القائمة إغلاق

كيف تتحكم في النفس والجسد – الجزء 7 How To Control The Soul & The Body – Part

 

لمشاهدة العظة على الفيس بوك أضغط هنا
لمشاهدة العظة على اليوتيوب 

video
play-sharp-fill

video
play-sharp-fill

video
play-sharp-fill

 

(العظة مكتوبة)

كيف تتحكم في النفس والجسد الجزء 7 

 

  • حال الإنسان في العهد القديم وكيف تغير بالميلاد الجديد.
  • لماذا يهدف الرب إلى روحك الإنسانية؟
  • السِر وراء سلوكك بالروعة وتحكمك في النفس والجسد.
  • السِر وراء الخراب والدمار الذي يحدث في العالم.
  • أعمال الجسد.
  • ثمار الروح.
  • كيف تُخرِج ثمار الروح؟
  • لسانك مُتصِل بعالم الروح!

  

  • حال الإنسان في العهد القديم وكيف تغير بالميلاد الجديد:

 رُسِمَ لنا أن نكون مسيطرين على النفس والجسد، من هنا تخرج كل المعجزات، من روح الإنسان لأنها المحور الإلهي. كان الله يتعامل مع الإنسان في العهد القديم ليساعده في محاولاته للسيطرة على جسده وشهواته، وبسبب عدم قدرته على ذلك كان هناك تعدد زوجات، وأيضًا بعض الأمور الأخرى التي حين ننظر إليها الآن نتعجب كيف سمح الرب بها في العهد القديم، حيث كان الإنسان يحاول جاهدا أن يوقف جسده ويكبح جماح شهواته دون جدوي تُذكَر، لكن الإنسان المولود من الله الآن لديه الطبيعة الإلهية في داخله ويمتلك القوة اللازمة لكي يستطيع أن يوقف بها جسده ويسيطر على كل أهواء الإنسان العادي، وهذا هو السبب الذي لأجله أتكلم في هذه السلسلة عن كيفية إدارة النفس وكبح جماح الجسد.

النفس الإنسانية كما سبق أن ذكرنا تتكون من ثلاثة عناصر أساسية وهي: الفكر والعواطف والإرادة. أما الروح الإنسانية فهي أساس الإنسان، فالإنسان روح يمتلك نفس ويسكن في جسد. وحين يمتلك الإنسان الحياة الإلهية في روحه فإنه يصير لديه القدرة على التحكم في جسده وأفكاره ومشاعره وإرادته وبذلك يصير الإنسان سيدًا على جسده ونفسه وإرادته.

إن سار الإنسان عكس ذلك المرسوم له، تبتدئ المعجزات التي يفترض أن تخرج من روحه للخارج في التوقف. وذلك ليس لأن الله يعاقبه على ما اقترف ولا لأن الله سيحرمه من المعجزات، ولكن لأن الروح الإنسانية هي المنبع الذي يحتوي على القدرة الإلهية. فلكي تأتي الحلول لكافة المواقف التي تواجهها لن تأتي من السماء ولكنها ستخرج لك من روحك.

منذ عدة سنوات مضت كتب رجل الله كينيث هيجين كتابًا بعنوان “القيادة بالروح القدس” وذكر فيه أن الله حين يتكلم للإنسان، فإنه يتكلم له في روحه وليس في الأمور الخارجية كالرؤى والأحلام ونبوات، مع أنه يتكلم بكل تلك الوسائل وهي موجودة في الكنيسة، ولكن استعمالاتها للأطفال روحيًا وليست للناضجين، فالطريقة الأساسية وهي أن أولاد الله ينقادون بروح الله.

حين يبتدئ الإنسان في السير بالروح فإنه يبتدئ بالاتصال بالمصدر الإلهي تمامًا كالهاتف المحمول حين يتم اتصاله بالشبكة مرة أخرى بعد قطع الاتصال بها لسبب أو لآخر، حينئذ ستعرف كيف تتواصل وكيف تتعامل وتجد حلولاً لمشاكلك وكيف تُخرِج المعجزات، وذلك لأن منبع المعجزات في روحك. لهذا السبب يوضح الكتاب أن الإنسان يحتاج أن ينمي وينضج روحه الإنسانية عبر أن تتغذي على بروتين كلمة الرب.

  • يهدف الرب إلى روحك الإنسانية:

 “رُوحُ الإِنْسَانِ تَحْتَمِلُ مَرَضَهُ، أَمَّا الرُّوحُ الْمَكْسُورَةُ فَمَنْ يَحْمِلُهَا؟” (الأمثال ١٨: ١٤).

توضح لنا هذه الأية أن روح الإنسان هي التي تنعشه إن تعرض لمرض، ولكن ماذا يحدث للإنسان إن انكسرت روحه وأصابها العطب؟

لقد تعلمنا منذ الصغر أن الله هو مصدر المعجزات والمتحكم فيها، وتعودنا أن نبحث عن شخص ذو قامة روحية أعلى منا لكي يصلي لأجل شفائنا من مرض ما أو لكي تحدث معنا معجزة في موقف ما، فصرنا غالبًا ما نتوقع المعجزة من مصدر آخر غير المصدر الذي ينبغي أن تخرج منه المعجزة.

ليس معني هذا أن الرب لا يصنع المعجزات، ولكن هناك أولاً تفاعل لابد أن يحدث وكأنه تركيبة كيميائية تتم بإضافة مادتين كيميائيتين إلى بعضهما وامتزاجهما معًا حتى يتم ظهور عنصر ثالث ناتج عن هذا الخليط، بنفس الفكرة وبنفس كيفية التفاعل يتم خروج المعجزة إلى النور.

التفاعل يكون بأن تسير روح الإنسان بنفس المبادئ التي تعلمتها وشربتها وامتزجت بها من روح الله وتعليم كلمته الحية المحيية. وهذا التفاعل لا يعني فقط مجرد الموافقة والاتفاق وعدم الاعتراض على الكلمة، ولكن أيضًا يجب أن تتجاوب معها وتتأمل فيها وتطبقها في مواقف حياتك المختلفة إذ تضبط ذهنك وقلبك على هذه المبادئ الكتابية، وتبدأ باختبار أشياء في الحياة وترفض أشياء أخرى بناء على التعليم الكتابي.

حينئذ سترى نتائج عند تطبيقك للكلمة في حياتك وليس فقط عندما تفهمها وتوافقها ولا تعترض عليها، بل يجب أن تأخذ خطوة إضافية بأن تطبقها وتضبط ذهنك وقلبك عليها. يوضح الكتاب أن روح الإنسان هي التي تحمله وتقيمه سواء في مرض أو مشكلة أو أي أمر آخر كاستشارة أو فكرة خارج المألوف والطبيعي.

أنظر ما يحدث في العالم من حولك، أنظر إلى أمريكا وهي تنهار! كم باركت هذه الدولة العالم كله لسنوات طويلة، أنا أتكلم خصيصًا فيما يخص الكرازة بالإنجيل، ما يحدث في العالم ليس بجديد ويتحدث عنه الكتاب كالاتحادات التي تتم بين روسيا وإيران وغيرها من تحالفات سبق الكتاب وتكلم عنها حرفيًا، ماذا يحدث في العالم؟

هو ما تكلم عنه الكتاب قائلا: “الأشبال احتاجت وجاعت” فالأسود التي لا يفترض أن تجوع وتحتاج قد جاعت واحتاجت، لكن هناك فئة معينة متميزة عن الذين يسيرون بالدهاء والحكمة البشرية ومنتصرة على كل ما يحدث للبشرية من مجاعات وأحداث أليمة، أولئك هم الذين يفهمون ويتحدثون عن ويعيشون بالمبادئ الإلهية السماوية ويسيرون في الدائرة الخاصة بالرب وعالمه.

تذكر أن اللسان يتم إضرامه من دائرة، هذه الدائرة أو هذا المجال إما دائرة الروح القدس أو دائرة الهاوية، هناك منبع للطاقة يحرك الدوائر التي تتحرك وتضع نفسك في مجالها.

لهذا يقول الكتاب: أما الروح المنكسرة فمن يحملها، أي إن كان المنبع أو المصدر الخاص بك (روحك) قد أصابه العطب فمن يحملها؟ فروح الإنسان هي التي يريد الرب أن يجعلها تكبر وتنضج.

  • السِر وراء سلوكك بالروعة وتحكمك في النفس والجسد:

حين تولد الميلاد الثاني تصبح إنسان الله وتوضع فيك الألوهية والطبيعة الإلهية.

” ١١ اُنْظُرُوا، مَا أَكْبَرَ الأَحْرُفَ الَّتِي كَتَبْتُهَا إِلَيْكُمْ بِيَدِي! ١٢ جَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا مَنْظَرًا حَسَنًا فِي الْجَسَدِ، هؤُلاَءِ يُلْزِمُونَكُمْ أَنْ تَخْتَتِنُوا، لِئَلاَّ يُضْطَهَدُوا لأَجْلِ صَلِيبِ الْمَسِيحِ فَقَطْ. ١٣ لأَنَّ الَّذِينَ يَخْتَتِنُونَ هُمْ لاَ يَحْفَظُونَ النَّامُوسَ، بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ تَخْتَتِنُوا أَنْتُمْ لِكَيْ يَفْتَخِرُوا فِي جَسَدِكُمْ. ١٤ وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ. ١٥ لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ. ١٦ فَكُلُّ الَّذِينَ يَسْلُكُونَ بِحَسَبِ هذَا الْقَانُونِ عَلَيْهِمْ سَلاَمٌ وَرَحْمَةٌ، وَعَلَى إِسْرَائِيلِ اللهِ. ١٧ فِي مَا بَعْدُ لاَ يَجْلِبُ أَحَدٌ على أَتْعَابًا، لأَنِّي حَامِلٌ فِي جَسَدِي سِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ. ١٨ نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ رُوحِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ. آمِينَ” (غلاطية ٦: ١١ -١٨).

 في عدد١١ يستخدم بولس اسلوبه الخاص للتركيز في نهاية رسائله على نقاط معينة لكي ينتبه إليها ويركز عليها قرّاء وسامعي رسالته قائلا: “اُنْظُرُوا، مَا أَكْبَرَ الأَحْرُفَ الَّتِي كَتَبْتُهَا إِلَيْكُمْ بِيَدِي!” فهو يعني: هذا هو الشيء الضخم الذي أريدكم أن تركزوا عليه الآن.

” هؤُلاَءِ يُلْزِمُونَكُمْ أَنْ تَخْتَتِنُوا، لِئَلاَّ يُضْطَهَدُوا لأَجْلِ صَلِيبِ الْمَسِيحِ فَقَطْ” يوضح لهم بولس الرسول أن جميع الذين يريدون منكم أن تختتنوا وتسيروا حسب ناموس موسى هم يريدون أن تكونوا في صفهم لأنهم لا يريدون يُضطهدوا من أجل الإنجيل، مثل مَن عرفوا حق كتابي جديد ولكنهم لا يريدون أن يشاركوا الآخرين به خوفًا من الاضطهاد لأجل الإنجيل.

لم تكن المشكلة الحقيقية في ناموس موسى بل في الإنسان الذي لا يستطيع أن يحيا بكلمة الناموس والشريعة. هنا نجد الرسول بولس بكل جرأة يخبرهم بأن أولئك يلزمونكم بالختان لخوفهم من الاضطهاد، أما هو فلا يخاف أن يُعلِن حقيقة خلاص الله لهم، ولن يفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح أداة الله لخلاص البشرية.

ناموس موسى لم يستطيع أن يُنقِذ البشر من طبيعتهم الخاطئة، إذ أنه يحاول أن يجعل الإنسان يعيش بإمكانيات وقدرات لا يحتويها في داخله، مثله مثل من يحاول أن يجعل دجاجة تحلق وتطير في السماء. وهذا كان يظهر تعاسة الإنسان ولا يحل مشكلته لأنه مُسيطَر عليه من الأهواء والشهوات.

 ثم يكمل قائلا: “١٤ وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ…” أي أنا لن أفتخر إلا بما عَلّمتكم إياه بخصوص الفداء والعِتْق من سلطان الخطية بصليب ربنا يسوع المسيح.

انتبه لهذه الكلمات “١٥ لأَنَّه فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ” المقصود بالختان هنا هو أن يسلك الإنسان بحسب ناموس موسى، أما الغرلة فتعني عدم دخول الإنسان في عهد مع الله بالختان طبقًا لناموس موسى. كان العالم وقتها يُقَسَّم إلى قسمين:

١ _ شعب إسرائيل الذي يسلك بالناموس وعهد الختان.

٢ _ الأمم، ويُطلَق عليهم الغرلة (أي الغير مختونين).

هنا بولس يخبرهم أنه لا فرق بين الشريحتين، فكلاهما يحتاج إلى خلاص الرب وعمل الصليب، بل أن كلما حاول الإنسان وجاهد لكي يرضي الله بقدراته كلما فشل أكثر وتعثر أكثر. وأيضًا الإنسان الذي حصل على الميلاد الثاني، كلما جاهد بذاته أكثر كلما كان أكثر تعبيرًا عن عدم فهمه لطبيعة الله التي في داخله.

الحل ببساطة، آمِن في الطبيعة الإلهية التي صارت فيك. وحين تجتاحك مشاعر مخالفة لما تقوله الكلمة عنك لا تصدقها، وليكن لديك نورًا مختلفًا.

هذه هي الأخبار السارة، أنّ الإنسان لديه طبيعة مختلفة، لذلك لا بد أن تصدق نفسك. قد تتساءل لماذا لا تخرج هذه الطبيعة للخارج؟ لأنها تخرج بالإيمان، لكن أولاً يجب أن يصير الإنسان مخلوقًا جديدًا. وكلمة “خليقة جديدة” تعني شخص لم يكن موجودًا سابقًا، فهي ليست تنظيف للإنسان العتيق، لكنها إعادة خلق لروح لإنسان بطبيعة أخرى، طبيعة إلهية مختلفة عما كان عليه في السابق، طبيعة تستطيع أن تسيطر على رغباته وأفكاره وإرادته ومشاعره. كل هذا أصبح فيك الآن!

الخليقة الجديدة لست محاولة تحسين وصيانة سيارة قديمة لتصير أفضل مما كانت عليه في السابق، لكن الخليقة الجديدة هي سيارة أخرى ونوع آخر جديد من السيارات له إمكانيات وقدرات أخرى مختلفة ليست موجودة في السيارة القديمة، الخليقة الجديدة هي السِر في كل القدرات والمعجزات التي تحدث والتي يجب أن تحدث في حياة الإنسان.

الخليقة الجديدة لا تتشاجر مع الناموس ولا تنافسه، ولكنها نعمة المسيح وقوة القيامة، إنها الإنسان الجديد المولود بحسب الله في البر والقداسة الحقيقية. فبالخليقة الجديدة لم يعد الإنسان مجرد إنسان عادي بل صار نوعًا جديدًا ينتمي إلى النوعية والفصيلة الإلهية بكل إمكانياتها.

  • السِر وراء الخراب والدمار الذي يحدث في العالم:

 السر ليس القرارات الخاطئة التي يتخذها أولو الأمر، فما الذي يحدث في العالم إذًا؟ ربما يقول أحدهم: السر أن البشر يخطئون، هناك أمر ما يجعل البشر يخطئون… انتبه لهذا: الإنسان الكاذب ليس لأنه يكذب فهو كاذب، ولكن لأنه كاذب فهو يكذب، هل انتبهت للفرق؟ يوجد منبع داخلي يُخرِج الشرور من داخل الإنسان الذي لم يولد من الله، هذا المنبع يتم استبداله بالميلاد الثاني.

في الميلاد الجديد نفهم أن يسوع جاء لكي يجعل الإنسان خليقة جديدة ومات وقام لأجلنا ليجعل هذا متاح لنا، قد تكون غير مدرك لكل هذه التفاصيل وقت قرارك بقبول المسيح في قلبك كالطفل الذي لا يدرك شيئًا وقت ولادته، لكنك اتخذت قرارك بأن تقبل يسوع بالإيمان في حياتك. جاء لكي يخلق الإنسان من جديد، لذا قال بولس الرسول: “لا يفرق إن كنت مختونًا أم لا، تتبع شريعة موسى أم لا، فالكل يحتاج ليسوع وللخليقة الجديدة التي أتاحها الرب له كل المجد.

 “الَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ (السلوك بالحواس الخمس)” (٢ بطرس ١: ٤).

يخبرنا الرسول بطرس إننا مُنقَذين من الفساد والخراب والدمار الذي في العالم والذي سببه أن الإنسان يسير وفقًا لحواسه الخمسة ووفقًا لما يمليه عليه جسده، فالأمر إذًا ليس بسبب القرارات الخاطئة التي يتم اتخاذها ولكن لأن الإنسان سُيطرَ عليه من الجسد والحواس وصار يصدق ما يأتي إليه من مشاعر جسدية وما يمليه عليه جسده، تخيل..هذا هو السبب الرئيسي لكل هذا الخراب في العالم! حيث أن كل الأسباب الظاهرية الأخرى مبنية على هذا السبب.

القرارات الخاطئة التي يتم اتخاذها في أماكن معينة مبنية على أن الإنسان يسير بحواسه الخمسة، كذلك يندرج تحتها أن الإنسان يستمع لمشيرين فاسدين، إنها الحواس الخمسة وعدم السير بما يقوله الرَوح القدس. أنظر إلى يوسف الذي حكم وتكلم وفسر حلم فرعون تفسيرًا مختلفًا عن كل ما تكلم به سحرة فرعون وعرافيه الذين كان لديهم القدرة على الدخول في عالم الروح بشكل قوي في ذلك الوقت.

إن درست عن العبادات الوثنية القديمة التي ظهرت في العالم بعد سقوط آدم، ستكتشف أن هناك أرواح شريرة ظهرت في الأرض وعلمت البشر أشياء شيطانية، فأمور كثيرة جدًا مما تحدث في العالم حتى الآن لها أساس شيطاني. خرج يوسف وهو في ظل هذا النظام الشيطاني من تحت عباءته واستطاع أن ينقذ العالم بحلول سماوية.. وكذلك استطاع دانيال أن يفسر أحلام نبوخذ نصر بحكمة إلهية.

أعطاهم يوسف طريقة إلهية لخروج العالم كله من الأزمة المزمع أن تجتاحه وقتئذ لأنه فهم عالم الروح بطريقة صحيحة، لقد استطاع أن يعطي حلاً لمشكلة عتيدة أن تحدث، والسِر يكمن في أنه لم يسِر حسب الحواس. كان من الممكن أن يسير بطريقة روحية صحيحة في البداية ثم يتحرك بعد ذلك بطريقة جسدية لكنه أكمل بالروح حتى النهاية، كان من الممكن أن يقول لفرعون: “لقد فسرت لك الحلم وهذا آخر ما أستطيع أن أساعدك به، لا تطلب مني شيء آخر” لكنه لم يكتفِ بتفسير الحلم بل قدم حلولاً ذات نتائج ناجحة رغم إنه كان قد عَبَرَ في ظروف صعبة.

إن الفساد أو الخراب الحادث في العالم هو نتيجة سلوك البشر بالحواس الخمسة. وما هو العلاج إذًا؟ كيف ننجو وننقذ من هذا ولا نتأثر به؟ بأن نكون شركاء الطبيعة الإلهية. نعود مرة أخري لرسالة غلاطية الإصحاح الخامس:

  • أعمال الجسد:

“١٦ وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ. ١٧ لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ. (الأدق: حتى لا تفعلون ما تريدون) ١٨ وَلكِنْ إِذَا انْقَدْتُمْ بِالرُّوحِ فَلَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ ١٩ وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ ٢٠ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ ٢١ حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ، وَأَمْثَالُ هذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضًا: إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ” (غلاطية ٥: ١٦-٢١).

“إِذَا انْقَدْتُمْ بِالرُّوحِ” هي كلمة يونانية (ago) وتعني شخص يُطَوَق عنقه ويوضع تحت سلطان وقيادة شخص آخر. كلمة الله هي طوق لك يجب أن تُطوِق عنقك به، ولا تكفِ أن تكون فاهمًا للكلمة ومقتنع بها بل يجب أن تجعل لها سلطان في حياتك بأن تركز عليها وتعيدها وتكررها مرات عديدة على ذهنك وقلبك، لا أن تكتفي بنظرة سريعة وعابرة عليها من وقت لآخر كالتلميذ الفهلوي الذي لا يريد أن يُجهد نفسه في استذكار الدروس ومراجعتها مرات عديدة بل يقرأها مرة واحدة ليلة الامتحان وكفى!

مهم أن تكون دائمًا في وضعية الاستقبال من الروح القدس الذي يريد أن يعمل على نفسك بهذه الطريقة. ستزداد الأيام القادمة صعوبة على العالم لكننا نستطيع أن نعيش هاربين (أي منقذين) من كل ما يحدث فيه عن طريق الطبيعة الإلهية التي بداخلنا. وهنا يقول الكتاب: “إن كان الروح هو الذي يحرك ويطوق جسدك ونفسك فلست بعد تحت النظام القديم الذي يتحرك من الخارج إلى الداخل الذي هو الناموس”.

“١٩ وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ…” عاد الرسول بولس ليقول إن أعمال الجسد ظاهرة، ولا نحتاج أن نختلق أسباب لكي نسير حسب الناموس، مهم أن تدرسه وتتعلمه، ولكن بينما تفعل هذا لابد أن تدرك أن لديك الآن طبيعة إلهية مختلفة عن العهد القديم. وبدأ يشرح ماهي أعمال الجسد بالتفصيل التي هي زني… عبادة الأوثان، سحر.

 ” عِبَادَةُ الأَوْثَانِ” في هذا النص هي لفظة كهنوتية تشير إلى شخص يكهن لإله ما ويعطيه ما هو غالي عنده، كما تعني أيضًا (يتخصص في). وكذلك (يعطي تركيزه الكامل)، فالتركيز الذهني له وقع تعبدي، فأي انتباه لشيء بقلبك هو نوع من العبادة، والكلمة المترجمة (عبادة أوثان) في اللغة اليونانية مركبة من مقطعين، الجزء الأول ينطق (إدولو، eidōlo) وتعني (وثن) والمقطع الثاني ينطق (لاتريا، latreia) التي تعني (كاهن) والكلمة كلها تنطق (eidōlolatreia)

فأي شيء ينتبه إليه الشخص أكثر من الرب فهو يكهن إليه، ويقدم له عمل كهنوتي تعبدي.

أما فيما يختص بكلمة سِحْرٌ” فقد كان الكاهن الوثني قديمًا حينما يأتيه شخص متضايق لأمر ما، كان يعطيه تركيبة من بعض أعشاب النعناع مخلوطة بالخمر وبعض المواد والأعشاب الأخرى التي تجعل الشخص يفقد اتزانه ويصاب بالدوار والسُكْر فيعتقد أن ما أعطاه له قد حل مشكلته، فيؤكد له الكاهن أن الآلهة هي التي أصلحت حاله، إذ يبدوا له أنه خرج بمعونة الآلهة من المزاج العكر الذي كان يعاني منه.

حتى أن كلمة (فارما كيا) التي تترجم (سحر) هي نفس الكلمة التي تطلق على الأدوية، أنا لا أدعي أن كل الأدوية هي سحر ولكنها تحتوي على فكرة مشابهة له وهي تعاطي شيء من الخارج يؤثر على الحالة الداخلية للإنسان.

كما أن أحد تعاريف كلمة (سحر) هو أي شيء يعطل إعمال العقل، فحينما تبتدئ تسرح بذهنك في شيء ما فقد دخلت في (سحر). الشيء الوحيد المسموح لك بالتركيز والسرحان بالذهن فيه هو كلمة الرب، بل يجب أن تفعل ذلك بتعمد وتملأ ذهنك بتركيز وبتعمُد بكلمة الرب، وذلك لكي لا تضع قدمك في دوائر شيطانية بينما متاح لك أن تسير في دوائر إلهية.

من المعاني الأخرى لكلمة سحر هي حالة تعطيل الذهن عن طريق أمور خارجية، و (الفارماكيا) تعني أيضًا حالة تهبيط أو تقليل إمكانية أن يقول الإنسان (لا) لأي شيء، لذلك تجد السكران أو المسحوب ذهنيًا في أمر ما يسهل قيادته في أي أمر يريد الآخرون أن يسحبوه فيه، لهذا انتبه، فقد تكون متورطًا في عمل سحري وأنت لا تدري.

كيف نتجنب هذه الأمور؟ لا تحتاج أن تحارب كل هذا، ما عليك فعله هو أن تسلك بالروح لذلك يقول الكتاب: “اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد” وتأتي في الأصل “فمؤكدا لن تكتمل شهوة الجسد” حين تسير بالروح من الطبيعي جدًا ألا يكون هناك سلوك بالجسد.

عَدَاوَةٌ” الكلمة اليونانية المترجمة عداوة هي حالة الكُره والبغضة والعدوانية والمقاومة والتمرد والعمل على جرح الآخرين. هذه الكلمة مرتبطة أكثر بحالة المشاعر والتخطيط والإرادة الشريرة تجاه الآخرين، حتى إننا يمكن في هذا التعريف أن نطلق عليها (خبث).

كلمة عداوة ليست إطناب ولا ترادف للكلمة التالية في النص وهي “خِصَامٌ”، لكنها حالة فكرية داخلية يفكر فيها الإنسان بصورة شريرة، وبالتأكيد سيكون لها مبررات عند صاحبها إن لم يكن يفكر بالكلمة، فقد يقول: “فلان يستحق الأذى لأني رأيته يؤذي فلان” وسيجد الكثير من الفلسفة البشرية التي تجعله يُبرِر أمورًا لا تُبَرّر، فيقول عن أحدهم إنه لا يستحق أن يقبل الرب ولا أن يدخل السماء لأنه أساء لكثيرين من أبناء الله، والكثير من الكلمات المشابهة لتلك التي يُقِيم فيها الشخص من نفسه قاضٍ وجلادٍ وإله يحكم على الناس مَن يدخل السماء ومَن لا يستحق الدخول!!

هذه حالة شخص مؤمن ولكنه يعيش بأسلوب العالم، فتجده يقدم تبريرات عديدة الأوجه لفكرة شريرة شيطانية من الأساس كأنه يكره شخص ما كشريك (أو شريكة) الحياة ويبدأ في أن يكون مضادًا له على طول الخط. عكس هذه الحالة هي الود والحب والصداقة والألفة والتقدير.

الخصام هو الشجار حالة العدوانية وعشق الغضب وتعكير الحياة بالمشاجرات، وعدم الرغبة في أن يرضى بشيء أو الاقتناع بشيء، وكذلك الميل إلى فهم الأمور على عكس حقيقتها، فهو يستمتع ويستلذ بالشجار والجدال! عكس هذه الكلمة في اللغة اليونانية هي كلمة تنطق (إيريني، εἰρήνη-eirḗnē) التي تعني السلام والوئام والتفاهم.

يشتق من كلمة الخصام كلمة بمعنى الكد والمجهود الشاق والإجهاد والمعافرة، فحتى عندما يقبل شخص مثل هذا الرب، يكون غير قادر على ممارسة إيمانه، وجسده نشيط ويعافر معه فهو يسير في دوائر شيطانية وهو لا يدري، لذلك تجده دائمًا يعشق الشجار ورشق الآخرين بالكلمات.

غَيْرَةٌ” هي حالة الشخص الذي لا يسير بروحه بل يترك جسده يحركه ويسير بتلك الأفكار التي لا يسيطر عليها، حالة استثارة العقل، والشد والتوتر العقلي، حالة شخص ملئ بالحماس العقلي، ينطبق هذا المعنى على الحماس العقلي السلبي والإيجابي، فيمكن أن يكون إيجابي حين يكون لدى الإنسان شغف روحي وحماس عقلي للكلمة ولأمور الرب، ويمكن أن يكون الشغف سلبي بأن يلح عليه جسده أن يفعل أو يرتكب أو يتكلم كلمات معينه، حالة من الإلحاح والهيجان الداخلي.

هي حالة الغليان والسخونة، الحالة المزاج المعكر الشرير المستفز، فالاستفزاز هو أحد معاني الغيرة، شخص مشتعل متضايق، هذا يعني حين تسلك بالروح لن تتضايق من أحد ولا من شيء.

“سَخَطٌ” هي حالة النكد والزعل وتعكير المزاج والحزن، والمزاج المعكر بشكل غير طبيعي، حالة المرارة. تأتي في اللغة اليونانية (ثوموس، thumos) وكانت تستخدم قديمًا للتعبير عن حالة البركان الذي يهدأ قليلاً بينما يغلي من الداخل، حتى وإن كان الشخص هادئًا من الخارج لكنه يعرف أنه سريعًا يستثار ويطلق ناره على كل من حوله دون سابق إنذار.

هي حالة السخونة والغاليان الداخلي، هؤلاء هم الأشخاص الذين فجأة يرفعون أصواتهم ولا يعلمون أنهم تحت تأثير أرواح شريرة نتيجة لهذه الحالة، فهو يفتح الباب على مصراعيه لكيلا يرى سلاسة وسهولة في حياته وذلك لأنه يسير بالجسد.

“تَحَزُّبٌ” هو حالة الشخص الذي يضع الآخر أمامه ويجعله في الصدارة. التحزب لا يعني فقط انحياز شخص لشخص آخر، لكنه يشمل أيضًا انحياز الشخص لنفسه ورأيه الخاص الذي قد يجعله يرفض الاقتناع بالكلمة لأنها تخالفه الرأي! ولا يرى نفسه على خطأ ولا يعترف بخطئه، حالة من العمى! لذلك الشخص هنا يضع نفسه أو شخص آخر كأولوية، ويتحزب له وبذلك يضعه فوق الكلمة، ويكون لسان حاله “هذه المكالمة أو المقابلة أهم من دراسة الكلمة!”.

هو يتحزب لشخص ما كحالة من البحث عن النفس والذات في الآخرين. يسعى لإرضاء نفسه سواء في ذاته أو في شخص آخر، هو شخص لا يعنيه مصالح الآخر، فقط مصلحته الشخصية أو مصلحة الشخص المنحاز إليه، هذه الحالة تجعل الشخص لا يرى أخطاء أولاده مهما اشتكى منهم الآخرون فهو منحاز لنفسه ومنحاز لأولاده ولرأيه ولأفكاره، ولدراسته ضد أي شخص يحاول أن يخرجه من حالة الراحة الزائفة التي يحيا فيها.

“شِقَاقٌ” هي حالة الفصل والتقطيع والنزع والتمرد، وليست فقط فصل شخص عن أشخاص آخرين، بل أن يفصل الشخص نفسه ويبتعد في حالة من عدم الانتماء. هي حالة عدم الاتفاق والانشقاقات والفصل والتحزب إلى نَوع آخر عكس ما هو عليه. عكسها هو الاتحاد.

“بِدْعَةٌ” هي حالة انحراف الشخص إلي… أو حالة قطع الشخص تمامًا مع بقاء شعرة رفيعة من البقاء الظاهري، وفيها يشبه الشخص بإنسان قد قطعت ذراعه تمامًا من جسده ولم تعد متصلة بالجسد إلا بقطعة رقيقة من الجلد، فالكلمة اليونانية المترجمة (بدعة) تُعبِر عن شخص انفصل جزئيًا ولكنه يؤدي إلى انفصال كلي.

 في لغتنا العربية البدعة تعني شخص يتحدث بهرطقة، لكن في اللغة اليونانية المعنى أوسع من ذلك، فهي تتحدث عن شخص يرى نفسه دائمًا على صواب والآخر مخطئ فيبتدئ في إغلاق قلبه بصورة تدريجية.

يحدث هذا كثيرًا في العلاقات الزوجية حيث يبتدئ الطرف الذي يرى نفسه على صواب في الانغلاق على نفسه، وعدم الحديث مع شريكه والانشغال بالهاتف المحمول، وبعد فترة من الوقت نجد أن هذا الأمر تسرب إلى الأبناء الذين ينعزلون تدريجيًا كل واحد في حجرته مع نفسه وهاتفه وعالمه الافتراضي، وهو لا يدري أن أحد الوالدين أو كلاهما قد زرع ذلك فيه مبكرًا دون قصد لأنه منفصل عن شريكه نفسيًا منذ وقت بعيد، ثم يصلوا لمرحلة الصراع على كسب قلوب الأبناء، كل طرف يريد أن يكسب أبناءه في صفه ويكون معهم تكتل أقوى من تكتل الآخر، يا لها من مأساة! لأنهم بذلك يصنعون من أولادهم أبناءً للجحيم إن لم يتوبوا عن تلك الاتجاهات الفاسدة سريعًا.

“حَسَدٌ” هو حالة شخص يتألم لسعادة الآخرين ويستنكر عليهم الابتسامة إن كان هو حزين، فكيف يرتكبون هذا الجرم المشهود بالضحك بينما هو متضايق! هو حالة توريد المشكلة لآخرين. والغيظ والغضب لوجود شخص في حالة أفضل من الحالة التي هو عليها. هي حالة الحماس والشغف (وتصح على الحماس السلبي والإيجابي) وعكس هذه الكلمة هو (الفرح).

في مرقس ١٥ نرى مثالاً على هذه الكلمة، حيث نجد أن سبب صلب اليهود للرب يسوع هو أن قادتهم رأوا فيه شخصًا مختلفًا عنهم، ذو بريق وجاذبية جذبت إليه الجموع الغفيرة الذين يفترض _من وجهة نظرهم_ أن ينجذبوا إليهم لا إليه، فحسدوه وقتلوه. هناك كثيرين يتعاملون مع الناس بهذا المنطلق إذ يتساءلون بحسد: “ماذا فيه من ميزات جعلته ناجحًا ومحبوبًا هكذا؟” حتى أن الأمر قد يصل لمحاولة قتله واغتياله في محاولة للراحة من الكدر الذي يعانونه بسبب نجاحه.

” ١٠ لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. ١١ فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. ١٢ فَأجَابَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: «فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟» ١٣ فَصَرَخُوا أَيْضًا: «اصْلِبْهُ!» ١٤ فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟» فَازْدَادُوا جِدًّا صُرَاخًا: «اصْلِبْهُ!» ١٥ فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ، بَعْدَمَا جَلَدَهُ، لِيُصْلَبَ” (مرقس ١٥: ١٠-١٥).

حسدهم له قد أدى بهم لقتله حرفيًا، “٢١ حَسَدٌ قَتْلٌ…” وقد بحثت في الأصل ووجدت أن كلمة (قتل) التالية لكلمة حسد في النص ليست موجودة فيه، ولكن لأن المترجمين فهموا أن الحسد يؤدي إلى القتل ذكروها.

“سُكْرٌ” السكر هو حالة أن يتمعن الشخص في الشيء إلى أن يسعده ويتضايق من أي شيء آخر، ويتضايق إن كُسِر له أي شيء يمتلكه أو إن تعطل أي جهاز يستعمله، فهو جعل مسرته في الأشياء والمقتنيات، فيفرح حين يتم تصليح الجهاز المعطل أو إن حصل على جهاز جديد، ويحزن إن لم يحصل عليه. السكر ليس فقط ولع الإنسان بالخمر وما شابهها من أشياء، فهو قد جعل سعادته في مصادر قوية لتسديد احتياجاته، هذا ما جعل الكاتب يستخدم لفظ (سكر) وليس (شرب).

السكر هو امتلاء الشخص إلى أقصاه حتى يصير مغيبًا، عكس الكلمة هو حالة السيادة والسيطرة وقدرة الإنسان على قيادة حياته. تذكر هذا سواء كنت حديث العهد في الإيمان بالرب أو قديم: أن إبليس يريد أن يهدم شخصيتك كي يعوقك عن امتلاك حقوقك ويجعلك تعيش كما كنت قبل الميلاد الجديد. واستراتيجيته الهامة التي يريد دائمًا أن ينفذها معك هي أن يهدم فيك إمكانية أن تقول: (لا) له وللعالم وللناس! ويحاول أن يقنعك ببراهين واهية أن كونك تقول (لا) لصديقك الذي يقودك للخطية فهذا قد يجعله يتضايق منك وينكسر قلبه لرفضك لطلبه.

أو قد يدفعك للصمت على خطأ أخيك في حقك دون عتاب خوفًا من أن تخسره أو أن تجرحه، لكن انتبه! يقول الكتاب: “وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ” (متي ١٨ : ١٥). الأمر شفاف واضح وجلي، وكلمة عتاب تعني طلب توضيح وتفسير للأمر وليس إدانة، فالكثيرين يدينون إخوتهم تحت ستار المعاتبة وهذا غير صحيح.

“بَطَرٌ” هذه الكلمة غير متداولة كثيرًا في لغتنا العامية لذلك كثرت فيها التفاسير، لكن انتبه جدًا، لو كان بولس الرسول يعيش في زماننا اليوم لكتب عن البطر أنه الأمور التي تشد الناس وتجذبهم بقوة إليها مثل منصات التواصل الاجتماعي، فهذه الكلمة كانت تطلق على الذين يحضرون عدة حفلات على التوالي في نفس اليوم.

كما كانت تطلق على شخص في زنى متواصل طوال اليوم، وعلى الذي في يظل يأكل طوال النهار، وفي حالة تنقل دائم من طعام لآخر ومن مائدة لأخرى ومن امرأة لأخرى ومن احتفال لآخر، وحين ينتهي من أمر ما يسبب له لذة يبحث عن التالي، ويظل هكذا، يمل من شيء فيبحث عن آخر، فقد تدرب على السلوك بالجسد والبحث عن الملذات تلو الأخرى.

 هو شخص يعيش حياته لكي يسد حاجاته وشهوات نفسه وغالبًا ما يكون قصير النفس في حياته. هذا غير طبيعي أن يكون الجسد مسيطرًا على الإنسان بهذا الشكل، فالإنسان صمم ليكون طويل النفس ولديه قدرة على مواجهة واحتمال المواقف أيًا كانت صعوبتها.

البطر هو حالة الاستمتاع بالنكات والكلمات الخارجة الواحدة تلو الأخرى. عكس هذه الكلمة هي حالة استلام العقل مرة أخرى والسيطرة عليه على عكس الزهق والملل من كل الأمور والبحث الدائم عن الجديد في الملذات، فهو في حالة من المحاولات الدؤوبة لسد الاحتياج الذي لن يسد إلا في الخليقة الجديدة.

 “وَأَمْثَالُ هذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضًا: إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ الله” (غلاطية ٥: ٢١)

حين يقول الكتاب أن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله، هذا الكلام حرفي مهما حاول البعض أن يخففوه، إذ يكون المؤمن الذي يفعل هذا _أعمال الجسد_ في حكم الارتداد للهلاك، يمكن تشبيه هذه الحالة بالشخص الميت إكلينيكيا إذ يكون على قيد الحياة لكنه في حكم الميت. تحدثت سابقًا عن الارتداد للهلاك في سلسلة (الحياة المسيحية وكيف نحياها) يمكنك الرجوع إليها للمزيد من المعرفة في هذا الموضوع.

  • ثمار الروح:

“٢٢ وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ ٢٣ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ” (غلاطية ٥: ٢٢، ٢٣).

لقد وردت كلمة “ثَمَرُ” في اللغة اليونانية في صيغة المفرد بما يعني أن كل هذه الثمار هي ثمرة واحدة، فحين تسير بالروح فسوف تخرج منك كل الثمار معًا في نفس الوقت، قد تحتاج إلى تطوير واحد أو أكثر من تلك الثمار طبقًا لما يحتاجه الموقف.

“مَحَبَّةٌ” تحتاج المحبة إلى وقت طويل لشرحها لكن جدير بالذكر أنه لا يستطيع مرجع أن يجرؤ على القول بأنه استطاع الوصول لشرح ووصف الكامل لها، فبعد أن رجعت لمراجع كثيرة وتفاسير كثيرة لم يستقر أحد منهم على كل المعاني الكاملة والشاملة والنهائية للمحبة.

 المحبة: هي حالة خروج للحب تشبه خروج طلقة نارية من سلاح، لذلك فهي غير مشروطة ولا يمكن أن تتوقف، فلا يصح لك أن تقول: “لقد سرت كما علمتني عن المحبة لمدة ستة أشهر ولم أجد نتائج لذا سأكف عن السلوك بالمحبة”

المحبة الإلهية وكذلك أي من ثمر الروح ناتجة عن طريقة تفكير مبني على الكلمة، وصارت هذه الطباع موجودة في داخلك الآن، لكن تحتاج أن تفهم أن قيمة ذلك الإنسان الذي يتعامل معك هي نفس قيمة يسوع المسيح، فقيمته لا تحددها مكانته الاجتماعية ولا شهادته العلمية، ولا يحق لك أن تعامله معاملة غير حسنة لأنه يختلف معك في أي شيء، سواء بتجاهلك له وإهماله أو بأن تُحَقِر من شأنه وتقلل منه ولا بأن تتحدث عنه بتحقير قيمته، لأنك إن فعلت هذا فأنت تضع نفسك في دائرة شيطانية.

هي حالة يضع فيها الشخص الآخر أمامه ويقدره ويعجب به ويفكر فيه بتمعن، حيث أن هذ الشخص غالي وقيم حتى مات يسوع من أجله، لذلك فإن قيمته وثمنه هو ثمن يسوع. هي الحالة التي تدفع الشخص إلى فعل شيء يعبر به عن الحب وليس فقط بالكلام.

هي حالة الاحترام والتقدير للآخر دون النظر إلى حالته، لكن إن كنت تتساءل كيف أحترم ذلك الشخص فهذا مؤشر على أنك غير منكب على الكلمة والحق مما يجعلك غير قادر على الكرازة لمن حولك، وإن كرزت فأنت تتأثر بآرائهم وتنحاز لكلام الشخص مَن تتكلم معه ويسحبك لرأيه غير مدرك أن هناك طرف آخر في الموضوع قد يكون أكثر صوابًا من المتحدث معك.

 المحبة الآغابي هي المحبة الإلهية العميقة جدًا، لا يمكن مقاومتها ولا يمكن إحباطها ولا حدود ولا إطار لها، تذهب في طريقها بلا رجعة ولسان حال صاحبها: “سأسلك بالمحبة مهما حدث وأيا كانت الظروف!”.

 هي محبة التضحية دون التفكير في النفس، لذلك حين أتحدث عن ثمر الروح أتحدث عن شخص لا يعتبر نفسه ولا يضعها في حساباته لأنه موقن أن هناك إله محب يهتم بها، فلن يخاف على كرامته فيما بعد ولن يعتد بكلمات الناس سلبية كانت أم إيجابية لأنه انسحب في تلك المحبة العميقة التي تغمر الكيان وتجعل الإنسان ينسى ذاته، وهذا لن يتسنى لك إن لم تفهم أعماق هذا الإله الذي تعبده.

“فَرَحٌ” هو حالة الاحتفال والنشوة (قد ينتج عنها ضحك لكنها ليست الضحك) ومنبعها تأكدك وثقتك بأنك ثابت ومستقر على أساس قوي غير مرتبط بظروفك أو الواقع الذي تعيش فيه.

 “١٢ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ امْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ، ١٣ بَلْ كَمَا اشْتَرَكْتُمْ فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ، افْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي اسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ أَيْضًا مُبْتَهِجِينَ. ١٤ إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. أَمَّا مِنْ جِهَتِهِمْ فَيُجَدَّفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَتِكُمْ فَيُمَجَّدُ” (١ بطرس ٤: ١٢-١٤).

هنا حالتان تبدوان متناقضتان مع المنطق البشري هما: “البلوى المحرقة، وافرحوا” ولكن لأن الأمر مرتبط بالرجاء المبارك في مجيء الرب يصير الفرح منطقي رغم البلوى المحرقة.

“وَأَنْتُمْ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا وَبِالرَّبِّ، إِذْ قَبِلْتُمُ الْكَلِمَةَ فِي ضِيق كَثِيرٍ، بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُسِ“(١ تسالونيكي ١: ٦).

وكذلك في هذا النص نجد نفس التناقض الظاهري بين كل من: “ضيق كثير، وبفرح الروح القدس” فالفرح هنا مرتبط بوجود الروح القدس رغم وجود الضيق، الذي هو الاضطهادات.

الفرح هو حالة السعادة والروح المرتفعة والقوية النابعة من النعمة، ففي اللغة اليونانية هي إحدى مشتقات كلمة (نعمة). والنعمة هي أيدي الروح القدس التي تعمل في حياتك. فالفرح هو حالة فكرية مرتبطة بإدراك الشخص أنه مستند على نعمة خاصة تسنده في كافة الأحوال، كما أن أحد معاني كلمة “نعمة” هي حالة الفرح اللامتناهي لأنك معتمد على قوة الله وليس القوة البشرية، لديك رصيد مختلف عن رصيد الناس في الخارج وبالتالي لا يشبعك شيء آخر لأنك مدرك أن أي شيء آخر قابل للانهيار، فأنت مثبت على شيء واحد فقط وترسو حياتك عليه.

“سَلاَمٌ” هو حالة الانسجام، وقبل أن نرى حالة السلام الخارجي مع الناس هي حالة الانسجام الداخلي، ذلك لأن الإنسان الروحي يدرك أن الأفكار الشريرة التي تأتي على ذهنه لا تخصه شخصيًا ولكنها مُلقاه علبه من إبليس لهذا فلم يعد يتضايق من نفسه، ولم يعد يشعر بالذنب والدينونة التي كان يشعر بها من قبل معتقدًا أن تلك هي الطريقة المثلى لكي يوقف الخطية في حياته، وهو لا يدري أنه إذ يلوم نفسه فإنه يسلم نفسه لإبليس.

هذا لا يعني أنه لا ينبغي أن يحكم على الخطأ بأنه خطأ، حاشا! ولكن الخطأ هو في أنه يلوم نفسه فيشعر بالحزن الشديد والملامة التي هي أداة فعالة في يد العدو لكي يفشله.

السلام هو حالة الثقة والتأكد بيقين شديد من المنتج النهائي ونهايات الأمور. في حالة السلام لا يكون لدى الإنسان أي احتمالية الفشل (يا صابت يا خابت) وذلك لأن الأمر مرتبط بما عمله يسوع لا بأي شيء آخر.

هو حالة السكون والاطمئنان والأمن والأمان. حالة الازدهار التي فيها لا يخشى الإنسان من نفسه ولا من الله. هي الجذور الداخلية المتصلة بشكل سليم وجيد وصحيح مما لا يسمح بأي تواجد للمشاكل، يمكن تشبيه تلك الحالة بحالة أسلاك كهربائية المتصلة بشكل فني صحيح لا توجد فيه أي شرار أو احتكاك خاطئ للأسلاك لذلك فالحالة آمنة.

 هي مزاج ثابت مبني على الكلمة، سبب هذا التعريف هو النص الكتابي التالي: “٨ أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا. ٩ وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهذَا افْعَلُوا، وَإِلهُ السَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ” (فيلبي ٤: ٨، ٩).

 نرى هنا أن سلام الله يكون مع الشخص الذي ثبت ذهنه على طريقة تفكير واحدة وهي قائمة من أفكار كلمة الله التي إن فعلناها لن نسقط من النعمة، فحين نفكر في الأمور التي توقعنا حدوثها ولم تحدث أو في الأمور التي حاولنا تحقيقها ولم ننجح فيها، فنحن نغذي الجسد، لذلك كان بولس يحذرهم من تغذية الجسد والسلوك به لأنهم بذلك يسقطون من النعمة.

السلام هو نهاية الحرب، سواء مع الخطية أو مع الآخرين. هو الحالة التي يبني الإنسان فيها العلاقات بدلاً من حالة الاستنزاف معظم الوقت في مصارعة الخطية وكيف وقع فيها والتوبة عنها، وفيها يبتدئ الإنسان يرى نفسه أنه قادر على بناء حياته لأنه صار الآن في حالة سلام داخلي. يحدث هذا إن بدأت تسير بروحك، أي أن تؤمن بأن تلك الطباع هي في داخلك، وتُخرِج الخليقة الجديدة التي بداخلك للخارج.

السلام هو عدم التشتت وحالة هدوء الأمور والاستقرار والثبات الداخلي رغم الظروف الخارجية المزعجة، فهو لا يرتبط بالخارج بقدر ما يرتبط بالأفكار الداخلية، وهذا ما جعل بولس وهو في السفينة التي تهرأت بفعل ضربات الأمواج العاتية وبدأت الخسائر تتوالى وبات الغرق وشيكًا لكل راكبيها، أن يمتلئ بروح مختلفة عن كل الركاب ويدعوهم للهدوء وعدم الانزعاج رغم الواقع القاتل، لكنه كان ممتلئًا بسلام الله في الداخل حتى أن سلامه شجع قلوب بقية الركاب وأعطاهم أمل في النجاة بعد أن فقدوا كل رجاء.

  • كيف تُخرِج ثمار الروح؟

“٧ حَتَّى تَكُونُوا ­ بِالْعَكْسِ ­ تُسَامِحُونَهُ بِالْحَرِيِّ وَتُعَزُّونَهُ، لِئَلاَّ يُبْتَلَعَ مِثْلُ هذَا مِنَ الْحُزْنِ الْمُفْرِطِ. ٨ لِذلِكَ أَطْلُبُ أَنْ تُمَكِّنُوا لَهُ الْمَحَبَّةَ. ٩ لأَنِّي لِهذَا كَتَبْتُ لِكَيْ أَعْرِفَ تَزْكِيَتَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ طَائِعُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ؟ ١٠ وَالَّذِي تُسَامِحُونَهُ بِشَيْءٍ فَأَنَا أَيْضًا. لأَنِّي أَنَا مَا سَامَحْتُ بِهِ ­ إِنْ كُنْتُ قَدْ سَامَحْتُ بِشَيْءٍ ­ فَمِنْ أَجْلِكُمْ بِحَضْرَةِ الْمَسِيحِ، ١١ لِئَلاَّ يَطْمَعَ فِينَا الشَّيْطَانُ، لأَنَّنَا لاَ نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ” (٢ كورنثوس ٢: ٧-١١).

منذ سنين بعيدة ظللت أقرأ كتبًا كثيرة عن كيفية إخراج ثمر الروح تجاه الآخرين حتى وصلت لحل لهذا اللغز وجدته في العدد الثامن من الفقرة السابقة، هو أَنْ تُمَكِّنُوا لَهُ الْمَحَبَّةَ” وكلمة “مكنوا” تعني يثبت ويعطي السلطان إلي، ويؤكد ويخرج الشيء للعلن، ويقرر أن، لذلك فهنا بولس يقول لهم: “قرروا وأطلقوا المحبة له” لقد سبق أن كلمهم وشرح لهم في الرسالة الأولى عن ثمر الروح وأن هذه المحبة في داخلهم لذلك كان يرسل لهم رسالته الثانية للمتابعة يطلب منهم أن يمكنوا له المحبة.

يتعامل البعض مع الحياة الروحية بكثير من الخفة، حيث يمكن لهم بكل سهولة أن يسخروا من الناس وتنعدم مبادئ الكلمة في حياتهم لذلك قال لهم سامحوه واغفروا له، ثم يكمل في عدد التالي: “لِئَلاَّ يَطْمَعَ فِينَا الشَّيْطَانُ، لأَنَّنَا لاَ نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ” (٢ كورنثوس ٢: ١١).

هنا لا يريد الرب منهم أن يصلوا إليه طالبين منه المساعدة ليغمروه في معمودية المحبة، ولا ينتظر منهم أن يقولوا: “يارب ساعدنا أن نحبه ونغفر له” بل يخبرهم: “أخرجوا المحبة التي في أعماقكم ومكنوها له عن عمد وبتوجيه أفكاركم”.

كذلك مَكِّن الفرح وذلك بأن تفرح بالاختيار وترى الفرح المرتبط بالسلام والنعمة، وهذا كله مرتبط بطريقة التفكير بأن تثبت تفكيرك على شيء صحيح مبني على الكلمة. ولكن ما الخطورة إن لم أفعل هذا؟ بمنتهى البساطة أنت تجعل إبليس ينتهز الفرصة ويدخل في حياتك!

  • لسانك مُتصِل بعالم الروح!

 “فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ. هكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ، وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ” (يعقوب ٣: ٦).

هنا يقول إن اللسان النار، والنار قد يكون منبعها الروح القدس باللهج في الكلمة، وقد يكون منبعها إبليس إن كان المتكلم منفتحًا على الأرواح الشريرة.

ثم يقول: “عَالَمُ الإِثْمِ” هنا يتحدث عن الشخص الذي لا يستطيع التحكم في لسانه مؤكدًا أن مثل هذا الشخص يكون خاضعًا لأرواح شريرة وبذلك يدنس الجسم كله.

يتحدث الرسول في هذا النص يتكلم عن كلمتين هما: “عالم” و “دائرة” فاللسان يدخل الشخص في هذا العالم وتلك الدائرة. ويخبرنا الكتاب أن: “اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ” (لوقا ٦: ٤٥).

فما تذخره في قلبك سيتكلم به لسانك لا محالة، إن المذخر في قلبك الآن هو الطبيعة الإلهية فحين تتكلم كلمات منغمسة بالمحبة فأنت بذلك تخرج الكلمات الصحيحة وتدخل في العالم الصحيح وتصير في دائرة صحيحة. ومعنى أن تدخل في دائرة هو أن تكون داخل حيز وسلطان وتأثير، إن كنت تريد أن تسير في العالم دون أن تتأثر بما يحدث فيه مثلما قال الكتاب: “يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ” (المزامير ٩١: ٧).

هذا الوضع المختلف والمميز يتسنى لك بأن تسير عن عمد بروحك وأن تقول لعاداتك القديمة “لا” فإن كنت معتادًا على السخرية من الآخرين أو تقيم الناس بطريقة غير كتابية أوقف هذا فورًا وتصرف بطريقة مختلفة، حينئذ ستجد نفسك دخلت في العالم والدائرة الصحيحة. بأي عالم أنت متصل؟ هل بعالم الروح القدس أم بدائرة إبليس؟!

تكلم بما في قلبك وستدرك وكأنك متصل بكابل خفي بجهنم أو بكابل خفي بالسماء والروح القدس. وهذا ما جعلنا نستطيع أن نقول بجرأة أن الدخول إلى عالم الروح أمر سهل جدًا، فنحن بالحقيقة فيه وكل واحد منا إما متصل بعالم الروح القدس أو متصل بعالم إبليس.

لهذا السبب يقول الرسول بولس: “لِئَلاَّ يَطْمَعَ فِينَا الشَّيْطَانُ، لأَنَّنَا لاَ نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ” (٢ كورنثوس ٢: ١١). وكلمة ” يطمع” معناها “يأخذ” أو “يستحوذ ويسيطر على”.

فالأمر إذًا بدأ بـ “مَكِّنوا له المحبة وسيروا عن عمد بفرح غير مرتبط بالظروف”. إن كنت ترى هذا الأمر صعب فإذًا ينقصك التأمل في كلمة الرب، فأنت تتأمل في الظروف والمواقف أكثر من تأملك في كلمة الرب وحياتك مليئة بالسرعة والتسرع، ولا تركز مع الرب إلا في وقت الاجتماعات، وإن خرجت من الاجتماع وأنت غير واضع ذهنك في الكلمة ستجد نفسك انسحبت بسهولة مرة أخرى في العالم، لذلك يقول الكثيرين: “عندما أدخل الاجتماع أشعر براحة وحين أخرج أتعب، ما الحل؟ هل أعيش في الكنيسة؟” بالتأكيد ليس هذا هو الحل بل أن تختار أن تسير بالروح.

إن كانت المحبة الإلهية بداخلك لأنك مولود من الله مَكِّن المحبة داخلك، وإن كنت تشعر بالهم والحزن مَكِّن الفرح داخلك، مَكِّن السلام داخلك.

أن تُمكِّن الشيء هو أن تختار وأن تضعه موضع التنفيذ، وهذا لن يحدث إن لم تكن لديك ثقة بأنه موجود بداخلك، وتلك الثقة تأتي من معرفتك بالكلمة. إن لم تكن تعرف أن لديك مبلغ من المال في دولابك لن تستطيع أن تستخدمه، بنفس الطريقة إن لم تعرف أن لديك إمكانيات الله داخلك لن تقدر أن تخرجها في مواجهة مواقف الحياة المختلفة، فالأمور تبدأ بالمعرفة وليست بالمحاولة والمعافرة التي هي أعمال الجسد.

لهذا السبب لم يقل لهم بولس: “حاولوا أن تسلكوا بالروح” بل قال لهم “اسلكوا بالروح” مباشرة، وكما سبق أن ذكرت أن الكلمة المترجمة “اسلكوا” تعني شخص يسير في مكان معتاد عليه وحفظ تفاصيله الدقيقة، كالشخص الذي يسير في بيته في الظلام دون أن يحتاج لسراج ليذهب لمكان ما إذ هو يحفظ تفاصيل وأبعاد المسافات في بيته، بنفس الطريقة “اسلكوا” وصيروا مهرة في مسيرتكم. الخليقة الجديدة بداخلكم قادرة على مواجهة المواقف فقط أخرجوها وستروا عجائب.

الأفكار الشريرة التي تأتي إلى ذهنك ليست منك، فقط قل لها: “لا” واخرج الصح من روحك. المسيح نفسه تألم مجربًا وأتت إليه الأفكار فكان يرد عليها ويرفضها ويتكلم الحق الذي كان يتأمل فيه. ليس معنى أن الفكرة عرضت عليك انك أنت منتجها، هذا هو خداع العدو لإحباطك، لست أنت منتج هذه الأفكار الشريرة.

حين تأتي لك فكرة الزهق أو التشتيت أو التسلية على منصات التواصل الاجتماعي دون هدف، ارفض هذه الأفكار، ومع الوقت ستجد نفسك تُمَكِّن الصواب داخلك وسيسهل عليك مواجهة الأفكار الشريرة ورفضها وسيصبح الأمر أكثر سهولة عن قبل، مثل أسوار أريحا التي سقطت بالدوران حولها عدة مرات بسهولة مع أنها كانت في الظاهر صعبة وعملاقة.

الحل أن نستخدم أرواحنا وندرك أن مصارعتنا ليس مع دم ولحم، نحن كائنات روحية وأسلحتنا ليست جسدية ومصارعتنا ليست مع كائنات مرئية، في العهد القديم كانت الأسلحة والحرب مع كائنات مرئية وتحتاج لقوة جسدية وكان الرب يعطيهم قوة جسمانية لكي ينتصروا.

 لكنها لم تعد كذلك الآن، إذ قد انتقل الموضوع إلى عالم الروح صارت حروبنا روحية، وأنتصر الرب يسوع وأعطانا السلطان، لذلك يحاول ابليس أن يُغير استراتيجيته لأنه وجد أن موازين القوة قد انتقلت وصار لنا السيادة لأن المسيح أجلسنا معه عاليًا فوق كل قوة ورياسة وسلطان وسيادة، فسلوكك بالروح يساوي عدم إدخال إبليس في حياتك وستجد الأمور سلسة معك.

  • لكي تسلك بالروح عليك أن تفعل التالي:
  • ثبت فكرك عن عمد، قرر عن عمد أن تثق بالطبيعة الإلهية الموجودة داخلك والتي تكتشفها من الكلمة.
  • استعمل لسانك. تكلم عن نفسك مرددًا: “أنا خليقة جديدة أنا شخص مختلف”.
  • تكلم بألسنة: فالتكلم بألسنة وأنت مركز فيها سيعطيك طريقة جديدة تتعامل بها مع المواقف، شرط أن تكون منتبهًا وليس شاردًا بذهنك في أمور أخرى. صلي بالروح، وأعبد بالروح، واخرج كلماتك بالرَوح، وستجد روحك انطلقت. استمع من على موقعنا إلى سلسلة: (كيف تطلق روحك).

تذكر أنه إن كان العالم في الخارج يؤول إلى انهيار على كافة المحاور فإن روحك تستطيع أن تُقِيمك وترفعك فوق كل ما يحدث في العالم، وهذا ما سيجعلك تأخذ القرارات الصحيحة وكيف تصرف أموالك وكيف تجلبها، كما أنها هي التي تجذب الأموال إليك، وهي التي تريك كيف تتعامل مع المرض الذي يهاجمك والمواقف التي تتعرض فيها لهجمات من العدو، وكيف تتعامل مع الخلافات التي تقابلك وتساعدك على اتخاذ القرار الصائب في اختيار العمل المناسب لك.

كما أن روحك تجعلك تفهم حقائق الأمور وترى ما وراء المواقف بالروح وليس حسب الجسد. العالم يفسد لأنه يسلك حسب الجسد، لذلك، ما أروع ما جعلنا الرب عليه، هللويا!

ــــــــــــــــــــــــــــ

من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الاقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.

 

Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations are forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.

 

Download

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

PNFPB Install PWA using share icon

Install our app using add to home screen in browser. In phone/ipad browser, click on share icon in browser and select add to home screen in ios devices or add to dock in macos

Hide picture