القائمة إغلاق

دعوة الله على حياتك والفرز للخدمة جزء 2 God’s Calling & Separation for Ministry Part

دعوة الله على حياتك والفرز للخدمةالجزء 2

  • دعوتك الخاصة مُحدَّدة المهام والمكان.
  • بعض المفاهيم الهامة.
  • الوصفة السحرية؛
  • الأمانة.
  • الانتماء.
  • الأولويات.
  • مفاتيح لا غنى عنها.
  • أسئلة.

سأكمل معكم في موضوع الدعوة…

▪︎ دعوتك الخاصة مُحدَّدة المهام والمكان:

 “١٠ لأَنَّهُ يَقُولُ: «الرَّسَائِلُ ثَقِيلَةٌ وَقَوِيَّةٌ، وَأَمَّا حُضُورُ الْجَسَدِ فَضَعِيفٌ، وَالْكَلاَمُ حَقِيرٌ». ١١ مِثْلُ هذَا فَلْيَحْسِبْ هَذَا: أَنَّنَا كَمَا نَحْنُ فِي الْكَلاَمِ بِالرَّسَائِلِ وَنَحْنُ غَائِبُونَ، هكَذَا نَكُونُ أَيْضًا بِالْفِعْلِ وَنَحْنُ حَاضِرُونَ. ١٢ لأَنَّنَا لاَ نَجْتَرِئُ أَنْ نَعُدَّ أَنْفُسَنَا بَيْنَ قَوْمٍ مِنَ الَّذِينَ يَمْدَحُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَلاَ أَنْ نُقَابِلَ أَنْفُسَنَا بِهِمْ. بَلْ هُمْ إِذْ يَقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيُقَابِلُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، لاَ يَفْهَمُونَ. ١٣ وَلكِنْ نَحْنُ لاَ نَفْتَخِرُ إِلَى مَا لاَ يُقَاسُ، بَلْ حَسَبَ قِيَاسِ الْقَانُونِ الَّذِي قَسَمَهُ لَنَا اللهُ، قِيَاسًا لِلْبُلُوغِ إِلَيْكُمْ أَيْضًا. ١٤ لأَنَّنَا لاَ نُمَدِّدُ أَنْفُسَنَا كَأَنَّنَا لَسْنَا نَبْلُغُ إِلَيْكُمْ. إِذْ قَدْ وَصَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيْضًا فِي إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ. ١٥ غَيْرَ مُفْتَخِرِينَ إِلَى مَا لاَ يُقَاسُ فِي أَتْعَابِ آخَرِينَ، بَلْ رَاجِينَ ­إِذَا نَمَا إِيمَانُكُمْ­ أَنْ نَتَعَظَّمَ بَيْنَكُمْ حَسَبَ قَانُونِنَا بِزِيَادَةٍ” (٢ كورنثوس ١٠: ١٠-١٥).

 إليك خلفية سريعة عن هذا الشاهد: كان هناك أشخاصٌ يضعون أنفسهم في مقارنة مع بولس والرسل، ويتحدّثون عن بولس من ورائه بشكل لا يليق، فابتدأ بولس يأخذ موقف تجاه هذا الكلام ويوضّح بعض النقاط في خدمته، لكن لاحظ؛ هذا ليس معناه أنك مُطالَبٌ بأن تُقدم شرح لكل من يُلقى باتهامات أو كلام سلبي عليك، لا، لكن فقط اشرح الموقف ببساطة لِمَن تُتلمذهم، خارج هذا أنت لست مُطالَبًا أن تُقدم شرحًا أو مبررات.

 “نُقَابِلَ أَنْفُسَنَا بِهِمْ”: أي نقارن أنفسنا بهم.

 “لاَ يَفْهَمُونَ”: بمقارنتهم بنا أظهروا عدم فهمهم؛ فالمقارنات في حد ذاتها ليست صحيحة، هم لا يتعاملون بحكمة بفعلهم مثل هذه الأمور.

 “وَلكِنْ نَحْنُ لاَ نَفْتَخِرُ إِلَى مَا لاَ يُقَاسُ، بَلْ حَسَبَ قِيَاسِ الْقَانُونِ الَّذِي قَسَمَهُ لَنَا اللهُ”: أي أنا لا أخرج في خدمتي خارج الدائرة التي وضعها لي الرب، ألّا وهي أنتم من كرزت لهم.

 “لأَنَّنَا لاَ نُمَدِّدُ أَنْفُسَنَا”: أي لا نحاول أن نصل خارج الحد الموضوع لنا من الله.

 “غَيْرَ مُفْتَخِرِينَ إِلَى مَا لاَ يُقَاسُ فِي أَتْعَابِ آخَرِينَ”: أي لا نتحدث عن أشخاص بالفعل زُرِعَ فيهم من آخرين ونَنّسب الفضل لنا. مع العلم أن بولس كثيرًا ما تحدّث وقال أنتم فخري أمام المسيح.

 “بَلْ رَاجِينَ ­إِذَا نَمَا إِيمَانُكُمْ­ أَنْ نَتَعَظَّمَ بَيْنَكُمْ حَسَبَ قَانُونِنَا بِزِيَادَةٍ”: أي عندما ينمو إيمان الكنيسة التي عمل عليها بولس -وليس آخرين- من خلال كرازته وتعليمه وتلمذته، ويبدأ يخرج منهم أشخاص يكرزون هم أيضًا بالإنجيل، يُعتبَر هذا امتدادًا وتوسُّعًا لخدمة بولس والرُسل.

 كانت دعوة بولس هي الكرازة للأمم، فكان يذهب إلى الأماكن التي لم يذهب إليها أحد من قبل ويكرز فيها، ماذا إن ذهب أحد بالفعل لهذا المكان؟ يتحرك بولس إلى مكان آخر، وإن كان هناك تقصير منهم ليست مشكلة بولس، كان بولس مُهدَّفًا في دعوته وهي الكرازة للأمم وللأماكن التي لم يصل لها الإنجيل من قبل، ولأنه مُحدَّد لم يتشتّت بأمور أخرى.

 هذا هو المبدأ الذي فتحنا الشاهد لأجله؛ دعوتك الخاصة مُحدَّدة المهام والمكان. ستجد هذا المبدأ واضحًا في الترجمة (amplified) الموسَّعة؛ أنا لا أخرج خارج الحدّ الذي وضعه لي الله، أشجعك أن تقرأها من ترجمات أخرى وستكون أكثر وضوحًا.

 كان بولس رسولاً، خدمة الرسول هذه تعني أن يدخل الشخص المكان ليكرز، ثم تقبل النفوس المسيح على يديه، فيبنيهم ويُعلّمهم ويمكث معهم فيما بين ثلاثة أشهر إلى سنة ونصف؛ حتى يُخرِج من وسطهم أناسٌ يقودون الكنيسة فيما بعد.

 لهذا ما يهمنا في الشواهد السابقة أن بولس لم يكن يخرج خارج الحدود التي أخبره بها الله.

 داخل دعوتك مُفترَض أن تعرف مهامك ثم الحيز الذي ستعمل به، وإن كنت أمينًا فيه سيرقيك الرب إلى ما هو أكثر، فهناك الكثير من الترقيات في عالم الروح.

 كان هناك خادمًا رائعًا للغاية ظهر له الرب يسوع أكثر من مرة، وكانت دعوة الرب لحياته أن يصير رسولاً في مصر، فتقابلت معهُ ذات مرة وحكى لي: كان حاضرًا في إحدى مؤتمرات الصلاة الشهيرة في مصر، وطلب القادة من أحد الخدام أن يقود وقت الصلاة.

 فأخبرني الخادم الذي يحكي لي أنه شعر في روحه أن هذا الشخص الذي تمّ اختياره، ليس هو الشخص المناسب برغم إنه لم يكن يعرف الخادم المُرشَّح على الإطلاق.

 ثم أكمل وقال: “شعرت بخربشة في روحي”. وبالفعل طلب القادة من خادم آخر الصلاة من أجل مصر، وصلَّى هذا الشخص وكان وقتًا مجيدًا جدًا. هذه المؤتمرات كان لها تأثيرٌ قويٌّ، نحن نحصد إلى الآن منها، فبجوار التعليم هناك الصلاة فهي مفتاح الدخول لأي مكان.

 أكمل هذا الشخص وقال: لاحقًا فسَّر لي الروح القدس لِما حدث هذا، وكشف لي أن الشخص الذي صلى في النهاية، كان بالفعل يُصلي من أجل مصر منذ شهور وسنين، وقلبه في الأمر فكان بالفعل مُجهَّزًا ومُؤهَّلاً ليأخذ هذا الوقت.

 لا تتوقع أن تحصل على بلد أو أمة وأنت لا تصلي حتى لأجل بلدك وشارعك، أو على الأقل كنيستك، هذه هي الأمور التي تُميّز مؤمن عن آخر، نعم الصلاة ليست الدعوة الشخصية، فهي لكل مؤمن، لكن أنا أتحدث عن أمانة قلبك، عندما تسمع عن شيء ما، هل تصلي لأجله أم لا يفرق معك؟!

 قد يتحول الأمر من الصلاة فقط للمكان، إلى أن يرسلك الله شخصيًا ويستخدمك في هذا المكان، وقد يستخدم أناسًا قمت بتلمذتهم في هذا المكان، هذه الأمور تختلف حسب دعوة كل شخص، لكن أيضًا هذا لا يعني أنه يجب أن تصلي إلى كل العالم وكل البلاد، بل كن مُنقادًا بالروح القدس.

 عندما يراك الروح القدس أمينًا، يبدأ يُحكّي معك ويخبرك: “هذا المكان كان من المُفترَض أن يكون بهذا الشكل، لكن حدث كذا وكذا…” يبدأ يخبرك بأشياء تفصيلية أكثر ويشاركك بأمور أكثر.

▪︎ بعض المفاهيم الهامة:

 سأشرح سريعًا الفرق بين الدعوة والفرز، لأن هناك من لم يحضر الجزء الأول من تلك السِلسة.

 يوجد نوعان من الدعوة للمؤمن: الأولى دعوة عامة وهي أن يقبل الشخص الرب يسوع مُخلِّصًا شخصيًا. والثانية خاصة وهي الخدمة، وليس شرطًا أنّ من قَبِلَ يسوع مُخلِّصًا شخصيًا أن يتمّم الدعوة التي على حياته فيما يخص الخدمة.

 الدعوة الخاصة هي أمور يريدها الرب منك، وهي تختلف عن الأمور التي يريدها الرب لك أي ميراثك في المسيح (الدعوة العامة أي لجميع المؤمنين)، وتختلف الطريقة في التعامل مع كل منهما؛ ففي الدعوة الخاصة لا يمكنك أن تمارس إيمانك لتتمّم الأمر أو أن تقول اعترافات إيمان كي يحصل الأمر فورًا، لا… ينبغي أولاً أن تمرّ على فترة التدريب وأن تنضج فلا يمكنك أن تختصر فترة نموك الروحي، على عكس ميراثك.

 مرة أخرى لا يمكنك أن تمارس إيمانك لتُعجِّل نموك الروحي أو لتُتمّم دعوتك في الحال، فينبغي أن تُكمل تدريباتك وتُعَد جيدًا. أما فيما يتعلق بميراثك، لتمارس إيمانك في الحال، وبالتالي يمكنك أن تُحدِّد توقيت المعجزة.

 دعونا نضرب مثالاً للدعوة (وأنا أُعني الدعوة العامة)؛ دُعِيَّ أليشع من إيليا، فعندما رمى إيليا عباءته على أليشع، ترك أليشع كل شيء وتبعه وأصبح تلميذًا له. كلمة تلميذ لفظ قوي للغاية في اليوناني؛ فيشبه صورة جدّ يجلس على كرسي، وشخصٌ يجلس على الأرض ليتعلم منه ويلتقط كل معلومة ممكنة؛ وتوحي بالخضوع الشديد والقابلية للتصحيح.

 أما مصطلح الفرز فهو يختلف عن الدعوة؛ الكل مدعوُّ للخدمة، لكن ليس الكل مَدعوًا للفرز! الفرز هي المرحلة التي يبدأ فيها الشخص يدخل في الخدمة الشخصية التي وضعها الرب على حياته، فمثلاً عندما آمن بولس بالرب يسوع، للوقت خرج يكرز للآخرين (أعمال الرسل٩)، لكن تمّ فرزه للخدمة في (أعمال الرسل١٢).

 من وقت قريب سألني أحد الأشخاص سؤالاً يدور في ذهن كثير من المؤمنين وهو “إن لم أكن مُستعِدًا للخدمة وحالتي الروحية ليست جيدة هل ينبغي أن لا أخدم؟” والإجابة على هذا السؤال أيضًا تبدأ بسؤال، ما هو مقياسك لتقول إنك لست مُستقِرًا روحيًا؟!

 موضوع المقاييس أمرٌ هامٌ للغاية. ومقياس إنك مُستعِد للخدمة أم لا، لا يعتمد بالضرورة على قضاء وقتك مع الرب يوميًا فقط، فهناك من هو مُلتزِمٌ مع الرب ومع ذلك غير مُستعِد للخدمة بعد.

 يعتقد البعض أنه إن لم يأخذ الشخص خلوته ليوم ما فهو لا ينبغي أن يخدم في هذا اليوم، لا الأمر ليس بهذه الطريقة البتة، الأمر مُعتمِد على اتّجاه القلب! اتّجاه القلب هو من سيقودك لوقتك مع الرب وأيضًا الخدمة.

 هناك أيضًا من يعتقد أن الاستعداد للخدمة مُرتبِط بإظهار مواهب الروح القدس، لا هذا مقياس خاطئ، حيث نجد بولس يَذكُر أن كنيسة كورنثوس لم تفتقر إلى أية موهبة، ومع ذلك فهي تُعَد من أكثر الكنائس التي عمل بولس على تصحيحها، لهذا استعلان المواهب ليس مقياسًا على النُضج الروحي. النُضج الروحي مُرتبِط بقلب وحياة وسلوك الشخص.

 إليك سريعًا بعض النقاط التي ينبغي أن تهتم بها:

 أول كل شيء يجب أن تعرف الرب وتفهم الكلمة في زوايا معينة، وتعرف كيف تصلي وتمارس إيمانك وتأتي بنتائج…..الخ.

 ماذا إن كان هناك نقاط لم أنجح بها بعد في حياتي الشخصية هل أتوقف عن الخدمة؟

 الإجابة لا، لكن اخدم بالمقدار التي تقدر عليه، كما ذكرت عندما قَبَل الرسول بولس الرب يسوع ابتدأ يكرز به فورًا على قدر استنارته وقتها وساعده في ذلك الخلفية الكتابية التي كانت لديه بالفعل، لكن بعد وقت -ليس أقل من ثمانية عشر عام- ابتدأ يخدم كرسول للأمم.

 هناك فترة بين الدعوة والفرز وهناك صفات ينبغي أن تكون فيك كي تنتقل من مرحلة الدعوة إلى الفرز. سأشرح أهم هذه الصفات فهي كالوصفة السحرية، وكثير من الشواهد التالية ستكون من ترجمة الحياة.

 ▪︎الوصفة السحرية:

  • الأمانة:

 “فَلْيَنْظُرْ إِلَيْنَا النَّاسُ بِاعْتِبَارِنَا خُدَّاماً لِلْمَسِيحِ وَوُكَلاءَ عَلَى أَسْرَارِ اللهِ. وَالْمَطْلُوبُ مِنَ الْوُكَلاءِ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ يُوجَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَمِيناً.” (١ كورنثوس الأولى ٢:١-٤) KEH.

 كلمة الأمانة تعني: الالتزام بالمهمة وإتمامها على أكمل وجه، سواءً أمام الناس أم خلفهم. الأمانة هنا تشمل جميع نواحي الحياة: المذاكرة، العمل، مهام المنزل… كل الأمور. فلا يمكن لشخص أن يُنصَّب على خدمة كبيرة وهو غير مُلتزِم في حياته الشخصية.

 اعلم هذا: كلما كنت أمينًا، كلما ترقيت وبسرعة، والعكس صحيح. الأمانة هي الشيء المُشترَك في جميع خدام العهد الجديد، ومن ضمنهم بولس الرسول الذي اُستؤمِن على إيصال إعانة مادية هو وبرنابا إلى اليهودية، لنلقي نظرة:

 “وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ بَعْضُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ أُورُشَلِيمَ، وَبَيْنَهُمْ نَبِيٌّ اسْمُهُ أَغَابُوسُ، تَنَبَّأَ بِوَحْيٍ مِنَ الرُّوحِ أَنَّ مَجَاعَةً عَظِيمَةً سَتَحْدُثُ فِي الْبِلادِ كُلِّهَا. وَقَدْ وَقَعَتْ هذِهِ الْمَجَاعَةُ فِعْلاً فِي عَهْدِ الْقَيْصَرِ كُلُودِيُوسَ. لِذَلِكَ قَرَّرَ التَّلامِيذُ فِي أَنْطَاكِيَةَ أَنْ يَتَبَرَّعَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَا يَتَيَسَّرُ لَهُ، وَيُرْسِلُوا إِعَانَةً إِلى الإِخْوَةِ الْمُقِيمِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَأَرْسَلُوا الإِعَانَةَ إِلَى الشُّيُوخِ بِيَدِ بَرْنَابَا وَشَاوُلَ.” (أعمال ١١:٢٧-٣٠) KEH.

 في يوم من الأيام بولس الذي كتب أكثر من نصف العهد الجديد، كان خادمًا في أعوان التدابير(usher)؛ فاُختيرَ هو وبرنابا (بسبب أمانتهما) ليُوصّلا إعانة مادية من أنطاكية إلى اليهودية. فكان بولس يعلم هذا المبدأ جيدًا وكان يختار هو أيضًا الأمناء في مختلف الخدمات.

 عرِفنا عن كم أن الأمانة هامة لكن ما هي الأمانة؟! …لنرى:

 الأمانة هي إكمال الشيء، والتعهُّد بإتمامه على أكمل وجه، وأنت واعٍ بقيمة ما تفعله مهما بدا صغيرًا، وأن تكون بكامل قلبك في الشيء وأيضًا في المكان.

 الأمانة هي الالتزام وإتمام الأمر بدقة وبكامل قلبك، فتكون مُلتصِقًا بالمكان الذي وُضِعت فيه، حتى إن مللت. من الأساس الملل يبدأ بفكرة سلبية تُعرَض عليك فتقبلها وتوافق عليها وتسلك بها، ومن هنا يبدأ بعض الخدام في ترك خدماتهم بحجة أنهم ليسوا مدعوين لهذا المكان، وفي الحقيقة لم تكن هذه قيادة بالروح، لكن كان تصرُّفًا ناتجًا عن تقليل داخلي لقيمة ما كانوا مُوكَّلين عليه.

 انظر لبولس، شخص كان حدث قبوله ليسوع سَبَّبَ ضجة كبيرة بسبب قوة اختباره، ومع ذلك أطاع الرسل في كل ما طلبوه منه، بكل قلبه وبسرور. فكر معي قليلاً؛ أليس من الممكن أن يفكر قائلاً: كيف ترسلوني بنقود؟! هذا ليس مكاني! ينبغي أن أقف على منبر فالجميع يعرف اختباري! كيف تفعلون هذا؟! أيعقل أن تجعلوني مِرسالاً!

 تجد هذا السيناريو مُضحِكًا، أليس كذلك؟ لكن للأسف رغم هزلية الأمر، إلّا أن كثير من خدام اليوم يقومون بذات الشيء، فيبدأون في الاعتراض على قياداتهم ويشتكون أن الخدام يبخّسون من قدراتهم العملاقة، ومِن ثَمّ يتركون الكنيسة. من هنا ندخل على النقطة الثانية وهي الانتماء.

  • الانتماء:

 الانتماء أي أن تلتصق بالمكان. لا تخرج منه أبدًا، لا أن تكون نطيطًا بين الكنائس لكن ثابتٌ في المكان الذي زُرِعتَ فيه، حتى إن واجهت أشواكًا أو إهانات تظل في المكان.

 حالة واحدة فقط تجعلك تترك الكنيسة وهي أن تكون الكنيسة مُهرطِقة أو تُعلِّم تعليمًا غير كتابي! في هذه الحالة فقط يمكنك ترك الكنيسة، غير هذا استحالة أن تترك مكانك. فلا تترك الكنيسة عندما يكون هناك قائدٌ صارمٌ، أو عندما يهينك أو يعنّفك أحدهم. وكما ذكرتُ صباحًا وجودك في الكنيسة ليس هدفه الصداقات والاجتماعيات، وإن كان هذا جزءًا منها.

 إن كانت كنيستك لا تشرح الحق الكتابي بشكل صحيح، فابْحثْ عن الحق في مكان آخر، لكن عندما تجده استقرْ في ذلك المكان ولا تخرج منه. ومن ثم سيخرج جيلاً مُلتصِقًا هو أيضًا بهذا المكان دون جهد أو بحث.

 مرة أخرى لا تترك المكان بسبب سلوك أشخاص، فستترك المكان وستعتقد أن الأمر سيُحَل في الكنيسة القادمة، ومن ثم تذهب إلى أخرى، وتظل نطيطًا بين الكنائس ولن تكون مستقرًا.

 الانتماء لا يقتصر فقط على مكان، ولكن أيضًا على أشخاص، فلا تخجل أن تعلن على يدّ مَن تعلمت، لا تخشى أن تذكر أسماء بعينها ساعدتك في حياتك، لا تكن ناكرًا للجِميل بل كن فخورًا أنك تلميذ الخادم أو القس الفلاني، فتلتصق بِمَن عَلَّمك حتى إن تركه الجميع تظل أنت بجانبه.

 هذا التعريف الذي يخص الانتماء loyalty تجده في مراجع كبيرة مثل”vine’s expository” وأيضاً”Merriam Webster”

 عندما تُرِكَ بولس من يوحنا المُلقَّب مرقس، ترك هذا انطباعًا سلبيًا لدى بولس لأنه تركه مرةً، لم تكن خدمة بولس صغيرة فلا يمكن أن يتركه هكذا، وعندما طلب برنابا أخذ مرقس معهما مرة أخرى، لم يقبل بولس هذا الطلب فورًا، فلا يمكن أن يعود إليه بهذه البساطة.

 كان لدى بولس فلترٌ كتابيٌّ دقيقٌ، وكان يمتحن الأشخاص، ففي أحد المرات نجده يخبر تيموثاوس على سبيل المثال: لا يمكن لشخص قَبِلَ يسوع حديثًا أن يصير راعيًا؛ “غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ.” (١ تيموثاوس ٣: ٦).

 عندما يترك شخصٌ راعيه -بدون وجه حق- فهذا بمثابة تركه ليسوع شخصيًا. ولكن أن يُترَك الخادم هذا لا يعني بالضرورة أنه يسير بشكل خاطئ، فيسوع شخصيًّا تركه بعض التلاميذ: “مِنْ هذَا الْوَقْتِ رَجَعَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ إِلَى الْوَرَاءِ، وَلَمْ يَعُودُوا يَمْشُونَ مَعَهُ.” (يوحنا ٦: ٦٦).

 هناك جملة قالها الراعي كريس قبلاً: “قبل أي نقلة روحية جديدة، هناك هزَّة”، يحاول إبليس من خلالها إقناعك أن الأمور قد خربت. فهناك أرواح شريرة جديدة وملائكة أكثر ومسحة أعلى في الترقية الجديدة. على سبيل المثال في عالمنا اليوم، إن كان هناك شخصٌ في رتبة ما، ثم ترقى إلى رتبة رئيس الوزراء مثلاً، فستجد إنه وُضِعَ له مزيدًا من الحراسة حوله وحول بيته وعائلته وكل ما يخصه.

 هكذا نتعامل مع كل من هم في منصب أرضي، فكم بالحري من هم في مناصب روحية! فتجد التعامل في الأمور أصبحت أسهل، رغم أن المهام أصبحت أكبر وأضخم. البعض يعتقد أنه إن تعرّض أحد الخدام إلى مشكلة أو تركه أحد من أتباعه، إذًا هو غير أمين أو ليس خادمًا حقيقيًا. إن كنت من هؤلاء الأشخاص فينبغي عليك التوقف فورًا…من الخطر أن تصدر أحكامًا على الآخرين خاصة رجال الله!

 اعْلم هذا جيدًا: تَعرُّض أي شخص لتحدي لا يعني البتة إنه شخصٌ سيءْ؛ الجميع سيَمُرّ بتحديات. لا ينبغي عليك أبدًا أن تحكم على الآخرين -ما لم تكن في منصب يرأسهم- وإن كنت لا تحكم على الآخرين بقدر، فعليك ألّا تحكُم على رجال الله بألف قدر.

 كان بولس ينتمي إلى كنيسة كما ذُكِرَ في الإصحاح التاسع من سِفْر الأعمال، فعندما خرج إلى الخدمة خرج رسميًا من كنيسة، كما أن فرْز بولس لم يكن في الحال عند قبوله ليسوع كما ذكرنا قبلاً، فيوجد عدد من السنين بين الحدثين لكنه لم يكن قَلِقًا بشأن تقدُّمه في السِن وعدم فرزه بعد، بل كان مطمئنًا يعتمد على الروح القدس.

 لا تجلس محتارًا تندب حظك أنك لا تعرف خدمتك بعد… بلى؛ مَرَّ على بولس سنة بعد سنة لم يُفرَز فيها ولم تكن مشكلة له أبدًا. كان واثقًا من خروجه في الوقت الصحيح.

 لم يجلس بولس مُتضايقًا يقارن نفسه بالآخرين، حتى إنه عَلَّم عن مدى جهل من يقارن نفسه بالآخر؛ “فَإِنَّنَا لَا نَجْرُؤُ أَنْ نُصَنِّفَ أَنْفُسَنَا، أَوْ نُقَارِنَ أَنْفُسَنَا، بِمَادِحِي أَنْفُسِهِمِ الَّذِينَ بَيْنَكُمْ. فَلأَنَّ هؤُلاءِ يَقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيُقَارِنُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، فَهُمْ لا يَفْهَمُونَ!” (٢ كورنثوس ١٢:١٠). ترجمة الحياة.

 لا تضع نفسك في مقارنة مع أحد فأنت لك قصتك وظروفك وإمكانياتك وحياتك الخاصة والمختلفة تمامًا عن الآخرين. من غير العادل ومن الجهل أن تقارن نفسك بالآخرين. فلا تُحقِّر مما تفعله لأنه أقل مما يفعله الآخرون، ولا تُحقِّر من إنجازات الآخرين كونها صغيرة بالنسبة لك.

 استمع لمدح الروح القدس داخلك، فهو يشجعك ويدعمك طوال الوقت. افرح بإنجازاتك وقُمْ لتفعل المزيد يا بطل! من يحبطك ويُقلّل مما تفعله ويضع أفكارَ حقد داخلك على الآخرين هو إبليس، لا تستمع له ولا تتفاوض مع هذه الأفكار! لا تترك الإلامة تُعكّر صفوك، بل رَكّزْ على الحاضر لتفعل أمورًا أكثر روعة مع الروح القدس.

 كن حازمًا وتشدَّدْ. نعم سيأتي إبليس وسيعرض أفكاره عليك. اعْلَمْ هذا مسبقًا، لكن لا تُخدَع، هذه ليست أفكارك، فإن صدقت أنها لك ستتجاوب معها ولن تقاومها، لكن إن قاومت سيهرب إبليس منك فزعًا، ليس لديه خيارًا آخر. بالطبع ربما يرمي تلك الأفكار مرة أخرى، لكن كن حازمًا معها إن تفاوضت وتهاونت معها للأسف ستفشل!

 تَعلَّم أن تقيس نفسك وتأخذ تقريرك الروحي من الكلمة والروح القدس والأبوة الروحية، وليس عبْر المقارنة مع الآخرين. هنا أريد إيضاح نقطة هامة عن الأبوة الروحية:

 يوجد أشخاصٌ يُطلَق عليهم “روَّادًا” فليس لهم أبوة روحية، لكن يأخذون من الروح القدس مباشرة، أمثال بولس الرسول؛ “وَأُعْلِمُكُمْ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَّ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ لَيْسَ إِنْجِيلاً بَشَرِيًّا. فَلا أَنَا تَسَلَّمْتُهُ مِنْ إِنْسَانٍ، وَلا تَلَقَّنْتُهُ، بَلْ جَاءَنِي بِإِعْلانٍ مِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.”(غلاطية ١١:١-١٢).

 استنار الرسول بولس استنارة غير عادية، وفتح طريقًا جديدًا بالنسبة للكنيسة هو الكرازة للأمم -لم يكن هذا مُمكِنًا من قبل- لكن بولس وَضَع عقيدة وعَرَفَ أمورًا لأول مرة تُعرَف.

 هذا لا يعني أن تقلد بولس ولا يكون لك أبوة روحية، لا. إن لم يكن لك أبٌ روحيّْ، ابحث عنه، يقول الكتاب عن رجال الله إنهم أعمدة: “فَإِذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ” (غلاطية ٢: ٩).

 الرسول بولس هو حالة استثنائية للغاية، لدرجة أنه يوجد مَن يُطلِق على الديانة المسيحية “الديانة البولسية” نسبة لبولس، نظرًا لأنه أوضح الكثير وبشكل تفصيلي عن العقيدة المسيحية.

 أتفهَّم أن هناك من تعلَّم على يد أشخاص كثيرين واستفاد من كثيرين وليس لديه أب روحي واحد. وهناك أباء روحيون رائعون وهناك آباء في حالة وسطية، لكن سيأتي وقت ستكون الكنيسة مليئة بالآباء الروحيين الرائعين الذين سيعتنون بالشخص من الألف للياء، فلا يتشتت الشخص بل يعرف من هو أبوه الروحي.

 دعونا نعود إلى نقطتنا الأساسية وهي الانتماء، لنرى من قريب كيف كان الانتماء في حياة بولس من بداية أن صلى له حنانيا.

 ” وَتَنَاوَلَ طَعَاماً فَاسْتَعَادَ قُوَّتَهُ وَبَقِيَ بِضْعَةَ أَيَّامٍ مَعَ التَّلامِيذِ فِي دِمَشْقَ. وَفِي الْحَالِ بَدَأَ يُبَشِّرُ فِي الْمَجَامِعِ بِأَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ. وَأَثَارَ كَلامُهُ دَهْشَةَ السَّامِعِينَ، فَتَسَاءَلُوا: «أَلَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يُبِيدُ جَمِيعَ الدَّاعِينَ بِهَذَا الاِسْمِ فِي أُورُشَليمَ؟ أَمَا جَاءَ إِلَى هُنَا لِيُلْقِيَ الْقَبْضَ عَلَيْهِمْ وَيَسُوقَهُمْ مُقَيَّدِينَ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ؟» وَأَمَّا شَاوُلُ فَقَدْ صَارَ أَكْثَرَ حَمَاسَةً فِي وَعْظِهِ، فَكَانَ يُفْحِمُ الْيَهُودَ السَّاكِنِينَ فِي دِمَشْقَ بِبَرَاهِينِهِ الَّتيِ كَانَ يُبَيِّنُ بِها أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ. وَبَعْدَ عِدَّةِ أَيَّامٍ، حَاكَ الْيَهُودُ فِي دِمَشْقَ مُؤَامَرَةً لِقَتْلِ شَاوُلَ، فَعَلِمَ بِها. وَكَانُوا يُرَاقِبُونَ أَبْوَابَ الْمَدِينَةِ نَهَاراً وَلَيْلاً لِيَقْتُلُوهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْهَا. فَأَخَذَهُ بَعْضُ التَّلامِيذِ لَيْلاً وَوَضَعُوهُ فِي سَلٍّ، وَأَنْزَلُوهُ بِالْحِبَالِ مِنْ عَلَى سُورِ الْمَدِينَةِ. وَلَمَّا وَصَلَ شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، حَاوَلَ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَى التَّلامِيذِ هُنَاكَ، فَخَافُوا مِنْهُ، إِذْ لَمْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ صَارَ تِلْمِيذاً لِلرَّبِّ. فَتَوَلَّى بَرْنَابَا أَمْرَهُ وَأَحْضَرَهُ إِلَى الرُّسُلِ، وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ ظَهَرَ الرَّبُّ لَهُ فِي الطَّرِيقِ وَكَلَّمَهُ، وَكَيْفَ بَشَّرَ بِجُرْأَةٍ بِاسْمِ يَسُوعَ فِي دِمَشْقَ. فَأَخَذَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ مَعَهُمْ فِي أُورُشَلِيمَ، مُبَشِّراً بِاسْمِ الرَّبِّ بِجُرْأَةٍ.” (أعمال ٩:١٩-٢٨) KEH.

 “وَفِي الْحَالِ بَدَأَ يُبَشِّرُ فِي الْمَجَامِعِ بِأَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ”: في الحال بدأ يبشّر بولس لكنه بَشَّرَ فقط بما يعرفه واستنار فيه، وهو أن يسوع هو ابن الله، لم يفتي في شيء لم يعرفه.

 “فَكَانَ يُفْحِمُ الْيَهُودَ السَّاكِنِينَ فِي دِمَشْقَ بِبَرَاهِينِهِ الَّتيِ كَانَ يُبَيِّنُ بِها أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ”: كانت هذه المعرفة عنده بالفعل لكن عندما قَبِلَ الروح القدس استنار في هذه المعرفة وبدأ يُفحِم آخرين.

 “فَأَخَذَهُ بَعْضُ التَّلامِيذِ لَيْلاً وَوَضَعُوهُ فِي سَلٍّ، وَأَنْزَلُوهُ بِالْحِبَالِ مِنْ عَلَى سُورِ الْمَدِينَةِ”: هذه الحادثة التي ذكر عنها بولس في الرسالة إلى كورنثوس؛ “فَتَدَلَّيْتُ مِنْ طَاقَةٍ فِي زَنْبِيل مِنَ السُّورِ، وَنَجَوْتُ مِنْ يَدَيْهِ.” (٢ كورنثوس ١١: ٣٣).

 “حَاوَلَ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَى التَّلامِيذِ هُنَاكَ”: لاحظ! حاول أن ينضم لهم، لكن خاف منه التلاميذ فحاول مرة أخرى. لم ييأس بل حاول مرة تلو الأخرى، إلى أن تَدَخَّل برنابا وضمَّه إليهم وأحضره إلى الرُسل، وفيما بعد فُرِزا بولس وبرنابا سويًا.

 “فَأَخَذَ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ مَعَهُمْ فِي أُورُشَلِيمَ”؛ التصق بولس بالكنيسة فكان يذهب ويجئ معهم، مُلتزِمًا في المكان ليس مُنعزِلاً وحده، ليس لأنه يكره الوحدة لكن لأن هذا جسد المسيح ولا يمكن لعُضو أن يتواجد دون جسد ويعيش طويلاً.

 حتى برغم اختلاف الأعضاء لكنها تعمل في تناغم رائع. تَعلَّم كيف تتعامل مع الخلافات والاختلافات في الكنيسة، فيوجد من يترك الكنيسة مع أول موقف أو خلاف، ويبدأ يشعر بالظلم، وقد يكون يبالغ كثيرًا في ردّ فعله وهو لا يعلم.

 إن كنت حقًا تريد أن تُفرَز للخدمة وتُنجِز الكثير، عليك أن تتحاشى الخلافات وتُحِب! المحبة هي سلوك مبني على معرفة وأفكار كتابية وتَخرج في أفعال (ينبغي أن تدرس العظات الخاصة بالمحبة) فهي هامة للغاية. لكن سريعًا أحد جوانب المحبة أن تصدق الإيجابي في الآخر؛ “تُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ.” (١ كورنثوس ١٣: ٧)، هكذا تأتي في الترجمة المُوسَّعة.

 هناك من يفعل العكس فيتربَّص لأي خطأ من الخدام أو القادة، فتجد الشخص مثلاً مُستاء للغاية لأن القسيس لم يُلقي عليه التحية وهو مبتسم. إن حدث موقف مثل هذا عليك أن تلتمس العذر للشخص، فربما لم يلحظ ما فعله، أو كان مشغولاً للغاية. عندما يحدث خلاف، التمس العذر. حتى إن كنت لا تمسك عذرًا حقيقيًا لِما فَعَله الشخص تجاهك. كن منتميًا بقلبك للمكان، لا تبحث عن عذر كي تتركه، واخدم من خلال هذا المكان.

 الانتماء يظهر أيضًا عندما لا يكون هناك محفّزات للمكوث تجعلك بنفس الحماسة لكنك تظل غير تارك اجتماعك. اسمحوا لي أن أُقدِّم لكم مثالاً للمحفزات؛ العلاقات. تَدرَّبْ ألّا تكون في الكنيسة لعمل الصداقات فقط، لا يكُن هذا هو دافعك للمجيء. إن كان هذا هو دافعك فمع أول خلاف مع أي شخص ستُصدَم وتترك الكنيسة، فلا تربط وجودك في الكنيسة بوجود أشخاص!

 نعم سينشأ بينك وبين أعضاء الجسد صداقات وهذا جيد. يذكر الكتاب أنه عندما اُمسِكا بطرس ويوحنا، واخبروهما ألّا يبشرا باسم يسوع مرة أخرى ثم أطلقوهما، أن بطرس ويوحنا جاءا إلى رفقائهما، ورفعوا بنفس واحدة صوتًا إلى الله: “٢٣ وَلَمَّا أُطْلِقَا أَتَيَا إِلَى رُفَقَائِهِمَا وَأَخْبَرَاهُمْ بِكُلِّ مَا قَالَهُ لَهُمَا رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ. ٢٤ فَلَمَّا سَمِعُوا، رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتًا إِلَى اللهِ.” (أعمال الرسل ٤: ٢٣، ٢٤).

 تعمَّد أن تبقى في المكان بسبب إنك تتغذي وتكبر في هذا المكان من تعليم كتابي صحيح، وإن تصادمت مع أحد الأشخاص لا بأس استمر في هذا المكان، قد يأتي الخدام ويصحّحوك أو يَحلّوا هذا الخلاف بينك وبين الشخص الآخر، لكن ليكن في قلبك أن لا تترك المكان أبدًا، لا تترك حتى الفكرة تحوم في ذهنك.

 “لَا أَكْتُبُ هَذَا تَخْجِيلاً لَكُمْ، بَلْ أُنَبِّهُكُمْ بِاعْتِبَارِكُمْ أَوْلادِيَ الأَحِبَّاءَ. فَقَدْ يَكُونُ لَكُمْ عَشَرَةُ آلافٍ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ، وَلكِنْ لَيْسَ لَكُمْ آبَاءُ كَثِيرُونَ! لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ. فَأَدْعُوكُمْ إِذَنْ إِلَى الاقْتِدَاءِ بِي. لِهَذَا السَّبَبِ عَيْنِهِ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسَ، ابْنِي الْحَبِيبَ الأَمِينَ فِي الرَّبِّ، فَهُوَ يُذَكِّرُكُمْ بِطُرُقِي فِي السُّلُوكِ فِي الْمَسِيحِ كَمَا أُعَلِّمُ بِها فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي جَمِيعِ الْكَنَائِسِ.” (كورنثو٤:١٤-١٧) KEH.

 “فَأَدْعُوكُمْ إِذَنْ إِلَى الاقْتِدَاءِ بِي. لِهَذَا السَّبَبِ عَيْنِهِ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسَ” أرسل بولس تيموثاوس إلى أهل كورنثوس خصيصًا كي يقتدوا ببولس وبتعليمه! إن حدث مثل هذا الموقف في هذه الأيام سيبدأ الشعب -غير المُمرَّن في الكلمة- بالتذمُر على الخادم واتهامه بالتكبُر، لكن هذا ما فعله بولس.

 لاحظ أيضًا ذَكرَ بولس صفة هامة عن تيموثاوس وهي “الأَمِينَ” وعندما ذهب تيموثاوس إليهم أخبرهم تحديدًا بما قاله بولس بمعنى آخر لم يفتي، لم يقل أشياء من تِلقاء نفسه.

 تعلَّم هذا: إن كَشف لك الروح القدس شيئًا خلال آيات معينة، لا تخرج من نفسك وتُعلنها إلى الآخرين فورًا. في البداية اذهب إلى الراعي وأخبره بما عَلِمته أولاً، ويجب أن تخبره بطريقة لائقة، فيتابع معك الراعي ما اكتشفته، وإن كان الراعي لا يعرف عما أخبرته به، فانتظر حتى يبحث في الأمر ويدرسه، حتى إن استغرق الأمر سنوات، انتظر حتى يخبرك الراعي، وإياك أن تفكر في قلبك أنك تعرف أكثر منه بأي شكل، لا تعبث مع رجال الله!

 تَذكَّرْ تيموثاوس -رغم مركزه- كانت مهمته أن يُذكِّر الناس بما قاله بولس، لا أن يزيد عليه. هذا تيموثاوس لكن ماذا عن تيخيكس! دعنا ننظر؛

 “صَلُّوا فِي كُلِّ حَالٍ، بِكُلِّ صَلاةٍ وَطِلْبَةٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهَذَا الْغَرَضِ عَيْنِهِ مُوَاظِبِينَ تَمَاماً عَلَى جَمِيعِ الطِّلْبَاتِ لأَجْلِ الْقِدِّيسِينَ جَمِيعاً، وَلأَجْلِي كَيْ أُلْهَمَ مَا أَنْطِقُ بِهِ كُلَّمَا فَتَحْتُ فَمِي لأُعْلِنَ بِجُرْأَةٍ سِرَّ الإِنْجِيلِ الَّذِي أَنَا سَفِيرُهُ الْمُقَيَّدُ بِالسَّلاسِلِ، فَأَكُونُ جَرِيئاً فِي إِعْلانِهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ. وَلِكَيْ تَعْرِفُوا أَحْوَالِي وَأَخْبَارَ عَمَلِي، فَإِنَّ تِيخِيكُسَ، الأَخَ الْحَبِيبَ وَالْخَادِمَ الأَمِينَ فِي الرَّبِّ، يُخْبِرُكُمْ بِها جَمِيعاً. وَقَدْ أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهَذَا الأَمْرِ بِعَيْنِهِ: لِتَعْرِفُوا أَحْوَالِي فَتَتَشَجَّعُ قُلُوبُكُمْ.” (أفسس ٦:١٨-٢٢) KEH.

 في الشاهد السابق طلب بولس من أهل أفسس أن يُصلُّوا لأجله فهم كانوا شُركائه في الخدمة أي يدعمونه ماديًا ويصلُّوا لأجله وهكذا، فطلب منهم أن يصلوا لأجله ولأجل القديسين ليس لأنه محتاج لكن لأجل الخدمة كي يُلهَم ما يتحدّث به ويتكلّم بجرأة عن الإنجيل.

 “وَقَدْ أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهَذَا الأَمْرِ بِعَيْنِهِ: لِتَعْرِفُوا أَحْوَالِي فَتَتَشَجَّعُ قُلُوبُكُمْ” لاحظ أُرسِل تيخيكس فقط ليخبر أهل أفسس عن أحوال بولس، أي أين تنقَّل في آخر فترة، وماذا حدث له وكيف تصرَّف وماذا عَلَّمَ…إلى آخره.

 “الأَمِينَ”؛ أيضًا كانت الصفة المُميّزة لتيخيكس هي الأمانة. كم هي صفة هامة! الرب يسوع أيضًا أكدَّ على أهمية الأمانة فقال: “قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ” (متى ٢٥: ٢٣). الأمانة هي مَن تُفرِّق بين شخصٍ وآخر.

 هناك من يحضر الكنيسة لكن ليس بكامل قلبه فتجده من وقت لآخر لا يحضر، وتجد البعض الآخر يُبرِّر عدم التزامه تحت عذر إنه سيصلي في البيت! لا يا عزيزي لديك وقت آخر في البيت لتصلي فيه، قَدِّر وقت الاجتماع، ماذا إن كان ميعاد طيارة هل ستتركه؟! هل ستتأخر عليه؟!

 تعلّمْ الالتزام، دون التزام يوجد حتمًا فشل! والالتزام يبدأ بخضوعك لِما يقوله القائد، فمثلاً تجد القائد في الاجتماع يقول لنقف سويًا، إذًا قفْ. إن قال لنفتح الشاهد الفلاني، افعل هذا. الالتزام يبدأ من هنا.

 في البداية قد لا تفهم كل ما يطلبه منك الراعي، لكن هذا طبيعي. في البداية تكون طفلاً روحيًا لا تعرف الكثير، فقط اخضع للراعي هو يعرف أكثر منك، اسمع لنصائحه حتى إن لم تفهم كل شيء، فيما بعد ستفهم، وإن كان لديك أسئلة اسألها، واقتدي بحياة الراعي كيف وصل لما هو عليه واسلك مثله.

 بشكل ما عندما يكون الراعي مُلتزِمًا ستجد من تحته يلقط هذا بشكل تلقائي، لكن ينبغي أن يخبره شفهيًا أيضًا، كي تكون الأمور واضحة، ويعرف الطريقة لا يكون الأمر فقط تلقائيًا.

  • ترتيب الأولويات:

 هذه النقطة تختلف طبقًا للدعوة التي على حياتك؛ فكي تكون أمينًا عليك بترتيب أولوياتك: يجب أن تقول لا لأمور، وتُلزم نفسك أن تقول نعم لأمور أخرى. لنرى ترتيب الأولويات في حياة موسى النبي:

 “بِالإِيمَانِ مُوسَى خَبَّأهُ وَالِدَاهُ حَتَّى صَارَ عُمْرُهُ ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَاهُ طِفْلاً جَمِيلاً، وَلَمْ يَخَافَا الْمَرْسُومَ الَّذِي أَصْدَرَهُ الْمَلِكُ. وَبِالإِيمَانِ، مُوسَى نَفْسُهُ، لَمَّا كَبُرَ، رَفَضَ أَنْ يُدْعَى ابْناً لاِبْنَةِ فِرْعَوْنَ. بَلِ اخْتَارَ أَنْ يتَحَمَّلَ الْمَذَلَّةَ مَعَ شَعْبِ اللهِ، بَدَلاً مِنَ التَّمَتُّعِ الْوَقْتِيِّ بِلَذَّاتِ الْخَطِيئَةِ. فَقَدِ اعْتَبَرَ أَنَّ عَارَ الْمَسِيحِ، هُوَ ثَرْوَةٌ أَعْظَمُ مِنْ كُنُوزِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَتَطَلَّعُ إِلَى الْمُكَافَأَةِ. بِالإِيمَانِ، تَرَكَ أَرْضَ مِصْرَ وَهُوَ غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ. فَقَدْ مَضَى فِي تَنْفِيذِ قَرَارِهِ، كَأَنَّهُ يَرَى بِجَانِبِهِ اللهَ غَيْرَ الْمَنْظُورِ” العبرانيين 11:23-27 KEH.

 “رَفَضَ أَنْ يُدْعَى ابْناً لاِبْنَةِ فِرْعَوْنَ”: منذ أن كان موسى في القصر كان لديه أولويات مختلفة، فكان من الممكن أن يصبح ملكًا أو أميرًا في مصر، لكنه رفض أن يُطلَق عليه هذا اللقب.

 كان موسى بالنسبة لهم غريب الأطوار وربما بدا مُتمرِّدًا، فملايين الأشخاص خارج القصر يتمنوا أن يَصِلُوا لربع مكانة موسى في قصر فرعون، فلم تكن مصر في ذلك الوقت مليئة بالسحر فقط، لكن أيضًا مليئة بالحكمة والعلوم والفلسفة، كان أعظم شعب في هذا الوقت. لكنه رفض كل هذا.

 رفض ما تمنّاه الكثيرون، والسرّ إنه كان يرى شيئًا مُختلفًا، كان يضع أمامه هدفًا آخر، هذا الهدف جعله يقول “لا” لأمور ونعم لأخرى. لنرى ما هذا الشيء: “فَقَدِ اعْتَبَرَ أَنَّ عَارَ الْمَسِيحِ، هُوَ ثَرْوَةٌ أَعْظَمُ مِنْ كُنُوزِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَتَطَلَّعُ إِلَى الْمُكَافَأَة”

 كان موسى يعلم بشأن الرب يسوع، فكان جميع أنبياء العهد القديم لديهم معرفة عن مَن هو يسوع. ربما لم يكونوا يعرفون كيف سيموت أو سيأتي، لكنهم عالمين من هو وإنه سيتألم، هذا الكلام ذُكِرَ في أعمال الرسل: “أَمَّا اللهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ، قَدْ تَمَّمَهُ هكَذَا.” (أعمال الرسل ٣: ١٨).

 إذًا لم يبالغ الكتاب عندما يخبرنا أن موسى كان يرى عار المسيح، كيف وصل إلى هذا الإعلان؟ الإجابة هي بسبب المعرفة التي حصل عليها خلال أمه، في الوقت القصير الذي ربتّه فيه، لهذا السبب التربية أمرٌ هامٌ جدًا، أشجعك بدراسة موضوع “تربية الأطفال“.

 خلال التربية أخذ موسى معرفة جعلت عقليته مختلفة تمامًا، وجعلت أولوياته تختلف، فرفض جميع الإغراءات التي كانت أمامه ورفض أن يسلك فيها.

 كلمة “يَتَطَلَّعُ” أي ينظر بثبات عارِفًا الغرض، ويكمل ويقول: محتملاً كأنه يرى ما لا يرى، كان يرى شيئًا في روحه جعله يأخذ قرارات صارمة.

 هناك مرحلة في حياتك عندما تكتشف دعوة الله على حياتك وتبدأ تخطو فيها، سيُعرَض عليك فرصًا كنتَ في الماضي تبحث عنها بلهفة، لكنها الآن هي من تبحث عنك! وهذه المرحلة التي يجب أن تقول فيها لا، لأنك عالِم أنها ليست الشيء الذي دعاك إليه الرب.

 كان لدى موسى انتماء إلى شعبه رغم ترعرُعه في بيت فرعون، كان يرى المذلة والإهانة التي يتعرَّض لها شعبه، فأراد موسى أن ينقذهم. عَلِمَ موسى إنه لم يُوضَع في هذا المكان صدفةً، ولا وجوده في هذا الزمن أو هذه العيلة أو اللغة صدفة، لكنه علم إنه هنا لغرض وعليه مسؤولية.

 اعلم هذا أنت أيضًا وجودك في هذا الجيل وتعرف هذه المعلومات، وهذه اللغة وهذا البيت بهذا الشكل ليس صدفة أبدًا!

 أتعرف ستتأثر أولوياتك وخياراتك إن بدأت السلوك في دعوتك، حتى في اختيار شريك/شريكة حياتك، فاختار إبراهيم ألّا يُزوِّج ابنه من فتاة كنعانية حسب “تكوين٢٨” لأنه يعلم أنّ من هذا النسل (شعب الله) سيأتي الرب يسوع. إذًا حتى اختيار شريك الحياة يخرج من خلال فهمك للدعوة. فهمك للدعوة هو البوصلة التي توجّهك وتُعلِّمَك أي مسار تختار، فمثلاً تعرف هل عليك السَفَر إلى ذاك المكان أم لا.

 شخص مثل موسى، بعدما هرب إلى البرية وتزوَّج واستقر، وظلّ في المكان لأربعين عامًا، ليس بهذه البساطة أن يتركه ويسافر مرة أخرى، ويرى مشقة وعناء الرجوع، لكن فقط لأنه عَلِمَ دعوته وعرف المسؤولية الواقعة عليه، قَرَّرَ الرجوع.

 يخبرنا الكتاب سرٌ هامٌ جدًا عن موسى: كان يرى ما لا يُرَى! بمعنى آخر عن عمد حفظ موسى هذه الصورة داخله ولم يتنازل عنها، كان بين يديه أن يتراجع لكنه استمر أن يرى الأمر ويُصِرّ عليه.

 هناك قانون شاركتكم به من قبل؛ “ما تفكر فيه ستكونه” نرى هذا في عبرانيين عندما قال: إن ظل شعب الله يفكر في مصر، فنتيجة لهذا التفكير المستمر والرغبة القوية، سيجدون الفرصة ليعودوا إلى هناك؛ “وَالَّذِينَ يَقُولُونَ ذَلِك، يُوْضِحُونَ أَنَّ عُيُونَهُمْ عَلَى وَطَنِهِمِ الْحَقِيقِيِّ. وَلَوْ تَذَكَّرُوا الْوَطَنَ الأَرْضِيَّ الَّذِي هَجَرُوهُ، لاغْتَنَمُوا الْفُرْصَةَ وَعَادُوا إِلَيْهِ” (العبرانيين 11:14-15) KEH.

 ما تراه في روحك وتقوله بلسانك، هو ما سيذهب إليه قلبك وستسعى له وبالتالي ستكونه، إن أردت أن تفعل شيئًا أو تحب أمرًا أو تسلك أي طريق، فقط فَكِّر بعمق فيه وتحدَّثْ به وسيحدُث. لاحظ قبل أن تتحدث عن الشيء يجب أن تتمعن فيه جيدًا وتفكر فيه.

 إذًا التفكير الكثير يُولِّد رغبة قوية؛ كلما ظللت تُفكِّر في الرؤية، كلما تولَّدت لك رغبة قوية أن تعملها. وكلما فكَّرت في الكلمة، كلما تولَّدت لديك رغبة قوية لتقرأها وتنفذها.

 بالمِثل تمامًا بالنسبة للدعوة، عندما تفكّر كثيرًا في الدعوة وتبدأ الدراسة عنها وإلمام معلومات فيما يخصها، ستقوم بها، مثال: إن كنت مدعوًّا للكرازة، إذًا لتبدأ في دراسة هذا الموضوع. ولكن هذا لا يُعني أن تهمل باقي الكتاب المقدس، فالكلمة في كل الزوايا هامة لحياتك، أن تهمل الكلمة لن يؤثر هذا فقط على حياتك الشخصية -وهذا في حد ذاته كارثة- لكنه أيضًا سيؤثر على خدمتك بالتأكيد.

 حتى إن ظهر أن ما أدرسه الآن من تعليم عام وشامل لن يفيد بشكل مباشر من أخدمهم، لكن زيادة الكلمة في حياتك، ستؤدي إلى جعلك تتكلم بتأثير المسحة؛ هناك مبدأ هام في الكلمة: “مقدار زيادة الكلمة في حياتك، يساوي زيادة المسحة في حياتك”

 أخبر بولس تيموثاوس تعليمًا هامًا جداً، يجب أن تعرفه، لنرى:

 ” ١١ أَوْصِ بِهذَا وَعَلِّمْ. ١٢ لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ. ١٣ إِلَى أَنْ أَجِيءَ اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ. ١٤ لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ، الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ. ١٥ اهْتَمَّ بِهذَا. كُنْ فِيهِ، لِكَيْ يَكُونَ تَقَدُّمُكَ ظَاهِرًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. ١٦ لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا.” (١ تيموثاوس ٤: ١١-١٦).

 سأشرح سريعًا معنى هذه الآيات: أكمل أن تُعلِّم، أوصِ بهذا، لا تدع أحدًا يحتقرك أو يقلِّل من شأنك أو يفكر فيك أقل مما أنت عليه بسبب حداثتك أو شبابك، لكنك كن مثالاً لهم في الكلام والتصرُّف، في المحبة والإيمان، في النقاء والطهارة إلى أن أجئ كَرِّس نفسك ووجِّه ذهنك، تمسِّك في ذهنك إلى التعليم الخاص والعام والقراءة والتشجيع، مُعلِّمًا ومُوضِّحًا العقيدة.

 لا تهمل ولا تفقد اللذة في الموهبة التي فيك، موهبتك الخاصة التي أُعطيَّت لك مباشرةً بالروح القدس، من خلال النبوة التي نطقها الشيوخ ووضعوا أيديهم عليك في رسامتك، مارسْ وتأمَّلْ وتخيّل في ذهنك هذه المهام، ألقِ بكاملك عليها، حتى يكون تقدُّمك ظاهرًا وواضحًا أمام كل شخص. اعتنِ بنفسك، جاهد في هذه الأشياء وتمسَّك بها لأنك بفِعْلك هذا تُخلِّص نفسك والذين يسمعونك.

 هناك مجموعة صفات أريد أن أضيفها ستؤدي بك إلى السرعة في الفَرز، لكن بسبب الوقت لن أستفيض فيها، لنرى…

 ▪︎مفاتيح لا غنى عنها:

  • كُن قابلاً للتعليم والتصحيح: لتقبَل التصحيح فعندما يحذّرك القائد من شيء أو يخبِّرك أنك أخطأت في شيء، كن ليّنًا وصَحِّح الأمر.
  • عدم إعطاء العذر لنفسك: هناك فرق شاسع بين عدم إعطاء عذر لنفسك، وبين إدانة نفسك، فلا تبرِّر لنفسك، إن أخطأت تحمَّل المسؤولية.

 يوجد من يُبرِّر أخطائه بأن ما يمرّ به أعلى من قدرته، أو أن لا أحد يشعر به ولا أحد يمرّ بما يمرّ هو به، لكن بولس كَسَرَ هذه الحجة وفضح تلم الكذبة، لنرى؛ ” فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ. ١٣ لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا” (١ كورنثوس ١٠: ١١، ١٣).

 “فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً” ما تمرّ به مرَّ على الآخرين وإن كان بصور مختلفة.

 أيضًا الكذبة الأخرى التي يحاول إبليس أن يخدعك بها: (هذا أعلى من قدرتك)، تفضحها الكلمة وتعلن أن الله من المستحيل أن يدع تجربة تُصيبك تفوق قدرتك على تجاوزها: “لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ”

 “بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا”؛ هذه الآية لا تعني أن الله يعطي الاثنين التجربة والمنفذ في آنٍ واحد، لا، بل هي تعني أنه في حالة وجود تجربة لن يترٌّكك الله هكذا لأنه يحبك، بل سيعطيك المنفذ للخروج، ليس هذا فقط لكن لن يسمح سوى أن تمرّ فقط بما تقدر أن تجتازه.

 بالفعل أخبرنا الرسول يعقوب أن الله غير مُجرَّب بالشرور ولا يجرب أحدًا بل هو مصدر كل عطية صالحة: “١٣ لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا. ١٤ وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ” (يعقوب ١: ١٣، ١٤).

 بكل الأحوال لا تدين نفسك، الإدانة صوت يُقلِّل من شأنك ويُحقِّر منك، لكن صوت الروح القدس ستجده يقول لك قُم يا بطل! ويعطيك الحلّ وإن لم تعرف ما هو الحلّ، الجأ إلى الكلمة ومن يرعاك. مثلاً لا تتحجج بأن فلان هو من أعثرك وسبب سقوطك لا، تَحمَّل مسؤولية نفسك، أيضًا لا تتحجج بِمَن يرعاك أنه سبب عدم نضوجك…وهكذا.

  • الاستمرارية:

 هذا المفتاح هام للغاية، فتجد الشخص بدأ يُصلي أو بدأ يدرس الكلمة ويكبر ويحضر الكنيسة، لكن إن لم يستمر… سيسوء الأمر! فسيكون مثل شخص بدأ يأخذ دواءً ويُشفَى لكنه يتوقّف عن العلاج في المنتصف، فيمرض من جديد بل سيأخذ مناعة ضد الدواء وهذا هو الأسوأ! رائع إنك بدأت لكن التزمْ كل يوم.

  • فَكِّرْ في الآخرين:

 كل العظماء كانوا يفكرون في الآخرين: نحميا، موسى، يسوع…الجميع، فَكِّرْ أن تعطي وتساعد الآخرين. ادرسْ الكلمة وخُذْ منها مفاتيحًا وأعطيها للآخرين، العطاء والتفكير في الآخرين أسلوب حياة الشخص الذي يمكن لله الاعتماد عليه.

  • بَرْمِجْ وقتك:

“مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ” (أفسس ٥: ١٦). افتدي الوقت أي إن تمكّنت من دفع نقود مقابل شراء الوقت، افعل هذا، اغتنمْ الوقت قُمْ بتنظيمه، اختر أسرع طريقة لفِعْل الشيء بدقة بأقل وقت ممكن.

  • الدوافع:

 أشجعك عاود دراسة سلسلة “الدوافع” من الهام أن تراجع دوافع قلبك الحقيقية وأهدافك، إن خرجت للخدمة دون أن تُعَد بشكل صحيح، فللأسف هذه الدوافع التي بَقت دون أن تواجهها وتتعامل معها، ستخرج يومًا من الأيام، خاصة إن وُكِّلت على منصب، ولن يكون الأمر هينًا.

 إليك مثالٌ؛ شخص يتمنى أن ينول منصبً ما، ويكون لسان حاله آه إن حصلت على هذا المنصب! احذر من هذا الدافع، لا تشتهي المنصب. أنت تُوضَع في المنصب كي تخدمه، لا أن يخدمك.

 لنعطي مثالاُ آخر: شخص يتمنى أن يحصل على كثير من الأموال، ويقول آه إن كان معي هذا المبلغ. ويمرّ الوقت ويعتقد الشخص أنه نسى الفكرة، لكن في الواقع عندما يكون معه هذا القدر من المال، لن يكون أمينًا فيما يمتلكه. يجب أن تواجه هذه الدوافع من البداية فأجلاً أم عاجلاً ستفعل.

  • الصلاة: بالطبع هذه النقطة لا غنى عنها البتة، لكن يوجد الكثير عن “تعليم الصلاة“، لذا لن أستفيض في هذه النقطة الآن.
  • الطاعة:

 اخضع لصوت الروح القدس والذي ستُميّزه عن طريق دراسة الكلمة. الروح القدس هو الشخص الذي عندما تخضع له، سيقودك ويخبرك؛ احذر من هذا وافعل ذاك. هو يختصر عليك الطريق لتُسرع في نضجك وتتحوّل من مرحلة الدعوى إلى الفرز.

 خضوعك للروح القدس سيساعدك أن تتخطى الضعفات الفكرية التي تكوّنت لديك، افهم هذا جيدًا؛ لا يوجد ما يُسمَى بضعفات روحية لدى المؤمنين فبالطبع روحك كاملة الجمال، لا يوجد بها عيب البتة، لكن ذهنك هو من يحتاج إلى تجديد دائم. حيث إن دائرتي النفس والجسد هي المساحة التي يمكن لإبليس أن يتمشّى فيها، لكن روحك لا.

  • امتلئوا بالروح:

 “وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ.” (أفسس ٥: ١٨). الملء بالروح يجعل حياتك مُرتَّبة ويصل بك إلى معرفة عميقة في معرفة إرادة الله وفي كل حكمة روحية. لاحِظ الطريقة لمعرفة إرادة الله: الصلاة مع دراسة الكلمة، والوعي في إدراك أغراض الله وطرقه.

 “٧كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَبَفْرَاسَ الْعَبْدِ الْحَبِيبِ مَعَنَا، الَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ، ٨ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَيْضًا بِمَحَبَّتِكُمْ فِي الرُّوحِ. ٩ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ ١٠ لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ، ١١ مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ، ١٢ شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ” (كولوسي ١: ٧-١٢).

 لاحظ الآية العاشرة، لكي تسلكوا وتعيشوا وتسيروا في الطريق التي في الرب، راغبين أن تسرُّوه في كل شيء، حاملين الثمر في كل عمل صالح نامين بثبات ومُتزايدين، عن طريق معرفة الله، معرفة كاملة عميقة واضحة متألفة.

  • لتُكمل العمل:

 احرص على قلبك وأتمم الشيء للنهاية فهناك من لا يُتمّم الدعوة التي على حياته، أخبر بولس أرخبس أن يتمم ما بدأه:

 “وَقُولُوا لأَرْخِبُّسَ: «انْظُرْ إِلَى الْخِدْمَةِ الَّتِي قَبِلْتَهَا فِي الرَّبِّ لِكَيْ تُتَمِّمَهَا.” (كولوسي ٤: ١٧).

  • حافظ على اعترافات إيمانك:

 يوجد اعترافات تخص دعوتك يجب عليك أن تقولها يوميًا: أنا أعرف ما يريده الرب مني، واتمّه بكل أمانة وإلى النهاية. حتى إن كنت لا تعرف بعد ما يريده الله منك، حافظ على اعترافاتك بإيمان وستعرف.

 صلى يسوع صلاة تسليم، وقال لتكن مشيئتك لا مشيئتي، قل هذا أنا أعرف ما يريده الله وأفعله بأمانة شديدة وأتمّه للنهاية. اعلمْ هذا أنت لست نسخة من أحد، أنت متفردٌ، لا تضع حدًّا لنفسك اترك للكلمة السُلطة العُليا في حياتك. آمين.

▪︎ أسئلة:

ما الفرق بين إحزان وإطفاء الروح القدس؟

 ج) الإطفاء جاءت في الرسالة الأولى إلى تسالونيكي؛ “١٩ لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ. ٢٠ لاَ تَحْتَقِرُوا النُّبُوَّاتِ. ٢١ امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ. ٢٢ امْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ.” (١ تسالونيكي ٥: ١٩-٢٢).

 لاحظ الإطفاء مُرتبِط باحتقار وإهمال النبوات، فيقول امتحنوا النبوات وتمسَّكوا بالحسن، فالروح القدس يريد بدء شيء جديد في المكان وهؤلاء الأشخاص أهملوا ما تكلَّم به الروح.

 “امْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَر”: هنا شبه الشر أي النبوّات السلبية، فيأتي شخص يخبرك أنك ستموت في خلال أسبوع أو ستفشل في هذا الأمر وليس من الروح القدس، هذا ليس كتابي.

 يوجد أمرٌ هامٌ ينبغي أن تعلمه: ليس شرطًا كون النبوة خرجت أنها حتمًا ستحدث لا! مثال: عَلِم حزقيال أنه سيموت، فأخذ ردّ فعل تجاه الموقف، فتغيّر المشهد ومدَّ فترة حياته.

 اعلم هذا جيدًا؛ لا يوجد ما يُسمَى بال (المُخرِج عايز كدا!) بمعنى آخر إن أراد الله فِعْل شيء فحتمًا سيحدث، لا! الأمر لا يحدُث بهذه الطريقة. يوجد نوعان من النبوة، لكن هذا ليس موضوعنا اليوم.

 ماذا عن إحزان الروح القدس؟ إحزان الروح القدس مُرتبِط بخطايا اللسان، لنرى: “٢٩ لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ. ٣٠ وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ” (أفسس ٤: ٢٩، ٣٠).

 أن تقول كلمات غير بنّاءة، أو عكس الكلمة، هذا الأمر يُحزِن الروح القدس. لكن بما أن موضوعنا هو الدعوة والفرز، فالله لن يأخذ ما أعطاه لك من هبات ودعوات حتى إن أحزنت أو أطفأت الروح القدس حيث إن؛ “هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ” (رومية ١١: ٢٩).

 أي الله لن يأخذ الإمكانيات والقدرات التي وضعها داخلك، لكن نعم إن لم تكن أمينًا فيما تفعله ستظل معك الإمكانيات لكن لن تؤتمَن على فِعْل شيء.

 ♡ إن كنتُ لا أعرف ما هي دعوتي بعد، ماذا أفعل؟

 ج) في هذه المرحلة اتّبع صوت روحك، واتّبع قيادة من وضعهم الرب فوقك، هم سيخبرونك فيما تَصلُح، وهل الأفضل أن تكون في هذا المكان أم لا، ولا تحاول أن تضع نفسك في مكان أخبرك القائد عنه بأنه لا يناسبك الآن! هو يدري أكثر منك، فإن كان مكانًا مناسبًا لك، كان سيضعك فيه من البداية. هو يراك كما يراك يسوع، ويريد لك الأفضل، ويعلم ما هو مستواك الروحي الآن.

 ♡ هل ينبغي أن أُصلي للحصول على مسحة ضعفين؟

 مبدئيًا المسحة الضعفين لا تطلبها ولا تصليها ولا تتمناها ولا تتوقعها، معنى كلمة مسحة أي إظهار قوة الروح القدس، أما المسحة الضعفين التي طلبها أليشع من إيليا، فمعناها باختصار أن يكون قائدًا للأنبياء، وتشير أيضًا إلى البِكْر فكان البِكْر يأخذ ضعفين كميراث.

 عرفنا من الرب يسوع قانونًا روحيًا هامًا وهو أنك لا تستطيع أن تعطي ما هو ليس عندك فَمِن مستوى ملء الرب يسوع نحن أخذنا: “وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا.” (يوحنا ١: ١٦).

 لا يمكنك أن تعطي أكثر مما هو عندك بالفعل، فلا تتوقع أن يُخرِج الروح القدس أضعافًا من داخلك ليساعد مَن حولك، لا، إن لم تنجح في دائرتك الشخصية لن تستطيع مساعدة الآخرين.

 معنى أن تنجح في دائرتك الشخصية، أي تعرف الكلمة، تعرف كيف تصلي وكيف تقود حياتك وكيف تمارس إيمانك. ستقدر أن تساعد من حولك فقط فيما تعرفه، لذا اجتهد في دراستك للكلمة فأنت والآخرون تحتاجونها بشدة.

 أما عن السند الذي يستند عليه الكثيرون في موضوع المسحة الضعفين ألّا وهو شقّ البحر أو النهر مرتين، هذا المفهوم غير صحيح فتكرار المعجزة لا يعني تضاعف المسحة. أتريد أن تعرف الفرق بين مسحة ومسحة أعلى! انظر الفرق بين شق الماء والمشي على الماء مثل يسوع، شخص هدم الحائط وآخر تحرَّك خلاله.

 ♡ ماذا عن المواهب؟

 سيأتي وقت نستفيض في هذا الأمر لكن سأعطي نظرة سريعًا: المواهب لها علاقة بجو المكان وإظهار الروح للمنفعة، وقد يريد الروح القدس أن يستخدم شخصًا في موهبة ما، والشخص نفسه يتفاجأ أن مثل هذه الموهبة تخرُج منه.

كيف أجعل نفسي مُؤهَّلاً؟

للإجابة دعني أفتح هذا الشاهد:

 “١٤ بِسَبَبِ هذَا أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ١٥ الَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ. ١٦ لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ، ١٧ لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، ١٨ وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، ١٩ وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ. ٢٠ وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا” (أفسس ٣: ١٤-٢٠).

 “تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ”: هنا كلمتان مختلفتان، لكن المعنى أن تتقووا بالقدرة، والقدرة أعلى من القوة، فمثلاً: إن كان هناك قطعة حديد فهي بالفعل قوية، لكن إن أتيت بمعدن آخر أقوى من الحديد فقَدِرَ أن يلويه، إذًا هذا المعدن قدير ليس فقط قوي لأنه قَدِرَ على القوة.

 أيضًا تأتي في بعض الترجمات يحقن قوة في داخلكم، إذًا أنت تحتوي قوة بالفعل داخلك، هللويا! أيضًا يذكر في كورنثوس أن الله بالفعل جعلنا “كُفَاةً” أي أكفاء لنخدم؛ “٥ لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنْ نَفْتَكِرَ شَيْئًا كَأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ اللهِ، ٦ الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ.” (٢ كورنثوس ٣: ٥، ٦).

 مرة أخرى نحن مُؤهَّلون بالفعل لنخدم فلا تبحث عن طريقة تجعلك مُؤهَّلاً. لكن السؤال هو: لماذا لا يخرج هذا التأهيل للخارج؟

 الإجابة هي المعرفة. المعرفة هي التي تجعلك تمتلئ لكل ملء الله:وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ”

 كلمة “تَعْرِفُوا” هنا تفوق المعرفة البشرية العادية على عكس كلمة “الْمَعْرِفَةِ”، فلفظ معرفة هنا يعني معرفة عادية فيقصد أن تعرف محبة يسوع التي لا يمكن معرفتها بطريقة بشرية علمية، لكن تعرفها بروحك معرفة إلهامية.

 في العربية يبدو أن كلمة (معرفة) كلمة واحدة عامة، لكن في اليوناني يوضح ثلاث كلمات مختلفة الأولى جنوسيس: أي المعرفة العلمية مثل التي نتلقاها في المدارس.

 الثانية ايدو: وهي معرفة الإدراك، فأنا فهمت وأدركت شيئًا، لكن ليس بالضرورة أن أقتنع به أو أحيا فيه.

 الثالثة ابيجنوسكوا: أي المعرفة الفائقة للطبيعة والعقل البشري، أعمق معرفة ممكنة. هذا هو المفتاح، أن تدرك محبة الله! وهذا عن طريق الكلمة، وبالتالي تمتلئ لكل ملء الله وتزداد في المسحة، إذًا كيف تزيد المسحة؟ عن طريق المعرفة.

 أحد مفاتيح النجاح بشكل عام، المعرفة العميقة. سواء في دراسة، في عمل، في الدعوة التي على حياتك…المعرفة هامة جدًا. فابدأ في البحث. على سبيل المثال: إن علمت أنك مدعو رسولاً، ابدأ ادرس عن هذه الخدمة، لكن كما ذكرت لا تنسى أن تهتم بنفسك روحياً أولاً.

 دعني أعطي مثالاً لتفهم الفرق بين أنواع المعرفة الثلاثة: هناك معلومة تقول إن الرب يسوع وُلِدَ من عذراء؛ حسنًا هذه المعلومة ليست معلومة طبيعية فلا يُمكن أن طفل يُولَد من عذراء، إذًا هي تخطت جنوسيس المعرفة البشرية، ثم صدقتها العذراء مريم فأصبحت ايدو، تفاعلت معها وأصبح لها تأثيرًا في حياتك وتأملت بها؛ هنا أصبحت ابيجنوسكوا، فلا يوجد اعتراض أو تفكير في مدى صحة هذه المعلومة.

 فإن كنت مُؤمِنًا، فهذه المعلومة مقبولة لديك لأنك تخطيت هذه المراحل، لكن لنأتي بشخص غير مؤمن ويسمع هذه المعلومة لأول مرة! ستجده في حالة صدمة وسيتعجب كيف عذراء تلد! ما هذا؟! هو لازال في بداية المعرفة… وهكذا.

 “لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ”: هنا ملء كامل أي إن وضعت شعرة أخرى على سفينة ممتلئة بأقصى حمولة، ستغرق. فنحن مدعوون لهذا المستوى، هللويا. 

__________
من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الاقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.

Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations are forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.

Download

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$