حلقة: متعقب
برنامج: من البداية للنهاية
لمشاهدة الحلقة على الفيس بوك أضغط هنا
لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب

لسماع الحلقة على الساوند كلاود
برنامج من البداية للنهاية
(راديو الحق المغير للحياة).
الحلقة الرابعة والعشرون: متعقب
تنويه: العظة مكتوبة بـالذكاء الاصطناعي، لم تُراجع من خدمتنا بعد، إن وجدت أخطاءً في الكتابة تواصل معنا واذكرها لنا.
أهلاً بكم في “راديو الحق المُغيِّر للحياة”، وأهلاً بكم في برنامج “من البداية للنهاية” في سِكَّة جديدة وموسم جديد، نتعرف فيه على خطة الله للإنسان منذ ما قبل تكوينه، ومنذ بدء الخليقة. لقد مررنا بمحطات رائعة جداً، كشفت لنا كيف أن الله يريد أن يُنقذ الإنسان، وخطته للأرض، والروعة التي سار بها الله وسرنا نحن معه فيها.
حكينا عن إبراهيم وإسحاق، واليوم نصل إلى محطة جديدة. محطتنا اليوم قد تبدو مختلفة، لكنني أعتقد أنها محطة مهمة جداً ومحورية في حياتنا كمؤمنين، وفي فهمنا لما فعله الله، حيث سنتحدث فيها عن يعقوب.
لماذا نتحدث عن يعقوب؟
قد تتساءل: لماذا قررنا اليوم أن نتحدث عن يعقوب؟
سنتحدث عن يعقوب لأكثر من سبب، ومن ضمن الأسباب الرئيسية الأولى أنه واحد من الشخصيات الأساسية التي ستتم من خلالها خطة الله لخلاص العالم. لقد وصلنا في حلقات “خطة الإنقاذ” عند محطة إبراهيم، وعرفنا أن الله سيستخدم هذه العائلة لكي يأتي من خلالها الشخص الذي سينقذ العالم ويصنع نسلاً جديداً. فيعقوب هو واحد من هؤلاء الأشخاص الأساسيين في هذا النسل.
فبعد إبراهيم، انقسم النسل؛ خرج منه إسحاق وإسماعيل، ورُفض إسماعيل بينما أكمل إسحاق المسيرة. ثم أنجب إسحاق يعقوب وعيسو، وسنرى من منهما سيكمل الخطة.
هذا هو السبب الأول، لأنه محطة مهمة. أما السبب الثاني، فلأن قصة يعقوب، كما نقرأها في تكوين ٤٧: ٩، تشبه كثيراً الحياة التي نعيشها. الصورة التي يقدمها عن حياته هي تقرير مشابه لما نعيشه. في الوقت الذي قال فيه يعقوب هذه الكلمات، كان واقفاً أمام فرعون بعد أن ذهب إلى ابنه يوسف في مصر. كان فرعون أعظم ملك في ذلك الوقت، وكان يُعامل كإله، فهو ابن الإله “رع”. كان هذا هو حال أي فرعون يتولى الحكم. فسأله فرعون: “كم هي أيام سني حياتك؟”، فأجابه يعقوب إجابة غريبة.
لقد قدم تقريراً عن حياته، فقال يعقوب لفرعون: “أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً“. لقد عاش كثيراً جداً، ١٣٠ سنة! كان بإمكانه أن يكتفي بالقول: “عندي ١٣٠ سنة”، وينتهي الأمر، خاصة بعد أن رتب له يوسف هذه المقابلة الهامة. لكنه أضاف وصفاً لحياته، فقال: “قَلِيلَةً وَرَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي“.
بعد ١٣٠ سنة، يخرج شخص بتقرير عن حياته يقول فيه إن ما عاشه في هذه السنوات كان “رديّاً”. كلمة “رديّة” هنا تعني “شريرة”، “صعبة”، “مليئة بالشقاء والتعب”. لقد خرج بهذا التقرير، وقال: “قَلِيلَةً وَرَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي، وَلَمْ تَبْلُغْ إِلَى أَيَّامِ سِنِي حَيَاةِ آبَائِي فِي أَيَّامِ غُرْبَتِهِمْ“. هذا ما أراه، وما نراه يحدث في حياة مؤمنين كُثر.
عندما نتحدث عن يعقوب، سنعرف أنه كان مباركاً حتى من قبل أن يولد. كانت له بركات معدة له مسبقاً، تماماً مثل الكثير من الناس الذين وُلدوا من الله، وكُتبت عنهم بركات عظيمة، لكنهم لا يستمتعون بها.
لقد وصف يعقوب حياته هكذا. يا يعقوب، مع أنك تباركت قبل أن تولد، وكان لك ميراث رائع، لكنك تصف ١٣٠ سنة من حياتك بأنها كانت “قليلة ورديّة”، مليئة بالشقاء والتعب! وهذا ما سنراه فعلاً، فحياته كانت حافلة بالصراع. لهذا السبب، دخل الرب معه في صراع ليكشف له عن طبيعة حياته، قائلاً له: “لقد عشت طوال وقتك تصارع، ولم تكن تستمتع بما لك”.
هذا هو السبب الثاني، لأن حياته تصف حياة الكثيرين الذين، رغم أنهم مباركون، يعيشون في صراع. وهذا هو سؤال الحلقة: لماذا أحياناً أجري وراء أمور مشروعة، لكنني في النهاية لا أنالها أو لا أصل إليها؟
سنتناول سبباً من ضمن الأسباب المهمة من خلال حياة يعقوب، لأنه أيضاً شخصية أساسية في خطة الله التي سيتدخل بها في الأرض لينقذ الإنسان.
هذا أمر مهم جداً، لأنه يمكننا تطبيقه عملياً. نحن لا نأخذ مجرد رحلة تاريخية نرى فيها كيف كشف الله قلبه للبشر وكيف صنع خطته، بل نأخذ من هذه القصص تطبيقاً عملياً لحياتنا.
بالضبط. الكتاب المقدس يقول إن هذه ليست مجرد قصص كنا نسمعها في مدارس الأحد كجانب قصصي ممتع، بل هي في الأساس أمور روحية. لقد تحدثنا في الحلقات السابقة عن إسحاق وإسماعيل، وكيف أنهما يمثلان حقائق روحية. هاجر وسارة، قال الكتاب إن كل هذه الأمور هي رموز. فنحن نتحدث عن أمور روحية أساسية، وإن كانت قد جاءت في شكل قصة، لكنها في الأساس أعمدة روحية ترينا كيف نسير في الطريق.
فعلاً، كان هذا السؤال من الأمور الغريبة: كيف ألهث وأجري وراء أشياء، وفي النهاية قد لا أحصل عليها، رغم أنها من حقي؟ إنها لي أصلاً، وأنا أحاول أن أجري وراءها بذراعي.
ميلاد يعقوب العجيب
إذا أردنا أن نتعمق أكثر في هذه المحطة، فلندخل إلى قصة ميلاد يعقوب. بداية ظهوره كانت في تكوين إصحاح ٢٥.
محطتنا اليوم تبدأ من تكوين ٢٥. كنا قد تحدثنا سابقاً أن سفر التكوين ينقسم إلى جزأين: من الإصحاح ١ إلى ١١، والذي يحكي عن البدايات: الخلق، أخنوخ، نوح، الطوفان، وتشعب الأمم. وبداية من الإصحاح ١٢، بدأ السفر يحكي عن الآباء الأوائل، أو الآباء البطاركة، الذين من خلالهم سينحدر نسل الخلاص، وسيدخل الله إلى الأرض ليأتي يسوع ويخلص العالم، ويؤسس النسل الإلهي على الأرض. هؤلاء الآباء هم: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وأخيراً يوسف الذي يُختتم به سفر التكوين. فمن تكوين ١٢ إلى تكوين ٥٠، نحن نتحدث عن حقبة الآباء وما تم فيها.
بالنسبة ليعقوب، بدأت قصته من الإصحاح ٢٥، وسنرى كيف ارتبط ميلاده بإكمال الله لخطته على الأرض. هذه ليست مجرد قصة نحكيها للتسلية، بل فيها أمور عملية تخبرنا كيف نحيا. فكما قلنا، استخدم بولس نفس هذه القصص في العهد الجديد ليعلمنا كيف نتحرك في حياتنا.
- صراع منذ البداية
لم يكن ميلاده ميلاداً طبيعياً؛ لقد وُلد بمعجزة، فوالدته كانت عاقراً، وجاء بعد ٢٠ سنة من الزواج. ليس هذا فقط، بل جاء أيضاً بنبوة. نقرأ في تكوين ٢٥:
“١٩ وَهذِهِ مَوَالِيدُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: وَلَدَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ. ٢٠ وَكَانَ إِسْحَاقُ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمَّا اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، رِفْقَةَ بِنْتَ بَتُوئِيلَ الأَرَامِيِّ، أُخْتَ لاَبَانَ الأَرَامِيِّ مِنْ فَدَّانِ أَرَامَ.” تكوين ٢٥: ١٩-٢٠.
ما حدث هو أنها بقيت عاقراً لمدة ٢٠ سنة، ثم جاءت استجابة الصلاة.
“٢١ وَصَلَّى إِسْحَاقُ إِلَى الرَّبِّ لأَجْلِ امْرَأَتِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ عَاقِرًا، فَاسْتَجَابَ لَهُ الرَّبُّ، فَحَبِلَتْ رِفْقَةُ امْرَأَتُهُ.” تكوين ٢٥: ٢١.
لاحظ أنها لم تكن هي التي صلت، بل هو الذي صلى من أجلها.
بعد أن تم الحمل، مرت فترة تعرضت فيها رفقة لحالة كادت تقارب الموت. حدث شيء في الجنينين، حيث يقول الكتاب: “وَتَزَاحَمَ الْوَلَدَانِ فِي بَطْنِهَا“. هي لم تكن تعرف بعد إذا كان في بطنها طفل واحد أم اثنان، ولد أم بنت. لم تكن هناك أجهزة أشعة في ذلك الوقت. كان الأمر شديداً جداً لدرجة أن هذا الألم هو ما حركها لتصلي. هناك أناس لا يتحركون للصلاة أو لاتخاذ خطوة إلا عندما تحدث رجّة في حياتهم، وهذا ما حدث مع رفقة.
“٢٢ … فَقَالَتْ: “إِنْ كَانَ هكَذَا، فَلِمَاذَا أَنَا؟” فَمَضَتْ لِتَسْأَلَ الرَّبَّ.” تكوين ٢٥: ٢٢.
كانت تتساءل: “إن كنت قد حصلت على هذه المعجزة وسألد، فلماذا يحدث هذا الآن؟ لماذا أشعر وكأن المعجزة ستُجهَض مني؟ لماذا أنا؟”. بدأت تستفيق وتسأل. في البداية لم تسأل هي الرب، بل إسحاق هو الذي صلى من أجلها. فقال لها الرب عبر نبوة:
“٢٣ فَقَالَ لَهَا الرَّبُّ: “فِي بَطْنِكِ أُمَّتَانِ، وَمِنْ أَحْشَائِكِ يَفْتَرِقُ شَعْبَانِ: شَعْبٌ يَقْوَى عَلَى شَعْبٍ، وَكَبِيرٌ يُسْتَعْبَدُ لِصَغِيرٍ”.” تكوين ٢٥: ٢٣.
لقد اتضح أن ما في بطنها ليس مجرد مولود عادي، بل هو أمر عظيم له علاقة بخلاص العالم.
“٢٤ فَلَمَّا كَمُلَتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ، إِذَا فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ.” تكوين ٢٥: ٢٤.
اكتشفت في موعد الولادة أن في بطنها توأماً.
“٢٥ فَخَرَجَ الأَوَّلُ أَحْمَرَ، كُلُّهُ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ، فَدَعَوْا اسْمَهُ “عِيسُوَ”.” تكوين ٢٥: ٢٥.
هذا هو معنى اسم “عيسو”، أي أنه كثير الشعر.
“٢٦ وَبَعْدَ ذلِكَ خَرَجَ أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو، فَدُعِيَ اسْمُهُ “يَعْقُوبَ”.” تكوين ٢٥: ٢٦.
كان الجميع ينتظر من سيخرج أولاً، فاكتشفوا أن يعقوب خرج وهو ممسك بعَقِب عيسو، أي بآخر قدميه. حتى خروجه من البطن كان عجيباً. ميلاده كان معجزياً، وكانت هناك نبوة عن حياته قبل أن يولد، وهو ما ذكره الرسول بولس في رومية إصحاح ٩. لكن خروجه أيضاً لم يكن طبيعياً. من النادر أن يولد طفل بهذه الطريقة، وهو ممسك بقدم أخيه، وكأنه يريد أن يزاحمه ويجذبه لكي يخرج هو أولاً.
وهذا ما حدث فعلاً، وهذه هي السمة التي طبعت حياة يعقوب. عندما يتحدث النبي هوشع عن هذه الحادثة، يقول: “مِنَ الْبَطْنِ قَبَضَ بِعَقِبِ أَخِيهِ” هوشع ١٢: ٣.
إنه يروي كيف أنه منذ كان في بطن أمه، كان هناك نوع من الصراع والخناق في حياته. لذلك دُعي اسمه “يعقوب” (بالعبرية: יַעֲקֹב – Ya’aqov)، وهي كلمة مشتقة من “عَقِب”، وتعني الشخص الذي يمسك بالكعب، وبمعنى مجازي: “المحتال”، “المخادع”، الذي يريد دائماً أن يتقدم ويحتل المركز الأول.
“وَكَانَ إِسْحَاقُ ابْنَ سِتِّينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْهُمَا.” تكوين ٢٥: ٢٦.
- شخصيتان متناقضتان
هذه كانت بداية حياة يعقوب، وكيف وُلد، وكيف كان منذ البداية يريد أن يسبق عيسو في الخروج.
“٢٧ فَكَبِرَ الْغُلاَمَانِ. وَكَانَ عِيسُو إِنْسَانًا يَعْرِفُ الصَّيْدَ، إِنْسَانَ الْبَرِّيَّةِ، وَيَعْقُوبُ إِنْسَانًا كَامِلاً يَسْكُنُ الْخِيَامَ.” تكوين ٢٥: ٢٧.
كان لعيسو اتجاهاته الخاصة؛ رجل البرية والصيد، شخص عنيف. وسنكتشف الآن أن الأمور الروحية لم تكن في حسبانه أساساً، ولم يكن يفكر فيها. أما يعقوب، فكان “إنساناً كاملاً يسكن الخيام”. كان شخصاً يجلس في البيت، ويهتم بأمور البيت، لكن جلوسه في البيت لم يكن عادياً. كان يجلس ليدرس الكلمة.
نعم، كان يذاكر. لم يكن مجرد رب منزل، وإن كانت المشاهد التي ظهر فيها تظهره وهو يحضر الطعام. لا، بل كان يجلس ليدرس الكلمة. كان شخصاً روحياً يحب الكلمة، لكنه كان لا يزال يسعى ليأخذ ما في الكلمة بطريقته الخاصة، بأمور جسدية.
وهذا ما نفعله نحن في أوقات كثيرة كمؤمنين؛ نسعى وكأننا نُخضِع الأمور لإرادتنا. رغم أنني أعرف الكلمة وأريد أن أسير فيها، إلا أنني أسعى في بعض الأوقات قائلاً: “حسناً، هذه الطريقة لا تنفع، سأحاول أن أساعد الرب في هذا الأمر”. وهذا ما بدأته سارة عندما حاولت مساعدة إبراهيم، فقالت: “لنساعد الرب، ربما تنجب هاجر ولداً، ومن خلاله يأتي النسل”.
لقد كان يعقوب إنساناً كاملاً يسكن الخيام، يدرس ويجلس في الخيمة، ومسؤولاً عن شؤون البيت. لقد عاصر يعقوب جده إبراهيم، وعاش آخر ١٥ سنة من حياة إبراهيم، ولحق به. فمن الطبيعي أنه تقابل معه واحتك به. كما أنه لحق بـ ٥٠ سنة من حياة سام بن نوح، وتقابل معه. وحسب الأعراف اليهودية، فإنه درس أيضاً في مدرسة سام. أي أنه تعلم على يدي سام، الذي علّمه عن الله، وكيف خلق الخليقة، وكيف تشعبت الأمم منهم. لقد استطاع أن يدرك قلب الله ويفهمه، وهذا ما ولد بداخله محبة للرب بشكل مختلف.
هذا حقيقي، وهذا ما سيظهر لاحقاً في الاتجاه الذي سيأخذه عيسو. لقد اتخذ عيسو اتجاهاً غريباً بعيداً عن الرب، ولم تكن الأمور الروحية تهمه، وهو ما سنراه في الأعداد القادمة. على عكس يعقوب، كانت هذه الأمور تهمه. كانت البكورية تهمه لأنه فهم أنها شيء روحي. كان يقول: “أنا أريد أن آخذ هذا الشيء”. لقد فهم أنها شيء روحي، له علاقة بخلاص العالم، وفهم أن الأمر كبير وليس سهلاً، لكنه سعى للحصول عليها بطرق خاطئة.
- تمييز كارثي في الأسرة
“٢٨ فَأَحَبَّ إِسْحَاقُ عِيسُو لأَنَّ فِي فَمِهِ صَيْدًا، وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَانَتْ تُحِبُّ يَعْقُوبَ.” تكوين ٢٥: ٢٨.
لقد حدث تمييز في الأسرة، بداية من إسحاق ورفقة. لقد زرعا التمييز، وكان هذا الأمر كارثياً فيما بعد. والمؤسف أن يعقوب لم يتعلم الدرس، وزرع نفس التمييز بين أولاده. فكان أحد أسباب كراهية إخوة يوسف له هو أنه كان محبوباً أكثر منهم. هكذا يفعل التمييز في الأسرة عندما لا ينتبه الأب والأم، أو عندما يحبون طفلاً عن طفل لأنه أذكى، أو لأنها أجمل، أو لأنه يمتلك شيئاً لا يمتلكه أخوه، أو لأنه مفضل في أمر ما. هذا الأمر صعب جداً، ويؤذي كل الأطراف.
هذه كانت بداية حياة يعقوب، بداية تكوينه. كيف جاء بطريقة معجزية، وحتى خروجه كان غريباً، أن يخرج وهو قابض بعقب أخيه، لا يتركه، وكأنه يقول: “أنا وراءك وراءك”.
هذا صحيح، فهو محتال فعلاً. وهذه إحدى معاني اسمه، أنه في حالة احتيال دائمة ليأخذ ما يريده، لكي تكون له الأسبقية، ولكي يكون هو المتقدم دائماً.
مظاهر الصراع في حياة يعقوب
إذا أردنا أن نسير في حياة يعقوب لنفهم كيف بدأت فكرة “التعقب” والمخادعة في حياته، وكيف تجلت، يمكننا أن نرى ذلك بوضوح. لقد تحدثنا قليلاً عن ميلاده، ولكن ما الذي حدث بعد ذلك وأظهر فكرة أنه كان يحاول طوال الوقت أن يأخذ الأمور بذراعه؟ وكأنه مر بتجربة تلو الأخرى، ولكنه أصر على أن يكمل بذراعه.
- خداع البكورية: السعي بالذراع البشري
في نفس الإصحاح، تكوين ٢٥، نرى حادثة “خداع البكورية”.
لكي يصبح هو البكر… دعنا نتذكر أن الرب كان قد تنبأ عنه، دون أن يفعل يعقوب أي شيء، من خلال النبوة التي سمعتها رفقة، بأن الكبير (عيسو الذي خرج أولاً) سيُستعبد للصغير. فالأمر كان محسوماً.
كانت بركته مختومة ومؤكدة وموثقة ومنتهية، لكنه ظل يسعى إليها بأي طريقة ليأخذها.
نعم، حتى والدته كانت تفهم هذا جيداً. كانت تفهم أن هناك كبيراً وصغيراً، ومن الذي سيُستعبد لمن، أي من الذي سيأخذ البركة في النهاية. ورغم ذلك، كأنها علمته… نعم، هي علمته فعلاً… علمته أنه عندما تواجهك عقبة، خذ ما تريد بذراعك، وحاول أن تساعد الأمر.
سنرى هذا في المرة التالية من الخداع، حيث ساعدته هي. لقد قلنا إنها ربما لم تكن تفهم الأمر بالكامل، لكن النبوة كانت واضحة: هناك كبير وصغير. وحتى لو كانا توأماً، فدائماً ما يُسمى الذي يخرج أولاً هو الكبير. لقد كانت تفهم هذا جيداً، ولم يكن الأمر مجرد أنها ستحابي من تحبه، بل كانت تعرف جيداً ما تفعله.
لقد كانت تعرف، لكنها كانت “تساعد الرب” بطرق بشرية. كانت لا تزال تسلك بطرق بشرية، قائلة: “لنفعلها بالطريقة التي أراها مناسبة”، حتى لو كان فيها خداع وكذب، وحتى لو اضطررنا أن نختلق تمثيلية وقصة. حدث هذا في المرة الثانية، أما في المرة الأولى، فنقرأ في العدد ٢٩:
“٢٩ وَطَبَخَ يَعْقُوبُ طَبِيخًا، فَأَتَى عِيسُو مِنَ الْحَقْلِ وَهُوَ قَدْ أَعْيَا.” تكوين ٢٥: ٢٩.
كان يعقوب ماهراً في الطبخ، فهو أول شخص يُذكر عنه أنه طبخ في الكتاب المقدس. في ذلك الوقت، كان عيسو عائداً من الحقل وهو متعب. يُقال إنه في ذلك اليوم كان مطارداً، بعد أن قتل نمرود، وكان خدام نمرود يطاردونه، فعاد إلى البيت وهو في حالة إعياء شديد. وفي ذلك الوقت، كان يعقوب يحضر طبيخاً من العدس.
“٣٠ فَقَالَ عِيسُو لِيَعْقُوبَ: «أَطْعِمْنِي مِنْ هذَا الأَحْمَرِ لأَنِّي قَدْ أَعْيَيْتُ». لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهُ «أَدُومَ».” تكوين ٢٥: ٣٠.
النسل الذي جاء من عيسو سُمي “أدوم”، لأن كلمة “أدوم” تعني “أحمر”.
وهنا، أظهر يعقوب طبيعته كشخص يستغل الفرص وينتهزها. قال له: “حسناً، أنت جائع وتريد أن تأكل”.
“٣١ فَقَالَ يَعْقُوبُ: «بِعْنِي الْيَوْمَ بَكُورِيَّتَكَ».” تكوين ٢٥: ٣١.
كانت حقوق البكر تشمل أن “البكورية” شيء روحي في الأساس. نعم، كان فيها جزء مادي، حيث كان البكر يأخذ نصيب اثنين ليكون هو المسؤول عن العائلة بعد والده، ويعولها، ويكون بمثابة الحاكم والنبي والكاهن للعائلة. لقد كان يعقوب يفهم أن البكورية شيء روحي عظيم، مرتبط بأن ينال الشخص البركة، لكنه سعى إليها بطريقته الخاصة، وليس بطريقة الله، مع أن الرب كان قد حسم الأمر منذ البداية.
سوف نرى لاحقاً أن البكورية ليست مرتبطة بمن يولد أولاً. لقد اكتشفنا أن الرب غيّر هذا المفهوم. يعقوب نفسه فهم هذا لاحقاً في حياته. عندما أحضر له يوسف ابنيه ليباركهما، أحضر منسى، الابن الأكبر، ليضع يعقوب يده اليمنى عليه، وأفرايم الأصغر ليضع يده اليسرى عليه. لكن يعقوب عكس يديه، فوضع يده اليمنى على أفرايم، ويده اليسرى على منسى، صانعاً علامة الصليب. لقد فهم حينها أن البكورية ليست مرتبطة بمن يأتي أولاً، وأن الأمر مختلف في نظر الرب.
ولكن في ذلك الوقت، كان لا يزال يسعى. إذا قارنا بين قلبيهما، نجد أن يعقوب كان يفهم الأمر روحياً وحاول أن يناله بيديه، بينما عيسو، ربما كان يفهم الأمر أيضاً، لكنه فهمه بشكل مادي بحت. كان الأمر بالنسبة له مجرد أكل وشرب، ويمكنه أن يبيعه بسهولة ويسترده بسهولة. ولهذا السبب ذهب إلى أبيه لاحقاً وقال له: “ألا يوجد لديك بركة أخرى؟ ألا يوجد القليل المتبقي؟”.
فالأمر، حتى لو أخطأ يعقوب في الطريق، كان قلبه هو ما جذب البركة إليه.
هذا حقيقي. لقد انتهز يعقوب الفرصة، واستغل جوع أخيه. ومن ناحية أخرى، كان عيسو شخصاً مستهتراً ومستبيحاً، كما سنقرأ عنه الآن. لكن يعقوب، لأنه كان يفهم حقاً أن البكورية والبركة شيء عظيم وليس سهلاً، وأن لها علاقة بالوعد الذي أُعطي لإبراهيم بأن في نسله ستتبارك جميع قبائل الأرض، أدرك أن الأمر لا يتعلق به كفرد أو بمجرد حصوله على بركات أرضية، بل سيترتب عليه كل ما هو آتٍ. لقد فهم أن أباه إسحاق كان هو النسل المختار، ولم يأتِ من إسماعيل، والآن الأمر يتعلق بأحد الابنين. مع أن الرب كان قد حسم الأمر، إلا أنه ظل يسعى بطريقة انتهازية، وكأنه يريد أن “يُنجز الأمر للرب” ويساعده فيه. لقد خطط بالجسد.
قد يبرر البعض ما فعله يعقوب قائلين: “ما هي كانت له أساساً!”. نعم، حتى لو كانت له، فليس له الحق أن يخطط ويسير بالجسد أو بالخداع. الله ليس في صف الخداع.
المسألة ليست مجرد السعي بالجسد، بل هي فكرة الخداع والمكر، وطريقة تتعارض تماماً مع ما يفعله الله. هذه ليست الطريقة التي سيتحرك بها الله. حتى عندما فكر وشغل عقله، شغله بطريقة خاطئة. الله يريد من الإنسان أن يهدأ ويرتاح، حتى لو رأى الأمور تسير عكس ما يتوقع.
وهذا هو مبدأ الإيمان. قد أجد أن الواقع يسير عكس ما أعرفه في الكلمة، وما قيل لي فيها. هنا، أحتاج أن أُهدّئ نفسي وأرتاح وأستقر، وألا أكون في حالة من العجلة التي تدفعني لإنجاز الأمر بطرق بشرية. عندما أقول “بالجسد”، فكما شرح القس، أعني أن الشخص يستخدم طرقاً بشرية، وحكمة بشرية، وأساليب فيها تشويش. وسنكتشف أنه بسبب ما فعله يعقوب، ضيّع أكثر من ٢٠ سنة من حياته. ولهذا السبب، عندما أحضرنا الشاهد في البداية، وهو يشهد عن الـ ١٣٠ سنة التي قضاها، قال، مع أنه كان مباركاً قبل أن يولد، إنه لم يتذوق البركة ولم يستطعمها.
رغم أن البركة جاءته في صورة ماديات وأولاد، إلا أنه لم يستمتع بها، ووصف حياته بأنها كانت “قليلة ورديّة”، مليئة بالشقاء والتعب، على عكس ما عاشه إبراهيم وإسحاق.
كان يعقوب أيضاً خائفاً، وأراد أن يشتري شيئاً هو ملكه أساساً. فلو أخذنا الأمر كتابياً، كما قال الرب لرفقة، فهي له. كان عليه أن يهدأ ويطمئن. لكنه كان يسعى ليأخذها.
الصفقة التي تمت… كان يعقوب شاطراً في الصفقات. لقد كان انتهازياً ويجيد استغلال الفرص. لكنه سيقابل من هو أكثر خداعاً منه. لأنه كان يسير بالجسد، وبطريقة خاطئة، وكالشخص الذي يظن نفسه ذكياً ويقول: “أنا أعرف كيف أحصل عليها”، سيقابل من هو أشطر منه. لأنه لم يكن يسير بالحكمة الإلهية، خدعه لابان ١٠ مرات. وقال يعقوب للابان: “لولا أن الرب كان معي، لكنت أخرجتني فارغاً من عندك بعد ٢٠ سنة من الخدمة”.
أصلاً، الصفقة التي تمت لم تكن شرعية. عيسو لم يكن يملك البكورية ليعطيها، ويعقوب كان يملكها ومع ذلك اشتراها. فهي في الحقيقة لم تكن صفقة شرعية، ولم تكن شيئاً يُباع ويُشترى.
- عيسو: نموذج الاستهانة بالأمور الروحية
في عبرانيين ١٢، يعلق الرسول بولس على هذه الحادثة، وقد شرحها لنا القس باستفاضة، لأنها نقطة خطيرة، والكتاب يعلمنا كيف أن الشخص عندما يستهين بأمور معينة، فإن ذلك قد يقوده إلى مكان آخر، وقد يبعده عن خطة الله لحياته أساساً.
يقول الكتاب:
“١٦ لِئَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ زَانِيًا أَوْ مُسْتَبِيحًا كَعِيسُو، الَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ.” عبرانيين ١٢: ١٦.
لأجل أكلة واحدة، طبق واحد من العدس! صحيح أنه كان يُطهى بطريقة شهية، مع البصل والثوم، وله رائحة مؤثرة، وواضح أن عيسو ورث حب الطعام من أبيه إسحاق، الذي أحبه “لأن في فمه صيداً”. لكنه لأجل أكلة واحدة، باع بكوريته.
الكتاب وصفه بوصفين هنا:
- الزاني (باليونانية: πόρνος – pornos): وهي الكلمة التي تأتي منها كلمة “إباحي”. وهي لا تصف فقط الشخص الزاني جسدياً، بل تصف أيضاً الشخص الذي يبيع أي شيء بسهولة. لا يوجد شيء غالٍ عليه.
- المستبيح (باليونانية: βέβηλος – bebēlos): وقد شرح القس أن هذه الكلمة تعني “مداس”، أي مكان يدوسه أي شخص. فكره مسرح لأي فكرة، وكل شيء مقبول لديه، وليس عنده خطوط حمراء. كانت هذه الكلمة تُطلق على المناطق التي خارج المعابد. فكان يُقال: “هذه المنطقة مقدسة، تابعة للمعبد”، أما المنطقة التي خارجها، ولو يفصلها جدار، فهي “ليست مقدسة”. ولهذا، فإن عكس كلمة “مستبيح” في اليونانية هي كلمة “مقدس”، أي “مُفرز”، “مخصص”، “محفوظ لشخص معين”.
لم يكن الأمر يهم عيسو. ولهذا قال في آخر الآية في سفر التكوين، وهو يستهتر:
“٣٢ فَقَالَ عِيسُو: «هَا أَنَا مَاضٍ إِلَى الْمَوْتِ، فَلِمَاذَا لِي بَكُورِيَّةٌ؟».” تكوين ٢٥: ٣٢.
هذه تشبه لغة شخص اليوم يقول: “ماذا سأستفيد من الاجتماعات؟ ماذا سأستفيد من دراسة الكلمة؟ لم تفدني بشيء”. هناك أناس يقولون: “بماذا أفادني الرب؟”. أو قد يقولها الناس لهم: “أنت تذهب إلى الاجتماعات وتدرس الكلمة، وها أنت متعب، بماذا نفعك الرب؟”.
هذه كانت لغة عيسو: “ماذا ستفعل لي البكورية؟”. لقد تعامل معها كشيء لا قيمة له، استرخصه وباعه بسهولة.
“٣٣ فَقَالَ يَعْقُوبُ: «احْلِفْ لِيَ الْيَوْمَ». فَحَلَفَ لَهُ، فَبَاعَ بَكُورِيَّتَهُ لِيَعْقُوبَ.” تكوين ٢٥: ٣٣.
لم يكن لديها الهيبة والتقدير في نظره، على عكس يعقوب. على عكس المخافة التي كانت عند يعقوب، الذي كان يفهم الوعود والنبوات التي قيلت لإبراهيم، ويفهم أن الموضوع كبير، وليس مجرد…
حتى لو لم يكن يدركه بالكامل، كان يفهم أن البكورية شيء غالٍ جداً جداً، ولا يمكن التفريط فيه بسهولة. وكان يرى هذا في أخيه، أنه فرّط بها بسهولة، فاستغل هذه النقطة فيه.
عيسو أيضاً من الأشخاص الذين يستسلمون تحت الضغط. يقول الكتاب إنه عندما جاء، كان “قد أعيا”، جائعاً ومتعباً. هناك أناس، بمجرد أن يمروا بموقف يضغط عليهم، يبيعون بسهولة. ولهذا، كما قلنا، فإن إحدى معاني كلمة “زاني” هي “شخص يبيع بسهولة”. بمجرد أن يجوع، يسهل عليه أن يتلفظ بألفاظ معينة. بمجرد أن يضايقه أحد، يبيع بسهولة. الأمور ليست غالية عليه، ولم يضع خطوطاً حمراء لنفسه قائلاً: “لا، مهما حدث، لن أفعل كذا”. هو عند الظروف، ببساطة يترك ويبيع أي شيء، حتى لو كان غالياً.
ربما هذا أحد الأسباب التي جعلت الله لا يختار عيسو. لم يستطع أن يأتمنه. قد نفكر: “لماذا لم يختر الله عيسو؟”. هل كان هذا سبباً قوياً ومهمّاً، أم أنها مجرد بركة وانتهى الأمر؟
هذا من الأسباب فعلاً. والكتاب يقول: “أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ” ملاخي ١: ٢-٣. “أبغضت” هنا لا تعني الكراهية، فالرب لا يكره الأشخاص ويحب الأشخاص.
هل الله هو الذي وضعه في هذا الموقف، أم أنه بعلم الله السابق رأى أن قلب عيسو يميل إلى هذا الاتجاه؟ هل الله كتبها عليه، كما يقولون؟
لا طبعاً، ليس “المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين” كما نسمع. الرب يعرف بمعرفته السابقة، لكن الاختيار بالكامل هو اختيار الإنسان، حسب المعطيات والمعلومات التي لديه. فالاختيار بالكامل كان اختيار عيسو أن يسلك بهذه الطريقة، وهذا ما أخرجه من القصة. هنا، اختيار الله ليس له علاقة بذهاب شخص إلى السماء أو الجحيم، بل هو اختيار لمنصب معين، لمكانة معينة: “أنت الشخص الذي سأستخدمه، وسأبارك من خلالك العالم، وسآتي من خلالك إلى الأرض”.
فالاختيار كان لمنصب، لائتمان على أمر معين. نفس عيسو، بعد ذلك في الإصحاح التالي، يقول الكتاب إنه ذهب وتزوج من الكنعانيات. هل هذا شخص يُؤتمن أن يأتي من خلاله المسيح؟ شخص بدأ يضع نفسه مع العالم ويرتبط به؟ أليس هؤلاء هم الناس الذين قال عنهم إبراهيم لعبده: “لا يمكن أن أُزوّج ابني من أهل أرض كنعان، يجب أن تذهب إلى أرضي لتأتي لابني بزوجة من هناك”، أي من نفس الخامة التي تعرف الله.
لقد رأى أن أباه أوصى يعقوب قائلاً: “تزوج من أهل بيتك”. لقد رأى هذا، وإذا حُكيت له قصة زواج أبيه، وكيف أن إبراهيم رفض أن يرتبط بأهل الأرض، فقد كان يفهم. يقول الكتاب إن زوجات عيسو “مرّرن” حياة أبيه وأمه. في آخر تكوين ٢٦، يقول إنهما كانتا “مرارة نفس” لهما. كنّ يذبحن لآلهتهن، ويُبخّرن لها. لدرجة أن بعض اليهود يعتقدون أن نظر إسحاق ضعف من كثرة الدخان الذي كان يتصاعد من بخورهن. قد لا يكون هذا صحيحاً بالكامل، لكنه يصور مدى المرارة التي سبّبتاها لقلبيهما.
في بيت إبراهيم، أصبح هناك من أدخل العبادة الوثنية، ولم يعد البيت بالكامل للرب. هذه واحدة من الأسباب التي جعلت عيسو شخصاً لا يُؤتمن، لأنه يبيع الأمور الروحية بسهولة. بسهولة، من أجل مباراة، قد لا يذهب إلى الاجتماع. ونحن الآن ندخل على شهر مشهور بأمور معينة، مسلسلات وبرامج، فبسهولة قد يقول شخص: “أريد أن أحضر هذا البرنامج”، فيفوت اجتماعاً على “زووم” أو صلاة أو تلمذة، من أجل أن يحضر ما يريد. إنه يبيع بسهولة.
لقد قالها عيسو: “لا يهمني، ماذا ستفعل لي؟”. هذه هي لغة حال الكثيرين، أو حتى أفكار يرميها إبليس على ذهنك: “ماذا استفدت؟ أنت تحضر، وإلى أين وصلت؟”. فيُحبط الشخص ويبيع.
ما فائدة هذه الأمور التي أفعلها؟ ما فائدة كل شيء؟ حتى أهلنا قد يقولونها لنا، سواء كانوا على صواب أم خطأ. سواء كنا شباباً أم كباراً، أو حتى أنا نفسي، فإن الروح القدس ينبهنا: “انتبه، لا تستهن بهذه الأمور الصغيرة، لا تبعها بالرخيص. لا تبعها من أجل فكرة، أو لعبة، أو خروجة مع أي شخص تحبه وتريد أن تقضي معه وقتاً، بينما هو يزرع فيك أموراً أبعد ما تكون عن الله”.
أتمنى أن تفكروا في هذا الكلام كثيراً جداً، لأنه قد يضع حياتك في منحدر آخر تماماً. هناك بركة ومجد وخير يريد الرب أن يضعك فيه، لكن الوضعية التي تضع نفسك فيها وتستقبل بها الأمور هي التي تكمل حياتك، وتشكلها، وترسمها. أتمنى أن تفكروا في هذا الكلام. دعونا نخرج إلى فاصل وأنتم تتذكرون هذا الكلام، وتتساءلون: “هل أنا أسير في حياتي هكذا بلا هدف، أم كيف أتحرك؟ ما هي الخطة التي وضعها الله، وهل أنا أسير فيها، أم أنني أسير مع العالم، أستقبل أي فكرة تُرمى عليّ، وأوافق على أي شيء وأقول: ‘لتسير الأمور’، وأتنازل بسهولة عن أي شيء غالٍ؟”.
لماذا يهرب ما نسعى إليه؟
لقد أوضحتم كثيراً من قبل أن “الأمر الذي تفكر فيه سيهرب منك”. قد تتساءل: “هل هذا يعني أنني لا يجب أن أفكر في الأمر الذي أمارس إيماني لأجله؟ فلا بد أن أركز فيه!”. دعني أصوغها لك بطريقة تفهمها بشكل أفضل. يقول الكتاب في سفر الأمثال ٢٣:
“٤ لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيًّا. كُفَّ عَنْ فِطْنَتِكَ. ٥ هَلْ تُطَيِّرُ عَيْنَيْكَ نَحْوَهُ وَلَيْسَ هُوَ؟ لأَنَّهُ إِنَّمَا يَصْنَعُ لِنَفْسِهِ أَجْنِحَةً كَالنَّسْرِ يَطِيرُ نَحْوَ السَّمَاءِ.” أمثال ٢٣: ٤-٥.
“لا تتعب لكي تصير غنياً، كُفَّ عن الاعتماد على طريقة تفكيرك”. هذا لا يعني أن الرب يريد للإنسان أن يكون فقيراً، لا، بل المقصود هنا هو: “كُفَّ عن الاعتماد على بشريتك وقناعاتك”. ثم يقول له أمراً مهماً جداً، قد لا يكون واضحاً في الترجمة العربية، وهو في العدد ٥: “هل تطير عينيك نحوه وليس هو؟ لأنه إنما يصنع لنفسه أجنحة كنسر يطير نحو السماء”. ما معنى هذا الكلام؟
الترجمات الأخرى توضح المعنى كالآتي: “الأمر الذي ستركز عليه (بطريقتك الخاصة) سيركب أجنحة ويطير ويتركك”.
قد تقول لي: “هل هذا يعني أنني لو فكرت في أمر ما لأمارس إيماني فيه، فإنه سيهرب مني؟”. سأقول لك: “نعم، إذا فكرت فيه بطريقة خاطئة، بفطنتك أنت”. الأمر الذي تفكر فيه بزيادة عن الحد، يهرب منك. لهذا السبب يقول بعض الناس: “لا أعرف لماذا كلما اقتربت من هذا الموضوع، أجده يزداد سوءاً”. هناك عدة أسباب، وليس بالضرورة أن يكون هذا هو السبب الوحيد، لكن أحد الأسباب هو أن الشخص يصبح منشغلاً بالموضوع لدرجة أن حياته تتوقف وتتعطل. يصبح تفكيره: “إن لم يحدث كذا، فلن أسير مع الرب، ولن أستطيع أن أكمل”. فيبدأ الشخص في رؤية المشكلة كحالة من التشبث الشديد. هل تعرفون حالة التمسك الشديد (tenacious)؟ مثلما يمسك كلب بعظمة بشدة ويصعب انتزاعها منه. هناك أناس يمسكون بالمعجزة بصورة غريبة، ويبدأ عقلهم يقول: “أنا أفعل هذا لأنني أمارس إيماني”، وتبدأ حياتهم كلها تُبنى على هذا الموضوع.
إذاً، ما هي الصياغة السليمة؟ ما هو التصرف الصحيح؟ لكي أركز على أمر ما حتى أستطيع أن أناله، يجب أن أركز فيه وأسمع تعليماً عنه، هذا صحيح. لكن المشهد الصحيح السليم هو أن أرى كيف يرى الرب هذا الأمر، وأراه أنا من خلال الرب. هذا هو الفكر الكتابي السليم. بمعنى، أنشغل بالرب في كل جوانب الموضوع، وفي جوانب أخرى أيضاً، وأتوقف عن تعطيل حياتي والوقوف عند هذه النقطة فقط، وكأنها هي الشغل الشاغل الوحيد وموضوع الساعة بالنسبة لي.
بمجرد أن تفعل ذلك، وتبدأ في الانشغال به (وبين قوسين، تظن أن هذا هو ممارسة الإيمان)، فأنت تجعل هذا الأمر يركب أجنحة ويطير. لكن التصرف الصحيح هو أن تبدأ في رؤية كيف يرى الرب الموقف، ويصبح هذا الموضوع جزءاً من رغبتك في معرفة الرب بشكل عام وشامل.
عيسو والبكورية
وفي الجزء الأخير من إصحاح ٢٥ الذي كنا نقرأه، أعطى الكتاب تعليقاً، فرغم أن الخداع حدث من يعقوب، إلا أن التركيز كان على عيسو: “فَاحْتَقَرَ عِيسُو الْبَكُورِيَّةَ“. وكأن موسى وهو يكتب كان حزيناً على ما يحدث.
هناك أمور لا يجب أن تُباع. يقول سفر الأمثال: “اِقْتَنِ الْحَقَّ وَلاَ تَبِعْهُ” أمثال ٢٣: ٢٣. ليست كل الأمور قابلة للبيع بسهولة. لهذا السبب علّق الرسول بولس وقال: “لأجل أكلة واحدة”. لقد كان عيسو يبيع بسهولة.
أما يعقوب من الناحية الأخرى، فقلنا إنه شخص انتهازي يريد أن يسعى للأمور كما كان القس يشرح في الفاصل من سفر الأمثال. عندما يتكلم الكتاب عن “كُفَّ عن فطنتك”، أي كُفَّ عن ذكائك الذي تظنه ذكاءً، وفطنتك التي تظنها فطنة، وقدرتك على أن تخدع وتلم الدنيا وتأخذ ما تريد بذراعك. “لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيًّا“، ورغم أنه كان يتكلم عن الغنى، إلا أن المبدأ يمكن تطبيقه على أي شيء.
إنه سيركب أجنحة ويطير طالما أنك لا تسعى للشيء بطريقة إلهية. يعقوب لم يكن يسعى للبكورية بطريقة إلهية، لأنها إلهياً كانت مُعطاة له. لم يكن محتاجاً أن يفعل أي شيء، فهي مُعطاة له إلهياً. لو لم يكن قد اشتراها من عيسو، لكان الرب قد دبر أمراً إلهياً بالتأكيد، فالرب تكلم عن هذا منذ البداية. كان يعقوب محتاجاً فقط أن يثق في الرب. وهذا ما سنراه في الخداع الثاني.
لهذا السبب، استبعد عيسو نفسه من أن يكون ضمن الاختيار الإلهي لأمور رائعة. هناك أناس يستبعدون أنفسهم. الرب يريد أن يعمل أموراً رائعة وعظيمة في الأرض. لماذا يوجد أناس عظماء وأناس قد يكونون قليلين جداً في ملكوت الله؟ لأن هناك أناساً يستبعدون أنفسهم باستمرار، وليس لأن الرب رسم لهذا أن يكون هكذا ولذاك أن يكون هكذا. طبيعي أن لكل واحد خطة، ولكن لكل واحد داخل خطته، رسم له الرب أن يكون عظيماً، لكن هناك أناس يستبعدون أنفسهم طوال الوقت.
ما حدث في حياة يعقوب هو أنه لم يعرف كيف يستمتع. هو أخذ البركة، وأخذ البكورية، لكنه عاش مطارداً وذهب وتعب كثيراً. فالأمر لم يكن كما أراده الله على الإطلاق.
الخداع الثاني: سرقة البركة
لم يكن هذا ما تم التنبؤ به. الخداع الثاني حدث في إصحاح ٢٧ من سفر التكوين. الخداع الأول كان خداع البكورية، والثاني كان خداع البركة. أو لو أردنا أن نحسب ولادته وهو يمسك بعقب أخيه، فيمكن اعتبارها المحاولة الأولى.
في خداع البركة، لم يأتِ الأمر منه، بل جاء من أمه. يقول في إصحاح ٢٧:
“١ وَحَدَثَ لَمَّا شَاخَ إِسْحَاقُ وَكَلَّتْ عَيْنَاهُ عَنِ النَّظَرِ، أَنَّهُ دَعَا عِيسُوَ ابْنَهُ الأَكْبَرَ وَقَالَ لَهُ…” تكوين ٢٧: ١.
إسحاق نفسه لم يكن مميزاً روحياً في ذلك الوقت، ولم يكن يسير بطريقة صحيحة، ولهذا سيفيق بعد قليل.
“٢ فَقَالَ: «هَا أَنَذَا قَدْ شِخْتُ وَلَسْتُ أَعْرِفُ يَوْمَ وَفَاتِي».” تكوين ٢٧: ٢.
في الحقيقة، هو عاش بعد هذا الوقت. واضح أن إسحاق كان يتكلم بهذه الطريقة لأنه كان يعاني من مرض ليس سهلاً، وكان يظن أنه سيموت بسببه، وأنه يريد أن يعطي بركته الأخيرة. لكنه عاش بعد هذه الحادثة أكثر من ٤٣ سنة.
“٣ فَالآنَ خُذْ عُدَّتَكَ: جَعْبَتَكَ وَقَوْسَكَ، وَاخْرُجْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَتَصَيَّدْ لِي صَيْدًا، ٤ وَاصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً كَمَا أُحِبُّ، وَأْتِنِي بِهَا لآكُلَ حَتَّى تُبَارِكَكَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ».” تكوين ٢٧: ٣-٤.
بسبب شهوة الأكل أو حب الأكل فقط! وليست هذه هي المسألة الوحيدة، لأننا سنكتشف أنه عندما جهز يعقوب نفس الطعام، لم يفرق إسحاق بينهما، أي أن طعام عيسو لم يكن الأشهى. نعم، عيسو كان سيأتي بصيد من البرية، لكن نفس الطعام الذي أعدته رفقة وقدمه يعقوب لأبيه إسحاق، لم يميزه. القصة لم تكن في الطعام بقدر ما كان قلبه مأخوذاً بعيسو ومنبهراً به، بشطارته، وبأنه يعرف الصيد، شخص مبارز يذهب إلى الحقل ويطارد الفرائس، شخص ليس سهلاً. لقد انبهر بهذا، وانجرف وراءه.
- مؤامرة رفقة ويعقوب
“٦ وَأَمَّا رِفْقَةُ فَكَلَّمَتْ يَعْقُوبَ ابْنَهَا قَائِلَةً…” تكوين ٢٧: ٦.
الآن، جاء التخطيط من رفقة. التخطيط الأول كان من يعقوب، أما هذا فجاء من رفقة. وهنا نعرف لماذا يخرج الأبناء هكذا. هي لا تزال تحب الرب، ولا تزال تعرف النبوات، وتعرف أن هذا شيء روحي، لكنها، مثل سارة، تريد أن “تساعد الرب” بأي طريقة. سارة كانت تعرف أنه سيكون لها نسل، وأن هذا النسل مهم، لكنها ساعدت الرب بطريقتها. رفقة ارتكبت نفس الخطأ.
وكأنه توارث للأمر، ولم يوقفه أحد. أي شيء أرى أبي وأمي يفعلانه، أو أجدادي يفعلونه في البيت، إن لم أتخذ قراراً داخلياً، دون أن أدينهم أو أحكم عليهم، بأنني لن أسلك مثلهم، وأتخذ قرارات بناءً على ذلك، سأجد نفسي قد فعلتها تلقائياً. قال الرب يسوع للفريسيين: “أنتم تقولون لو كنا في أيام آبائنا لما قتلنا الأنبياء، وأنتم الآن تريدون أن تفعلوا مثلهم، وأنتم تبنون قبورهم”. قد يقول شخص: “أبي كان عصبياً جداً، أنا عمري ما سأكون عصبياً”، أو “أبي كان يعامل أمي بطريقة صعبة جداً، أنا عمري ما سأعامل زوجتي في المستقبل بهذه الطريقة”. لكن إن لم يتخذ قراراً واضحاً في هذه النقطة، سيتزوج وسيعامل زوجته بنفس الطريقة التي كان أبوه يعامل بها زوجته.
يمكننا القول إن يعقوب لم يكن صغيراً في ذلك الوقت، وكان بإمكانه أن يقول: “أنا لا أريد أن أكمل بهذه الطريقة. أنا أثق أن الرب سيجلب لي هذه البركة، ولست محتاجاً أن أجري وراءها أو أعافر”. لأنه سيبدأ الآن حتى في استخدام اسم الرب بطريقة خاطئة، وسيدخل الله في الموضوع. مثل الشخص الذي يسرق أو يفعل شيئاً خاطئاً ويقول: “يا رب استرها عليّ وأنا أسرق”. يفعل الخطأ ويدخل الله في الموضوع.
“٧ …«ائْتِنِي بِصَيْدٍ وَاصْنَعْ لِي أَطْعِمَةً لآكُلَ وَأُبَارِكَكَ أَمَامَ الرَّبِّ قَبْلَ وَفَاتِي». ٨ فَالآنَ يَا ابْنِي اسْمَعْ لِقَوْلِي فِي مَا أَنَا آمُرُكَ بِهِ. ٩ اِذْهَبْ إِلَى الْغَنَمِ وَخُذْ لِي مِنْ هُنَاكَ جَدْيَيْنِ جَيِّدَيْنِ مِنَ الْمِعْزَى، فَأَصْنَعَهُمَا أَطْعِمَةً لأَبِيكَ كَمَا يُحِبُّ.” تكوين ٢٧: ٧-٩.
هي تعرف الطعام الذي يحبه. واضح أن معدة إسحاق كانت مهمة بالنسبة لها. عندما تريد منه أن يفعل شيئاً، تحضر له ما يحب. قد يبدو الأمر بسيطاً، وأنها زوجة شاطرة تفهم زوجها، لكن كم من المؤمنين ينخدعون في أمور بسيطة كهذه! الأمر ليس مجرد طعام، وليس مجرد “أنا أحب الأكل”. كيف يمكن لأمر كهذا أن يضع الشخص في وضعية تفقده المسحة، وتفقده أولاده في وقت ما؟ لقد فقد ابنه، وعندما عاد، ربما لم يرَ أمه.
لم يرَ أمه، لكنه رأى إسحاق. لقد فقده لمدة طويلة جداً. وإسحاق نفسه ارتعد. سيقول الكتاب إنه ارتعب لأنه كان على وشك أن يقف ضد الرب فيما يفعله، وأنه كان ينوي أن يبارك شخصاً ليس له هذه البركة. سيقول الكتاب الآن إنه ارتعد قائلاً: “ماذا كنت سأفعل؟ كنت سأفعل شيئاً عكس إرادة الرب، كنت سأفسد كل شيء!”. لقد اكتشف هذا بنفسه، لأنه لم يكن لديه سيطرة على مسألة الأكل. أو كما قلتِ، الناس يثقون في فهمهم للآخرين: “أنا أفهم لغة الجسد، وأعرف إذا كان الشخص واثقاً من نفسه أم لا، وأعرف كيف أجلس معه وأفهمه وأستدرجه ليقول لي ما أريد”. هناك أناس يثقون في حكمتهم وقدرتهم على التحرك بهذه الطريقة، ودون أن يدروا، سينقلب هذا عليهم.
نفسها رفقة ستقول ليعقوب الآن: “اذهب أياماً قليلة عند أخي لابان، وبعد ذلك سيهدأ عيسو وسأستدعيك”. هذه “الأيام القليلة” أصبحت ٢٠ سنة. وعندما عاد، كانت قد ماتت، ولم يلحق حتى أن يرى أمه.
“١١ فَقَالَ يَعْقُوبُ لِرِفْقَةَ أُمِّهِ: «هُوَذَا عِيسُو أَخِي رَجُلٌ أَشْعَرُ وَأَنَا رَجُلٌ أَمْلَسُ. ١٢ رُبَّمَا يَجُسُّنِي أَبِي فَأَكُونُ فِي عَيْنَيْهِ كَمُتَهَاوِنٍ، وَأَجْلِبُ عَلَى نَفْسِي لَعْنَةً لاَ بَرَكَةً».” تكوين ٢٧: ١١-١٢.
هو خائف من أن ينكشف أمره، وليس لأنه يرى أن هذا خطأ. لا يقول: “لا، هذا خطأ، لا يجب أن نخدع أبي”. لا، هو خائف من أن ينكشف، ومن أن تفشل الخطة، وليس رافضاً للمبدأ من الأساس.
“١٣ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «لَعْنَتُكَ عَلَيَّ يَا ابْنِي. اِسْمَعْ لِقَوْلِي فَقَطْ وَاذْهَبْ خُذْ لِي».” تكوين ٢٧: ١٣.
في الحقيقة، لم تستطع أن تحمل الأمر عنه.
- الخداع بالجسد يحصد فساداً
لقد صنعا تمثيلية واتفقا على سيناريو. كيف سيخفيان حقيقة أن يعقوب ليس لديه شعر كثير مثل عيسو؟
“١٥ وَأَخَذَتْ رِفْقَةُ ثِيَابَ عِيسُو ابْنِهَا الأَكْبَرِ الْفَاخِرَةَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهَا فِي الْبَيْتِ، وَأَلْبَسَتْ يَعْقُوبَ ابْنَهَا الأَصْغَرَ. ١٦ وَأَلْبَسَتْ يَدَيْهِ وَمَلاَسَةَ عُنُقِهِ جُلُودَ جَدْيَيِ الْمِعْزَى.” تكوين ٢٧: ١٥-١٦.
لقد ألبسته ملابس عيسو لتظل رائحته ولباسه مثل عيسو. لقد كانت تمثيلية محكمة وحبكة متقنة.
نفس هذه التمثيلية ستُصنع في يعقوب يوماً ما. سيأتي أولاده ويصنعون فيه تمثيلية، ويقولون له: “«انْظُرْ. أَقَمِيصُ ابْنِكَ هذَا أَمْ لاَ؟»” تكوين ٣٧: ٣٢. لقد صنعوا قصة عندما باعوا يوسف. لأن الكتاب يقول في غلاطية ٦:
“٨ لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً.” غلاطية ٦: ٨.
الأمر مرتبط بما أزرعه. هل أسير بالروح فأحيا الحياة هنا، أم أنني أزرع أموراً جسدية؟
فبدلاً من أن تصدق في الله وتثق فيه، تحركت بطريقتها. ونفس هذا الأمر ذاقه يعقوب في حياته، ورأى كم هو مر أن يُخدع لمدة ٢٢ سنة، ويظن أن ابنه قد مات، وأنه مات بسببه. لقد عاش في حزن طوال الوقت وهو يشعر بالذنب. كل هذا كان تمثيلية. هذه هي صعوبة الأمر، أن الشخص الذي يسلك بالجسد، إن لم يتب عن ذلك، سيجد نفسه يحصد ما زرعه. هذا مبدأ كتابي.
فبدلاً من أن تتذكر رفقة النبوة وتثق في وعد الله، تحركت بطريقتها. والله يريدك أن تأخذ ما على قلبه، ولكن بطريقة صحيحة، لكي تعرف كيف تستمتع به.
يا لروعة قلب الله عندما نتأمل فيه! هدفه في النهاية هو: “أريدك أن تستمتع، وليس فقط أن تأخذ البركة. فأنا سأعطيها لك، سأعطيها لك”. وكأن سيرنا بذراعنا، أو محاولتنا فعل الأمور بحكمتنا البشرية، يفقدنا متعة الاستمتاع بما نملكه، حتى لو امتلكناه فعلاً.
بالضبط. وهذا هو الغرض من شجرة معرفة الخير والشر. قال الله لآدم: “أريدك أن تأكل منها، لكن بمعرفتي، وفي وقتي، وليس بمعزل عني”. الرب لم يكن يحرم آدم من الشجرة تماماً. أي شيء يصنعه الرب، يصنعه ليُستخدم. كانت ستُستخدم، ولكن تحت إشرافه، بمعرفته، وفي علاقة وشراكة معه.
الخداع جعل آدم يفعل نفس العمل الذي كان الله سيفعله، ولكن بطريقة مستقلة. أي عمل، قد يكون رائعاً، مثل البكورية والبركة، لكن لو تم بطريقة جسدية، فإنه يفقد تأثيره.
لقد نفذا التمثيلية.
“١٨ فَدَخَلَ إِلَى أَبِيهِ وَقَالَ: «يَا أَبِي». فَقَالَ: «هأَنَذَا. مَنْ أَنْتَ يَا ابْنِي؟» ١٩ فَقَالَ يَعْقُوبُ لأَبِيهِ: «أَنَا عِيسُو بِكْرُكَ. قَدْ فَعَلْتُ كَمَا كَلَّمْتَنِي. قُمِ اجْلِسْ وَكُلْ مِنْ صَيْدِي لِكَيْ تُبَارِكَنِي نَفْسُكَ».” تكوين ٢٧: ١٨-١٩.
بدأ الكذب.
“٢٠ فَقَالَ إِسْحَاقُ لابْنِهِ: «مَا هذَا الَّذِي أَسْرَعْتَ لِتَجِدَ يَا ابْنِي؟». فَقَالَ: «إِنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ قَدْ يَسَّرَ لِي».” تكوين ٢٧: ٢٠.
لقد أدخل اسم الله في الموضوع. الله ليس له علاقة بكذبك يا يعقوب، لكنه أدخل الله في الأمر.
“٢١ فَقَالَ إِسْحَاقُ لِيَعْقُوبَ: «تَقَدَّمْ لأَجُسَّكَ يَا ابْنِي. أَأَنْتَ هُوَ ابْنِي عِيسُو أَمْ لاَ؟».” تكوين ٢٧: ٢١.
واضح أنه كان يشك.
“٢٢ …فَجَسَّهُ وَقَالَ: «الصَّوْتُ صَوْتُ يَعْقُوبَ، وَلكِنَّ الْيَدَيْنِ يَدَا عِيسُو». ٢٣ وَلَمْ يَعْرِفْهُ لأَنَّ يَدَيْهِ كَانَتَا مُشْعِرَتَيْنِ كَيَدَيْ عِيسُوَ أَخِيهِ. فَبَارَكَهُ.” تكوين ٢٧: ٢٢-٢٣.
نال البركة الرائعة، لكنه لم يتذوق شيئاً منها. لم تكن هناك حاجة لكل هذا الخداع. كان وعد الله سيتحقق، سيتحقق.
- الله يتدخل بأمانته
كان دور الإنسان فقط أن يؤمن. لكن الإنسان أحياناً يأخذ الدور الإلهي ويريد أن “يساعد الله”. ورغم كل هذا، كان الله طوال الوقت مع يعقوب. في رحلته، ورغم أن اتجاه قلبه كان رائعاً، كان الله معه، حاملاً للوعد، ليس فقط ليحققه، بل ليحميه أيضاً حتى يكتمل.
بعد أن خدع أباه وأخذ البركة، غضب عيسو، وعرفت رفقة أنه ينوي شراً بيعقوب. فقالت له: “اهرب أياماً قليلة عند أخي لبان، وسأرسل لأحضرك”. هذه الأيام القليلة أصبحت ٢٠ سنة.
سافر يعقوب هارباً. يُقال إن عيسو أرسل ابنه ليقتل يعقوب، وجردوه من كل ما معه. سافر وحيداً، وقال عن نفسه لاحقاً: “فَإِنِّي بِعَصَايَ عَبَرْتُ هذَا الأُرْدُنَّ” تكوين ٣٢: ١٠. لم يكن معه سوى عصا. كان معرضاً للحيوانات المفترسة، خائفاً، وقد ارتكب خطأً.
لكن هنا، بدأت أمانة الله. رغم أن سلوكه لم يكن صحيحاً، إلا أن الله، بسبب أمانته، بدأ يظهر له في حلم. رأى سلماً رأسها يمس السماء، وملائكة صاعدة ونازلة، والرب واقف عليها. بعض الترجمات تقول “واقف على رأسه”، ليقول له: “هناك اتصال بيني وبينك يا يعقوب، أنت لست وحدك، ملائكتي تعمل حولك لحمايتك”. وبدأ الرب يكلمه ويطمئنه، وأعطاه نفس البركة التي قيلت لإبراهيم.
عندما استيقظ يعقوب، خاف وقال: “حقاً الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم!”. لقد أدرك أن الله كان معه، وأنه لم يكن بحاجة لكل هذا الخداع. لقد أدرك أن السماء مفتوحة على الأرض في ذلك المكان. فسمى المكان “بيت إيل” (بيت الله)، بدلاً من “لوز” (الذي يعني انفصال). لقد أصبح هناك اتصال بين السماء والأرض.
وهنا نفهم معنى “المسحة”. عندما مُسحت خيمة الاجتماع، صارت شيئاً إلهياً على الأرض، نقطة اتصال بين السماء والأرض. وعندما يُمسح إنسان، يصبح هو نقطة الالتقاء بين السماء والأرض. أنت ممسوح، أي أن فيك تتقابل السماء والأرض، وتستطيع أن توصل السماء لكل من تقابله. لقد طمأنه الرب على أمور أكثر بكثير مما كان يتخوف منه. أظهر له الله أمانته، قائلاً: “رغم أنك تسير بطريقة خاطئة وتفسد الأمور، إلا أنني أمين تجاه ما قلته”.
لقد أثبت الله أنه عندما يعطي وعداً، فهو مسؤول عن تنفيذه وحمايته.
دعوة إلى الراحة في أمانة الله
رغم أن يعقوب تصرف بخداع وكذب، ونحن قد لا نفعلها بنفس الصورة، لكننا نفعلها بأشكال أخرى كثيرة، بأن نلف وندور، ونحاول تدبير احتياجاتنا بأنفسنا، ونعيش في خوف. بمجرد أن سار يعقوب في هذا الطريق، كان مرعوباً. فتدخل الله، وكأنه يقول له: “اهدأ، ابدأ في رؤية الأمور من عينيّ، صدق أنني الذي بدأت معك، سأعرف كيف أكمل معك حتى النهاية”.
يا لروعة إلهنا الأمين! في نهاية حلقتنا، نريد أن نضع نقاطاً أمام كل من يشاهدنا اليوم. كونك مولوداً من الله، فلك الوعد والبركات والخطة الإلهية الرائعة. صدق أن إلهك حقيقي، ويمكنه أن يسير معك.
أمين. يقول الكتاب في مزمور ٤٦: “كُفُّوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ. أَتَعَالَى بَيْنَ الأُمَمِ، أَتَعَالَى فِي الأَرْضِ.” (مزمور ٤٦: ١٠). “كُفُّوا” أي اهدأوا، ارتاحوا. كفى انشغالاً وقلقاً. الله مسؤول عن وعوده، وهو أمين تجاهها. الله ملتزم تجاهك. كُفَّ عن القلق، فهو سلوك بالجسد. الخوف سلوك بالجسد. كل ما عليك هو أن تركز على ما تقوله الكلمة. كن شخصاً يقدّر الأمور الإلهية، مثل يعقوب. نعم، لقد سار بالخداع، لكنه كان شخصاً يقدّر الأمور الإلهية، وكانت تهمه، ومستعداً أن يشتريها. فكن مستعداً أن تشتري الأمور الإلهية، وأن تكون لها مكانة في حياتك.
لو كنت شخصاً لم تقابل يسوع بعد، أشجعك، هذا هو الوقت. أنت تائه في الحياة، حتى لو كانت لك مكانة وعائلة وعمل. أنت في نظر الله تائه إلى أن تجد نقطة الانطلاق، يسوع. صلِّ معي هذه الصلاة من قلبك:
“يا رب، أنا آتي إليك، وأصدق أن يسوع المسيح مات لأجلي، ودفع ثمن خطاياي لأتصالح معك. أشكرك لأنني محبوبك. أنا أعلنه رباً وإلهاً لحياتي الآن. أختار أن أكمل معك هذا الطريق. لن أسير بعد الآن بالاعتماد على قدرتي وذراعي وفهمي وذكائي وتعليمي ومالي. سأعتمد عليك طوال الوقت. أنت إلهي وربي. أنت تقودني وتعلمني لكي أربح. هللويا. أمين”.
__________
من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الاقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.
Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations are forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.
