا نتعاطف مع ما مر به على حساب الحق، على حساب الرب.

أقدر جدا قدر ما عبر به أيوب من أمور صعبة مؤلمة، ولكن دعونا في مقابل هذا لا نتغاضى عن الحق.

 أكرر لست أوجه إتهامات أو أدين أيوب ولست أحاول إسقاطه، بل أوضح رؤيتنا الخاطئة له، ومع ذلك فالنعمة مازالت تراه رائعاً. فقبل أن يقابل الرب كان متذمراً مشتكياً لائماً لله، لكنه اختلف تماماً بعد تلك المقابلة ووضع ذاته في التراب واعترف -بشهادته- انه أخطأ ولم يتكلم حسناً.

* بعض الأخطاء التي وقع فيها أيوب وتكشف ما كان يدور بقلبه تجاه الله، والرد عليها:

١ألقى باللوم على الله ونسب كل ما حدث له للرب:

لم يتردد أيوب في إلقاء اللوم على الرب عما حدث له، بل نسبه للرب مباشرة (أي ١: ٢١)، ونسب الخير والشر له (أي٢: ١٠)، وأنه قد أمر نفسه (أي٢٧: ٢)، ففي ذهنه أن الرب مّد قوسه ونصب سهامه ووجهها نحو أيوب إذ نصبه غرضاً ” لِمَاذَا جَعَلْتَنِي هَدَفاً لَكَ حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلاً!” و ” لأَنَّ سِهَامَ الْقَدِيرِ فِيَّ تَشْرَبُ رُوحِي سُمَّهَا. أَهْوَالُ اللهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي” (أي٧: ٢٠؛ ٦: ٤).

وفي الحقيقة لا داعي انه تدافع عنه قائلاً، انه كان في بلوى مُحرقة فله عذره، لأنني لست بصدد إدانته، ولكن فقط من خلال الكلمة تكتشف ما كان يدور بداخله.

ففي وقت الضيقة والأمور الصعبة يوجه الشخص إصبع الإتهام للرب، لكن هل كان أيوب مُحِقاً فيما أدان الله لإجله؟!

لقد أجابه الشاب أليهو عن إدانته للرب بالخطأ فقال: ” حَاشَا لِلَّهِ مِنَ الشَّرِّ وَلِلْقَدِيرِ مِنَ الظُّلْمِ” (أي٣٤: ١٠)، وهذا عكس تماماً ما قاله أيوب أن الرب وراء مأساته وأنه يعطي مصائب، لأن أيوب في نفس السفر يقول عكس ذلك، لأن هذا الإله يعطي الصالح فقط ولا يعطي أي شر أو مرض أو سلب، لأنه هذه ليست طبيعته المحب وليست أبوته الحنونة (يع١: ١٧).

لاحظ استنارة أليهو وهو في نفس زمن أيوب، وأيضا مرجح أن أيوب عاش في عصر الأباء.

٢اعتقد أيوب ان الرب عدو له:

كالكثيرين حينما يمروا بأوقات عصيبة يظنون أن الله هو وراءها وقد صار عدواً لهم، وهذا في الحقيقة يكشف ما في أفكارهم سابقاً: ” لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ وَتَحْسِبُنِي عَدُوّاً لَكَ؟ … فَجَعَلْتَ رِجْلَيَّ فِي الْمِقْطَرَةِ” (أي١٣: ٢٤، ٢٧). لدرجة ظن أن الله يريد أن يميته (أي٣٠: ٢١-٢٣).

ولكنه كان على خطأ؛ فأليهو بإستنارته عن الرب كشف عدم فهم أيوب لصلاح الرب: ” «غَيْرَ أنَّكَ تَكَلَّمْتَ فِي أُذُنِي، فَسَمِعتُ صَوْتَكَ حِينَ تَكَلَّمْتَ. تَقُولُ: ‹أنَا نَقِيٌّ بِلَا ذَنبٍ، وَطَاهِرٌ بِلَا إثمٍ. غَيْرَ أنَّ للهِ أسبَابًا فِي مُعَادَاتِي، وَيَحْسِبُنِي عَدُوًّا لَهُ. يُقَيِّدُ قَدَمَيَّ بِالحَدِيدِ وَالخَشَبِ، وَيَحْرُسُ كُلَّ مَنَافِذِ هُرُوبِي.› «إنَّكَ مُخطِئٌ حَقًّا فِي هَذَا، وَلِهَذَا سَأُجِيبُكَ:…” (أي ٣٣: ٨-١٢ ت.ع.م)،

 أظهر أليهو بوضوح أن أيوب مُخطأ في هذا، فالله ليس غاضباً منه أو عدواً له بل يحبه ” يَقُودُكَ مِنْ وَجْهِ الضِّيقِ إِلَى رُحْبٍ لاَ حَصْرَ فِيهِ وَيَمْلَأُ مَؤُونَةَ مَائِدَتِكَ دُهْناً” (أي٣٦: ١٦) فهو لا يعطي مشاكل بل يقود للرحب ويخرجك من الضيق والمشاكل لأنه أب يحب، يظل يتكلم لنا حتى وسط آلامنا علّنا نسمعه وننصت لصوته فنخرج من الضيق (أي٣٦: ١٥).

٣اتهم أيوب الرب بأنه ظالم:

– ” اللهُ الَّذِي نَزَعَ حَقِّي وَالْقَدِيرُ الَّذِي أَمَرَّ نَفْسِي” (أي٢٧: ٢). لو قرأت هذا السفر مرة واحدة ستجد في البداية أنه الأمر كان وكأنه في حالة تعزية ولكن من أصحاح ٢٧ بدأ يخرج ما كان يدور في ذهنه وقلبه ضد الرب. أعلم أنك ربما تلتمس له العذر بسبب ما مر به، لكن لا عذر في إدانة الله لشيءٍ لم يفعله مطلقاً. والطبيعي أن أيوب كان يستند على رصيد صلاح الله السابق ولا ينقلب بطريقة عدائية تجاه الرب.

(والرب يقبل العتاب ولم يغضب من أيوب، بل هو يدعو لتقديم الحجج (إش٤٣: ٢٦)، لكن من الخطأ أن تحكم سريعا وتضع الله في قفص الإتهام)

ماذا كان رد أليهو:

 ” فَأَيُّ إِنْسَانٍ كَأَيُّوبَ يَشْرَبُ الْهُزْءَ كَالْمَاء … فَحَقّاً إِنَّ اللهَ لاَ يَفْعَلُ سُوءاً وَالْقَدِيرَ لاَ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ.” (أي ٣٤: ٧، ١٢) الله لم يفعل أي سوء تجاه أيوب ولم يظلمه ويعوج قضاؤه كما وجه أيوب إصبع الإتهام لله ورثى حياته. الله لا يظلمك إطلاقاً بل بالعكس  “أووه، يا أيوب، ألا ترى كيف يحبك وينقذك الله من فكي الخطر؟ كيف يجذبك إلى أماكن واسعة مفتوحة على مصراعيها— يدعوك لتعيّد وتناول الطعام على طاولة مليئة بالبركات؟ وها أنت مُحمّل بذنب الأشرار ، مهووس بإلقاء اللوم على الله!” (أي٣٦: ١٦-١٧ ترجمة الرسالة).

٤اعتقد أيوب أن الرب يعطي ويأخذ في نفس الوقت:

– “الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكاً” (أي١: ٢١)

إنها من أكثر الآيات التي تستخدم حينما نتعرض لفقدان وخسارة، تذكر أن أيوب نفسه اعترف انه قال أشياء لم يفهمها عن الرب “حَقًّا تَكَلَّمْتُ عَنْ أُمُورٍ لَمْ أفهَمْهَا” (أي٤٢: ٣ ت.ع.م)، فلا تستخدم هذه الكلمات التي قالها أيوب وتجعلها مبادىء وعقيدة واعترافات فمك.

حينما نرى الرب يسوع الذي هو الله متجسد، لا نراه يعطي ويأخذ ابداً، إن ما قاله أيوب هو تماماً عكس المبدأ الإلهي الذي أعلنه بولس الرسول بالروح القدس “لِأنَّ اللهَ لَا يَتَرَاجَعُ عَنْ عَطَايَاهُ وَدَعوَتِهِ” (رو١١: ٢٩ ت.ع.م). ” إن عطايا الله ودعوة الله تحت الضمان الكامل – لن يتم إلغاؤها أو إبطالها (ترجمة الرسالة).

الله مُعطي فقط حسب (يع١: ١٧) ولكن من الذي يأخذ (يسرق)؛ إنه إبليس (يو١٠: ١٠). العالم يعمل بنظام الأخذ والعطاء أما الله فإنه معطاء فقط. وهو ليس معوزاً كي يسترد عطاياه، وإن قلت يأخذها مني ليعلمني دروساً، كان بالأولى ألا يعطيك إياها طالما هو يعرف بعلمه السابق أنك ستتعلم عبر الحرمان.

فلا ينبغي الخلط بين الله وإبليس وبين دور كل واحدٍ منهما، إنها تعاليم غير كتابية، بل وهرطقة أن تنسب دور إبليس لله.

الإنسان الطبيعي بطيء في التعلم فمنذ بداية الخليقة وإبليس هو من يسرق ويؤذي ويُدمر، ومازال البعض يعتقد أن الله هو اللص. لقد أعطى الله آدم الأول سلطاناً وجعله ملك على كل الخليقة ولكن سرق إبليس هذا السلطان. ولكن مجداً للرب فيسوع استرد لنا السطان مرة أخرى، مبارك اسمه إلى الأبد.

لا تلتمس العذر لأيوب، فقد عبر داود بموقف مشابه إذ وجد المدينة محروقة بالنار ونساؤه ونساء رجاله والأطفال قد أُخذوا رهينة، بكى داود مع الرجال ولكنه لم يستسلم بل شدد نفسه بالرب إلهه وأدرك أن الله ليس هو وراء خسارته ولم تكن هذه مشيئة الله لذا قام واسترد ماله كاملاً (1صم٣٠: ٦).

* إذاً، ما معنى أنه كان رجلاً باراً ومستقبلاً بشهادة الرب (أي١: ١)؟

تذكر أن هناك فارق بين البر والإيمان، فقد يكون الشخص يعمل أمور حسنة ولكنه مازال يحتاج أن يؤمن.

توقف قليلاً أمام هذه الصفات وقل لي، هل صفات رجل كهذا تعني أنه مؤمن: “وَهُوَ تَقِيٌّ وَخَائِفُ اللهِ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ، يَصْنَعُ حَسَنَاتٍ كَثِيرَةً لِلشَّعْبِ، وَيُصَلِّي إِلَى اللهِ فِي كُلِّ حِينٍ. (أعمال الرسل ١٠: ٢)

تقي، خائف الله مع جميع بيته، يصنع حسنات كثيرة، يصلي كل حين.

ربما ستظن أنه شخص مؤمن، ولكن كرنيليوس لم يكن مؤمناً بعد رغم كل الأعمال الرائعة التي قرأناها.

لأن الإيمان شيء والبر شيء مختلف.

فليس كون أيوب باراً يعني أنه كان مؤمناً بالرب من جهة حمايته.

تذكر أن الله ينظر للإنسان بمنظور أبدي؛ فهو يرى النهايات قبل أن تبدأ. لقد عرف الرب أن أيوب سيعبر من هذه الزوبعة وستتغير حياته وعلاقته بالرب. الله قد رآه بلإيمان رغم اختلاف حالته الراهنة. وهذا ما اعترف به أيوب في النهاية أن علاقته بالرب كانت سطحية

 ” بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذَلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ” (أي٤٢: ٥-٦). انه يشبه ما قاله الرب لجدعون حين دعاه بجبار البأس مع انه كان خائفاً وامتحن الرب بشك.  وأيضاً من وضعوا في قائمة أبطال الإيمان (عب١١) رغم أن كان لهم سقطات كبيرة. فهذه هي نعمة الله أن يرى أيوب ويتكلم عنه حسناً رغم أخطاؤه. مبارك اسمه إلى الأبد.

________________________________

٤شخصية إبليس في هذا السفر:

– “فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ” (أيوب ٢: ٧)

الشيطان هو العدو، والسارق الذي وراء كل ما يحدث من أمور سلبية. وهو من صنع كل شيء كارثي في حياة أيوب، البعض اعتقد أن الشيطان هو أداة الله لإرجاع الإنسان وردعه، ولكن الله لا يضع يده أبداً في يد خصمه وعدوه. لا تخطىء في هذا. فيسوع كان يطرد الشياطين ولا يقبل شهادتهم.

دعونا نرى اللقاء الأول بين الله والشيطان من الأصحاح الأول، والذي عليه بنى الكثيرون أساس عقيدة السماحية الإلهية، وشئت أم أبيت لا فرق بين “فعل” و “سمح”، فالذي سمح هو مشترك في الفعل، فلا تخفف ما حدث عبر أن لا تقول “فعل” بسبب شدتها وقسوتها، وتستعيض عنها بكلمة “سمح“.

فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: [هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ].

 فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ: [هَلْ مَجَّاناً يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟

أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ!

 وَلَكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ].

 فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: [هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ]. ثمَّ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ الرَّبِّ. (أيوب١: ٨-١٢)

القراءة السطحية تجعلك تعتقد أن الله سلم أيوب ليد إبليس! ولكن ما أقسى هذا التصوير الغريب لأبينا السماوي المحب!!

لأننا لو رأينا الأمر هكذا، فما الفارق إذاً بين الله وإبليس، ما أشبههما!. لقد سمح الله لإبليس أن يبتلع أيوب، إذاً فهو مشترك معه في الجريمة. أيمكن أن يكون الله بهذه الوحشية فيدع كلب مفترس يلتهم ابنه.

ولكن اعتقادنا هذا سببه أكثر من أمر، وهو فقداننا أن نتتبع يسوع الذي هو الكاشف لقلب وطبيعة الله أبينا، لأنه لا شيء يمكن أن يُكشف عن الله بعيداً عن يسوع. والسبب الأخر هو الترجمة التي قد تعطي معاني غير دقيقة. (أشجعك ان تقرأ هذا النص من أكثر من ترجمة).

لاحظ أيضاً، أن الشيطان كشف حقيقة حادثة في عالم الروح وهي الحماية والبركة التي كان فيها أيوب لدرجة أن إبليس لم يعرف كيف يخترق هذه الأسوار ليصل لأيوب. إبليس اعترف نفسه أن الله قد سيج حول أيوب (أيوب ١: ٥)، وهذا الإله أمين جدا ولا يخون أو يغدر بمن يحتمون به ولا يضع يده أبداً مع عدوه ضد الإنسان (أم٣٠: ٥).، لكن وللأسف لقد أبطل وأوقف أيوب عمل هذه الحماية (ستجد ذلك في المقالات لأن الموضوع يطول شرحه) وهذا ما نفهمه من سفر الجامعه أن من يهدم سور حمايته تلدغه الحية (أي إبليس) (جامعة١٠).

لنعود للنص:

فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: [هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ].

بعبارة أخرى الرب يستنكر متسائلاً ويقول للشيطان: “يا شيطان، لماذا تسعى للنيل من أيوب؟ هل تفعل هذا لأنه رجل صالح؟!

هل ترى معي هذا؟ فالله لا ينصب فخاً لأيوب بالتعاون مع إبليس. ولكن الله يكشف خطط إبليس الخبيثة، وكأنه يقول له: “أتظن أني لا أعرف!! إنني أعرف يا شيطان ما تخطط له من جهة عبدي أيوب” فالرب لا يجهل مكائد الشيطان. لاحظ أيضاً أن الرب هو من بادر بالحديث وليس إبليس.

– “فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: «مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا». (أيوب ١: ٧). لماذا كان إبليس يجول في الأرض؟!

أجابنا الرسول بطرس عن هذا، ليكشف عن قلب إبليس الشرير: “اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. (١ بطرس ٥: ٨)

وَقَالَ الرَّبُّ:«سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! ٣٢ وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ». (لوقا ٢٢: ٣١، ٣٢)

فهو يجول ليبلع، ليدمر.

إذن كان الشيطان يجول في الأرض ليرى من هو غير صاحي وساهر ليفترسه ويحطمه وهذا عين ما فعله مع أيوب، أنه يغربل ليزعزع ويُفني الإيمان.

الحقيقة الصادمة انه لم يُرد فقط تدمير أيوب بل أراد أيضاً أن الرب نفسه يفعل هذا. يالجرأته الوقحة!!

أتتخيل معي، إن إبليس يريد من الرب أن يفعل هذا ضد أيوب. لعلك صُدمت من هذا، لكن لا تُصدم فهذه طبيعة إبليس وهذا معنى اسمه “المشتكي” (رؤ١٢: ١٠) ولا عجب أنه حاول أن يُشكك يسوع نفسه –ابن الله- في هويته (مت٤:٣). لا تنس أنه في يوم مضى تخيل نفسه قادراً على الإطاحة بالله نفسه ليسود هو على الكل (يالسذاجته، وغروره الأعمى) (إش١٤؛ حز٢٨)

وَلَكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ

كم هو وقح لدرجة أنه يظن أنه يمكنه التلاعب بالله، فيصف أيوب أن يخاف الله لأن الله يحيطه ويحميه ويباركه! ثم يتجرأ أكثر ليقول للرب “مد يدك واضرب كل ماله!!” بغباءٍ ظن أن الله سينخدع.

– ” فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ

للوهلة الأولى يبدو أن الشيطان قد خدع الله ليعطيه الإذن بمطاردة أيوب. حقا؟ وللأسف نحن نقع في ذلك؟ أو ما هو أسوأ، نعتقد أن الرب قد خُدع! لكن لنقرأ الآية ثانيةً:

فقال الرب للشيطان: هوذا، كل ما له في يدك! فقط لا تمد يدك عليه. فخرج الشيطان من وجه الرب.

هنا الرب لا يأذن للشيطان أن يتحرك ضد أيوب. بل الرب يقرر حقيقة راهنة. لأن أيوب كان بالفعل في يد الشيطان. فالرب هنا لا يعطي إذن بل يقول ما هو حادث، وحسب الأصل تأتي هذه الآية: “هو في الأساس في يدك…”

وكم تظهر مراحم الرب لأيوب، فقد أوقف الشيطان أن يمس نفسه أي يميته (أي ١: ١٢؛ ٢: ٦) كم هو إله مذهل ورائع. فهو سيتدخل ليحمي من التجربة التي فوق طاقة أيوب؛ وهي أن يموت (١كو١٠: ١٣) أما الجزء الباقي فهو دور أيوب أن يمنع إبليس من اختراق حياته.

تذكر أن إبليس لا يحتاج أن يأخذ إذن، فهو بطبيعته مقتحم، فهو لم يأخذ إذن ليجرب آدم في جنة عدن، بل اقتحم الجنة.  واليوم لا يأخذ إذن ليجرب البشر، بل عرفّنا الرب أن نقاوم هذا العدو (يع٤: ٧) وأن لا نعطيه مكاناً (أف٤: ٢٧)، لانه بطبيعته مقتحم.

من هنا يمكنك أن تفهم أيضاً، لماذا تكلم الله بهذه الطريقة ” فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: [هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ! رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. وَإِلَى الآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ]. (أي2: 3)

مما أعطى إنطباع أن الله قد خُدع، وكأن إبليس أهاج الله على أيوب ليدمره وهو لم يفعل شيئاً. ولكنها في الحقيقة صيغة إستنكارية، وكأن الله يقول لإبليس بلغتنا: “هل تعتقد أنك هيجتني عليه لأبتلعه، هل تعتقد أنني خُدعت بمكرك

لأن الله لا يمُكن ان يُخدع (غل6: 7) ولا يتحرك كرد فعل، ولا يهيج لأنه غاضب وكأن أحدهم أثار حفيظته فغضب وصب غيظه على أيوب البار.

من الآيات دي بتطلع ثلاث استنتاجات خاطئة:

 (١) الله دمر أيوب.

 (٢) بلا سبب.

 (٣) لأن الشيطان حرضه على فعل ذلك.

* أولاً: هل الله دمر  أيوب؟

في الحقيقة لا. إنما هذا ما إلا اعتقاد أيوب عن الله: “الله القدير! لقد دمر حياتي! ” (أيوب ٢٧: ٢ MSG).

لكن أيوب كان مخطئا. “من غير المعقول أن يخطئ الله.” (أيوب ٣٤: ٧، ١٢)

* فمن إذاً الذي دمر ايوب؟

إبليس دمر أيوب” (أيوب ٢: ٧).

لكن إذا قادك (أيوب ٢: ٣) للاعتقاد بأن الله كان وراء معاناة أيوب، فأنت بحاجة إلى قراءة الآية السابعة، ففيها نرى بوضوح أن الشيطان هو من هندس البلاء  لأيوب.

* “هل سمح الله بذلك؟

لا. لأنه إذا حصل اللص على إذن، فلن يكون لصًا (توجد مقالة هامة تشرح معنى سماحية الله)

*إذاً ما معنى هذا النص (أي٢: ٣)؟؟

يبدو أن أيوب ٢: ٣ تقول أن الشيطان حرض الله على إبتلاع (تدمير) أيوب بدون سبب. في الحقيقة، ها النص لا يقول أي شيء من هذا القبيل.

لنرى هذه الآية في الترجمة الحرفية:

(لاحظ التعجب الإستنكاري،)

And Jehovah saith unto the Adversary, “Hast thou set thy heart unto My servant Job because there is none like him in the land, a man perfect and upright, fearing God and turning aside from evil? and still he is keeping hold on his integrity, and thou dost move Me against him to swallow him up for nought!” (Job 2:3, YLT)

بعبارات أخرى:

يا شيطان، لقد حاولت خداعي لتدميره، لكن ذلك لم ينجح” (أيوب ٢: ٣ MSG)

كلمة بلا سبب هي نفس الكلمة (باطلا)

هنا الرب مش بيتكلم عن محاولات إبليس لإقناع الله لأيوب … هي دي باطلة Hast thou considered my servant Job — that he still retains his integrity? and, in vain hast thou excited me to destroy him

لكن لماذا كان لإبليس أحقية في الإنسان؟

تذكر أن إبليس سرق سلطان الإنسان في الجنة.

نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ” (١يو٥: ١٩). لذا سُمي رئيس هذا العالم، رئيس سلطان الهواء وإله هذا الدهر. (يو١٢: ٣١؛ ١٤: ٣٠؛ ١٦: ١١؛ أف٢: ٢ ؛ ٢كو٤: ٤)

تعلن الكلمة أن الله أعطى الإنسان السلطان على الأرض : “وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «اثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلاوا الارْضَ وَاخْضِعُوهَا وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الارْضِ” (تك١: ٢٧)

السَّمَاوَاتُ سَمَاوَاتٌ لِلرَّبِّ أَمَّا الأَرْضُ فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ” (مز١١٦: ١٥) فمسؤولية ارض وضُعت للإنسان.

ولكن في جنة عدن، سلم الإنسان السلطة للشيطان عبر خضوعه له وإطاعته لكلماته (رومية٦: ١٦). وأيوب أعطى فرصة لإبليس أن يدخل حياته عبر مخاوفه وعدم سلوكه بالكلمة (أي٣: ٢٥)، سلم حياته.

طريقة الحماية هي عبر أن تعرف وتسلك بالكلمة (يو١٧: ١٥-١٧).

لذلك عندما قال الرب لإبليس “كل ما له في يدك!” إنه يصرح بحقيقة مؤلمة وليس غدر بارد، بل أعلن بحقيقة كان يعلم أنها ستكلف يسوع حياته في النهاية، ليسترد ما فقده انسان ويحرره من هذا السيد القاسي.

______________________

٥إشكاليات:

+ كيف جاء الشيطان ومثل أمام الله؟

قبل فداء وخلاص الرب يسوع، كان للشيطان أحقية بالدخول لمجمع الله على جبل الإجتماع والمثول أمامه لتقديم تقاريرهم، رغم أنه قد طُرد من مكانته قبل ذلك، وذلك لأنه كان يُمسك النسل البشري عبر أن أخضع آدم (رأس الخليقة الأولى)، فصار سيداً للنسل البشري ورئيس هذا العالم (رومية٦: ١٦؛ ٨: ٢٠؛ يوحنا١٢: ٣١؛ ١٤: ٣٠؛ ١٦: ١١). الكل كان في قبضته بعد أن سلمه الإنسان نفسه وكل ما له. فكان له أحقية في النسل البشري. فهو أمسك هذا النسل الذي أحبه الله واستلم قضية خلاصه (عب٢: ١٦). لدرجة أنه تجرأ وقال ليسوع أن كل شيء صار له “وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ:«لَكَ أُعْطِي هذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ، لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ” (لوقا ٤: ٦).

دخول إبليس كان للشكاية والإتهام ضد الإنسان نفهم هذا من (زكريا٣: ١) إذ يسرح ما يحدث في عالم الروح: ” وَأَرَانِي يَهُوشَعَ الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ قَائِماً قُدَّامَ مَلاَكِ الرَّبِّ وَالشَّيْطَانُ قَائِمٌ عَنْ يَمِينِهِ لِيُقَاوِمَهُ” يقاومه أي يشتكي ضده. هو كان يشتكي ويعرض ملفات تدين أيوب؛ لأن نفس التعبير المذكور في (أي١: ٧) شرحه لنا الرب بطرس في (١بط٥: ٨) أن يجول كي يبتلع ويدمر.

لكن بعد فداء يسوع وموته وقيامته ورش دمه في السماوات انتهى هذا (عب٩: ٢٢-٢٤ ؛رؤ١٢: ١٠؛ رومية٨: ٣٣) فقد طُرح المشتكي (رؤ١٢: ١٠؛ رو٨: ٣٣).

+ الشيطان يحتاج إلى إذن من الله كي يهاجمنا:

لم يطلب الشيطان الإذن لملاحقة أيوب لأنه لم يكن بحاجة إلى إذن. فهو في الحقيقة يسيطر على كل من لم يولد من هذا الإله ” الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ ” الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ” (٢كو٤: ٤؛ أف٢: ٢).

والرائع أنه بعد ما أتمه يسوع لإجلنا من خلاص وهزيمة للعدو صرنا أعظم منتصرين ولنا سلطان على إبليس ” هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَاناً لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُّوِ وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ” (لو١٠: ١٩) وصار إبليس يخافك ويهرب منك ” فَاخْضَعُوا لِلَّهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ” (يع٤: ٧) بل أكثر من هذا فيمكنك ألا تعطيه أي مكان في حياتك ” لاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَاناً” (أف٤: ٢٧). ولا يقدر أن يقرب منك أو يمسك ” نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ لاَ يُخْطِئُ، بَلِ الْمَوْلُودُ مِنَ اللهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَمَسُّهُ” (١يو٥: ١٨).

+ الله يستخدم الشيطان كأداته لإرجاعنا:

بكل تأكيد هذا خطأ ” لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟” (٢كو٦: ١٤).

لاحظ أن إبليس دُعي العدو. فلن يستخدم الله العدو ضد أولاده.

+ الله يعطينا الأمراض والمعاناة لينقينا ويعلمنا دروساً:

لا يوجد شيء في الوجود يُضاهي كلمة الله التي بها يرشدنا ويعلمنا وينقينا ” أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ” (يو١٥: ٣) لاحظ لم يقل أن وسيلة التنقية هي عبر الظروف الصعبة والمشاكل والأمراض، بل التنقية عبر الكلمة.

كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ” (٢تي٣: ١٦) كلمته هي وسيلة تأديبه.

وإن قلنا عكس ذلك، فهذا يعني أن كلمته فقدت قوتها. وصارت الظروف هي الوسيلة الأقوى لديه ليعلم أولاده!!

في الحقيقة إن ابتعاد اولاد عن الله عن الكلمة وسلوكهم بعيداً عن المبادىء الكتابية يجعلهم يضلون ويتعرضون للنكبات، كخروج الابن الاصغر من بيت ابيه (لو١٥)

يُوَبِّخُكِ شَرُّكِ وَعِصْيَانُكِ يُؤَدِّبُكِ” (إر٢: ١٩) لاحظ ليس الرب هو الفاعل هنا بل العصيان والشر.

قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ أَمَّا الآنَ فَحَفِظْتُ قَوْلَكَ”  (مز١١٩: ٦٧). لاحظ ما سبب أنه تعرض للذل ولاحظ كيف عالج هذا الأمر.

(بالأسفل ستجد مقالات تشرح التجربة والإمتحان والتأديب).

انظر إلى يسوع وكيف تعامل مع المرض والمعاناة، ولاحظ انه لم يهب أحداً مرضاً اطلاقاً بل على العكس شفى ” يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ” (أع١٠: ٣٨)

لاحظ أيضاً كيف سمى يسوع ترك المرض أنه شر وأنه إهلاك وقتل ” ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«أَسْأَلُكُمْ شَيْئًا: هَلْ يَحِلُّ فِي السَّبْتِ فِعْلُ الْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ الشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ إِهْلاَكُهَا؟»” (لوقا ٦: ٩).

ثُمَّ قَالَ لَهُمْ:«هَلْ يَحِلُّ فِي السَّبْتِ فِعْلُ الْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ الشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟». فَسَكَتُوا. (مرقس ٣: ٤)

فالمرض والعوز (الفقر) والفشل والضعف والخوف: ليسوا صالحين والدليل أننا فينا الطبيعة المضادة لهم و نكرههم. احذر أن تعكس المبادىء والحقائق الإلهية: “وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْرًا وَلِلْخَيْرِ شَرًّا، الْجَاعِلِينَ الظَّلاَمَ نُورًا وَالنُّورَ ظَلاَمًا، الْجَاعِلِينَ الْمُرَّ حُلْوًا وَالْحُلْوَ مُرًّا” (إشعياء ٥: ٢٠)

+ الله يسمح بالمعاناة والمرض:

هذا عكس طبيعته. لن استفيض في هذه النقطة وأشجعك أن تدرس عن سماحية الله من اللينكات بالأسفل.

في النهاية اعلم ربما تمر بأوقات عصيبة، اعلم أن الرب يحبك وفي صفك لتخرج منها، وليس هو وراء ما يحدث لك (إش٤٥: ١٥)

لا تصدق أكاذيب إبليس وتلوم الله على معاناتك.

استمع ليسوع، انظر لحبه لك. شارك شخص عنده حق كتابي ربما راعيك أو قائدك او مرشدك أو أبيك الروحي ليساعدك أن تثق في صلاح الله مرة اخرى وتسترد ما فقدته.

تذكر أن القصة الحقيقية لأيوب ليست كيف يسمح الله بالشر، ولكن كيف أن الله الصالح يأخذ فوضى حياتنا المحطمة ويجعلها جميلة.

أتركك مع بعض المواد لدراستها.

لينكات لمقالات هامةً جداً ستساعدك، أشجعك تقرأها وتمتحنها:

من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الإقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.

Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations is forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.

2 Comments

  1. أمير بشرى

    في يومٍ ما هذا الحق عندما اكتشفته أنقذني من الموت…أنقذني من الانتحار بسبب ظني الخاطئ بأن الله سمح بكل ما حدث معي من مصائب

  2. زكريا Khalil

    مار أروع هذا الحق .. كل ما أريد قوله كنت أعمى والأن أبصر
    شكراً ياروح الله لأنك انرت روحي بهذا الحق وشكرا لأنني كل يوم أزداد في معرفتك ومعرفة الحق … لا ، لا لن أحبط لانني لم اعرف الحق دفعة واحدة ، بل سأبتهج وافرح بما تعلنه لي من خلال دراستي لكلمتك والصلاة بالألسنة ، ومن خلال المعلمين الممسوحين بالروح القدس ، ومن ألتصاقي بجسدك الحي (كنيستك عمود الحق وقاعدته). شكراً يا روح الله لأنه ليس صدفة أن أتعرف بهذا الموقع الرائع ، ولا بالأجتماع الحقيقي ولا بالألتصاق بهذا الجسد الحي الذي فيه أنمو واثمر واتقدم في معرفة الحقيقة التي تحررني يوماً فيوماً.
    شكر للراعي / رامز غبور ، ولكل فريق خدمة الحق المغير للحياة ، شكرني لهذا الجسد الرائع الذي انتمي له . وانموا في الحكمة والنعمة وانا معكم وبيكم ومن خلالكم يعمل الله فيا ويغيرني كل يوم إلى صورتة لإشابه صورة مجدة في اسم المسيح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$