حلقة: خطة الإنقاذ – الجزء 2
برنامج: من البداية للنهاية
لمشاهدة الحلقة على الفيس بوك أضغط هنا
لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب

لسماع الحلقة على الساوند كلاود
برنامج من البداية للنهاية
(راديو الحق المغير للحياة).
الحلقة السابعة عشر: خطة الانقاذ (الجزء الأول).
تنويه: العظة مكتوبة بـالذكاء الاصطناعي، لم تُراجع من خدمتنا بعد، إن وجدت أخطاءً في الكتابة تواصل معنا واذكرها لنا.
مقدمة: رحلة دراسية في كلمة الله
نسترجع الآن الخطة التي سرنا عليها في الفترة الماضية، وهي: قصة الله مع البشرية.
كأنه منذ البداية، أردنا أن نرى خطة الله وقلبه تجاهنا، وما هي خطته للأرض بشكل عام؟ وأنا كإنسان، ما هو دوري بشكل مخصوص؟ ما هو الأساس؟ هذا هو الـ(Basic)؛ كأننا نبني، ونحن نسير في هذه المحطات، نحن نبني، ونبني، ونواصل البناء، طوابق وبيوت فوق بعضها. فكأننا نضع الأساس الذي يُبنى عليه إيماننا وأساسنا في كل شيء.
مشينا في رحلات كثيرة، لو تتذكرون، كل محطة كنا نتحدث فيها عن اللعنة والبركة، وتكلمنا عن “النفليم”، وحكينا عن “بابل”، وكيف أنه منذ الأزل، كان قلب الله تجاه الإنسان، وماذا كان في قلبه نحوه، وماذا حدث كحقبة حصل فيها سقوط لإبليس، وبعدها سقوط للإنسان نفسه. وطبعًا، ما أعقب ذلك من ظهور “النفليم”. وابتدأنا نفهم أنه بسبب هذا، حدثت إبادة، خاصة للأطفال، لأنهم كانوا من نسل “النفليم”.
يعني، مشينا في سكة ورحلة كان كل واحد فينا محتاجًا أن يفهم أن له دورًا مهمًا جدًا. كيف أننا لم نكن مجرد نحكي قصصًا، أي أننا لا نقرأ الكتاب من سفر التكوين لمجرد القراءة، لكننا كنا كأننا نتفرج على قلب الله، وما هي خطته في الأرض منذ البداية؟ وهل كان هذا مهمًا لنا حقًا أن نفهمه، وأن نفهم الدور الذي علينا، وكيف أننا مهمون ومؤثرون جدًا هكذا، وأن لنا دورًا الآن وبعد ذلك؟
هذا مهم جدًا بالفعل. ونحن نسير في هذه المحطات والدراسة، نحن لا ندرس سفرًا أو شخصية معينة، لكننا تتبعنا أهم المحطات التي مرت بها الأرض. ما الفكرة من هذه الدراسة؟ لا يكفي أنني قبلت يسوع وأصبحت مُخلَّصًا، وأصبحت في وضعية أنني ذاهب إلى السماء، والله يسدد احتياجاتي، وانتهى الأمر عند هذا الحد.
زي ما أقول في أي أسرة مثلًا، لو هناك أسرة، لا يكفي أن الطفل يعرف أنه لو احتاج شيئًا، فإن أباه وأمه سيجلبانه له، وهو يلعب بألعابه، وانتهت الحياة على هذا. في وقت ما، هو يحتاج أن أباه وأمه يُطلعانه على ملفات مهمة في الحياة: كيف تتعامل في هذا الأمر، وكيف تتعامل في ذاك. فهذا هو ما نطلع عليه؛ نحن نرى تاريخ الأرض من وجهة نظر إلهية، فأنا أعرف الآن أين أنا في الخط الزمني الإلهي. متى بدأ الأمر؟ متى سينتهي؟ ما هي المحطات الموجودة؟ وأنا موجود أين؟ وإلا، إن لم أعرف هذا، سأبقى مجرد شخص وُلد من الله، يعيش فقط كل يوم بيومه، غير فاهم للخطة الإلهية.
قلب الله هو أن يُطلعنا على الملفات الضخمة والسرية. الموضوع لم يبدأ عندنا، الموضوع بدأ منذ زمن. ليس الأمر مجرد أنني وُلدت وخلاص. لا، أنا أريد أن أدخل في مجال الشغل والعمل. لن أعرف كيف أدخل في الشغل والعمل إن لم أكن أفهم هذه المبادئ الإلهية. لهذا السبب، سُجل هذا الكلام في الكتاب، ليس مجرد قصص. الله يُطلعنا على فكره، على غرضه، ماذا يريد أن يفعل؟ على ماذا ينوي؟ لو لم أكن أفهم هذا، سأعيش يومًا بيوم، كل يوم يعدي يسلم الذي بعده. لا، أنا فاهم إلى أين أنا ذاهب، وفهمت أساسي، من أين جئت أساسًا؟ ما علاقتي بالماضي؟ ما علاقتي بالناس الذين سبقوني؟ ثم سأكتشف أنني أصبحت جزءًا مهمًا جدًا في خطة الله الخاصة بالأرض، وليس فقط بالأرض، بل في الدهور الآتية أيضًا. أتكلم عن دهور قادمة سيُظهر الله من خلالنا مجده وعظمته. فهذا هو الغرض، أن أفهم أين موقعي، وأن لي دورًا، وأن الموضوع ليس فقط أن أمارس إيماني وتُسدد احتياجاتي، بل هناك عمل إلهي يريد الله أن يُدخلني إلى “مطبخه”، وكأني فيه.
هذا حقيقي. إذن، نتمنى أن نسمع أكثر عن الخلفيات، مثلًا في سفر التكوين، وعن المحطات الرائعة التي مشينا فيها الفترة الماضية.
استعراض المحطات الكبرى في خطة الله
سريعًا، تكلمنا في محطات ما قبل الأزل: ماذا كان الله يفعل في الأزل؟ ثم محطة خلق الملائكة استعدادًا لخلق الإنسان، لأن الغرض لدى الله هو خلق كائن يريد أن يعطيه حياته. ثم سقوط الملائكة، وخلق الأرض، وسقوط الملائكة. وبعد ذلك جاء الإنسان. اكتشفنا أن الأرض كانت قد صُنعت بطريقة رائعة وجميلة، لكن سقوط إبليس جعلها في وضعية من الخراب، لأنه حدث قضاء على الأرض في ذلك الوقت.
ثم يحاول إبليس أن يغوي الإنسان ليأخذه في صفه، وإبليس ليس مكتفيًا بهذا؛ هو يريد أن يضع ليس فقط أفكاره في الأرض كنظام عالمي، وهو نظام “بابل”، بل وضع نفسه أيضًا في أشخاص من خلال “النفليم”، وهو تجانس. أنا أعرف، ربما ما زالت هذه النقطة ثقيلة على البعض، أنه كيف يمكن لعالم الروح أن يتزاوج مع العالم المادي؟ ملائكة ساقطة تتزاوج مع البشر. أنا أعرف أن هذه النقطة لا تزال شائكة لدى البعض، ولهذا السبب نحن نقول إنها ليست مجرد معلومات؛ نحن نحتاج أن ندرس، وكأننا نشجع المشاهدين: ارجعوا وراء ما نقوله، وفتشوا الكتب فعلًا، ودوروا على هذا، افهموا فعلًا كيف كان إبليس يضع رجليه، يقلد الصورة التي كان الله يريدها للإنسان. وسنرى بصماته موجودة حتى الآن، كما سنرى بصمات الله بطريقة واضحة في خليقته.
إلى أن وصلنا، عبرنا إلى الإصحاحين ١٠ و١١، ووصلنا إلى “بابل” و”نمرود”، وكيف أسسها. وفي المقابل، هناك مدينة الله. هذا هو الأساس الذي يريد الرب أن يعمله؛ هو يريد أن يعمل مدينة، يريد أن يعمل العائلة الكبيرة هذه. وفي المقابل، عمل إبليس مدينة بابل، التي ما زلنا نرى أفكارها موجودة حتى الآن، وهي مدينة روحية.
ثم، اليوم سنتكلم أكثر، سندخل ونعبر من أواخر الإصحاح ١١ في سفر التكوين إلى الإصحاح ١٢. عامةً، سفر التكوين عبارة عن قسمين، سنتكلم فيهما.
*من الإصحاح ١ إلى ١١
قبل أن أتكلم، سفر التكوين لدى اليهود، الذين هم المتلقي الأساسي للعهد القديم – اشرح لنا هذا – الكتاب المقدس، العهد القديم، لم يُكتب لنا نحن، أوكي، لم نكن نحن المتلقي الأساسي. هو كُتب لأناس يهود في ذلك الوقت، هم المستقبلون. شعب إسرائيل في ذلك الوقت كان هو المتلقي الرئيسي والأساسي، فلازم أفهم بالخلفية بتاعتهم. هم عندهم نفس أسفارنا، ما فيش اختلاف، لكن هناك أسفار مدمجة مع بعضها، وتُقسم في ثلاثة (Scrolls) أو ثلاث لفافات. تُقسم لمصطلح يختصرونه في مصطلح اسمه “تَنَخ” أو “تَنَك”.
- التاء (ت): “توراة” (Torah)، وهي التي فيها أسفار موسى الخمسة، التعليم، التي نحن نقول عليها التوراة.
- النون (ن): “نبيئيم” (Nevi’im)، التي فيها أسفار الأنبياء. وعندهم أنبياء مبكرون ومتأخرون.
- الكاف (خ): آخر حاجة، “كِتوبيم” (Ketuvim) أو الكُتُب.
الرب يسوع نفسه استخدم هذا في إنجيل لوقا ٢٤، عندما تكلم مع التلاميذ وقال لهم هكذا: لكي يتم ما هو مكتوب عني في “ناموس موسى” (وهي التوراة)، و”الأنبياء” (وهي النبيئيم)، و”المزامير”. المزامير كانت هي بمثابة الواجهة للـ”كتوبيم”، وهي مجموعة أسفار وكُتب تشمل المزامير، ونشيد الأنشاد، وهكذا. فهذا هو التقسيم لدى اليهود، لكي نفهم الخلفية التي وراءهم، ولكي نبقى فاهمين، ونحن نقرأ، نبقى شايفين الصورة والخلفية التي وراء ما… كيف هم يفهمونها؟ كيف يرونها؟ لأن الأمر بدأ من عندهم.
فسفر تكوين من ١ إلى ١١ تكلمنا فيه وعرفنا المحطات التي فيه.
* من الإصحاح ١٢ إلى ٥٠
ثم من الإصحاح ١٢ إلى آخر إصحاح في سفر التكوين، يتناول عائلة معينة في الأرض، هي عائلة إبراهيم. يعني، بداية من أواخر الإصحاح ١١ وبداية ١٢، نبدأ مع إبراهيم. ثم في إصحاح ٢١، ندخل مع إسحاق. ثم في ٢٥، ندخل مع يعقوب. ثم في ٢٩، نبدأ بقى مع أولاد يعقوب، ومنهم يوسف، الذي له مركزية في جزء من السفر. هذا ما سنكمل الإبحار فيه، سنكمل فيه في الجزء القادم، بداية من قصة إبراهيم، وهذه محطة مهمة جدًا وفارقة في الأرض.
خطة الإنقاذ: لماذا احتاج الله إلى خطة؟
لو أردنا أن نفهم أكثر، لماذا اسم الحلقة بهذا الاسم؟ ما فكرة “خطة الإنقاذ”؟ هل كان الله فعلًا لديه خطة، ونحن اليوم نفصصها منذ البداية؟ هل عندما حدثت اللخبطة التي عملها إبليس، كان لدى الله تخطيط وفكر؟
الخطة بدأت منذ زمن، منذ أيام سقوط الإنسان، عندما تم إغواؤه من خلال الحية. تم إغواء حواء، لكن آدم لم يُغو. الكتاب، الرسول بولس، قال إن آدم لم يُغو، لكن حواء أُغويت. هذا معناه أن ما فعله آدم فيه تعمُّد، يعني شيء أشر. لهذا السبب، تُسمى “الخيانة العظمى”، لأنه سلم كل شيء.
الله منذ البداية أعد خطة. وفي تكوين ٣: ١٥ قال هكذا، ووعد بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية.
“١٥ وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ”.” تكوين ٣: ١٥.
من نفس هذه المرأة التي دخلت منها الخطية، والتي أغواها إبليس، من نفس مكان دخول الخطية، هو نفس المكان الذي سأُخرج منه المُخلِّص الذي سيُخلِّص ويقضي على الشيطان. فخطة الإنقاذ، الله يستكمل خطته.
* لماذا احتاج الله مدخلًا شرعيًا للأرض؟
الله يريد أن يدخل الأرض. لماذا يريد أن يدخل الأرض؟ أليست هي ملكه؟ فليدخلها! هل هناك شيء يمنعه مثلًا، أوقفه؟ ما فكرة دخوله؟ هناك ما يمنع الله فعلًا: كلمته. لأن الله إله رائع وملتزم جدًا بكلامه. فهو قال للإنسان: “أنت الذي ستمسك الأرض، أنا أعطيتك هذا المصنع، أنا أعطيتك هذا الإيجار، أنت تمسكه”. لا يصح أن أفرض عليك رأيي وأتدخل وألعب في شيء وهو تحت مسؤوليتك. فالله لا يصح أن يدخل في الأرض. الأرض ملكه، الكتاب يقول هكذا في مزمور ٢٤: “لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ، وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا.” (مزمور ٢٤: ١). هي ملكه، لكنه لا يستطيع أن يفعل معها شيئًا، لماذا؟ لأنه ملتزم، لأنه إله أمين، فملتزم بالكلمة التي قالها.
في مزمور ١٣٨، عندما كان داود يسبح الرب ويقول له: “أنا أحمدك، أنا أشكرك”، قال بعدها: “لأنك عظمت كلمتك على كل اسمك”.
“لأَنَّكَ قَدْ عَظَّمْتَ كَلِمَتَكَ عَلَى كُلِّ اسْمِكَ.” (مزمور ١٣٨: ٢).
معناه: يا رب، كلامك الذي تقوله هو بمثابة قوانين، وهي كأنها أعلى منك أنت نفسك. زي ما نحن نقول: “القانون”. هو نفسه لديه نوع من الاحترام لقانونه، نوع من الإخلاص للقانون. أنا قلت كلمة. في لغتنا الدارجة نقول: “فلان ده يُمسك من كلامه”، “فلان ده راجل في كلمته”، “فلان ده طالما قالها خلاص، كلمته سيف”. يعني هناك شخص كلمته سيف، لن يتراجع فيها. فالله، لأنه أمين، وبما أنها خرجت منه، فخلاص، تمت.
فالله لأنه أمين، لن يرجع ويقلب الموضوع ويتدخل غصبًا عن عين الإنسان، محاولةً لإنقاذ الإنسان في الأرض. لا، هو سيدخل بطريقة شرعية. فغرض الحلقة هو: “خطة الإنقاذ”. الله يبحث عن عائلة في الأرض تسمح له بالدخول إلى الأرض، لكي يجري هذه الخطة ويُخرج الإنسان من تحت قبضة إبليس، من تحت قبضة اللعنة، من تحت قبضة الموت، من تحت الظلمة التي بدأت تحيط بالأرض. الله يريد أن يُخرج الإنسان، ولكن لكي يدخل، لا بد أن يدخل من خلال الإنسان. لماذا؟ لأن المؤجر الذي أجر الله له الأرض، المستأجر آسف، الذي أجر الله له الأرض، هو إنسان. فلكي يدخل الله، لا بد أن يدخل من خلال الإنسان. لن يدخلها عنوة أو بالعنف.
* المسؤولية: استرداد السلطان المسلوب
هذا يرد أيضًا على الناس الذين يتساءلون: لماذا التعليم طوال الوقت يحمل الإنسان المسؤولية؟
نعم، هذا سؤال يأتي في بالنا دائمًا. لماذا؟ كان دائمًا فكر الإنسان أن الله هو المسؤول عن كل شيء. عندما نتكلم، نقول “الله هو المسؤول”. فالناس في كلماتنا دائمًا يحسون كأننا وضعنا الله على جنب وقلنا: “يلا بقى، أنت كل حاجة، إحنا…” طيب ما أنا… لا أعرف كيف أفعل هذا!
في الحقيقة، لأن الله أنهى دوره. هذا خبر حلو، ليس خبرًا عكسيًا. لأن الله أنهى دوره. أنا لست منتظرًا أن يفعل الله شيئًا يخصه، هو أنهى دوره، الدور الذي أنا لا أقدر أن أعمله. الذي أنا لا أقدر أن أعمله، وأعطاني دوري الذي أنا أعمله.
في الحقيقة، حالة عدم المسؤولية هي حالة الخطية. ما هي حالة الخطية؟ السلطان مسلوب من الإنسان، وهو مُجبر أن يكون تحت سيد قاسٍ هو إبليس، يفعل ما يمليه عليه. كما كان يقول الرسول بولس: “كنا نفعل شهوات جسدنا، نتبعها”، لم نكن نعرف، لأنه توجد طبيعة بداخلنا، وهناك شيطان يحركنا.
طبيعة البر هي رد السلطان للإنسان، فالإنسان يصبح مسؤولًا. لقد رُدَّ ما كان مسلوبًا، الذي كان إبليس يحاول أن يسلبه منا. الذي كان مأخوذًا من الإنسان فعلًا. فطبيعة المسؤولية هذه شيء رائع. عكسها هي الخطية. ببساطة، لو أنا لست مسؤولًا عن حياتي، لو لست مسؤولًا عن وقتي، لو لست مسؤولًا عن ظروفي، ليس الأمر مجرد كسل، بل هي غالبًا تنشأ نتيجة الكسل، أن شخصًا اعتاد طوال الوقت أن يُفعل له الشيء، فيقول: “أوكي، أنا لا أعرف كيف أعملها”، خلاص، هو يتركها من ناحية أنه يتواكل على الله. هو يتركها له. لكن طالما هناك أحد سينجزها، سينجزها.
الخبر الحلو: الله أنجزها، وأعطاك القوة. الله لم ينجزها ويتركك، لم يرمك في البحر ويسيبك، بل علمك العوم. هذه هي المسؤولية. هذه هي الروعة، أنني كبرت ابني مثلًا وعلمته كيف يتعامل. هذه هي الروعة، ألا يكون عمره ٢٠ سنة وما زال يعيش كطفل، يعيش على اللبن. هذه خطورة أن يربي أحد ابنه بهذه الطريقة، لدرجة أنه في أي شيء يقول: “ماما، أنا عايز أشرب ميه”، “بابا، أنا عايز أشرب ميه”. لا، هذا سيسبب إعاقة لو أن الله ربانا بهذه الطريقة. لقد رد لنا البر، رد لنا مسؤوليتنا، لكي نتعامل نحن مع الأرض.
منذ البداية، كان القانون: يا إنسان، تعامل مع الأرض، أخضع الأرض، سُد على الأرض، تسلط على الأرض. الله لن يغير غرضه، لن يغير قانونه. عندما سادت الخطية، أصبح الإنسان في وضعية الكسل، في وضعية السكون، وفي وضعية أنه لا يريد أن يفعل شيئًا بسبب الخطية. الله طوال الوقت يريد أن يرجع هذا، يريد أن يرجع الصورة الرائعة، يريد أن يتوج الإنسان ثانيًا، ويعيد له المسؤولية، ويعيد له السلطان أيضًا الذي كان مسلوبًا منه. هذا هو غرض الحلقة فعلًا. الله يريد أن يسترجع للإنسان، بدخول شرعي للأرض، من خلال وعد وعهد.
وعد وعهد. سنتكلم فيهما الآن، كيف سيدخل الله الأرض بهذه الطريقة، لأنه إله، كما قلنا، صالح، أمين، ملتزم بكلمته. هو ليس لصًا. الرب يسوع قال إن اللص هو الذي لا يدخل من الباب، الذي يدخل من مكان آخر غير الباب هو لص وسارق. هذا ما يفعله إبليس، وهذا ما حدث في الجنة عندما خدعت الحية حواء وآدم. لكن الله سيدخل بطريقة شرعية لينفذ خطة تكوين ٣: ١٥.
رائع. وهنا نحن توقفنا عند الإصحاح ١١، لنبدأ في الإصحاح الجميل الذي سنبدأ فيه اليوم.
البحث عن عائلة: اختيار إبرام
في بداية كلامك، وأنت تحكي، قلت إن الله يبحث عن عائلة. من هم هؤلاء الذين يبحث عنهم؟ كانوا رجلًا وامرأة. هذه العائلة التي نتحدث عنها، وأشجعكم، ستجدون الأمور التي تُقال في هذه الحلقة في سلسلة “الرب القريب”، لأننا سنشرح خلفيات يهودية ربما لم تُذكر في الكتاب بوضوح، لكن تمت الإشارة إليها سريعًا، وستُشرح في هذه الحلقة.
الله سيدخل، سيسلم ملفات. ملفات الخلاص هي ملفات ضخمة، بالضبط كما لو أن هناك عملية سرية في الجيش، مخفية عن الكل، ملفاتها سرية جدًا، فتُسلم لمجموعة معينة، قوات خاصة، ليذهبوا وينفذوها. فالله سيسلم ملفات ضخمة لهذه العائلة، وهي عائلة من؟ عائلة إبراهيم، التي بدأت بمن؟ بدأت بإبرام. دعونا نقول “إبرام”، لأنه هذا هو اسمه. معنى “إبرام” قوي جدًا.
* من هو إبرام هذا الذي ترك الله كل الناس وبحث عنه؟
إبرام ببساطة، عندما نرجع لآخر تكوين إصحاح ١١، يمكننا أن نقرأ هذه الآيات سريعًا. لقد أخبرنا في تكوين ١١، قبل أن نبدأ في ١٢، من هو. هو من نسل سام ابن نوح. مثلًا، العدد ٢٧:
“٢٧ وَهذِهِ مَوَالِيدُ تَارَحَ: وَلَدَ تَارَحُ أَبْرَامَ وَنَاحُورَ وَهَارَانَ. وَوَلَدَ هَارَانُ لُوطًا.” تكوين ١١: ٢٧.
فعرفنا أن أباه اسمه “تارح”. لو أكملنا لنرجع إلى نسبه، سنعرف أن جده اسمه “عابر”، حتى نصل إلى “سام” ابن نوح، لأن نوح كان يعتبر بداية عائلة جديدة للبشرية، لأن البشرية انتهت في زمن نوح بالطوفان الذي حدث ليقضي الله على الجنس الغريب الذي ظهر في الأرض، وهو “النفليم”. ثم بدأ نوح عائلة جديدة انحدر منها إبراهيم من عائلة سام.
“٢٨ وَمَاتَ هَارَانُ قَبْلَ تَارَحَ أَبِيهِ فِي أَرْضِ مِيلاَدِهِ فِي أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ. ٢٩ وَاتَّخَذَ أَبْرَامُ وَنَاحُورُ لأَنْفُسِهِمَا امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ امْرَأَةِ أَبْرَامَ سَارَايُ،… وَاسْمُ امْرَأَةِ نَاحُورَ مِلْكَةُ بِنْتُ هَارَانَ… ٣٠ وَكَانَتْ سَارَايُ عَاقِرًا لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ.” تكوين ١١: ٢٨-٣٠.
التعليقات التي يضعها الكتاب مهمة، لأنها ستتردد في مكان آخر لاحقًا. لا يجب أن نعبر على هذه الأسماء هكذا ونحن نقرأ. خاصة هذه الأسماء، سيكون لها شيء، لأنه سيتعامل معها لاحقًا. ونحن نكمل قصة الله، الله لا يحكي شيئًا عبثًا. كل كلمة نقرأها وكل جملة، الله يقصد بها أن يوصل لنا… كل حرف. الرب يسوع قال “كل نقطة”. عندما تكلم في العهد الجديد، مرة قال: “لن تسقط كلمة من الناموس”، ومرة قال: “حرف”، ومرة قال: “نقطة”. إذًا، لم يوضع حرف في الكلمة اعتباطًا. سنكتشف الآن من معاني أسماء “إبرام” و”ساراي”، ثم “إبراهيم” و”سارة”، أن وراءها شيئًا ضخمًا جدًا. كان لا بد أن يتغير الاسم لكي يستطيعا أن يكملا حياتهما.
“٣١ وَأَخَذَ تَارَحُ أَبْرَامَ ابْنَهُ، وَلُوطًا بْنَ هَارَانَ، ابْنَ ابْنِهِ، وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَأَةَ أَبْرَامَ ابْنِهِ، فَخَرَجُوا مَعًا مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى حَارَانَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ. ٣٢ وَكَانَتْ أَيَّامُ تَارَحَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسَ سِنِينَ. وَمَاتَ تَارَحُ فِي حَارَانَ.” تكوين ١١: ٣١-٣٢.
ببساطة، قصة إبرام، الجزء الذي لم يُذكر في الكتاب، لو رجعنا إلى يشوع ٢٤: ٢، نفهم أنهم لم يكونوا يعرفون الرب.
“…تَارَحَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ وَأَبَا نَاحُورَ، وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى.” يشوع ٢٤: ٢.
لقد كانوا يعبدون الأصنام في ذلك الوقت، والرسول بولس قال لنا إن عبادة الأصنام هي عبادة شياطين مباشرة في كورنثوس الأولى ١٠. “تارح” في الحقيقة كان له مكانة كبيرة في قصر “نمرود” في ذلك الوقت. نمرود كان هو… هذه منطقة بابل التي حكينا عنها في إصحاح ١٠ وإصحاح ١١. كان هو المتسيد والمتسلط في هذه المملكة، في هذه المنطقة. فكان لتارح مكانة كبيرة في قصر نمرود.
في يوم ميلاد إبرام – بَستر رامز كان قد شرح لنا هذه الخلفية – كان سحرة نمرود يتنبأون. كانوا في بيت تارح، أبيه، في ذلك الوقت، وتنبأوا ورأوا هكذا وهم يستطلعون النجوم، أنه سيولد ابن، وسيكون لهذا الابن أمة كبيرة وضخمة جدًا تحته. وعندما سمع نمرود هذه القصة، خاف طبعًا لأنه شعر بتهديد لملكه. فذهب وعرف أن تارح وُلد له ابن في ذلك اليوم، فقال له: “هات ابنك لأموته”. حدث شيء ما، تم تبديل إبرام، وأُنقذ بطريقة معجزية، ووُضع في مكان بعيد.
هناك، وهو صغير، بدأ يتساءل أسئلة، وهو لا يزال صغيرًا. لأنه كان كل من حوله يعبدون الأصنام والأوثان، ويعبدون نمرود، ويعبدون الشياطين في ذلك الوقت. حتى في المكان الذي أُخذ إليه. كانت كل الأرض هكذا، ما عدا المنطقة التي كانت خاصة بأخنوخ، والتي أخذها نوح بعد ذلك وسلمها لسام.
فهو صغير، كان يتساءل عندما كان يجلس ويتأمل في النجوم والكواكب والشمس: من وراء هذه الأشياء؟ أكيد ليست التماثيل التي نكلمها هي التي وراء هذه القوة الخارقة، التي تجعل القمر يطلع وبعده الشمس، في تعاقب، وبطريقة منظمة، وبطريقة غير مختلفة. فهناك قوة أعلى من هذه. كانت هذه هي البداية التي شدت إبرام ليتعرف على الله في ذلك الوقت، وبدأ الله كأنه يلقي “الصنارة” ويعرفه أكثر.
* قلب يبحث عن النور
كأن قلبه، وتدويره في الأمر… وهذا يفسر لنا لماذا اختار الرب إبرام وتعامل معه. بسبب قلبه. إن قلبه اشتاق لشيء، تمامًا كما أن قلب كرنيليوس جعل السماء تتحرك لأجله، فظهر له الملاك وقال له إن ما عمله في الأرض قد سُمع في السماء. قال له: “صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ تَذْكَارًا أَمَامَ اللهِ.” (أعمال الرسل ١٠: ٤). كأنها (Reminder) في موبايل يظهر كل شوية. “أنت فعلت شيئًا جذب السماء”.
فبدأ إبرام يتعلم من نوح ومن سام. رجع إلى البيت، حاول أن يكلم أباه، لدرجة أنه عمل شيئًا طريفًا مع أبيه. كان عندهم تماثيل في البيت، وتمثال كبير. فكسر التماثيل وترك الكبير. فعاد أبوه وسأله: “لماذا فعلت هذا؟”. طبعًا كانت هذه كارثة ضخمة أن تحدث في ذلك الوقت. (جدعون فقط عندما حاول أن يهدم المعابد، كانوا سيقتلونه). فقال له: “لا، لست أنا من فعل هذا، بل التمثال الكبير. لقد حدثت خناقة بين الآلهة، كل تمثال يمثل إلهًا معينًا أو روحًا شريرة، فحدثت خناقة بينهم، فالكبير كسرهم”. لم يصدق أبوه القصة. كان إبراهيم يريد أن يضع أباه في موقف: هل أنت مصدق فعلًا أن هذه أشياء حقيقية؟ أن هذه آلهة حقيقية؟ أن لها قوة حقيقية؟
ومن هنا، أُخذ إبراهيم وكاد أن يُلقى في أتون فعلًا، وأُنقذ بطريقة معجزية. وبدأ يخرج بعد ذلك، وبدأت دعوته. سأقرأ في أعمال الرسل إصحاح ٧. هذه القصة، الجزء غير المذكور في الكتاب، لكن عندما نرجع للمراجع اليهودية والأعراف اليهودية، نفهم ما وراء هذه الأجزاء. نحن نرجع ونفتش وندور لنفهم أنه لم يكن إنسانًا… يعني، ليس مجرد شخص مخصوص، اختاره الرب وقال له “تعال”. لكن كان هناك شيء استدعاه.
لم يكن شخصًا صالحًا منذ صغره، مولودًا في بيت مسيحي وفي دنيا كويسة، وكل الدنيا حوله كويسة. لا، هذا كان مولودًا داخل بيت الأصنام، وهو نفسه تعرض لاضطهاد شديد. أبوه هو نفسه الذي ذهب به إلى نمرود وقال له: “ابني كسر الآلهة”. فنمرود رماه في النار في ذلك الوقت. حدث تحدٍ بينه وبين نمرود، والناس جاءت تتفرج أن هناك شخصًا بدأ يتحدى نمرود ويقول له: “أنا أتبع إلهًا، مهما فعلت لن يمسني شيء”. ورُمي في أتون في ذلك الوقت، ونجا بطريقة معجزية. ثم بعد ذلك تحرك من “أور الكلدانيين”.
في أعمال الرسل ٧، يقول هكذا عن بداية دعوته، استفانوس كان يشرح. استفانوس سيقول لنا شيئًا لم يأتِ في سفر التكوين. النقطة التي سيقولها استفانوس هذه لن نجدها في سفر التكوين.
“٢ فَقَالَ: “أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ وَالآبَاءُ، اسْمَعُوا! ظَهَرَ إِلهُ الْمَجْدِ لأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ فِي مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، قَبْلَمَا سَكَنَ فِي حَارَانَ. ٣ وَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ، وَهَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ”.” (أعمال الرسل ٧: ٢-٣).
إذًا، حصل ظهور لإبراهيم وهو في بلده الأساسي، ما بين النهرين. لأن بداية إصحاح ١٢ من سفر التكوين تتكلم عن أن إبراهيم ذهب إلى “حاران”. الرب دعاه إلى كنعان. فأول دعوة جاءت، حصل ظهور له في بلده، “أور الكلدانيين”. هذا ما قاله استفانوس.
الشيء المهم هنا الذي نحتاج أن نفكر فيه: ما الذي يجعل شخصًا مستعدًا أن يترك كل شيء ويمشي إلى مكان لا يعرفه؟ يعني لو قلت لشخص: “اترك سكنك، اترك عائلتك، اترك بيتك، اترك كل ممتلكاتك (الممتلكات التي لا يمكن أخذها كالأراضي مثلًا)، اترك علاقاتك، واخرج”. ما الذي جعل إبراهيم يخرج، مع أن أمانه واستقراره يبدوان في هذه المنطقة؟ المكان الذي تربى فيه، المكان الذي عاش فيه، فيه كل عائلته، كل أرضه. ما الذي يجعله يخرج؟
ذكر استفانوس شيئًا مهمًا، قال: “ظَهَرَ إِلهُ الْمَجْدِ“. بمعنى أنه بمجرد أن يكتشف شخص مجد هذا الإله، وأنه شيء أعلى جدًا من الأرض، وأعلى من التوقعات البشرية، هذا ما تقابل معه إبراهيم. لقد تقابل مع إله أعلى من الآلهة التي كانت تُعبد في ذلك الوقت. بمجرد أن يتلامس الشخص مع هذه النقطة، يكون مستعدًا لترك كل شيء، لأنه اكتشف الأعلى، اكتشف الكبير جدًا. ليس مجرد أنه ظهر له أو رآه، بل أدرك شيئًا. لأن هناك أناسًا، يسوع لم يكن ظاهرًا معهم بجسده؟ الله ظاهر في جسد، موجود على الأرض، ولم يدركوه.
إنه اكتشاف نابع من شخص قلبه موجه: “أنا أريد أن أستنير، أنا أريد أن أعرف هذا الإله”. لدرجة أنه يسهل عليه أن يبيع أي شيء. في هذه الحالة، يسهل على الشخص أن يكون مستعدًا لترك أي شيء. هذا ما جعل موسى في يوم من الأيام يترك القصر. موسى، لك القصر، لك مكانة ضخمة، مكانة كبيرة! هل أي شخص عاقل يفعل ما تفعله؟ تنزل مع هذا الشعب، ستُضرب بالسياط على ظهرك، تصبح واحدًا منهم! ابقَ في القصر! ما الذي يجعل شخصًا يترك كل هذا، إن لم يكن قد رأى شيئًا أعلى جعله يتبع ويقول: “لا، أنا لا أريد هذا”، حتى لو سأضحي، حتى لو سأترك أشياء.
قال الكتاب عن إبراهيم: “ظَهَرَ إِلهُ الْمَجْدِ لأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ“. الرب يسوع علم وقال: “لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا.” يوحنا ١٤: ٢٧. عندما كان يتكلم عن السلام. إذًا، هناك شيء يعطيه العالم، الرب لم ينفِ هذه النقطة. العالم يعطي شيئًا، لكن ما يعطيه يسوع أعلى جدًا مما يعطيه العالم.
أتذكر مرة، بَستر رامز حكى لنا قصة عن شخص كان يتبع السحر ويستخدم قوى خارقة، وتقابل مع مؤمن مولود من الله، فقال له، بما معناه: “أنا سأسحر لك وسأفعل لك كذا”. فقال له المؤمن: “أنت لا تقدر أن تفعل معي شيئًا. القوة التي معي، الإله الذي أمشي معه، أعلى جدًا من أي شيء تحاول أن تستعمله”. لم ينبهر بالقوة التي عنده، لأن ما معه أعلى. عصا موسى أكلت… الكتاب لم يقل “ثعبان موسى”، بل قال “عصا موسى” ليظل يذكرنا بأنها مجرد عصا أكلت الثعابين.
إذًا، هناك شيء أعلى جدًا مع هذا الإله، جعل إبراهيم يقول: “أوكي، أنا مستعد أن أترك كل شيء، أنا مستعد أن أتبع، أنا مستعد أن أتخلى عن أي شيء بسبب اكتشافي لهذا المجد”. فالبداية كانت اكتشافًا للإله المجيد العظيم، للحياة التي هي أعلى من الطبيعة، فجعلت إبراهيم مستعدًا: “سأترك كل شيء، لا يفرق معي. سأخرج من أرضي، من بيتي، من عشيرتي، سأخرج حتى من عقليتهم، لأني مدعو لشيء أعلى”.
الرب أيضًا عندما قال له في تكوين ١٢: “اخرج من أرضك”، كنا قد تكلمنا فيها في “مدينتان”، بَستر رامز شرح هذه النقطة. قال إن هذه الآية في العبري يعلق عليها الـ(Rabbis) اليهود، وهم المعلمون اليهود، فيقولون إن الآية جاءت: “لِخْ لِخَا” (Lech Lecha)، بمعنى ليس مجرد “اخرج”، بل “اخرج لخيرك”. من أجل منفعتك يا إبراهيم، هذا المكان ليس مكانك، لا تكمل هنا. فكان الأمر… الرب دائمًا عندما يتكلم، يتكلم لصالح الإنسان. هو ليس لديه أجندة يريد أن ينفذها على حساب البشر. واو!
إنه ليس فقط ينفذ خطة الله، “أنا عندي خطة أريد أن أنفذها، فسأجلب هذا الإنسان لأستخدمه”، وهو يستفيد في المنتصف، لكن أن ندرك أننا فعلًا أدركنا من هو الله، والمجد الذي يريد الله أن يظهره لنا، وأن قلب الله لنا هو لخيرنا، لإنقاذنا، لحمايتنا، وأنك سترث كل ما أنت فيه وأعظم منه، وليس مجرد الأجزاء الصغيرة التي تريدها.
بينما أكتشف في البركة التي قيلت له، أشياء لم يكن إبراهيم ليتخيلها أبدًا، أنه يمكن أن يصير مؤثرًا في كل العالم، يصير مؤثرًا إلى الأبد، بطريقة في عالم الروح وفي العالم المادي أيضًا. هذا يعلمنا درسًا: عندما يتكلم الرب عن شيء في حياة شخص، المهم أن الشخص يتبع. إن جلست أتفاوض مع الرب وأقول: “لا، أنا لا أريد أن أترك هذه العلاقة” (الرب يقول لبعض الناس: اخرج من هذه العلاقة، اهرب، أنت تتدمر)، “اخرج من هذا الشيء الذي يمسكك كل شوية”. لخيرك! هذا لخيرك! اخرج من هذا الشيء الذي يعطلك. إن ظللت أساوم… إبراهيم جلس في حاران خمس سنين. واضح أنه لم يكن قصد الله أن يجلس خمس سنين. الرب كان يريد الرحلة مباشرة (Direct)، لكنه جلس في حاران خمس سنين.
* بالإيمان والطاعة: مفتاح الميراث
لكن على الأقل، هو خرج، أخذ الخطوة. وطاعته، يتكلم عنها في عبرانيين ١١ – وهذه هي الروعة – عندما يعلق الرسول بولس ويقول هكذا: “بِالإِيمَانِ…”. إذًا، الأمر تم. إبراهيم رأى المجد، ثم تصرف من خلال الإيمان. لأن الإيمان يتكلم عن شيء لا يزال غير مرئي. يعني، يأتي شخص ويقول لي: “أتعرف، أنت ستكون مؤثرًا بطريقة قوية. أتعرف، يوجد شفاء لجسدك”. أنا ربما لا أزال لا أرى هذا الشفاء، لا أرى هذا التأثير، لا أرى أن حالتي المادية يمكن أن تتحسن. ربما لا أزال لا أرى هذه الأشياء، فالأمر يحتاج إلى إيمان.
فيقول هكذا: “بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا،…” عبرانيين ١١: ٨.
وكأنه ربط الطاعة بالإيمان، والإيمان بالطاعة.
هذا حقيقي. ولكي يستمتع بهذا، كان لا بد أن يطيع، كان لا بد أن يسمع. لدرجة أنها جاءت في ترجمة من ترجمات الإنجليزي بطريقة جميلة جدًا، عندما تقول عنه: “…فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَأْتِي.”. جاءت هكذا: (He didn’t know or trouble his mind)، لم يكن يعرف إلى أين هو ذاهب، ولم يشغل ذهنه بالموضوع، لم يشغل دماغه به، لم “يعقلنه”.
هناك أناس من كثرة عقلنة الأمر، خاصة الأمور المعجزية، من كثرة ما يشغلون أدمغتهم بها، يوقفونها. بطرس عندما شغل دماغه في معجزة أنه يمشي على الماء، أوقف المعجزة وكاد أن يغرق، بسبب انشغاله: “كيف أنا أمشي على الماء؟ كيف أنا أتحدى قوانين طبيعية؟”. رغم أنه كان في عز المعجزة، وبدأها! هو بدأ معجزة فعلًا ومشى، الكتاب قال إنه مشى على الماء، لم يقع بمجرد أن نزل. لا، هو مشى مسافة فعلًا.
فالكتاب يقول عن إبراهيم إنه لم “يعقلن” الأمر، لم يقعد يشغل ذهنه. كأنه شخص يتعامل مع الكلمة كطفل. كلمة الله قالت كذا، إذن هي كذا. يتعامل بطفولية مع الكلمة. مجرد اكتشاف. أحيانًا نشغل أدمغتنا ليس لكي نكتشف الكلمة، بل لكي نقعد نقول: “كيف تمت؟ كيف لم تتم؟”. لكن كأنها اليوم دعوة لاكتشاف الكلمة. ابحث في الجواهر التي أعدها الله لك. لا توقف ذهنك ليكون هو الذي يعيق معجزتك، أو يعيق إيمانك، أو يعيق ما يريد الله أن تتحرك فيه.
هذا صحيح. على العكس، عندما يأتي ذهني ويسأل، أنا أرد على ذهني وأقول له… عندما يقول: “كيف سيحدث؟”، لأن الإيمان لا يسأل “كيف”. الإيمان لا يسأل “كيف” بطريقة تشكيكية. أوكي، الله قدير. هناك قوانين روحية أعلى من القوانين الطبيعية. هناك قوانين تقول إنه يمكن لأسوار مدينة أن تقع، إنه يمكن لبحر أن يُشق، إنه يمكن لكمية قليلة جدًا من الأكل، من السمك والخبز، أن تُشبع ٥٠٠٠ رجل ما عدا النساء والأطفال، ويفيض أيضًا ١٢ قفة. فما أسهل أن يقتنع الذهن. لكن عدم اقتناع الذهن يكون وراءه أرواح شريرة. الكتاب يقول إن الشيطان يحاول أن يعمل عمى على الأذهان، “أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ” كورنثوس الثانية ٤: ٤. هذا هو نظامه، حتى مع المؤمنين يستخدم هذا، أن يكون هناك عمى. شخص يريد أن يسأل عن الآلية (Mechanism): كيف تمت؟ أنت نفسك حتى الآن لا تفهم… أنا لا أفهم هذا الجهاز كيف يعمل مثلًا. لماذا؟ لأني لم أذهب لأدرس في المصنع كيف صُنع، كم شريحة بداخله، كم وصلة بداخله لكي يؤدي… كيف عندما أضغط على الزر يفعل كذا. أنا أستعمله، فأتعامل معه بتلقائية.
هكذا، بعد أن امتحنت الكلمة، تعامل معها بتلقائية الطفل. هذا ما سيأتي بنتيجة. مريم، أم يسوع، فهمت هذا السر، فذهبت وقالت للغلمان: “مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ.” يوحنا ٢: ٥. أي شيء يقوله يسوع، اعملوه. هي لم تكن تعرف ماذا سيحدث، لكنها كانت تعرف أن هناك مشكلة: “ليس لهم خمر”. مهما قال لكم فافعلوه. كان يمكن أن يضحكوا على يسوع. يسوع قال لهم: “املأوا الأجران ماءً”. هذه الأجران كانت للاغتسال، يعني أصلًا ماؤها ليس نظيفًا. ثم بعد ذلك، عرضهم يسوع لموقف أكثر خطورة: “قدموا”. وهم يعرفون ماذا يقدمون! يعني كان يمكن لأي أحد منهم أن يُشتم، أن تُقال له كلمة غير حلوة، أو يُقال: “هؤلاء يضحكون عليكم”. كانوا يمكن أن يخافوا. ويفاجأوا بأن المعجزة حدثت بسبب مريم، وبسبب طاعة الغلمان.
الكتاب يعلق تعليقًا: لم يكن أحد يعرف أن الخمر التي قُدمت… هي عصير عنب… التي قُدمت كانت هي ماء الأجران، إلا الخدام. هم فقط، لأن هذه جرأة غريبة، أنني أعرف أنني كأنني آخذ ماء غير نظيف ورايح أقدمه للناس على أنه خمر. وهم في وضعيتهم ليسوا أصحاب سيادة، بل غلمان، أناس يخدمون. يعني يمكن أن يُفعل بهم شيء يهينهم، أن يفعلوا شيئًا كهذا.
وعد البركة: بداية العهد مع إبرام
نرجع ثانيًا إلى تكوين ١٢. ما هو العهد الذي أعطاه الرب لإبراهيم؟ في العدد ٢، الرب لما دعاه، بعد أن دعاه للخروج، وكان في حاران في ذلك الوقت، قال له:
“٢ فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. ٣ وَأُبَARIKَ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ”.” تكوين ١٢: ٢-٣.
نحن نرى الله كأنه بكل قوة السماء بالكامل يتدخل لصالح هذا الشخص. لا أحد يقدر أن يقف أمامك. الذي سيتلامس معك يا إبراهيم، والذي سيحبك، مجرد أن يحبك عن بعد، سيتبارك بسببك. والذي سيفكر أن يقف ضدك، سيضع نفسه في وضعية لعنة. “لاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ“.
* معنى أن تكون بركة
“وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ.” يا إبراهيم، أنت كانت كل قصتك… وسنعرف هذا من اسم “إبرام”… كانت حياته كلها ستنتهي لو أنه أكمل في “أرام النهرين” أو “أور الكلدانيين”. كانت حياته ستنتهي هناك. الرب قال له: “أنا أريدك للعالم كله. أنا لا أريدك أن تكون كافيًا لهذه المنطقة فقط، أنا أريدك أن تصل إلى كل العالم”.
حتى معنى “إبرام”، كان اسمه يعني هكذا، مرتبطًا بمنطقة ميلاده. مثلما يكون اسم شخص مرتبطًا ببلد، فلان “المنفلوطي”، يخص بلدًا اسمه “منفلوط”. هذا هو اسم “إبرام”، وهو “أب-رام”، يعني “أب من أرام”، أو يخص أرض ميلاده “أرام”. و”أرام” تعني “مرتفع” أيضًا، فينفع أن يكون “أب مرتفع” أو “رفيع المستوى”، لكنه كان قاصرًا على جزئية بلده. الرب يريد أن يوسع جدًا، “أريد أن أصل بك إلى مكان لن تتخيله أبدًا”. هذا هو المجد، أن أصير مؤثرًا لمكان أبعد من حدودي التي أتخيلها.
فالرب بدأ معه بالبركة. وبدأ معه أيضًا بالتعامل مع احتياجه، لأنه في إصحاح ١١ لما قرأنا، الكتاب يقول عنه إن ساراي كانت عاقرًا. كان لديه مشكلة. ربما كان معه أشياء، لكن كانت عنده مشكلة. فالله إله عملي. الله، كما قلنا، ليس لديه أجندة يريد أن ينفذها على حساب الإنسان، بل أجندته هي لصالح الإنسان. فطوال الوقت هو يبحث عما يوقف الإنسان، ويتحرك فيه. كيف يبارك؟ كيف يساعده؟ كيف يسدد احتياجاته؟ كيف يفيض عليه بالبركة أكثر وأكثر؟ هذا هو قلب الله.
بعد ذلك قال له: “أنت ستكون مباركًا، أباركك، أعظم اسمك”. وسيكون اسمك… وهذا سنقرأه في سفر التكوين بعد ذلك، الناس كانت تأتي “تتلزق” في إبراهيم لكي تتبارك، يعملون معه عهودًا. مع أنه كان غريبًا على الأرض، شخص قادم من الخارج، ولم يكن يملك أي حصة في هذه الأرض، ما عدا المغارة التي اشتراها. سفر العبرانيين شرح لنا لماذا اشترى فقط مغارة وقت وفاة سارة. لكنهم كانوا يجرون… أهل المكان، الذين لهم سلطة ونفوذ، هم الذين كانوا يذهبون إلى إبراهيم ليعملوا معه عهد سلام، ليعملوا معه معاهدة، “لأنك عظيم جدًا، أنت كبير جدًا، فنريد أن نكون في عهد معك”.
* البركة: قوة للازدهار الخارق للطبيعة
ما معنى أن الرب باركه؟ ما معنى أن يكون شخص مباركًا كتابيًا؟ نحن تكلمنا أول مرة عن البركة في تكوين ١. أن يكون شخص مباركًا، أي أن يُمد بقوة ليكون مزدهرًا وناجحًا بطريقة خارقة للطبيعي. هذا معنى أن يكون شخص مباركًا. البركة ببساطة هي قوة – بَستر رامز أعطانا هذا التعريف الرائع – هي قوة للازدهار، قوة دافعة تجعل الشخص مثمرًا في أي شيء، أي شيء يُوضع فيه. هكذا اللعنة هي العكس، قوة لكنها تعمل بطريقة سلبية، للفشل. فالشيء يفسد، في كل الدوائر. فعلًا، تجد شخصًا يقول لك: “بظت في كل حاجة، كل حاجة باظت مرة واحدة”.
فالعكس بقى، الرب قال له: “لن يكون هناك شيء بايظ في حياتك يا إبراهيم. أنت ستكون مباركًا، وستكون بركة”. كلمة “تتبارك فيك جميع قبائل الأرض”، يعني الناس ستأتي “تتلزق” فيك لتأخذ البركة. الناس ستأتي وتقترب منك. جاءت بمعنى أنهم “سيباركون أنفسهم بك”، بمجرد أن يقترنوا بك، أن يرتبطوا بك. ليس أن إبراهيم سيذهب ويعطيهم شيئًا، بل هم سيجرون على إبراهيم ليسحبوا منه. يصير الشخص مصدرًا في ذلك الوقت.
وهذا معنى أن يكون الشخص مباركًا، أنه مصدر يعطي شيئًا للناس. أن يكون شخص مباركًا وناجحًا، البركة التي ليست مرتبطة بالأمور البشرية. التي هي لو شخص يعمل في التجارة، فمثلًا “أصل السوق نايم”، فبركته ستقف لو أن السوق نايم. قوة الإثمار ستقف لأن السوق نايم. أو لو شخص في منصب معين، مثلًا لا يزال في منصب صغير، فكأنه ليس مباركًا جدًا لأن منصبه لا يزال صغيرًا.
نحن رأينا يوسف. كان منصبه صغيرًا، لكن منصبه لم يحدد بركته. لدرجة أن الكتاب يقول إن سيده رأى أن الرب معه. بسبب أن فوطيفار، بمجرد أن دخل عليه يوسف، حصل شيء غريب، “أنا تباركت بطريقة غير عادية”. أكيد كان هناك خدم قبل يوسف، ليس يوسف أول شخص يدخل بيت رئيس الشرط. دخوله عمل شيئًا غريبًا في البيت. لدرجة أنه بدأ يسلمه، يوكله، يؤمنه.
إذًا، البركة ليست مرتبطة بـ “أصل أنا لست مباركًا لأني لا أزال موظفًا”. عندي أو ليس عندي، أو لست مديرًا مثلًا. إنها أعلى جدًا من حدود الوظيفة. ليس معنى أنني أعمل “أوفيس بوي” (Office Boy) كمثال، أو أعمل عملًا بسيطًا جدًا، أنني لست مباركًا. لأنها لا تحدد. يوسف ماذا كان في ذلك الوقت؟ كان خادمًا في البيت. لم يكن في منصب. فوطيفار بعد ذلك رقاه، فأصبح مديرًا فعلًا. بعد ذلك في السجن، ذهب وأصبح سجينًا، لكنه ترقى أيضًا. بركته لم تقف. البركة حتى وهو داخل السجن لم تقف. لدرجة أن السجان بدأ يوكله ويعينه على أمور أعلى، عينه على المساجين، لدرجة أنه هو الذي كان يشرف على رئيس السقاة ورئيس الخبازين بتوع فرعون.
ففي كل مكان، هناك شيء يجعله أعلى جدًا من الوضع الذي فيه الناس. شيء يجعل إنتاجيته زائدة جدًا، لأنه كان مدركًا: “أنا صرت مصدرًا”. يوسف كان فاهمًا أن الرب قال لجده إبراهيم: “أنت ستكون مباركًا، أنت بركة، الناس ستتلزق فيك، ستقترب منك لتسحب منك شيئًا بسبب ما أنت مُحمَّل به من البركة الإلهية”.
الله يريدنا أن نرى الأمور بهذه الطريقة، لأنه في العهد الجديد، تكلم الرسول بولس أننا نحن هذا النسل. نسل إبراهيم كف عن أن يكون مجرد نسل جسدي، بل أصبح نسلًا روحيًا، لأنه سلك بطريقة الإيمان التي قال الله عنها. هو “أبو الإيمان”. لهذا السبب، كل من يسلك بالإيمان، كما قال الرسول بولس، أصبح تحت إبراهيم، نصير تحت نسل إبراهيم، يُقال علينا “نسل إبراهيم”، ووارثون معه، ومشتركون في المسيح.
بلوطة مورا: مكان الاستنارة وكشف الخطة
“بلوطة مورا”، والتي اسمها بدقة هو “أَيْلُون مَوْرֶه”. كلمة “أور” (אור) في العبرية تعني “نور”، ومنها جاء لفظ “توراة” و”أور” و”مينورا” التي هي المنارة. بالتالي، الرب في هذا المكان تكلم مع إبراهيم. هذا المكان له مغزى، إذ من هذه المنطقة أراه جبلين: جبل البركات على الشمال وجبل عيبال على اليمين، وبدأ يكلمه عن البركات واللعنات. “أنت تقدر أن تمشي معي وتكون تابعًا لي”. وكان يتمشى، ولم يجلس في لحظة. عندما تأتي قصص في الكتاب المقدس وتقول إنه تكلم معه عند هذه البلوطة أو تلك الشجرة أو في هذه المنطقة، فهي منطقة نور خرجت للعالم من بعد الظلمة التي كانت تملأ الأرض.
الرب تكلم مع إبراهيم وقال له: “اخرج”. وبعد أن خرج، أخذ معه لوطًا عن طريق الخطأ، وهذا لم يكن طبيعيًا ولم يكن صحيحًا. بعد ذلك، تكلم معه الرب في منطقة وضع فيها نور كشفه الفكري، قائلًا: “أريدك أن تسود هنا على الأرض، وتمتلك الأرض، ومن خلالك تتبارك الأمم”. فبدأ يكشف له بـ “الأور” أو بالنور. فلفظ “بلوطة مورا” ليس واضحًا بقدر ما يعني أن “الاستنارة حدثت في هذا المكان“.
* ربط الأحداث: خطة الله للأمم ولشعبه
وما سيحدث – لكي تربط الأحداث، وسأعود إليها ثانيةً – سبع سنين الضيقة، بمن تختص؟ تختص بالأمم، “الجوييم”، الذين ابتعدوا عن الرب، ومنهم أناس صاروا مهجنين مع عالم الروح، ومنهم من هم أتباع لإبليس. ثانيًا، الخطة الأساسية لشعب الله هي أن يكون بركة للعالم. بمجرد أن بدأ شعب إبراهيم أو نسل إبراهيم يبتعد عن هذا، تم ردعهم عبر أمور كثيرة سنراها، وآخرها ستكون سبع سنين الضيقة، وكذلك الأمم.
إذًا، بدأ خطان في الأرض. بدأ نوع ثانٍ من البشر أو نوع ثانٍ من الشريحة والتقسيمة. كان هناك أمم “جوييم”، خرج منها “عابر”، الذي خرج منه إبراهيم. وبعد أن أخذ معه لوطًا، وكما نعرف القصة، ترك لوط إبراهيم واختار سدوم وعمورة، بدأ الرب يتحدث معه بتفاصيل أكثر بعد أن تركه لوط. إذ كانت هناك علاقات غير سليمة في حياة إبراهيم، كانت من ضمن أسباب تأخير معجزته في حياته. بالتالي، إبراهيم هو بداية شعب إسرائيل. ومنذ تلك اللحظة، بدأ الرب يتكلم بنور، وقال له: “توجد أيادٍ شيطانية في الأرض، ويوجد ردع لها وهي اللعنات، وتوجد أمور بركة أنا أعطيها لمن يسلك معي”. وبدأ يقول له: “اختر”. وكان ينزل ويتمشى بين هذا الجبل وذاك، يأخذ أيامًا ويعود ثانيًا. الموضوع لم يحدث في لحظة، ولا في يوم، ولا في ساعة، ولا في اثنتين.
أسئلة وإجابات: جذور إيمان إبرام
هناك الوسائل وهناك المصدر. المصدر الذي استقى منه إبراهيم الإيمان هو قلبه، أي رغبته في أن يعرف. لقد بدأ يفكر ويبحث: “أكيد ليست هذه الآلهة، ليست هذه الأصنام، ليست هذه الأشياء الواقفة التي أكلمها”. وهو ما يُذكر في سفر المزامير، الآية التي تتكرر كثيرًا: “لَهُمْ أَعْيُنٌ وَلاَ يُبْصِرُونَ. لَهُمْ آذَانٌ وَلاَ يَسْمَعُونَ. لَهُمْ أُنُوفٌ وَلاَ يَشُمُّونَ.” (مزمور ١١٥: ٥-٦). هي لا تفعل شيئًا. فبدأ يفكر.
* المصدر: قلب يبحث عن الحق
فالقلب، بمجرد أن يصبح القلب مخلصًا في هذه النقطة، “أنا أريد أن أعرف”، هذا ما قاله الرب يسوع: “طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ…” متى ٥: ٦، ماذا سيحدث لهم؟ “…لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ.”. هذا مبدأ كتابي.
الإنسان مصمم على أن يعرف، مصمم لأن الكتاب يقول إن الله وضع الأبدية في قلب الإنسان. ما يحدث هو نتيجة لأرواح شريرة، والإنسان يكمل في هذا الخط. لكن بمجرد أن تنشأ عنده تساؤلات ويبدأ في البحث عنها، يكون هذا كفيلًا بحدوث تدخل إلهي. كما تكلمنا عن كرنيليوس منذ قليل، رجل قلبه صالح، يتقي الله، ويصنع صدقات، لكنه لا يعرف. ظهر له ملاك وقال له: “ما فعلته هذا جذب السماء. سأعرفك كيف تخلص. اذهب إلى بيت سمعان الدباغ، ستجد واحدًا اسمه بطرس هناك، هو سيكلمك كلامًا به تخلص”. فالقلب هو المصدر.
* الوسيلة: تناقل الحق شفهيًا
أما الوسيلة، فكيف؟ الوسيلة هي أنه كان لا يزال هناك أناس في الأرض يتكلمون بالكلمة. التناقل في البداية كان شفهيًا. نحن نقول إن إبراهيم كان في منطقة لم يكن فيها أحد، لكن لا يزال النسل الصالح لآدم مستمرًا بطريقة صحيحة. سواء أخنوخ أو نوح. في قصة إبراهيم، عندما نرجع للأعراف اليهودية، نجد أنه ذهب إلى نوح وإلى سام وتعلم على أيديهما. فكانت هناك أمور شفهية يتم تناقلها، والتاريخ الذي حدث كان معروفًا. موسى بدأ يكتب لاحقًا، لكن ماذا عن الفترة التي سبقت كتابة موسى؟ كان يتم التناقل، شخص يحكي لآخر، الذي يحكي لآخر، وهكذا. آدم حكى لأولاده. نحن أحيانًا نأتي عند تكوين ٥ ونقرأ: “فلان مات، فلان مات”، فنعتقد أن القصة انتهت هنا وبدأنا جيلًا جديدًا من الصفر. لا، يعني إبراهيم عاصر سام. نعم، إبراهيم عاصر سام. عندما نتتبع الأعمار، نجد مثلًا أن يعقوب عاصر إبراهيم. الأعمار كانت طويلة وقتها. فهو يولد في فترة من عمر أبيه، فيعاصر أولاد أولاد أولاده مثلًا. فكان التناقل هو الوسيلة.
لكنني أريد أن أتكلم عن المصدر: هو قلب الشخص. في تسالونيكي الثانية، يتكلم الكتاب عن أناس “لم يقبلوا محبة الحق” (ترجمة أخرى: لم يحبوا الحق). لم يحبوه، ولهذا السبب أتاهم عمل الضلال. آسف، هذا شيء سيحدث مستقبلًا، أن يأتيهم عمل الضلال لأنهم لم يحبوا الحق. إن أحب شخص الحق بقلبه، فما أسهل أن تصل إليه السماء! الله كأنه “يتلكك” (يبحث عن أي سبب).
نعم، لأن الله يبحث عن أي فرصة ليصل إلى الإنسان، وألا يكون الإنسان تحت قبضة الخطية وإبليس. بالإضافة إلى ذلك، الإنسان مزروع بداخله جهاز استقبال (Receiver)، حتى وإن كان يتعب مع الوقت بسبب الظلمة التي يعيش فيها الإنسان، إلا أن هناك شيئًا يجذبه نحو الله. البصمات الإلهية التي لا تزال موجودة في الإنسان تجذبه نحو الله. لهذا السبب، عندما يتكلم الكتاب عن الجاهل، يقول: “قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلهٌ».” (مزمور ١٤: ١). لم يقل “في ذهنه”، لأنه لو “عقلنها”، لو جلس يفكر في الأمر بذهنه وعقله، سيكتشف أنه لا، أكيد هناك إله. أكيد هذا الإله موجود.
من هنا هو أمسك بالخيط. هذه بداية الخيط، أمسك بالنور، فتحركت السماء لأجله. ما وراء الأمر أساسًا هو أن الله كان ينتظر قلب الإنسان. وهذا ما نتحدث عنه في مدخل قصة إبرام: لماذا هو بالذات الذي استطاع الله أن يدخل إليه؟ استطاع الله أن يظهر له مجده.
* الإيمان والثقة الطفولية
وهناك شيء عكسي حدث، قلناه منذ قليل: ابن الله في جسد، يسوع، كان على الأرض، ولم يعرفوه! هذا هو الأمر الغريب، أن يكون هناك عمل لدرجة أن النور يكون موجودًا وشخص لا يرى النور. من الذي عرف يسوع؟ كما شرح لنا بَستر رامز كثيرًا: الناس الذين كانت قلوبهم قلوب أطفال. لهذا السبب قال الرب يسوع، وهو يتهلل: “أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ… لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ.” لوقا ١٠: ٢١. كان التلاميذ ببساطة يستقبلون الأمر، ببساطة يفتحون قلوبهم ليفهموا. ليس المقصود بالطفل أنه لا يفهم شيئًا على الإطلاق. لا، ليس طفلًا لا يفهم، لكن الطفل يتكلم عن الثقة. طفل واثق في أبيه، فلا يجلس “يعقلن” الأمر. “أنا واثق في أبي، أعرف أن أبي يحبني، لن يضرني مثلًا، لن يجلب لي مرضًا، لن يؤذيني. أنا مطمئن وأنام بالليل وأنا أعرف أن أبي لن يقوم ويرفع سكينًا ليؤذيني”. فالأمر يتكلم عن الثقة الطفولية التي تكون في الطفل، أنه يصدق أباه. دخول “الدوشة”، وهي “دوشة الخطية”، يجعل الإنسان يفكر في أمور غريبة، كأن المخ ليس مضبوطًا، “الماكينة ليست مضبوطة”. لهذا السبب، الميلاد الثاني وتجديد الذهن يعيدان ضبط “الماكينة” لتعمل بشكل صحيح. الذهن يبدأ يفكر صح، يرى صح، يتكلم صح. لهذا، من الطبيعي والسهل أن أعمل علاقة وشراكة مع الله.
مصادر القصة: فهم الخلفيات التاريخية
هناك سؤال ثانٍ جاءنا: “طيب، في خلفيات أخرى، من أين أتوا بتفاصيل إبرام والبيت والأصنام والخلفيات التي كانت قبله؟”
لأن هذه الأمور مسجلة. الأشياء التي نقولها هذه، يمكننا أن نضع المراجع في التعليقات. هذه الأمور مسجلة، فأي شخص يمكنه أن يطلع عليها. يمكن أن يكتب… مثلًا، أي شيء حدث في مصر تاريخيًا، هو مسجل في كتب، يمكنني أن أذهب وأستشهد به وأذكره، وهذا لا يعني أنني المالك أو الموثق له. فمن الطبيعي لو وجدت حضارات أخرى… مثلًا قصة الطوفان، نجدها في عدة حضارات. قصة نمرود في عدة حضارات، قصة الخلق في عدة حضارات. لكن مع مصداقية سفر التكوين، الاختلاف… عندما نقارن هذه الأشياء بما يُذكر في سفر التكوين، الاختلاف كبير جدًا. من ينظر من الخارج قد يحس أن هناك تشابهًا، لكن لا، الاختلاف كبير جدًا. ولكن هذا طبيعي، لأنها أحداث حقيقية حصلت وتم تدوينها وتسجيلها، فأصبح هناك مصدر يسجلها، فيمكن لأحد أن يأخذها من هنا أو من هناك. وهذا لا يعني أن الذي أخذها واقتبسها هو المؤلف لها. أوكي، لكنها مسجلة وموجودة. فهذا هو السبب في أننا قد نجدها في عدة أماكن.
تحليل النص الكتابي: أبعاد أعمق في دعوة إبرام
نعم، لقد أوضح لنا القس رامز نقطة مهمة جدًا في تكوين إصحاح ١٢، العدد ٦، كم هي مهمة هذه الجزئية:
“٦ وَاجْتَازَ أَبْرَامُ فِي الأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مَوْرَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الأَرْضِ. ٧ وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ. ٨ ثُمَّ نَقَلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ إِيل وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ، وَلَهُ بَيْتُ إِيلَ مِنَ الْمَغْرِبِ وَعَايُ مِنَ الْمَشْرِقِ. فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَدَعَا بِاسْمِ الرَّبِّ.” تكوين ١٢: ٦-٨.
* أهمية الأماكن والأسماء في الفكر العبري
تكلم القس رامز عن هذا المكان. ذكر الأماكن أو ذكر أسماء الأشخاص أيضًا ليس مذكورًا اعتباطًا في الكلمة، ليس مذكورًا هباءً، ليس مذكورًا فقط لزيادة المعلومات، لكي يكون الكتاب ممتلئًا ولا يكون فارغًا. نعم، كتاب “محشي” هكذا، ليس مجرد سطرين أو ثلاثة، بل يجب أن يكون كتابًا كبيرًا. كنا نعتقد هكذا قديمًا، لماذا هناك إصحاحات مليئة بالأسماء؟ كل شيء كُتب بغرض، لأن الكتاب كتبه “أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (بطرس الثانية ١: ٢١). والروح القدس لا يضع شيئًا عبثًا.
شرح لنا القس رامز أنه في الأزمنة القديمة، كل مكان كان يُسمى بقصد وهدف. وسنتكلم في هذا عن اللغة العبرية، كيف تتم التسمية فيها، وعلاقتها بحياة الشخص ومصيره. لم تكن التسمية… نحن الآن قد نسمي هذا الشيء “كوب” (Mug)، كلمة “كوب” لا تمت بصلة لهذا الكيان أو الشيء، هي مجرد كلمة متعارف عليها نقولها لنتعرف عليه. العبرية مختلفة عن ذلك. في العبرية، هناك اتصال بين الاسم والكائن. لهذا السبب، آدم، عندما وكّله الرب – وهو يعتبر ملك الأرض – وقال له: “سمِّ الحيوانات”، لم يكن آدم، كما يفهمها اليهود، مجرد يقول: “هذا أسد، هذا فيل، هذه زرافة، هذا غراب”. لم يكن يفعل ذلك، ليست هذه القصة. بل كان آدم يعطيها صفتها، يعطيها طبيعتها، لتكون كذلك. ليس مجرد إطلاق اسم، بل أنا أعطيها طبيعتها، لتفكر بالطريقة الفلانية، لتعمل الشيء الفلاني، لتتحرك بالشكل الفلاني، لتكون هكذا. فآدم… ليست قصة تسمية، لكنها قصة إعطاء شيء. فكل اسم كان له هدف وشكل ووظيفة وطريقة. كان هدف الله… لهذا السبب، العبرية لغة عميقة جدًا. ليس من فراغ أن الرب اختار هذه اللغة، اللغة العبرية، بسبب عمقها، لتُكتب بها الكلمة. هي عميقة جدًا.
لهذا السبب، في أوقات كثيرة، نرجع للترجمات واللغة العبرية نفسها: كيف قيلت هذه الجملة؟ بأي شكل؟ لنفهم ما المقصود منها بالضبط.
* “وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي الأَرْضِ”: سيادة الله في وجه المقاومة
هنا، أوضح القس رامز عن “بلوطة مورا”، في العبري “أيلون موريه”، أنها كانت مكان الاستنارة. الله تقابل مع إبراهيم في هذا المكان وأراه ما سيحدث، كشف له الخطة. أعطاه استنارة: “انظر يا إبراهيم، أريدك أن تسود الأرض. أنت جئت إلى هذا المكان، وصلت إلى كنعان، تعال أقول لك ما سيحدث”. وكان إبراهيم يذهب ويعود بين جبلين: جبل جرزيم وجبل عيبال. هذه الجبال سنقرأ عنها بعد ذلك، كيف أن موسى، رجل الله، عندما تكلم بشريعة البركة واللعنة، بعد ذلك كان يشوع يوقف شعبًا هنا وشعبًا هناك، ويتكلمون بالبركة ويتكلمون باللعنة. من يتبع الكلمة ستسري عليه هذه الأمور. فالرب كان يعرّف إبراهيم: “من يمشي معك ستسري عليه البركة التي قلتها لك، ومن يمشي ضد هذا، فهو يعمل في منهج اللعنة، وهي قوة للفشل في كل شيء”.
الكتاب يقول تعليقًا غريبًا في العدد ٦، آخر جملة، يقول إن إبرام وصل إلى شكيم، إلى بلوطة مورا، المكان الذي حصلت فيه الاستنارة، ويقول: “وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الأَرْضِ.”. ما قصة هذه الآية؟ هي تتكلم عن أن إبليس واضع سلطته في الأرض. الكنعانيون هؤلاء سنقرأ عنهم أنهم سبع شعوب، وأنواعهم، وكان فيهم “نفليم”. يريد أن يقول: “رغم أن إبليس واضع يده في الأرض، وسطوة إبليس في الأرض، يا إبراهيم، أنا سأعمل منك شيئًا ضخمًا وعظيمًا لدرجة أنك ستسود”. وجود الأعداء… إبراهيم لا يزال ذاهبًا بمفرده، كحامل للرسالة. لكنه هو الذي كان يحمل الرؤية. كان من الوارد أن يُصدم عندما يرى الكنعانيين الساكنين في الأرض، والأمور الصعبة التي كانت تُعمل في ذلك الوقت. فالكتاب قصد أن يذكر هذا ليقول: “على الرغم من وجود هؤلاء الناس، أنا سأصنع منك شيئًا ضخمًا. لا تخف منهم، أنت داخل لتعمل عملًا عظيمًا”.
استجابة إبرام: أولويات رجل الإيمان
إبراهيم أول شيء عمله – وهذه هي الروعة – بنى مذبحًا، بمجرد أن ظهر له الرب وكلمه.
* المذبح قبل الخيمة: إعلان الأولويات
المذبح يتكلم عن علاقة إبراهيم بهذا الإله، كم هو يحبه. درجة الأولوية عنده. لقد ذُكر المذبح قبل الخيمة. طبيعي أن الشخص لو ذهب إلى مكان جديد، أول شيء يفكر فيه: أين سأجلس؟ أين سأسكن؟ أين سأبيت؟ هذه أول شيء. هو كان مشغولًا بالعلاقة، لأنه فهم الدعوة. “أنا سأصل إلى كل الأرض من خلال علاقتي بهذا الإله”. فكانت الأولوية بالنسبة له هي العبادة. هو يفهم معنى العبادة، لهذا السبب يستنير الشخص أكثر وهو يعبد الرب.
لهذا، عندما نأتي ونسأل: ما هو أول شيء يأتي في بالك عندما تستيقظ في الصباح؟ هل يأتي بداخلك المذبح أم الخيمة؟ العلاقة مع الرب أم شيء آخر؟ لمن انضبطت أولوياته، ستنضبط كل أموره. هذه من الأمور المهمة التي… كل واحد منا، اسأل نفسك، أنت، هل هذا أول شيء تفتح عينيك عليه؟ أول شيء يأتي في ذهنك، ما هو؟ هل هو أن تقيم علاقة، “تصبح على الرب”؟ أم ماذا تتذكر؟ الأولويات الأخرى عندك تحدد الأولويات في كل شيء. لدى إبراهيم، الأولوية كانت المذبح، أي علاقتي بهذا الإله. لهذا السبب، ليس من فراغ أن إشعياء سماه “حبيب الله” أو “خليل الله”. دخل في علاقة غرام مع هذا الإله، فكشف الله له قلبه.
بعد ذلك، يقول الكتاب إنه نصب خيمته. مع أنها أرض الرب قد ظهر له للتو وقال له في العدد ٧: “لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ“. كان من السهل على إبراهيم أن يبني شيئًا ثابتًا يؤكد أن هذه الأرض ملكه. لا، بل تعامل بمبدأ الخيمة، مبدأ: “أوكي، أنا نزيل على الأرض، أنا جئت لأؤدي مهمة على الأرض. أنا لست مرتبطًا بشيء في العالم”. هكذا، إن تعاملت بهذه العقلية التي قالها الرسول بولس: “كنزلاء وغرباء”، أنا أتعامل… نعم، أنا أؤثر في العالم، لكنني لست “شاربًا منه”، لست آخذًا من العالم الاضطراب الذي فيه والفشل الذي فيه. أنزل إلى العالم لأساعد العالم.
الشيء الثابت لدى إبراهيم كان هو المذبح، فالمذبح يُبنى من حجارة، وإبراهيم لو تحرك لن يأخذ الحجارة معه، فهو يترك مذبحًا، يترك أثرًا وراءه. لكي عندما يمر شخص ويسأل: “من كان هنا؟ ما هذا المذبح؟ إله من هذا؟”، سيقال – وسنعرف ماذا كان يفعل إبراهيم مع الناس الموجودين – “كان هناك شخص اسمه إبراهيم هنا يعبد إله السماء والأرض”. لكن الخيمة متنقلة، يفكها وينصبها، يفكها وينصبها. فالثابت في حياته هو علاقته بالله. أما بالنسبة لعلاقته بالعالم، فأنا أعيش حياة “غرباء ونزلاء”، كما قال الرسول بطرس. أعيش هذه الحياة. ليس معنى هذا اعتزالًا عن العالم، ليس اعتزالًا، لكنه اعتزال داخلي، ألا أتلوث به، ألا أنبهر بشيء فيه لدرجة أني أُؤخذ ويسبب سحبي بعيدًا عن علاقتي بالله. أنا فاهم الهدف، أنا فاهم غرضي.
* “وَدَعَا بِاسْمِ الرَّبِّ”: حياة الكرازة والشهادة
كما يقول في الجزء الأخير: “…وَدَعَا بِاسْمِ الرَّبِّ.”. دعا باسم الرب يعني… أنا قديمًا كنت أعتقد وأنا أقرأ القصة أنه كان يلف وكل فترة يعمل مذبحًا وخيمة. لا، “دَعَا بِاسْمِ الرَّبِّ“، هذا الرجل كان يكرز! كان يتكلم عن الله، كان فاهمًا الغرض، وذاهبًا وسط أناس كلهم شر. كان يتكلم عن الله ويشهد عن هذا الإله الذي يمشي معه، الإله الذي يتبعه.
لدى اليهود، يؤمنون أنه كان مضيافًا جدًا – رأينا هذا عندما جاءت الملائكة وزارته – فكانوا يؤمنون أنه كان يقيم ولائم كبيرة جدًا، ويأتي الناس ليأكلوا، يستضيفهم، وبعد ذلك يتكلم معهم: “أتعرفون هذا الأكل الذي عندي من أين؟ أتعرفون من وهبني القوة؟ من وهبني أن أجلب هذه الأشياء؟ إله الكون الذي أمشي معه”. ويبدأ يستغل أي فرصة، هو وزوجته كانا يفعلان ذلك.
أنا موجود في هذا العمل لأوصل شيئًا. أنا موجود في هذا البيت لأوصل شيئًا. بدلًا من أن أشتكي وأقول: “لماذا أنا موجود في البيت الفلاني؟ أو في العمل الفلاني؟”، أنا أبدأ أفكر بمنهج مختلف: “أنا مبارك، فأنا موجود في هذا المكان لأعمل شيئًا”. إبراهيم فكر هكذا: “أنا موجود في هذه الأرض، وأستغل الفرصة لأعمل شيئًا”.
العهد الإلهي: شراكة مختومة بالدم
لقد رأينا الوعد الذي تكلم به الرب. الآن، سيدخل الرب معه في عهد. في تكوين ١٥، سنقرأ هذه الآيات لأنها آيات مهمة. من العدد الثامن، يتكلم إبرام مع الرب:
“٨ فَقَالَ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، بِمَاذَا أَعْلَمُ أَنِّي أَرِثُهَا؟». ٩ فَقَالَ لَهُ: «خُذْ لِي عِجْلَةً ثُلاَثِيَّةً، وَعَنْزَةً ثُلاَثِيَّةً، وَكَبْشًا ثُلاَثِيًّا، وَيَمَامَةً وَحَمَامَةً». ١٠ فَأَخَذَ هذِهِ كُلَّهَا وَشَقَّهَا مِنَ الْوَسَطِ، وَجَعَلَ شِقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مُقَابِلَ صَاحِبِهِ. وَأَمَّا الطَّيْرُ فَلَمْ يَشُقَّهُ. ١١ فَنَزَلَتِ الْجَوَارِحُ عَلَى الْجُثَثِ، وَكَانَ أَبْرَامُ يَزْجُرُهَا. ١٢ وَلَمَّا صَارَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ، وَقَعَ عَلَى أَبْرَامَ سُبَاتٌ، وَإِذَا رُعْبَةٌ مُظْلِمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ. ١٣ فَقَالَ لأَبْرَامَ: «اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ، وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ. فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ. ١٤ ثُمَّ الأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا، وَبَعْدَ ذلِكَ يَخْرُجُونَ بِأَمْلاَكٍ جَزِيلَةٍ. ١٥ وَأَمَّا أَنْتَ فَتَمْضِي إِلَى آبَائِكَ بِسَلاَمٍ، وَتُدْفَنُ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ. ١٦ وَفِي الْجِيلِ الرَّابعِ يَرْجِعُونَ إِلَى ههُنَا، لأَنَّ ذَنْبَ الأَمُورِيِّينَ لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلاً». ١٧ ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ وَصَارَتِ الْعَتَمَةُ، وَإِذَا تَنُّورُ دُخَانٍ وَمِصْبَاحُ نَارٍ يَجُوزُ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَعِ. ١٨ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ».” تكوين ١٥: ٨-١٨.
ببساطة، ما الذي حدث؟ ما معنى “العهد”؟ لو أردنا أن نفهم أكثر، العهد ببساطة هو دخول في شراكة مع شخص لإتمام غرض معين. فبالنسبة لله، هو سيدخل في شراكة مع الإنسان، سيعطي وعودًا هو ملتزم بها، وهكذا الإنسان سيعطي وعودًا هو ملتزم بها، من أجل إتمام غرض معين.
* طقوس العهد القديم: معنى الذبائح المقطوعة
كانت العهود في ذلك الوقت تتم بهذه الطريقة التي رأيناها للتو. كانوا يحضرون الحيوانات وتُقسم نصفين. عندما نقرأ سفر إرميا، يتكلمنا في إرميا إصحاح ٣٤ وعدد ١٨ عن كيفية إتمام العهود في ذلك الوقت. فكانوا يقسمون الحيوانات نصفين، ويأتي الشخصان المتعاهدان ويمشيان كلاهما في المنتصف، وسط الحيوانات المشقوقة من هذه الناحية وتلك. وبينما هما يمشيان، يكون لذلك مراسم معينة، ويبدأ كل واحد منهما يتلو التزاماته: “أنا سأفعل كذا تجاهك”.
كأنها ارتباط، كأنها زواج، فكل واحد يقول عهوده. ما قصة قطع الحيوانات؟ هي اعتراف منهم بأن “أنا مستعد أن أموت ويُفعل بي كما فُعل بهذه الحيوانات إن لم ألتزم بوعدي”. فأنا أضع حياتي على المحك. لهذا السبب، قصة العهد هذه قصة كبيرة وضخمة، ليست أمرًا هينًا، ليست مجرد التزام عادي مثل “سأقابلك الساعة كذا”، فإن لم تأتِ فلا مشكلة، تقول “آسف” وينتهي الأمر. هذه لا يوجد فيها “آسف”. هذا أمر يقول فيه الشخص وهو يعبر وسط الحيوانات المشقوقة: “أنا مستعد أن أموت في سبيل أن أحافظ على عهدي معك، في سبيل أن أحافظ على ما سأقوله لك”. وبعدها كانوا يتبادلون أشياء ذات قيمة معينة، هذا يعطي الآخر خاتمًا، وذاك يعطيه عصاه التي لها قيمة، أو العباءة التي يلبسها، وهكذا.
* عهد من طرف واحد: التزام الله المطلق
لكن الكتاب هنا يقول شيئًا غريبًا: إن إبراهيم كان خارج الموضوع! المفروض أن إبراهيم هو الذي يدخل في عهد مع الله، لكن إبراهيم كان خارج الموضوع، إبراهيم لم يعبر. المفروض أن الله يعبر من ناحية، وإبراهيم من ناحية أخرى، لكن الكتاب لم يقل إن إبراهيم عبر. كان إبراهيم يتفرج على شيء غريب: الله يصنع العهد، وكأنه يصنعه مع نفسه لأجل إبراهيم. كان يقول له: “أنت لست ملزمًا تجاهي يا إبراهيم، أنا سأنجز كل شيء”. التزام إبراهيم هو أن يمشي معه، لكن “أنت لا تملك شيئًا لتعطيه لي”. لأنني غالبًا عندما أعمل عهدًا، يكون لدي شيء وأنت لديك شيء، أنا عندي شيء أحتاجه منك، وأنت عندك شيء تحتاجينه مني، فسنعقد اتفاقية بيننا فيها مصلحة مشتركة. أنت ستعطيني شيئًا وأنا سأعطيكِ شيئًا، “هات وخذ”.
لكن شكل العهد الذي عمله الله مختلف تمامًا، لدرجة أنه كأنه يعمله مع نفسه، وإبراهيم خارج الموضوع. يقول الكتاب في العدد ١٧: “…وَإِذَا تَنُّورُ دُخَانٍ وَمِصْبَاحُ نَارٍ يَجُوزُ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَعِ.”. هذا هو الحضور الإلهي الذي كان يعمل في ذلك الوقت. فعندما بدأ إبراهيم يرى هذا، رأى – كما شرح لنا القس رامز – علامة اللانهاية (∞) وهي تُصنع في صورة آثار أقدام، كأن شخصًا يتمشى. كان الله يُلزم نفسه: “أنا أُلزم نفسي بك يا إبراهيم، أنا أُلزم نفسي بالبشرية، أنا أُلزم نفسي بكل من سيأتي من نسلك، بكل شخص ستصل إليه يا إبراهيم”.
وليس على حساب إبراهيم، إبراهيم لن يفعل أي شيء. هو فقط واقف. ضخامة الأمر أن إبراهيم كأنه لم يدخل في الموضوع، جاءه الأمر “على الجاهز”. “أنت فقط ادخل على الأمر الجاهز، أنت لا تملك شيئًا لتعطيه لي، أنا عندي ما سأعطيك، أنا عندي الكثير أريد أن أعطيك”. فالله التزم. كان الأمر كشراكة بين اثنين، أنت معك أموال وأنا معي أموال، لكن الله قال: “أنا سأدفع كل الأموال، وأنت فقط تعال بالاسم، اشترك معي بالاسم”. فالله حمل كل هذا. كانت حاجة ضخمة جدًا، وإبراهيم جالس يتفرج ورأى مصباح النار وهو يتمشى وسط الحيوانات المقطوعة، وبدأ الرب – كما كانوا يفعلون في العهد – يتكلم وقال له: “اسمع بقى، سأقول لك عن التزامي تجاهك، وسأقول لك عن المستقبل أيضًا فيما يخص شعبك، وكم سأكون ملتزمًا معهم”.
* مقاومة العهد: الطيور الجارحة والأرواح الشريرة
لماذا وضع الكتاب تعليقًا عن الطيور الجوارح التي كانت تريد أن تأتي وتأخذ الجثث؟ لأن هذه لم تكن مجرد طيور عادية، بل كانت أرواحًا شريرة تريد أن تفسد العهد. إبليس يرى الله يصنع شيئًا ضخمًا في الأرض. كانت المعاهدات مع الأرواح الشريرة تتم بطريقة مماثلة، فنسمع عن شخص يعمل عهد دم مع الشيطان، أو يذهب لساحر فيقول له: “أحضر لي شيئًا من أثر الشخص”، وهناك أمور فيها ذبائح دموية. إبليس يرى شيئًا ضخمًا يُصنع في الأرض، الله يتدخل في الأرض، أصبح هناك شخص في الأرض يفتح المجال لله ليتدخل. هو يرى الله يفعل شيئًا في الأرض، فيريد أن يوقفه.
لأن الرب يسوع حكى لنا في مثل الزارع أن الطيور التي جاءت لتخطف البذار هي إبليس. عندما شرح المثل، قال إن البذار التي وقعت على الطريق، جاءت طيور السماء وأخذتها. ثم بدأ يشرح: الزارع هو ابن الإنسان، والبذار هي كلمة الله. أما الطيور، فقال إنها الشيطان الذي يأتي ليخطف الكلمة. فالشيطان هنا كان يريد أن يفسد هذا الأمر. لهذا السبب، كان إبراهيم واقفًا يحمي الأمر، كان يزجرها. كأنه يقول: “أنا سأحافظ على هذا الأمر، سأحافظ على ما يفعله الله تجاهي، لن أفسده، لن ألعب فيه”. في هذا تظهر روعة قلب إبراهيم. لم يتغافل عن شيء، كان يمكن أن يتركهم قليلًا، ماذا سيحدث لهم؟ لكنه كان دقيقًا، كل شيء كان محسوبًا.
“حِسِدْ”: فهم محبة الله الملتزمة
هذا الجزء فهموه كشعب، أن هذا الإله أعلن عن نفسه بداية من إبراهيم، ورأوا في الله هذا الأمر الذي بدأ الله يقوله عن نفسه في خروج ٣٤: ٦، عندما اجتاز الرب قدام موسى ونادى، الرب نفسه هو الذي بدأ يتكلم ويقول لموسى من هو:
“٦… «الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ.” خروج ٣٤: ٦.
كلمة “كَثِيرُ الإِحْسَانِ” هذه، تُستخدم كثيرًا عندنا بمعانٍ مختلفة في العربية، مرة تأتي “رحمة”، مرة “نعمة”. هي في العبرية، كما شرح لنا القس رامز، كلمة “حِسِدْ” (Hesed). عندما يقول داود مثلًا: “إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي” (مزمور ٢٣: ٦)، هذه هي “حِسِدْ”. هذه الكلمة معقدة جدًا في العبرية لدرجة أن شرحها يأخذ جُملًا. من معانيها: “المحبة الملتزمة”، “المحبة المخلصة”، المحبة التي يحفظ فيها الشخص العهد بولاء شديد جدًا، نابع من اهتمام شخصي، وهي محبة غير مشروطة. “أنا سأحبك حتى من غير شروط”، كما أن إبراهيم لم يتدخل بشيء، “أنا سأحبك بالرغم من أنك لم تعطني شيئًا أو تفعل شيئًا تجاهي”. هي ليست مربوطة بحالة الشخص. “أنا ملتزم تجاهك مهما كانت حالتك”. هذه هي شخصية الله، فيها الصلاح واللطف وكل شيء.
فالله أعلن عن نفسه بهذا، ففهموا التزام الله، أن هذا الإله أصبح ملتزمًا بهم. فبدأوا طوال الوقت يتغنون بها، مثلًا في مزمور ١٣٦، ٢٦ مرة يقولون: “احْمَدُوا الرَّبَّ… لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ.”. ما هي “رحمته”؟ هي “حِسِدْ” هذه. “إنه ملتزم بنا”.
* إله يلتزم… وآلهة تتطلب الالتزام
لأول مرة يُرى إله يلتزم بالذين يعبدونه، يلتزم بشعبه. العكس كان يحدث مع آلهة الأمم. الأمم هي التي كانت تلتزم تجاه آلهتها. لكي أعبد إلهًا، أنا الذي أكرمه، وأنا الذي أبني له معبدًا، وأنا الذي أحضر له أشياء وأقدمها له، فإن وافق، وافق، وإن لم يوافق… كنت أفعل شيئًا في محاولة إرضائه.
مثلًا، في أيام إيليا، عبادة البعل التي دخلت، كان هناك كذا نوع من “البعل” (ومعناها “رب”). كان هناك بعل خاص بالحكمة، وبعل خاص بالحرب. تمامًا كما ذهب الرسول بولس إلى أثينا ورأى أن لكل شيء إلهًا: إله للبر، إله للمطر، إله للخصوبة، وهكذا. فكانوا إذا أرادوا أن تمطر السماء، يذهبون إلى بعل المطر والخصوبة ليرضوه. إذا أرادوا رياحًا، يذهبون إلى بعل الرياح. إذا أرادوا حكمة في أمر، يذهبون إليه ويقدمون له شيئًا. كانت هذه هي الطريقة، فكانوا ملتزمين تجاه آلهتهم.
لدرجة أنه عندما تحداهم إيليا، ولكي يجعلوا البعل يستجيب، عندما قدموا الذبيحة وأعادوا وزادوا في الكلام ولم تكن هناك نتيجة، قال الكتاب إنهم بدأوا يقطعون أنفسهم وينزلون دمًا، في محاولة لاسترضاء هذه الآلهة، التي هي شياطين في الأساس. فكانت هذه هي طبيعة العبادة في الأمم: الإنسان يحاول أن يستدر عطف الآلهة لتعمل معه شيئًا، لتعطيه شيئًا. فكانوا مثلًا يمارسون عبادات فيها شذوذ، ويصل الأمر بشخص أن يقدم ابنه. رأينا ملوكًا من بني إسرائيل قدموا أطفالهم. شخص مستعد أن يقدم ابنه! لهذه الدرجة أنت مستعد أن تقدم ابنك من أجل هذا الإله ليفعل معك هذا الشيء؟
أما إلهنا، فكان عكس ذلك تمامًا. وجدناه هو الذي يأخذ المبادرة، هو الذي يقول: “أنا ملتزم بكم”.
* أصداء “حِسِدْ” في العهد القديم
يعقوب كان فاهمًا هذا، فعندما قال: “صَغِيرٌ أَنَا عَنْ جَمِيعِ أَلْطَافِكَ…” تكوين ٣٢: ١٠، كلمة “ألطافك” هي “حِسِدْ” في العبرية. هو فاهم أنه كان يعيش بوعد من ٢٠ سنة، وقال للرب: “يا رب، أنت لو أعطيتني طعامًا لآكل وملبسًا لألبس، أنا سأعطيك العشور وسألتزم تجاهك”. الرب عمل معه أكثر من ذلك، وهو لم يلتزم. فشعر بأنه مقصر، “أنا لا أستحق”. (أنا أتكلم بعقلية العهد القديم). لكنه كان فاهمًا أن هذا الإله لديه التزام تجاه الناس الذين يحبهم، حتى لو كانوا يخطئون ويقعون.
وهكذا يهوشافاط، وهو خارج للحرب، عندما كان يصلي قال: “ليس فينا قوة يا رب، لكن نحوك أعيننا”. (هذه كانت حالة العهد القديم، لكن في العهد الجديد، القوة صارت فينا بالروح القدس). كان يقول للرب: “نحن نتذكر التزامك تجاهنا”. فوضع مُغنين أمام الجيش، أول صف كانوا كهنة يغنون ويسبحون، والأغنية التي كانوا يقولونها هي نفسها من مزمور ١٣٦: “احْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ.”. كانوا يكررونها، فاهمين عمق أن هذا الإله ألزم نفسه بهم وأصبح في صفهم، فمن المستحيل أن نُغلب. “نحن نسل إبراهيم الذي قيل له إنه مبارك، وقيل له في سفر التثنية إنك ستكون رأسًا لا ذنبًا”.
كانوا يذكرون أنفسهم بالتزام الله تجاههم. موسى وهو يتشفع للشعب استند على هذه النقطة: “أنا أعرف أن الشعب لا يستحق وارتكب غلطة كبيرة”. ففي سفر العدد إصحاح ١٤ وعدد ١٩، كلم موسى الرب وقال له: “اِصْفَحْ عَنْ ذَنْبِ هذَا الشَّعْبِ كَعَظَمَةِ نِعْمَتِكَ…”. كلمة “نعمتك” هنا هي “حِسِدْ” في العبرية. “هذا الشعب لا يستحق، لكن لأن التزامك كبير وضخم جدًا تجاهه…”. فجلس يذكر الله كأنه يقول: “تذكر من أنت يا رب تجاه هذا الشعب”.
* من الختان إلى الصليب: قوة العهد
بولس في العهد الجديد فهم هذا وقالها بنفس الطريقة. عندما يقول بولس في عبرانيين ٢: ١٧: “مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا للهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ.” عبرانيين ٢: ١٧. كلمة “ينبغي” تعني “كان ملتزمًا”. إن الله نفسه، رغم كل إخفاقات الماضي، يحب الإنسان لدرجة أنه التزم وأخذ صورة إنسان، نزل وتخلى عن مجده وأصبح في جسد بشري، يسوع المسيح، ومشى على الأرض وقال: “أنا ملتزم تجاه الإنسان”.
داود كان فاهمًا هذا الالتزام. لهذا، أول شيء تكلم به عن جليات، عندما سأل، قال: “مَنْ هُوَ هذَا الْفِلِسْطِينِيُّ الأَغْلَفُ…؟” (١ صموئيل ١٧: ٢٦. لماذا “أغلف”؟ ما علاقة هذا بالعهد؟ لأن الله بعد ذلك أعطى إبراهيم علامة للعهد هي الختان، وقال له إن كل من يُختن سيدخل تحت هذا العهد. فداود فاهم أن جليات هذا أغلف، ليس تابعًا للعهد، ليس من نسل إبراهيم، إذًا هو بلا قوة! العهد يمنح القوة للناس الذين تحته. لهذا، هو لم ينظر إلى ضخامته، بل نظر إلى ضخامة العهد الذي يفهمه. هذا العهد يعطيني كل شيء، يجعلني أهزم أعدائي. فلم يرتعب من ضخامة الجسد الذي أمامه، بل نظر إلى ضخامة العهد. لقد رأى مستقبله بدون جليات، لدرجة أنه حسمها من البداية وقال له: “أَقْطَعُ رَأْسَكَ عَنْكَ” (١ صموئيل ١٧: ٤٦، مع أنه لم يكن معه سيف.
صلاة وتطبيق عملي: عش في قوة العهد
على كل نور يُستعلن لنا، نصلي لأجل كل استنارة تحدث في أرواحنا وأذهاننا، لأجل هذا الإعلان. كما وصل إبراهيم إلى إدراك الالتزام والعهد الذي عمله الله معنا. وهذا ما نتمنى أن نصل إليه اليوم، أن يدرك كل شخص ما عمله الله، ويدرك كم الالتزام الذي ألزم الله نفسه به شخصيًا. فكم وكم أنا… من أنا أو ما هو الأهم مما عمله الله؟ في الثواني الأخيرة من حلقتنا، لنصلِّ مع الناس، لنصلِّ لأجل أن يُستعلن بداخلنا أكثر استنارة للكلمة.
* دعوة للدخول في العهد الجديد
أمين. أشجعك، صلِّ معي. لو كنت تشاهدنا ولم تقبل يسوع بعد، لم تدخل في هذه العلاقة الرائعة التي سنكتشف لاحقًا أنها في العهد الجديد أصبحت أعلى من مستوى العهد. نعم، هناك شيء أعلى كان الله يخبئه لنا. يمكنك أن تدعو يسوع إلى حياتك الآن. قل ورائي هذه الكلمات من قلبك وأنت تعنيها. لقد رأينا كم أن هذا الإله ملتزم تجاه الكلام الذي يقوله.
“يا رب، أنا آتي إليك، وأصدق في محبتك لي وفيما عمله يسوع من أجلي. أصدق أنه مات من أجل خطاياي، وأنه قام ليعطيني البر وأصير بارًا بلا خطية. أنا أقبل ما عملته لأجلي الآن. أنا أصير ابنك، وأستقبل الحياة الأبدية”.
يمكنك أيضًا أن تمتلئ بالروح القدس وتختبر اختبارًا رائعًا جدًا، أن يسكن الله بنفسه فيك، وتصير أنت الهيكل المتحرك، في علاقة أعمق جدًا. كل ما عليك هو أن تطلب الروح القدس. هذا ما قاله الرب يسوع، إن من يريد الروح القدس يطلب من الآب، والآب يعطي الذين يسألونه. وابدأ انطق بألسنة، انطق بالكلمات. الروح القدس حاضر في كل مكان، هو يحوطك الآن. ادعُ الروح القدس: “تعالَ ادخل حياتي، أنا أقبل الروح القدس في حياتي الآن”. في هذه اللحظة، تصبح لديك القدرة أن تنطق بكلمات سماها الكتاب “ألسنة”، وهي لغة روحية تُخرج القوة من داخلك. الآن استقبل الروح القدس، باسم يسوع. هللويا.
* عش كشخص مبارك: اضبط أولوياتك
ولكل شخص يشاهد، لو كنت في وقت بدأت تبتعد عن التزامك تجاه الله، الآن عُد. كفى أن تكون في هذه الوضعية، كفى أن تكون في عدم انضباط. إذا كان هو قد أحبك بهذا المقدار، كيف لا ألتزم معه؟ ليكن هو الأول. أعد ترتيب أولوياتك ثانيةً. عدم ترتيبها هو ما أدخل الخوف، هو ما أدخل المرض إلى الحياة، هو ما يجعلكِ لا تعرفين أن تنامي بالليل. الأولويات ليست مرتبة صح. إبراهيم كان في وسط الكنعانيين، وسط الناس الأشرار، ولم يكن خائفًا لأن أولوياته كانت صحيحة: المذبح أولًا، علاقتي بهذا الإله أولًا.
هذا هو الكفيل بأن يطرد عنك المرض، يختفي المرض فورًا بمجرد أن أضبط قلبي. ولا تستمع لأي أفكار فيها إحباط تشدك بعيدًا وتقول لك: “سترجع ثانية كما كنت”. هذه أكاذيب إبليس. هذه هي الجوارح، هذه هي الطيور التي كانت تريد أن تفسد العهد مع إبراهيم. أي شيء إلهي، يسعى إبليس ليفسده. يريد أن ينكد عليك طوال الوقت.
انتبه لما يقوله الروح القدس الآن. خذ الكلمة كما هي. “أنا أعود وأضبط حالي ثانيةً، أنا أعود وأجعل أموري مستقيمة في وضعية صحيحة. هو جعلني برًا، وأنا أسير بالبر الذي جعلني عليه. هو أعطاني القوة لأعيش البر، أعيش حالة الصواب هذه”. لن أخضع لأفكار سلبية، لن أخضع لأفكار طعن في الناس أو تشكيك أو تخوين، باسم يسوع. أمراض تختفي الآن. أيًا كان نوع المرض، لتحيا الحياة المجيدة. نحن لنا دور في هذه القصة التي بدأت مع إبراهيم، نحن الذين فينا تتبارك جميع قبائل الأرض. إياك أن ترى نفسك بعيدًا عن هذه الحقائق.
هللويا. لتكن حياتك مجيدة، لتكن أيامك مباركة باسم يسوع. لا يهم ما يحدث، لا تهم أي ظروف في العمل، حتى لو كان شخص يضطهدك. لا يهم المنصب الذي أنت فيه. أنت مبارك. هذا ما تفكر فيه: “أنا مبارك. البركة تنفجر في حياتي. قوة النجاح تعمل فيَّ. هذا ما أنا ملتفت إليه. هناك قوة للنجاح تعمل فيَّ، لا يمكن إعاقة بركتي، حتى لو اجتمع الأعداء ضدي، حتى لو اجتمعت الظروف ضدي، لا يمكن إعاقة البركة التي صارت لي. أنا في المسيح، إذًا أنا مبارك”. إبراهيم وُعد بها، ونحن أخذناها “على الجاهز”. لقد بُورِكنا بكل بركة روحية في السماويات. أخذنا الكل من عالم الروح. هللويا. لا فشل في الحياة، لأن البركة تشمل كل الجوانب، لدرجة أنك تصير مصدرًا، أنت مُعطٍ لهذه البركة. هللويا. تتبارك بيتك، تتبارك شركتك، يتبارك عملك، يتبارك الشارع والمكان السكني الخاص بك، لأنك مبارك. هذه هي العقلية التي تضبط نفسك عليها. هللويا.
__________
من تأليف وإعداد وجمع خدمة الحق المغير للحياة وجميع الحقوق محفوظة. ولموقع خدمة الحق المغير للحياة الحق الكامل في نشر هذه المقالات. ولا يحق الاقتباس بأي صورة من هذه المقالات بدون إذن كما هو موضح في صفحة حقوق النشر الخاصة بخدمتنا.
Written, collected & prepared by Life Changing Truth Ministry and all rights reserved to Life Changing Truth. Life Changing Truth ministry has the FULL right to publish & use these materials. Any quotations are forbidden without permission according to the Permission Rights prescribed by our ministry.
