القائمة إغلاق

المحبة الواهبة – الجزء 5 The Giving Love – Part

لمشاهدة العظة على الفيس بوك أضغط هنا

 

   

العظة مكتوبة

▪︎ المُتهَم البريء والعدو الحقيقي.

▪︎ الوحي وتَدَرُّجه.

▪︎ السلوك بالكلمة وارتباطه بمحبتك لهذا الإله.

▪︎ جبلي جرزيم وعيبال.

▪︎ اتّقوا الله لئلا تلفظكم الأرض.

▪︎ كأس غضب الله وكيف يمتلئ.

▪︎ مدنًا لأطفالكم، وصيرًا لغنمكم (ترتيب الأولويات).

▪︎ ما أحسن خيامك يا يعقوب!

▪︎ من يحبني يحفظ وصاياي.

▪︎ عرق التدريب يحمي من إهدار الدماء أثناء المعركة!

▪︎ اتَّقِ الله ولا تحيا لذاتك.

▪︎ احذّرْ المُسلّمات!

▪︎ في جميع هذه يعظم انتصارنا بالذي أحبنا.

 

 عرفنا في العظات السابقة من هذه السلسلة أن محبة الله تشمل كل الزوايا التي تختص باحتياج بالبشرية وعرفنا إنه عندما بدأ الشعب قديمًا يبتعد عن الخطة الإلهية إن الرب قال ما مفاده: “حي أنا، مستحيل إلا أن ينتشر مجدي في كل الأرض، مستحيل أن تبطل خططي ومشوراتي، سأستمر في نفس خطتي”.

▪︎ المُتّهَم البريء والعدو الحقيقي:

 لا يمكن إعاقة حب هذا الإله الذي يحتوي على كل احتياجات البشر، لقد تمّتْ محاربة هذا الحب على مدى التاريخ وحاول إبليس طويلاً بكل مكر وخداع أن يقلب الحقائق مُستغِلاً اقتباسات من الكتاب ليجعل البشر يصبّون غضبهم على الله المُحبّ بدلاً من أن يصبّوه على عدوهم الحقيقي؛ إبليس نفسه.

 إذ يحاول إقناعهم أن يتعاملوا مع الله وكأنه هو المُتسبِّب الرئيسي في كل المشكلات والأحداث السلبية التي تحدث للناس، مُستغِلاً في ذلك ذكاء وأفكار الإنسان وقدرته على الترويج لأفكار إبليس، مُحاوِلاً بذلك أن يجعل الناس تصبّ عدوانيتها على الله الصالح، إله كل نعمة تامة وعطية صالحة، وليس ضد إبليس المُسبِّب الحقيقي لكل مصائب البشر وكوارثهم.

 كما انتشرت كلمات كثيرة تدعّم هذا المفهوم مثل: “مُقدَّر ومكتوب” أو “كل اللي يجيبه ربنا كويس” وكثير من الكلمات التي تسير في هذا السياق حتى إنها سُمِعَتْ كثيرًا على منابر الكنائس كما على منابر العبادات الأخرى سواءً بسواء، مما أدى إلى أن كثير من الناس بدأت تعتقد بل وتؤمن أن الله هو الذي وراء كل مصيبة وبليّة تحدث على الأرض.

 لكن يكشف لنا الكتاب بالروح القدس أن محبة الله الواهبة هي التي تكشف لنا صلاح الله وروعته. بسبب وجود نقاط كثيرة غير مفهومة بشكل صحيح جعلت الناس تعتقد أن الله وراء أي شيء يحدث على الأرض.

 أهم هذه النقاط بعض النصوص الكتابية المُجتزَئة من سياق النصوص أو من المفهوم الكتابي الصحيح عن إلهنا المُحب، التي فهموا منها وكأن الله هو الذي يصنع كل شيء على الأرض، بينما الله لا يعطي إلا كل محبة، وهذه المحبة صالحة وغير مُؤذيّة للإنسان على الإطلاق.

“لا تضِلّوا يا إخوَتي الأحِبّاءَ. كُلُّ عَطيَّةٍ صالِحَةٍ وكُلُّ مَوْهِبَةٍ تامَّةٍ هي مِنْ فوقُ، نازِلَةٌ مِنْ عِندِ أبي الأنوارِ، الّذي ليس عِندَهُ تغييرٌ ولا ظِلُّ دوران.” (يعقوب ١ :١٦)

 بالتأمل في هذا النص نجد الوحي يخبرنا أن كل عطية جيدة وصالحة وكل شيء يرفع الإنسان لأعلى وينتهي بشكل صحيح ونهائي، منبعه من فوق، نازل ومبعوث من عند أبي الأنوار.

 لاحظ الكلمات في هذا الشاهد في سياق خلفية كاتب النص، إذ أن كتبة الوحي في العهد الجديد قد كتبوه مُتأثِرين بالعهد القديم، الذي وُلِدوا فيه وتربوا في كنفه، فحين يقول: “مِنْ عِندِ أبي الأنوارِ” فهذا يعني إنه يريد أن يخبرنا أن أي شيء سلبي هو ظلام، كما أن أي شيء إيجابي هو نور.

 تلك معادلة يفرّق فيها الكاتب بين الظلام والنور كما يجب أن نفرق نحن بنفس الطريقة بين ما هو صالح وما هو شرير. لا يوجد تشابه بين النور والظلام، لا خلاف على هذا!

 كما أن كلمة “الّذي ليس عِندَهُ تغييرٌ” تعني أنه من المستحيل أن يتغيّر، فهو بهذه المحبة وبهذا النور، وبهذا الصلاح.

“شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ.” (يعقوب ١: ١٨).

 أعلى فئة وأعلى شريحة في جميع خلائق الله. لا ينتمي إلى هذه المملكة إلا كل ما هو صالح فقط وكل ما هو تام فقط.

 حدث حوار في (تثنية ٦ :٤) وهو عبارة عن أنشودة وأغنية وصلوات يسمونها (الهاجاداه) أي الصلوات والأقوال المُتكرِّرة التي يرددونها في تعبدُّهم ليهوه.

“٤ «اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. ٥ فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. ٦ وَلْتَكُنْ هذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ عَلَى قَلْبِكَ، ٧ وَقُصَّهَا عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَتَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ، وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ، ٨ وَارْبُطْهَا عَلاَمَةً عَلَى يَدِكَ، وَلْتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ، ٩ وَاكْتُبْهَا عَلَى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلَى أَبْوَابِكَ. ١٠ «وَمَتَى أَتَى بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ لآبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ يُعْطِيَكَ، إِلَى مُدُنٍ عَظِيمَةٍ جَيِّدَةٍ لَمْ تَبْنِهَا، ١١ وَبُيُوتٍ مَمْلُوءَةٍ كُلَّ خَيْرٍ لَمْ تَمْلأْهَا، وَأَبْآرٍ مَحْفُورَةٍ لَمْ تَحْفِرْهَا، وَكُرُومٍ وَزَيْتُونٍ لَمْ تَغْرِسْهَا، وَأَكَلْتَ وَشَبِعْتَ، ١٢ فَاحْتَرِزْ لِئَلاَّ تَنْسَى الرَّبَّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. ١٣ الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي، وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ، وَبِاسْمِهِ تَحْلِفُ. ١٤ لاَ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الأُمَمِ الَّتِي حَوْلَكُمْ، ١٥ لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ إِلهٌ غَيُورٌ فِي وَسَطِكُمْ، لِئَلاَّ يَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ إِلهِكُمْ عَلَيْكُمْ فَيُبِيدَكُمْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ. ١٦ لاَ تُجَرِّبُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ كَمَا جَرَّبْتُمُوهُ فِي مَسَّةَ. ١٧ احْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمْ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا. ١٨ وَاعْمَلِ الصَّالِحَ وَالْحَسَنَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، لِكَيْ يَكُونَ لَكَ خَيْرٌ، وَتَدْخُلَ وَتَمْتَلِكَ الأَرْضَ الْجَيِّدَةَ الَّتِي حَلَفَ الرَّبُّ لآبَائِكَ.” (التثنية ٦: ٤-١٨).

 

▪︎ الوحي وتَدَرُّجه:

 بداية من (تثنية ١) كان الشعب لا يزال واقفًا على ضفاف الأردن ينظرون لأرض الموعد ومُستعِدين لسماع أمر الرب بالدخول إليها لامتلاكها، في هذه الأثناء تكلم معهم موسى بما ورد في سِفْر التثنية وهو يستعد لرحيله عنهم بينما يشدد يشوع ليدخل بهم إلى أرض الموعد.

 كان سِفْر التكوين التاريخي، وأسفار الخروج واللاويين والعدد المُختَصّة بالشرائع، كانوا قد كُتِبوا قبل أربعين عامًا من ذلك الوقت. خلال تلك السنوات الأربعين حدثتْ أمور كثيرة جعلت موسى يكتب الشرائع في التثنية بشكل مختلف عمّا كتبه في الأسفار السابقة.

 لم تكن تلك الاختلافات بسبب نسيان موسى ولا ضعف ذاكرته بسبب السنين، نعم هناك فروق كثيرة بين وصايا الخروج واللاويين والعدد من جهة وبين وصايا التثنية التي كُتِبَتْ مُؤخرًا من جهة أخرى.

 مثلاً؛ قال لهم سابقًا ألا يكون لهم ملكٌ إذ يرغب الرب أن يكون هو نفسه ملكهم وهم يكونون له شعبُ كهنةٍ، لكن الشعب تمرّد ورفض تلك الوصية، وبدأوا يُحوَّلون إلى سبط لاوي، فبدأ يوصيهم بالاستماع إلى النبي فقط وألا يكون لهم رئيسٌ كالبلاد المحيطة بهم.

 لكن في سفر التثنية نجد موسى يضع لهم رئيسٌ، حتى إن صموئيل النبي اقتبس هذه الوصية فيما بعد، والسؤال هنا: هل ذاكرة موسى النبي ضعفت؟ الحقيقة إن ذاكرته لم تضعف بل إن الذي فسد هو الشعب نفسه ورفض وصايا الله الصالحة له.

 نجد مفتاحًا لهذه الحالة من جملة ذكرها الرب يسوع له المجد في سياق حديثه عن الزواج والطلاق حيث قال لهم: “٥ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ لَكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ، ٦ وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ.” (مرقس ١٠: ٥، ٦). إذًا إرادة الله من الأساس عدم انفصال الرجل عن امرأته ولكن بسبب قساوة قلوب البشر أذن موسى بكتاب طلاق. حتى إن حدث زنا من أحد أطراف العلاقة الزوجية، يمكن للشخص الذي يسير بالمحبة والغفران أن يعود بشريكه مرة أخرى.

 أعطى الرب لنا وصفًا لموسى أنه اضطرّ للتعامل مع حالة موجودة أمامه بالفعل، وصف الكتاب هذه الحالة ب: “قساوة القلوب”، هذا يعني أنه كان يحاول مع تلك الحالات وينصحهم بالغفران والاستمرار في الارتباط وإكمال مسيرة الحياة مع الشريك.

 لكن في النهاية ولقساوة القلوب قال لهم: دعونا نطلق ولكن لنقنن الأمر بأن نكتب كتاب طلاق في حالة وجود شهود لكي لا يدّعي أحدٌ على الآخر بشيء لم يحدث، لكن تبقى في النهاية حقيقة ثابتة أن هذا الأمر برمته ليس هو الفِكْر الإلهي ولا الحلم الإلهي للإنسان على الإطلاق لكنها وصايا كُتِبَتْ اضطرارًا للتعامل مع حالات قساوة القلب عند الشعب.

 بينما كان الشعب يقرأون في (تثنية ٦) وينفّذون بعض الوصايا بصورة حرفية مثل ربط عصائب بها آيات، ويربطونها على أياديهم وعلى رؤوسهم، لكن كثيرًا ما كانوا يتركون الرب من قلوبهم وتصير قلوبهم قاسية ومُبتعِدة عن الرب.

 لذا ابتدأ يخبرهم إنه إن لم تضعوا وصايا الرب عصائب على قلوبكم وليس فقط على جباهكم وأياديكم فلن يكون هذا سوى مجرد زيف وخداع، لذلك ابتدأ يتحدث معهم عن القلب، فاختلفت لغة موسى في سفر التثنية وصارت أكثر استنارة عنها في الأسفار السابقة له.

 كان يتحدّث معهم عن المفاهيم والاستنارة التي حصل عليها خلال الأربعين عامًا السابقة، فبدأ يتكلم معهم أن وصايا الرب ليست مجرد وصايا بل هي حياة لكي يصل بهم إلى نفس نقطة الاستنارة التي وصل هو إليها، وهكذا نجد أن الوحي الإلهي مُتدرِّجٌ، والوصايا مُتدرِجة من جيل إلى جيل، لكن نحن الآن ككنيسة وصلتْ إلينا أقصى مراحل هذه الاستنارة، مجدًا للرب.

▪︎ السلوك بالكلمة وارتباطه بمحبتك لهذا الإله:

 كان (تثنية ٦) يُقرَأ معه (تثنية ١١) حيث يقول الوحي:

“١ فَأَحْبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ وَاحْفَظْ حُقُوقَهُ وَفَرَائِضَهُ وَأَحْكَامَهُ وَوَصَايَاهُ كُلَّ الأَيَّامِ. ٢ وَاعْلَمُوا الْيَوْمَ أَنِّي لَسْتُ أُرِيدُ بَنِيكُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا وَلاَ رَأَوْا تَأْدِيبَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، عَظَمَتَهُ وَيَدَهُ الشَّدِيدَةَ وَذِرَاعَهُ الرَّفِيعَةَ ٣ وَآيَاتِهِ وَصَنَائِعَهُ الَّتِي عَمِلَهَا فِي مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ وَبِكُلِّ أَرْضِهِ، ٤ وَالَّتِي عَمِلَهَا بِجَيْشِ مِصْرَ بِخَيْلِهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ، حَيْثُ أَطَافَ مِيَاهَ بَحْرِ سُوفٍ عَلَى وُجُوهِهِمْ حِينَ سَعَوْا وَرَاءَكُمْ، فَأَبَادَهُمُ الرَّبُّ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، ٥ وَالَّتِي عَمِلَهَا لَكُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ حَتَّى جِئْتُمْ إِلَى هذَا الْمَكَانِ، ٦ وَالَّتِي عَمِلَهَا بِدَاثَانَ وَأَبِيرَامَ ابْنَيْ أَلِيآبَ ابْنِ رَأُوبَيْنَ اللَّذَيْنِ فَتَحَتِ الأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمَا مَعَ بُيُوتِهِمَا وَخِيَامِهِمَا وَكُلِّ الْمَوْجُودَاتِ التَّابِعَةِ لَهُمَا فِي وَسْطِ كُلِّ إِسْرَائِيلَ. ٧ لأَنَّ أَعْيُنَكُمْ هِيَ الَّتِي أَبْصَرَتْ كُلَّ صَنَائِعِ الرَّبِّ الْعَظِيمَةِ الَّتِي عَمِلَهَا. ٨ «فَاحْفَظُوا كُلَّ الْوَصَايَا الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ لِكَيْ تَتَشَدَّدُوا وَتَدْخُلُوا وَتَمْتَلِكُوا الأَرْضَ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا، ٩ وَلِكَيْ تُطِيلُوا الأَيَّامَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمَ الرَّبُّ لآبَائِكُمْ أَنْ يُعْطِيَهَا لَهُمْ وَلِنَسْلِهِمْ، أَرْضٌ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً. ١٠ لأَنَّ الأَرْضَ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا لَيْسَتْ مِثْلَ أَرْضِ مِصْرَ الَّتِي خَرَجْتَ مِنْهَا، حَيْثُ كُنْتَ تَزْرَعُ زَرْعَكَ وَتَسْقِيهِ بِرِجْلِكَ كَبُسْتَانِ بُقُولٍ. ١١ بَلْ الأَرْضُ الَّتِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكُوهَا، هِيَ أَرْضُ جِبَالٍ وَبِقَاعٍ. مِنْ مَطَرِ السَّمَاءِ تَشْرَبُ مَاءً. ١٢ أَرْضٌ يَعْتَنِي بِهَا الرَّبُّ إِلهُكَ. عَيْنَا الرَّبِّ إِلهِكَ عَلَيْهَا دَائِمًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ إِلَى آخِرِهَا. ١٣ «فَإِذَا سَمِعْتُمْ لِوَصَايَايَ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ لِتُحِبُّوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ وَتَعْبُدُوهُ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ، ١٤ أُعْطِي مَطَرَ أَرْضِكُمْ فِي حِينِهِ: الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ. فَتَجْمَعُ حِنْطَتَكَ وَخَمْرَكَ وَزَيْتَكَ. ١٥ وَأُعْطِي لِبَهَائِمِكَ عُشْبًا فِي حَقْلِكَ فَتَأْكُلُ أَنْتَ وَتَشْبَعُ. ١٦ فَاحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَنْغَوِيَ قُلُوبُكُمْ فَتَزِيغُوا وَتَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى وَتَسْجُدُوا لَهَا، ١٧ فَيَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ، وَيُغْلِقُ السَّمَاءَ فَلاَ يَكُونُ مَطَرٌ، وَلاَ تُعْطِي الأَرْضُ غَلَّتَهَا، فَتَبِيدُونَ سَرِيعًا عَنِ الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ الَّتِي يُعْطِيكُمُ الرَّبُّ. ١٨ «فَضَعُوا كَلِمَاتِي هذِهِ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَنُفُوسِكُمْ، وَارْبُطُوهَا عَلاَمَةً عَلَى أَيْدِيكُمْ، وَلْتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عُيُونِكُمْ، ١٩ وَعَلِّمُوهَا أَوْلاَدَكُمْ، مُتَكَلِّمِينَ بِهَا حِينَ تَجْلِسُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، وَحِينَ تَمْشُونَ فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُونَ، وَحِينَ تَقُومُونَ. ٢٠ وَاكْتُبْهَا عَلَى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلَى أَبْوَابِكَ، ٢١ لِكَيْ تَكْثُرَ أَيَّامُكَ وَأَيَّامُ أَوْلاَدِكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَقْسَمَ الرَّبُّ لآبَائِكَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا، كَأَيَّامِ السَّمَاءِ عَلَى الأَرْضِ. ٢٢ لأَنَّهُ إِذَا حَفِظْتُمْ جَمِيعَ هذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا لِتَعْمَلُوهَا، لِتُحِبُّوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ وَتَسْلُكُوا فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ وَتَلْتَصِقُوا بِهِ.” (التثنية ١١: ١-٢٢).

 أيُعقل أن نكون في عهد جديد مع الرب ونعيش في مستوى أقل من هذا المستوى المذكور في سِفْر التثنية؟ مستحيل!!

 إن الصلاح والروعة الإلهية توضح لنا أن هناك طاقة إلهية تخرج تجاه ظروفك وحياتك، وهي تشمل كل زوايا ونواحي الحياة لكن الرب وضع طريقة -البعض يسميها شرطًا- موسى أسماها “محبة” حين قال في هذا المقطع: “١ فَأَحْبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ وَاحْفَظْ حُقُوقَهُ وَفَرَائِضَهُ وَأَحْكَامَهُ وَوَصَايَاهُ كُلَّ الأَيَّامِ.”

 قال أيضًا: “١٣ فَإِذَا سَمِعْتُمْ لِوَصَايَايَ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ لِتُحِبُّوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ وَتَعْبُدُوهُ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ”.

 “٢٢ لأَنَّهُ إِذَا حَفِظْتُمْ جَمِيعَ هذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا لِتَعْمَلُوهَا، لِتُحِبُّوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ وَتَسْلُكُوا فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ وَتَلْتَصِقُوا بِهِ.”

 

▪︎ جبلي جرزيم وعيبال:

 هناك نقطة جديرة بالاهتمام موجودة في (تثنية ١١) إذ يقول لهم:

“٢٦ «اُنْظُرْ. أَنَا وَاضِعٌ أَمَامَكُمُ الْيَوْمَ بَرَكَةً وَلَعْنَةً: ٢٧ الْبَرَكَةُ إِذَا سَمِعْتُمْ لِوَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ. ٢٨ وَاللَّعْنَةُ إِذَا لَمْ تَسْمَعُوا لِوَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمْ، وَزُغْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ لِتَذْهَبُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا. ٢٩ وَإِذَا جَاءَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِكِيْ تَمْتَلِكَهَا، فَاجْعَلِ الْبَرَكَةَ عَلَى جَبَلِ جِرِزِّيمَ، وَاللَّعْنَةَ عَلَى جَبَلِ عِيبَالَ.” (التثنية ١١: ٢٦-٢٩).

 بالفعل وقف جماعة من الشعب على جبل جرزيم للنطق بالبركات التي سوف ينالونها بحفظ وصايا الرب، ووقفت جماعة أخرى على جبل عيبال للنطق بكلمات اللعنة التي ستحل عليهم إن أهملوا وصايا الرب وشريعته.

 شتّان الفرق بين البركة واللعنة، كم هو عيب وعار بل وهرطقة أن نطلق على اللعنات اسم بركة أو العكس، هنا أراد الله بنفسه أن يحدد لهم ما هي البركة وما هي اللعنة، فلا يصح مثلاً أن نقول أن المرض بركة من الرب لأن المرض في الأساس لعنة حسب شرح الكتاب وسَرْده للبركات واللعنات عل جبلي جرزيم وعيبال.

 لهذا السبب حذّرهم الرب كثيرًا من الذهاب بعيدًا عن الرب وراء آلهة الأمم الذين طردهم الرب أمامهم بسبب خطاياهم ونجاساتهم التي نجسوا بها أرضهم.

▪︎ اتقوا الله لئلا تلفظكم الأرض:

“لأنَّ جميعَ هذِهِ الرَّجَساتِ قد عَمِلها أهلُ الأرضِ الّذينَ قَبلكُمْ فتنَجَّسَتِ الأرضُ. فلا تقذِفُكُمُ الأرضُ بتنجيسِكُمْ إيّاها كما قَذَفَتِ الشُّعوبَ الّتي قَبلكُمْ.” (لاويين ١٨: ٢٧).

 هذا يعني أن هناك قوة في الأرض مُرتبِطة بالسماء وتتفاعل معها وتحقّق مشيئة الله. حين أسير في المسار الصحيح وأتفاعل مع وصايا الرب بإيجابية فأنا بذلك أحبه، وأعطي لأفكاره أن تكون هي السائدة على ذهني، بهذه الطريقة أنا أذوق روعة الأرض التي أنا عليها، فَتُعطي لي قوتها.

 نفس هذه الأرض، تتحول إلى عدو، تقذف الناس وتخرجهم، أولئك الذين يكسرون وصايا الرب. ربما لا تظهر نتائج ذلك في الوقت نفسه؛ يعاني أشخاص من نتائج وتبعيات لأمور فعلها آبائهم، وصارت لعنات تتوارثها الأجيال كالأمراض المُتكرِّرة أو الفشل المُتكرِّر أو الانفصال والطلاق والتفكُّك الأُسري.

 الحل الأمثل لِمثل هذه الحالات ليس الصلاة لكسر اللعنات، بل أن يخرج ولو شخص واحد من هذه الأسرة ليقف ضد أفكار إبليس وحِيله التي أنتجتْ هذه المشكلات في تلك العائلة.

 من الممكن أن يكون أحد أفراد تلك العائلة مولودًا من الله، لكنه لم يكتشف بعد الحق الكتابي بخصوص هذه الأمور، وربما يتساءل واحدّ: أين محبة الرب في مِثْل تلك المشكلات؟ إن حُبّ الرب هنا مثل محبة المُعلِّم لتلميذه إذ لابد أن يشرح له الموقف كاملاً ويعطيه المفاهيم الصحيحة والطريقة المُثلى لمعالجة الموقف وليس مجرد أن يتعاطف معه على مستوى المشاعر فقط.

 المُدرِّس الذي يكتفي بإبداء التعاطف والمشاعر دون إعطاء التلميذ المفاهيم الصحيحة هو بلا شك مُدرِّسٌ فاشلٌ، لأنه ستبقَى في النهاية أن المساعدة الحقيقية التي ساعدها المُعلِّم لتلميذه هي التعليم الصحيح الذي عَلَّمَه إياه.

 هكذا أيضًا المعرفة الصحيحة التي يعطيها الله للإنسان هي المساعدة الفعلية التي يساعد بها الله أولاده في مواجهة تحديات الحياة بكل تفاصيلها. أعود وأكرِّر: إن معجزات الله لا تأتي من السماء للأرض لكنها تخرج من داخلك إلى الخارج إذ لابد أن تعبر عليك أنت وأن تكون مُدرِكًا لكيفية صُنعها.

 أخيرًا خضوعك أنت لهذا الإله الناتج عن محبتك له هو الذي يجعل القوة تنتقل من داخلك إلى خارجك. خلاف هذا، إن كنت لا تسلك باستقامة قلب، ستجد الأرض نفسها صارت مضادة لك لتلفظك من عليها وتخرجك بعيدًا عنها، ولن ترَى النعمة التي كانت عليك ومصاحبة لك وقتما كنت تسير باستقامة قلب مع الرب إلهك.

 هنا قد يتساءل أحدهم: “هناك أشخاص أشرار ومع ذلك يزدادون في التفوق والذكاء والترقي في كثير من أعمالهم ونواحي حياتهم المختلفة، بم تفسر ذلك؟”

 يوضح لنا الكتاب أن الأشخاص الذين يسيرون مع إبليس لا يُشكّلون تهديدًا عليه ولا على ملكوته وسلطانه لذلك فهو غير مُجبَر على محاربتهم ومقاومتهم في الحياة لأنهم بالفعل تحت سلطانه، متى شاء أن يفعل بهم أي شيء رديء لن يقاومه أحدٌ وهو مُدرِكٌ لذلك تمامًا.

 لكنه يحارب الأشخاص الذين بدأوا يأخذون خطوات في اتّجاه عكس اتّجاه العالم الشرير الذي يرأسه هو ويتسلّط عليه، لكي يسيروا مع الرب، عسى أن يستطيع الإيقاع بأحدهم ليرده إلى سلطانه الشرير. هنا قد يردّ السائل: “أليس من الأفضل لي ألّا أسير مع الرب إذًا لأتجنّب حروب الشيطان؟”

 الجواب هو أنه في تلك الحالة ستظهر مشكلة أخرى وهي أن النهاية الخاصة بك ستكون -بمنتهى البساطة- مُرتبِطة تمامًا بنهاية إبليس، ومصيره سيكون مصيرك، يا له من مصير مؤسف ومؤلم. تحركْ اليوم عكس التيار، وسِرّْ حسب كلمة الرب وهو سيضمن لك أن تجد نتائج في حياتك.

 ستجد قوة الروح القدس وهي تنطلق، سترى أرضك وقد بدأت تعطي لك قوتها، لا يمكن أن تقذفك خارجها. يوضح لنا الكتاب أن هناك شيئًا يتم عمله في الأرض يعمله الروح القدس، دعونا نراه في سِفْر التكوين.

 

▪︎ كأس غضب الله وكيف يمتلئ:

“وفي الجيلِ الرّابِعِ يَرجِعونَ إلَى ههنا، لأنَّ ذَنبَ الأموريّينَ ليس إلَى الآنَ كامِلًا.” (تكوين ١٦: ١٥).

 هنا يوضح الرب قانونية دخولهم أراضي تلك الأمم وامتلاكهم إياها، إذ لم يظلمهم بل حينما اكتمل إثمهم لفظتهم الأرض ليرثها شعب الرب، هي نفس الطريقة القانونية التي بها تتم ترقية شخص وعدم ترقية آخر، وتمييز شخص عن آخر. إن هذا الأمر تَكلَّم عنه موسى في (تثنية ٢) حين قال:

“١٧ كَلَّمَنِي الرَّبُّ قَائِلاً: ١٨ أَنْتَ مَارٌّ الْيَوْمَ بِتُخْمِ مُوآبَ، بِعَارَ. ١٩ فَمَتَى قَرُبْتَ إِلَى تُجَاهِ بَنِي عَمُّونَ، لاَ تُعَادِهِمْ وَلاَ تَهْجِمُوا عَلَيْهِمْ، لأَنِّي لاَ أُعْطِيكَ مِنْ أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ مِيرَاثًا، لأَنِّي لِبَنِي لُوطٍ قَدْ أَعْطَيْتُهَا مِيرَاثًا. ٢٠ هِيَ أَيْضًا تُحْسَبُ أَرْضَ رَفَائِيِّينَ. سَكَنَ الرَّفَائِيُّونَ فِيهَا قَبْلاً، لكِنَّ الْعَمُّونِيِّينَ يَدْعُونَهُمْ زَمْزُمِيِّينَ. ٢١ شَعْبٌ كَبِيرٌ وَكَثِيرٌ وَطَوِيلٌ كَالْعَنَاقِيِّينَ، أَبَادَهُمُ الرَّبُّ مِنْ قُدَّامِهِمْ، فَطَرَدُوهُمْ وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ. ٢٢ كَمَا فَعَلَ لِبَنِي عِيسُو السَّاكِنِينَ فِي سِعِيرَ الَّذِينَ أَتْلَفَ الْحُورِيِّينَ مِنْ قُدَّامِهِمْ، فَطَرَدُوهُمْ وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. ٢٣ وَالْعُوِّيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي الْقُرَى إِلَى غَزَّةَ، أَبَادَهُمُ الْكَفْتُورِيُّونَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ كَفْتُورَ وَسَكَنُوا مَكَانَهُمْ.” (التثنية ٢: ١٧-٢٣).

 في هذه الفقرة بدأ الرب يشرح عن اكتمال إثم الشعوب الذين سبق ذكرهم في (تكوين ١٥) في سياق وعده لإبراهيم بالبركة وامتلاك نسله لهذه الأرض، إذ بدأ يشرح ويوضح القوانين عن الأسباب التي لأجلها أُخِذَتْ بلاد من أهلها وأُعِطيت لآخرين، ذلك لأنهم أشرار.

 أيضًا لماذا في هذا الوقت بالذات وليس حين وُعِدَ إبراهيم بها حيث لم يكن إثم هذه البلاد اكتمل بعد. مضت حوالي أربع مئة سنةٍ منذ وعد الرب إبراهيم في (تكوين ١٥) حتى ميعاد الامتلاك الفعلي في (تثنية ٢)، هنا وبعد سنين هذه مقدارها نجد موسى يُذكِّر الشعب بهذا الكلام.

 يشرح لهم أيضًا أن الرب وعد إبراهيم بأن تكون الأرض لنسله حين يكتمل ذنب هؤلاء الأمم، وأنه الآن قد اكتمل ذنبهم لذلك لابد أن يُطرَدوا من الأرض ويُقذَفوا منها، فبالتالي يصحّ لهم أن يأخذوها لأنها امتلأت من شر ساكنيها إذ كانوا يقدّمون بنيهم ذبائح بشرية لآلهتهم.

 كما نبّههم موسى أن الرب سيجعلهم يهزمونهم، لكن حذّرهم من الذهاب وراء تلك الآلهة لئلا يمتلئ كأس غضبهم هم أيضًا فينهزمون وتلفظهم الأرض لتركهم الرب إلههم. تلك مسئولية ومبادئ لابد للجميع أن يعرفوها من بدايتها لنهايتها ويشربون الحق الإلهي، هذا هو سبب شرح الرب لهم هذه الأمور. دعونا نرى شيئًا آخر من (تثنية ٢) حيث يقول الكتاب:

“في هذا اليومِ أبتَدِئُ أجعَلُ خَشيَتَكَ وخَوْفَكَ أمامَ وُجوهِ الشُّعوبِ تحتَ كُلِّ السماءِ. الّذينَ يَسمَعونَ خَبَرَكَ يَرتَعِدونَ ويَجزَعونَ أمامَكَ.” (تثنية ٢٥:٢).

 هنا نجد الروح القدس يشرح لك الأحداث التي تحدث من وراء ظهرك وأنت لا تدري عنها شيئًا. الرهبة والهيبة الخاصة بروح الرب، فالرب هو الذي يعطي الهيبة والتقدير. لا يمنع هذا أن هناك أناس ستقف ضدك، لكن رغم كل شيء توجد هيبة من الرب عليك، فربما يريد أحدهم أن يتّخذ خطوات ضدك، لكنه يتراجع بعد ذلك عنها خوفًا منك، أو بسبب أن الرب أفسد له خطته للإيقاع بك.

 هنا نجد الرب يشرح لهم تشريح تلك العملية حتى لا يترك سؤالاً لأحد لئلا يظن أحدٌ أن الرب ظالمٌ لهؤلاء الأمم. هذا هو النظام الذي يسير عليه الرب ويسري على كل الأرض، لكن هناك أيضًا بعض الأمور التي تأخذ وقتًا أطول، هناك أناس يصبر عليهم الرب في سلطانه وإمهاله، هذا هو حُبّ الرب.

 في (١ كورنثوس ٥) نرى مشهدًا عن تعامل الرب مع زاني كورنثوس حيث يأمر الرب أهل كورنثوس أن يعزلوا الخبيث من وسطهم، والعزل هو أحد وسائل تعريض الشخص لإبليس، لأنهم إن كانوا لا يزالون يقبلونه بينهم، سيكون هو مَحميًا في الكنيسة، وفي الوقت نفسه يصبح الذين قبلوه مُعرَّضين للسقوط مثله، هذا يجعلنا ندرك إنه من محبة الله لنا أن نكون داخل كنيسة حية للمسيح.

 

▪︎ مدنًا لأطفالكم، وصيرًا لغنمكم (ترتيب الأولويات):

“١ وَأَمَّا بَنُو رَأُوبَيْنَ وَبَنُو جَادَ فَكَانَ لَهُمْ مَوَاشٍ كَثِيرَةٌ وَافِرَةٌ جِدًّا. فَلَمَّا رَأَوْا أَرْضَ يَعْزِيرَ وَأَرْضَ جِلْعَادَ، وَإِذَا الْمَكَانُ مَكَانُ مَوَاشٍ، ٢ أَتَى بَنُو جَادَ وَبَنُو رَأُوبَيْنَ وَكَلَّمُوا مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَرُؤَسَاءَ الْجَمَاعَةِ قَائِلِينَ: ٣ «عَطَارُوتُ وَدِيبُونُ وَيَعْزِيرُ وَنِمْرَةُ وَحَشْبُونُ وَأَلِعَالَةُ وَشَبَامُ وَنَبُو وَبَعُونُ، ٤ الأَرْضُ الَّتِي ضَرَبَهَا الرَّبُّ قُدَّامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هِيَ أَرْضُ مَوَاشٍ، وَلِعَبِيدِكَ مَوَاشٍ». ٥ ثُمَّ قَالُوا: «إِنْ وَجَدْنَا نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلْتُعْطَ هذِهِ الأَرْضُ لِعَبِيدِكَ مُلْكًا، وَلاَ تُعَبِّرْنَا الأُرْدُنَّ». ٦ فَقَالَ مُوسَى لِبَنِي جَادٍ وَبَنِي رَأُوبَيْنَ: «هَلْ يَنْطَلِقُ إِخْوَتُكُمْ إِلَى الْحَرْبِ، وَأَنْتُمْ تَقْعُدُونَ ههُنَا؟ ٧ فَلِمَاذَا تَصُدُّونَ قُلُوبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنِ الْعُبُورِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهُمُ الرَّبُّ؟ ٨ هكَذَا فَعَلَ آبَاؤُكُمْ حِينَ أَرْسَلْتُهُمْ مِنْ قَادَشَ بَرْنِيعَ لِيَنْظُرُوا الأَرْضَ. ٩ صَعِدُوا إِلَى وَادِي أَشْكُولَ وَنَظَرُوا الأَرْضَ وَصَدُّوا قُلُوبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ دُخُولِ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهُمُ الرَّبُّ. ١٠ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَأَقْسَمَ قَائِلاً: ١١ لَنْ يَرَى النَّاسُ الَّذِينَ صَعِدُوا مِنْ مِصْرَ، مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا، الأَرْضَ الَّتِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَتَّبِعُونِي تَمَامًا، ١٢ مَا عَدَا كَالِبَ بْنَ يَفُنَّةَ الْقِنِزِّيَّ وَيَشُوعَ بْنَ نُونَ، لأَنَّهُمَا اتَّبَعَا الرَّبَّ تَمَامًا. ١٣ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَتَاهَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، حَتَّى فَنِيَ كُلُّ الْجِيلِ الَّذِي فَعَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. ١٤ فَهُوَذَا أَنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ عِوَضًا عَنْ آبَائِكُمْ، تَرْبِيَةَ أُنَاسٍ خُطَاةٍ، لِكَيْ تَزِيدُوا أَيْضًا حُمُوَّ غَضَبِ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ. ١٥ إِذَا ارْتَدَدْتُمْ مِنْ وَرَائِهِ، يَعُودُ يَتْرُكُهُ أَيْضًا فِي الْبَرِّيَّةِ، فَتُهْلِكُونَ كُلَّ هذَا الشَّعْبِ». ١٦ فَاقْتَرَبُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا: «نَبْنِي صِيَرَ غَنَمٍ لِمَوَاشِينَا ههُنَا وَمُدُنًا لأَطْفَالِنَا. ١٧ وَأَمَّا نَحْنُ فَنَتَجَرَّدُ مُسْرِعِينَ قُدَّامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى نَأْتِيَ بِهِمْ إِلَى مَكَانِهِمْ، وَيَلْبَثُ أَطْفَالُنَا فِي مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ مِنْ وَجْهِ سُكَّانِ الأَرْضِ. ١٨ لاَ نَرْجعُ إِلَى بُيُوتِنَا حَتَّى يَقْتَسِمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ. ١٩ إِنَّنَا لاَ نَمْلِكُ مَعَهُمْ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ وَمَا وَرَاءَهُ، لأَنَّ نَصِيبَنَا قَدْ حَصَلَ لَنَا فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ إِلَى الشَّرْقِ». ٢٠ فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «إِنْ فَعَلْتُمْ هذَا الأَمْرَ، إِنْ تَجَرَّدْتُمْ أَمَامَ الرَّبِّ لِلْحَرْبِ، ٢١ وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ كُلُّ مُتَجَرِّدٍ مِنْكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى طَرَدَ أَعْدَاءَهُ مِنْ أَمَامِهِ، ٢٢ وَأُخْضِعَتِ الأَرْضُ أَمَامَ الرَّبِّ، وَبَعْدَ ذلِكَ رَجَعْتُمْ، فَتَكُونُونَ أَبْرِيَاءَ مِنْ نَحْوِ الرَّبِّ وَمِنْ نَحْوِ إِسْرَائِيلَ، وَتَكُونُ هذِهِ الأَرْضُ مُلْكًا لَكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ. ٢٣ وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا هكَذَا، فَإِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ إِلَى الرَّبِّ، وَتَعْلَمُونَ خَطِيَّتَكُمُ الَّتِي تُصِيبُكُمْ. ٢٤ اِبْنُوا لأَنْفُسِكُمْ مُدُنًا لأَطْفَالِكُمْ وَصِيَرًا لِغَنَمِكُمْ. وَمَا خَرَجَ مِنْ أَفْوَاهِكُمُ افْعَلُوا». ٢٥ فَكَلَّمَ بَنُو جَادَ وَبَنُو رَأُوبَيْنَ مُوسَى قَائِلِينَ: «عَبِيدُكَ يَفْعَلُونَ كَمَا أَمَرَ سَيِّدِي. ٢٦ أَطْفَالُنَا وَنِسَاؤُنَا وَمَوَاشِينَا وَكُلُّ بَهَائِمِنَا تَكُونُ هُنَاكَ فِي مُدُنِ جِلْعَادَ. ٢٧ وَعَبِيدُكَ يَعْبُرُونَ، كُلُّ مُتَجَرِّدٍ لِلْجُنْدِ أَمَامَ الرَّبِّ لِلْحَرْبِ كَمَا تَكَلَّمَ سَيِّدِي».” (العدد ٣٢: ١-٢٧).

 في هذا الإصحاح نجد موسى يحاول إنقاذ قادة بنو جاد ورأوبين ونصف سبط منسى من الانقياد لأفكارهم في الانفصال عن بقية شعب الرب إذ لم يريدوا أن يعبروا الأردن مع بقية الشعب، فقال لهم: “فَلِمَاذَا تَصُدُّونَ قُلُوبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنِ الْعُبُورِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاهُمُ الرَّبُّ؟” أحيانًا تقابل أناسًا تصدّ قلبك عن أن تكمل مع الرب بشغف، هناك علاقات تعوق شغفك بالرب. ربما يكون هذا حدث معك منذ فترة بعيدة لكن آثارها لازالت موجودة في حياتك إلى هذا اليوم. انتبه لِمثْل هؤلاء ولا تعرهم انتباهك وأكمل حياتك بكل شغف مع الرب.

 كان لسان حال هؤلاء القادة ورؤساء السبطين: “لا داعي لأن نبذل كل هذا المجهود لكي نعبر الأردن ونحارب تلك الأمم، نبني حظائر غنم لمواشينا ومدنًا لأولادنا هنا في هذا المكان”. أوصلتهم أنانيتهم إلى حالة من الانحدار حتى وصلت إلى أسرهم حيث لم يرتبوا أسرهم وأولادهم في المكانة الأولى بل الأغنام والماشية.

 هنا ذَكَّرَهم موسى بآبائهم الذين تجسسوا الأرض ورأوا خيرها لكنهم صدوا بني إسرائيل عن الدخول لامتلاكها حتى حمى غضب الرب عليهم وأفني كل ذلك الجيل، فقال لهم: “فَهُوَذَا أَنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ عِوَضًا عَنْ آبَائِكُمْ“. يوجد أبناء تربّوا على نفس عصيان آبائهم، وتدربوا عليه، وصاروا مُتمرِسين في العصيان.

 ثم أكمل قائلاً: “لِكَيْ تَزِيدُوا أَيْضًا حُمُوَّ غَضَبِ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ.”، كان موسى يريد أن يدخلهم في محبة الرب وعندئذ سيرتبون أمورهم وأولوياتهم بشكل صحيح. فإن لم تسِر بالمحبة الإلهية ستترك أسرتك ولن تنتبه لها، ستكون أولويتك عملك وليس أسرتك، لذلك أعاد لهم موسى الترتيب الصحيح في كلماته لهم؛ الأسرة أولاً، ثم العمل ثانيًا، لذلك قال: “اِبْنُوا لأَنْفُسِكُمْ مُدُنًا لأَطْفَالِكُمْ (أولاً) وَصِيَرًا لِغَنَمِكُمْ (ثانيًا)“، أتلاحظ الترتيب الذي وضعه موسى!

 لا يوصينا الله بأن نهمل أعمالنا لكن نهتم بها في ترتيبها الصحيح بعد الاهتمام بأسرنا أولاً. انتبه لعملك ولكن لا تبني عملك على أنقاض أسرتك، ولا تبني خدمتك على حطام أسرتك. انتباهك لأسرتك يكون بأن تقدم لهم يسوع وليس مجرد أن تجلس معهم على مائدة الطعام وحسب، أعطي مبادئ الكلمة، أنت مسئول.

 في كل من (تثنية ٦) و (تثنية ١١) كان يحث الشعب أن ينتبهوا للكلمة ويقصونها على أولادهم ويتكلمون بها عندما يجلسون وهم يعملون وهم ذاهبين للنوم وعندما يقومون. سَنِّنْ الكلمة كالسهم المسنون واجعلها تدخل مُدبَّبة إلى قلب أولادك. إن كانوا غير مُدرَّبين قد يرفضوها في البداية لكن بإيمانك ستستطيع أن تدُخِلها إلى قلوبهم لتتوغل في أعماقهم. لذلك من المهم لك ولأسرتك أن تكون مُشترِكًا في كنيسة حية للرب لأن في هذا حماية لك ولأولادك.

▪︎ ما أحسن خيامك يا يعقوب!

 “١ فَلَمَّا رَأَى بَلْعَامُ أَنَّهُ يَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ أَنْ يُبَارِكَ إِسْرَائِيلَ، لَمْ يَنْطَلِقْ كَالْمَرَّةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِيُوافِيَ فَأْلاً، بَلْ جَعَلَ نَحْوَ الْبَرِّيَّةِ وَجْهَهُ. ٢ وَرَفَعَ بَلْعَامُ عَيْنَيْهِ وَرَأَى إِسْرَائِيلَ حَالاًّ حَسَبَ أَسْبَاطِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ، ٣ فَنَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: «وَحْيُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ. وَحْيُ الرَّجُلِ الْمَفْتُوحِ الْعَيْنَيْنِ. ٤ وَحْيُ الَّذِي يَسْمَعُ أَقْوَالَ اللهِ. الَّذِي يَرَى رُؤْيَا الْقَدِيرِ، مَطْرُوحًا وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَيْنَيْنِ: ٥ مَا أَحْسَنَ خِيَامَكَ يَا يَعْقُوبُ، مَسَاكِنَكَ يَا إِسْرَائِيلُ! ٦ كَأَوْدِيَةٍ مُمْتَدَّةٍ. كَجَنَّاتٍ عَلَى نَهْرٍ، كَشَجَرَاتِ عُودٍ غَرَسَهَا الرَّبُّ. كَأَرْزَاتٍ عَلَى مِيَاهٍ. ٧ يَجْرِي مَاءٌ مِنْ دِلاَئِهِ، وَيَكُونُ زَرْعُهُ عَلَى مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ، وَيَتَسَامَى مَلِكُهُ عَلَى أَجَاجَ وَتَرْتَفِعُ مَمْلَكَتُهُ. ٨ اَللهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِصْرَ. لَهُ مِثْلُ سُرْعَةِ الرِّئْمِ. يَأْكُلُ أُمَمًا، مُضَايِقِيهِ، وَيَقْضِمُ عِظَامَهُمْ وَيُحَطِّمُ سِهَامَهُ. ٩ جَثَمَ كَأَسَدٍ. رَبَضَ كَلَبْوَةٍ. مَنْ يُقِيمُهُ؟ مُبَارِكُكَ مُبَارَكٌ، وَلاَعِنُكَ مَلْعُونٌ».” (العدد ٢٤: ١-٩).

 عندم قال “مَا أَحْسَنَ خِيَامَكَ يَا يَعْقُوبُ، مَسَاكِنَكَ يَا إِسْرَائِيلُ!” هل كان يتغزّل في بعض الخيام التي يفكونها ويركبونها مثلهم مثل كل الأمم الذين حولهم؟!

 بالعودة للمراجع اليهودية سنعرف أنهم كانوا يفردون الخيام بطريقة معينة تجعلها تبدو للناظر إليها من بعد أنها مقفلة معًا وكأن جميع الخيام خيمة واحدة كبيرة مُغلَقة فحين أراد أن يلعنهم من الشرق وجد الخيمة مغلقة، وكذلك من كل الاتجاهات التي حاول أن يلعنهم منها، لذلك قال: “مَا أَحْسَنَ خِيَامَكَ يَا يَعْقُوبُ” لقد نصبوا خيامهم بشكل رائع جدًا.

 كان لكل سبط رايته التي يرفعها العريف أو القائد، منصوبة بصورة محبوكة ولا توجد ثغرة واحدة لكي يلعنهم بلعام، فَهُمْ مباركون من الرب. الكنيسة حين تكون واقفة معًا لا يمكن اختراقها، لذلك قال الرب: “عَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا.” (متى ١٦: ١٨). توجد طريقة لكي تُستعلَن تلك المحبة في حياتك، لا يمكنك أن تحيا بدون الروح القدس كما لا يمكنك أن تحيا بدون الكنيسة، وكذلك لا يمكنك أن تحيا بدون الكلمة.

 حين أراد بولس أن يحل مشكلة زاني كورنثوس قال: “يُعزَل” لأنه مُستبيح ويجلب المشاكل لنفسه وللكنيسة لأنه مع الأسف تحت حماية الكنيسة طالما موجود بداخلها، لذلك أخرجوه لكي يُسلَّم للشيطان. لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تصرَّف فيها بولس بهذه الطريقة في هذا الموقف.

 إن محبة الله تُرَى في جسد المسيح وأعطاك أن تحيا على الأرض، إن أروع عطايا الله لنا هي أن تحيا في جسد المسيح ومحبة الله لك هي أن تُرَى في هذا الجسد الحي وتنهل من عطايا الرب في الكنيسة، نعم يعطي لك الرب ويتكلم لك بصورة مباشرة، لكن توجد كنيسة ينبغي أن تكون في وسطها وتنخرط فيها. هذا هو السبب الذي لأجله قال الرب لسبطي جاد ورأوبين ونصف سبط منسى: “لا يصح أن لا تعبروا وتحاربوا مع باقي الأسباط (أخوتكم)”

 كذلك اهتمّ أن يعدل أولوياتهم فيما يختص بالأسرة والعمل وعرّفهم أن الأسرة أولًا ثم بعد ذلك العمل. حين يعدل الإنسان مبادئ حياته ويُصححها، سوف يعطي انتباهًا حقيقيًّا لكل الزوايا، وحين يبدأ في دراسة الكلمة بشكل صحيح، سوف يصلح أمورًا فسدت في حياته ويصنع أمورًا لم تكن موجودة في حياته من قبل، حتى وإن لم يسمع تعليمًا يختص بهذا الأمر من قبل.

 سيعمل الروح القدس على حياتك وسيرسمك رسمة صحيحة، ستتغيّر إلى الصورة المُنظَّمة التي كان عليها يسوع. إياك أن تعتقد أن تلاميذ المسيح كانت رائحتهم طوال الوقت هي رائحة السمك لأنهم كانوا صيادين، كانت الشريعة مليئة بحياة التطهير والتنظيف، بالتأكيد في البداية كانت رائحتهم هكذا لكن بعد أن بدأوا في السير مع الرب، فإنهم بذلك ابتدأوا يعيشوا ما كان الرب نفسه يعيشه.

 ظللنا نعتقد لسنوات طويلة كخدام أنه ينبغي أن نلبس ملابس فقيرة لكي نستطيع أن نكرز للفقراء، هذا غير كتابي، كان الكهنة في العهد القديم يلبسون ملابس مُرصَّعة بأحجار كريمة، وكان هذا هو النموذج الصحيح في الملابس الذي اختاره الرب بنفسه، لم يختر نموذجًا فقيرًا رغم أن الكاهن كان يتعامل مع كل طبقات المجتمع. كانت ملابس الكاهن إشارة لبهاء هذا الإله.

▪︎ من يحبني يحفظ وصاياي:

 حين قال الرب: “من يحبني يحفظ وصاياي” ما هذا الحب؟ لنذهب إلى رسالة يوحنا الأولى حيث يتكلم يوحنا عن المحبة بصورة قوية.

“١ يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. ٢ وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا. ٣ وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَاهُ: إِنْ حَفِظْنَا وَصَايَاهُ. ٤ مَنْ قَالَ: «قَدْ عَرَفْتُهُ» وَهُوَ لاَ يَحْفَظُ وَصَايَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ الْحَقُّ فِيهِ. ٥ وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقًّا فِي هذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ اللهِ. بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا فِيهِ: ٦ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ يَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أَيْضًا. ٧ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لَسْتُ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلْ وَصِيَّةً قَدِيمَةً كَانَتْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ. الْوَصِيَّةُ الْقَدِيمَةُ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ الْبَدْءِ. ٨ أَيْضًا وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَقٌّ فِيهِ وَفِيكُمْ: أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ. ٩ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. ١٠ مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. ١١ وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ.” (١ يوحنا ٢: ١-١١).

 في هذا النص نلاحظ أن يوحنا يتحدث بلغة ممتلئة بالثقة واليقين حيث يكرّر جملة “بهذا نعرف” في رسالته الأولى، كما أن كلماته لا تحتوي على أسلوب الشك، حتى حين كانت هناك أشياء لم يعرفها وقت أن قال: “لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ.” (١ يوحنا ٣: ٢)، لكنه كان لديه علم ويقين وثقة فأكمل قائلاً: “وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ.”

 حين تسير مع الرب وتتمسّك بكلمته ستكون لديك ثقة شديدة بالرب لدرجة إنه أحيانًا يتّهمك البعض بأنك مُتكبِّرٌ إذ سيكون لسان حالك؛ “بهذا نعرف”، “أننا قد عرفناه”، “نعم لقد عرفته”.

 دعونا نعرف ما هي المشكلة التي كانت في تلك الكنيسة التي كان يخاطبها الرسول يوحنا. كانت مشكلتهم أنهم لم يكونوا يتحرّكون بمحبة تجاه بعضهم البعض، لكن دعوني أوسّع الدائرة في تلك النقطة: ربما تكون هناك نقاط في حياتك بها ظلام، تذكّر هذا التضاد في هذا المقطع؛ (الظلمة والنور) (البركة واللعنة) (مملكة النور ومملكة الظلمة).

 الأمر خاص بسلوكهم بالمحبة تجاه بعض، لنوسّع الأمر قليلاً: ماذا عن عملك؟ ماذا عن ارتباطك؟ تقدمك في دراستك؟ والمشاكل التي تتوالى من وقت إلى آخر في عملك وكافة نواحي حياتك؟

 يوضح لنا الكتاب كيف نتأكد أننا نعرف هذا الإله، وذلك وبكل بساطة: إن عشنا وصاياه، فكلمة حفظنا وصاياه لا تعني فقط ترديد الآيات عن ظهر قلب لكن تعني أيضًا أن تحافظ على حياتك بداخل الإطار الخاص به.

“مَنْ قَالَ: «قَدْ عَرَفْتُهُ» وَهُوَ لاَ يَحْفَظُ وَصَايَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ الْحَقُّ فِيهِ.”

 علاج تلك الحالة هو أن يكون الحق فيه وذلك بأن يأكل الكلمة، فلا يكون مُستعبَدًا لأفكار العالم، بل يملك الرب على أفكاره ومشاعره. حين يُوضَع في مواجهات تنتابه فيها مشاعر الغضب، أو الازدراء بالآخرين أو غيرها من المشاعر والأفكار السلبية، لا يتجاوب معها ويخرج كلمات سلبية، بل يلملم كل تلك المشاعر المُبعثَرة ويضعها عند قدمي يسوع.

 ثم يكمل قائلاً: “أَيْضًا وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ،….أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ.” ما هي محبة الله؟ إنها صارت الآن بالنسبة للشخص الذي قَبَلَ يسوع أن الظلمة قد مضت. نفس الكاتب -يوحنا الرسول- يكتب في الإنجيل ويقول:

اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا.” (يوحنا ١٢: ٣١).

 هل لاحظت تكرار كلمة “الآن”، ما تفسير هذا؟ كيف يقول: “اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ” بينما لم يأتِ وقت الدينونة بعد؟ هذا يوضح لنا أنه توجد أكثر من دينونة، فالدينونة النهائية لم تبدأ بعد، هذا حق، لكن توجد دينونة سارية المفعول الآن، وتجد أناسًا يتمّ فرزهم، هؤلاء عن اليمين وأولئك عن اليسار كالفرق بين الخراف والجداء، فالملائكة تعمل الآن عملية تفريق وتفنيد وفرز.

 يأمر الروح القدس: “لتُعطَى قوة الأرض لهؤلاء ولا تعطَى لأولئك”. ماذا لو لم يوجد أبرار في هذه المنطقة ولا يوجد أحد ليستلم قوة الأرض؟ سيأخذها الأشرار. لكن إن صلّتْ الكنيسة وبدأت تفهم مالها في المسيح، ستأخذها، ستأخذها عن حق وليس بدون وجه حق.

 مثلاً إن كان هناك شخص يسيء التعامل المادي لن ننظر ككنيسة لهذا الشخص ولن ننتبه له، لكن حين تبتدئ الكنيسة في الصلاة ستجد الروح القدس يُحضّر أمورًا وأشياءً وأموالاً لا ندري كيف جاء بها، وإن حاولت أن تتتبع مصادرها قد تجدها أُخِذَتْ من أشخاص كانوا يسيئون استخدام أموالهم وقد فاض كأس غضبهم وأُعَطيت لأبرار مُستقيمين يحسنون استخدامها ويستثمرون في الملكوت. كما يظل أيضًا هناك أناسٌ لم يمتلئ كأسهم بعد.

 من الأساس غير مرسوم لك أن تملأ كأس غضب تجاه أحد ولا أمر ما، تستطيع أن ترى الأمر بالنظرة الإلهية وتعرف أن كأس فلان امتلأ وستأخذ أرضه. الكنيسة لا تشتهي ما للغير، لكنها تصلي، فيبتدئ العدل والحق يحدثان في الأرض. الكنيسة تصلي، ولا تفعل أي شيء به قهر أو إجبار للبشر.

 في العهد القديم كانوا يتحركون ويحاربون حيث كان هناك النفيليم، عمالقة الأرض الناتجين عن تزاوج الأرواح الشريرة من نساء البشر أو بنات الناس، كانت قوتهم الجسدية هائلة، لذلك كان الروح القدس يستخدم ضدهم جبابرة أتقياء كشمشون، كان الرب يتحرك في ذلك الزمان بالمقياس الذي كان موجودًا وقتئذ، كأن الرب يقول: أنا لدي شعب أستطيع به أن أضع حدودًا لهؤلاء العمالقة.

 لنعود إلى (يوحنا ١٢ :٣١) حين يتحدث عن الدينونة الحالية للعالم وليس الدينونة العتيدة. إن الأمر يختص بالكنيسة، فالكنيسة هي التي تدين. إن كنت ترى ظلمًا في عملك بينما أنت تسير بمعايير كتابية سليمة، صلواتك ستصنع فرقًا في هذا الأمر.

▪︎ عرق التدريب يحمي من إهدار الدماء أثناء المعركة:

 تحتاج الكنيسة أن تصحو وتنتبه أن لها دور ينبغي أن تقوم به، ولها قوة ينبغي أن تستخدمها. كم من كلمات سلبية كثيرة سمعناها؛ كيف أننا في أرض البرية والعناء والشقاء، في السماء سوف نستريح وننسى الأتعاب، لكن لنفهم أن هذا الوقت يجب أن تدرك فيه أن لك حقوق كونك في المسيح يسوع واستنادًا على هذه المحبة الإلهية التي أحدثكم عنها اليوم.

 ما أريد أن أجعل تركيزكم عليه هو أن هذه المحبة الإلهية تجاهك لن تظهر ما لم تسير على الوصايا الإلهية والبروتوكول والنظام الإلهي. لن تعمل لصالحك ما لم تسمح لكلمة الرب أن تدخل وتتسيّد على ذهنك وطريقة تفكيرك، بدون ذلك لن تخرج المحبة الإلهية منك، وستجد نفسك مُقصِّر في كثير من زوايا حياتك دون أن تدري.

 حتى في العمل بالنسبة للذين أولويتهم العمل، سيجد التقصير طريقه إلى العمل، ستجد زرعك ليس له حصادٌ، وستجد أن أمور كثيرة بدأت في التعطيل والفساد وستجد الكثير من المصارعات والمقاومات في كثير من المجالات، كل هذا لأنك غير مُمتلئ بالكلمة.

 ربما تتشابه تلك الأعراض مع ما يحدث لشخص آخر يدرس الكلمة ولكن جاءته المعرفة متأخرًا وابتدأ يدرس الكلمة متأخرًا فيبدأ في التساؤل: لماذا كل تلك المقاومات؟ اعْلَمْ أن الروح القدس يراك ويعينك ويساعدك، لكن كونك كطالب تستذكر دروسك في آخر وقت قبل الامتحان، هذه مشكلتك أنت وليست مشكلة الُمدرِّس ولا الرب.

 رغم هذا فإنه سيساعدك ويعطيك دروسَ تقوية، ويعرفك جوانب أخرى تساعدك في اجتياز تلك الأوقات العصيبة، لكن استيعابك في ذلك الوقت القصير لن يكون مثل استيعابك في وقت راحتك طوال العام وذلك بسبب الضغط المُركَّز على ذهنك. هذا ليس بسبب المُدرِّس ولا بسبب المنهج، أنت تعرف السبب وهو إهدارك لساعات وأيام كثيرة هامة جدًا لبنائك المعرفي.

 ماذا لو أنت مُتمرِّسٌ على العصبية والغضب والهياج بالكلمات والأفعال على الأشخاص الذين تتعامل بهم في حياتك، في لحظة غضب تبيع الرب وتنسى وصيته! ماذا لو كنت عملت لنفسك تمارين فكريّة وتدريبات عقلية على أن ما تشعر به الآن هو الحقيقة، فإن كانت تأتي إليك مشاعر وأفكار حزن أو ضغط، تتفاعل معها وتتجاوب وكأنها هي حقيقتك، ولا تقاومها بل تقبلها.

 لذا تفشل في إقامة حوار مع المُتحدِّث معك بحجة أن حالتك النفسية لا تقبل الحوار الآن. إن تمرّستْ على هذا ولم تقاومه، فأنت بذلك تمهّد لهجمات إبليسية عليك لا تدري من أي حدب أو صوب قد تأتي عليك.

 إن كلمة الله تغطي كل جوانب الحياة وزواياها حتى ردود أفعالك وطريقة تفكيرك، ماذا لو أنت غير مواظب على الجلوس باستمرار أمام الكلمة، أو كنت مشغولاً ومسحوبًا بعيدًا عنه؟ هل ستعود وتدّعي أنك لم تجد نتائج لتبعيتك للرب؟

 إن الأرض التي أعطاها الرب لشعبه القديم، هي أرض يعتني بها الرب بنفسه طوال العام؛ يسقيها المطر من السماء، وتأتي بنتاجها بكل سلاسة، هذا لا يعني أنهم لن يفلحوها أو يسقونها بالماء، بل سيفعلون، لكن هناك سلاسة في النتائج، فالأرض بكل بساطة وبدون مقاومة تعطي قوتها، فهي مُبرمَجة على ذلك كما أنها مُبرمَجة أيضًا على أن تلفظ كل من يكسر القوانين والبروتوكولات السماوية.

لذلك يكمل الرسول يوحنا في (١ يوحنا ٢) ويقول:

“٨ أَيْضًا وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَقٌّ فِيهِ وَفِيكُمْ: أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ. ٩ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ.” (١ يوحنا ٢: ٨، ٩).

 لقد كانت مشكلة الكنيسة في ذلك الوقت هي عدم سلوك أفرادها بالمحبة تجاه بعضهم البعض، لكن أوسع لنفسك الدائرة في هذا الأمر كأن تقول: “من قال إنه في النور وهو (فاقدٌ لأعصابه) أو (مُتعكِر المزاج) فهو إلى الآن في الظلمة”، يمكنك أن تضع بين القوسين أية خطية أو أي ضعف يعكّر صفوك.

 ثم يكمل “مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ.” أي (لا يمكنه أن يسقط). تخيّل معي هذه الوصفة الكتابية (حينما تبدأ أن تسير بالروح بالكلمة).

▪︎ اتَّقِ الله ولا تحيا لذاتك:

 “فَحَقًّا فِي هذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ اللهِ.” أي بدأت المحبة تنضج في داخله وبدأ فكره يصير مُغلَّفًا بالمحبة الإلهية، لم يعد يخلع خوذة الخلاص، بل أصبح مرتديها دائمًا، فصار محاطًا بالأفكار السليمة، حتى إن سمع أخبار سيئة عن أحوال العمل الخاص به أو بالمحيطين به؛ بدلاً من أن يبتدئ في القلق والخوف فإنه يستبدل تلك الأفكار والمشاعر إلى تسبيح وحمد للرب لأنه لن يقرب إليه ولا إلى أعماله ولا أي شيء يخصه أي أمر رديء.

 بل يشكر الرب ويعلن إقرارات إيمانه في مواجهة تحدياته قائلاً: “أشكرك يا روح الله لأنك في داخلي، أنا في داخلي سبعة أرواح الله، أنا أطلقهم في مواجهة المشاكل والاضطرابات”، حين يبتدئ في إطلاق القوة الكامنة فيه، والتي صارت جزء لا يتجزأ منه، يصبح قادرًا على أن يفكر أفكار صحيحة.

 ليس كما قالت زوجة أيوب لزوجها: “أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ!” (أيوب ٢: ٩). في الأصل العبري تأتي: “الْعَنْ” وليس “بارك” كما في ترجمات عربية أيضًا. التقوى تجعلك تقول كما قال أيوب: “أنا أحب الرب وسأتبعه في كل الأحوال مهما أتى علىّ من شرور”. كان أيوب يظن وهمًا أن الرب هو مصدر المصائب التي حلّتْ عليه، لكنك الآن مُدرِكٌ أن كل ما أتى على أيوب من كوارث ليس مصدرها الله بل إبليس المُشتَكي.

 تمّ إغواء يوسف من امرأة فوطيفار -حسب التقليد اليهودي- مرات عديدة ومُتكرِّرة وبكل الطرق والإغراءات بل والتهديدات بالانتحار تارة وبالسجن تارة أخرى، بل إنها ذهبت إليه في السجن وساومته على خروجه من السجن إن قَبِلَ أن يكون معها، لكنه رفض أن يتنازل عن محبته للرب والتصاقه به.

 لابد لك أن ترى كيف أحبك الرب وأخلى نفسه لأجل محبته لك إذ يقول الكتاب: “وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ.” (٢ كورنثوس ٥: ١٥). حين تمتلئ بالكلمة ستجد بسهولة أنه لا يوجد شيء اسمه “سقوط في الخطية” حيث “لا عثرة” فيك، مبارك اسمه.

 “وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ (يمكنك أن تضع بدلاً منها أي خطية أو ضعف كالاكتئاب مثلاً) فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ.” ما الحل إذًا؟ سِرّْ في النور كما هو في النور، هذا الاكتئاب ما هو سوى أرواح شريرة تستغل ثغرات في ذهنك فتدخل منها بأفكار سوداء لمخيلتك، لتفقدك سلام الله بداخلك. تَذكَّرْ أن يسوع لم يتعامل مع أي أمراض نفسية في خدمته على الأرض، أتعلم لماذا؟

 لأن كل من سار مع يسوع اكتشف النور فاختفت الظلمة وكل الأمراض النفسية. لا يحتاج الأمر أن يضع يده عليهم ليصلي لنفسيتهم أو حتى يلمسهم، فليس علاج المرضى نفسيًا أن يصلي أحدٌ لهم، بل أن يعطيهم أحدٌ أفكارًا مُضادة لأفكار إبليس السوداء التي قبلوها واستسلموا لها. كان الرب يسوع واضحًا في هذا الأمر.

 “وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ.”

 إن هذا المقطع يصف شخصًا لا يدري إلى أين يذهب لأن الظلمة مُسيطِرة على ذهنه. لا يعرف كيف يسلك بمحبة، حتى إنه وصل إلى درجة أن الظلمة قد أعمتْ عينيه فيبتدئ يتساءل: لست أدري من أين أبدأ، هل أبتدئ بالصلاة؟ أم بدراسة الكتاب؟ ومن أي سِفْر أبدأ الدراسة؟ وحين يبتدئ في الدراسة يتقدم بضع خطوات ثم يتراجع بسرعة.

 ذلك لأنه مُدرَّبٌ على نظام مختلف لا يقبل ما لروح الله، إنه مُدرَّب على روح العالم الذي يشربه من الأصدقاء ووسائل الإعلام المختلفة، بالرغم من أنه مولود ميلادًا ثانيًا، لكنه اختار أن يفكر بطريقة بشرية، فامتلأ بالاعوجاج ورفض طرق الرب، ثم بعد كل ذلك يعود ويتساءل: لست أدري لماذا لا يحبني الرب؟

 تَذكَّرْ جيدًا أخي أن هذا الحب الإلهي لا يمكن مقاومته ولا يمكن إيقافه، لكن مشكلتك أنك لم تأخذ الوضعية الصحيحة لاستقبال ذلك الحب كما تضع هاتفك المحمول على الوضعية الصحيحة لاستقبال الإرسال من الشبكات. أن تشترك مع إخوتك في جسد المسيح، هذه وضعية سليمة، حينئذ أنت مُحاطٌ بالخيام الإلهية ولا توجد ثغرة ليلعنك منها بلعام أو من يسير على دربه.

 إذًا لن يستطيع أن ينطق سوى: “ما أجمل هذه الخيام! لا أقدر أن أرمي أي لعنات عليها، فهي مرصوصة بطريقة بارعة ومُتقَنة”. ليكن لسان حالك: أنا أرفض أن أفكر بطريقة سلبية عن أخي أو أختي، لن أسير في الظلمة، هذه هي طريقة التفكير السليمة حيث تُوضَع المسئولية على الإنسان أن يسير داخل محبة الله، إن هذا الأمر لا يحدث بطريقة آلية بل عليك أن تسير فيه بإرادتك الواعية.

 بدلاً من أن تتساءل: “أين محبتك يا رب؟” اختر أن تضع نفسك في المكان الصحيح لاستقبال محبة الرب. بالطبع محبة الرب موجودة في وصاياه وفي أن تسلك بالروح وأن تكون في جسد حي للمسيح، غير ذلك فهو من الشرير، وخارج هذا فأنت شخص يتم التلاعب بك. اجعل محبة الله تملأ أفكارك تجاه رئيسك في العمل، والناس الذين في الشارع، تجاه نفسك وتجاه أسرتك وأولادك وشريك (أو شريكة) حياتك، كذلك تجاه علاقتك مع الرب.

 هل أنت تفكر بالصورة الكتابية أم لا؟ تَذكَّرْ: ليس فيك عثرة، من يحب أخاه يسلك في النور ويستقر فيه، إن كان عدم السلوك بمحبة تجاه الإخوة مشكلة في تلك الكنيسة وقتئذ، لكن الكتاب يضم معها كل المشاكل ليضعهم في حزمة واحدة ويحلهم جميعًا معًا.

 إن كنت لازلت تختنق من الناس وتنفر من أحاديثهم وتتعصب عليهم وتمضي بعيدًا، فأنت لا تزال تسلك في الظلمة، ليس الأمر موضوع هذا الشخص أو ذاك، لكن الأمر هو أنك لا زلت مُنفتِحًا على أرواح شريرة ولست تسير داخل النور الإلهي والمحبة الإلهية.

▪︎ احذّرْ المُسلّمات!

 كل عطية صالحة مُنكَبّة على، تمامًا كطبق استقبال إرسال القمر الصناعي، فإن مال الطبق بعيدًا عن اتّجاه الاستقبال الصحيح نضطر للصعود لإعادة ضبط اتجاهه كي يعود ويستقبل الإشارات المُرسَلة، فالمشكلة ليست في القمر المُرسَل لكنها في الطبق المُستقبِل إذ هو مُوجَّه للاتجاه الخاطئ.

 الكثير من الناس الآن لم يعودوا يبحثون عن السبب الحقيقي لمشكلاتهم لأن الشيطان أقنعهم بأن الله هو المُتسبِّب الرئيسي في كل هذه المشكلات، فهو يحاول أن يرسّخ هذه الكذبة في أذهان الناس وكأن الله هو العدو وهو السيء وهو مصدر كل الشرور لأن كل الأشياء آتية منه.

 مُستغِلاً في ذلك كل التراث الإنساني الفاشل والمقولات المأثورة مثل: “كله مُقدَّر ومكتوب”، “مكتوب ع الجبين ستراه العين”، “كله بأمره”، “لا شيء يحدث على الأرض بدونه”، “إن لم يكن الرب يريدني أن أتّخذ هذا القرار لكان قد منعني من اتّخاذه” وغيرها من تلك الموروثات.

 بذلك يخلي الإنسان نفسه من المسئولية ويلقي باللوم على الرب، في حين أن عدوه الحقيقي هو إبليس مُستغِلاً نقاط ضعف الشخص نفسه، لذلك نبّهنا الكتاب قائلاً: “١٦ لاَ تَضِلُّوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ. ١٧ كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ.” (يعقوب ١: ١٦، ١٧).

 

▪︎ في جميع هذه يعظم انتصارنا بالذي أحبنا:

“٣١ فَمَاذَا نَقُولُ لِهذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ ٣٢ اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ ٣٣ مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟ اَللهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ. ٣٤ مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا. ٣٥ مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ ٣٦ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». ٣٧ وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. ٣٨ فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، ٣٩ وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.” (رومية ٨: ٣١-٣٩).

 محبة الرب لنا جعلته لم يبخل علينا بابنه يسوع المسيح، أيُعقل أن يبخل علينا بأي شيء آخر؟ مستحيل! في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. حبه لنا هو رصيد انتصارنا في هذه الحياة.

 “لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا”

 هنا يوضح الكتاب لنا أنه هناك أرواح شريرة ورتب ملائكية ساقطة ستحاول وتسعى لكي تفصلنا عن محبة المسيح لكن هيهات إن كنت تسير بالحق الكتابي في المحبة الإلهية، إذ ستستطيع أن تميّز الأمور المُتخالفة، وتميّز التعليم الصحيح من التعليم الخاطئ، ستعرف كيف تجعل كلمة الله كأعلى معيار لتقيس به الأمور وليس الأشخاص.

 لهذا السبب أراد الرب أن يوضح محبته للناس فقال: “فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ؟” (لوقا ١١: ١٣). أيُعقل أن تطلب منه خبزًا فيعطيك حجرًا؟ أيعقل أن تكون أنت أيها الإنسان أفضل من أبيك السماوي الصالح وإله كل صلاح وبر؟ مستحيل!

 كان هناك بعض المُعلِّمين وقتئذ بدأوا يعتقدون ويعلّمون أن الرب قد تكون إرادته لهم كأمة أن يكونوا مُستعبَدين لأمة أخرى وهي الأمة الرومانية، لكنها كانت فئة قليلة مِن المُعلِّمين المُهرطِقين، كان الرب يرد على مثل تلك الهرطقات في سياق أحاديثه وتعاليمه، لذلك أراد الرب أن يرد على هذه الهرطقة في ذلك الوقت. ذلك الحب لا يمكن أن يُزيَّف أو يُزوَّر.

“لكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا.” هذه هي الطريقة. من الآن فصاعدًا، تأمّلْ في هذا الحب وامْلأ به ذهنك وليس فقط مشاعرك، قل لنفسك: إنه يحبني أكثر من محبتي أنا لنفسي، إنه يقدرني ويجلني، لقد وضع نفسه فيّ، نعم لقد وهبني نفسه، مبارك اسمه.

آمين

__________ 

من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الاقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.

 

Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations are forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.

Download

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$