القائمة إغلاق

بولس.. “أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ” Paul’s Throne

2 كورنثوس 12: 7-10

7 وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَنِي لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ.

8 مِنْ جِهَةِ هَذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي.

9 فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ».

10 فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ.

إن شوكة بولس تُعد واحدة من أكثر المعوقات شيوعاً والتي تعيق خدمة الشفاء الإلهي. فواحدة من المزاعم الخاطئة والتي تقود للأخرى هو تفسير شوكة بولس باعتبارها مرضاً جسدياً، حتى انتشر تعليم شائع بأن الله هو مصدر الأمراض وأنه يختار بعضاً من أكثر أولاده الأتقياء ليبتليهم بالأمراض حتى يمجـدوه بتحمـلهم وصبـرهم للمـرض. وهـذا حـتمـاً

أدى إلى الاعتقاد بأن شوكة بولس كانت مرضاً قد رفض الله أن يشفيه منها.

لكن بدراستي لكلمة الله وصلت إلى هذا الاستنتاج وهو أن أي إنسان بحث عن موضوع الشفاء الإلهي في كل ما تكلم به الله في كلمته سواء في العهد القديم والجديد لا يمكنه أن يستخلص فكرة كهذه. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك بعض الخدام الأتقياء الذين لا يزالوا يؤمنون بهذا الزعم بل وأنهم يقاومون موضوع الشفاء الجسدي تماماً. هذا لأنهم لم يأخذوا وقتاً ليدرسوا ويفحصوا كلمة الله بدقة. فكثير من هؤلاء الذين يتكلمون ضد الشفاء ويهاجمونه لا يجرؤون على إجابة تلك الإثباتات الكتابية التي عرضناها في الفصول السابقة. لكننا لا نحاول أن نجادل معهم لأننا لا نحارب ضد لحم ودم، بل نحرص أن نقتاد بالمسيح وندع الله يحارب عنا.

قبل أن أتطرق إلى موضوع شوكة بولس، أود أن استعرض مقالة كتبها أحد الوعاظ المشهورين جداً في مدينة نيويورك. وقد طبع من تلك المقالة آلاف النسخ ونشرها في كل أنحاء الولايات المتحدة. يكتب في المقالة قائلاً:

“في الحقيقة، لقد كان بولس مريضاً ومن أكثر الأشخاص الذين عانوا من أمراض مستعصية. كان يعاني من واحدة من أكثر الأمراض ألماً وهو: التهاب العينين. والبرهان على ذلك واضح جداً؛ فقد أخبر أهل غلاطية قائلاً، “فَإِنِّي أَشْهَدُ لَكُمْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ سَتَقْلَعُونَ عُيُونَكُمْ وَتُقَدِّمُونَهَا لِي”.

كانت عينا بولس تمتلئان بصديد وبصورة يصعب النظر إليهما. فعندما كان ينظر إليه أحد كان يبدو منظره يثير الشفقة. إن آلام هذا المرض تشبه وكأنه يوجد رمال في العين. فموضوع إصابة عيني بولس هي خارج المناقشة لأنه قال بنفسه في نهاية رسالة غلاطية: “انْظُرُوا بِأَيَّةِ حُرُوفٍ كَبِيرَةٍ قَدْ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ هُنَا بِيَدِي”، مؤكداً على أنه كان يعاني من مشاكل في عينيه لم تمكنه من الرؤية جيداً.

لكن هل انتقل هذا المرض لبولس عن طريق العدوى؟ كلا، إنما الرب يسوع المسيح بنفسه أعطاه إياه. هو لم يكن يريد ذلك وصلى للرب لكي يشفيه لا مرة بل اثنين دون أن ينال استجابة. وفى تضرعه الثالث لم يحصل حتى على جزء من الشفاء. لكن الرب أجابه بطريقة مدهشة. قال له “تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ”. فقد أخبره أنه من الأفضل أن يظل مريضاً عن أن ينال الشفاء. ثم أكد له أن مشيئته الإلهية هي أن يظل مريضاً. لذلك فإن قوة الشفاء الإلهية سوف تعمل من خلاله بصورة أفضل وهو مصاب بالتهاب العينين عما بدونه.

لذلك نجد بولس يقول في تجاوبه تجاه مشيئة الرب لعدم شفائه، “َبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي..” وكأنه يقول إنني افتخر بالتهاب عيني. إنهما يمتلئان بصديد مقذذ. وربما كل مَن ينظر إليَّ يشفق علىَّ، لكن لا يهم. سوف ابتهج بمرضى. فمن خلال جسد رسوله المتألم، استطاع الرب أن يقدم احتجاجه الإلهي ضد مَن يدعون إلى الشفاء الجسدي.

في إجابة على مقال هذا الخادم العزيز سوف أوضح في نقاط عديدة بعض اللمحات الكتابية عن هذا الموضوع:

كيف اُستخدم تعبير ‘شوكة في الجسد’ في الكتاب المقدس؟

إن التعبير الذي استخدمه بولس ليصف به شوكته ليس جديداً في الكتاب المقدس. فقد ذُكر هذا التعبير “شوكة في الجسد” مرات عديدة في العهد القديم. لكن لا توجد مرة واحدة – سواء في العهد القديم أو الجديد- قد جاء فيها هذا التعبير بالارتباط بالأمراض أو العلَّل الجسدية. بل كان دائماً يأتي بصورة تشبيهيه رمزية. وفى كل مرة قد اُستخدم فيها هذا التعبير في صفحات الكتاب المقدس كان يشير دائماً إلى رمز واحد، كما سنرى الآن:

عدد 33: 55

55 لَكِنْ إِنْ لَمْ تَطْرُدُوا أَهْلَ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ، يُصْبِحُ الْبَاقُونَ مِنْهُمْ أَشْوَاكاً فِي عُيُونِكُمْ، وَمَنَاخِسَ فِي جَوَانِبِكُمْ، ويُضَايِقُونَكُمْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ مُقِيمُونَ فِيهَا

إن كلمة الله تشرح نفسها بنفسها. فالكتاب المقدس يخبرنا بوضوح بأن تعبير “شوك في الأعين” و”مناخس في الجناب” لا يشيران بصورة حرفية إلى أمراض تصيب العينين أو أوجاع في الجناب. بل كانا يشيران إلى بشر.. إلى ما كان يفعله سكان أهل كنعان مع شعب الله.

لذلك فإن أولئك الذين يصرَّون على أن شوكة بولس كانت علة في الجسد لأن الكتاب يذكر أنها كانت “.. فِي الْجَسَدِ”، لا يُعد تفسيراً صحيحاً لأن الكتاب المقدس استخدم ذات التعبير مع شعب إسرائيل: “فِي عُيُونِكُمْ.. فِي جَوَانِبِكُمْ” مشيراً إلى معنى مختلف تماماً عن الأمراض والأسقام. لم يكن الله يقصد بأنه سيضرب شعب إسرائيل بأمراض في أعينهم أو أوجاع في جوانبهم، بل كان الروح القدس يستخدم هذه التعبيرات بصورة تشبيهيه ليوضح بأن الضيق الذي سوف يسببه أهل كنعان لشعب الله يشبه آلام الأعين وأوجاع الجوانب. أي سيكونون مصدر ضيقة مستمر لشعب الله.

كان أهل كنعان “شوكاً” لشعب إسرائيل

بعد مرور ثماني سنوات، استخدم يشوع هذا التعبير مشيراً إلى سكان كنعان قائلاً، “اعْلَمُوا يَقِيناً أَنَّ الرَّبَّ إِلَهَكُمْ لاَ يَعُودُ يَطْرُدُ تِلْكَ الأُمَمَ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَيُصْبِحُوا لَكُمْ شَرَكاً وَفَخّاً وَسَوْطاً يَنْهَالُ عَلَى ظُهُورِكُمْ، وَشَوْكاً فِي أَعْيُنِكُمْ حَتَّى تَنْقَرِضُوا مِنَ الأَرْضِ الصَّالِحَةِ الَّتِي وَهَبَهَا لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ”. نرى مرة أخرى أن “السياط” التي تضرب الظهور و”الشوك” في الأعين يشيران إلى الكنعانيين وليس إلى أمراض عضوية. فالكتاب المقدس يفسَّر بوضوح في هذا الشاهد- ومثل باقي الشواهد الأخرى –ما هو المقصود بقوله “شوكة”.

شواهد أخرى قد ذُكر فيها التعبير “شوكاً في الجسد” في العهد القديم:

“لِذَلِكَ قُلْتُ أَيْضاً: لاَ أَطْرُدُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَيُصْبِحُوا شَوْكاً فِي جُنُوبِكُمْ، وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ لَكُمْ شَرَكاً” (قضاة 2: 3). ثم المرة الأخيرة التي يُذكر فيها هذا التعبير في العهد القديم كانت من خلال داود النبي حيث تكلم عن الأمم قائلاً: “أَمَّا الأَشْرَارُ فَيُطْرَحُونَ جَمِيعاً كَالشَّوْكِ، لأَنَّهُمْ (يَجْرَحُونَ) الْيَدَ الَّتِي تَلْمُسُهُمْ”.

في جميع الشواهد التي اُستخدمت فيها كلمة “شوك”، وبدون استثناء، كانت تشير إلى أشخاص. وكما هو الحال في جميع المواضع الكتابية السابقة التي تعرَّف ما هو المقصود من الشوكة، كذلك أيضاً بولس يضع تعريفاً لما يعنيه باستخدامه للشوكة. فهو يقول إنها كانت “مَلاَكَ الشَّيْطَانِ (الأصل اليوناني angelous)“.

إن الأصل اليوناني لكلمة ملاك هو “انجلوس angelous” وقد اُستخدم في العهد الجديد 188 مرة، تُرجم إلى ملاك في 181 مرة ورسول في 7 مرات. ففي المواضع التي ذُكرت فيها هذه الكلمة كانت تشير إلى شخص دائماً وليس إلى شيء- وبدون استثناء واحد.

كانت شوكة بولس شخصاً (ملاك الشيطان)

لقد ذكر بولس أن الشوكة التي أُصيب بها كانت “ملاك الشيطان”. كما أخبر أيضاً ماذا فعل له هذا الملاك: “لِيَلْطِمَنِي”. يأتي أصل هذا الفعل في اليوناني بصيغة المضارع المستمر: “ليسدد إليَّ لطمه تلو الأخرى….”. وقد اُستخدم هذا الفعل عندما لُطم المسيح أثناء الصلب. كذلك يستخدم أيضاً عندما تلطم الأمواج سفينة. تقول ترجمة وايموث لهذا الشاهد: “.. ملاك الشيطان ليضربني لطمه بعد الأخرى…”. وهذا يعنى أنها كانت لطمات متكررة من إبليس.

فإن كانت لطمة بولس مرضاً، لكان ذلك يعنى أن بولس قد تألم من أمراض كثيرة أو على الأقل من مرض واحد كان يصيبه مرة بعد الأخرى. لكن الشوكة التي عانى منها بولس كانت اضطهادات وضيقات. فقد كان الشيطان يثير عليه البشر ليضطهدوه مرة بعد الأخرى كما سنرى لاحقاً.

2 كورنثوس 12: 8

8 مِنْ جِهَةِ هَذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي.

إن الأصل اليوناني يستخدم الضمير العاقل “هو” بالارتباط مع الفعل “يفارقني”. لذلك يمكننا أن نقرأ هذا الشاهد هكذا: “من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني هو..”. كذلك استخدم ضمير الملكية العاقل “إنه” ليصف به ملاك الشيطان: “أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَنِي“.

ومن هنا يتضح أن بولس قد استخدم ضمير العاقل ليصف به الشوكة التي أُصيب بها. لذلك فمن خلال ضميري العاقل اللذين اُستخدما مع كل من الكلمتين “ملاك” و”شوكة” يتضح أن شوكة بولس كانت أشخاصاً يستخدمهم الشيطان ويحركهم ضده، وليس مرضاً كما يفسر البعض. لأنه لا يمكن لأحد أن يستخدم ضمير العاقل عندما يتكلم عن التهاب في الأعين.

افترض أني سألت شخصاً مصاباً بسرطان وقلت له، “ماذا كان تقرير الأطباء عن حالة السرطان”؟ فأجابني، “لقد أخبرني الأطباء أنه (مستخدماً ضمير الغير عاقل) يزداد انتشارًا”. فعندما يتحدث أحد عن مرض أو سقم، فإنه لابد أن يشير إليه بضمير الغير عاقل. هكذا كان على بولس أن يفعل أيضاً؛ أن يستخدم ضمير الغير عاقل إن كانت شوكته مرضاً.

كما أن هناك شيء جدير بالذكر، وهو أن بولس استخدم اللفظ المناسب في حديثه عن الشوكة. فعندما كان يتضرع إلى الله، كان يطلب أن “تفارقه” الشوكة. والآن نفترض أن شوكته كانت مرضاً، فهل يصح أن يستخدم المصطلح “يفارق” مع المرض؟ وإلا كان ينبغي أن يقول مثلاً، “.. تضرعت إلى الله لكي يشفيني.. أو لكي يزيل عني هذه الشوكة”. لكن الحقيقة أنه عندما نبحث عن المواضع الذي اُستخدم فيها هذا الفعل “يفارق” في العهد الجديد نجد أنه ذُكر 17 مرة وفي كل مرة كان يأتي دائماً بالارتباط بالأشخاص وليس بالأشياء. على سبيل المثال: “.. وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ” (لوقا 4: 13)، “فَجَازَا الْمَحْرَسَ الأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَأَتَيَا إِلَى بَابِ الْحَدِيدِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْمَدِينَةِ فَانْفَتَحَ لَهُمَا مِنْ ذَاتِهِ فَخَرَجَا وَتَقَدَّمَا زُقَاقاً وَاحِداً وَلِلْوَقْتِ فَارَقَهُ الْمَلاَكُ” (أعمال12: 10). هكذا يتضح أن الشوكة التي تكلم عنها بولس كانت شخصاً (إبليس مستخدماً البشر ضده) وليس مرضاً.

بما كان الشيطان يلطم بولس؟

بعد حادثة تجديد بولس مباشرة، تكلم الرب إلى حنانيا قائلاً: “.. وَسَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي!”. لم يكن الرب يقصد أن بولس سوف يتألم من أمراض وأسقام، بل من اضطهادات وضيقات (وهذه التي وصفها بولس باللطمات). فقد اضطهد شاول (بولس قبل التجديد) المؤمنين وعذبهم كثيراً لأجل اسم يسوع، والآن هو يُضطهد لأجل ذات الاسم.

يستعرض بولس في الشواهد التالية كيف كان الشيطان يلطمه وكيف كانت اللطمات تتوالى عليه من حين لآخر وما شكل هذه اللطمات:

2 كورنثوس 11: 16، 23-33

16 لاَ يَظُنَّ أَحَدٌ أَنِّي غَبِيٌّ وَإِلاَّ، فَاقْبَلُونِي وَلَوْ كَغَبِيٍّ، كَيْ أَفْتَخِرَ أَنَا أَيْضاً قَلِيلاً

23 وَإِنْ كَانُوا خُدَّامَ الْمَسِيحِ، أَتَكَلَّمُ كَأَنِّي فَقَدْتُ صَوَابِي، فَأَنَا مُتَفَوِّقٌ عَلَيْهِمْ: فِي الأَتْعَابِ أَوْفَرُ مِنْهُمْ جِدّاً، فِي الْجَلْدَاتِ فَوْقَ الْحَدِّ، فِي السُّجُونِ أَوْفَرُ جِدّاً، فِي التَّعَرُّضِ لِلْمَوْتِ أَكْثَرُ مِرَاراً

24 مِنَ الْيَهُودِ تَلَقَّيْتُ الْجَلْدَ خَمْسَ مَرَّاتٍ، كُلَّ مَرَّةٍ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً

25 ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. رُجِمْتُ بِالْحِجَارَةِ مَرَّةً. تَحَطَّمَتْ بِيَ السَّفِينَةُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. قَضَّيْتُ فِي عَرْضِ الْبَحْرِ يَوْماً بِنَهَارِهِ وَلَيْلِهِ

26 سَافَرْتُ أَسْفَاراً عَدِيدَةً؛ وَوَاجَهَتْنِي أَخْطَارُ السُّيُولِ الْجَارِفَةِ، وَأَخْطَارُ قُطَّاعِ الطُّرُقِ، وَأَخْطَارٌ مِنْ بَنِي جِنْسِي، وَأَخْطَارٌ مِنَ الأُمَمِ، وَأَخْطَارٌ فِي الْمُدُنِ، وَأَخْطَارٌ فِي الْبَرَارِي، وَأَخْطَارٌ فِي الْبَحْرِ، وَأَخْطَارٌ بَيْنَ إِخْوَةٍ دَجَّالِينَ.

27 وَكَمْ عَانَيْتُ مِنَ التَّعَبِ وَالْكَدِّ وَالسَّهَرِ الطَّوِيلِ، وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالصَّوْمِ الْكَثِيرِ، وَالْبَرْدِ وَالْعُرْيِ

28 وَفَضْلاً عَنْ هَذِهِ الْمَخَاطِرِ الْخَارِجِيَّةِ، يَزْدَادُ عَلَيَّ الضَّغْطُ يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ، إِذْ أَحْمِلُ هَمَّ جَمِيعِ الْكَنَائِسِ

29 أَهُنَالِكَ مَنْ يَضْعُفُ وَلاَ أَضْعُفُ أَنَا، وَمَنْ يَتَعَثَّرُ وَلاَ أَحْتَرِقُ أَنَا

30 إِنْ كَانَ لاَبُدَّ مِنَ الافْتِخَارِ، فَإِنِّي سَأَفْتَخِرُ بِأُمُورِ ضَعْفِي

31 وَيَعْلَمُ اللهُ، أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ، الْمُبَارَكُ إِلَى الأَبَدِ، أَنِّي لَسْتُ أَكْذِبُ

32 فَإِنَّ الْحَاكِمَ الَّذِي أَقَامَهُ الْمَلِكُ الْحَارِثُ عَلَى وِلاَيَةِ دِمَشْقَ، شَدَّدَ الْحِرَاسَةَ عَلَى مَدِينَةِ دِمَشْقَ، رَغْبَةً فِي الْقَبْضِ عَلَيَّ

33 وَلَكِنِّي تَدَلَّيْتُ فِي سَلٍّ مِنْ نَافِذَةٍ فِي السُّورِ، فَنَجَوْتُ مِنْ يَدِهِ.

لكي نُفسر موضوع شوكة بولس تفسيراً صحيحاً ينبغي أن نأخذ في اعتبارنا شيئاً هاماً ألا وهو، أنه عندما كُتبت رسائل العهد الجديد لم تُكتب في إصحاحات وأعداد، بل كانت رسالة واحدة متصلة. لكن المتـرجـميـن هـم الذيـن وضـعوهـا فـي صـورة إصـحاحـات وأعداد ليسهل قراءتها. لذلك ينبغي أن نقرأ إصحاح 11، 12 كنص واحد متصل.

عزيزي القاري، من كل تلك القائمة السابقة، أين ذُكرت كلمة “مرض” أو “سقم”؟ إن كان المرض – كما يرى البعض – من الأمور التي تألم منها بولس فلماذا لم يدرجها ضمن تلك القائمة الطويلة؟ إن الحقيقة هي أن بولس-حاله كحال جميع المؤمنين- لا ينبغي أن يتألم من الأمراض والأسقام لأن المسيح قد حملها بدلاً عنه.

نحتاج أن نفرَّق بين أمرين: آلام المسيح الكفارية (كبديل عنا)، وآلامه كمثال لنا. عندما تألم المسيح كبديل عنا، فعل ذلك حتى يفتدينا من هذه الآلام حتى لا نعاني منها. نرى صورة لآلامه كبديل عنا في رسالة بطرس الأولى 2: 24: “هُوَ نَفْسُهُ حَمَلَ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ (عِنْدَمَا مَاتَ مَصْلُوباً) عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَطَايَا فَنَحْيَا حَيَاةَ الْبِرِّ. وَبِجِرَاحِهِ هُوَ تَمَّ لَكُمُ الشِّفَاءُ”.

نرى في الشاهد السابق أن يسوع أخذ مكاننا لكي يعطينا مكانته. حمل خطايانا حتى نصير نحن بر الله. لذا لا داعي أن نحمل خطايانا مرة أخرى. وقد حمل هو أيضاً أمراضنا حتى يتم لنا الشفاء. لذلك لا داعي أن نعاني من شيء قد حمله يسوع بدلاً عنا.  فقد تألم حتى لا نتألم نحن، لذلك لا ينبغي أن نتبعه في آلامه هذه التي تألمها بالنيابة عنا.

مع أننا لا ينبغي أن نتبع آلام المسيح الكفارية.. لأنه في هذا الأمر قد أخذ مكاننا، إلا أنه علينا أن نتألم في إتباعنا لمثاله. فالكتاب المقدس يقول: “تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ”. لقد تألم المسيح عندما شُتم واضطُهِد وتكلموا ضده. من ناحية أخرى، فأننا نتألم أيضًا من الاضطهادات. فربما يتكلم الناس عليك أو يشتمونك.. وهذا هو ما يتكلم عنه الكتاب. فعندما شُتم يسوع واضطُهِد من الناس لم يهددهم.. بل مضى وأحتمل: “لأَنَّ اللهَ دَعَاكُمْ إِلى الاشْتِرَاكِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الآلاَمِ. فَالْمَسِيحُ، الَّذِي تَأَلَّمَ لأَجْلِكُمْ، هُوَ الْقُدْوَةُ الَّتِي تَقْتَدُونَ بِهَا. فَسِيرُوا عَلَى آثَارِ خُطُوَاتِهِ. إِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ خَطِيئَةً وَاحِدَةً، وَلاَ كَانَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ. وَمَعَ أَنَّهُ أُهِينَ، فَلَمْ يَكُنْ يَرُدُّ الإِهَانَةَ. وَإِذْ تَحَمَّلَ الآلاَمَ، لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بِالانْتِقَامِ، بَلْ أَسْلَمَ أَمْرَهُ لِلهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْعَدْلِ”.

نرى صورة لهـذا النـوع مـن الألـم فـي سفـر الأعمال: “فَانطَلَقَ الرُّسُلُ مِنْ أَمَامِ المَجمَعِ وَهُمْ

مُبتَهِجُونَ، لأَِنَّهُمُ اعتُبِرُوا جَدِيرِينَ بِتَلَقِّي الإهَانَةِ مِنْ أَجلِ اسمِ يَسُوعَ” (أعمال 5: 41). يشير هذا العدد إلى ما تألم به الرسل من سجن وضرب لأجل تعليمهم عن اسم يسوع. لقد اشتركوا في آلام المسيح من إهانة وضرب، وليس من الأمراض أو الأسقام. لكنهم فرحوا لأنهم حُسبوا مؤهلين لكي يُعيروا من أجل هذا الاسم.

كيف تجاوب الرب مع تضرع بولس؟

2 كورنثوس 12: 9

9 فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ»

لقد رأى بولس أن نعمة الله كافية لتقوى إنسانه الداخلي حتى يتحمل كل تلك الاضطهادات والضيقات. ثم أكمل قائلاً، “فَلأَجْلِ الْمَسِيحِ، تَسُرُّنِي الضَّعَفَاتُ وَالإِهَانَاتُ وَالضِّيقَاتُ وَالاضْطِهَادَاتُ وَالصُّعُوبَاتُ..” إني أتساءل مرة أخرى: أين ذُكر المرض والعلل الجسدية؟ لماذا لم يقل: “تسرّني الأمراض والأسقام والتهاب الأعين”، لأنه كان يعلم جيداً أن يسوع قد حملهم نيابة عنه، لذا لا داعي له أن يحملها مرة أخرى.

هناك ملاحظة جديرة بالذكر: هل أجاب الله بولس بـ “لا”؟ كثيرون جداً يعتقدون أن الرب رفض أن يجيب طلبة بولس وأعطاه نعمة بدلاً منها. إننا نؤمن بكثير من الأمور لمجرد إننا سمعنا البعض يتكلمون عنها، دون أن نفحص ما تقوله كلمة الله.

لم يقل الله “لا” لبولس. إنما قال له “تكْفِيكَ نِعْمَتِي”. وكأن الرب يقول له، “ما تحتاجه يا بولس هو نعمة (مسحة، قوة) لتواجه هذا الاضطهاد. وهذه النعمة موجودة في داخلك. لا تتضرع إليَّ لأفعل لك شيئاً. ربما يثير الشيطان ضدك ضيقات ومشاكل واضطهادات ويحرك الناس لينقلبوا عليك، لكن كل ما تحتاجه لتواجه هذه الآلام موجود في داخلك بالفعل. تكفيك نعمتي الموجودة بفيض فيك. وهذه النعمة ستعطيك القدرة لتخرج من كل ضيق وألم منتصراً..”.

إن كلمة “نعمة” في اليوناني هي “كارز Charis” والتي يُشتق منها الكلمة “كارزما Charisma” والتي تعني “مسحة أو قوة”. وهكذا يمكننا أن نفهم الآن كيف استطاع بولس من خلال نعمة (مسحة، قوة) المسيح أن يواجه الضيقات التي كان يمر بها. في كل مرة كان يمَّر فيها بظرف عصيب كانت المسحة تفيض من داخله وتحرره. وسفر الأعمال يمتلئ بكثير من الأحداث عن استعلان نعمة الله من خلال بولس والنتائج التي صاحبتها. على سبيل المثال، عندما اُضطهد هو وسيلا في أنطاكيا وجُلدا ورُجما بشدة ووضعوا أرجلهما في المقطرة، كانت هذه صورة من صور الآلام التي عانى منها بولس. لكن دعونا نرى كيف اسُتعلنت مسحة الله من خلاله لتأتي له بالتحرير: “وَنَحْوَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ، وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا. وَفَجْأَةً حَدَثَ زِلْزَالٌ شَدِيدٌ هَزَّ أَرْكَانَ السِّجْنِ، فَانْفَتَحَتْ جَمِيعُ أَبْوَابِهِ حَالاً، وَسَقَطَتْ قُيُودُ السُّجَنَاءِ كُلِّهِمْ”. هذا ما كان الرب يقصده عندما قال لبولس: “تكفيك نعمتي.. على الرغم من الرجم والجلد والسجن يا بولس إلا أن مسحتي فيك كافية لتحررك وتطلقك”.

كما أنه هناك حادثة أخرى رائعة توضح استعلان مسحة الله من خلال بولس بدرجة عظيمة.

أعمال 14: 19-22

19 بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ بَعْضُ الْيَهُودِ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيْقُونِيَةَ، وَاسْتَمَالُوا الْجُمُوعَ، فَرَجَمُوا بُولُسَ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ مَاتَ، وَجَرُّوهُ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ

20 وَلَمَّا أَحَاطَ بِهِ التَّلاَمِيذُ، قَامَ وَعَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي سَافَرَ مَعَ بَرْنَابَا إِلَى دَرْبَةَ

21 وَبَشَّرَا أَهْلَهَا، فَصَارَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ تَلاَمِيذَ لِلرَّبِّ. ثُمَّ رَجَعَا إِلَى لِسْتَرَةَ، وَمِنْهَا إِلَى إِيْقُونِيَةَ، وَأَخِيراً إِلَى أَنْطَاكِيَةَ

22 وَفِي هَذِهِ الأَمَاكِنِ كُلِّهَا كَانَا يُشَدِّدَانِ عَزِيمَةَ التَّلاَمِيذِ، وَيَحُثَّانِهِمْ عَلَى الثَّبَاتِ فِي الإِيمَانِ     

عادةً ما نقرأ هذه الأعداد ونمر عليها مرور الكرام دون أن نرى الحق الإلهي المشرق منها. ألم تسأل نفسك من قبل كيف يمكن لبولس بعدما رُجم حتى صار على وشك الموت أن يقوم بعدها بدقائق ويتوجه للمدينة ثم يسافر في اليوم التالي ليبشر ويكرز ويتلمذ تلاميذ هناك؟ كيف يمكن لشخص قد تعرض لمثل تلك الآلام المبرحة أن ينهض منها صحيحاً مشفياً وكأنه لم يحدث شيء؟

في الحقيقة، إنها مثال على استعلان نعمة ومسحة الله من خلاله لتنهض جسده. هذا هو عمل النعمة الذي قال له الرب: “تَكْفِيكَ نِعْمَتِي.. إنها تكفيك لأنها كافية لتحررك وتشفيك وتنهضك بغض النظر عن هول الضيق الذي تمر به أو بشاعة الألم الذي تتعرض له. ستجد دائماً نعمتي في داخلك لتنهضك صحيحاً مشفياً”.  

بالإضافة إلى ذلك، فإن معلمو الكتاب المقدس يتفقون على أن اختبار بولس بصعوده للسماء الثالثة حدث وهو في لسترة عندما رُجم بشدة حتى ظنوه أنه مات. ففي أثناء ذلك الوقت كان قد اُختطف إلى السماء الثالثة. لذلك قال إنه لا يعرف إن كان في الجسد أم خارج الجسد.

والآن بعد أن يعلن بولس صراحة ما كانت تشير إليه الشوكة، ألن يكن غريباً أن البعض يحاولون أن يجعلوها شيئاً آخر؟ ولماذا يستخدمونها ضد عقيدة الشفاء الإلهي في حين أن بولس نفسه- أعظم معلمي ورسل العهد الجديد- لم يقل ذلك.

كيف يمكن لقوة المسيح أن تكتمل في ضعف بولس – ويظل مريضاً رغم ذلك؟

حتى وإن اعتبرنا أن شوكة بولس كانت مرضاً، فبعدما تحل عليه قوة المسيح (كما حدث مع المرأة نازفة الدم التي شُفيت في الحال عندما تدفقت إليها قوة يسوع) كان سيُشفى في الحال من أي ضعف أو مرض جسدي.

لكن الحقيقة هي أن الضعف الذي كان بولس يتكلم عنه هو عدم قدرته على الصمود أمام كل تلك الاضطهادات والضيقات. فعندما كانت قوة المسيح تحل عليه، كانت تمكَّنه من مواجهة كل تلك التحديات صامداً قوياً – مثل يسوع الذي واجه كل آلام الصليب بقوة وصمود. لم يعدنا المسيح أن حياتنا ستخلو من اضطهادات وضيقات، لكن نعمته دائماً تعطينا القدرة لنتحمل كل شيء دون أن نخور أو نُهزم.

وكما كان الشوك والمناخس الذي تعرض له شعب إسرائيل أمور خارجة عن أجسادهم – كانت أشخاصاً يضايقونهم من الخارج، كذلك أيضاً كانت شوكة بولس؛ أموراً تضايقه من الخارج (خارج جسده). لذلك احتاج إلى نعمة حتى يستطيع أن يقاوم. هكذا الحال معنا أيضاً، كل ما سنواجه من ضيقات وآلام ستكون كلها أمور خارجة عن أجسادنا.. أمور تضيَّق علينا من الخارج.. أشخاص يضطهدوننا. لكن تظل نعمة الله كافية لتجعلنا نقاوم جميع تلك الأمور بثبات. 

إن جميع أشكال الآلام التي ذكرها بولس في القائمة السابقة لم يكن يواجهها من حين لآخر وحسب، بل كانت لطمات متكررة من مبعوث الشيطان. فعلى سبيل المثال، يذكر في الإصحاح السادس من ذات الرسالة صورة أخرى لتلك اللطمات فيقول: “وَإِنَّمَا نَتَصَرَّفُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يُبَيِّنُ أَنَّنَا فِعْلاً خُدَّامُ اللهِ: فِي تَحَمُّلِ الْكَثِيرِ؛ فِي الشَّدَائِدِ وَالْحَاجَاتِ وَالضِّيقَاتِ وَالْجَلْدَاتِ وَالسُّجُونِ وَالاضْطِرَابَاتِ وَالأَتْعَابِ وَالسَّهَرِ وَالصَّوْمِ..” وللمرة الثانية لا يذكر أي مرض أو سقم ضمن الأمور التي عانى منها.

ثم يرسم صورة أخرى في رسالة كورنثوس الأولى 4: 12-13 للآلام التي كان يواجهها فيقول: “مَا زِلْنَا حَتَّى هَذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ، وَنَعْرَى وَنُلْطَمُ وَنُحْرَمُ مَحَلاًّ لِلإِقَامَة. وَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا فِي الشُّغْلِ بِأَيْدِينَا. نَتَعَرَّضُ لِلإِهَانَةِ فَنُبَارِكُ، وَلِلاضْطِهَادِ فَنَحْتَمِل وَلِلتَّجْرِيحِ فَنُسَالِمُ. صِرْنَا كَأَقْذَارِ الْعَالَمِ وَنُفَايَةِ الْجَمِيعِ، وَمَازِلْنَا!” لماذا لا يضع مشكلة صحية واحدة ضمن القائمة السابقة؟

الحقيقة هي أن بولس كان يدرك جيداً حقوقه في المسيح ويعلم أنه لا داعي أن يتألم من شيء سبق أن تحمله يسوع نيابة عنه.

هل الضعف الذي كان بولس يعاني منه هو مرضاً ؟

إنه أمر يثير الدهشة عندما نبحث عن معنى كلمة “ضعف” الواردة في “تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ”، “فَلأَجْلِ الْمَسِيحِ، تَسُرُّنِي الضَّعَفَاتُ وَالإِهَانَاتُ..”. إن حاولنا أن نفسر هذه الكلمة بعيداً عن سياق المكتوب، فربما ننتهي إلى أنها تعني مرض أو علة جسدية. لذلك لابد أن نفسرها في سياق النص الكتابي الذي جاءت فيه. وعندما نرجع إلى كلمة الله سنجد أن بولس بنفسه قد عرَّف ماذا يعني بكلمة ضعف التي استخدمها في تلك الأعداد: فقال في إصحاح 11 وعدد 29، “.. مَنْ يَضْعُفُ وَلاَ أَضْعُفُ أَنَا” (ع 29)، “.. إِنْ كَانَ لاَبُدَّ مِنَ الافْتِخَارِ، فَإِنِّي سَأَفْتَخِرُ بِأُمُورِ ضَعْفِي(ع 30). إن أمور ضعفه التي كان يفتخر بها هي كل تلك القائمة التي سردها من عدد 23 إلى 29 من جلدات وضربات وإهانات تعرض لها أثناء خدمته. لذلك لا يمكننا أبداً أن نفسر كلمة “ضعف” باعتبارها مرض أو علة جسدية، وإلا فنحن نقول شيئاً لا تقوله كلمة الله.

كان بولس يقصد بكلمة “ضعف” هو عدم قدرته على مواجهه الضغوط والضيقات الخارجية.  لم يستطع أن يقف صامداً أمام هذا الهجوم الشيطاني العنيف ويخرج منه منتصراً. لذلك تضرع إلى الله حتى تكف عنه هذه الهجمات الشيطانية المتكررة. لكن الرب أجابه بـ “نعمة” للإنسان الداخلي.

كما يجدر بالملاحظة أننا عندما نبحث في قاموس “فاين” التفسيري لكلمات العهد الجديد عن معنى كلمة “ضعف” التي ذُكرت في الأعداد السابقة نجد إنه يفسرها في ضوء الشاهد التالي الذي كُتب عن يسوع: .. مَعَ أَنَّهُ قَدْ صُلِبَ فِي ضَعْفٍ، فَهُوَ الآنَ حَيٌّ بِقُدْرَةِ اللهِ. وَنَحْنُ أَيْضاً ضُعَفَاءُ فِيهِ، وَلكِنَّنَا، بِتَصَرُّفِنَا مَعَكُمْ، سَنَكُونُ أَحْيَاءً مَعَهُ بِقُدْرَةِ اللهِ”. ثم يذكر الآتي: “إن كلمة ضعف في الشاهد السابق تشير إلى الضعف الظاهري الذي يبدو على الإنسان عندما لا يستطيع أن يقاوم الهجوم الموجه ضده. كما تشير إلى الخضوع الإرادي عندما يقدم الإنسان نفسه ليتألم جسدياً. فعندما تقدم يسوع للصليب وابتدئوا يشنوا ضده كل أشكال الآلام الجسدية، كان بإمكانه أن يفني مقاوميه في لحظة. لكنه اختار أن يخضع نفسه للصليب، وبهذا صار ضعيفاً أمام أعدائه”.

ومن هنا يتضح كيف استخدم بولس كلمة ضعف ليصف بها حاله وهو يمر في جميع أشكال الآلام والضيقات والاضطهادات، وليس لها أي علاقة بالأمراض أو العلل الجسدية.   

الذين يعيشون بالتقوى يُضطهدون

2 تيموثاوس 3: 11، 12

11 وَاضْطِهَادَاتِي، وَآلاَمِي، مِثْلَ مَا أَصَابَنِي فِي أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَّةَ وَلِسْتِرَةَ. أَيَّةَ اضْطِهَادَاتٍ احْتَمَلْتُ! وَمِنَ الْجَمِيعِ أَنْقَذَنِي الرَّبُّ.

12 وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ.

لم يقل بولس أن جميع الذين يعيشون بالتقوى سيمرضون- وفقاً لرأى بعض المعلَّمين اليوم، لكنهم يضطهدون ويتألمون. وعندما نرجع إلى سفر الأعمال لنرى الأمور التي تألم منها بولس في أيقونية ولسترة سنجد أنه لا علاقة لها بالأمراض أو الأسقام البتة: “فَثَارَ الْجَمْعُ عَلَيْهِمَا، وَمَزَّقَ الْحُكَّامُ ثِيَابَهُمَا وَأَمَرُوا بِجَلْدِهِمَا. فَجَلَدُوهُمَا كَثِيراً وَأَلْقَوْهُمَا فِي السِّجْنِ، وَأَمَرُوا ضَابِطَ السِّجْنِ بِتَشْدِيدِ الْحِرَاسَةِ عَلَيْهِمَا. وَنَفَّذَ ضَابِطُ السِّجْنِ هَذَا الأَمْرَ الْمُشَدَّدَ. فَزَجَّ بِهِمَا فِي السِّجْنِ الدَّاخِلِيِّ، وَأَدْخَلَ أَرْجُلَهُمَا فِي مِقْطَرَةٍ خَشَبِيَّةٍ“. إن حاولنا أن نفسر عدد 11 بمعزل عن سياقه الكتابي فربما يقول أحدهم، “حقاً قد تألم بولس من علل جسدية وأمراض..”. لكن هذا العدد يشير إلى شيء مختلف تماماً عن هذا الفكر.

هل يفتخر المريض بمرضه؟

يقول كاتب المقالة الافتتاحية، “.. وكأن بولس يريد أن يقول، إنني افتخر بالتهاب العينين.. فهي ممتلئة بصديد مقزز وكل مَن ينظر إليَّ يشفق على حالي، لذلك فأني ابتهج بمرضي”.

حيث أن مثل هؤلاء الخدام يعلَّمون بأن بولس كان يفتخر بمرضه المستعصي، فإني أتساءل لماذا لا يفتخرون بأمراضهم وأسقامهم بدلاً من محاولاتهم ليفعلوا ما بوسعهم ليتخلصوا منها؟ إن كانوا يبتهجون “بالأشواك” التي لديهم، فلماذا يسرعون إلى الأطباء والمستشفيات ليتخلصوا من تلك الأشواك؟ أليس ذلك تناقضاً عجيباً؟

كرازة بولس كانت تحفز الإيمان

نفترض أن ادعاء هذا الخادم كان صحيحاً وأن بولس كان مصاباً بمرض مستعصي، ألن يكن غريباً أنه عندما رأى أهل أفسس هذا الصديد وهو يسري من عيني بولس واكتشفوا أن الله لم يرد أن يشفيه فإن تلك الصورة بعثت فيهم إيماناً حتى استطاع بولس أن يجرى “مُعْجِزَاتٍ خَارِقَةً” في وسطهم؟ (لقد ذكرنا سابقاً أن إيمان الشخص له دور أساسي في حدوث المعجزة وأن يسوع نفسه لم يستطع إجراء معجزة واحدة في الناصرة لعدم إيمان الأشخاص الذين كان يخدمهم. فهذا برهان على أن أهل أفسس كان لديهم إيمان حقيقي بالشفاء). فالكتاب يقول: “وَكَانَ اللهُ يُجْرِي مُعْجِزَاتٍ خَارِقَةً عَلَى يَدِ بُولُسَ حَتَّى صَارَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ الْمَنَادِيلَ أَوِ الْمَآزِرَ الَّتِي مَسَّتْ جَسَدَهُ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى الْمَرْضَى، فَتَزُولُ أَمْرَاضُهُمْ وَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ”. (أعمال 19: 11-12).

فإن كانوا يحضرون المآزر من شخص مصاب بالتهاب العينين، لكان من الأفضل أن يحرقوها بدلاً من أن يضعوها على المرضى حتى لا تنقل لهم العدوى!

بعد خمسة وعشرين عاماً، كتب بولس لأهل كورنثوس، “.. لِهَذَا السَّبَبِ فِيكُمْ كَثِيرُونَ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَالْمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ” (1كورنثوس11: 30). إن كانت شوكة بولس ضعفاً جسدياً أو مرضاً، لكان أهل كورنثوس أجابوا على رسالته قائلين، “ولأي سبب أنت ضعيف ومريض؟”

وعندما كان يكتب إليهم قائلاً، “أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِيكُمْ.. مَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ.. لِتَظْهَرَ فِي أَجْسَادِنَا الْفَانِيَةِ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضاً” لما كانوا قد صدقوا كلامه وردوا عليه: “فلتشف أنت نفسك أولاً ثم تأتي بعد ذلك لتكلمنا”.

الخلاص “سوتريا Soteria” يتضمن الشفاء

لقد رأينا سابقاً أن بولس قد سرد في مواضع كثيرة آلامه وضيقاته وتقريباً جميع أشكال الاضطهادات التي يمكن أن تخطر على بال إنسان – عدا المرض أو التهاب الأعين. فهذا هو الشيء الوحيد الذي لم يذكره.

قد علّق أحد الكتاَّب تعليقاً بارزاً على شوكة بولس قائلاً، “إن الاعتقاد المنتشر بأن شوكة بولس كانت مرضاً هي حتماً فكرة إبليس التي أوحى بها للبعض حتى يجد ثغرة ينفذ بها مخططاته وأعماله الشريرة ضد جسد المسيح”.

إن كلمة الخلاص التي كان بولـس ينـادى بهـا فـي كـل خدمتـه وكرازتـه تحمـل معـانـي

عديدة أكثر جداً من مجرد الميلاد الجديد وغفران الخطايا. سوف يتضح ذلك عندما نرجع إلى الأصل اليوناني الذي كُتب به العهد الجديد لنبحث عن معنى كلمة “خلاص”.

 إن الأصل اليوناني لكلمة خلاص هو “سوتيريا Soteria”، والأصل اليوناني للفعل “يخلص” هو “سوزو Sozo” ويشمل خمسة معاني:

  • التحرير من الخطية والموت الأبدي
  • الشفاء والكمال الجسدي
  • الحفظ والأمان
  • الازدهار والزيادة
  • الاستقرار والسلام

قد تُرجمت هذه الكلمة إلى “شفاء” في الشواهد التالية:

مرقس 5: 23

23 وَإِذَا وَاحِدٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمَجْمَعِ، وَاسْمُهُ يَايِرُسُ، قَدْ جَاءَ إِلَيْهِ. وَمَا إِنْ رَآهُ، حَتَّى ارْتَمَى عِنْدَ قَدَمَيْهِ وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِإِلْحَاحٍ، قَائِلاً: «ابْنَتِي الصَّغِيرَةُ مُشْرِفَةٌ عَلَى الْمَوْتِ. فَتَعَالَ وَالْمِسْهَا بِيَدِكَ لِتُشْفَى (يوناني سوزو)، فَتَحْيَا!

مرقس 5: 34

34 فَالتَفَتَ يَسُوعُ حَولَهُ، فَرَآهَا وَقَالَ لَهَا: تَشَجَّعِي يَا ابنَتِي، إيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ (يوناني سوزو). فَشُفِيَتِ المَرأَةُ تَمَامَاً فِي تِلكَ اللَّحظَةِ.

لذلك كتب لأهل غلاطية يقول لهم: “فَإِذَا كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذَنْ نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ وَحَسَبَ الْوَعْدِ وَارِثُونَ” (غلاطية 3: 29). وحيث أن الشفاء يعتبر عنصراً أساسياً من عناصر الإنجيل، فكيف يمكن لبولس الذي تمتع بملء بركات الإنجيل أن يُحرم من بركة الشفاء الإلهي ويظل مريضاً؟

من إحدى الأمثلة التي تؤكد أن بولس لم يكن يكرز بالميلاد الجديد وحده بل بالشفاء الجسدي أيضاً هو سفر الأعمال 14: 7-10

أعمال 14: 7-10

7 وَأَخَذَا يُبَشِّرَانِ هُنَاكَ.

8 وَكَانَ يُقِيمُ فِي مَدِينَةِ لِسْتَرَةَ كَسِيحٌ مُقْعَدٌ مُنْذُ وِلاَدَتِهِ لَمْ يَمْشِ قَطُّ.

9 فَإِذْ كَانَ يُصْغِي إِلَى حَدِيثِ بُولُسَ فَرَأَى فِيهِ إِيمَاناً بِأَنَّهُ سَيُشْفَى،

10 فَنَادَاهُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «انْهَضْ وَاقِفاً عَلَى رِجْلَيْكَ!» فَقَفَزَ الرَّجُلُ وَبَدَأَ يَمْشِي

يقول الكتاب في عدد 7 أن بولس كان يكرز بالإنجيل، لكننا نرى شخصاً مريضاً ينال الشفاء عند سماعه لكرازته. فكيف حدث ذلك مع علمنا أن الإيمان لأجل الشفاء (أو لأي شيء آخر) يأتي بسماع كلمة الله؟ لابد حتماً وأن بولس كان يكرز بالشفاء الإلهي، لأن الكرازة الصحيحة لابد أن يتخللها الكرازة عن الشفاء الجسدي.

نفترض أن هذا الرجل سمع بولس يكرز عن الشفاء الجسدي وهو يري الصديد يسيل من عينيه ومنظرهما مقذذ. هل يمكن لهذه الصورة أن تبعث فيه إيماناً ليُشفى؟ حتماً لا. لكن الكتاب يقول “رَأَى فِيهِ إِيمَاناً بِأَنَّهُ سَيُشْفَى”.

كيف يمكن لهذا الرجل الأممي الذي لم يرى معجزة في حياته قط ولم يسمع عن إنجيل الله من قبل أن يصدق إرادة الله من جهة شفائه في حين أنه يرى أمامه صورة لشخص يعاني من مرض مستعصي لا يشاء الله أن يشفيه منه؟ ألن يكن مدهشاً كيف أن بولس بهذا الصديد المقذذ الذي يسيل من عينيه والذي يعاني من مرض مستعصي أن يسوع المسيح قد وهبه هذه الشوكة، ثم يأمر هذا المُقعد أن يقف على رجليه صحيحاً؟

نحن شعب الله

كان بولس يؤمن – على خلاف خدام كثيرين اليوم – أن بركات شعب إسرائيل أصبحت تخص الأمم. فالروح القدس كتب من خلاله في رسالة أفسس 2: 14، “.. فَإِنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، ذَاكَ الَّذِي جَعَلَ الْفَرِيقَيْنِ وَاحِداً وَهَدَمَ حَائِطَ الْحَاجِزِ الْفَاصِلَ بَيْنَهُمَا أَيِ الْعِدَاءَ: إِذْ أَبْطَلَ بِجَسَدِهِ شَرِيعَةَ الْوَصَايَا ذَاتَ الْفَرَائِضِ، لِكَيْ يُكَوِّنَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ إِنْسَاناً وَاحِداً جَدِيداً”. أي أن الجدار الذي كان يفصل بين الأمم وشعب إسرائيل قد انهار وصار الاثنان يتمتعان بجميع البركات. بناءً على ذلك ابتدأ بولس يكرز بالشفاء للأمم. وكان نتيجة ذلك أن الرجل المُقعد الأممي في لسترة نال الشفاء من خلال سماعه لكرازة بولس عن الشفاء.

بولس على جزيرة مالطا

حتى في نهاية حياته، نرى الرب يستخدم بولس في شفاء المرضى على جزيرة مالطا. مبرهناً على أن فداء المسيح كان يشمل جميع البشر. فأخر إصحاح في سفر الأعمال يثبت أن مشيئة الله هي شفاء جميع المرضى- وليس بعض منهم فحسب: “جَاءَ بِقِيَّةُ المَرضَى فِي الجَزِيرَةِ وَشُفُوا” (أعمال 28: 9).

هل الله متناقض في عمله؟

يعلَّم البعض أن شوكة بولس كانت عمى جزئي نتيجة سطوع النور الإلهي الذي أشرق عليه وهو في طريقه إلى دمشق. لكن عندما قال بولس أنه قد أُصيب بشوكة في الجسد منذ أربعة عشر عاماً نتيجة فيض الإعلانات، كان وقتها قد مضى على تجديده اثنتي عشر عاماً. أي أن رسالة كورنثوس الثانية قد كتبها بعد 26 سنة من تجديده.

أولاً: ألن يكن ذلك تجديف علني أن يطلق بولس على اختباره الشخصي برؤية المسيح بـ “ملاك الشيطان”؟

ثانياً: يذكر الكتاب أن الرب يسوع ظهر في رؤيا إلى حنانيا وأخبره أن يذهب ويضع يديه على شاول ليستعيد بصره (أعمال 9: 12-17). ثم في العدد التالي يذكر أن الرب يسوع شفاه. إذًا الاعتقاد بأن بولس كان يعاني من مشاكل في عينيه جعلته أعمى تقريباً فهذا يعني تناقض وتضارب لعمل الرب.

لم تكن شوكة بولس تعيقه عن الخدمة

يتضح جيداً من كلمة الله أن شوكة بولس لم تعيقه أبداً عن عمل الرب، بل على العكس قد اجتهد وتعب أكثر من جميع الرسل. لذلك فهذا السؤال يطرح نفسه: إن كانت شوكة بولس قد ساعدته أن يعمل أكثر من جميع باقي الرسل، فلماذا نرى أولئك المصابين “بأشواك” في أجسادهم طريحي الفراش غير قادرين حتى على الاعتناء بأنفسهم، بل وإنهم يزيدون من تعب وشقاء المحيطون بهم؟ لماذا يشبهَّون أنفسهم بشوكة بولس في حين أن الحقيقة مختلفة تماماً؟

كتب بولس لجميع المؤمنين في مختلف الكنائس ليوصيهم بممارسة الأعمال الصالحة: “.. يُؤَهِّلَكُمْ تَمَاماً لِتَعْمَلُوا مَشِيئَتَهُ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ“، “.. يَتَعَلَّمُوا الاهتِمَامَ بِمُمَارَسَةِ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ“، “.. يَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ“، “.. الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا لِكَيْ يَفْتَدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَيُطَهِّرَنَا لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصّاً يَجْتَهِدُ بِحَمَاسَةٍ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ“، “.. لِكَيْ يَجْعَلَ إِنْسَانَ اللهِ مُؤَهَّلاً تَأْهِيلاً كَامِلاً، وَمُجَهَّزاً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ“، “.. الَّذِي يَنْفَصِلُ عَنْ هَذِهِ يَكُونُ إِنَاءً لِلاسْتِعْمَالِ الرَّفِيعِ، مُقَدَّساً، نَافِعاً لِرَّبِّ الْبَيْتِ، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ“.

كيف يمكن لأولئك المؤمنين الذين لا يقدرون أن يغادروا غرف فراشهم بسبب العجز من “الشوكة” أن يفعلوا مشيئة الله ويتممون قصده؟ هل تلك “الأشواك” تساعد المؤمنين لكي “يفِيضُوا فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ”، أم أنها تعيقهم عن عمل وخدمة الرب؟

لم تكن شوكة بولس عائقاً يمنعه عن أن يتمم السعي الإلهي، إذ استطاع أن يقول في نهاية حياته “قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ” (2 تيموثاوس 4: 7). لكن التعليم المعاصر عن شوكة بولس قد طرح جموع كثيرة عجزة على فراش المرض يتألمون من أمراض مرعبة ويموتون في منتصف أعمارهم دون أن يكملوا السعي الإلهي الذي وضعه الله أمامهم. ويا لها من مأساة بشعة!

إن كان بولس وفقاً للمقالة الذي ذكرناها سابقاً – من أكثر الأشخاص الذين كانوا يعانون من أمراض مستعصية وقد رفض الرب أن يزيل الشوكة بأن أعطاه قوة، فكيف إذاً قال بولس عن نفسه “.. وَنِعْمَتُهُ الْمَوْهُوبَةُ لِي لَمْ تَكُنْ عَبَثاً، إِذْ عَمِلْتُ جَاهِداً أَكْثَرَ مِنَ الرُّسُلِ الآخَرِينَ جَمِيعاً“، “.. وَإِنْ كَانُوا خُدَّامَ الْمَسِيحِ، أَتَكَلَّمُ كَأَنِّي فَقَدْتُ صَوَابِي، فَأَنَا مُتَفَوِّقٌ عَلَيْهِمْ: فِي الأَتْعَابِ أَوْفَرُ مِنْهُمْ جِدّاً..”. فإن كان الشخص المريض يستطيع أن ينجز أموراً تفوق الأشخاص الأصحاء، فدعونا جميعاً نصلى لكي نمرض فنستطيع أن نخدم الرب بصورة أفضل! ويا لها من حماقة.

الاستثناء الوحيد

إن كانت كلمات المسيح لبولس “تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ” تعنى أنه عليه أن يظل مريض، فستكون هذه هي الحالة الأولى والوحيدة في الكتاب المقدس بأكمله التي يرفض فيها الله أن يشفى أحد ويبقيه مريضاً.

والإثبات الأكيد أن هذه سوف تكون الحالة الأولى والأخيرة هو ما يسجله الكتاب المقدس عن خدمة يسوع عندما كان على الأرض؛ كيف أنه شفى جميع المرضى دون استثناء واحد. وحتى وإن كان هذا هو الاستثناء الوحيد على أسوأ الظن، فإني أتساءل: لماذا يصَّر معظم الخدام اليوم على قلب هذه القاعدة: يعممون الاستثناء ويستثنون القاعدة؟ عندما تسمعهم يعلَّمون عن الشفاء الإلهي يتراءى لك وكأن شوكة بولس هي القاعدة العامة للشفاء الإلهي وجميع الوعود في الكتاب المقدس من بدايته إلى نهايته هي الاستثناء!

لماذا شوكة بولس؟

إن كل مَن تحل به كارثة أو يمرض مرضاً مستعصياً يفشل الأطباء في علاجه تجده يقول، “إنها شوكة يا أخي المحبوب. إن الرب يريد أن يعلمني درساً..”. إني أسأل كل مَن يقول مثل هذا الكلام: هل بحثت في الكتاب المقدس لتعرف لأي سبب قد أُعطيت شوكة بولس حتى يمكنك أن تطبقها على نفسك؟

لقد أُعطيت شوكة بولس لتحفظه متواضعاً بسبب فرط الإعلانات الإلهية التي كانت تتوالى عليه. لقد كتب وحده أكثر من نصف العهد الجديد. وكانت لديه إعلانات تفوق جميع باقي الرسل الآخرين. والآن أريد أن أوجه سؤالاً لكل مَن يدعي أن لديهم شوكة في الجسد: كم من إعلانات كتابية قد نلتها؟

إن معظم –لو لم يكن الكل- الذين يدعوا أن لديهم أشواكاً في الجسد مثل بولس لم ينالوا حتى بضعة إعلانات من كلمة الله!

تعليق يحسم القضية

في النهاية أود أن اطرح بعض التساؤلات التي تحسم هذه القضية:

– لماذا لم ينادى بولس بشوكته في كل كنيسة كان يعلَّم بها؟

– لماذا لا نجد في أي رسالة من الأربعة عشر رسالة التي كتبها ذكراً لتلك الشوكة؟

– لماذا ظل صامتاً لمدة أربعة عشر عاماً على هذه “البركة الإلهية” التي منحها له الرب يسوع المسيح- كما يعتقد البعض؟ ألا كان ينبغي عليه أن يشارك بها كل المؤمنين في كل مكان حتى يتمتعوا بتلك “البركة”؟

– لماذا يتكلم اليوم جميع الخدام عن شوكة بولس وكأنها هي الأساس الكتابي الوحيد للشفاء الإلهي، في حين أن بولس نفسه لم يرد أن يتكلم عنها؟

والآن، عندما نعود إلى رسالة كورنثوس الثانية بدئاً من الإصحاح الحادي عشر، هل نلاحظ أن بولس كان ينوى أن يتكلم عن شوكته؟ هل كان يقصد أن يعلَّم أهل كورنثوس عن أمر تلك الشوكة؟ دعونا نرجع لكلمة الله لنرى ماذا كان موقفه من تلك الشوكة:

2 كورنثوس 11: 16، 17

16 أَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى: لاَ يَظُنَّ أَحَدٌ أَنِّي غَبِيٌّ وَإِلاَّ، فَاقْبَلُونِي وَلَوْ كَغَبِيٍّ، كَيْ أَفْتَخِرَ أَنَا أَيْضاً قَلِيلاً

17 وَمَا أَتَكَلَّمُ بِهِ هُنَا، لاَ أَتَكَلَّمُ بِهِ وَفْقاً لِلرَّبِّ، بَلْ كَأَنِّي فِي الْغَبَاوَةِ،

2 كورنثوس 12: 11

11 هَا قَدْ صِرْتُ غَبِيّاً! وَلَكِنْ، أَنْتُمْ أَجْبَرْتُمُونِي! فَقَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ تَمْدَحُونِي أَنْتُمْ، لأَنِّي لَسْتُ مُتَخَلِّفاً فِي شَيْءٍ عَنْ أُولَئِكَ الرُّسُلِ الْمُتَفَوِّقِينَ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ شَيْئاً

يتضح من الشاهد السابق الآتي:

أولاً: إن ما تكلم به بولس عن أمر الشوكة لم يكن بدافع من الروح القدس. أي، لم يوحي إليه الرب أن يعلَّم أهل كورنثوس عن موضوع تلك الشوكة. إنما تكلم بها من نفسه ليدافع عن رسوليته: “.. وَمَا أَتَكَلَّمُ بِهِ هُنَا، لاَ أَتَكَلَّمُ بِهِ وَفْقاً لِلرَّبِّ”.

ثانياً: قد ندم بولس لأنه أفصح عن موضوع الشوكة. فبسبب غباوة أهل كورنثوس وعدم تقديرهم له وتشكيكهم في رسوليته اضطر أن يفصح عن أمر الشوكة التي ظل يكتمها لأربعة عشر عاماً ولم يكن ينوى ذكرها إلى الأبد. وقد فعل ذلك لسبب واحد وهو لكي يثبت رسوليته أمامهم، هذا لأن الرسل الكذبة الذين أتوا قبله كانوا يقارنون أنفسهم ببولس أمام أهل كورنثوس محاولين أن يقنعوهم بأن بولس لم يُضطهد مثلهم، وهذا يعني أنه رسول كذاب. لكنه لم يكن ينوي أن يسرد قصة شوكته ليعلَّم عن الشفاء الإلهي أو مشيئة الله.

تخيل معي؛ ماذا سيحدث لو لم يكن أهل كورنثوس قد استثاروا بولس واعترفوا برسوليته من البداية؟ ستكون الإجابة إنه لما تكلم عن أمر الشوكة إطلاقاً وظل هذا سراً مخفياً لا نعرف عنه شيئاً حتى نذهب إلى السماء. ولما وُجدت تلك “الشماعة” التي يتعلق عليها كل شخص مريض اليوم. ولما وجد أولئك الخدام حجة وبرهاناً يؤيد زعمهم بأن الله يهب أولاده أشواكاً ليمجدوه.

قال بولس لأهل كورنثوس: “أنتم الذين ألزمتموني لأفصح عن هذا السر. لم أكن أنوي أن أتكلم به، إلا أنكم ألزمتموني”.

سؤال يستحق الإدراك

أليس غريباً أن يجرؤ أي خادم أن ينحي جانباً جميع الوعود المتعلقة بالشفاء في الكتاب المقدس بأكمله متجاهلاً هذه الحقائق:

– اسم الله “يهوه رافا” أنا هو الرب طبيبك وشافيك. الاسم المتعلق بالعهد والفداء (خروج 15).

– عهد الله مع شعبه ليضمن لهم الشفاء من جميع الأمراض (خروج 23: 25).

– تعليم الشفاء الإلهي في نماذج العهد القديم (عدد 21، لاويين 14).

– حالات الشفاء المتفرقة في العهد القديم.

– كلمات وتعليم ووعود الرب يسوع المسيح بالشفاء معلناً مشيئة الله نحو شفاء أجسادنا (متى 8: 17).

– الإرسالية العظمى التي أسلمها إلينا الرب يسوع والتي جعل الشفاء ركناً أساسياً من أركان الكرازة بالإنجيل (مرقس 16: 18).

– مواهب الشفاء وإجراء المعجزات التي وضعها الله في الكنيسة (1 كورنثوس 12: 4).

– التوجيه الكنسي بالصلاة لأجل المريض لكي ينال الشفاء (يعقوب 5: 14).

– حقيقة أن المسيح حمل أمراضنا مثلما حمل خطايانا (1بطرس2: 24 – متى8: 17).

– آلاف الجموع التي شُفيت منذ يوم الرسل وحتى يومنا هذا.

أليس غريباً أن ننحي جانباً كل هذه البراهين والإثباتات الكتابية عن موضوع الشفاء، لنتمسك بنص وحيد يتعلق بشوكة بولس والذي يتفق جميع علماء الكتاب المقدس أنه لا يوجد أي إثبات يشير ما إذا كان يتعلق بمرض أو شفاء؟

بعض الشواهد الكتابية التي يقرنها البعض بموضوع شوكة بولس

غلاطية 4: 13، 14

13 لَكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي بِضَعْفِ الْجَسَدِ بَشَّرْتُكُمْ فِي الأَوَّلِ.

 14وَتَجْرِبَتِي الَّتِي فِي جَسَدِي لَمْ تَزْدَرُوا بِهَا وَلاَ كَرِهْتُمُوهَا، بَلْ كَمَلاَكٍ مِنَ اللهِ قَبِلْتُمُونِي، كَالْمَسِيحِ يَسُوعَ.

15 فَمَاذَا كَانَ إِذاً تَطْوِيبُكُمْ؟ لأَنِّي أَشْهَدُ لَكُمْ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَقَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَأَعْطَيْتُمُونِي.

كثيرون يقتبسون هذا الشاهد ليبرهنوا على أن الشوكة التي كان يعاني منها بولس كانت مرضاً في العينين، والدليل أن أهل غلاطية أرادوا أن يقتلعوا أعينهم ليعطوها لبولس كتعويض.

أولاً: عندما قال بولس أنه بشَّر أهل غلاطية في بادئ الأمر وهو في ضعف الجسد، فهذا أول دليل على أن الضعف الذي كان يعاني منه لم يكن مرضاً ولم يستمر طويلاً بل انتهى بعدها، لأنه قال “فِي الأَوَّلِ”. وهذا ينفي زعم البعض بأن بولس كان يتكلم في الأعداد السابقة عن شوكته. فإن كان هذا الضعف هو الشوكة فعلاً، فكيف إذا لم تستمر معه؟ ألا يدعَّون أن الرب قد رفض أن يشفيه وأراد له أن يستمر هكذا؟    

ثانياً: عندما نبحث في الخريطة الجغرافية لمواقع البلاد في ذلك الوقت نجد أن كنيسة غلاطية كانت تقع بالقرب من لسترة ودربة- حيث رُجم بولس حتى الموت. فعندما نقرأ في سفر الأعمال 14: 19 نجد أن بولس خرج في اليوم الثاني ليبشر في المدن المحيطة- التي تقع في حدود غلاطية. وهذا يفسر أن التجربة التي تكلم عنها بولس في الأعداد السابقة كانت حادثة رجمه وضربه حتى الموت.

ثالثاً: إن العبارة التي قالها بولس “لَوْ أَمْكَنَ لَقَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَأَعْطَيْتُمُونِي”، هو مصطلح مشهور في الشرق الأوسط وكثيراً ما يتداول بصورة عامية حيث يقول، “عيني لك”. وهي فيها تعبير عن معَّزة الشخص حتى أنه يساوي عيني الإنسان.

  غلاطية 6: 11

11 انْظُرُوا بِأَيَّةِ حُرُوفٍ كَبِيرَةٍ قَدْ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ هُنَا بِيَدِي

هناك مَن يقتبسون هذا الشاهد ليؤكدوا أن بولس كان يعاني من ضعف في الإبصار أدى به إلى العمى. لذلك اضطر أن يكتب بأحرف كبيرة حتى يستطيع أن يرى كتابته. لكن عندما نبحث في قاموس “فاين” التوضيحي لمعاني كلمات العهد الجديد سنكتشف ماذا كان بولس يقصد بقوله “حروف كبيرة”.

يقول قاموس “فاين” Vine: “إن كلمة ‘كبيرة’ تشير إلى الحروف الاستهلالية (تسمى Capital letter وهي تتضح أكثر في اللغات الأجنبية حيث تتخذ الحروف شكل كبيراً عن الحروف الصغيرة. مثال: حرف a يختلف في الشكل عن نظيره A (حرف استهلالي). وهذه الحروف نبدأ بها الأسماء أو نبدأ بها الكتابة في بداية الجملة تأكيداً على أهمية تلك الكلمات)”. بمعنى آخر، كان بولس يقول لهم أنظروا أهمية الكلمات التي سوف أكتبها لكم الآن. إنها هامة جداً وهي ملخص كل الكلام الذي كتبته سابقاً.

كما يقول أيضاً قاموس “فاين”، أن كلمة “كبيرة” تعني عظيمة. وهذه الكلمة تُستخدم عندما نريد أن نميَّز شخص عن مجموعة كبيرة من الأشخاص. فنقول “هذا الشخص عظيم”، أي بمعنى إنه يختلف عن كل باقي الأشخاص الذين حوله. ومن هنا يتضح ماذا كان يقصده بولس باستخدامه لهذه الكلمة. فهو يقول، “انتبهوا جيداً إلى ما سوف اكتبه الآن. إنه يختلف عن كل الكلام التي كتبته سابقاً”.

وفي النهاية أريد أن أؤكد لك أيها القارئ العزيز أن هذا هو ما أعلنه لي الروح القدس بينما كنت ادرس كلمة الله عن الشفاء الجسدي. فقد أردت أن اعرف الحقيقة واكتشف مشيئة الله عن أمر الشفاء. لذلك وضعت بين يديك كثير من الإثباتات والبراهين من كلمة الله التي تؤكد على أن مشيئة الله هي شفاء الجميع – مثل خلاص جميع الناس. وليس ذلك وحسب، لكن الله يريد أن نعيش في صحة إلهية ونتمتع بحياة جيدة حتى اكتمال أيامنا هنا على الأرض.

لذلك أدعوك أن تفعل ما فعله أهل بيرية الذين عندما سمعوا بولس (أعظم المعلمين في ذلك الوقت) كانوا يفحصون ما يسمعونه منه في ضوء الكتب: “وَكَانَ يَهُودُ بِيرِيَّةَ أَشْرَفَ مِنْ يَهُودِ تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا كَلِمَةَ اللهِ بِرَغْبَةٍ شَدِيدَةٍ، وَأَخَذُوا يَدْرُسُونَ الْكِتَابَ يَوْمِيّاً لِيَتَأَكَّدُوا مِنْ صِحَّةِ التَّعْلِيمِ” (أعمال 17: 11).

حتى وإن كنت قد تعلَّمت من “بولس” هذه الأيام بأن الآب السماوي لا يزال يسمح بالمرض ليعلَّم أولاده. أو قد سمعت من أعظم معلمي الكتاب في يومنا هذا بأنه ربما تكون مشيئة الله هي شفاء البعض وربما يريد للبعض أن يظلوا كما هم. فإني أدعوك أن تفحص كل ما تسمعه في ضوء كلمة الله. وتتذكر دائماً بأن الروح القدس الموجود بداخلك يساعدك دوماً لتميز بين التعليم الصحيح والتعليم الخاطئ، هذا إن خضعت له وفتحت قلبك لتقبل إعلاناته.    

تذكر

– التفسير الخاطئ لشوكة بولس يُعد أكثر المعوقات شيوعاً والذي يعيق خدمة الشفاء. وقد ترك هذا الاعتقاد مرضى كثيرون على فراش المرض لا يعرفون كيف ينالون شفائهم، بسبب اعتقادهم بأن الرب قد رفض أن يشفي بولس.        

– في جميع المرات التي ذُكر فيها التعبير “شوكة في الجسد” لا توجد مرة واحدة – سواء في العهد القديم أو الجديد- قد جاء فيها هذا التعبير بالارتباط بالأمراض أو العلَّل الجسدية. بل كان دائماً يأتي بصورة تشبيهيه رمزية مشيراً إلى الاضطهاد والضيقات التي يمكن أن يواجهها شعب الله من شعوب أخرى.

– وفقاً لجميع الشواهد الكتابية التي سرد فيها بولس آلامه واضطهاداته التي واجهها، لم يذكر المرض أو السقم مرة واحدة باعتبارهما شيئاً قد عانى منه.

– لابد أن نفرَّق بين آلام المسيح الكفارية (عندما تألم من أمور ليحملها بدلاً منا حتى لا نحملها نحن)، وبين آلامه كمثال لنا حيث ينبغي أن نتبع خطواته.

– “جَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى.. يُضْطَهَدُونَ”. لم يقل الكتاب أنهم سيمرضون.

– إن كلمة الخلاص التي يكرز بها كل خادم للإنجيل لا تحتوي على الخلاص من الخطية والهلاك الأبدي فحسب، لكنها تحتوي في صميمها على الشفاء الجسدي باعتباره جزءًا لا يتجزأ من بركات الفداء التي جعلها الله متاحة في الفداء المقدم للجميع.

– بدون أجساد صحيحة لن يمكننا أن نخدم الرب أو نقوم بالعمل الذي أوكلنا عليه. لذلك يريدنا الله أن نعيش في أجساد صحيحة معافاة حتى يمكننا أن نمارس كل عمل صالح ونتمم مشيئته وخطته لحياتنا هنا على الأرض.

– لم يكن بولس ينوي أن يتكلم عن أمر شوكته إطلاقاً، بل وربما ندم لأنه تكلم وأفصح عنها. إنما تكلم بها ليدافع عن رسوليته أمام أهل كورنثوس، وليس بدافع من الروح القدس.

– كيف يمكننا أن ننحي جانباً كل هذه البراهين والإثباتات الكتابية عن موضوع الشفاء، لنتمسك بنص وحيد يتعلق بشوكة بولس والذي يتفق جميع علماء الكتاب المقدس أنه لا يوجد أي إثبات يشير ما إذا كان يتعلق بمرض أو شفاء؟

___________

نشرت بإذن من خدمات أف أف بوسورث FF Bosworth.    

جميع الحقوق محفوظة. ولموقع الحق المغير للحياة الحق في نشر هذه المقالات باللغة العربية.

 

Taken by permission from FF Bosworth Ministries. All rights reserved to Life Changing Truth.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$