رغم أننا نمتلك سلطاناً على الأرواح الشيطانية، إلا أننا لا نمتلك سلطاناً على غيرنا من البشر أو على إرادتهم. وغالباً ما يفوتنا إدراك هذه الحقيقة فنظن أننا نمتلك سلطاناً على غيرنا.
لنا سلطان على الشياطين ونستطيع السيطرة عليهم، بالأخص إذا تعلق الأمر بحياتنا أو بحياة أحد أفراد أسرانا. ولكننا نفشل أحياناً في السيطرة عليهم حين يتعلق الأمر بأشخاص آخرين، لأن إرادة الشخص الآخر تدخل في الصورة.
منذ عدة سنوات، كنت أعقد إجتماعات دينية هنا في ولاية أوكلاهوما، وبينما أنا أقوم بخدمة الشفاء للمرى، شعرت بحدس داخلي – وعلمت بشهادة ذلك الدليل الداخلي أن أحد أولئك الذين إصطفوا أمامي به روح شرير. هذا لا يعني أن الروح تلبّسه – فهذا شئ يختلف كلياً. فالتلبّس معناه أن الروح الشرير يسيطر على الشخص بكامله – روحاً ونفساً وجسداً. لكن قد يكون في جسدك روح شرير دون أن يكون له السيطرة التامة عليك.
بقيت أتطلع حولي فرأيت رجلاً يقف الرابع في الصف مني وأدركت أن فيه شيطاناً ولكن لم أتفوه بشيء مسموع.
عليك أن تدرك أن إبليس وإن كان يعلم بعض الأمور إلا أنه ليس كلي المعرفة مثل الله. ولكن بسبب قوته الخارقة تراه يعرف بعض الأمور. يستطيع مثلاً بعض العرافين التنبؤ بأحداث تقع بالفعل. كما قد يعرف الشيطان بعض أفكار. كيف نعرف ذلك؟ لأن قاريء الطالع كثيراً ما يمكنهم قراءة فكرك وإخبارك بما يدور في ذهنك، وهم لا يفعلون ذلك بقوة الله.
قبل أن يخطو الرجل ليقف أمامي فكرت في نفسي: “سوف أخرج منه ذلك الروح الشرير” لم أقل شيئاً مسموعاً، بل هذا ما كان يدور في خلدي. وما أن جاء دور الرجل ووقف أمامي حتى بادر بالحديث قبل أن أتفوه أنا بكلمة. لقد تحدث الشيطان من خلاله في نغمة ثاقبة أشبه بالعواء. وكان الصوت يبدو وكأنه خارج من أنفه، فقال “لا يمكنك إخراجي! لا يمكنك إخراجي!”
أجبت على الفور: “بل أستطيع باسم يسوع المسيح”.
فقال: “كلا، لا تستطيع. هذا الرجل يريدني أن أبقى. ومادام يريد بقاني فأنا أستطيع البقاء”.
قلت: “أنت على صواب”. ومن لم تركن الرجل لأخدم من بعده.
أرواح متدينة
بعد ذلك بعدة أيام، رأيت هذا الرجل في الشارع، فأوقفته وأدرت معه حديثاً. لم يكن الرجل مجنوناً، بل كان يتمتع بكافة قواه العقلية. وإذ تحدثت معه اكتشفت نوع الروح الذي كان فيه. لقد كان روحاً متديناً. وعلى الناس أن يدركوا بأنه يوجد مثل هذه الأرواح. وهم يجعلون الناس يبدون متدينين للغاية، والحقيقة أن هذا الرجل كان فيه ثلاثة أرواح شريرة. أما الروحين الآخرين فكانا روح الخداع وروح الكذب.
كان الرجل يؤمن بخليط من الأديان الشرقية مع بعض ما جاء في الإنجيل. ولكنه كان يميل بالأكثر نحو الأديان الشرقية. وتحدثت معه في هذا فقلت: “هذه المعتقدان لا تستند على الإنجيل ولا تتفق مع العهد الجديد”.
فأجابني قائلاً: “إنجيل أم غير إنجيل، فأنا أحب معتقدي هذا وسأظل عليه”.
قلت له: “في أي وقت تريد التخلص من هذه الأرواح الشريرة تعال لزيارتي. ولكن طالما تريد أن تظل هكذا فستبقى الأمور كما تريدها”.
فقال: “حسناً، هذا ما أريد”.
الإرادة الحرة تنتصر
لا يسعك إلا أن تمضي في حال سبيلك تاركاً الناس وشأنهم عندما يختارون نمطاً معيناً لحياتهم ويصرّون عليه. فإذا أراد الناس العيش في الخطية فهذا إختبارهم. ولو أرادوا أن يتحرروا فلهم أيضاً أن يصيروا أحراراً. ولكن طالما رفضوا الحرية فلا يستطيع لا المسيح ولا أي شخص آخر أن يحررهم”.
فلا تستطيع ممارسة سلطانك على الشيطان بلا تمييز مع أي شخص آخر. فأنت لك سلطان على حياتك الخاصة ومع أفراد أسرتك. ولكنك لا تستطيع إخراج الشيطان من كل من تقابل في الطريق، حتى وإن كان الشيطان فيهم فعلاً، لأن لهم سلطان على حياتهم. أما إذا طلب الناس العون فيبقى هذا موضوع آخر.
من الغريب أنه حتى الممتلئين من الروح القدس يرفضون العون أحياناً. ففي عام 1954 كرزت لأول مرة في ولاية أوريجون. بدأت كرازتي مساء يوم الأحد إذ قدمت عظة إنجيلية. وفي مساء يوم الإثنين وعظت عن الإيمان، ثم أعلنت بأنه ستكون هناك خدمة للشفاء مساء يوم الثلاثاء.
في تلك الأيام كنت أجعل الناس يقفون في صف واحد سواء كانوا قد أتوا للحصول على الخلاص أو معمودية الروح القدس أو الشفاء. وكنت أخدمهم كل واحد في دوره وحسب حاجته الخاصة.
حين أتى دور إحدى السيدات، كانت بصحبة زوجها الذي تولى الحديث نيابة عنها. ورغم أن السيدة لم تتحدث إطلاقاً، إلا أنني أستطعت من خلال النظر إليها أن أدرك بأنها لم تكن في صحة عقلية جيدة. قال الرجل إن زوجته عصبية للغاية، وإنها أمضت بعض الوقت في مستشفى للأمراض العقلية.
دعني أوضح شيئاً هنا، فأنت لا تمارس السلطان الروحي حباً في الممارسة فقط وإنما ينبغي حصولك على إظهار روح الله. ولهذا السبب يخفق الكثيرون، إذ هم يحاولون التعامل مع الأرواح الشريرة دون حصولهم على كلام علم بحسب الروح القدس أو تمييز الأرواح.
عندما تحدث إلي المسيح مرة عن الشيطان وعن الأرواح الشريرة وعن الذين تلبّستهم الأرواح الشريرة، استخدم كمثال، الجارية التي كان بها روح عرافة. لقد أتبعت تلك الجارية بولس وسيلا في فيلبي: “أياماً كثيرة”، وهي تصرخ قائلة: “هؤلاء الناس هم عبيد الله العلي…” (أعمال 18:16).
سألني المسيح يسوع هذا السؤال: “أتعلم لماذا لم يتعامل بولس مع هذا الروح منذ اليوم الأول؟”.
قلت: “كلا، فأنا في الحقيقة لا أعلم، ولطالما تساءلت عن هذا. لماذا لم يبادل بولس وهو رسول ورجل الله وصاحب سلطان في إستخدام سلطانه على ذلك الروح الشرير منذ اليوم الأول؟
قال يسوع: “كان عليه إنتظار الروح القدس! كان عليه أن ينتظر حتى يمنحه الله تمييزاً للأرواح”.
يمكنك أن تجعل الشيطان بهرب منك أو من بيتك في أي وقت.. وإذا كان شخص ما يقيم في بيتك أو على أرضك، فأنت لك سلطان عليه أيضاً. ولكنك متى ابتعدت عن حيّز سلطانك فللأرواح الشريرة حق التواجد هناك، لأن الشيطان هو إله هذا العالم.
هذا هو السبب الذي من أجله اضطر بولس أن ينتظر لأيام كثيرة كي ينقذ الجارية التي كان بها روح عرافة. فهو لم يأمر ذلك الروح أن يتركها في أول يوم اتبعتهم فيه. بل انتظر، وعندما حان الوقت المناسب، تحدث إلى ذلك الروح فخرج منها.
عندما وضعت يدي على المرأة التي كانت في صف الشفاء، لم أر أية أرواح، ولكني حصلت على إعلان علم بحسب الروح. لم يكن عندي في خدمتي وقتئذ موهبة تمييز الأرواح، ولكن كان عندي موهبة كلام علم بحسب الروح. وعندما وضعت يدي عليها، مر سجل حياتها أمامي فكأني أراه على شاشة تليفريون. وعلمت القصة بكاملها.
فقلت لزوجها: “لن أقدم خدمة لها. خذها إلى غرفة القسيس وعندما ينتهي الإجتماع، سأصطحب القسيس وأحدثكما معاً”. وهكذا أخذها ومضى.
ولدى عودتي إليهما بصحبة القسيس اكتشفت أن زوج السيدة كان شماساً في تلك الكنيسة. فقلت له: “لقد أردت حضور القسيس معنا كشاهد ويمكنه أن يخبرك بأنه لم يقل لي ولا كلمة واحدة بخصوص زوجتك. وأنا لا أعرف أحداً على الإطلاق في هذه الولاية فيما عدا هذا القسيس. كما لم يسبق لي رأيتك أو رأيت زوجتك من قبل”.
“سأخبرك لماذا لم أساعد زوجتك أمام الآخرين. فعندما وضعت يدي عليها أيقنت في داخلي – إذ رأيت كل شئ في لمح البصر – أن زوجتك استمعت مرة إلى كارز يقول بأن الله تحدث إليه بصوت مسموع، فبدأت هي تسعى لكي يكلّمها الله بصوت مسموع أيضاً.
إن ما فاتها إدراكه هو أن الكارز لم يقل بأنه كان يسعى كي يحدثه الله بهذه الطريقة – ولم يطلب إلى الله أن يكلمه هكذا – بل كان بالحري ينتظر الله”. (عندما ابدأ بالسعي لعلك تسمع صوتاً مسموعاً ما فإن الشيطان سيستغل رغبتك هذه. فمن الخطأ اللجوء إلى هذه الوسيلة).
واصلت حديثي معه قائلاً: “وهكذا بدأت الشياطين تتحدث إليها، وأخذت هي تسمع تلك الأصوات التي دفعتها إلى الجنون. لقد أخبرتني أنها كانت قد دخلت مستشفى للأمراض العقلية مرة. ولكن الحقيقة هي أنها دخلت إليها مرتين، أليس كذلك؟”
أجاب الزوج قائلاً: “ومن أخبرك؟”
قلت: “أخبرني الله، كما أراني أيضاً أنك أخذت زوجتك إلى إجتماع للإستشفاء، ولم يستطع الكارز تحريرها فثرت أنت عليه. ومن ثم رأيت، في الروح، أنك أخذتها إلى إجتماع أحد الأنبياء، ولم يستطع هو أيضاً تحريرها. وأنت الآن غاضب عليه. ونظرا لأنني ما كنت أستطيع تحريرها بأكثر مما استطاع الكارزين الأولين فكان غضبك سينصب عليّ أيضاً. وهذا هو السبب الذي جعلني أمتنع عن خدمتها”.
“سأخبرك الآن لماذا لم يحررها الكارزين ولماذا لا أستطيع أنا أيضاً تحريرها. فهي لا تريد أن تتحرر. وطالما أرادت سماع تلك الأصوات فستظل تسمعها. وهي ليست مجنونة. بل أنها تسمع الآن ما أقول”.
وهنا استدرت نحوها وقلت: “والآن أيتها الأخت عندما تصلين إلى المرحلة التي لا تريدين فيها سماع تلك الأصوات، تعالي إليّ وأنا أساعدك”.
قالت السيدة: “حسناً، وفأنا أريد سماع تلك الأصوات”.
قلت معقباً: “أعلم أنك تريدين ذلك”.
قد يقول قائل: “ربما أنها لم تدر ما كانت تتحدث عنه”. فلو أنها لم تعرف حقاً لكان الله قد أخبرني بذلك وكنت سأعرف هذا الشيء أيضاً.
يقول الإنجيل بخصوص خدمة يسوع المسيح بأنه أخرج الأرواح الشريرة بكلمته. ويقول الإنجيل أيضاً إنه أخرجها بروح الله القدوس. إذاً لم ينطق المسيح بكلمته في معزل عن الروح القدس. أقرأ الإصحاح الثاني عشر من إنجيل متى فستجد كيف أن الفريسيين إتهما المسيح بأنه كان يخرج الشياطين ببعلزبول رئيس الشياطين (آية 24).
أجابهم يسوع قائلاً: “إن كنتُ أنت الروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله” (آية 28).
نعرف من كلمة الله أن لنا سلطان روحي. ولكن علينا أن نعتمد على الروح القدس كي يساعدنا في إستخدام هذا السلطان للخدمة. فنحن لا نستطيع ذلك من ذواتنا. وكما ذكرت آنفا، بأنه إذا هاجمني إببليس، فلي سلطان عليه لأن لي سلطان على حياتي. وأستطيع أن أنتهره فيترك بيتي على الفور. ويمكنني أيضاً السيطرة على حالات معينة طالما كان الناس المعنيين معي.
على سبيل المثال، رافقني مرة زميل قسيس من مدينة فورت ورث بولاية تكساس إلى اجتماعات دينية في ولاية كاليفورنيا، إذ كان عليّ أن أعظ هناك. كان زميل هذا يعاني من مرض السكر على مدى سنوات طويلة. وكان عليه أن يُجري فحصلاً للبول كل صباح ليقرر جرعة الأنسولين التي يحقنها لنفسه ذلك اليوم.
وإذ حاولت أن أعلمه درساً في الإيمان، استدرت نحوه بينما كنا نغادر المنزل وقلت: “لن يسجل الفحص أي أثر للسكر طالما كنت معي”.
فقد كان بمقدوري السيطرة على هذا المرض طالما كان القسيس معي – ضمن حدود سلطاني. ولكني لم أكن أستطيع ذلك لو كان بعيدا عني. فكان لازماً علي أن أدربه كي يستخدم سلطانه الروحي لنفسه.
نطر زميلي إليّ وكأنه لا يصدق ما أقوله. ولكن على مدى الأسبوعين اللذين قضاهما معي، لم يسجل الفحص أي إرتفاع في نسبة السكر، رغم أن زميلي كان يتناول الحلوى والكعك.
كان يقول: “لا بد نسبة السطر ستكون مرتفعة عندي اليوم”. ولكن كان بعد أن يجري الفحص ولا يجد شيئاً يقول: “هذا أمر لم أشهد له مثيل في حياتي من قبلّ”! وقد أخبرني فيما بعد بأنه عندما عاد إلى منزله لم يسجل الفصح أي إرتفاع آخر للسكر إلا بعد ثلاثة أيام من عودته.
لقد استطعت أن أمارس سلطاني على هذا المرض. ومع أني سيطرت على قوة المرض الخفية لكني لم أستطع السيطرة على إرادة القسيس. استطعت أن أسيطر على المرض طالما كان القسيس معي. حاول إقناعه بأن باستطاعته ممارسة نفس السلطان، ولكنه لم يفدر أن يدرك أخيراً سلطانه الروحي. (فبعضنا نحن الكارزين نتميز بالبطء). لو كان بمقدروي أن أبقى مع الناس عىل الدوام لاستطعت مساعدتهم أيضاً بهذه الطريقة. ولكن يتعزر عليّ ذلك لضيق الوقت.
نحطيم قوة الشيطان
منذ سنوات، عندما قيّد الشيطان أخي الأكبر، قلت: “أيها الشيطان إني باسم يسوع المسيح أحطم قوتك عن حياة أخي، وأطلب بتحريره وخلاصه!” وفي غضون أسبوعين تقريباً قبل أخي خلاصه. وقد كنت أحاول ولمدة خمس عشرة سنة أن أجعله يقبل الخلاص، ولكني فشلت في كل محاولاتي. ولكن الآن عندما اتخذت هذا الموقف ومارست سلطاني الروحي كمؤمن، نجحت في ذلك.
سمعني بعض الناس وأنا أحكمي قصة أخي هذه، فقالوا إنهم سيجربون طريقتي ليروا ما مدى فاعليتها. ولكني علمت بأنهم لن ينجحوا لأني لم أجرب هذه الطريقة بل مارستها بالفعل فنجحت.
يقول المؤمنون أحياناً بأنهم سيجربون أمراً ما لأنه أتى بمفعول جيد مع شخص آخر. فلو درسوا كلمة الله ولبسوا لأنفسهم سلاح الله الكامل وما تعلمه كلمة الله من سلطان لعملت الإنجيل فيهم بنجاح وكانت فعالة. ولكنهم لو حاولوا تطبيق كلمة الله فقط دون ترسيخهم كأساس ثابت، عندئذ سيهزمهم إبليس شر هزيمة.
إنك ستهزم الشيطان في المعركة فقط إذا كان فيك أساس مبني على كلمة الله وكنت تضع أساس كلمة الله هذا موضع التنفيذ.
لماذا يفقد الناس شفاءهم الذي حصلوا عليه
عندما يتواجد الناس في مكان يكون الإيمان فيه في ذروته – حيث يكون هناك مقدار كبير من الإيمان – وحيث تكون مواهب الروح القدس نشطة في عملها – يكون من الأسهل نسبياً أن ينالوا الشفاء. وهذا ما يحدث في الإجتماعات الكبيرة – وقد رأيت هذا يحدث خلال الإجتماعات الإنجيلية المعروفة التي عقدت خلال نهضة الشفاء بين الأعوام 1947 – 1958.
ولكن، عندما يعود هؤلاء الناس ليعتمدوا على أنفسهم، يأتي الشيطان ويضع عليهم أعراضاً كاذبة. ولأن لا أساس لهم في الإيمان، تراهم يقبلون ما وضعه عليهم فيرجع إليهم نفس المرض الذي كان فيهم أصلاً. لهذا السبب نرى أناساً وقد تحرروا من الأرواح الشريرة أو الأمراض أو أشياء أخرى كثيرة، ولكن حين تراهم ثانية إذا بهم قد عادوا إلى حيث كانوا.
قد يقول قائل: “على أية حال، فهم لم يكونوا قد حصلوا على الشفاء أصلاً”.
ولكن كيف لرجل مشلول مُقعد أن يمشي – وهو لم يكن قد مشى في حياته – لو لم يكن قد شُفى فعلاً؟ لو لم يكن هذا شفاء، فما هو إذاً؟ كيف لرجل أعمى أن يبصر – علماً بأنه لم يكن يرى شيئاً من قبل؟ وكيف لرجل أصم أن يسمع – علماً بأنه لم يكن يسمع أي صوت من قبل؟ نعم، لقد رأيت هذه الحالات تحدث أمامي حقيقة.
لقد نال كل هؤلاء الشفاء وكانوا على خير ما يرام حتى وصلوا إلى بيوتهم. لكن بعد أسبوعين أو ثلاثة اختفى شفاؤهم. فلماذا خسروا شفاءهم؟ لأنهم لم يعرفوا سلطانهم. لم يعرفوا كيف يتمسكوا بما عندهم ولهذا لم يحاولوا ممارسة السلطان بأنفسهم. وحاى لو كانوا قد حاولوا قول شئ فقد قالوا الشيء الخطأ.
رأيت ضحايا شلل الأطفال وقد شفوا بالتمام – استقامت أقامهم وأرجلهم – لكن في غضون عشرة أيام خسروا شفائهم.
أذكر سيدة كانت، على مدى ثلاث سنين، طريحة الفراش بسبب داء إلتهاب المفاصل. كانت ممددة في فراشها متصلبة كلوح من الخشب. شُفيت هذه السيدة على الفور فقامت وأخذت تمشي. لم يستطع طبيبها أن يجد أثراً لإلتهاب المفاصل في جسمها. لكن بعد ستة أسابيع عادت وتصلّبت كلوح من الخشب مرة أخرى. فلماذا فقدت هذه السيدة شفاءها؟
يقول البعض: “هذا تنويم مغناطيسي!” فهل الأمر كذلك؟ كلا، فإذ يأتي الناس في محضر الله حيث تنشط مواهب الروح القدس، يكون من السهل حصولهم على الشفاء. ولكن إذ يعودوا على أنفسهم، يكونوا عاجزين عن التصرف!
لهذا السبب يحتاج الناس إلى من يعلّمهم كلمة الله وحقوقهم وامتيازاتهم كمؤمنين. عندئذ سيمكنهم ممارسة السلطان لأنفسهم ضد الشيطان والأمراض والظروف.
إخراج الأرواح الشريرة
يفرق كلمة الله بين إخراج الشياطين وبين شفاء المرضى. كثيراً ما لا تستجيب حالة الناس الجسدية للصلاة ووضع الأيدي، لتعلق الأمر بوجود روح شرير.
هذا ما حدث بالنسبة لسيدة معمدانية في ولاية “نيو أورلينز”. كانت السيدة تعاني من إضطراب عقلي حاد، وكانت محتجزة في مؤسسة إجتماعية. وفي ذات يوم زارها صديق لي، قسيس معمداني، كان قد قبل معمودية الروح القدس – ليصلّي لأجلها. فأخرج منها سبعة شياطين، وتعافت السيدة على الفور.
ترك هذا الحدث تأثيراً واضحاً وقوياً على أستاذ جامعي كان مُلماً بحالة تلك السيدة وكان يستعمل حالتها كإيضاح في محاضراته. فدعا الأستاذ ذلك القسيس المعمداني كي يناقش معه ما حدث.
ونتيجة لتلك الزيارة، نالت زوجة الأستاذ معمودية الروح القدس. أما عن الأستاذ نفسه فلم يكتف بالسعي وراء الإمتلاء بالروح القدس فقط بل ضمّن في محاضراته حقيقة أن للأرواح الشريرة تأثيراً كبيراً على الناس أكبر مما كان معتقداً.
تسلّط الشيطان إزاء التلبّس الشيطاني
في الخمسينات من هذا القرن العشرين، وقف أحد أعضاء الكنيسة في صف الشفاء طالباً الصلاة لأجل شفائه في أحد الإجتماعات التي كنت أعقدها. أدركت وقتها أن روحاً شريراً كان في جسد هذا الرجل. لقد سبق لهذا الرجل أن خضر في كل إجتماع ديني من الإجتماعات الإنجيلية المعروفة للشفاء. لكنه لم يحصل على الشفاء لأن الأمر لم يكن يتعلق بالشفاء بقدر ما كان يتعلق بمواجهة ذلك الروح الذي كان يتسلّط عليه، والتعامل مع ذلك الروح أولاً.
وفي صلاتي من أجله، أوضحت الأمر للحاضرين يقولي: “لم يتلبّس الشيطان جسد هذا الرجل وإنما يتسلط عليه فقط. وسأعطيكم إيضاحاً لذلك: لنفترض أنك تسكن في بيت شيد منذ حوالي مائة سنة، ثم جاء أحدهم ليقول لك هذا البيت مليء بالنمل الأبيض. فلا يعني قوله هذا إنك أنت مليء بالنمل الأبيض.
فجسدك هو البيت الذي تسكنه. ولو أنك عملت بالإحتياطات اللازمة لأمكنك إبقاء النمل لعيداً عن بيتك – والأرواح الشريرة بعيداً عن بيتك الجسيدي، فهي لن تتواجد إذا إتخذت الإحتياطات الوقائية الصحيحة.
استمعت مرة إلى طبيب نفساني مملوء بالروح القدس، كان يكرّس وقتاً خاصاً للأعمال الخيرية في مستشفيات المنطقة التي يعيش فيها. وفي إحدى المصحات العقلية قرر أن يُجري تجربة على رجل لم يتحدث على الإطلاق على مدى ثلاث سنوات. كان الرجل يجلس كالتمثال محملقاً أمامه مباشرة دون أن تظهر على وجهه أية تعابير.
قال الطبيب: “وضعت يدي عليه كل يوم وقلتُ: “إن كانت توجد أرواح شريرة فأنا أنتهرها وأمر كل منها بالخروج من هذا الرجل باسم الرب يسوع المسيح”.
وإن لم يتواجد أطباء آخرين حوله، كان ذلك الطبيب يضع يديه على المريض ويصلي عليه بالسنة بصوت مرتفع لمدة خمس دقائق في اليوم. أما في حالة تواجد غيره من الأطباء كان الطبيب يلجأ إلى الحكمة فيصلي بصمت لأنه كان يعلم أنهم لن يفهموا ما يقوم به.
وفي غضون عشرة أيام أخذ المريض يتحدث، ثم بعد ثلاثين يوماً أرسل إلى بيته لأنه كان قد شفى تماماً. وقد ساعد الطبيب مرضى آخرين أيضاً. إن الله يكرم الإيمان، وروح الله يعرف كيف يصلي لأنه هو مبدع الصلاة.
كيفية التعامل مع الأرواح الشريرة
ينبغي علينا أن نعتمد كلياً على روح الله لنعرف إذا كانت هناك أرواح شريرة متواجدة، ولنعرف كيف نتعامل معها. فنحن بدون روح الله القدوس وكلمته المقدسة. لا تكن مجرد رجل كلمة الله بدون الروح ولا تكن أيضاً رجل الروح القدس بدون كلمة الله. يحاول الكثيرون الإعتماد على كلمة الله وتطبيقها بعيداً عن روح الله. كلن ينبغي الإعتماد على الإثنين لأن الروح وكلمة الله يتطابقان.
لا حاجة بك للتعامل مع روح شرير في كل حالة شفاء تقابلك. لكن لو اضطررت لذلك فسيُظهر لك الرب ما ينبغي فعله، وسيخبرك إن كان هناك روح شرير متواجد، لأن الله عالم بكل شئ. فأنا أطيع الله بما لا يقول بقدر ما أطيعه ما يقول لي. فإن لم يقل لي شيئاً بخصوص الروح الشرير فلا أحاول التعامل مع روح شرير، بل أواصل في تقديم خدمة الشفاء للشخص المريض.
ولكن الغريب في الأمر هو أن روح الله قد يقودني أحياناً لأقدم خدمة الشفاء لحالة ما ثم في حالة أخرى مطابقة يطلب مني أن أتعامل مع الروح الشرير. هذا ما لا أفهمه. لكن أعلم عن إختبار أنها طريقة ناجحة وفعالة. لا يمكنك الحكم على حالة ما بمقارنتها مع حالة أخرى مماثلة.
يحتاج كل اليائسين الضعفاء إلى العون. وقد تستطيع أحياناً أن تحملها على أجناحة إيمانك. ولكن هناك من حصلوا على معرفة كافية وقبساً من النور، فهؤلاء عليهم أن يسيروا في ضوء ما تعلموه. وقد ينال البعض نوراً أكثر من غيرهم فعلي قدر ما عرفوا على قدر ما يطلب منهم.
يمكنك التحرر من الضيقات والعذاب الذي قد يصيب جسدك وعقلك. ويمكنك ممارسة سلطانك الروحي على الآخرين طالما كانوا موجودين معك. بمقدرورك ممارسة سلطانك على كافة القوى غير المنظورة.
متى تعلمت كيف تمارس سلطاناً روحياً سيكون عندئذ سلطانك فعالاً في بيتك أيضاً. قد سمعت عن نساء كثيرات مارسن سلطانهن الروحي عندما كان أزواجهن غير المخلصين يودون إلى البيت وهم يجادلون ويتشاجرون. كانت النسوة قد تعلمن كيف ينتهربن بصمت وهدوء الأرواح الشريرة الكامنة خلف هذه المواقف، ويطالبن بالسلطان عليها – فكانت المواقف المختلفة تتغير تماماً.
تعلمت أنا أيضاً أن أمارس سلطاني بنفس الطريقة عندما كان يثور علي بعض أقاربي بينتابهم غضب عارم. كنت بكل بساطة أمارس السلطان على تلك المواقف. وكانوا يُدركون حين كنت أفعل ذلك، لأنهم كانوا ينظرون إليّ وأمارات الفزع بادية على وجوههم، فكانوا يصححون موقفهم على الفور، ومع ذلك فأنا لم أمارس السلطان على إرادتهم بل على الروح الذي جهلهم يتصرفون هكذا.
أخبر المسيح تلاميذه مرة أنه ذاهب إلى أورشليم ليتألم كثيراً ويموت. ولما اعترض بطرس على ذلك انتهره المسيح على الفور قائلاً: “اذهب عني يا شيطان…” (متى 23:16).
لم يقل المسيح أن بطرس هو الشيطان، بل كان بالحري يظهر أن بطرس قد وقف إلى جانب الشيطان بالشك وعدم الإيمان. فقد ينصاع المسيحيون ضد أمثال هذا الروح.
يقول الإنجيل أيضاً بأننا نستطيع ممارسة السلطان ضد الخوف – حتى الخوف الذي في حياتنا الخاصة. علينا أن ندرك ذلك. ومع هذا فنحن لا يمكننا دائماً ممارسة السلطان على الخوف في حياة شخص آخر. وفي إختباراتي الخاصة، استطعت السيطرة على الخوف كالما كان الشخص المعنى معي، ولم يكن كيف يعرف كيف يصمد أمامه.
تقول الآية في 2 تيموثاوس 7:1: “لأن الله لم يعطنا روح الخوف بل روح القوة والمحبة والنصح”. لاحظ هنا أن الإنجيل يسمى الخوف روحاً – روح الخوف. لقد أعطانا الله روح القوة والمحبة والنصح.
لقد مارست سلطاني على الدوام ضد الخوف والشك – حتى حين كنت قسيساً معمدانياً شاباً. فعندما أجرب لأن أشك، كنت أقول “أقاومك أيها الشك باسم يسوع المسيح”. وأنت متى فعلت ذلك سيتركك كل شك وخوف.
إننا نمتلك سلطاناً حتى على أولئك الذين يقاومون الحق.
كان في ولاية “تكساس” خادم للإنجيل ينتمي إلى الحركة الخمسينية ويسكن بجوار منزل رجل شرطة. وكان رجل الشرطة ينتمي إلى طائفة تعارض بشدة التكلم بألسنة.
نجح خادم الإنجيل في دعوة رجل الشرطة لزيارة كنيسته. وبعد الزيارة طلب رجل الشرطة مازحاً من خادم الإنجيل أن يصحبه لزيارة طلب رجل الشرطة مازحاً من خادم الإنجيل أن يصحبه لزيارة كنيسته هو.
قرر الخادم قبول الدعوة لأن رجل الشرطة أخبره بأن قسيس الكنيسة سيتحدث عن موضوع التكلم بألسنة.
خلال الوعظة، لم يستند القسيس على الإنجيل بل أخذ يسرد قصصاً مختلفة، قال إنه سمعها تحدث مع الذين يتكلمون بألسنة. ثم ابتدأ بتقليد المتكلمين بألسنة. فإذ سمع خادم الإنجيل ذلك سيطر بسلطانه على الموقف. فتوقف القسيس المتحدث فجأة وشحب وجهه وجلس دون أن ينهي عظته.
أدرك رجل الشرطة ما حدث. وتوجه فيما بعد إلى خادم الإنجيل وصافحه واحتضنه قائلاً: “المجد والبركة لله، فأنا سعيد أن الله أسكت القسيس إذ كان ينبغي أن يكون أكثر إدراكاً”.
في الليلة التالية اعتذر الواعظ لأنه تحدث عن أمر لم يكن يعرف عنه الكثير. قال بأنه شعر وكأن الله أوقفه، وأضاف أنه من الأفضل ترك الأمور وشأبها عندما لا نعرف الكثير عنها.
قاوموا إبليس
كثيراً ما ندرك أن بعض التجارب المعينة في حياتنا هي من عمل الشيطان، فنصرخ إلى الله كي ينتهره عنا ويغير ظروفنا. ولكن، تهيب بنا كلمة الله أن ننتهي نحن الشيطان بأنفسنا. وتقول الآية في يعقوب 7:4 “قاوموا إبليس فيهرب منكم“. إن السلطان ضد إبليس هو من حقنا والمسؤولية في ذلك تقع على عاتقنا.
إذا قاومنا إبليس فإنه سيهرب منا. لا يقول الإنجيل: “استعن بشخص آخر ليقاوم عنك إبليس”. بل تحضنا نحن أن نقاومه. يجلس العديد منا في إسترخاء منتظرين أن يفعل المسيح شيئاً بينما المفروض علينا نحن مقاومة إبليس. لماذا؟ لأننا نمتلك السلطان لفعل هذا (لكننا دائماً نريد أن ينجز غيرنا المهمة المفروضة علينا).
بالطبع، سيكون فيما بيننا دائماً من هم أطفال في الإيمان، وعلينا أن نحملهم على أجنحة إيماننا. لكن ينبغي على البعض منا أن ينمو بالقدر الذي يمكنهم من مساعدة أولئك الأطفال، وعدم ترك المسؤولية على القسيس كي يقوم هو بكل شئ.
قد تسود الظروف علينا لأننا نسمح لها بذلك. تقول الآية في متى 18:18 “الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء”.
ونقول ترجمة إنجليزية أخرى للإنجيل “كل ما ترفضون السماح به الأرض يُرفض السماح به في السماء…”.
مارس إذاً سلطانك!
نشرت بإذن من كنيسة ريما Rhema بولاية تولسا – أوكلاهوما – الولايات المتحدة الأمريكية www.rhema.org .
جميع الحقوق محفوظة. ولموقع الحق المغير للحياة الحق في نشر هذه المقالات باللغة العربية من خدمات كينيث هيجين.
Taken by permission from RHEMA Bible Church , aka Kenneth Hagin Ministries ,Tulsa ,OK ,USA. www.rhema.org.
All rights reserved to Life Changing Truth.