القائمة إغلاق

ما هي الحياة المسيحية وكيف تحياها – الجزء 2 What Is Christianity And How To Live – Part

العظة على فيس بوك اضغط هنا

العظة على ساوند كلاود اضغط هنا

 

الحياة المسيحية وكيف تحياهاالجزء 2

▪︎ الحياة المسيحية وما هي؟

▪︎ للحياة المسيحية طريقة.

▪︎ زويّ حياة الله في الإنسان.

▪︎ نتائج ولادتك الثانية من الله:

١. لم تَعُدْ الكنيسة من العالَم رغم أنها في العالَم.

٢. ليس للخطية سلطانٌ عليك.

٣. لم يَعُدْ لجسدك سُلطانٌ على روحك.

٤. أخرجنا من سلطان الظلمة.

٥. لم يَعُدْ للبشر سلطانٌ عليك.

 هيّا لتعرف ما أراده الروح القدس وما تركه لك في الوحي الكتابي عن الحياة المسيحية. الحياة المسيحية ليست طقوسًا، ليست ديانةً أخرى بديلة للديانة اليهودية. ليست “افعل، و “لا تفعل” لكنها تؤدي إلى أفعال. المسيحية ليست فِكْرًا، ليست شخصًا كان فعَّالاً في زمنٍ من الأزمنة وله أتباعٌ الآن. الحياة المسيحية هي حياة الله، وطبيعة الله في الإنسان. عندما تُدرِك هذا، لن تكون ضحية في هذه الحياة.

▪︎ الحياة المسيحية وما هي؟

 سمعنا كثيرًا مصطلح “الحياة الأبدية”، فسمعنا مثلاً: “انتقل فُلان إلى الأبدية”. فلفظ “أبدية” لدينا أعطانا انطباعًا أن الحياة الأبدية هي مجرد فترة زمنية. وَضَّحْتُ سابقًا في أحد المؤتمرات عن حياة الله –زوّي– أن مصطلح “حياة أبدية” ليس معناه فقط مجرد فترة زمنية ستنقضي للأبد.

 لكن واقعًا يختلف مفهومه عن المفهوم المعروف لدينا، وبفهمه ستفهم الحياة المسيحية، وستعرف كيف تعيشها. الحياة الأبدية هي حياة الله، قوة الله، شخصية الله في الإنسان مما يجعله يحيا الحياة الإلهية هنا على الأرض. دعني أُوضِّح لك تعريف الحياة الأبدية من كلمة الله:

“نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ. وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هَذَا هُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ.” (يوحنا ٥: ١٩- ٢٠).

 “نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ”؛ تأتي في الأصل: “نعلم أننا خرجنا، انبثقنا، وُلِدنا من الله”.يتكلَّم هنا عن طبيعة الشخص المولود من الله؛ طبيعته ليست طبيعة عادية. هو شخصٌ مُختلِفٌ عن العالم؛ مصدره هو من الله.

 اعتقد البعض -للأسف- أن الحياة المسيحية هي حياة عجز، وأن الكنيسة مكتوب عليها المُعاناة، والبعض الآخر يُشبِّه فترة الكنيسة حاليًا بفترة شعب الله حينما كانوا في البرية. لكن واقعًا لم يَكُن فِكْر الله لشعبه في القديم أن يستمروا في البرية، وإن كان أُطلِقَ عليهم أنهم “الكنيسة التي في البرية” فهذا ليس معناه أنّ الكنيسة الحالية في البريَّة، لكنه كان يتكلَّم عن نظرة الرب لهم؛ أنهم مجموعة مُنعزِلة من العالم ليَخرُجوا ويحيوا مع الله.

 لكن الكنيسة الحالية ليست في أرض البرية، وأيضًا فِكْرة أن الكنيسة ضعيفة ناتِجة عن عدم فَهْم المسيحية بصورة صحيحة. عندما قَبِلَتْ مجموعة من الأمم يسوع، تعاملوا مع هذا بكل هيبة وتقدير، الأمر الذي كان يتعامل معه الآخرون باعتيادية. وقالوا سنُسمّى “مسيحيين”. لذلك أول مرة أُطلِق فيها هذا الاسم -مسيحيين- كان على أشخاص تَحمَّسوا وقَدَّروا ما صاروا عليه. أكثر شخص يحتاج لفَهْم المسيحية هو الشخص المسيحي نفسه.

 “وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ”؛ أي العالم كله مُسيطَرٌ عليه من إبليس، أما نحن فَمُختلِفون.

“وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ”.

 الكنيسة ليست مُضطرِبة، ليست تائهة، لا تعاني لكي تعرف كما يقول البعض عبارات مثل: “لا أحد يفهم شيئًا”، “لا أحد يعرف شيئًا”، “لا نعلم أين الحقيقة”. لكن يقول الكتاب المقدس قد أُعطينا بصيرة لنفهم ونرى ما وراء الأمور والأحداث. أُعطينا فَهْمًا، وصارت لدينا بصيرة فَهْم وإدراك.

 أُعطِينا بصيرة لنعرف الحقيقة في كل شيءٍ. إن كنت تدرس، أو في عملك، أو تَمُرّ في مشاكل، عندما تُفعِّل الطبيعة الإلهية التي فيك، ستعرف كيف تَعبُر في أي من هذه الأمور بانتصار. إن وَجدت أشخاصًا صعبة التعامُّل، لن تكون مُرتبِكُا، وتنتهي جملة “لا أعرف…” من حياتك. هذا عَبْر فَهْمك لهذه المبادئ وأن تغذّي الطبيعة الإلهية داخلك.

 لكن يوجد مولودون من الله -للأسف- يأكلون من روح العالم ويعرفون أمور العالم؛ “وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ” (١كورنثوس ٢: ١٢).

 يوجد مَن يعمل تحت هذا الروح؛ فينشغل بالميديا، أو المحلات، أو بالمشتريات، أو بأصناف من الأكل، أو الكُرَة، أو ينشغل بالمُمثِّلين ويُخدِّر نفسه بأنه أعطى وقته للرب في حين أن هذا الشخص يتحوُّل للارتداد للهلاك. سأتكلَّم عنه باستفاضة في المرات القادمة.

 للأسف لم تُفهَم الحياة المسيحية بصورة جيدة، وقام كل شخصٍ برسم صورة لها كما أراد. لكن واقِعًا الحياة المسيحية لها منهجية ومبادئ. ويوجد تحذير من عدم السلوك بهذه المبادئ، كما تحتاج الكنيسة لفَهْم هذا، لأنه كما أُعطيت ووُهبت لنا هذه الأمور الرائعة، فيجب علينا أن نستخدمها بصورة سليمة.

“بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ.” (١ يوحنا ٤: ٩).

 يسوع ليس نبيًّا، بل هو الله. هو الحياة الإلهية؛ الحياة الأبدية -زوّي- التي لا تَفنى ولا تضمحل، ولا يمكن مقاومتها أو تدميرها وتحطيمها أو كسرها. أنت أُعطيت هذه الطبيعة في روحك، الآن هي طبيعة روحك!

“مَنْ لَهُ الابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ.” (١ يوحنا ٥: ١٢).

 يسوع هو الحياة الأبدية، وهذا يُعنِي أن الحياة الأبدية هي شخصٌ وليست مجرد فترة زمنية، ووُصِفَتْ هذه الحياة بأنها “أبدية” لتفريقها عن بقية أنواع الحيوات الأخرى؛ الحياة البشرية، والحياة النباتية والحيوانية. وأي شيءٍ حيٍ، فهو مُنبثِقٌ من الله نفسه -زوّي- ونحن أخذنا هذه الطبيعة والحياة الإلهية لنحيا بها.

 تحتاج الحياة المسيحية إلى تنمية لتختبرها وتذوقها بصورة واقعية. تُسمَّى هذه الحياة “حياة يسوع” ويسوع هو ملكوت السماء على الأرض. أنت أُعطيت يسوع لكي تحيا به وليس لضمان السماء فقط، لتحيا به هنا على الأرض.

 يوجد فرقٌ بين ملكوت الله وملكوت الابن، ملكوت الله هو الكون كله، الخليقة كلها، ويحتوي قوة، وهو عبارة عن سيادة الله على الإنسان. أمَّا ملكوت الابن فهو استثمار في ملكوت الله الأكبر، هو ملكوت السماء على الأرض، وهو ما يجب أن تفهمه.

▪︎ للحياة المسيحية طريقة:

 للحياة المسيحية طريقة؛ لذلك أُطلِقَ عليها الطريق (أعمال ٩: ٢). ووجود طريقة للحياة ليس عيبًا، إنه ليس ناموسًا. لم يحارب بولس الرسول ذات الناموس، لكنه كان يحارب التبرير بالناموس، لأن الناس دخلت بانطباع أن الله سيرضى عنهم وسيقبلهم حينما يسلكون بالناموس. فبدأ بولس يُوضِّح أن يسوع أَخَذَ كل شيءٍ، وهذه كلها كانت رموزًا، فهو راضٍ عنك الآن، يبقى أن تسلك بهذا.

 لم يُحارِب بولس مبدأ التنظيم، لأنه هو نفسه وضع قوانين، ووضع طريقة للسلوك ليس لإرضاء الله لكن لتنظيم العلاقة معه، وهذه الطريقة وُضِعَتْ لإنهاء الموت؛ “قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى.” (رومية ٥: ١٤). نلاحظ إنه لم يَقُل؛ “قد مَلَكَ الموت من آدم إلى إبراهيم” بل “مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى” لأن موسى هو بداية الوقت الذي وُضِعَ فيه نظام للحب الرائع الذي حَدَثَ في عهد إبراهيم، فبالتالي نُظِّمَتْ هذه العلاقة الجميلة عبر الناموس. للمزيد راجع سلسلة عظات “الرياضة الروحية“.

 للأسف يوجد انطباع خاطئ لدى البعض وهو أي شيءٍ مُنظَّمٍ يُعنِي وضع قيود للروح القدس، لكن الوضع يختلف هنا عن العادات الروتينية. هام جدًا أن تفهم الفرق بين عادات روتينية تفعلها كَروتين، وبين أنك تضع روحك فيها فتصير عادات روحية سليمة.

“وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أُبْطِئُ، فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ.” (١ تيموثاوس ٣: ١٥).

 أي تعرف طريقة السلوك في بيت الله. فالكنيسة لها مبادئ وطريقة سلوك. لكي تستطيع أن تحيا الحياة المسيحية، فأنت تحتاج لاكتشاف أن كل الأمور التي تعتبرها الناس أنها مشاكل، يسوع قد حَلَّها. لتفهم هذا جيدًا؛ الحياة المسيحية ليست فقط أن تكتشف كيف تحياها كمجرد طريقة، لكن واقعًا يوجد باطن لهذه الطريقة. لذلك عندما تفعلها، تكون مَبنيّة على فَهْمك لهذا الأمر.

 اكتشفْ ما حَدَثَ لك عندما وُلِدت من الله، ولا تُصلِّ لأجل الأمور التي تمَّتْ لكي تتمّ مرة أخرى وإلَّا بهذا أنت تقول للرب إنه مُقصِّرٌ. لكن عليك اكتشاف هذه الأمور لكي لا تُضيِّع وقتك في البحث عن “ذراعك الذي فيك بالفِعْل”. قديمًا عندما سألَ موسى الرب “ماذا أفعل..؟”، قال له الرب: “مِدّ عصاك”. أي استخدمْ ما لديك. عصا موسى هذه لم تَكُن عادية، بل ممسوحة، وظلَّت على مَرّ الأجيال لها قيمة.

 دعني أشرح لك هذا المَثَل، للطفل قدرة على إخراج الأسنان، لكن هذا ليس معناه أن أُعطي له أسنانًا مطحونة ليأكُلها، بل سأُعطي له غذاءً يستطيع جسده أن يُحوِّله إلى أسنان، أو إلى عظام، أو إلى شيءٍ مفيد للأعضاء لكي تنمو. لذلك أنا لا أُعطي له الشيء مباشرةً، لكن أعمل على تغذيته، حيث تُوجد فيه قوة يستطيع أن يستخدمها. هكذا أنت تحتاج لفَهْم هذه المبادئ لتعرف كيف تستخدمها وتُخرِجها.

▪︎ زويّ حياة الله في الإنسان:

“تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: “أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا، إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ جَسَدٍ لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ. وَهَذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلْإِلَهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ.” (يوحنا ١٧: ١ ٣).

تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: “أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا”

 أي حينما يسلُّك الإنسان بمجد الله، فهذا يؤدي إلى تمجيد الله. حينا يرى الناس ابنك أو ابنتك في الفصل الدراسي، أو في الشغل، فإنهم سيعرفون تربيتك ومستوى معيشتك من خلالهم. حينما يضع ويستثمر الأب والأم في الابن أو في البنت، هذا يؤدي إلى انعكاس ما وُضِعَ فيهم كأبناء إلى الأب والأم.

 هكذا عندما تكون الكنيسة تعيسة، فهذا لن يؤدي إلى مجد الله؛ لاحظ أنه يقول: “مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا”. ليس من مصلحة الرب أن يحيا الإنسان الذي يتبع يسوع حياة تعيسة.

 أَعْلمُ جيدًا كم الأفكار التي تشبَّعَتْ بها الكنيسة عن الألم وأنه شيءٌ جيدٌ. في الواقع هذا بسبب ما تَمَّ وعظه وليس بسبب أن الكتاب يقول ذلك، لأن كل الآلام التي ذُكِرَتْ في الرسائل ويتكلَّم عن القبول لها كانت بسبب الاضطهادات والانتقادات والافتراءات. فنعم للألم الذي هو اضطهاد، ونعم للألم الذي هو افتراءات من أجل المسيح وكلمته.

وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ”؛ هذا هو تعريف الرب يسوع شخصيًا للحياة الأبدية، فحينما تَعرِف الرب يسوع أي تقبله في حياتك، وتتعرَّف على فِكْره وحياته، تصير شريكًا للطبيعة الإلهية، وتحيا بالحياة الإلهية. الحياة الأبدية هي شخص (الله) وهي معرفة شخص.

 ليست الحياة الأبدية هي الذهاب للسماء، وهي ليست قضاء الأبدية في عزف القيثارة، مَن يعزفون القيثارة في السماء هم شريحة من الملائكة، وقد تكون هناك في بعض الأحيان فترة تسبيح، لكن يوجد عملٌ ونزولٌ على الأرض، ومُلْك ألفي، ويوجد بعد ذلك سماءٌ جديدةٌ وأرضٌ جديدةٌ، وسنملكُ على مَن آمنوا في فترة المُلْك الألفي. هذا أمرٌ آخرٌ…إلخ. ما أريد قوله إننا لن نقضي الأبدية في صمت.

“لِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ، بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ (المُتنوِّعة الأوجه)” (أفسس ٣: ١٠).

 أي يُعَرَّف لدى الملائكة من خلال الكنيسة عن حكمة الله المُتنوِّعة الأوجه. تشاهد الملائكة هذا الإله من وقت الخَلْق، ويعبدونه بانبهارٍ. لكنهم غير فاهِمين أعماقه. لكن عندما رأوا أولاده يكبرون وينضجون، بدأوا يتعلَّمون حكمة الله منهم. فالملائكةُ كائناتٌ قابِلة للتَعلُّم وليست مُبرمَجة، بل لها إرادة حرة، إذ اختار جزءٌ منها أن ينشقّ عن الله.

 تأخُذ هذه الكائنات قوتها من الله، وإن كانت الملائكة تُشبَّه بالكواكب، فالكوكب يأخذ نوره من الشمس، لكنه لا يُعطي نورًا من ذاته، ولذلك ليس شرعيًا أن يكون الملاك الذي قوَّى يسوع في (لوقا ٢٢: ٤٣) ملاكًا عاديًا أقل رتبةً منه، بل هو شخص الروح القدس نفسه، والذي أُطلِقَ عليه “ملاك الرب” في العهد القديم.

بدون شخص الروح القدس، تصبح المسيحية هزيلةً وليست حيةً.

“لكِنْ أَمِينٌ هُوَ اللهُ إِنَّ كَلاَمَنَا لَكُمْ لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلاَ لِأَنَّ ٱبْنَ ٱللهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ (نلاحظ إنه رَبَطَ حياته بيسوع)، ٱلَّذِي كُرِزَ بِهِ بَيْنَكُمْ بِوَاسِطَتِنَا، أَنَا وَسِلْوَانُسَ وَتِيمُوثَاوُسَ، لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلَا، بَلْ قَدْ كَانَ فِيهِ نَعَمْ. لِأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ ٱللهِ فَهُوَ فِيهِ «ٱلنَّعَمْ» وَفِيهِ «ٱلْآمِينُ»، لِمَجْدِ ٱللهِ، بِوَاسِطَتِنَا.” (٢ كورنثوس١: ١٨ ٢٠).

 “لكِنْ أَمِينٌ هُوَ اللهُ إِنَّ كَلاَمَنَا لَكُمْ لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلاَ”

 خلفية هذا الشاهد هي أنهم كانوا سيذهبون لهم لخدمتهم لكن لم يستطيعوا، لذلك وَضَّحَ لهم بولس الرسول قائلاً: إن كنت أتكلَّمُ عن برنامج وخطة أننا سنأتي لزيارتكم، ولم نستطِع، فهذا ليس معناه أن كلامنا مُتضارِبٌ، فعدم مجيئنا إليكم لا يُعنِي أن قولنا لكم بأننا “سنأتي” يعني أننا “سوف لا نأتي”، وليس معناه أن “نعم تُعنِي لا”. لم تَكُن هناك تورية، لم يَكُن وجود لمعنيين مُتضارِبين للآية، فنعم تعني نعم. إذًا لا يوجد معنى جديد للآية اليوم وآخر للآية نفسها غدًا.

لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلاَ، بَلْ قَدْ كَانَ فِيهِ نَعَمْ”؛ أي كرازتنا بينكم لم يكن فيها “نعم تعني لا”، بل “نعم تَعني نعم”. لم يحمل كلامنا مَعنيين مُتضارِبين، وإلَّا فكرازتنا مُتضارِبة في معانيها أيضًا. فإن كان الخادم يتكلَّم، وكلامه يحمل مَعنيين مُتضارِبين، فَمِن الممكن أن تحمل كرازته معنيين متضاربين أيضًا.

 لا يعتبر البعض أنهم أخذوا خلوتهم إلّا إنْ وجدوا معنى جديدًا للآية، تحت مُسمَّى أن كلمة الله جديدة في كل صباح، وهذا المعنى ليس شرطًا أن يكون صحيحًا. وهذا ما أدَّى في النهاية إلى تحطيم الحياة الروحية. كلمة الله تُعنِي حرفها.

لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ “النَّعَمْ” وَفِيهِ “الآمِينُ”؛ لأن مهما كانت مواعيد الله فهو فيه دائمًا ما يُعنيه؛ نعم. لذلك نحن نقول “آمين” أي نعنيها أو نقصدها، أو ليكن هذا.

لِمَجْدِ اللهِ، بِوَاسِطَتِنَا”؛ يظهر مجد الله بواسطة الكنيسة، والكنيسة مسئولة أن تُعلِنه، وهي ليست كنيسة هزيلة أو تعاني، لأنه إن كانت الكنيسة تُعاني، لن تؤدي إلى مجد الله، إذًا المسيحية ليست معاناة. ومفرد الكنيسة هم الأشخاص. أنت مفرد الكنيسة.

 “وَلكِنْ شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.” (٢ كورنثوس٢: ١٤)؛ الكنيسة هي إظهار رائحة المسيح، فهي مُستخدَمة لتكون أداة كشف الله في الأرض، وقد أعطاها الرب كل ما يلزمها لذلك.

 “كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ.” (٢ بطرس ١: ٣)؛ فإنه مَضيعة للوقت أن تُصلّي قائلاً: “يا رب قويني، يارب دَعِّمني، يارب ساعدني..” لكن يوجد إدراك عندما تكتشفه، ستستخدم القوة المتاحة لديك والمعرفة التي اكتشفتها.

 إليك مثالٌ للتوضيح؛ إن ذهبت إلى شخصٍ ما في قسم جديد في عملك، وطلبت منه المساعدة، فكيف سيساعدك؟ إنه من الحماقة أن يفعل لك الشيء دون أن يُعلِّمك كيف تفعله بنفسك، لأنه بذلك سيتركك غير مُتعلِّم. لكن لكي يكون قام بمساعدتك بالفعل، فعليه أن يُعلِّمك كيف تفعلها بنفسك. هذا هو نجاح الله في الإنسان؛ “يُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ” الكنيسة ليست كيانًا مُخبّطًا في الأرض بل أقوى مِمَّا تتخيّل!

 الكنيسة ليست كيانًا عاديًا. عندما قبلت يسوع، لم تَعُد حياتك كما كانت قبل ذلك. نعم مازلت تبدو كما أنت خارجيًا، لكن حدث لك شيءٌ داخليًا، وكلما تكتشفه، تكتشف ما هي الحياة المسيحية، وتُعيِّد وتَفرح بهذه الأمور.

▪︎ نتائج ولادتك الثانية من الله:

 سريعًا ومع شيء من التفصيل سأُوضِّح ما حدث لك حينما وُلِدت من الله، وهذه هي الحياة المسيحية، وعندما تعيش بهذا المنطلق وتُجدِّد ذهنك بهذه الأمور، ستصير حياتك خارجيًا ما صرت عليه بالفِعْل داخليًا بعدما وُلِدت ثانيةً. وكل نقطة من النقاط التالية لها استفاضة في التعليم.

١. لم تَعُدْ الكنيسة من العالَم رغم أنها في العالَم:

إِذًا إِنْ كُنْتُمْ قَدْ مُتُّمْ مَعَ الْمَسِيحِ عَنْ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، فَلِمَاذَا كَأَنَّكُمْ عَائِشُونَ فِي الْعَالَمِ؟ تُفْرَضُ عَلَيْكُمْ فَرَائِضُ «لَا تَمَسَّ! وَلَا تَذُقْ! وَلَا تَجُسَّ!» ٱلَّتِي هِيَ جَمِيعُهَا لِلْفَنَاءِ فِي ٱلِٱسْتِعْمَالِ، حَسَبَ وَصَايَا وَتَعَالِيمِ ٱلنَّاسِ، ٱلَّتِي لَهَا حِكَايَةُ حِكْمَةٍ، بِعِبَادَةٍ نَافِلَةٍ، وَتَوَاضُعٍ، وَقَهْرِ ٱلْجَسَدِ، لَيْسَ بِقِيمَةٍ مَا مِنْ جِهَةِ إِشْبَاعِ ٱلْبَشَرِيَّةِ.” (كولوسي ٢: ٢٠ ٢٣).

 لاحظ الطريقة التي يصيغ الجملة بها؛ “فَلِمَاذَا كَأَنَّكُمْ عَائِشُونَ فِي الْعَالَمِ؟” أي لم يَعُدْ للعالم سلطانٌ عليها، نعم هي تخضع بكل وداعة لكل ما يُعطَى لها من قوانين طالما إنها مُطابِقة للكلمة. أنت لا تحيا الآن طبقًا للعالم ومبادئه، ومن يفعل هذا يضع نفسه ضِدّ يسوع.

 كل مرة تسلُّك فيها بمبادئ العالم، فأنت تهدم قالِبًا بل حائِطًا من المبنى الذي جعلك عليه يسوع. ليس الأمر بلعبة! كل مرة تخضع لمبادئ العالم، فأنت تنال منه. يوضح الكتاب أنه قد يفعل أشخاص أمورًا وينالون منها دون أن يَدروا، فقط عَبْر الخضوع. مثلاً عندما تخضع لشخص عليه أرواح شريرة، ستنال منه.

 لكن إنْ كان شخصًا ذات سُلطة في عملك أو شريك الحياة مثلاً، فالخضوع يكون انتقائي داخلي. كما وَضَّحَ الكتاب؛ “قَائِلاً: عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ، فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ، وَلكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ.” (متى ٢٣: ٢- ٣).

 كُنْ حريصًا واقفلْ قلبك من الاستقبال من الأرواح التي عليه، فعندما تخضع وتفتح قلبك بالكامل، فأنت تنال مِنه، وتجدّ نفسك مُتضايقًا دون أن تعرف السبب، لكن هذا لأنك أَخذتْ منه أرواحًا شريرةً. فالأرواح تُنقَل عَبْر الأفكار، والسبب في وجود أرواح شريرة بنشاط في حياة بعض الأشخاص هي الأفكار، والعلاج يكون بأفكار صحيحة تحلّ محل القديمة وليس بالصلاة.

 “فَلِمَاذَا كَأَنَّكُمْ عَائِشُونَ فِي الْعَالَمِ؟”؛ لو تكلَّم شخصٌ بهذه اللغة دون سند كتابي، سيقولون عليه إنه لا يعيش في الأرض التي نعيش فيها، وإنه “سوبرمان”. لكن واقعًا هذا هو ما يقوله الكتاب! المَنطِق الذي يتكلَّم به بولس الرسول هنا هو منطق ما فعله يسوع.

 “تُفْرَضُ عَلَيْكُمْ فَرَائِضُ”؛ قد يُفسِّرها البعض أنه يتكلَّم فقط عن الفرائض؛ لأنه كان يُضادّ السلوك بالناموس. لكنه يتكلَّم هنا عن الفرائض وأيضًا كمبدأ عام. فبسبب أنك خرجت من العالم، بالتالي -وأنت فيه- لا يسري عليك أقوى شيء، الناموس الذي هو أقوى من الخطية، الذي أوقفَ الموت. كأنه يقول “لم يَعُدْ للناموس سلطانٌ عليكم”

 وُضِعَ الناموس ليضع نهاية للموت لكنه كان سببًا في موت يسوع. أكملَ يسوع الناموس لذلك فهو برئٌ وكان يجب ألّا يموت بسبب الناموس. لكن بسبب حُكْم الناموس بالقتل على أي شخص يَدَّعي أنه نبيٌ وليس فقط أنه مسيَّا. هذا ما جَرَّأَ اليهود لقتل يسوع، فقُتِلَ يسوع بذات الأداة التي منعت الموت؛ لأنه أخذَ خطايانا، وصار خطيةً، مجدًا لاسمه!

 إذًا مَن وضع الناموس قُتِلَ مِنه لأجلنا. لكنه تميَّز بقيامته من الموت مُنتصِرًا، فهو لم يضع عنصر إرادته في الخطية التي وُضِعَتْ عليه؛ “لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.” (٢ كورنثوس ٥: ٢١)

 لم يفعلها، ولم يعرفها، ولم يَدخُّل في أُلفة معها. صار يسوع خطيةً؛ أي وُضِعَتْ عليه آثامنا. فبالتالي لو وقفت مكان اليهود، ستجد أنهم قتلوه لأنه أدَّعَى أنه نبيًّا، ولأنه كان يُضادّ ناموس موسى، والناموس يحكم عليه بالقتل، هذه وجهة نظرهم وبالطبع خاطئة! وعندما اشترَك في قرار قَتْله شخصٌ أمميٌّ، بالتالي حَقَّقَ اليهود والأمم -دون أن يدروا- أمورًا لم يعلموا مخزاها.

 لذلك احذرْ أن تسلك بسلوك عالمي في عالم الروح الذي أنت فيه بالفِعْل، واحذر السلوك في أمور تُحقِّق بها -دون أن تدري- أمورًا في عالم الروح. ولهذا السبب نجدّ في (١ يوحنا ٥: ٢١) تحذيرًا من عبادة الأصنام بقوله؛ “أَيُّهَا الأَوْلاَدُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الأَصْنَامِ”.

 أنت خرجت من العالم لكن يجب عليك أن تحفظ نفسك مِنه. لذلك إن كنت تقول: “أنا مُتعَبٌ في الأرض” فكلمة الله تقول لك: “أنت لم تَعُدْ خاضِعًا لهذا العالم في قوانينه وتأثيراته والأمواج الفِكْرية التي تأتي عليك”. لم يَعُدْ هناك انغلاق وانفتاح في السماويات، لا يوجد ما يُسمَّى بالأجواء المفتوحة والمُغلَقة. لم يَعُدْ هناك تأثيرٌ من أرواح شريرة من الأشخاص عليك، لأنك غير تابِع لهذا النظام بعد، أنت تابِعٌ لقوانين السماء التي لا توجد فيها هذه الأمور.

“الَّتِي هِيَ جَمِيعُهَا لِلْفَنَاءِ فِي الاسْتِعْمَالِ، حَسَبَ وَصَايَا وَتَعَالِيمِ النَّاسِ“؛ أي إنها كانت طبقًا لوصايا وتعليم الناس.

“الَّتِي لَهَا حِكَايَةُ حِكْمَةٍ، بِعِبَادَةٍ نَافِلَةٍ، وَتَوَاضُعٍ، وَقَهْرِ الْجَسَدِ، لَيْسَ بِقِيمَةٍ مَا مِنْ جِهَةِ إِشْبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ”؛ أي دعوني أشرحُ لكم حكمتها. يُمكِننا أن نُفسِّر الأمور، ولدينا بصيرة لفَهْم لماذا الناس تفعل كذا وكذا، وهذا ليس للحُكْم عليهم، فبولس الرسول هنا كان يُنقِذ الناس فأعطاهم تعليمًا ليَأخُذوا مناعةً، وكونه يُفسِّرها، فهذا معناه أنّ لديه حكمة أعلى وبصيرة للفَهْم.

“بِعِبَادَةٍ نَافِلَةٍ”؛ أي تأليف الناس.

وَقَهْرِ الْجَسَدِ”؛ محاولة قَمْع الجسد.

 كثيرًا ما نرى في بعض الأماكن وجود نظام مُعيَّن في الصلاة، وتَقشُّف بصورة مُعيَّنة اعتقادًا منهم أن هذا يُرضي الله. لكن هذا تأليف الناس وليس وحيًّا، حتى إنْ كان الشخص الذي يفعل هذا له رونقٌ، وقلبٌ جيدٌ.

 “لَيْسَ بِقِيمَةٍ مَا مِنْ جِهَةِ إِشْبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ”؛ أي ليست لها أي قيمة، هي فقط تُشبِع بشريته وليست علاقته مع الله.

“فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ ٱلْمَسِيحِ فَٱطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ ٱلْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ ٱللهِ. ٱهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لَا بِمَا عَلَى ٱلْأَرْضِ، لِأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ ٱلْمَسِيحِ فِي ٱللهِ. مَتَى أُظْهِرَ ٱلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي ٱلْمَجْدِ.” (كولوسي ٣: ١ ٤).

فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ”؛ أي بما أنكم قد قُمتم مع المسيح، ففكروا بطريقة فوق للأمور التي على الأرض. ابدأ اضبط ذهنك طبقًا لفوق وأنت على الأرض، ولا تهتم بالأمور بالمُنطلَق الأرضي. جِذر هذه الآية هو مِن الإصحاح السابق؛ (كولوسي ٢).

حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ الله؛ أي لتُفكِّرْ بهذا المُنطلَق، مُنطلَق أن المسيح جالِسٌ عن يمين الله. أيضًا وَعَظَ بولس عن ذات الأمر في رسالته إلى أفسس وقال: “وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.” (أفسس ٢: ٦).

مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ”؛ لم تَعُد حياتك بشريّة؛ المسيح هو حياتك، هو لن يكون حياتك فيما بعد، بل إنه حياتك الآن! افرحْ بهذا الحَقّ.

 ليس معنى أنك خرجت من العالم، فلم تَعُد تدري بظروفه! لا! بل يُمكِنك أن تُحدِث تغييرًا فيه دون أن تتضرَّر منه، تُؤثِر ولا تتأثَّر. كما في حالة وجود سيارة عاطِلة، فهل نفس هذه السيارة تستطيع سحب نفسها، أم يلزم وجود شيء خارجي لسحبها؟!

 قال أحد الفلاسفة: “لو أن شخصًا أعطاني عصًا كبيرةً جدًا وأخرجني خارج الأرض، يُمكنني تحريك هذا الكوكب بوضعه على شيءٍ آخر”. يتكلَّم هنا بمنطلق الفلسفة؛ أثناء وجودك في الشيء، لن تستطيع تغييره. أفهمت هذا؟

 لكن بسبب يسوع، وكونك أصبحت فيه تستطيع تغييره، ويجب أن تَضبط ذهنك بهذه الطريقة، فهذه هي المسيحية. مَن يقول: السوق هابِطٌ، أو هذا الأمر صعبٌ. تَذكَّرْ أنك لم تَعُد خاضِعًا لهذه المبادئ. واقعًا، أنت تراها صعبة لأنك خاضِعٌ لهذه المبادئ ومُقتنِعٌ بها. لكن إذا وُجِدَ جيلاً من الأطفال ينمو بإدراك أنه لا وجود لكلمة “مستحيل” في قاموس كلماتهم، فسيكون الأمر أكثر سهولة من شخص يبدأ بتطويع ذهنه وهو كبير السن لفِكْر الله الصحيح.

٢. ليس للخطية سلطانٌ عليك:

“اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ (الحواس الخمس).” (٢ بطرس ١: ٤).

 أي عن طريق اشتراكنا في الطبيعة الإلهية نستطيع أن نهرب مِن الفساء الذي في العالم الذي سببه تصديق الحواس الخمس.

“لأَنَّهُ إِذَا كَانُوا، بَعْدَمَا هَرَبُوا مِنْ نَجَاسَاتِ الْعَالَمِ، بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، يَرْتَبِكُونَ أَيْضًا فِيهَا، فَيَنْغَلِبُونَ، فَقَدْ صَارَتْ لَهُمُ الأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ الأَوَائِلِ.” (٢ بطرس ٢: ٢٠).

 يتكلَّم هنا عن أشخاص مولودين ثانيةً، لكنهم ارتدّوا وهلكوا. أيضًا لفظ “هَرَبُوا” هنا لا يُقصَد به الهروب فزعًا، بل معناه “أُنقذوا مِن…”

 “فَقَدْ صَارَتْ لَهُمُ الأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ الأَوَائِلِ”؛ في يوم الدينونة يوجد مَن سيُدان بدينونة أعظم أو أقوى، أو أكثر أو أقل لكن في النهاية سيُطرَح الكُل في الجحيم وهذا مُتساوِي. عندما يعرف الشخص الحقيقة الكتابية ويستنير فيها، يصير في معسكر عدواني لدى إبليس، فإذا تركَ نفسه لإبليس، يكون عليه هجوم أكثر من الوقت الذي كان فيه بالفِعْل في معسكر إبليس، فيجد هناك شراسة في الأفكار وكأن شيئًا غريبًا يهجم عليه. لكن يوجد حلٌّ لهذا الأمر عندما يسلك بالكلمة.

 يتكلَّم هنا عن هؤلاء الأشخاص بعدما عرفوا الرب وانطلقوا رجعوا وارتدّوا مرةً أخرى؛ “يَرْتَبِكُونَ أَيْضًا فِيهَا، فَيَنْغَلِبُونَ”. إذًا ليس مرسومٌ لك أن ترتبك بهذه الأمور وتنغلب! الكنيسة ليست خاضعة للخطية التي في العالم، وليس للخطية سلطانٌ عليها بسبب الطبيعة الإلهية.

 أُكرِّر؛ لم تَعُدْ الأرواح الشريرة وحيلها غامِضة بالنسبة لنا؛ “لأَنَّنَا لاَ نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ” (٢ كورنثوس ٢: ١١). فقط تحتاج لفَهْم الأفكار والخُطط التي تتعامل بها معك، وعلاجها أن تعرف الكلمة وليس أن تهرب من إبليس. وأنت هنا على الأرض أُنقذْتَ من كل نجاسات العالم، إن كنت قد قَبِلت يسوع مُخلِّصًا لحياتك.

 

٣. لم يَعُدْ لجسدك سُلطانٌ على روحك:

 لا توجد طبيعتان داخل الإنسان، بل فقط واحدة. عندما وُلِدت ثانيةً، أنت صرت خليقة جديدة، وصار داخلك طبيعة الله التي حَلَّتْ محل كل شيءٍ كان موجود سابقًا.

“إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ (مخلوقٌ جديدٌ – فصيلةٌ جديدةٌ): الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ.” (٢ كورنثوس ٥: ١٧- ١٨).

 لم يَعُدْ هناك أي شيءٍ من العتيق. ليس لحواسك الخَمس سلطانٌ عليك، لذلك حينما يُعرَض عليك اكتئابٌ أو ارتباكٌ أو حتى مشاعر كراهية أو عصبية، فَكُلُ هذا لك سلطانٌ عليه. قد تكون في مراحل مُختلِفة من النضوج فيها، لكن لتعرف أنه توجد سيطرة تامة على الجسد.

“فَإِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ نَحْنُ مَدْيُونُونَ لَيْسَ لِلْجَسَدِ لِنَعِيشَ حَسَبَ الْجَسَدِ. لِأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِٱلرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ ٱلْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ.” (رومية ٨: ١٢- ١٣).

نَحْنُ مَدْيُونُونَ لَيْسَ لِلْجَسَدِ”؛ أي لسنا مُلزَمين أن نسلك بالحواس الخمس لنعيش طبقًا لها.

لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ”؛ أليس هذا قانونًا؟ لكنه ليس لإرضاء الله، وليس لإعطاء البِرّ للإنسان، فلقد تمَّ بالفِعْل إعطاء البِرّ للإنسان بدون الأعمال لأن هناك مَن عَمَلَ العمل وهو يسوع. يسوع هو الذبيحة التي أعطَتْ النعمة المجانية لكل الناس. النعمة هي طبيعة الله وحياة الله

“كَذلِكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ، كُونُوا سَاكِنِينَ بِحَسَبِ الْفِطْنَةِ مَعَ الإِنَاءِ النِّسَائِيِّ كَالأَضْعَفِ، مُعْطِينَ إِيَّاهُنَّ كَرَامَةً، كَالْوَارِثَاتِ أَيْضًا مَعَكُمْ نِعْمَةَ الْحَيَاةِ (زوّي)، لِكَيْ لاَ تُعَاقَ صَلَوَاتُكُمْ.” (١بطرس ٣: ٧).

 ما المُنطلَق الذي ترى به الشخص الآخر؟ وما هي قيمته في نظرك؟ كيف تنظُر لشريكة حياتك؟ كما أنت أخذت طبيعة الله، فهي أيضًا كذلك، قد أُنْعِمَ علينا كلنا بنفس هذه النعمة. لا تُقيِّمها طبقًا للشكل الخارجي أو أنها تستطيع أو لا تستطيع فِعْل شيءٍ ما، بل لتتعامل معها بتقدير -ليس جسديًّا- بل إنها مُشترِكة معك في نفس الطبيعة التي أَنعمَ بها الله على الإنسان؛ طبيعة الحياة الإلهية.

 إنها طبيعة الله؛ الحياة غير القابِلة للفناء، إنها -زوّي- حياة الله. أعطت نعمة الله لنا الحياة الإلهية، وهذا ليس لتتعامل معها بخفة! كما إنها تؤدي إلى أعمال. لا يُمكِن -إلَّا إذا كنت فاهِمًا خطأ- أن يفرض عليك جسدك ماذا تفعل. أنت مَن تفرض عليه ماذا يفعل، وتُدرِّب روحك ماذا تفعل، وتُدرِّبها لتُوقِظك أيضًا، وتتدرَّب أن تتحكَّم في ماذا تُنفِق مادياتك، وتتدرَّب متى تتكلََّم ومتى تصمت.

 هذا هو تمرين الروح الإنسانية، ويبدأ بتمرين الأفكار ويستمر بها، وبالصلاة بالألسنة ووضعها وضع التنفيذ. فأنت تحتاج إلى تمرين. وَضَّحَ بولس الرسول هذا في (١ تيموثاوس ٤: ٧) قائلاً: “وَأَمَّا الْخُرَافَاتُ الدَّنِسَةُ الْعَجَائِزِيَّةُ فَارْفُضْهَا، وَرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى. للمزيد يُمكِنك دراسة سِلسلة عظات “الرياضة الروحية“.

 أُكرِّرْ؛ لا تَقِسْ الكتاب على الواقع الذي يعيشه الناس وتقول: “بما أنهم لم يعيشوا المكتوب، إذًا فهذا ليس صحيحًا كتابيًا!”. اَعْلَمْ أنه من المُمكِن أن يكون الكل مُخطِئًا لكن سيظل الكتاب هو الصادِق. يتكلَّمُ الكتاب المُقدَّس ويقول “كذا”، فكما يقول هكذا هو. قد لا ترى هذا غير مُعاش في حياة الناس، فلا يَهمّ.

 للأسف صار الطبيعي لدى بعض الأشخاص غير المُلتصِقين بالكلمة أنهم يرتمون أولاً على البُرهان الخارجي، ويُثبِتون مِنه المكتوب، ولأنهم رأوا بعض الخدام والناس يعيشون بهذا المُنطلَق، فاعتقدوا أنهم طالما لم يسمعوا “مبدأً ما في الكلمة” يُوعَظ به، فيكون هذا غير موجود في الكتاب!! واقعًا أنت بهذا جعلت الأشخاص هم مقياسك، وحتمًا ستضلّ عن الحَقّ!

 واحدة من الأمور التي يريد أن يتعامل بها الروح القدس معك هي أن تُدرِك أنه مهما كانت الأشخاص ذات قيمة روحيًا وتعليمهم صحيحٌ كتابيًا، سيظل الكتاب هو الأعلى. هذا سيحميك من أن تتعثّر من النفوس أو الخدام حتى إنْ أخطأوا.

 هذا ليس معناه أنه إن كانت هناك عثرات من بعض الخدام، تتركهم، لا، لأنك إن فعلت هذا ستضيع. فالكتاب قد وَضَعَ خمس وظائف في الكنيسة، وبدونهم تكون الكنيسة ناقِصة (أفسس ٤: ١١- ١٢). لذلك هناك من يتعذَّر بسبب أمور جعلت الناس تتقهقر بعيدًا عن المبدأ الروحي الكتابي السليم.

 

٤. أخرجنا من سلطان الظلمة:

 المولود من الله غير خاضِع لسُلطان الظُلمة، أو إلى مبادئ وسُلطان إبليس، إذ لم يَعُدْ له سلطانٌ عليه.

“مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ.لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ، مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ، شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ.” (كولوسي ١: ٩ ١٣).

شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ”، أنت الآن مُشترِكٌ مع القديسين في الميراث.

الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ”؛ أنت أُنقِذْتَ وخرجت من مملكة الظُلمة، ووُضِعْتَ في مملكة أخرى؛ مملكة الله. هذا هو ملكوت السماء على الأرض. تكلَّمَ الرب يسوع قائلاً: “وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ بِأَصْبعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ.” (لوقا ١١: ٢٠). استخدم الرب في هذا الشاهد أمورًا حِسيّة لإثبات أمورٍ روحية، مما يَنُم على أن هذا الملكوت ليس ملكوتًا روحيًا فقط، وأن الحقبة الحالية ليست بركات روحية فقط.

“حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي الْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ فِي اسْمِكَ. الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهَلاَكِ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ.” (يوحنا ١٧: ١٢).

 إن كان الرب يحميهم ويحفظهم، وهو صَلَّى في هذا الإصحاح نفسه أن تُحفَظ أنت أيضًا مِن الشرير، فهل هذا الحِفْظ روحيًّا أم جسديًّا؟ بالتأكيد يشمل الاثنين، أن تُحفَظ روحًا وجسدًا، ولإثبات هذا يُمكِنك النَظر للإصحاح التالي. فإنْ استطعنا أن نرى هذا الحِفْظ مُطبَّقًا جسديًا، فالرب إذًا يقصد الحِفْظ الجسدي والذي سببه روحي لأن الرب يتكلَّم من عالَم الروح.

 لنرى هذا الآن؛ “أَجَابَ يَسُوع: قَدْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي أَنَا هُوَ. فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هؤُلاَءِ يَذْهَبُونَ، لِيَتِمَّ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ: “إِنَّ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا.” (يوحنا ١٨: ٨- ٩).

 حفظهم الرب من أن يموتوا معه موتًا جسديًا عبر أنه جعلهم يُغادِرون في وقت القبض عليه. فالكتاب يقول “لِيَتِمَّ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ..” هذا معناه أنه يتكلَّم هنا عن تطبيق حرفي جسماني ملموس لِمَّا قاله الرب في الإصحاح السابق (يوحنا ١٧). إذا كان قد تَمَّ القبض على التلاميذ، كانوا سيموتون جسديًا لكن لن يهلكوا هلاكًا أبديًا، والرب حفظهم من هذا. إذًا يهتم الرب بالأمور الأرضية كما الروحية تمامًا.

 إن كنت تقول: “لا يهمني أي شيء سوى الرب!” هذا رائع، هذا صحيح. لكن ماذا عن إنْ كان الرب شخصيًا يريد لك أن تحيا على الأرض في حالة من الانتصار وليس الهزيمة؟! يتساءل بعض الناس قائِلين: “إنْ كان كل شيءٍ مُتاحًا للكنيسة هنا على الأرض، لماذا السماء إذًا؟” للأسف هذه مفاهيم خاطئة عن الكنيسة تحتاج إلى تصحيح.

 لكن مَن قال لك إن السماء مكانٌ للإنقاذ؟! أو إنها مكانٌ للهروب من التعاسة التي في الأرض؟ يستند البعض على آياتٍ مِثْل؛ “وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ،…” (رؤيا ٢١: ٤). مُعتقِدين أن الإنقاذ هو في السماء فقط. واقِعًا أنت لا تَعلَّمْ عن مَن يتكلَّم هنا، فهؤلاء هُم الأشخاص الذين لم يُختَطَفوا في الرحلة الأولى، وسيُختطَفوا بعد ذلك ومنهم أشخاصٌ قُتِلوا.

 بلا شك هناك مَسْح لدموع أُناسٍ اُضطهِدَتْ أثناء فترة الكنيسة، لأن الرب يُقدِّر هذه الدموع. ليست دموع المَسْكَنة أو الضعف، بل توجد آلامٌ جسدية -من شدة الاضطهاد- أدَّتْ إلى البكاء. لكن تَظلّ السماء ليست مكانًا للهروب من الأرض. السماء هي في فِكْر الله منذ الأزل، حتى لو لم يسقط الإنسان، سيكون معه، وسينزل معه في السماء الجديدة والأرض الجديدة.

 “وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: “هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ.” (رؤيا ٢١: ٣)؛ هذا هو الطموح الإلهي من البداية وعندما اكتشفه داود قَرَّرَ أن يبني بيتًا للرب وليس خيمة تُفرَد وتُطوَى مِمَّا تُعطِي انطباعًا بالشيء المُؤقَّت.

 عندما أدركَ داود هذا، سُمِيَّ يسوع “ابن داود” بدلاً من “ابن إبراهيم”، وأتى من هذا السِبْط، لأن داود فَهِمَ الطموح الإلهي الذي في داخل قلب الله، لدرجة أنه ظَلَّ التابوت خمس وأربعين سنة داخل خيمة مُستقِلة عن خيمة الاجتماع تُدعى “خيمة داود”. ولم يُصرَّح لداود ببناء الهيكل المصنوع من الطوب، لأنه مَرَّ في حياة دموية، مما يَنُم عن أن الله ليس في صَفّ هذه الحياة. لكن كانت هذه هي الطريقة في العهد القديم، وصُرِّح لسليمان بالبناء بدلاً منه.

 حينما تَنظُر للسماء، هي ليست ملجأً من حياة تعيسة على الأرض، بل هي شراكة ملموسة مع الله بعدما كانت شراكة روحية، وهذا ليس له علاقة بالبركات الأرضية. إنها ليست للإنقاذ، فمثلاً لا يوجد هناك مرضًا يحتاج للشفاء. لا يوجد هناك ريح تعليم لكي يكون الشخص غير خاضِع له، بل استقرارك من كل ريح التعليم هنا على الأرض.

 أيضًا هنا على الأرض تَأخُذ ما لك في المسيح. إن لم تتدرَّبْ على هذا، ستَقلّ صلاحياتك في المُلك الألفي، وقد تصل لمرحلة أن تُكسَر وتنعدم منك بعض الأمور. يتكلَّم الكتاب المقدس عن أناسٍ سيخسرون أمام كرسي المسيح. فحياتك هنا على الأرض تَرسِم أبديتك.

 كم أحزن على أشخاص يعيشون حياتهم في العالم، ومسحوبون في الأفلام والمسلسلات، ولا يعلمون أنهم لا يلعبون في حياتهم على الأرض فقط، بل فيما بعد أيضًا؛ في الأبدية. يوجد أشخاصٌ يفقدون أبديتهم ويهلكون. الحياة المسيحية هي حياة التزام ومبادئ. وبعدما تعرف وترى ما صنعه الرب يسوع، تحتاج أن تفهم عن الالتزام والجِديَّة الروحية.

 

٥. لم يَعُدْ للبشر سلطانٌ عليك:

“اَلدَّعْوَةُ الَّتِي دُعِيَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ فَلْيَلْبَثْ (يستمر) فِيهَا. دُعِيتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ. بَلْ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصِيرَ حُرًّا فَاسْتَعْمِلْهَا بِالْحَرِيِّ. لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ، فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ. كَذلِكَ أَيْضًا الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ. قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ.” (١ كولوسي ٧: ٢٠ ٢٣).

اَلدَّعْوَةُ الَّتِي دُعِيَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ فَلْيَلْبَثْ (يستمر) فِيهَا”؛ المقصود بالدعوة هنا أي حينما دُعِيت إلى يسوع؛ إلى قبول يسوع، حينما دخلت للبرنامج الإلهي هنا على الأرض. للمزيد يُمكِنك مراجعة سلسلة عظات “الدعوة“.

دُعِيتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ. بَلْ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصِيرَ حُرًّا فَاسْتَعْمِلْهَا بِالْحَرِيِّ”؛ لفظ “فَلاَ يَهُمَّكَ” أي لا توجد قيمة في هذا، لأنك بعدما قَبِلت يسوع، لم تَعُدْ قيمتك في أن اسمك “العبد فُلان” أو فيما يُطلَب منك فِعْله، لم تَعُدْ قيمتك هنا.

لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ، فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ”؛ أي أنك صرت مَعتوقًا، صرت حرًا، وفي النهاية أنت عبدٌ للمسيح.

قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ”؛ إن كنت شاعِرًا بخجلٍ من وظيفتك، ولا تريد ذِكْر اسمها، أو اسم عائلتك مثلاً، فعليك أن تتذكَّرْ أن قيمتك لم تَعُدْ هنا. مهما فَعَلْتَ في ماضيك، الآن أنت صرت شخصًا مُختلِفًا، لقد اُشتُريت بثمنٍ، فلا تصير عبدًا لمُسميات أو انطباعات الناس عنك، أو حتى للشهادات وللمُؤهِلات، فأنت لم تَعُدْ عبدًا للناس أو تقييمهم.

 قد اُشتُريت بثمنٍ، وبسبب هذا الثمن -ثمن يسوع- لم تَعُدْ قيمتك تُساوي أي شيء يُقال عنك. لذلك قُمْ بعمل علاقات صحيحة مع الناس لكن ليس عن خوفٍ منهم؛ فمثلاً لا تتعامل مع الشخص الفلاني بصورة مُعيَّنة لأنك تخاف منه، ومع آخر بصورة عادية لأنك لا تخاف مِنه.

 أنت لست عبدًا للناس، لكن بفِعْلك هذا تجعل نفسك عبدًا لهم، وستدور الأيام وهذا الشخص الذي أعطيته هيبة -من خوفٍ وليس من تقديرٍ-سيستعبدك. لأنه يقول: “فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ”، أي أن هذا الأمر بين يديك.

 قَدَّمْتُ نصيحة لأكثر من شخصٍ قائلاً: كفاك إعطاء الهدايا لفُلانٍ وفلان، فأنت تفعلها عن خوف وليس لإكرامه، وأنت لست مُلزَمًا بهذا. لتفطمهم عن هذا، ودَعْهم يستغربون هذا التَصرُّف إلى أن يعرفوا أنك لم تَعُدْ الشخص الخانِع لهذا الأمر. لكن اخضعْ للقيادة بكل احترام وتقدير، لأن الكتاب يتكلم عن هذا.

“أَيُّهَا الْعَبِيدُ، أَطِيعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَادَتَكُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ، لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ.” (كولوسي ٣: ٢٢).

 لكن في ظِلّ هذا كله، لا تَضبُطْ حياتك كالشخص الذي “إصبعه تحت ضرس الناس”، ولا تخَفْ قائلاً: “لئلا يرفضني، أو لئلا لا يوافق لي على كذا وكذا…”

اطرحوا كل ثقل!

 “فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ”؛ أَتعلَّمْ أن هذا يُثْقِلك روحيًا؟ يقول الكتاب في الرسالة إلى العبرانيين: “لِذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ (نلتزم) بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا.” (عبرانيين ١٢: ١).

 “سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ”؛ هم أبطال الإيمان الذين تَكلَّمَ عنهم في الإصحاح السابق (عبرانيين ١١)، وهؤلاء هُم السحابة التي أخذت يسوع، وهم أيضًا السحابة التي يقصدها في (متى ٢٤: ٣٠)؛ “وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ.”

 ليس المقصود بها السحاب الذي نراه في السماء في اليوم المليء بالسُحب والغيوم، بل يتكلَّم عن أشخاص. “مُحِيطَةٌ بِنَا”؛ يُصوِّر هنا مشهد أننا في إستاد، ويوجد مُتفرِّجون، وآخرون مُشجِّعون أيضًا.

لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ (نلتزم) بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا”؛ أي اجعلْ نفسك في الشيء، واحضِرْ نفسك فيه وبداخله، ضَعْ نفسك فيه. افعلْ هذا بصبر، طبيعي أن تفشل في البداية، هذا لأنك تتعلَّم وتتدرَّب.

 لا تنسَ أن لديك مفاهيم من خبرات ليست سليمة، ولديك خبرات شخصية أيضًا، وعندك حكمة بشريَّة. فَمِن الطبيعي أن هذا كله يُصطدَم عند دراستك لكلمة الله، إذ تشتغل البصيرة الإلهية في هذه اللحظة. هي موجودة فيك من وقت قبولك ليسوع، لكن عندما تضعها وضع التنفيذ، سيُصطدَم هذا كله.

 مثلاً قد تكتشف أنك كنت تسخر من الآخرين، لأن قيمة الناس لديك ليست ثمينة وغالية. أو عندما ترى شخصًا فقيرًا ويرتدي ملابس مُمزَّقة، حينئذ تنهمر عواطفك في هذه اللحظة. أو عندما ترى شخصًا ما يبكي، فلا تستطيع التَحكُّم في نفسك وتبدأ بالبكاء معه. كل هذا ليس صحيحًا ويحتاج إلى تهذيب بالكلمة. وللأسف تكون هذه هي الانطباعات وقيمة الناس لديك.

 عندما تَنظُر للرب يسوع، تجده لم يبكِ مع كل الحالات. إن كنت تبكي من أجل أمور في الملكوت، هذا صحيحٌ. لكن إن كنت تبكي لأجل أي شيء آخر -ليس في الملكوت- فهناك خطرٌ، أنت وقتها تسلك بالبشرية. المسيحية هي أن تعلو فوق السلوك البشري وتسلُّك بالطبيعة الإلهية. قد تتساءل؛ هل هذا الكلام عمليٌّ أم لا؟ واقعًا هذا يعود على استقبالك للكلمة، إن كانت الكلمة عمليَّة أو لا، وإذا كان يسوع عمليًّا أم لا.

لقد دَفَعَ يسوع الثمن كاملاً!

“لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ، وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ.” (مزامير ٥١: ٤).

 سيسمح يسوع للناس أن تتكلَّم معه وتُناقِشه. فليس معنى أنه هو الله، لن يسمح لأي شخص أن يتكلَّم معه، أو يقول للشخص: “أنت ستذهب للجحيم، فلا نقاش في هذا!”، لا؛ فهو سيسمح لهم بالمناقشة معه، لكنه سيغلب في المحاكمة. أترى وداعته؟! في الحقيقة لا أَعلَّم كم سيَطول هذا اليوم!

 كما ترى الشخص المُتَّهَم، والذي يتمّ القبض عليه، هكذا الذي اسمه غير موجودٍ في سِفْر الحياة، سيُطرَح لكن ليس في الحال؛ إذ يَحق للشخص أن يتكلَّم، على الرغم من إنه يرتعش عالِمًا أن هذه هي حتميته ولن يغلب. ليس لأن الرب سَبَقَ وأصدرَ الحُكْم، بل لأنك لن تجد عُذرًا بعد الذي فَعَله يسوع. ما فَعَله يسوع ليس فقط حالة الصلب التي رأيناها مُمَثَّلة في الأفلام، فلا تَذْكُرُ كل أفلام الصلب ما حَدَثَ ليسوع في الثلاثة أيام بعد موته، حيث إن كلها تتكلَّم عن موت يسوع الجسدي فقط.

 لكن يسوع نَزِلَ إلى الهاوية، وتعامل مع إبليس، ونقض أوجاع الموت (أعمال ٢: ٢٤). فلفظ أَوْجَاعَ الْمَوْتِ” هي نفسه في اليونانية لفظ “عذابات الهاوية” التي جاءت في لوقا؛ “فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ.” (لوقا ١٦: ٢٥).

 تعذَّبَ يسوع في الهاوية، فهو لم يَكُن موجودًا مع مُؤمِني العهد القديم في حضن إبراهيم، بل نَزِلَ حيث إبليس، صار في أكثر الأماكن قذارةً في العالَم؛ منبع الخطية نفسه، وعند مُؤلِّف الخطية نفسها. هو وضع نفسه في هذه المنطقة لكي يغلب لأجلك. أليس بعد هذا يكون مِن الصعب أن يُداس ابن الله؟! (عبرانيين ١٠: ٢٩).

 لهذا السبب مَن يرتدّ، لن تكون له نجاةٌ أخرى. مَن لا يسلُّك بالنظام الإلهي في الحياة المسيحية، لن يكون له رجاءٌ آخر، لأن هذا يُحتِّم موت يسوع مرةً ثانيةً. يهتمّ الرب بكل شيء، حتى جسدك، على الرغم من إنه قادِرٌ أن يخلق جسدًا آخر لأي شخصٍ، إلَّا إنه سيستدعي أجساد الموتى حتى من البحر. والبحر هذا ليس رمزًا للهاوية أو للبحيرة المُتَّقِدة بالنار، لا فهو يتكلَّم عن البحر حرفيًا. سأتطرّق لاحقًا لقضية: هل الوحي حرفي أم رمزي؟

 بدأتْ الهرطقات حينما بدأ دخول التفكير في هذا الأمر والاعتقاد بأنه من الممكن أن يكون هذا الشيء رمزيًا لعدم تحقيقه على أرض الواقع. فبدأت الناس تقيس على الواقع وليس على الكلمة، فبالتالي بدأوا يتعاملون مع الأمور التي أدَّتْ بعد ذلك إلى تفسيرات عديدة؛ هذا رمزي، وهذا حرفي، وهذا يُعني كذا وكذا…. إلخ.

 كُل شيءٍ صنعه الله لا يستغني عنه، حتى كِسَر العيش، بعد معجزة إشباع الجموع، لم يستغن الرب عنها. ليس بالهين أنك تعاني على الأرض، والرب يتعامل معها كشيء عادي ولا يتصرَّف حيالها. إنها تتضارب مع طبيعة الله ومع الحق الكتابي.

 تخيّل معي أن سمكة أَكلتْ سمكةً أخرى التي كانت قد أكلت هذه الجُثة! على مَرّ الأجيال، سيستدعي الرب هذا كُله، وهذه الأجساد ستَعود، فالرب يهمه هذه الأجساد. وإن كان الرب يهمه جسدك، فالجسم نفسه هذا هو الذي ستُلبَس فوقه (٢ كورنثوس ٥: ٤)، فَكم بالحري هنا على الأرض وهو لم يُلبَس بعد بعدم الفساد أنْ يصير سليمًا!!

ماذا تُعني عبارة “أَكْمَلْتُ التَّبْشِيرَ بِالإِنْجِيلِ”؟

 أَعلمُ ما يقوله الكثيرون؛ “لا ترفع سقف توقعات الناس لأنك بهذا ستُحبِطهم إنْ لم تَحدُّث المعجزة”. لكن إن كانت هذه كلمة الله، فإن صارت فاشلة لدى البعض فهذا بسببهم هُم! لأن الكتاب يقول إنه يُمكِن إبطال مفعول كلمة الله بسبب مفاهيم خاطئة لدى الإنسان؛ “فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ!” (متى ١٥: ٦).

 أي شخص لم يَذُقْ نتيجة الكلمة ليس من الجيد ألَّا ترفع سقف توقعاته، إنها توقعات إلهية وليست بشرية. إنها الكلمة، إنه الإنجيل؛ الأخبار السارة.

 “بِقُوَّةِ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، بِقُوَّةِ رُوحِ اللهِ. حَتَّى إِنِّي مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمَا حَوْلَهَا إِلَى إِللِّيرِيكُونَ، قَدْ أَكْمَلْتُ التَّبْشِيرَ بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ.” (رومية ١٥: ١٩)؛ لا يقصد بها إكمال المنطقة بالإنجيل، بل يقصد أنه وَعَظَ بالإنجيل كاملاً. وما يُثبِت هذا هو في (أعمال ١٤: ٨ ١١).

“وَكَانَ يَجْلِسُ فِي لِسْتْرَةَ رَجُلٌ عَاجِزُ الرِّجْلَيْنِ مُقْعَدٌ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَلَمْ يَمْشِ قَطُّ. هذَا كَانَ يَسْمَعُ بُولُسَ يَتَكَلَّمُ، فَشَخَصَ إِلَيْهِ، وَإِذْ رَأَى أَنَّ لَهُ إِيمَانًا لِيُشْفَى، قَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: “قُمْ عَلَى رِجْلَيْكَ مُنْتَصِبًا!”. فَوَثَبَ وَصَارَ يَمْشِي. فَالْجُمُوعُ لَمَّا رَأَوْا مَا فَعَلَ بُولُسُ، رَفَعُوا صَوْتَهُمْ بِلُغَةِ لِيكَأُونِيَّةَ قَائِلِينَ: إِنَّ الآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِالنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا”.

 كان هذا الرجل يسمع بولس يتكلَّم، وصار له إيمانٌ ليُشفَى. تخيّل معي لو كان بولس يعظ بإنجيلٍ ناقصٍ، ولم يتكلَّم عن الشفاء مثلاً، فبالتأكيد لن يتولَّد لدى هذا الشخص إيمانٌ للشفاء! إذًا وَعَظَ بولس الناس عن إنه من ضمن نتائج الخلاص هو أن يصير جسدك صحيحًا.

 يقول الكتاب: “إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ”. (رومية ١٠: ١٧)، فبدأ يكون لديه إيمانٌ بسبب كرازة بولس الكامِلة، وإن لم يعظ بولس وقتها بهذا، فكان هذا الرجل لن يعرف أي شيء عن يسوع الشافي. للأسف يوجد مَن يعظ بالإنجيل ناقصًا وليس كاملاً.

“رَفَعُوا صَوْتَهُمْ بِلُغَةِ لِيكَأُونِيَّةَ قَائِلِينَ: “إِنَّ الآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِالنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا”؛ بدأت الناس تربط أن هؤلاء ليسوا بشرًا عاديين، وبدأوا ينظرون إليهم ليعبدوهم لكن الرسولين رفضا هذا.

 في النهاية أريدك أن تفهم الأجندة الإلهية. ليس هناك سلطانٌ مِن العالم أو مِن الجسد أو حتى إبليس عليك. يمكنك أن تجعل لإبليس حدودًا لا يتخطاها في حياتك.

 ليس في مصلحتك أن تسعى دائمًا للناس لكي يُصلُّوا من أجلك بسبب أعمال السحر أو الحسد. نعم يوجد سحرٌ وله تأثيرٌ لكن فقط على مَن لا يعلمون مالهم في المسيح. يوجد حسدٌ، وتوجد أرواح شريرة قد تسميها بعض الناس أنها حسدٌ، ونتيجة أن الشخص يريد أن يمتلك شيئًا عند الآخر فهو يبعث من روحه قوة للحصول عليها والناس تطلق على هذا أنه حسدٌ.

 نعم يوجد تأثير منها على الشخص الذي فاتِح أبوابه. في الحقيقة كلمة “حسد” في الكتاب المقدس تُعنِي؛ تحمُّس أو رغبة مُلِحّة أو رغبة شَرِهة، وتُستخدَم بصورة سلبية أو إيجابية، روح الله نفسه يشتاق إلينا بحسدٍ (يعقوب ٤: ٥) أي هو يحبنا لأنه اشترانا.

 لكن لماذا تعيش هكذا بعدما أنقذك الرب من سُلطان الظُلمة ونقلك إلى ملكوت ابنه المحبوب. لا تعتقد أنك مكشوفٌ روحيًا وتعتمد على صلوات الناس إلى أن تتحسَّن. بهذه الطريقة أنت تفتح الأبواب لإبليس على حياتك بالفِعْل، لأنك غير مُحصَّن بالمعرفة الإلهية. مشيئة الله هي: “الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ (يهرولون)“. (١تيموثاوس ٢: ٤).

 لا يصح أن تعتمد في حياتك على صلوات الناس وتحاول إرسال طلبات صلاتك على الإنترنت لكل المواقع المسيحية، أو عبر الرسائل، أو تحاول الاتّصال بالفضائيات لطلب الصلاة. لأنك بهذه الصورة تُرِي نفسك وتُرِي إبليس أنك لست عارِفًا الكلمة، فيترقَّبك أكثر.

 قد تقول بهذا أنت حاصرتني، سأجيبك: أنت مُحاصَرٌ بالفِعْل، ولن يفرق أنك تُصلي مع الناس أو لا، فأنت مُحاصَرٌ. يجب أن تعرف الحق الكتابي، لن يفيدك الاعتماد على صلوات الناس. سينفعك هذا إلى حين. لا تنسَ أنّ إبليس يعلَّم عدم نضوجك هذا، ويترقبك ويجربك.

 يوجد ما يُسمَّى بأرواح العرافة، وهي أرواح تألف الشخص، أي تحاول أن تعرفه وتُسجِل عنه بعض الأشياء مثل: يكتئب هذا الشخص من كذا ويفرح بكذا، فيرسل لك خادِمًا -قد يكون غير مُستنير، أو يمارس موهبة النبوة بصورة خطأ- يُصلي لك في شيء، فيلقط من هذه الأرواح ويُخبِرك، دون أن تدري أن هذه أرواح شريرة.

 تَذكَّرْ قصة بولس في (أعمال ١٦: ١٦ ١٨)، كانت هذه الجارية عليها روح عرافة، وكانت تقول أمورًا سليمة. لكن بولس مَيَّزَ أن وراء هذه المرأة روحٌ شريرٌ ومنعها من التَكلُّم بالرغم من أنها كانت تقول حقائق. لا حوار مع إبليس. إن كان الرب يسوع تحاور مع إبليس على الأرض في حالة بعينها، فليس معنى هذا أن يسوع يستخدم إبليس ضدّ الإنسان.

 إن كان يسوع يُخرِس إبليس في كل مرة يتكلَّم ويقول كلمات معينة مثل: “أنت هو ابن الله”، ولم يقبل أن تَخرُج هذه الكلمات من فمه. فكيف يجرؤ شخصٌ قائلاً: يُرسل الله إبليس لكي يُجرِّب الإنسان، وأنه يستخدم إبليس ضده أو ليُعلِّمه دروسًا؟!!

 إن كان يسوع فعلها على الأرض، إذًا يصح القول بأنها سارية المفعول في العهد القديم والجديد. يقول الكتاب في (عبرانيين ١ : ١- ٢) “اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ”

 إذًا يسوع هو الله المُتكلِّم إلينا، فكيف تقول إن إبليس هو أداة من أدوات الله لتعليم الإنسان؟! هناك عداوة شَرِسة بين الله وإبليس. قد يكون نتيجة عدم فهمك للطبيعة الشيطانية والطبيعة الإلهية، والإنسان، تعتقد أنه صارت هناك صداقة مع الله وإبليس. إني أتعجب!!

 هذا ليس الفِكْر الكتابي إطلاقًا. وإنْ كنت تعتقد أن إبليس مُرسَل من الله لك، وتعتقد أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستنفع معك، إنها خدعة، مَن قال لك هذا؟ يقول الكتاب في رومية؛ “أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟” (رومية ٢: ٤).

لطف الله هو الذي يقتادك للتوبة وليس عنفه. لذلك ليس لإبليس مكانٌ أو وطأةُ قدمٍ في حياتك إن لم تسمح له هذا (أفسس ٤: ٢٧).

ــــــــــــــــــــــــــــ

من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الاقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.

 

Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations are forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$